![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
تحية طيبة ...
![]() "الوجود" و"العدم" هما من المفاهيم الفلسفية الأساسية.. وقد شرعا، في القرن العشرين على وجه الخصوص، يتغيَّران بما يجعلهما جزءا أيضا من مفاهيم الفيزياء، فبعضٌ من القائلين بنظرية "الانفجار الكبير" Big Bang يتحدَّثون عن خَلْقٍ للمادة من العدم، وعن "الاستمرارية" في هذا الخَلْق. وهُمْ يفهمون هذا الخَلْق على أنه حَدَثٌ يَحْدُث "في غفلةٍ" من قانون "حفظ المادة (حفظ الكتلة والطاقة)"، ولا يؤدِّي، أبدأ، إلى زيادة مقدار المادة في الكون؛ لأنَّ المادة المخلوقة، بحسب زعمهم، من العدم سرعان ما تفنى. إنَّها، بزعمهم، تفنى قبل أن "يحسَّ" بوجودها قانون "حفظ المادة"! "الوجود" و"العدم" إنَّما هما نقيضان، أو ضدان؛ ولكن ليس في المعنى الدياليكتيكي، فالدياليكتيك يَفْهَم النقيضان، أو الضدان، على أنهما شيئان متَّحِدان، متداخلان، لا يمكن، أبدا، أن يستقل أحدهما، في وجوده، عن الآخر.. وعلى أنهما شيئان يتحوَّل كلاهما إلى الآخر. إنَّ "الوجود" و"العدم" لا يتداخلان، ولا ينطوي كلاهما على الآخر، ولا يتحوَّل إليه؛ لأنَّ "العدم" خرافة فلسفية (وفيزيائية). "الوجود" إنَّما يشمل كل ما هو "موجود". و"الموجود" بعضه "مادة"، وبعضه "لا مادة". وهذا الـ "لا مادة" إنَّما هو "الوعي" و"الفكر" و"الشعور".. و"الروح". من "الوجهة الكمِّيَّة"، يمكن القول أنَّ "المادة" هي "معظم" الوجود؛ وقد كانت حتى ظهور الحياة، وظهور الإنسان على وجه الخصوص، "كل" الوجود. ولمزيدٍ من الوضوح، أقول إنَّ كل مادي (أي كل ما هو مادي) موجود؛ ولكن ليس كل ما هو موجود مادي، فـ "الوعي"، أي وعي الإنسان ـ الاجتماعي، موجود؛ ولكنه ليس بـ "المادة"، أو بـ "الشيء المادي". إذا قُلْنا بوجود يتألَّف من "مادة" و"وعي" فلا خلاف بيننا وبين "المثاليين (الموضوعيين والذاتيين)". الخلاف يبدأ عند البحث في أوجه العلاقة بين "المادي" والـ "لا مادي"، بين "المادة" و"الوعي (الفكر، الشعور، الروح)". الخلاف يبدأ عندما نقرِّر، بمعونة العِلْم، أنَّ "المادة" هي "الواقع الموضوعي، القائم في خارج الوعي، وفي استقلال تام عنه، والذي يمكنه أن ينتقل إلى الدماغ البشري، عَبْر الحواس، في شكل أحاسيس، منها، وبها، نؤسِّس المفاهيم والأفكار..". عندما نقرِّر، وبمعونة العِلْم أيضا، أنَّ "المادة" يمكنها أن تُوْجَد، وقد وُجِدَت، وهي موجودة، من دون "الوعي"، الذي لا يمكنه، أبدا، أن يُوْجَد من دون "المادة"، التي كانت ولم يكن من وعي. "الوعي" إنَّما هو خاصِّية الدماغ البشري، التي تظلُّ كامنة، غير ظاهرة، حتى يستوفي "الوعي" شرطه الاجتماعي، فـ "الوعي" هو خاصِّية دماغ "الإنسان الاجتماعي". و"الوعي" لا يُوْجَد، ولا تقوم له قائمة، من دون ثلاثة أشياء: "الدماغ البشري"، و"العالم المادي الخارجي"، أي كل ما يُؤثِّر في حواسِّنا من مادة، و"المجتمع". قد يُحيِّرني مشهد "المغناطيس يَجذب إليه برادة من الحديد بقوَّة غير مرئية"، فأتصوَّر خَلْقاً لهذا المعدن (المغناطيس) مشابهاً لـ "الخَلْق التوراتي للإنسان". قد أتصوَّر أنَّ المغناطيس خُلِقَ من "معدن يخلو من خاصِّية الجذب"، ثم قامت "القوَّة الميتافيزيقية الخالِقة" بإدخال هذه الخاصِّية فيه، فدبَّت فيه "المغناطيسية". هذا التصوُّر إنَّما ينبثق من "خَلَلٍ" في فَهْم العلاقة بين "الشيء" و"خواصِّه". إنَّ الشيء المجرَّد من خواصه (الجوهرية التي تميِّزه من غيره) لا وجود له، وإنَّ الخواص المجرَّدة من الشيء الذي يشتمل عليها لا وجود لها، فالمغناطيس المجرَّد من المغناطيسية لا وجود له، والمغناطيسية المجرَّدة من المغناطيس لا وجود لها. وفي "الخواص"، نقول أيضا إنَّ بين "الشيء" و"خواصِّه" وحدة عضوية لا انفصام فيها، فـ "المادة الحيَّة" لا تُوْجَد إلا ومعها، وفيها، خواصُّها الجوهرية. جَرِّد "المغناطيس" من "خواصِّه الجوهرية"، فهل يبقى من وجود للمغناطيس ذاته؟! كذلك يكفي أن تُجرِّد "المادة الحيَّة" من خواصِّها الجوهرية حتى لا يبقى من وجود لهذه المادة. القائلون بـ "القوَّة الميتافيزيقية الخالِقة" لا يُخالِفونكَ الرأي في أنَّ الدماغ البشري هو "مادة"، ولكنَّهم يفهمونه، كما يفهمون "المادة" في وجه عام، أي أنَّهم ينظرون إليه على أنَّه "مادة خاملة"، لا يمكنها أن تقوم، تلقائياً أو من تلقاء نفسها، بالعمل الذي تقوم به، فهي ليست سوى "أداة مادية" في "يد لا مادية خفيَّة"، اسمها "الروح"، فالدماغ البشري ليس أكثر من "قفاز" تلبسه هذه اليد! "الروح" هي التي تأمر هذه "المادة"، أي الدماغ البشري، فتُطيع وتُنفِّذ. تقول لها إفعلي هذا فتفعل، ولا تفعلي هذا فلا تفعل! فإذا أنا عطِشْتُ، فشربتُ الماء، فإنَّ عملي هذا هو نتيجة "أمر" أصدَرَتْهُ "الروح"، التي اتَّخذت "الدماغ" وسيلة مادية لنقل "الأمر" إليَّ، فنَفَّذْتُهُ إذ تناولتُ كأس الماء وشربت! الدماغ البشري، في تصوُّرهم هذا، إنَّما هو "مادة" عاجزة عجزاً مطلقاً عن أن تقوم بما تقوم به من عمل ونشاط من دون ذلك "الأمر" الذي يجيئها من تلك "القوَّة اللا مادية الخفيَّة" التي اسمها "الروح". الكائن المادي، مهما كان نوعه أو حجمه، إنَّما هو "واقع موضوعي". فهذا الكائن (القمر مثلاً) لا يُوْجَد "في داخل وعي" الإنسان، وإن وُجِدَت "صورته" في داخل هذا الوعي، كما أنَّ الوعي ليس بالقوَّة التي تجعل هذا الكائن موجوداً، أي "تَخْلِقه"، في خارج وعي الإنسان. إنَّه موجود في خارج وعي الإنسان، وفي استقلال تام عن هذا الوعي، فهذا الكائن الذي شقَّ طريقاً له إلى أحاسيسنا، التي تنسخه وتصوِّره وتعكسه، إنَّما يُوجَد في خارج وعي الإنسان، وفي شكل مستقل عنه، ثمَّ نحس به عَبْر حواسنا، فندركه بعقولنا ونفهمه. أَنْظُر إلى القمر، ثمَّ أغمِض عينيَّ، فأرى "صورة القمر" في ذهني (أتصوَّره). فهل القمر (لا صورته) يُوْجَد (بالفعل) في داخل ذهني، أو وعيي؟ كلاَّ لا يُوْجَد. وإذا لم يكن موجوداً في داخل وعيي فهل يكون وجوده (الفعلي) في خارج وعيي مرتبط بوعيي؟ هل أنَّ وجوده هذا قد خَلَقَهُ وعيي؟ كلاَّ لم يَخْلِقه. إنَّ "المادي" هو كل ما يُوجَد موضوعياً، أي في خارج وعي الإنسان، ومستقلاًّ عنه. الوعي (مهما كان نوعه) لم يأتِ قَبْلَ المادة ليخلقها من ثمَّ. ولمَّا كانت الأرض قد وُجِدَت قَبْلَ ظهور الإنسان والكائنات الحيَّة عموماً بملايين السنين صار واضحاً أنَّ المادة والطبيعة موضوعيتان، مستقلتان عن الإنسان ووعيه، وأنَّ الوعي هو ذاته نتاج للتطور الطويل للعالم المادي، فالخاصِّية المشتركة بين كل الأشياء والظواهر (المادية) تكمن في كونها موجودة في خارج وعينا، ومستقلَّة عنه، ومنعكسة، أو يمكن أن تنعكس، فيه. لقد نَظَرْتُ إلى هذا الشيء (المادي) الذي أمامي، ثمَّ أغمضتُ عينيَّ.. هل أستطيع أن "أراهُ"، الآن، حيث أغمضتُ عينيَّ؟ أجل أستطيع، ولكن هذه "الرؤية" ليست بالكاملة، فهناك جزء كبير من "تفاصيل" هذا الشيء لا "أراهُ" بـ "عينيَّ المغمضتين". إنَّني في هذه الحال من "الرؤية" لا أرى الشيء ذاته، وإنَّما "أرى" صورته المثالية، أي صورته الموجودة في داخل وعيي. وهذه الصورة لا تشتمل، كما أوضحنا، على كل تفاصيل "أصلها"، أي على كل تفاصيل هذا الشيء الموجود وجوداً موضوعياً. إنَّني "أرى" هذه الصورة المثالية، أي الموجودة في داخل وعيي فحسب. وعليه، أستطيع القول إنَّها "موجودة"، ولكن وجوداً غير موضوعي، وإنَّها "واقع"، ولكن واقعاً غير موضوعي. إنَّها موجودة؛ ولكنَّها موجودة؛ لأنَّ "اصلها" موجود في الواقع الموضوعي، فلو كان غير موجود لاستحال وجودها في داخل وعيي. وغنيٌّ عن البيان أنَّ "أصلها"، الموجود في خارج وعيي، قد وُجِدَ قَبْلَها، وأنَّ أي تغيير قد يطرأ عليها لن يؤثِّر، على الإطلاق، في "أصلها"، الذي كل تغيير يطرأ عليه يؤثِّر فيها. فإذا طرأ أي تغيير على "الأصل"، ففتحتُ عينيَّ، ثم أغمضتُّهما، فلسوف "أرى" هذا التغيير الجديد في الصورة المثالية لـ "الأصل". وهناك أشياء في الواقع الموضوعي أعجز تماماً عن رؤيتها بـ "العين المجرَّدة"، كجزيء الماء مثلاً، فكيف يمكنني، في هذه الحال، أن "أرى" صورها المثالية؟ الحل لهذه المشكلة يكمن في "التطور التكنولوجي"، الذي جاءنا بـ "المجهر الإلكتروني"، فتمكَّنا بفضله من أن نرى بعضاً منها، ومن أن "نرى"، بالتالي، صوره المثالية. ونحن لا نملك، الآن، من هذه "التكنولوجيا"، أو من "العين الاصطناعية"، ما يسمح لنا برؤية أشياء (مادية) أصغر حجماً، ولكننا نرى بـ "العين المجرَّدة"، أو بـ "العين الاصطناعية"، ما يدلُّ على وجودها، أي ما يدلُّ على أنَّها موجودة وجوداً موضوعياً. فـ "الشيء" الموجود وجوداً موضوعياً إمَّا أن نراه مباشرةً (بـ "العين المجرَّدة"، أو بـ "العين الاصطناعية") وإمَّا أن نرى (من الأشياء) ما يدلُّ على وجوده الموضوعي ويؤكِّده. إنَّني أرى، الآن، بـ "العين المجرَّدة" الآتي من الأشياء (والظواهر): كرة من الرصاص، قُمْتُ بإلقائها في إناء ممتلئ بالماء، فانسكب بعض من هذا الماء. لو أغمضتُ عينيَّ، بَعْدَ ذلك، فإنَّني أستطيع أن "أرى" صورة هذه العملية مع أشيائها، في داخل وعيي، أي أنَّني أستطيع رؤية صورتها المثالية الناقصة التفاصيل. عَبْر هذه العملية، وعَبْر غيرها من العمليات المشابهة، تمكَّن آرخميدس من اكتشاف "القانون" الآتي: إذا غُمِر جسم في سائل فإنَّه يفقد من وزنه بقدر وزن السائل المُزاح. في هذه الطريقة نتوصَّل إلى اكتشاف "القوانين الموضوعية"، فتَشْغُل صورها المثالية حيِّزاً من وعينا. ولكَ أن تقارن، الآن، بين صورتين مثاليتين موجودتين في داخل وعيكَ: "صورة القمر"، مثلاً، و"صورة قانون آرخميدس"، مثلاً. في المقارنة، سترى أوجه التماثل، وأوجه الاختلاف، التي من أهمها هذا "التجريد" في "صورة قانون آرخميدس". وفي داخل وعيي يُوجَد، أيضاً، صوراً مثالية ليس من أصول لها في الواقع الموضوعي، مثل صورة "عروس البحر"؛ ولكن حتى هذه الصور ما كان ممكناً أن تُوجَد في داخل وعيي لو لم تكن مؤلَّفة من "عناصر" لها أصول في الواقع الموضوعي. وهذه الصور إنَّما تشبه في عملية تركيبها أن تجيء بصور فوتوغرافية لأشياء عدة، ثم تقوم بتجزئة كل صورة بالمقص، ثم تأخذ جزءاً من كل صورة، ثم تُركِّبَ من هذه الأجزاء صورة جديدة، لن تَجِدَ، أبداً، أصلاً لها في الواقع الموضوعي، وإن كان لكل عنصر (أو جزء) منها أصل في هذا الواقع. ولكن ما الفَرْق بين هذين الشيئين الماديين: "القمر" و"الطاولة"؟ "القمر" لم "أخْلِقهُ" أنا، ولم "يَخْلِقهُ" البشر، فقد وُجِدَ قَبْلَ وجودي، وقَبْلَ وجود البشر. أمَّا هذه "الطاولة" فقد قُمْتُ أنا بـ "خَلْقِها"، ولكنَّني لم "أخْلِقها" من "العدم"، أي من "لا شيء". لقد "خَلقْتُها" من أشياء مادية كانت هي، أو كانت عناصرها، موجودة قبلي، وقَبْلَ وجود البشر. |
|
|
|
|
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| المادة, والوعى |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| المادة والوعي | فؤاد صباغ | حول المادّة و الطبيعة ✾ | 15 | 02-26-2016 12:40 PM |
| هل الأخلاق ضد المادة ؟ | منطقي منطقي | حول الحِوارات الفلسفية ✎ | 0 | 10-22-2014 05:49 AM |
| قـوانـيـن منتدى في المادة و الوجود و الكون | السيد مطرقة11 | حول المادّة و الطبيعة ✾ | 0 | 08-31-2013 11:18 PM |
| حرب صليبية جديدة ضد مادية المادة | السيد مطرقة11 | الأرشيف | 17 | 08-30-2013 08:06 AM |
| المادة بين الفيزياء والفلسفة | السيد مطرقة11 | الأرشيف | 4 | 08-30-2013 07:02 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond