شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات النقاش العلميّ و المواضيع السياسيّة > ســاحـــة السـيـاســة ▩

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 05-16-2016, 04:04 PM ابن دجلة الخير غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
ابن دجلة الخير
عضو بلاتيني
 

ابن دجلة الخير is on a distinguished road
افتراضي الاتفاقية الحرام (1).. مؤامرة "سـايكس ــ بيكوــ سـازانوف".. الثورة العربية الكبرى أو


مسرحية دارت فصولها فى القاهرة وبغداد ودمشق والحجاز
- مباحثات بطرسبرج السرية 1916 أول خطوة لتقسيم ممتلكات الإمبراطورية العثمانية
- روسيا تفضح سر الاتفاق البريطانى الفرنسى بعد 3 أشهر من تعهد ماكماهون بضمان استقلال الدول العربية
- بريطانيا ترتب لقاء الأمير فيصل ووايز مان فى العقبة للاعتراف بالأمانى الصهيونية فى فلسطين مقابل تنصيبه ملكاً للعرب
- لورانس العرب: وعودنا لشريف مكة لم تكن تساوى الحبر الذى كتبت به
- الحاج فيلبى: لم أر ضرورة للتدخل فى التطور الطبيعى للمسرحية.. فقد انتهى عصر الخلافة الإسلامية على يد مصطفى أتاتورك
هناك شخوص لعبوا أدواراً خطيرة على مسرح السياسة العربية قبيل الحرب العالمية الأولى وخلالها وبعدها، منهم: لورانس أم فيلبى، جيرترود، هوجارت، ستورز.. وغيرهم من أعضاء – المكتب العربى بالقاهرة – ممن وضعوا الخطط ومهدوا لاتفاقية «سايكـس – بيكـو» وأقاموا عروشا ودعموا أركانها، ومن تبوأوا هذه العروش ظلوا عملاء لبريطانيا، ينفذون مخططاتها مقابل «صفائح العملات الذهبية الإنجليزية»!
ومن هؤلاء الإنجليز، من قام بأدوار البطولة والبعض الآخر قام بأدوار الكومبارس فى «مسرحية – والتعبير لفيلبى»! أعدت فى القاهرة وبغداد والرياض وجدة وعمان ودمشق .. أقاموا عروشاً وكيانات مصطنعة مثل إسرائيل و«غيرها»! ومما لا شك فيه، أن التاريخ العربى فى تلك الحقبة قد تم تزييفه إرضاء لأسرة مالكة أو حاكمة.. وأن الحقائق التى تمس هذه الحقبة مازالت مستترة وراء أستار كثيفة من الزيف والتضليل!
اتفاقية «سايكس – بيكو - سازانوف»
عقب اندلاع الحرب العالمية الأولى خططت دول الحلفاء من أجل تحقيق مآربها القديمة فى تقسيم ولايات المشرق العربى التابعة للامبراطورية العثمانية، وبدأ المخطط بإجراء مباحثات سرية خلال عام 1915 بين سير ومسيو «جاستون دوميرج –G.Doumerge» وزير خارجية فرنسا و«سازانوف – Sazanauf» وزير خارجية روسيا القيصرية، فى لندن وباريس وبتروجراد، وظلت المذكرات السرية متبادلة بين الدول الثلاث حتى مارس 1916 عندما تم التوقيع على معاهدة «بطرسبرج»السرية لتقسيم ممتلكات الإمبراطورية العثمانية وكان أهم بنودها:
1- منح روسيا القيصرية الولايات التركية الشمالية والشرقية.
2- منح بريطانيا وفرنسا الولايات العربية التابعة للباب العالى.
3- إنشاء إدارة دولية فى فلسطين يتم تحديدها بعد استشارة روسيا القيصرية وبالاتفاق مع بريطانيا وفرنسا وشريف مكة!
فى التاسع من مايو 1916 تم التوقيع على الجزء التنفيذى من معاهدة بطرسبرج بين الدول الثلاث، والذى اشتهر فيما بعد باسم المتفاوضين «مارك سايكس» عن الجانب البريطانى و«جورج بيكو» عن الجانب الفرنسى .. وبموجب هذه الاتفاقية يمنح قيصر روسيا: إسطنبول والمناطق المتاخمة لمضيق البوسفور وأربع ولايات متاخمة للحدود الروسية شرقى الأناضول، إلى خمسة أقاليم على النحو التالى:
1- المنطقة الزرقاء: وتشمل لبنان بدءاٌ من صور وتمتد شمالاً وتتسع فى تركيا لتصل إلى نهر دجلة شرقا وتتجاوز مرسيس غرباً وسيواس شمالاً، وتخضع هذه المنطقة بكاملها للحكم الفرنسى.
2- المنطقة الحمراء: وتشتمل الكويت والعسير وجنوب العراق حتى جلولاء، وتتضمن البصرة وبغداد وكربلاء والنجف وتخضع للحكم البريطانى.
3- منطقة (أ) وتشمل المنطقة الممتدة من رواندزوز فى كردستان شرقاً إلى جبل لبنان غرباً وماردين شمالاً وطبرية جنوبا، وتشمل الموصل وحلب ودمشق وتخضع لحكم عربى تحت النفوذ الفرنسى، وبما يضمن لفرنسا الأفضلية فى الشئون المالية والتجارية والوظائف العامة!
4- منطقة (ب) وتمتد من السليمانية فى كردستان شرقاً إلى حدود مصر غرباً وإلى العقبة والساحل الشرقى من الخليج العربى جنوباً، وتخضع للنفوذ البريطانى على نحو مماثل للنفوذ الفرنسى فى المنطقة (أ).
5- منطقة فلسطين وتخضع لحكم دولى تستشار بشأنه روسيا وشريف مكة، وتستخدم فرنسا ميناء حيفا كميناء حر، ولإنجلترا ميناء الإسكندرونة بالضفة نفسها، كما منحت الاتفاقية بريطانيا حق إنشاء خط سكة حديدية بين حيفا وبغداد لنقل قواتها الحربية وحرصت الدول الثلاث على إبقاء هذه الاتفاقية سراً مكنوناً، حتى تسلم البلاشفة الحكم فى بتروجراد فأسرع تروتسكى إلى نشرها كنموذج للشكل الاستعمارى الذى قامت على أساسه الحرب العالمية الأولى، وبادر جمال باشا الوالى العثمانى على سوريا وبإيعاز من ألمانيا إلى لفت أنظار العرب إليها ومناشدتهم العودة إلى الصف الإسلامى! وإلى خداع إنجلترا وفرنسا لهم.
كان الكشف عن هذه الاتفاقية السرية من أشهر الفضائح السياسية والدبلوماسية الخاصة بالمكر والغدر بالعهود فى التاريخ، لا سيما أنها جاءت بعد نحو ثلاثة أشهر فقط من تعهدات ماكماهون للشريف حسين باستقلال ووحدة البلاد العربية، وزاد من جريمة بريطانيا، تلك المحاولات المضللة التى بذلها مكتبها العربى فى القاهرة !
وبالإضافة إلى عنصر الغدر وإنهاك حقوق الشعوب، كانت الحقيقة النفعية – جغرافيا وديموجرافيا – فى إخضاع المناطق الأكثر حضارة للحكم الاستعمارى المباشر، ومنح الاستقلال للمناطق الأقل حضارة !
وعقب الحرب العالمية الأولى، لم يلتفت أحد إلى هذه الاتفاقية عند التسوية النهائية، فقد وجدت كل من فرنسا وإنجلترا نفسيهما فى مأزق، بسبب انكشاف سرها، وأصرت فرنسا على التمسك بها مما استدعى عقد سلسلة من الاجتماعات بين «لويد جورج» و«كليمنصو» كان هدف فرنسا ضمان الاستيلاء على سوريا ولبنان، على الرغم من تدخل الرئيس الأمريكى ولسن، وإرسال لجنة «كينج – كرين» للتحقيق فى الموضوع، فقد ظل النزاع بين الدولتين المتحالفتين يتفاقم وتحول إلى عداء قومى وإعلامى، وفى الأول من سبتمبر 1919 تقدم لويد جورج بمقترحات تعترف فيها إنجلترا بحقوق فرنسا بالانتداب على سوريا بناء على تقاليد وبشكل جزئى، كما تضمنت المقترحات سحب القوات البريطانية من سوريا لتحل محلها قوات فرنسية فى الغرب وقوات عربية فى الشرق، وبالتحديد فى العقبة وعمان ودمشق وحمص وحماه وحلب، بينما المنطقة الساحلية على امتداد خط اتفاقية سايكس – بيكو تحت حكم الجيش الفرنسى، واحتفظت بريطانيا لنفسها بحق مد سكة حديدية وخط أنابيب نفط من العراق إلى ساحل المتوسط، وكان هدف لويد جورج توفير نفقات الاحتلال العسكرى فى منطقة لا تنوى إنجلترا الاحتفاظ بها، وطرح الاقتراح على المجلس الأعلى للحلفاء فى باريس فى 15 سبتمبر 1919 فوافق عليه كليمنصو بتحفظ واحد يتعلق بالحدود النهائية لمنطقة الانتداب، وبالتحديد حق فرنسا فى الاستيلاء على القسم الشرقى من سوريا أيضا، وهو ما فعلته..
وعارض فيصل بن الحسين هذا الاقتراح محتجاً بالبيان الأنجلو- فرنسى 1918 وبالتعهدات السابقة !!
مراسلات الحسين – ماكماهون
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى كان أمام العرب طريقان: الوقوف إلى جانب الدولة العثمانية أو الثورة عليها وتحقيق استقلالهم عنها، حاول الشريف حسين التوفيق بين الاتجاهين، فأرسل مبعوثين إلى الزعماء العرب ومدى استعدادهم للثورة، وفى الوقت نفسه ظل على تواصل مع «ماكماهون» المعتمد البريطانى بالقاهرة، حيث رأت فيه بريطانيا الزعيم المأمول لقيادة القوات العربية ضد الأتراك، نظراً لمكانته كشريف، مكة المكرمة ونفوذه بين القبائل العربية فى الحجاز، إلا أن الباب العالى طلب منه تأييد الدولة العثمانيه وعودتها إلى الجهاد ضد دول الحلفاء وتحرج موقف الحسين، خصوصا عندما حاصرت أساطيل الحلفاء سواحل الحجاز، وعبر الحسين عن رغبته فى التفاهم مع بريطانيا فى رسالة بعث بها إلى «رونالد ستورز» المستشار الشرقى بالسفارة البريطانية بالقاهرة وألمح إلى أنه يستطيع قيادة أتباعه، بشرط أن تتعهد بريطانيا بمساعدته، وأتاه خطاب «كتشنر» وزير الحربية البريطانية يتضمن وعداً قاطعاً بضمان بقائه أميرا لمكة، وحمايته من كل أعتداء خارجى ومساعدة العرب لنيل حريتهم بشرط مؤازرة بريطانيا ضد تركيا، ونشأت المفاوضات بمراسلات بين الحسين والمعتمد البريطانى فى القاهرة عرفت فى الأوساط الدبلوماسية بمراسلات الحسين – ماكماهون.
بدأت هذه المراسلات والرد عليها فى 14 يوليو 1915 وكان آخرها رسالة من ماكماهون فى 10 مارس 1916 وهى العاشرة.. رسائل الحسين كانت تطالب بريطانيا بالوفاء بوعودها والاعتراف باستقلال كامل بلاد الشام بما فيها فلسطين، وكانت ردود ماكماهون تتضمن «التزام حكومة جلالة الملك» بضم فلسطين إلى حدود البلاد العربية، ومذكرات ماكماهون كانت تتولى إعدادها دائرة الاستخبارات السياسية بوزارة الخارجية البريطانية...
أخذ زعماء الحركة القومية العربية على الحسين انفراده بالتعامل مع بريطانيا ووثوقه الكامل بوعودها، وكان عليه إبرام معاهدة صريحة ملزمة مصادقا عليها، لكنها نكثت بوعودها وطعنت العرب باتفاقية سايكس – بيكو ثم وعد بلفور، والذى منح فلسطين للعصابات الصهيونيه ليقيموا عليها دولتهم!
خروج روسيا من تحالف الأفيال!
انتهت الحرب العالمية الأولى بانتصار إنجلترا وفرنسا وهزيمة تركيا وألمانيا، وخروج روسيا القيصرية من «تحالف الأفيال» لانشغالها بالثورة الشيوعية أكتوبر 1917 لكنها فى ذروة الثورة العربية أعلنت نصوص الاتفاقية السرية! وضع الروس فى اعتبارهم عدم تكرار ما حدث فى عهد محمد على باشا وإبراهيم باشا، ثم فى عهد إسماعيل باشا والعمل ومعهم أوروبا على تحجيم الإمبراطورية المصرية، وعدم تقدم الجيش المصرى – مرة أخرى – والذى وصل إلى حدود الأستانة، و ألحق عدة هزائم بالجيش والأسطول الروسيين، بطلب من الباب العالى فيما عرف بحرب القرم، وأشادت الصحف الأوروبية بأداء الجيش المصرى، كذلك عندما استعانت الدولة العثمانية بالجيش المصرى فى حرب البلقان 1876 – 1877 ضد الصرب والروس والتى وصلت فيها القوات المصرية إلى «وارنه» على البحر الأسود، وكان أداء الجيش المصرى بقيادة الأمير حسن باشا بن إسماعيل موضع إعجاب القادة العسكريين والصحف الأوروبية، وقضى الجيش المصرى على طموحات روسيا القيصرية وتطلعها إلى الاستيلاء على الآستانة وميناءى البوسفور والدردنيل مع انشغال تركيا بالفتن والثورات التى أشعلها الروس!
ضرب مشروع محمد على باشا، وأجبر على توقيع معاهدة لندن عام 1840 بعد أن ساندت دول أوروبا الباب العالى فى مواجهة الجيش والأسطول المصريين ووقف تمدد الإمبراطورية المصرية وجيوشها، التى شكلت خطراً على روسيا وأوروبا عامة! من أجل ذلك، سارعت روسيا القيصرية إلى المشاركة فى معاهدة بطرسبرج التى عقدت بينها وبريطانيا وفرنسا فى مارس 1916، واتفاقية «سايكس – بيكو – سازانوف» تمثل الجزء التنفيذى من معاهدة بطرسبرج، لتقسيم ممتلكات الدولة العثمانية، وبموجبها كانت روسيا القيصرية ستحصل على الولاية التركية الشمالية والشرقية وشمال كردستان. المذكرات السرية كانت متبادلة وأيضاً الاجتماعات السرية بين وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية خلال الفترة من نوفمبر 1915 حتى 9 مايو 1916 بالتوقيع على الاتفاقية السرية الثلاثية، فرنسوا جورج بيكو القنصل الفرنسى السابق فى بيروت والمستشار السياسى بوزارة الخارجية، ومارك سايكس المندوب السامى البريطانى لشئون الشرق الأدنى، وسازانوف وزير خارجية روسيا القيصرية بنفسه!
كان «سازانوف» شديد الإعجاب بسياسة «بالمسترون»وزير خارجية بريطانيا عام 1840 ووضع رسالة بالمسترون إلى السفير البريطانى فى تركيا موضع اهتمامه الخاص والتى جاء فيها: «.. ومن مصلحة السلطان التركى أن يشجع عودة الشعب اليهودى إلى فلسطين، بإذن من السلطان وفى حمايته وبدعوة منه، ليكون حجرة عثرة أمام أى أهداف تخطر فى المستقبل بعقل محمد على أو من يخلفه، وأرجوك أن تضع هذه الاعتبارات أمام أعين السلطان والحكومة التركية بصفة سرية»!!
ووجد سازانوف فى المشاركة فى تلك الاتفاقية السرية تحقيقا لأطماع روسيا القيصرية بالاستيلاء على الولايات التركية الشمالية والشرقية، والخلاص من مشكلة يهود روسيا القيصرية بإيجاد وطن قومى لليهود فى فلسطين، الأمر الدى سيحقق أمن روسيا القيصرية بمنع مصر من التوسع وزحف جيوشها شرقاً ثم شمالاً!
كانت السلطات الروسية تفرض المزيد من القيود على يهود الدولة، وحصرت إقامتهم فى أماكن محددة، والتى وجد فيها بعض المثقفين اليهود ذريعتهم المنشودة فى محاربة فكرة الاندماج وضرورة البحث عن حل عملى للمسألة اليهودية.. سارع الحاخام صامويل موهيلفر إلى تأسيس حركة «أحبار صهيونية» التى دعت إلى استيطان أرض فلسطين وإحياء اللغة العبرية.. ولجأ صامويل إلى صديقه سازانوف الذى سعى إلى حصول الحركة على ترخيص من الحكومة الروسية باسم «جمعية دعم اليهود فى سوريا وفلسطين»! ومع ذلك ظلت مشكلة يهود روسيا تؤرق سازانوف خصوصا مع تصاعد حدة المجازر ضدهم !
وكانت تلك الأسباب الثلاثة التى دعت سازانوف للمشاركة فى هذه الاتفاقية السرية – أبرزها وضع حد للنفوذ المصرى الذى هدد حدود روسيا القيصرية، بإقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين – غير أن الثورة الشيوعية 1917 أطاحت بالقيصر ونظامه وأسرته ونظامه وسازانوف نفسه، وكان الإعلان عن نصوص الاتفاقية السرية نهاية لأطماع روسيا القيصرية وسياسة سازانوف..
وتم عن عمد أو تغافل - إسقاط اسم سازانوف – فى جميع المصادر السياسية والتاريخية وبكل لغات العالم وعلى رأسها العربية، حتى اشتهرت تلك الاتفاقية السرية فقط ب «سايكس – بيكو»!!
المكتب العربى بالقاهرة وأخطر الأدوار!
هو أبرز الأجهزة المنفذة للسياسة البريطانية فى الشرق العربى، قبيل وخلال الحرب العالمية الأولى، وكان جهازاً مستقلاً فى دار المندوب السامى بالقاهرة برئاسة البريجادير «جلبرن كلايتون» رئيس المخابرات المدنية والعسكرية للقيادة العامة البريطانية فى مصر، وضم المكتب مجموعة من رجال الاستخبارات المتخصصة فى شئون الشرق العربى وضباط ورحالة وعلماء آثار ومستشرقون وجميعهم تعرفوا على المنطقة العربية قبل الحرب وادعوا صداقة العرب وبعضهم عملوا مستشارين لقوات الثورة العربية أبرزهم: توماس إدوارد لورانس وجون فيلبى وأورسى جور ود. هوجارث ورونالد ستورز سكرتير الشئون الشرقية للمندوب السامى ومصر وكانوا على صلة وثيقة بمكتب المخابرات الحربية البريطانية فى العراق والكويت برئاسة: كامبل طوسون ومعه مسز جيرترود بل، المستشرقة وعالمة الآثار والتى كان لها الدور الأبرز فى تكوين العراق الحديث، وأطلق عليها العراقيون «الخاتون» .. بالإضافة إلى الدبلوماسيين الشهيرين: ديكسون وبرسى كوكس.. ولقاءات دورية سرية كانت تتم سواء فى القاهرة أم البصرة أم بغداد، وكان المكتب العربى بالقاهرة على اتصال مباشر بوزارة الخارجية ووزارة الحربية البريطانيتين، وقد تولى المكتب وضع تقارير عن المنطقة العربية أمام مخططى السياسة البريطانية، كما كان يصدر نشرة سرية تتناول الأوضاع السياسية والعسكرية فى البلاد العربية كانت تسمى «النشرة العربية – Arab Bulletin» وكان للمكتب أخطر الأدوار فى التحضير لاتفاقية «سايكس - بيكو - سازانوف» كما أعد تقارير عن مدى إسهام العرب فى الحرب ضد الأتراك، وأعد منشورات لكسب الرأى العام فى فلسطين والدعوة لمناصرة الشريف حسين، وأنه يعمل بالتعاون مع الجيش البريطانى، وسعى المكتب إلى التأثير على الشريف حسين من أجل ضمان تأييده للسياسة البريطانية فى الشام بخاصة فلسطين، ثم اتجه المكتب لتركيز الاهتمام بالأمير فيصل بن الحسين لحملة على الاتفاق مع اليهود باعتباره «فرصته الوحيدة لجنى ثمار الثورة العربية»!
وفيما بعد، نجح كلايتون وهوجارت ولورانس فى تدبير لقاء بين فيصل ووايزمان رئيس البعثة الصهيونية فى 4 يونيو 1918 فى «العقبة» وأبدوا تفاؤلهم الأمر الذى سيحل مشكلة الحكومة البريطانية فى «تنفيذ وعودها للطرفين» والتمهيد للحصول من الشريف على اعتراف ب «الأمانى الصهيونية فى فلسطين مقابل الاعتراف به ملكاً على العرب»!
لورانس والخدعة الكبرى!
الكولونيل «توماس إدوارد لورانس» 1888- 1935والذى اشتهر ب «لورانس العرب» خريج جامعة أكسفورد، انضم عام 1911 إلى بعثة بريطانية للتنقيب عن الآثار بالعراق، قبل الحرب العالمية الأولى، كان قد تعلم اللغة العربية، وتنقل فى بلاد الشام، ثم ألحق بالمخابرات الحربية البريطانية فى مصر، كما ألحق بالمكتب العربى.. فى كتابه «أعمدة العكمة السبعة – Seven Pillans of Wisdom، London، 1926» والذى نسج فيه هالة من القداسة والأسطورية حول شخصه، والكتاب نفسه وصف لورانس «بأنه أكبر عمل أدبى حديث يتساوى مع رواية الحرب والسلام لتولـستوى»!
كتب لورانس عن العرب «لا أدرى كيف يمكن للإنسان أن يثق بالعرب أو أن يأخذهم على محمل الجد.. أنا عرفتهم جيداً ومعرفتهم لا تساوى العناء الذى تحملته لكى أعرفهم»!
فى نوفمبر عام 1968 نشرت صحيفة التايمز وثيقة بخط لورانس فيها «إننى فخور ومستريح الضمير، لأن الدم الإنجليزى لم يسفك فى المعارك الثلاثين التى شهدتـها، فالعرب الذين أتقنت خداعهم وسقتهم بمئات الألوف إلى مذابح انتصارنا لا يساوون فى نظرى موت إنجليزى واحد، وكنت أعرف مبكراً أن وعودنا لشريف مكة لم تكن تساوى الحبر الذى كتبت به» !!
وتزامن ما نشر فى التايمز مع ما كتبه الصحفى الأمريكى «إدجار مورر» فى شيكاجو تريبيون: أنه ذهب إلى الأردن ليتقصى من شيوخ القبائل عن دور لورانس، فأقروا أمامه أن «لورانس كان جبانا وكذاباً ومخادعاً، لم يشترك فى معركة واحدة، ولم يكن له دور فى القيادة، بل كان لزعماء القبائل الدور الأكبر مثل الشريف ناصر بن على وعضو ب الزبن وبخيت بـن درويش وسالم الرصاعى وعوده بـن أنجاد .. وحتى الألغام التى ادعى زرعها على خطوط السكك الحديدية كان يقوم بها ضباط إنجليز وعرب منهم: عبد القادر الجندى ومولود مخلص والشيخ عوده الحويطى، أما دور لورانس الحقيقى فما تعدى نقل العملات الذهبية الإنجليزية إلى الشريف والقبائل البدوية لشراء ولائها»! ويضيف ادجار: «لم يكن لورانس إلا كذاباً دعائياً جعل منه البريطانيون بطلاً فذاً وعبقرياً» !
هذا هو لورانس الذى أطلق عليه «ملاك العرب غير المتوج» و«سلطان الصحراء العربية» والذى حمل أرفع النياشين البريطانية !
وفى كتابه «ثورة فى الصحراء – Revolution in Desert» لخص لورانس سياسة بريطانيا فى جملة باللغة الدلالة: «لقد وضعنا بمهارة مكة فى مواجهة الأستانة والقومية ضد الإسلام» .. واستطرد بأنهم فكروا فى مستقبل العالم العربى بعد الحرب العالمية الأولى، ووجدوا أنه ينقسم إلى قسمين، ففى الشمال دول متقدمة نسبيا لوجود أنهار وفيرة وحضارات قديمة وطبقات نالت خطأ من التعليم، بينما فى الجنوب صحراوات جرداء لا يزال البترول فى باطنها، وكتب: «لو أننا أعطينا الاستقلال للدول المتقدمة نسبياً، فسرعان ما تتقدم وتتحول للصناعة وتصبح خطراً علينا، ولذلك منحنا الاستقلال لليمن والحجاز، وفرضنا الحماية والانتداب على العراق وسوريا ولبنان وفلسطين»..
هكذا لخص لورانس سياسة الغرب فى تقسيم العرب ومنع تقدمهم اجتماعياً واقتصادياً وعلمياً! والولايات المتحدة التى ورثت الإمبراطورية البريطانية، تطبق نفس السياسة، فتضع «الثروة العربية فى مواجهة القوة العربية» حتى يفقد العرب جميعاً القوة والثروة معاً!!
وتجدر الإشارة إلى أنه طوال الثلاثة عشر عاماً الأخيرة من حياة لورانس، كان ونستون تشرشل وزير المستعمرات يرفضن لقائه – وهو الذى كان من أشد المقربين – ثم لفظه بعد أن أدى دوره.. ومع ذلك عند وفاة لورانس، أمر أن يدفن فى مقبرة سان بول التى تضم رفات أعظم قادة بريطانيا!
الحاج عبد الله فيلبى !!
الرحالة الأشهر وضاحب المؤلفات التاريخية والجغرافيا، الغزيرة والضابط والدبلوماسى 1885 – 1960 والذى كان مستشاراً سياسياً للملك عبد العزيز، ومن قبل الحرب العالمية الأولى، كان يعمل فى الظاهر كمسئول عن الدائرة السياسية فى البصرة، لكنه فى حقيقة الأمر كان عضواً بمكتب المخابرات الحربية البريطانية فى البصرة، كما كان عضو بالمكتب العربى بالقاهرة ..
اسـتـوقتنى فقرة دونها فيلبى فى كتابه «أربعون عاما فى البرية» ص 175 جاء فيها «هناك كراسة تربطنى بلورانس، وهى تتعلق بفكرة تحويل خارطة الشرق الأوسط، كانت تلك الكراسة بعنوان – الأروقة المقنطرة لحقبة زمنية منسية – من المحتمل أن تكون بالفعل قد أدينا دوراً فى ذلك التحول»! والأمر المؤكد أنهم أدوا أدوارهم ببراعة – تظاهر بالإسلام عام 1930 وأدى فريضة الحج واشتهر بالحاج عبد الله فيلبى وأصبح من أقوى المقربين حتى أثار بعضا من البلاط الملكى – فى المؤامرة الواسعة التى دبرتها بريطانيا وفى إطارها وزعت عملاءها وجواسيسها..
فيلبى يتظاهر بمناصرة آل سعود، ولورانس يتظاهر بمناصرة البيت الهاشمى، وجيرترود بل تتظاهر بمناصرة أمير حائل ابن رشيد، حليف الأتراك وعدو آل سعود.. كان لورانس يأمل بأن يحكم الأشراف الجزيرة العربية كلها، على الرغم من قناعة فيلبى مبكرا وعلى خلاف رؤية المكتب العربى: «أن رجل الأقدار فى جزيرة العرب هو عبد العزيز أل سعود وليس الشريف حسين بن على، هو رجل المستقبل القادر على تنفيذ سياسة بريطانيا فى المشرق العربى» وتناول فيلبى تفاصيل الحروب الطاحنة بينهما، بعد أن تدهورت علاقتهما حتى وصلت إلى درجة القطعية والعداء، لم يكن عبد العزيز ليرضى بأقل من سحق الهاشميين فى الحجاز، بينما يفاوض فيلبى الهاشميين ويتظاهر بمناصرتهم بوصفه «المشير الناصح الأمير» ويزود القبائل بالمال والسلاح لكى تنضم لصفوف الوهابيين.. كانت الثورة العربية فى أوجها، وعد الشريف حسين نفسه ملكاً للعرب، والأمر الذى لم يكن مقبولاً لدى عبد العزيز «وتطلب الأمر زيارة من رونالد ستورز لابن عبد سعود فى الرياض لينقل له الأهمية التى تعلقها الحكومة البريطانية على الملك حسين!» أيام عربية ص 193.
كما تحدث فيلبى عن دعم الأشراف والقبائل العربية بالعملات الذهبية الإنجليزية، تحدث أيضاً عن «حاجة ابن سعود إلى المال والسلاح إذا أرادت منه بريطانيا أن يحقق هدفها، لا سيما أن جميع وارداته لم تكن لتربو آنذاك على المائة الف جنيه فى العام تضاف اليها منحة سنوية قدرها ستون ألف ليرة ذهبية يتقاضاها من بريطانيا» !
وبينما كانت بريطانيا – ممثلة فى لورانس وفيلبى وستورز – تسرف فى وعودها للشريف حسين، وعقب توقيع اتفاقية سايكس – بيكو بنحو خمسة أسابيع كان الهجوم الكبير للوهابيين على الحامية التركية فى مكة المكرمة وذبح أكثر من 26 ألفا من أهلها ومن الأشراف، بالتزامن مع قصف الأسطول البريطانى لحصون جدة !
ووسط هذه التطورات السياسية والمعارك الرهيبة بين خصمين عربيين، أشار فيلبى فى أحداث مايو 1916- الشهر الذى وقعت فيه اتفاقية سايكس – بيكو – إلى التحرك الروسى فى العراق جزيرة العرب، فكتب «حدث فى مايو – بالمصادفة – أن مجموعة صغيرة من الضباط الروس حضروا عبر بلاد فارس لإجراء اتصالات رسمية مع قواتنا فى قطاع الكـوت.. ثم جاءوا لزيارة البصرة وتم الترحيب بـهم بحرارة أثناء إقامتهم وأعد لهم مطعم القسم السياسى حفلة عشاء كبيرة، قدم لهم فيها المأكولات والمشروبات الروسية احتفالاً بهذه المناسبة الفريدة! ولقد كان غريباً بالنسبة لأولئك الرجال الذين قاموا بتلك المسيرة الشاقة عبر جبل فارس، أن يحضروا حفل عشاء فى البصرة وهم يرتدون زيهم القوقازى الكامل، وكان هناك اثنان من ضباط استخباراتنا يتحدثون الروسية بطلاقة، ولذا فقد استمر المرح الصاخب إلى ساعة متأخرة من الليل»! أيام عربية ص 168 .
وكذلك تحدث عن الطيار الروسى «شيريكوف».. شخصية غريبة وسكير.. كان يعمل فى جدة لصالح الهاشميين، فكتب «أكد لى شيريكوف أن معظم الرسميين فى جده يريدون تعيينه رئيساً للأركان، واستعداداً منه لتسلم هذا المنصب كان يعد خطه لجلب نحو أربعين روسياً لقيادة الطائرات والدبابات التى كان يتم إصلاحها فى جدة بغرض تدمير السعوديين وطردهم من جدة، وبعد أن وصلت الطائرات قمت بزيارة أماكنها لمشاهدتها، وهناك عرض أن يوصلنى بسيارته للقاء القنصل الروسى «كريم خان حيمكوف».. كان شيريكوف يتقاضى راتباً شهرياً بلغ ستين جنيها إسترلينيا إضافة إلى خمسة جنيهات عند كل رحلة بالطائرة إلى جانب السكن المجانى والوجبات اليومية التى كانت تشمل زجاجة ويسكى يومياً يتقاسمها مع الميكانيكيين الروس!
أربعون عاماً فى البرية
تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد السوفيتى كان أول دولة تعترف بالمملكة السعودية – كما كانوا أول من اعترف بدولة إسرائيل – وأول دولة ترفع تمثيلها فى جدة بعد أربع سنوات من القنصلية إلى المفوضية ليصبح «حيمكوف» أول وزير مفوض فى السعودية، وبالتالى أصبح عميداً للسلك الدبلوماسى!
وكانت الإشارة الوحيدة فى كل مؤلفات فيلبى عن اتفاقية سايكس – بيكو تلك التى كتبها فى: أيام عربية ص 206 «وضعت معاهدة سايكس – بيكو فى عام 1916 التى ما زالت سرية صورة كاملة لتقسيم الأراضى العربية التابعة لتركيا بين إنجلترا وفرنسا، ولقد حازت الأخيرة على محافظة الموصل، بينما احتفظنا نحن ببغداد والبصرة.. وبدأ مواطنو بغداد المحبين للحرية يقولون إنه عندما يأتى دورهم فإنهم أيضاً لن يفوا بوعود تصدر عنهم تحت ضغط الحروب، ولهذا فإن الحاجة قد أصبحت ماسة لوجود صحيفة دعائية وبدأنا فى إحياء مشروع صحيفة العرب» !
وأشار فيلبى إلى أن الأوراق التى قدمها إلى برسى كوكس المعتمد البريطانى فى بغداد ومكتوب عليها «عاجل جداً» و«سرى» جعلت كوكس «راضياً تماماً عن النتائج التى تم تحقيقها» !
إمارة شرق الأردن
نجح الوهابيون فى اجتياح الحجاز بكامله، وضم إلى نجد ولقب عبد العزيز ب «سلطان نجد والحجاز» واقتنع تشرتل بوجهة نظر فيلبى بأن «عبد العزيز هو رجل جزيرة العرب»، وفى حماية البريطانيين نقل الشريف حسين وأسرته إلى قبرص وعاش بها حتى عام 1930 وعندما اشتد عليه المرض نقل إلى عمان وتوفى عام 1931 وعمل البريطانيون بقوة لتحجيم طموحات الوهابيين «حتى لا تصطدم بخطط ومشاريع المكتب العربى».. وتوصل المكتب العربى إلى فكرة تخصيص إمارة جديدة للهاشميين باقتطاع جزء تابع لفلسطين عام 1919 أطلق عليه «إمارة شرق الأردن» وتنصيب عبد الله بن الحسين بن على أميراً عليها، وتنصيب فيصل بن الحسين على سوريا ثم العراق .. تبنى الإنجليز إنشاء هذه الإمارة لخدمة أهدافهم السياسية، بينما رأى العرب أنها ستكون منطلق الثورة لتحرير الوطن العربى وإرغام بريطانيا وفرنسا على احترام العهود التى قطعوها على أنفسهم.. وتغلب دهاء الساسة البريطانيين وأدواتهم فى المنطقة على سذاجة الزعماء العرب، فتقلصت أحلام الأمير عبد الله وقبل بإمارة زائفة فى هذه البقعة من الأرض، وانتدب لورانس للعمل مؤقتاً كمعتمد سياسى بريطانى فى إمارة شرق الأردن، ثم خلفه فيلبى حليف ابن سعود وعدو عبد الله بن الحسين!
نهاية المسرحية ! رحلات «استكشافية» قام بها فيلبى فى أرجاء جزيرة العرب..
رحلات وجولات طاف فيها فيلبى ولورانس ما بين بلاد الرافدين وإمارة شرق الأردن وفلسطين وتركيا فى جو من المؤامرات والدسائس، فقد ارتبطا باليد الخفية ليقوما بأدوار البطولة فى هدم الممالك وإقامة الأخرى واللعب بمقدرات الشعوب!
وكم كان محقاً «الحاج فيلبى» عندما كتب فى لحظة صدق: «لم أر ضرورة للتدخل فى التطور الطبيعى للمسرحية، ولكن نهاية المسرحية كانت من نوع آخر لم يتوقعه أحد من المسئولين البريطانيين: فقد انتهى عصر الخلافة الإسلامية بعد أن أعلن مصطفى كمال إلغاءها !!
هل أدركنا حجم أقذر عملية غسل دماغ عرفها تاريخ الإنسانية، وهل عرفنا الفرق بين «الثورة الكبرى» و«الخديعة الكبرى» ومن كان المجرم.. ومن كان الضحية!
تفاهم فيصل ووايزمان !
فى كتاب «التجربة والخطأ» تحدث حاييم وايزمان – رئيس المنظمة الصهيونية العالمية عن لقائه بونستون تشرشل وفى حضور لورانس وفيلبى .. قال له تشرشل: «أريد منك أن تعرف أننى قد أعددت ترتيباً خاصاً، فأنا أريد أن أجعل من ابن سعود سيد الشرق الأوسط كله ورئيس الرؤساء بشرط واحد وهو أن يجرى تسوية معكم»! وتوجه إليه فيلبى قائلاً «اننى أعتقد أن قضيتكم لا يمكن حلها إلا بشرطين أولهما: أن يقوم مستر تشرشل والرئيس روزفلت بإبلاغ ابن سعود رغبتهما فى تنفيذ برنامجكم، وثانيهما أن عليهما أن يؤيداه فى سبيل سيادته على العرب، وأن يقدما له قرضاً يمكن من إعمار بلاده» !
وعقب رفض السوريين لجلوس الأمير فيصل على عرش سوريا، وفشل المخطط البريطانى، سارع تشرشل ومعه فيلبى ولورانس إلى تهيئة فرصة جديدة لفيصل فى العراق عقب لقائهما فى يونيو 1918 والتفاهم الذى تحقق بينهما على إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين !
حادثة العلم والبيان الأنجلو فرنسى 1918
خلال الحرب العالمية الأولى، كانت «حكومة صاحب الجلالة البريطانية» تحرص مراراً وتكراراً على التأكيد على حقوق العرب فى الحرية والاستقلال، ففى 15 يناير عام 1918 أعلن لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا فى خطاب عام «أن بريطانيا تعترف بحق فلسطين وسوريا والعراق فى الحرية والاستقلال وتكوين حكومات وطنية» !
وفى 8 فبراير 1918 أرسل بلفور – صاحب الوعد الشهير – برقية إلى الشريف حسين باسم الحكومة البريطانية ودول الحلفاء، جاء فيها «تؤكد حكومة صاحب الجلالة البريطانية مرة أخرى وعودها السابقة بتأييد استقلال العرب، ومساعدة البلاد العربية التى لم تنل استقلالها فى أن تحصل عليه عقب الحرب» !
والحقيقة أن أغراض الحلفاء كانت عكس ما وعدوا به العرب، واقتسام الولايات العربية التابعة للإمبراطورية العثمانية وجعلها مناطق نفوذ وتهيئة فلسطـين لتكون الدولة الموعودة للعصابات الصهيونية!
فى ذلك العام تحديداً، حاول الأمير فيصل بن الحسين أن يشمل لبنان بسلطته العربية فأرسل شكرى الأيوبى ممثلاً عنه إلى بيروت، ورفع الوطنيون العلم العربى هناك فى 3 أكتوبر 1918 تأكيداً لعروبة لبنان، وكانت هذه الحادثة «التاريخية» قبيل دخول القوات البريطانية والفرنسية إلى بيروت ببضعة أيام، فأثار ذلك غضب فرنسا التى ضغطت على الجنرال اللنبى ليأمر بإنزال العلم.. مما ولد هياجاً فى صفوف الجيش العربى وبين أبناء الشعب العربى، وزاد من حالة الغليان ما ذاع من أن بيروت ومدن الساحل السورى ستوضع تحت الاحتلال الفرنسى، مع توارد الأبناء بزيادة نشاط الصهاينة فى فلسطين، فاجتمع فيصل بالجنرال اللنبى، وأعلن أنه لا يستطيع كبح جماح القوات العربية إلا إذا أصدرت الدولتان المتحالفتان على الفور بياناً رسمياً يتضمن «صدق نياتهما» وأصبح لحادثة العلم صدى واسع بين الأوساط العربية التى اعتبرتها تأكيداً لسوء نيات الحلفاء، التى أفصحت عنها اتفاقية سايكس – بيكو ووعد بلفور.. وأمام تطور الأوضاع المنذرة بالخطر اتفق كل من انجلتر وفرنسا على إصدار بيان فى 7 نوفمبر 1918 يطمئن العرب فى العراق وسوريا وفلسطين ويؤكد عزم الحلفاء على تحرير الشعوب العربية «وتأليف حكومات وطنية منتخبة وتحقيق العدالة للجميع ونشر التعليم وتسهيل مهمة الحكومات التى ينتخبها الشعب بحرية»! وروج الحلفاء لهذا البيان فطبعت منه كميات هائلة ألصقت فى الأماكن العالية ونشرت فى الصحف المحلية، وتلى شفهياً من الموظفين العرب على جماهير الأميين !
مؤتمر لندن !
عقد هذا المؤتمر فى 12 فبراير 1920 فى أجواء نبذت فيها دول الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية) ميثاق عصبة الأمم وتجاهلت وعودها قبل الحرب وخلالها بتحرير الشعوب العربية والاعتراف بحقها فى تقرير مصيرها، وعقدت جلسات المؤتمر على أساس توزيع الغنائم حسب اتفاقية «سايـكس – بيـكو» وبحثت فى حصة كل دولة من الغنيمة، وانفض المؤتمر فى 3 مارس تاركاً مهمة إكمال توزيع الحصص وتفاصيلها إلى لجنة فرعية برئاسة لورد كيرزون وزير خارجية بريطانيا والتى عقدت 50 جلسة إحدى ضواحى باريس فى أكتوبر 1919 وأنهت أعمالها بوضع معاهدة فرضها الحلفاء على تركيا باسم «معاهدة سيفر» التى شملت المنطقة العربية بين البحر المتوسط غرباً والحدود الإيرانية شرقاً.. وفيها تم سلخ فلسطين عن سوريا، وقد اتفق الحلفاء بعد تقسيم المنطقة «على وضع فلسطين تحت انتداب دولة ينتخبونها، وهذه الدولة تكون مسئولة عن تنفيذ وعد بلفور بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين»!
مؤتمر سان ريمو
عقد المجلس الأعلى للحلفاء هذا المؤتمر بين 19 و 25 إبريل 1920 بمدينة سان ريمو بإيطاليا، وكان امتداداً لمؤتمر لندن فى فبراير 1920، وقد أسرع الحلفاء بعقد هذا المؤتمر للمصادقة على معاهدة سيفر عقب إعلان سوريا استقلالها وتنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً عليها فى الثامن من مارس 1920، وقد رسمت معاهدة سيفر مستقبل المنطقة العربية على أساس التجزئة والانتداب، طبقاً لمصالح دول الحلفاء دون أن يكون للعرب – الذين حاربوا إلى جانبهم أى شأن، وتجدر الإشارة إلى أن هذا المؤتمر قرر أن يدعو مندوباً عن تركيا ليتسلم نسخة من وثائق معاهدة سيفر وينقلها إلى حكومته لتوافق عليها دون أن يكون لها الحق فى الاعتراض!
ومن الطريف أن لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا وجه فى 15 إبريل 1920 قبيل المؤتمر، دعوة إلى الأمير فيصل بن الحسين .. لكنها وللأسف «وصلت متأخرة جداً»!!
من «الخدعة الكبرى» إلى «الربيع العربى»!
وتمضى 100 عام على اتفاقية سايكس – بيكو.. واليوم تعيش الشعوب العربية أسوأ عصورها، والزعم بمحاربة الإرهاب ليس سوى ستار لتنفيذ مخطط دولى رهيب لإعادة – تقسيم المقسـم – بين الولايات المتحدة ونفس القوى التى صاغت سايكس – بيكو الأولى ومعها أطماع تركية وإيرانية وروسية وكيانات عربية مصطنعة تبحث عن دور.. وتتباين المسميات من "الفوضى الخلاقة" إلى "الشرق الأوسط الجديد" بينما يتم تفكيك وتقسيم العراق وسوريا إلى دويلات هشة على أساس عرقى أو مذهبى تحكمها حكومات ضعيفة أو عميلة! وسيأتى دور اليمن وليبيا وغيرهما! وما يحدث اليوم من إسقاط أنظمة وفناء جيوش ودمار بلاد واقتصادات قوية وجماعات إرهابية تمرح .. كل ذلك تم التخطيط له فى أروقة استخبارات الغرب والموساد وبتمويل عربى! والثورة العربية الكبرى أو «الخدعة الكبرى» لا تختلف كثيراً عن «الربيع العربى» !!
مارك سايكس (1919 - 1879)
مستشار سياسى ودبلوماسى وعسكرى ورحالة بريطاني. كان مختصاً بشئون الشرق الأوسط ومناطق سوريا الطبيعية خلال فترة الحرب العالمية الأولى. وقّع عام 1916 على اتفاقية سايكس-بيكو عن بريطانيا مع بيكو، عن فرنسا، لاقتسام مناطق النفوذ فى أراضى الهلال الخصيب التابعة بمعظمها آنذاك للدولة العثمانية المتهاوية. كان سايكس فى باريس عام 1919 يفاوض من أجل اتفاق سلام بعد الحرب العالمية الأولى، ومات هناك وعمره 39 سنة فى غرفته بالفندق متأثراً بمرض الإنفلونزا الإسبانية المنتشرة آنذاك.
الشريف بن على (1934 - 1890)
من أبطال الثورة العربية الكبرى. حيث عمل مع الأميرين على وفيصل على حشد القبائل لرفع راية الثورة، وأبلى بلاء عظيما فى قيادة جموع القبائل منذ اليوم الأول للثورة.
وفى مايو 1917م أسند إليه الأمير فيصل قيادة حملة إلى البادية السورية، فغادر إلى وادى السرحان يرافقه الشيخ عودة أبو تايه، بعد أن حشد قوة من رجال القبائل. عين حاكما على حلب وبعد معركة ميسلون 1920م عاد إلى الحجاز. وفى عام 1925م غادر إلى العراق وأقام فى بغداد إلى أن وافته المنية عام 1934م.
فرانسوا بيكو (1951 - 1870)
سياسى ودبلوماسى فرنسى وقّع اتفاقية سايكس-بيكو عن الجانب الفرنسى بعد الحرب العالمية الأولى لاقتسام مناطق النفوذ مع بريطانيا فى منطقة الهلال الخصيب وأراض أخرى كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية. حتى عرفت الاتفاقية باسمه وسايكس الذى وقع عن الجانب البريطانى.
هنرى ماكماهون (1962 - 1949)
السير هنرى ماكماهون، الممثل الأعلى لملك بريطانيا فى مصر (1862 - 1949)، اشتهر بمراسلاته مع شريف مكة، الشريف حسين بن على بين عامى 1915 و1916 خلال الحرب العالمية الأولى. منح عام 1920 وسام النهضة من الدرجة الأولى من ملك الحجاز. ورفع عام 1925 إلى درجة فارس العدالة فى نظام سان جون.
جورج كليمنصو 1929 - 1841
رجل دولة فرنسى، انتخب مرتين لرئاسة الحكومة الفرنسية الأولى فى الفترة بين 1906 - 1909 والثانية فى الفترة الحرجة بين 1917 - 1920، إذ قاد فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى. أصبح عضواً فى مجلس الشيوخ (1902 ـ 1920م)، ووزيراً للداخلية عام 1906م، ورئيساً للوزراء للمرة الأولى (1906 ـ 1909م)، اعتزل كليمنصو الحياة السياسية فى كوخ صغير يشرف على المحيط الأطلسى فى مقاطعته فونديه ندييه ، وتوفى فى 24 نوفمبر 1929م عن 88 عاماً.
جون فيلبى 1960 - 1885
هارى سانت جون بريدجر ، ويعرف أيضاً باسم "جون فيلبي" أو الشيخ عبد الله، هو مستعرب، مستكشف وكاتب، وعميل مخابرات بمكتب المستعمرات البريطاني. لعب دوراً محورياً فى إزاحة العثمانيين عن المشرق العربي، وخصوصا عن السعودية والعراق والأردن وفلسطين. أعلن إسلامه وخطب الجمعة فى الحرم المكى عن فضائل آل سعود على الهاشميين حكام الحجاز سابقاً. بعد ثورة العشرين فى العراق، عُيّن فيلبى وزيراً للداخلية فى حكومة الانتداب البريطانى بالعراق، وفى نوفمبر 1921 عُيـِّن رئيساً للمخابرات بحكومة الانتداب البريطانى بفلسطين وعمل مع لورنس العرب لفترة. فى عام 1939 رشح فيلبى نفسه لعضوية مجلس العموم البريطانى عن حزب الشعب البريطانى.
توماس إدوارد 1935 - 1888
لقب بـ "لورنس العرب "، ولد لأم من أسكوتلندا وأب من إنجلترا. وهو ضابط بريطانى اشتهر بدوره فى مساعدة القوات العربية خلال الثورة العربية عام 1916 ضد الدولة العثمانية عن طريق انخراطه فى حياة العرب الثوار وعرف وقتها بلورانس العرب، لاحقا كتب لورانس سيرته الذاتية فى كتاب حمل اسم أعمدة الحكمة السبعة، قال عنه ونستون تشرشل: "لن يظهر له مثيل مهما كانت الحاجة ماسة له"، لقى مصرعه نتيجة سقوطه من على دراجته النارية فى 19 مايو 1935م.
فيصل الأول 1933 - 1883
الملك فيصل الأول بن حسين بن على الهاشمي، ثالث أبناء شريف مكة حسين بن على الهاشمي، وأول ملوك المملكة العراقية (1921-1933) وملك سوريا (مارس 1920- يوليو 1920) ينتمى إلى أسرة آل عون الهاشمية، سافر الملك فيصل الأول إلى بيرن فى سويسرا فى 1 سبتمبر 1933، لرحلة علاج، ولكن بعد سبعة أيام أُعلن عن وفاته فى 8 سبتمبر 1933 إثر أزمة قلبية ألمت به.
هارولد ديكسون 1959 - 1881
ولد هارولد ديكسون بمدينة بيروت فى ولاية الشام بالدولة العثمانية فى 4 فبراير 1881، كان والده القنصل العام البريطانى بالقدس، فى أغسطس من عام 1915 انتقل إلى العمل فى الإدارة السياسة تحت رئاسة السير بيرسى كوكس، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 انتقل إلى البحرين، حيث عمل كوكيل سياسى بريطانى فى البحرين. تقاعد من العمل عام 1936 وعين ممثلا محليا أعلى لشركة نفط الكويت وتوفى فى الكويت 14 يونيو عام 1959.
هربرت كتشنر
كان مشيرا والقائد الأعلى للجيش البريطاني. بدأ ضابطا بسلاح المهندسين الملكي، ثم عين حاكماً على المستعمرات البريطانية بمنطقة البحر الأحمر فى عام 1886م، ومن ثم أصبح القائد الأعلى للقوات المسلحة بالجيش المصرى فى عام 1892م. قاد كتشنر حملة الغزو الثنائى (البريطانى – المصرى) على السودان عام 1898م، والتى تصدت لها قوات المهدية فى معركة كررى الشهيرة، والتى أسفرت عن نهاية الدولة المهدية توفى عام 1916 إثر تحطم وغرق سفينة كانت تقله إلى روسيا بواسطة لغم ألمانى.
رونالد ستورز1916 - 1850
كان مسئولا فى مكتب الشئون الخارجية والاستعمارية البريطانى. دخل ستورز وزارة المالية المصرية عام 1904، بعد خمس سنوات من تعيينه "سكرتيرا شرقيا" للوكالة البريطانية، خلفاً لهارى بويل. عام 1917 كما شارك فى المفاوضات التى عقدت بين الشريف حسين والحكومة البريطانية وشارك فى تنظيم الثورة العربية عام 1917، أصبح "أول حاكم عسكرى للقدس منذ بيلاطس البنطي"، ، وفى عام 1921 أصبح ستورز الحاكم المدنى للقدس.
جمال باشا 1944 - 1881
قائد الجيش الرابع العثمانى ووزير البحرية، عين حاكماً على سوريا وبلاد الشام عام 1915 وفرض سلطانه على بلاد الشام، وأصبح الحاكم المطلق فيها. اشترك فى الانقلاب على السلطان عبد الحميد. وشغل منصب وزير الأشغال العامة عام 1913، ثم قائدًا للبحرية العثمانية عام 1914. قدم جمال باشا استقالته من منصب الوالى بعد تسلم الائتلافيين الحكم فى الدولة العثمانية، وقد غادر جمال باشا بغداد فى يوم 17 من أغسطس من السنة نفسها. وقُتل فى مدينة تبليسى عام 1922م.
يتبع
الاتفاقية الحرام (1).. مؤامرة "سـايكس ــ بيكوــ سـازانوف".. الثورة العربية الكبرى أو "الخدعة الكبرى"!! - الأهرام العربى http://arabi.ahram.org.eg/NewsContent/3/82284



  رد مع اقتباس
قديم 05-16-2016, 04:17 PM ابن دجلة الخير غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
ابن دجلة الخير
عضو بلاتيني
 

ابن دجلة الخير is on a distinguished road
افتراضي

الاتفاقية الحرام (2).. مشـروعات سايكس «2» الخرائط الجديدة للشرق الأوسط!

خطة بينون
إذكاء الصراع بين القوميين والإسلاميين والليبراليين ولبننة العالم الإسلامى لأن الدول العربية بيوت مبنية من أوراق اللعب
خطة برنارد لويس
تلاشى لبنان وتقسيم العراق لـ3 دويلات: سنية وشيعية وكردية.. وضم سيناء لإسرائيل.. مع استبعاد تقسيم مصر
خطة رالف بيترز
تشمل خطة لويس مع تفتيت السعودية وإيران وباكستان باعتبارها منبع الشرور بسبب (صراع المرحلة بين اليمين الإسلامى واليمين المسيحى اليهودى)
مخططات جولدبرج
السودان الجديدة وسيناء المستقلة وتقسيم الصومال ودولة درزية جنوب الأردن وشمال سوريا
بيينون: مصر «هشة».. ويمكن استغلال أقباطها المنعزلون بدويلة فى الصعيد
رالف بيترز: منح إمارات الخليج لشيعة العراق.. ودبى دولة مستقلة وعاصمة للهو والبيزنس
برغم أن سايس - بيكو الأولى كانت أول صفعة على وجه العرب ليفيقوا من ثباتهم العميق لكنهم جروا وراء خطة التقسيم الاستعمارية بين بريطانيا وفرنسا بحثا عن الخلاص من استبداد الخلافة العثمانية ليقعوا فريسة خالصة للاستعمار الأوروبى.
وبرغم أن الثورات العربية حررت العرب من الاستعمار مع نهاية الحرب العالمية الثانية، لكنها لم تحرره من الحدود المرسومة فى سايس - بيكو الأولى وزرع (إسرائيل) خنجرا فى قلب العالم العربى.
أما سايس – بيكو الثانية التى ظهرت بعد تلاشى القطبية أمريكا – الاتحاد السوفيتى فى أوائل التسعينيات فهى ليست إلا محاولة لتقسيم المقسم وتفتيت العالم العربى المفتت ليس على أساس قومى، ولكن على أساس طائفى - عنصرى.
ودخلت المنطقة بالفعل بعد حربى العراق وأفغانستان مرحلة «الفوضى الخلاقة» التى أعد لها «المحافظون الجدد» فى الولايات المتحدة بالتعاون مع الخبراء الإستراتيجيين الإسرائيليين، وما يحدث على امتداد الخريطة العربية هو ترجمة ميدانية لهذا الدخول، تمهيداً لتفتيت المنطقة، إلى دويلات عنصرية وطائفية، تلعب فيها «إسرائيل الكبرى» دور المركز، فيما تلعب الطوائف والأعراق والقبائل دور الضواحى.
الكومنولث العبرى
وتعد إسرائيل أول من وضع سايس - بيكو الثانية من خلال ثلاثة مخططات للتقسيم أولها مشروع جابوتسكى فى العام 1937 وهو بعنوان «الكومنولث العبرى» وهو يهدف إلى قيام «دولة إسرائيل» الكبرى التى تدور فى فلكها دويلات مقسمة عرقيا ومذهبيا وطائفيا ترتبط بها اقتصاديا وإستراتيجيا وأمنيا.
الثانى هو مشروع بنجورى (1957) الرامى الى تقسيم لبنان إلى مجموعة كانتونات مسيحية، درزية، شيعية، سنية، فلسطينية الى جانب بيروت التى تكون تحت وصاية دولية.
أما الثالث خطة عرويد بينون الذى عمل لفترة طويلة فى المخابرات والخارجية الإسرائيلية، ويعتبر العقل المدبر للعديد من إستراتيجيات حزب الليكود الذى يهيمن على الحكم حاليا فى الكيان الصهيونى، نشر يينون خطته فى مجلة (كيفونيم) وترجمتها (اتجاهات)، عدد فبراير 1982، والمجلة هى الإصدار الرسمى لقسم المعلومات بالمنظمة الصهيونية العالمية، وكان عنوان الخطة المنشورة بالعبرية:
إستراتيجية لإسرائيل فى الثمانينيات
لكى نستوعب تماما إطار الخطة، يجب أن نستعرض سريعا الأحوال الإقليمية والعالمية فى ذلك الوقت، فى أوائل سنة 1982، كان الاتحاد السوفيتى ما زال قائما، يحتل أفغانستان، يهيمن على شرق أوروبا، ويناطح أمريكا فى حرب باردة، إسرائيل عقدت اتفاقية السلام مع مصر وسلمت معظم سيناء، الحرب العراقية - الإيرانية كانت فى أوجها، وكذلك الحرب الأهلية اللبنانية.
لبنان كان واقعيا مقسما لـ 5 دويلات آنذاك، ما بين شمال فى أيدى المسيحيين التابعين لسليمان فرنجيه بتأييد من سوريا، وشرق يحتله الجيش السورى، ووسط يسيطر عليه الجيش اللبنانى، ومحاذاة نهر الليطانى الذى تهيمن عليها منظمة التحرير الفلسطينية، وجنوب موال لإسرائيل بقيادة ميليشيات سعد حداد (برغم الأكثرية الشيعية).
فكرة انقسام لبنان تلك، كانت تروق جدا للإسرائيليين بشرط إعادة توزيع الأقسام لتحقق لهم أكبر قدر من الأمن، بعد التخلص من الجيش السورى ومنظمة التحرير.
من هنا، نبتت فى ذهن يينون (فكرة لبننة) العالم الإسلامى كله، فهى تقريبا الطريقة الوحيدة التى قد يتمكن بها شعب صغير مثل الشعب اليهودى من حكم مساحة تمتد من النيل للفرات، بالإضافة للمصلحة العقدية المادية فى التقسيم الطائفى للمنطقة، رأى بينون فائدة أخرى فى إرساء شرعية دولة إسرائيل، بما أن كل طائفة ستكون لها دولة، فوجود دولة يهودية يصبح مبررا تماما من الناحية الأخلاقية.
اعتبرت الخطة أن أهم محاور الإستراتيجية المستقبلية لإسرائيل عقب الانتهاء من لبنان، يجب أن تتركز فى تقسيم العراق لـ 3 دول: شيعية – سنية – كردية، ومن بعد لبنان والعراق، مصر وليبيا والسودان وسوريا والمغرب العربى وإيران وتركيا والصومال وباكستان، استمد يينون واقعية مخططه من إشكالية أن الحدود العربية الحالية غير قابلة للدوام، مما يجعل الدول العربية أشبه ببيوت مبنية من أوراق اللعب للأسباب التالية:
> معظم الدول العربية تضم عدة طوائف غير منسجمة.
> الحكم تستحوذ عليه طائفة بعينها (فى بعض الأحوال الطائفة الحاكمة أقلية مثلما هى الحال فى سورية والعراق ولبنان والبحرين).
> توجد صراعات على الحدود بين عدة دول عربية.
تصارع الأيديولوجيات بين الإسلاميين والقوميين والوطنيين سيصعد الصراعات الداخلية فى كل دولة، لم يرسم يينون خرائط لمخططه، ولكنه رأى سوريا مقسمة لـ 4 دويلات: سنية فى دمشق، وأخرى فى حلب، ودرزية فى الجنوب، وعلوية على الساحل، وتصور أن المغرب العربى سيُقسَّم بين العرب والبربر، أما الأردن فاعتبرها وطن المستقبل للفلسطينيين بعد سقوط مُلك الهاشميين، وأما الخليج العربى فوصفه بـ(قصور على الرمال): نخب حاكمة فى أبراج عاجية – السكان أغلبهم من جنسيات أجنبية– جيوش ضعيفة.
من المهم هنا استعراض ما كتبه يينون عن رؤيته لمصر بتفصيل أكثر: نظام حكم عقيم مفلس بيروقراطى وغير كفء – تكدس سكاني– شح موارد– تخلف علمى – نخب ثرية وأغلبية مطحونة فقيرة محرومة من الخدمات الأساسية – بطالة – أزمة سكن - اقتصاد يشهر إفلاسه فى اليوم التالى لتوقف المساعدات الخارجية – يمكن إعادة البلاد لوضع النكسة فى ساعات.
فى كلمة واحدة، وصف يينون مصر بالدولة (الهشة)، الأقباط المنعزلون المتقوقعون جاهزون للاستقلال بدويلتهم فى الصعيد، بالنسبة لسيناء، كشف يينون عن حقيقة علمية مهمة، ألا وهى تطابق التكوين الجيولوجى بين سيناء ومنطقة الخليج، أى أنها تحوى نفس الكنوز النفطية، مما يعنى إضافة ثروة اقتصادية مهولة إلى جانب البعدين الدينى والإستراتيجي، وبالتالى حتمية عودة سيناء لحكم إسرائيل طبقا للخطة، هذا يفسر جزئيا حرص إسرائيل البالغ منذ اتفاقية السلام حتى الآن على بقاء سيناء صحراء قاحلة لا تنمية فيها، ولا تعمير باستثناء الشريط السياحى الساحلي، المصيبة أن هذا ما كان يفكر فيه الصهاينة منذ بدايات اتفاقية السلام.
الكارثة الأكبر أن بيينون قال إن كل ما سبق لن يحدث لمصر باستخدام قوة عسكرية أو صراع مسلح، بل هو على يقين أن أداء النظام الحاكم فى مصر سيسوق البلاد لذلك الانهيار من تلقاء فساده وسوء إدارته أيام مبارك بدون أى تدخل مباشر من الإسرائيليين.
بعد 4 أشهر من نشر هذا المخطط، قامت إسرائيل بغزو لبنان ولم تخرج إلا بعد 18 سنة، أبادت وطردت خلالها الفلسطينيين هناك، وفعلت ما يكفى لإخراج الجيش السوري، ولولا اتفاق الطائف وظهور حزب الله فى الجنوب لكانت لبنان مقسمة الآن إلى 5 دويلات، لكن الإشكالية أن لبنان ما زالت حتى يومنا هذا مقسمة فعليًّا، وإن احتفظت بوحدة حدودها السياسية. أما العراق، تم إنهاك جيشها فى حربه مع إيران، وما أن انتهت تلك الحرب حتى بدأت أولى خطوات تقسيمها بغزو صدام حسين للكويت فى سنة 1990.
خرائط برنارد لويس – 1992
مرت 10 سنوات على خطة بيينون، سقط خلالها الاتحاد السوفيتى وتفكك لـ 15 دولة، امتد التقسيم لتشيكوسلوفاكيا فى شرق أوروبا، وبدأ تفتيت يوغوسلافيا السابقة إلى 4 دويلات، خروج الاتحاد السوفيتى من أفغانستان قبل سقوطه لم يؤد إلى استقرار، بل إلى حرب أهلية حامية الوطيس بين المجاهدين، تشكلت المقاومة ضد إسرائيل، حزب الله فى جنوب لبنان وحماس فى فلسطين، قامت الانتفاضة ضد الاحتلال الصهيوني.
تصدعت القومية العربية تصدعا مدمرا بعد غزو الكويت وحصار العراق ومشاركة أمريكا مع عرب مسلمين فى قتال عرب مسلمين بشكل مباشر للمرة الأولى، ثم وجودها العسكرى غير المسبوق فى دول الخليج لحماية النفط والعروش، ولكن إلى جوار مقدسات المسلمين أيضًا، مما استفز الأصوليين فى أنحاء العالم الإسلامي.
فى هذه الأجواء، خرجت خرائط برنارد لويس، والحقيقة أن له خريطة سابقة أصدرها فى سنة 1974، ولكنها كانت تستهدف نهش أطراف الاتحاد السوفيتي.
أما الخرائط الجديدة، فقد اختصت الشرق الأوسط، وبدت وكأنها نموذج معدل لخطة بيينون، فى ضوء المتغيرات الإقليمية ويقوم مشروع برنارد لويس أيضا على تقسيم المنطقة طبقًا لخطوط عرقية طائفية لغوية، ويتطرق للبننة (نسبةً للبنان) وكذلك الحرب العراقية الإيرانية، عندما زود الغرب كل الأطراف بالأسلحة الفتاكة لكى يظل القتال مستمرا لأطول فترة ممكنة قبل أن يدرك المتصارعون كم كانوا أغبياء، ويعتبر برنارد لويس غزو العراق للكويت النهاية الفعلية لسيطرة العرب على سلاح البترول، فلن تتمتع بعده أية دولة نفطية بالاستقلال أو القوة، وكلمة السر هى (التحكم من الخارج)، دون الحاجة لاحتلال عسكرى على الأرض إلا بالقدر الذى يحمى موارد البترول إذا تعرضت لخطر مسلح.
بمقارنة خريطة لويس مع خطة يينون، نجد أنهما اتفقا على محو الدولة اللبنانية من الوجود وتقسيم العراق لـ 3 دويلات: سنية وشيعية وكردية، وضم سيناء لإسرائيل، ولكن برنارد لويس اختلف مع يينون فى الآتى:
– استبعد تقسيم مصر، (على أن تضم إسرائيل سيناء كما فى خطة يينون).
– استبعد تقسيم سوريا.
– ركز لويس أكثر على منطقة شرق الخليج العربي: إيران وأفغانستان وباكستان وكيفية تقسيمها، وقد ذكر يينون ذلك ولكنه لم يتطرق للتفاصيل.
خطة برنارد لويس لا تكتفى بخرائط صماء تستغل الصراعات الطائفية والعرقية، ولكنها اشتملت أيضا على إشعال 9 حروب فى المنطقة، وعاشرتهم حرب البلقان فى أوروبا التى توقع أن تمتد لشرق البحر المتوسط، تلك الحروب ستسرع عجلة تقسيم المنطقة، وبعد التقسيم تنشب حرب أخرى كبرى عربية - إيرانية بمجرد هيمنة إيران على الدويلة العراقية الشيعية وتركيا (أيام الانقلابات العسكرية على الحكومات ذات التوجه الإسلامي)، فإن ذلك لم يمنعه من طرح تصور الدولة الكردية التى تقتطع جزءا من تركيا، من المثير للاهتمام أن لويس تكلم عن تنظيمات إسلامية مسلحة مصنوعة فى بريطانيا (على غرار داعش)، وأن استبداد الحكام فى الدول الإسلامية سيغذى تلك الميليشيات، مما يصب فى مصلحة خطط التقسيم، إذ أن الانتصارات العسكرية لهؤلاء ستسهم بصورة كبيرة فى إضعاف السلطة المركزية، ومن ثم تؤدى إلى سقوط الدول القائمة فقط على جبروت النظام، حيث تغيب المجتمعات المدنية الصلبة التى تحفظ نظيراتها فى الغرب.
بعد 10 سنوات من نشرها، وجدت رؤى برنارد لويس الاستعمارية النفطية ضالتها فى إدارة جورج دابليو بوش التى استعانت بلويس كمستشار لها قبل غزو العراق.
حدود الدم – رالف بيترز 2006
فى الـ 14 سنة التالية لمخطط برنارد لويس (1992 – 2006)، تنامى بشكل متواز تقريبا اليمين الإسلامى الجهادى متمثلا فى تنظيم القاعدة فى مقابل اليمين المسيحى - اليهودى متمثلًا فى المحافظين الجدد بالحزب الجمهورى الأمريكى الذين وصلوا للحكم من خلال بوش الابن، والصهاينة التقليديين من أمثال شارون ونتنياهو الذين هيمن حزب الليكود من خلالهم على السلطة فى إسرائيل.
وبالتالى كان أهم ما شهدته تلك السنوات:
– انتفاضة سنة 2000 فى فلسطين.
– أحداث 11 سبتمبر.
– غزو أفغانستان.
- غزو العراق.
المختلف فى رؤية بيترز أنه لم يقصر تصوراته على هيمنة إسرائيل والمطامع الاستعمارية النفطية والتقسيمات العرقية الطائفية وحسب، لكن الأهم عنده كان تفتيت السعودية وإيران وباكستان باعتبارها منبع الشرور (نتيجة طبيعة صراع المرحلة بين اليمين الإسلامى واليمين المسيحى اليهودى) .
بدأ رالف بيترز مقاله الشهير بالحديث عن الحدود التى توفر الأمن لإسرائيل، ثم جعل الأولوية الثانية لدولة الأكراد، ورأى توحد سنة العراق مع سنة سوريا فى دولة واحدة (حدودها متطابقة إلى حد كبير مع المساحة التى تسيطر عليها داعش حاليا)، على أن تمتد دولة أخرى علوية من ساحل سوريا لساحل لبنان، وبالطبع دولة شيعية فى جنوب العراق، أما السعودية، فقد أراد أن يقسمها كالتالى:
جزء فى الشمال ينضم للأردن، الحجاز يستقل كدولة مقدسات ونموذج إسلامى من الفاتيكان، (وبالتالى يتم انتزاع الهوية الإسلامية للسعودية)، السواحل الشرقية تذهب لشيعة العراق، جزء فى الجنوب الغربى يندمج مع اليمن، وبذلك، لا يتبقى للسعوديين إلا نجد، وعاصمتهم الرياض فى قلبها.
كذلك يريد بيترز أن يعطى إمارات الخليج لشيعة العراق، بينما تصبح دبى بمفردها دولة مستقلة دون توجهات سياسية، وعاصمة للبيزتس واللهو فى المنطقة على غرار إمارة موناكو وعاصمتها مونت كارلو فى أوروبا.
طبعا ضم شرق السعودية وإمارات الخليج لجنوب العراق فى دولة شيعية موحدة كفيل بتعظيم الهيمنة الإيرانية، وهو ما لا يريده بيترز، لذلك يوصى باستفزاز نعرات قومية (عربية - فارسية) تخلق حزازات ونوعًا من التنافس بين إيران والدولة الشيعية العربية، على أن تحيط الدولة الشيعية العربية بالخليج كالكماشة بعد انتزاع غرب إيران وضمه لها، مع إضعاف إيران أكثر بانتزاع جزء آخر منها لصالح أذربيجان وجزء لكردستان وجزء لبالوشستان التى ستُقتطع من باكستان الحالية، (سكان الأجزاء المشار إليها واقعيًّا بالفعل ينتمون لتلك العرقيات: الإيرانيون فى الشمال الغربى أكراد، وفى الشمال أذربيجانيون عرقيًّا، وفى الجنوب الشرقى بالوشستانيون، وهم من أهل السنة ولا ينتمون للمذهب الشيعى.
مخططات جولدبرج
فى العام التالى لنشر (حدود الدم)، بدأ جيفرى جولدبرج، وهو من المنتمين لنفس جناح رالف بيترز داخل أروقة السياسة الأمريكية، وناشط له ثقله فى اللوبى الصهيونى هناك (بالإضافة لكونه جنديًا سابقًا بجيش الدفاع الإسرائيلى) فى كتابة سلسلة مقالات ترسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، على صفحات مجلة (أتلانتيك) الشهيرة، حدث هذا بالتزامن مع إقرار مجلس الشيوخ الأمريكى خطة غير ملزمة لتقسيم العراق، مما يجزم بأنها حملة منظمة.
– لأول مرة دولة (السودان الجديدة) فى جنوب السودان (تأسست رسميًّا بعدها بـ4 سنوات).
– لأول مرة دولة (سيناء) المستقلة، (بدأت أعمال العنف المسلح فى سيناء سنة 2004، وفى سنة 2013 أعلنت إسرائيل عن وجود وحدة لمكافحة الإرهاب تابعة للجيش الإسرائيلى تعمل داخل سيناء، وأخيرا ظهرت دراسات عن مراكز بحثية إستراتيجية إسرائيلية تمهد لفشل الجيش المصرى فى السيطرة على سيناء وأهمية وجود عسكرى دولى لحسم المعارك هناك).
– امتدت الخريطة هذه المرة لعمق إفريقيا بتقسيم الصومال.
– اعترف جولدبرج بقوة حزب الله ومركزيته فى جنوب لبنان، فتصور له دولة شيعية مستقلة.
– اصطناع دولة درزية فى شمال الأردن وجنوب سوريا.
الدولة المدينة
وفى مقال للنيويورك تايمز فإنه خلال الفترة من 2104 -2106، تم عرض أطروحات أخرى لتقسيم المنطقة عبر مراكز الدراسات الإستراتيجية ومنابر الصحافة العالمية، لا ترقى هذه الأطروحات لتوصيفها بـ (المخططات) لأنها أولًا أقرب للتوقعات، وثانيًا، أنها قد جاءت فى كتابات بعض المحللين، ولم تأتِ من دائرة صنع القرار، ثم إنها ثالثا تخلو من هدف إستراتيجى جامع يربط بينها.
ضمن تلك الأطروحات، أطروحة (الدولة المدينة)، النموذج الذى يتوقع أن ينتشر فى الشرق الأوسط خلال العقود المقبلة:
القدس ـ الحجاز ـ دبى ـ بغداد ـ مصراته ـ جبل الدروز، كلها مدن مرشحة للاستقلال بذاتها كدويلات ذات طابع خاص. كذلك، هناك فكرة تقسيم باكستان وأفغانستان لـ 4 دول.
يتبع
http://arabi.ahram.org.eg/NewsQ/82286.aspx



  رد مع اقتباس
قديم 05-16-2016, 04:26 PM ابن دجلة الخير غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [3]
ابن دجلة الخير
عضو بلاتيني
 

ابن دجلة الخير is on a distinguished road
افتراضي

الاتفاقية الحرام (3).. الأب الشرعى لـ «سايكس بيكو».. «مؤتمر كمبل» وحكاية وثيقة الشيطان!

"إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حد ما، ثم تنحل رويدا رويدا، ثم تزول والتاريخ مليء بمثل هذه التطورات.. فهناك إمبراطوريات، روما، أثينا، الهند، الصين، وقبلها بابل، وآشور، وسومر، والفراعنة وغيرهم .فهل لديكم وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوربى وانهياره ؟ أو تؤخر مصيره ؟ وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوربا قارة استنفذت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر فى شرخ شبابه يتطلع إلى المزيد من العلِم والتنظيم والرفاهية".
بهذا التساؤل الجوهري، افتتح رئيس الوزراء البريطانى "كامبل " المؤتمر اللعنة الأب الشرعى لكل تلك الاتفاقات التى مزقت الخارطة العربية بدءا من سايكس بيكو وصدور وعد بلفور مرورا بمؤتمر فرساى وحتى قرار تقسيم فلسطين الجائر الذى صدر عن الأمم المتحدة 1947 .
ليست سايكس بيكو وليس وعد بلفور سوى محصلة ونتيجة حتمية لمؤتمر "كمبل بانرمان" الذى اجتمع فيه مجموعة من الزعماء والعلماء الغربيين وطرحت عليهم أسئلة محددة عن مستقبل المنطقة العربية إذا عمها التعليم واستفادت من ثرواتها الوطنية ومن مكتسبات الثورة الصناعية الكبري.
وهكذا عقد المؤتمر الذى دعا إليه حزب المحافظين البريطانيين، فى لندن عام 1905 وبصورة سرية حيث كان الموضوع المعلن له أمام الرأى العام هو محاولة نزع سلاح محور الشر الذى كان يتمثل آنذاك فى ألمانيا والإمبراطورية العثمانية، واستمرت جلساته لمدة عامين، كانت القضية الرئيسية للمؤتمر هى مناقشة السبل التى يمكن من خلالها الحفاظ على مكتسبات الحقبة الاستعمارية لأقصى مدى ممكن. ضم المؤتمر الدول الاستعمارية الكبرى : فرنسا وبريطانيا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا وانتهى إلى وضع وثيقة سميت باسم "وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس وزراء بريطانيا، وحضره البروفيسور ( جيمس ) مؤلف كتاب ( زوال الإمبراطورية الرومانية ) والبروفيسور (لوى مادلين) مؤلف كتاب (نشوء وزوال إمبراطورية نابليون).
لماذا مؤتمر "كمبل"؟
كان بديهيا أن تشرع الدول الاستعمارية فى عقد هذا المؤتمر فى ذلك التوقيت مطلع القرن الحادى والعشرين، لأن المارد العربى كان قد بدأ آنذاك فى الخروج من القمقم والاستيقاظ بعد سبات طويل فى كهف الدولة العثمانية. بدأت اليقظة عندما حل الضعف بالإمبراطورية العثمانية التى أنهكتها الخسائر فى حروبها مع روسيا فذهب المغرب العربى إلى قبضة فرنسا وانفصلت مصر عن جسد الباب العالي، وبدأت الحركات القومية الانفصالية فى بلاد اليونان وحدثت الكثير من الاحتجاجا ت الشعبية فى بلاد الشام .
ومن هنا نشأ الفكر القومى العربى كرد فعل للضعف العثمانى. كانت الإرهاصات الأولى فى مطلع القرن التاسع عشر، عندما تنبه مفكرون مصلحون أمثال رفاعة رافع الطهطاوى وخير الدين التونسى إلى تلك الهوة السحيقة التى تفصل العالم الإسلامى عن نظيره الغربي. لكن تلك الرؤى لم تفض إلى دعوة للفرنجة أو الدوران فى فلك الغرب . بل على العكس من ذلك كانت دعوة لإصلاح الواقع العربى ومحاولة إحياء الإسلام السياسى وجاءت فى هذا الصدد جهود مفكرين إصلاحيين أمثال: جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ورشيد رضا وشكيب أرسلان . وتأسست جمعيات علمية وثقافية وسياسية فى مختلف أقطار الوطن العربى واكبتها جهود حثيثة من المثقفين، فعمل "جورجى زيدان" على إحياء التراث العربي، وأسس نجيب عازورى عصبة الوطن العربى 1904، وألف عبد الرحمن الكواكبى "طبائع الاستبداد " ليعالج أسباب تخلف الإسلام لغياب الدولة المستندة إلى الحرية وأحكام العقل .
وهكذا كان منطقيا لقوى الاستعمار أن تتأهب لتلك النهضة الوليدة فى العالم العربى حتى لا ينالها ما نال الإمبراطوريات السابقة التى انحسرت وأضحت من أطلال الماضى .
التوصيات الشيطانية
انتهى مؤتمر"كامبل " بطبيعة الحال إلى أن الأمة العربية لابد وأن تبقى مجزأة ومتخلفة حتى لا يضمحل الغرب كما اضمحلت الإمبراطوريتين الرومانية والإغريقية وكى يتم ذلك لابد من فصل الجزء الإفريقى عن الجزء الآسيوى بإقامة كيان غريب فى الثقافة والجنس يكون جسرا للغرب ويمنع قيام وحدة هذه البلدان. وانبثق عن المؤتمر تشكيل لجنة عليا ضمت خبراء السياسة والتاريخ والجغرافيا والاقتصاد، وبعد مداولات ومنا قشات وجدت اللجنة أن المستعمرات فى الهند والشرق الأقصى مأمونة الجانب، لأنها تغرق فى هموم صراعاتها الطائفية والمذهبية. بينما يأتى الخطر من المستعمرات العربية التى بدأت تشهد يقظة سياسية وفكرية قد تجعلها تنسلخ عن ركب الدول الاستعمارية وتلحق بقطار التقدم . كما أن الخطورة كما نصت عليها وثيقة المؤتمر تتمثل فى "أن البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوى للاستعمار! لأنه الجسر الذى يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعى إلى القارتين الآسيوية والإفريقية وملتقى طرق العالم، وأيضا هو مهد الأديان والحضارات". لكن هذا الشريان كما ذكر فى الوثيقة: " يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان".
ولهذا جاءت توصيات المؤتمر كالآتى:
إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة، وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى تلك الدول
الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضارى معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذى لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها
الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضارى معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهى بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها فى هذا المجال ومحاربة أى اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية.
محاربة أى توجه وحدوى فيها:
ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة فى فلسطين تكون بمثابة حاجز بشرى قوى وغريب ومعاد يفصل الجزء الإفريقى من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي، والذى يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب ألا وهى دولة إسرائيل واعتبار قناة السويس قوة صديقة للتدخل الأجنبى وأداة معادية لسكان المنطقة. كما دعا إلى فصل عرب آسيا عن عرب إفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً عبر الدولة الإسرائيلية، وإنما اقتصادي وسياسي وثقافي، مما أبقى العرب فى حالة من الضعف.
وهكذا كانت توصيات هذا المؤتمر الركيزة التى تم بناء عليها توقيع اتفاقية سايكس بيكو فى 16 مايو 1916، ليصدر وعد بلفور فى نوفمبر 1917.
اليهود مطية أوروبا
إن ما تضمنته "وثيقة كمبل" ليست سوى دليلا أكيدا على أن أوروبا لم تسعى لإنشاء وطن قومى لليهود تعاطفا معهم. بل إنها استخدمتهم لتحقيق أغراضها .وهو ماحدث تاريخيا فى فترة مبكرة عندما وجه نابليون بونابرت نداءه لليهود بمقولته الشهيرة "ورثة أرض إسرائيل الشرعيون "، الذى صدر عام 1799 . كان نابليون يريد دعم اليهود لتمويل حملاته على بلاد الشام، لكن خططه باءت بالفشل وعاد إلى فرنسا ليعقد مجلس " السانهدرين"، وهو أعلى هيئة قضائية يهودية، ليعلن مساواة اليهود بالفرنسيين والبدء فى تأسيس الدولة اليهودية فى المنفى تمهيدا لاحتلالهم فلسطين . كان نابليون السبب الأول فى نشأة حلم الدولة اليهودية فى فلسطين وبعد هزيمته توارى الحلم قليلا حتى عاد للظهور وبقوة على يد "تيودورهرتزل" الذى عقد المؤتمر الصهيونى الأول فى مدينة بازل السويسرية 1879، والذى انتهى إلى إنشاء وطن قومى لليهود وإنشاء "الوكالة اليهودية " لجمع الأموال كى يتم تهجير اليهود إلى فلسطين، وتمكينهم من شاء الأراضى بها . يومها خرج هرتزل من المؤتمر يقول: "لقد قررنا إنشاء الوطن القومى لليهود وقد تضحكون إذا أخبرتكم أن هذا الوطن سيتحقق خلال خمسة أعوام أو ربما خمسين عاما على الأكثر ".
وبدأ هرتزل يسعى لتحقيق جزء مهم من توصيات المؤتمر، ألا وهو الحصول على تأييد الدول للمشروع اليهودى، كان يرغب فى التفاوض مع قيصر روسيا ليسمح لليهود الروس بالهجرة إلى فلسطين وكذلك مع قيصر ألمانيا ومع فرنسا بخصوص يهود الجزائر ساعده على ذلك الأسقف (وليم هشلر) فى فيينا، الذى أعلن منذ عام 1880 تبنيه النظرية التى تقول "إن المشروع الصهيونى هو مشروع إلهي، وإن العمل على تحقيقه يستجيب للتعاليم التوراتية"، وكان هشلر قد ألف كتابا عام 1882م بعنوان (عودة اليهود إلى فلسطين حسب النبوءات ) لكن لقاءات هرتزل لم تجن ثمارها، فكان أن رتب له "هشلر "لقاء مع آرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني.
واكتمل ثالوث الشر بلويد جورج رئيس الحكومة البريطانية الذى لم يخف ميوله الصهيوينة قائلا فى كتابيه (حقيقة معاهدات السلام) و(ذكريات الحرب)، إن حاييم وايزمان الكيمائى الذى قدم خدماته العلمية لبريطانيا فى الحرب العالمية الأولى هو الذى فتح له عينيه على الصهيونية، حتى أصبح أكثر صهيونية من وايزمان نفسه.وهكذا صدر وعد بلفور المشئوم فى 2 نوفمبر 1917 .
الوعد المشئوم
.. وزارة الخارجية
فى الثانى من نوفمبر/ تشرين الثانى سنة 1917
عزيزى اللورد روتشيلد
يسرنى جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالى الذى ينطوى على العطف على أمانى اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:
"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومى فى فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التى تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة فى فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسى الذى يتمتع به اليهود فى أى بلد آخر".
وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيونى علماً بهذا التصريح.
المخلص
آرثر جيمس بلفور
بمقتضى تلك السطور ابتلع الصهاينة أرض فلسطين دون جهد أو عناء. وقد أرسلت الرسالة قبل شهر من احتلال الجيش البريطانى فلسطين إلى روتشليد، وهو المسئول عن فرع عائلة روتشيلد فى إنجلترا، وهى أسرة مصرفية يهودية ألمانية الأصل، وكان أول عضـو يهـودى فى البرلمان الإنجليزي، وزعيم الطائفة اليهودية الإنجليزية.
وكان ليونيل روتشيلد يرى أن الوجود الصهيونى فى فلسطين لا بد أن يأخذ شكل دولة لا شكل وطن قومى وحسب، وأن هذا يخدم مصالح الإمبراطورية البريطانية، ومن ثم مصالح عائلة روتشيلد. ولذلك سعى ليونيل لاستصدار التعهد البريطانى المعروف باسم وعد بلفور، وعند إصدار وعد بلفور، كان روتشيلد رئيساً شرفياً للاتحاد الصهيونى لبريطانيا وأيرلندا. وبعد ذلك سعى ليونيل إلى إنشاء فيلق يهودى داخل الجيش البريطانى خلال الحرب العالمية الأولى، وتولى مسئولية الدعوة إلى هذا الفيلق، الذى دخل فلسطين مع الجيش البريطاني، وجمع المتطوعين لهذا الفيلق "جيمس أرماند روتشيلد" (1878-1957م)، الذى تولى رئاسة هيئة الاستيطان اليهودى فى فلسطين، وقام والده تمويل بناء المستوطنات والمشاريع المساعدة لاستقرار اليهود فى فلسطين، ومن أهم المشروعات القائمة حتى اليوم مبنى الكنيست الإسرائيلى فى القدس.
اتفاقات من تحت المنضدة
وبالتوازى مع الاتصالات التى كانت تجرى لإصدار هذا الوعد، كانت هناك مراسلات الشريف حسين ـ ماكماهون، والتى كانت تتعهد فيها بريطانيا للشريف حسين بتنصيبه ملكاً على بلاد الشام إذا تحالف معها للثورة على الحكم العثماني.. وهنا لا بد أن نؤكد أن بريطانيا قالت فى إحدى رسائل ماكماهون إنها.. ودون أن تبدى الأسباب.. ستستثنى من الأراضى التى ستضعها تحت حكم الشريف، المنطقة الغربية من سوريا، والتى أصبحت فيما بعد فلسطين بشكلها الذى سلم لليهود، ولم يكن الشريف حسين يطلب تثبيت الوعود على شكل معاهدات. وفى الوقت نفسه، كانت بريطانيا تجرى مفاوضات مع الأمير عبد العزيز آل سعود، وتعده بعكس ما تعد به الشريف حسين فيما يتعلق بحكم الجزيرة العربية، ولذلك فإن هذا الأمير كان يصر على أن يصاغ كل ما يقال له على شكل معاهدات مكتوبة وموقعة.من جانب آخر كانت تجرى مع فرنسا وروسيا مفاوضات مع جمال باشا الوالى العثمانى على المنطقة لإغرائه بالاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية الضعيفة والوقوف مع الحلفاء ضد ألمانيا.
كان هذا يتم بينما بريطانيا وفرنسا تجريان مفاوضات سرية، لاقتسام المنطقة فيما سمى لاحقا باتفاقية سايكس ـ بيكو التى وقعت فى العام 1916م، أى قبل وعد بلفور بأشهر، وهى المعاهدة التى لم يتم تنفيذها، ولكن بعد الحرب عام 1920م نفذت ضمن اتفاقات جديدة مبنية عليها فى مؤتمر سان ريمو ومعاهدة سيفر، لأن الثورة البلشفية فى روسيا فضحت هذه المعاهدة وأعلنتها على الملأ . وفى الوقت نفسه وعد تشرشل وجهاء المنطقة عام 1920م بعدم إنشاء دولة يهودية، وقال: "إنه مجرد ملجأ قومى لهؤلاء المساكين!
بلفور بين أطماع الاستعمار وأساطير التوراة
كان وعد بلفور ثمرة أطماع استعمارية وأفكار توراتية وصهيونية رسخت فكرة أن "عودة" اليهود إلى أرض فلسطين، هى شرط عودة المسيح عليه السلام ودخول اليهود فى المسيحيّة، وبالتالى نهاية العالم. كما أن الوعد جاء لضمان تأييد اليهود فى العالم فى حربهم مع الحلفاء وتأييدهم لهم ولا سيما اليهود الموجودون فى الولايات المتحدة الأمريكية الذين دفعوا بالفعل أمريكا إلى دخولها الحرب رسميا فى العام 1917. التنافس الإمبريالى على السيادة والمصالح الإستراتيجيّة، ففى الوقت الذى كان لفرنسا موطئ قدم فى فلسطين بعلاقتها مع المسيحيين الكاثوليك هناك وروسيا بعلاقتها بالأرثوذكس، فإن بريطانيا لم يكن لها من بين السكّان الأصليّين حليف، وهو ما جعلها تسعى إلى أن تعقد تحالفاً مع الصهاينة، ومن جهة أخرى فإن موقع فلسطين الإستراتيجى كنقطة التقاء لثلاث قارات، وسعى ألمانيا وروسيا وفرنسا إلى تعزيز مواقعهم، إما بمد شبكة القطار من برلين إلى بغداد أو بالسيطرة على البوسفور أو بمحاولة السيطرة على منطقة الشام، مما جعل بريطانيا تفكر بجدية فى بسط النفوذ على فلسطين حتى تضمن عدم تحوّلها إلى أياد أخرى بعد الحرب، خصوصا فى ظل قرب فلسطين من قناة السويس.
على الجانب الآخر كان ينبغى كسب يهود روسيا ويهود الدول المحايدة لتأييد قضية الحلفاء. لا سيما منع انخراط اليهود فى صفوف الحزب الشيوعى الذى وقف ضد مواصلة روسيا الحرب.
هذا بالإضافة إلى تنفيذ الوعد الذى قطعته بريطانيا لحاييم وايزمان (أول رئيس للكيان الصهيونى وأحد مؤسسيه) بإنشاء وطن قومى لليهود حين تمكن وايزمان من تحضير الجلسرين وإنتاجه من السكر بالتخمير ثم استخدمه فى عمل المتفجرات وعرضت عليه الحكومة البريطانية أن تشترى منه حق الاختراع مقابل ما يطلبه، وكان طلب وايزمان هو الحصول على وعد من الحكومة البريطانية بوطن قومى لليهود فى فلسطين مقابل حق انتفاع الجيش البريطانى بالجلسرين المبتكر لصناعة المتفجرات التى استخدمها ضد الجيش الألماني، ووافق لويد جورج على شرط وايزمان وكلف وزير خارجيته بلفور بأن يعلن وعده لليهود.
فى عام 1952 نشرت وزارة الخارجية البريطانية وثائق سرية عن فترة 1919 ـ 1939، بما فيها تلك التى تتعلق بتوطين اليهود فى فلسطين، ويتضمن المجلد الرابع من المجموعة الأولى، فى الصفحة السابعة نقلا عن مذكرة وضعها آرثر بلفور فى عام 1917 ما يأتي: "ليس فى نيّتنا حتى مراعاة مشاعر سكان فلسطين الحاليين، مع أن اللجنة الأميركية تحاول استقصاءها، إن القوى الأربع الكبرى ملتزمة بالصهيونية، وسواء أكانت الصهيونية على حق أم على باطل، جيدة أم سيئة، فإنها متأصلة الجذور فى التقاليد القديمة العهد وفى الحاجات الحالية وفى آمال المستقبل، وهى ذات أهمية تفوق بكثير رغبات وميول السبعمائة ألف عربى الذين يسكنون الآن هذه الأرض القديمة". أما بالنسبة للاستيطان اليهودى فى فلسطين فقد أوصى فى الجزء الأخير من هذه المذكرة بما يلي: "إذا كان للصهيونية أن تؤثر على المشكلة اليهودية فى العالم فينبغى أن تكون فلسطين متاحة لأكبر عدد من المهاجرين اليهود، لذا فإن من المرغوب فيه أن تكون لها السيادة على القوة المائية التى تخصّها بشكل طبيعى سواء أكان ذلك عن طريق توسيع حدودها شمالاً (أى باتجاه لبنان) أم عن طريق عقد معاهدة مع سوريا الواقعة تحت الانتداب (الفرنسي) التى لا تعتبر المياه المتدفقة من (الهامون) جنوبا ذات قيمة بالنسبة لها، وللسبب ذاته يجب أن تمتد فلسطين لتشمل الأراضى الواقعة شرقى نهر الأردن". آمن بلفور كما أوضح فى كتابه "العقيدة والإنسانية "، أن الله منح اليهود وعداً بالعودة إلى أرض الميعاد، وأن هذه العودة هى شرط مسبق للعودة الثانية للمسيح، وإن هذه العودة الثانية تحمل معها خلاص الإنسانية من الشرور والمحن ليعمّ السلام والرخاء مدة ألف عام تقوم بعدها القيامة وينتهى كل شيء كما بدأ. اكتسب بلفور هذه الثقافة من عائلته، وخاصة من والدته التى تركت فى شخصيته الدينية بصمات واضحة من إيمانها بالعقيدة البروتستنتية المرتبطة أساساً بالعهد القديم وبما يبشر به من خلال النبوءات التوراتية.
انتهى
http://arabi.ahram.org.eg/NewsContent/3/82287



  رد مع اقتباس
قديم 05-17-2016, 01:00 AM ابوخالد غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [4]
ابوخالد
عضو بلاتيني
 

ابوخالد is on a distinguished road
افتراضي

شيق جدا وتفصيل جيد جدا

شكرا لك



  رد مع اقتباس
قديم 05-17-2016, 08:01 AM ابن دجلة الخير غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [5]
ابن دجلة الخير
عضو بلاتيني
 

ابن دجلة الخير is on a distinguished road
افتراضي

العزيز ابو خالد
تحية
حسب حدسي , ثق توقعتك ان تكون اول المشاركين, هذه القضية مثار جدال وتفاعل في اوطاننا, فقسم يؤمن بها والآخر يستبعدها. اشكر مرورك



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
مؤامرة, الاتفاقية, الثورة, الحرام, الكبرى, الغربية, سـايكس ــ بيكوــ سـازانوف


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مشكلة """"""الثقة في من دون او كان مصدر لتندوين القران و السنة المنهج التجريبي العلمي العقيدة الاسلامية ☪ 20 09-13-2017 04:47 AM
بالصور المحكمة الدستورية العليا في "أمريكا" "تكتب اهداء" لسيدنا "محمد" عيسى العقيدة الاسلامية ☪ 67 03-29-2017 04:06 AM
ناسا تؤكد إقتراب ظهور أولى "علامات الساعه الكبرى" المنهج التجريبي العلمي العقيدة الاسلامية ☪ 15 10-06-2016 08:25 PM
"تَاسْرْغِينْتْ" إسم أمازيغي قديم لـ "العربية" orpheus ساحة التاريخ 4 08-31-2016 05:13 PM
تركيا وروسيا وإسرائيل ، ثورة دبلوماسية ، أم مؤامرة جديدة؟ الثورة الدبلوماسية أو الإنق ابن دجلة الخير ســاحـــة السـيـاســة ▩ 5 07-17-2016 04:14 AM