شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات النقاش العلميّ و المواضيع السياسيّة > الساحة الاقتصاديّة 凸

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 04-07-2016, 08:15 PM ابن دجلة الخير غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
ابن دجلة الخير
عضو بلاتيني
 

ابن دجلة الخير is on a distinguished road
افتراضي صندوق الأبتزاز الدولي

هذه المقالة نشرت في مجلة المنار الباريسية العدد 54 /حزيران/1989
مكتب باريس/ 129, Av, Du GENERAL DE GAULLE
92200 NEUILLY / SEINE. FRANCE
TEL; 47454910
الجزء الأول
ان أيدي صندوق النقد الدولي مازالت ملطخة بدماء الشعوب. ومازالت وصفاته السيئة السمعة وراء اغلب المواجهات العنيفة التي تقع بين حكومات البلدان النامية وشعوبها. ومازالت صورته الحقيقية هي صورة الأداة المالية الأساسية التي تستخدمها الرأسمالية العالمية حاليا لإدارة اقتصاد البلدان النامية من خلال إدارة مديونيتها الخارجية. ومازالت اقطار عديدة في المنطقة العربية تذكر له كيف كانت سياساته المتعالية هي التي أثارت سخط الجماهير في مصر في 18 و19 كانون الثاني 1977, وإحداث العنف الجماهيري الحادة في تونس بعد ذلك في أعوام 1978 و 1981 و1984, وفي المغرب عامي 1981 و1984, وكذلك ما حدث في السودان عامي 1984 و 1985. ثم كانت إحداث الجزائر في تشرين الأول 1988. وما شهدناه من إحداث الأردن الدامية تفتح ملف الصندوق من جديد وتلح على إعادة النظر في دوره المعادي لشعوب البلدان النامية.
لم تكن تلك الصورة للصندوق عندما تقرر إنشاؤه في عام 1944 قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بقليل. وقتها كانت الحكمة قد تغلبت على المصالح القصيرة النظر. ورأى الحلفاء ان النصر العسكري لا يكفي وحده لإعادة السلام. وإنما كان لابد من اقامة قواعد ثابتة للسلام تضمن استمراره واستقراره. ورأوا بالتالي ان يقيموا قاعدة اقتصادية للسلام تتمثل في الحيلولة دون قيام الصراع الدموي على الأسواق. رأوا ان أزمة العملات والمدفوعات الدولية كانت هي المشكلة التي جرّت جميع المشاكل الأخرى وأدت في النهاية الى اشتعال نيران الحرب. لذلك اجتمعوا في مدينة بريتون وودز بأمريكا وتوصلوا هناك الى الاتفاق على إنشاء منظمتين دوليتين هما صندوق النقد الدولي و البنك الدولي للتعمير والإنشاء تضعان قدرا من التنظيم في العلاقات الدولية. وكان المفروض ان تساهم المنظمتان بنصيب كبير في اقرار السلام الاقتصادي بين الدول الرأسمالية الكبرى. ومع ذلك فلم تكد الحرب تضع اوزارها حتى تجددت المنافسة بين الحليفتين الكبيرتين: الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى.. كما اقتصرت المنظمتان في البداية على دول الحلفاء دون دول المحور. ثم لم ينظم اليهما كل الحلفاء, فاقتصرتا على الدول الرأسمالية وأتباعها.
وتحددت مهمة صندوق النقد الدولي في تمكين الدول الأعضاء من المحافظة على ثبات أسعار صرف عملائها داخل إطار عالمي يسمح بقيام المدفوعات بين الدول بلا قيود ولا عقبات من شأنها اعادة التوتر في العلاقات الاقتصادية الدولية.. كانت أهداف الصندوق بالتالي هي:
- ثبات اسعار الصرف وتجنب التنافس بين الدول الرأسمالية على تخفيض العملات بوصفه جزءا من الحرب الأقتصادية.
- حرية تحويل العملات حرية كاملة واقامة نظام متعدد الأطراف في المدفوعات الدولية بدلا من الاتفاقات الثنائية والتكتلات المتصارعة على الأسواق.
- ازالة الحواجز الموضوعة في وجه التجارة الدولية بأمل أن تساهم بفعالية في تحقيق مستويات عالية من العمالة والدخل.
لذلك تشكل الصندوق لمعاونة الدول الأعضاء وتزويدها بصفة مؤقتة بالعملات التي تحتاجها لتسوية مدفوعاتها الدولية. فالصندوق في الواقع عبارة عن صندوق أو خزينة فيها رصيد من العملات المختلفة تقدمه الدول الأعضاء جميعا, كل منها طبقا لحصتها المحددة لها. فاذا ما اصاب احدى الدول الأعضاء اختلال طاريء وموقت في مدفوعاتها الدولية, اي عجز عارض في ميزان المدفوعات, استطاعت ان تحصل على العملات المطلوبة لتسوية العجز من الصندوق نفسه, على ان تقوم فيما بعد بأعادتها الى الصندوق بطريقة معينة.
كانت تلك محاولة هامة في سبيل انشاء او بناء نظام نقدي دولي يعتمد على علاقات نقدية دولية مستقرة. وفي سبيل ذلك كان على كل دولة ان تحافظ على قيمة عملتها من التدهور وان تتجنب اللجوء الى اساليب التمييز والتفضيل في التجارة الدولية. كانت تلك محاولة هامة لتنظيم المنافسة الدولية والصراع الدولي بين الدول الرأسمالية الكبرى. لكن المحاولة لم تنجح. فلقد استمرت الحواجز في وجه التجارة الدولية بل وتضاعفت, وانهار النظام كله في النهاية عندما تخلت عنه الولايات المتحدة في مطلع السبعينات.
لكن المشكلة ليست هنا – المشكلة هي ان الصندوق لم ينشأ لخدمة البلدان النامية التي كانت خارج الصورة تماما عند إنشائه. فالصندوق انشيء لخدمة الدول الرأسمالية عندما تواجه- بصفة مؤقتة – خللا طارئا في موازين مدفوعاتها . لكن الدول النامية لا تواجه مثل هذا الخلل الطاريء فقط. وحتى عندما يقع خلل طاريء إحداها فأنه يعبر في الحقيقة عن خلل هيكلي وليس عن خلل طارئ في ميزان مدفوعاتها. ومن ثم تواجه الدول النامية مهام التنمية واعادة بناء اقتصادها والخروج من أوضاع التخلف والتبعية التي ورثتها عن المرحلة الاستعمارية القديمة. وكل ذلك لا يستطيع ان يساعدها الصندوق فيه.
ومن هنا بدا الصندوق يتخذ إجراءات جديدة لمواجهة طلبات البلدان النامية. وتحت ضغوطها تقررت تسهيلات معينة لصالحها. كان أهمها نظام حقوق السحب الخاصة بهدف توسيع دائرة الحالات التي تحصل فيها بهدف توسيع دائرة الحالات التي تحصل فيها على قرض من الصندوق. لكن الصندوق هو وحده المرجع الأولو الأخير في تطبيق هذه الحالات على الدول النامية. ومن ثم صارت له سطوة متزايدة على هذه الدول. وأصبح يتدخل ليحدد شروطه لمنح مساعداته المقررة في ميثاقه. وغالبا ما يشترط ما يسميه " تصحيح المسار الأقتصادي" للدولة النامية. أي إعادة رسم سياستها الاقتصادية حتى تنال موافقته على طلب المساعدة. وفي التطبيق اتسمت سياسة الصندوق بتقليص مساعداته للدول النامية عموما. ومن ثم لجأت هذه الدول الى البنوك التجارية الدولية. لكن كلما ازدادت مديونية الدول النامية كلما راحت تطرق ابواب الصندوق, ليس فقط للحصول على مساعدة ما منه, ولكن للحصول على شهادته بحسن سيرها وسلوكها لكي تقدمها الى مجموعة الدول والبنوك الدائنة, فتقبل تأجيل دفع ديونها تحت اسم ما يسمى بأعادة جدولة الديون. وصارت للصندوق – بذلك – سلطة عليا راح يمارسها بلا تردد ولا رحمة.
وبدلا من مهمته التي أنشيء من أجلها وهي اعادة السلام الأقتصادي الى العالم أصبح الصندوق يمارس مهام ادارة الحرب الأقتصادية الدمية ضد الدول النامية من خلال ادارته العليا للمديونية الدولية لصالح الدول الرأسمالية الكبرى. وأصبحت الديون الخارجية هي الآلية المستحدثة للتبعية الجديدة. وأصبحت اعادة جدولة الديون الخارجية مستحيلة الا بالمرور عبر صندوق النقد الدولي.
يتبع



  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2016, 12:49 AM ابن دجلة الخير غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
ابن دجلة الخير
عضو بلاتيني
 

ابن دجلة الخير is on a distinguished road
افتراضي

الجزء الثاني
آلية التبعية الجديدة
لم يكن الصندوق ينتبه الى ان عليه مسؤولية ان يلبي طلبات أعضائه من الدول النامية حتى اخذ يكف أيديه عنها عمليا. ومن ثم كان على هذه الدول ان تتوجه بطلباتها الى البنوك التجارية ذات النشاط الدولي التي أخذت تظهر في الساحة منذ منتصف الستينات. ومع بداية السبعينات كانت القطار العربية النفطية قد نجحت في انتزاع حق وضع أسعار نفطها في السوق الدولية. ومن ثم تضاعفت هذه السعار عدة مرات وجلبت عوائد متزايدة الى الدول النامية المنتجة والمصدرة للنفط. لم تلبث الرأسمالية المالية العالمية ان استطاعت تدويرها, اي استعادتها من أصحابها ودفعها الى السوق المالية العالمية. ومن ثم كان عليها ان تبحث عن مقترضين دوليين. وكانت مجموعة الدول النامية الأخرى التي لا تنتج ولا تصدر النفط هي أولئك المقترضين الجاهزين سواءا كان ذلك لرفع أسعار النفط المتضاعفة او لمواصلة أهداف التنمية سواءا كانت تنمية حقيقية او مزيفة, ومن هنا كانت السبعينات هي العصر الذهبي للقروض الدولية.
وبعد قليل, وعندما تهاوت أسعار النفط مرة أخرى واستعادت الدول الصناعية الرأسمالية زمام السيطرة على سوقه الدولية, ومع عودة أوضاع الركود الى الاقتصاد الرأسمالي العالمي, أغلقت اسواق الدول الرأسمالية الصناعية تدريجيا في وجه المنتجات التي تميزت البلدان النامية في إنتاجها سواء كانت منتجات الولية أو مواد زراعية او سلعا صناعية جديدة. وأخذت أسوار الحماية تتصاعد داخل البلدان الصناعية في وجه البلدان النامية. ومن ثم توقفت التنمية او كادت وتحولت التجارة الخارجية الى طريق مسدود. اما المديونية الخارجية فصارت المقود الذي تساق به البلدان النامية الى سوق النخاسة كل عام. ومن ثم انفجرت أزمة الديون الخارجية. واعتلى صندوق النقد الدولي مقعد الحكم الدولي الذي يسمح او لا يسمح بأعطاء مهلة للمدين العاجز عن الدفع
فقد كان المرور عبر الصندوق هو اول خطوة نحو ما يسمى بأعادة جدولة الديون في نادي باريس. وهذا النادي الذي يضم الدول الرأسمالية الكبرى بوصفها الدول الدئنة, والذي ينعقد في باريس في مقر وزارة المالية رئاسة مسؤولين فرنسيين هو الذي يتولى – بعد شهادة الصندوق بحسن سير وسلوك البلد المدين – الموافقة او عدم الموافقة على اعادة جدولة الديون. واعادة الجدولة تشمل بالطبع مدفوعات أصل الدين ومدفوعات الفائدة المستحقة خلال سنة او سنة ونصف. ويمكن ايضا اعادة جدولة المتأخرات التي لم تدفع من أصل الدين وفوائده.
وهكذا فأنه بعد المرور عبر الصندوق والحضور الى النادي ينبغي دفع مبلغ هو المقدم الواجب دفعه خلال فترة التثبيت. ثم تبدأ المفاوضات الثنائية بين البلد المدين وكل دائن من دائنيه. ونقطة البدء في هذه المسيرة الطويلة المنهكة هي خطاب النوايا الذي يوقعه البلد المدين ويرسله الى الصندوق متضمنا سياسته الأقتصادية المقبلة. وهو خطاب لا يكتب الا على النحو الذي يلقي قبول الصندوق. ولا يعتمده الصندوق إلا اذا طابق الخطاب تلك السياسة الأقتصادية التي يفضلها الصندوق. وهي سياسة صارت محفوظة عن ظهر قلب. وأصبحت تعرف بالوصفة التقليدية للصندوق. لكنها صارت في الواقع وصفة مزمنة لا تتغير ولا تتبدل. وأخطر ما فيها انها تجعل البلد المدين يتخلى عن سيادته في وضع وتقرير سياسته الأقتصادية التي تناسبه.
الوصفة المزمنة
تتلخص وصفة الصندوق في دعوة البلد النامي المدين العاجز عن الدفع الى اتباع سياسة اقتصادية انكماشية تتكفل بتوجيه الموارد المالية المتاحة الى دفع الديون الخارجية اولا وقبل كل شيء بغض النظر عن احتياجات البلد النامي نفسه. ولقد جربت مصر وصفة الصندوق عدة مرات. وفي كل مرة كانت الوصفة تنتهي اما بأزمة او بانتفاضة. لكنه كان ومازال مصرا على وصفته التي لا تتغير ولا تتبدل وكأنها جمعت كل الحكمة الأبدية الأقتصادية والسياسية الممكنة للبشر. وعلى كثرة ما كتب عن الصندوق ووصفته, وعلى كثرة ما انعقد من مؤتمرات وندوات تناولها بالتحليل الدقيق, وعلى كثرة ما تحركت الجماهير في البلدان النامية وحتى في البلدان الرأسمالية ضدها وضد نتائجها السلبية وعواقبها المدمرة, فأننا نتوقف عند تجربتين لمصر مع الصندوق أفضت كلتاهما الى المزيد من التدهور الأقتصادي والسياسي.
لقد وصفت سياسات الصندوق بأنها تعاني من ثلاثة عيوب. فهي اولا غير علمية. وهي ثانيا غير موضوعية وهي أخيرا غير محايدة. والواقع ان موضع الخطأ في سياسات الصندوق يتمثل أساسا في عيب جوهري يكمن في منهج الصندوق وهو ان مدخله لمعالجة المشاكل الأقتصادية للبلدان النامية هو في الأساس مدخل نقدي مالي يعني بالكميات والمقادير النقدية والمالية ويحاول ان يصل في النهاية الى نوع من التوازن النقدي والمالي للأقتصاد النامي. وهو بذلك يسلك مسلكا شكليا وسطحيا. فالتوازن النقدي قد يتحقق فعلا, لكنه يتم عندئذ بغض النظر او حتى على حساب الأعتبارات الخاصة بالتنمية, سواء كانت اقتصادية او اجتماعية. وكذلك فأننا نرفضه من البداية. ونفضل في بلادنا المتخلفة مدخلا هيكليا او بنيويا لمعالجة مشاكلها.
وعندما كانت بلادنا تواجه مشاكل التنمية الملحة في بداية الستينات تقدم صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للتعمير والأنشاء بملحوظات جوهرية على عملية التنمية التي وصفوها بأنها تنمية طموحة تتخطى امكانيات مصر وتثقل كاهلها. ومنذ ذلك الوقت اصر الصندوق على سياسة ثابتة ظل يتقدم بها للحكومة المصرية حتى قبلتها لأول مرة في نهاية عام 1976 في ظل سياسة الانفتاح التي أعلنها السادات. من هنا نستطيع ان نطرح وصفة الصندوق في ضوء ما طلب من الحكومة المصرية بتنفيذه آنذاك. وهي تتلخص في الخطوات التالية التي ينبغي ان تؤخذ كحزمة واحدة وتنفذ جملة واحدة. وكانت مصر عندئذ لا تطلب معونة الصندوق لإعادة جدولة ديونها وإنما لمواجهة العجز في ميزان مدفوعاتها.
أولا: توازن الميزانية العامة للدولة. ويتم ذلك من جانبين: من جانب بالحد من الأنفاق العام للدولة, ومن جانب آخر بزيادة الأيرادات العامة. وكان معنى الحد من الأنفاق العام ان اتحد الدولة من انفاقها سواء على الأستثمار او على الخدمات الأجتماعية. وفي التطبيق كان ذلك يعني الحد من التنمية والغاء او تخفيض اعتمادات الدعم لأسعار اليلع الضرورية لأوسع الجماهير. هذا بينما كان معنى الزيادة في الأيرادات هو اثقال كاهل هذه الجماهير العاملة بالضرائب. اذ انه مع الأعفاءات الضريبية الواسعة لرأس المال الأجنبي ورأس المال المحلي, بأسم الأنفتاح, لم يعد امام الدولة من مصدر للأيراد الا ان تتوسع في الضرائب غير المباشرة على الأستهلاك, والضرايب المباشرة على دخول العاملين في جهاز الدولة والقطاع العام.
ثانيا: توازن ميزان المدفوعات. ويتم ذلك بالحد من الواردات والتوسع في الصادرات. وعندما يبدو عجز الحكومة عن تحقيق هذه النصيحة فأن الحل الجاهز لدى الصندوق هو النصح بتخفيض قيمة الجنيه المصري باعتبار أنه مقوم بأكثر من قيمته في مواجهة الدولار مثلا. بالنظر الى ما هو معروف من عدم مرونة الواردات والصادرات المصرية – الواردات لأنها واردات انتاجية واستهلاكية لا غنى عنها, والصادرات لأنها لايمكن أن تزيد حسب الطلب – فان تخفيض الجنيه لا تكون له من نتيجة سوى زيادة حقوق العالم الخارجي على مصر, ومضاعفة ثروات اصحاب الملايين الذين يحفظونها في صورة دولارات.
ثالثا: توازن التكاليف والأسعار. ويعني الصندوق بذلك ان تكون منتجات القطاع العام بالذات مسعرة طبقا لتكلفتها الحقيقية. ومن ثم يجب ان تعبر الأسعار عن كل هذه التكلفة. ومعنى ذلك – بأختصار – ان يتخلى القطاع العام عن مهمته المزدوجة داخل المجتمع, وهي مهمة اقتصادية واجتماعية في آن واحد. وكثير من المنتجات او الخدمات التي يقدمها يسعى من ورائها الى تحقيق اهداف اجتماعية مشروعة, وفي الوقت نفسه فأن منع القطاع العام من صياغة حساباته على النحو السليم كان معناه حرمانه من تحقيق ارباح ستجد سبيلها بعد ذلك الى الفائض الأقتصادي الذي يزود التنمية بالأستثمار اللازم. وباختصار فانه في سبيل تحقيق التوازن النقدي على سطح الأقتصاد المصري كان المطلوب هو التضحية بأهداف التنمية سواء كانت اقتصادية او اجتماعية.
يتبع



  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2016, 01:52 PM ابن دجلة الخير غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [3]
ابن دجلة الخير
عضو بلاتيني
 

ابن دجلة الخير is on a distinguished road
افتراضي

الجزء الثالث
على الرغم من انتفاضة كانون الثاني 1977 عقدت الحكومة المصرية مع الصندوق اتفاقا في آذار من السنة نفسها التزمت فيه بإدخال تعديلات على السياسات المالية والأقتصادية للبلاد. فالتزمت مثلا بالعمل على توحيد سعر صرف الجنيه المصري والاتجاه التدريجي لرفع سعر الصرف السائد بالسوق الموازية – أي التخفيض التدريجي للجنيه المصري . كما التزمت بالعمل على رفع الأسعار المحلية لتغطي تكاليف الإنتاج والعمل على تحرير التجارة الخارجية وإلغاء اتفاقات الدفع الثنائية مع الدول الصديقة وزيادة الرسوم الجمركية ورسوم الإنتاج على السلع الكمالية. والتزمت أيضا بالإلغاء التدريجي لدعم السلع الأساسية وزيادة أسعار الفائدة تدريجيا والحد من اقتراض الدولة من الجهاز المصرفي وتقليل الاعتماد على القروض الخارجية قصيرة ومتوسطة الأجل. وهكذا لم يعد الصندوق مجرد مصدر لتمويل العجز في ميزان المدفوعات المصري بل أصبح يضطلع بدور الرقيب على الأقتصاد المصري. ولم يلب ثان وضع لنفسه مهمة هي إدارة الأقتصاد المصري بأكمله من خلال إدارته للمديونية الخارجية لمصر.
ادارة المديونية الخارجية
كانت ديون مصر الخارجية عند وفاة عبد الناصر لا تتجاوز (8 و1) مليار دولار. وبعد حرب اكتوبر, وحتى نهاية 1973, كانت الديون الخارجية ( 1 و2 ) مليار دولار, بينما كانت ديونها العسكرية الخارجية نصف هذا المبلغ. وعلى الرغم من الموارد المالية التي تراكمت خلال السبعينات من مدخرات المصريين العاملين في الخارج وعوائد النفط المصري. بألأضافة الى المعونات العربية, فقد اندفعت الحكومات المصرية الى الاقتراض من الخارج, فقد ذهبت اغلب الموارد المتدفقة الى خارج البلاد. وكان من الواضح أن رجال الانفتاح يعملون هم أيضا بقروض مصرفية وليس بأموالهم الخاصة. وفي مطلع الثمانينات دلت الميزانية المجتمعة للبنوك التجارية على حقيقة أن القطاع العائلي يراكم الودائع ولا يقترض الا 10% منها, بينما قطاع الأعمال يقترض عشر أضعاف ودائعه.
وأخذت المديونية الخارجية للبلاد تتراكم. ويعترف كمال الجنزوري وزير التخطيط بأن فيما بين كانون الأول 1981 الى كانون الأول 1986 زادت الديون الخارجية بمقدار 10 مليار دولار. ولقد انفقت هذه الزيادة على النحو التالي:-
2 و1 مليار دولار لشراء القمح
3 و 2 مليار دولار لشراء مستلزمات الأنتاج
4 و 6 مليار دولار لبناء هياكل أساسية.
وبالتالي لم تستخدم القروض الخارجية استخداما إنتاجيا يتيح للبلاد القدر على دفعها مستقبلا. وتلك هي المديونية الخارجية التي تستهدف تبعية مصر للخارج مدنيا وعسكريا. وكان من الواضح أن وراء سياسة الانفتاح الاقتصادي التي تعني زيادة الأعتماد على الخارج وفقدان السيطرة الوطنية على شروط إعادة الإنتاج المصرية.وأصبحت مصر تعقد المزيد من القروض من أجل دفع القروض التي يحل استحقاقها وتضاعفت القروض وتضاعفت أعباء خدمتها. وبالتالي لجأت مصر الى الصندوق تطلب معونته.
ومنذ عام 1982 والصندوق يرفض مساعدة مصر بحجة أساسية هي أنها لم تتخذ الإجراءات اللازمة. وارتفعت خدمة الديون في عام 1986 الى 2 و 4 مليار دولار, وقيل انها سوف تبلغ 6 مليار دولار في عام 1990. وارتفع معدل خدمة الديون حتى زاد عن نصف مجموع متحصلات مصر من العملات الأجنبية. ونعني بهذا العدل نسبة التزامات خدمة الدين الى مجموع هذه المتحصلات في سنة واحدة. والواقع أنه قفز عدة مرات من 5 و 37% في عام 1982/1983 الى 9 و 52% في عام 1985/1986. وتوقفت مصر عن خدمة ديونها. وبالتالي فأنها في مدى شهور قليلة من من آذار الى ايلول 1986 تراجعت من المكانة 56 في الجدارة الى 65 في الجدارة الأئتمانية من بين دول العالم, ونعني بالجدارة الأئتمانية الثقة في قدرتها على الدفع. ومن ثم طلبت الحكومة المصرية من صندوق النقد الدولي أن يهرع الى مساعدتها تمكينا لها من التقاط انفاسها. وفي آيار 1987 توصل الطرفان الى الأتفاق على ما أسمياه البرنامج الشامل لأصلاح اقتصادي عريض. وهو برنامج لتقليص الطلب. تضمن خلق سوق حرة لسعر صرف الجنيه بهدف توحيد هذه السوق. وتفتخر الحكومة بأنها قد قامت على اثر ذلك برفع أيعار منتجات وخدمات القطاع العام وتنفيذ سياسات تحرير القطاع الزراعي بما في ذلك الغاء عدد من احتكارات التوزيع والتسويق وأعادة ضبط أسعار المحاصيل ووقف التوريد الرسمي لكل المحاصيل الرئيسية فيما عدا قصب السكر ومحصول القطن ونصف محصول الرز. كما تفخر الحكومة بأنها قامت بأصلاح التعريفة الجمركية, أي زيادة رسومها, وتخفيض الأنفاق العام من 58% من الناتج المحلي الى 45%, وتخفيض الأنفاق الجاري من 36% الى 30%, وتخفيض عجز الميزانية العامة من 23% الى 17% من الناتج المحلي. وتفخر الحكومة أخيرا بأنها قامت بمحاولة جادة لتوليد ايرادات, مثل رفع منتجات البترول ومضاعفة رسوم التمغة وزيادة عدد من الرسوم على الأستهلاك وزيادة حصيلة الرسوم الجمركية نتيجة لرفع سعر صرف الدولار بالجيه المصري, وذلك بألأضافة الى تخفيضات عديدة في النفقات وبخاصة في مجالي الأستثمار والدعم.
وكانت المحصلة المباشرة للأتفاق مع الصندوق هي رفع الأسعار وأنتشار الركود ومضاعفة العجز في الميزانية العامة وأنطلاق موجات متوالية من التضخم الحاد. وكان ذلك نتيجة حتمية للنظر الى أزمة الديون بوصفها أزمة سيولة وليس بوصفها أزمة هيكلية. وفشل الأتفاق في الهاية فقد عجزت الحكومة المصرية عن تنفيذ كا التزاماته وعادت من جديد الى الصندوق تستحثه على اعادة النظر في الأتفاق في اعادة جدولة ديون أخرى. ومن جديد كان عليها ان تقبل نصائح اضافية تحصلت في الغاء الدعم ورفع الأسعار. ومازال الصندوق يتفاوض سعيا للحصول على المزيد. ومن هنا نستطيع ان نتفهم لماذا حرصت دول عدم الأنحياز على أن تطرح في مقدمة ما توصلت اليه بشأن الديون الخارجية تأكيدها على أهمية " عدم مطالبة الدول المدينة بالدخول في اتفاقيات تثبيت مع الصندوق قبل الموافقة على تخفيف عبء الديون ".
يتبع



  رد مع اقتباس
قديم 04-08-2016, 11:37 PM ابن دجلة الخير غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [4]
ابن دجلة الخير
عضو بلاتيني
 

ابن دجلة الخير is on a distinguished road
افتراضي

الجزء الرابع
السيطرة للقطاع الخاص
فيما وراء سياسات الصندوق تقبع " رسالة " أساسية له هي التمكين للقطاع الخاص من السيطرة على الأقتصاد في البلد النامي. وفي ظل عملية التنمية المستقلة التي قادها عبد الناصر كانت طلبات الصندوق, ومعه البنك تدور حول تحجيم القطاع العام كما وكيفا. وفي ظل الأنفتاح الأقتصادي صارت الرسالة سافرة, وهي سيطرة القطاع الخاص. وعندما بدأ الصندوق يسفر في السبعينات عن حقيقة رسالته كان يطالب بتحرير القطاع الخاص. كان يطالب مثلا بدعم القطاع الخاص وبصفة خاصة من خلال المشروعات المشتركة ومنحة ميزات, سواء بإعفائه من الضرائب والرسوم او بتقرير دعم متنوع له. كان يطالب أيضا بكسر احتكار القطاع العام للتجارة الخارجية ومنعه من التدخل في تحديد دور القطاع الخاص. كان يطالب بالحد التدريجي من التدخل في أسعار السلع وتركها لتحددها تكاليف الإنتاج توسيعا لفرض الربح للقطاع الخاص. بالفعل اصبح القطاع الخاص في منتصف الثمانيات يضم نصف الأنتاج الصناعي وكل الأنتاج الزراعي ويسيطر على حوالي 57% من الناتج المحلي. وكانت حصته في مطلع السبعينات حوالي 45% منه ارتفعت في مطلع الثمانينات الى 50%. ومع ذلك فأن هذا القطاع الخاص لم يساهم طوال المدة من 1972 حتى 1986 الا بنسبة 10 مليار جنيه على الرغم من كل العفاءات والحوافز التي تقررت له بفضل سياسة الأنفتاح وتبلغ قيمتها حوالي 5مليار جنيه سنويا. وعلى الرغم من ذلك فأنه لا يمل من المطالبة بالمزيد من الأعفاءات والحواجز. وقد أصبح ذلك – في حد ذاته – مصدرا لمزيد من التضخم وارتفاع الأسعار. وفي اتفاق 1987 أصبح الأمر سافرا تماما. فقد أصبح مسلما به أن سيطرة القطاع الخاص هي شرط لفعالية نظام الأئتمان والسوق. وتعلن الحكومة نفسها أنها " استهدفت من خلال برنامجها للأصلاح الأقتصادي زيادة دور عوامل السوق واعطاء دور متزايد لجهاز الأئتمان في الأقتصاد " وفي مذكرتها للصندوق والدول الدائنة عن السياسات الأقتصادية للعام 88/1989 والمدى المتوسط تؤكد الحكومة هدفها الكبير. وتستعرض تطبيقات عدة له. وكمثال لها في التعليم تقول الحكومة:- لالتوازي مع التطورات في القاعدة الأنتاجية للأقتصاد, فأن تغييرا جزئيا لنظام التعليم القومي يجري بهدف ضمان الوفاء بشكل أفضل بأحتياجات سوق للعمل أكثر ديناميكية. خطوات هامة اتخذت لأصلاح التعليم الأبتدائي والثانوي حتى الآن. واصلاحات اضافية سوف تدخل في المستويات الفنية والتخصصية والجامعية. وهذه التطورات موضوعة لمساعدة سياسة الحكومة في تشجيع دور أكبر للقطاع الخاص والطابع الخاص المتزايد للأقتصاد.
وثبت بالقطع أن للصندوق هدفا أساسيا هو نشر الرأسمالية والدفاع عن قواعدها في العالم. وهو لذلك حريص على ادماج الأقتصاد المصري في الأقتصاد الرأسمالي العالمي بخطى سريعة تزداد ثباتا وعمقا.
تكلفة اجتماعية باهضة
في الوقت الذي تتجه كل اهداف الوصفة الأقتصادية للصندوق الى تمكين القطاع الخاص من السيطرة على ألأقتصاد القومي, فأن عبء سياسات الوصفة انما يقع على كاهل الطبقات الفقيرة. واول ما ينزل بهذه الطبقات هو رفع الأسعار لمجموعة من السلع والخدمات لا تلبث ان تتحول الى موجة وموجات متتالية من ارتفاع الأسعار. ولقد قدرت الزيادة في الأسعار التي ترتبت على ما يسمى به الصلاح الأقتصادي الذي اقره صندوق النقد الدولي في آيار 1987 بحوالي 3180 مليون جنيه. ووقتها لم يكتف الصندوق بهذه الزيادة. ولذلك بادرت الحكومة في مذكرتها التي بعثت بها في نهاية عام 1988 الى تبشير الصندوق بطائفة أخرى واسعة من اجراءات رفع الأسعار وزيادة الرسوم والضرائب تبلغ حصيلتها حوالي 2030 مليون جنيه. وبلغ الأمر بالصندوق أنه يتدخل لرفع سعر الكهرباء وسعر السكر, وهو يلح على ضرورة الغاء دعم سعر رغيف الخبز الغاءا كاملا. وبأسم ترشيد الأستهلاك من السلع والخدمات, وبخاصة خدمات الصحة والتعليم والأسكان, تتحول هذه الخدمات الى خدمات مدفوعة الأجر. ويلتقي هذا التحول مع موقف البنك الدولي الأخير الداعي لفرض رسوم انتقائية على المستفيدين من الخدمات مثل المراحل العليا في التعليم. ومثل المرضى الخارجين ورسوم أقل على المرضى الداخلين وتحميل المرضى جميعا بثمن الأدوية. أما في قطاع الأسكان فيدعو البنك الدولي الى تأمين الحيازة لا انشاء المساكن. ويزيد الطين بلة فيدعو الى تسعير الماء حتى مياه الري والصرف الصحي, بالأضافة الى الرسوم على المرور والنقل. ومن وراء ذلك يروج البنك- ويلتقي في ذلك مع الصندوق ايضا – لضرورة اطلاق المجال أمام القطاع الخاص في كل من التعليم والصحة والأسكان. ويبرر البنك هذه الدعوة كلها بمنطق لم ار اغرب منه, وهو أن الدعم الحالي من جانب الدولة للتعليم والصحة والأسكان " موزع توزيعا غير متكافيء" ولهذا فأن دعوة البنك تحقق التكافؤ في التوزيع.
يتبع



  رد مع اقتباس
قديم 04-23-2016, 10:54 PM مُنْشقّ غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [5]
مُنْشقّ
عضو عامل
الصورة الرمزية مُنْشقّ
 

مُنْشقّ is on a distinguished road
افتراضي

جزيل الشكر أيّها الزميل على هذا البحث الوافي. في انتظار نقلك لباقي أجزاء هذا البحث المهمّ و الواقعيّ لدور البنك الدوليّ في إفقار شعوب العالم الثالث.



:: توقيعي ::: الدينُ أفيون الشعوب.

“What can be said at all can be said clearly; and whereof one cannot speak thereof one must be silent”
  رد مع اقتباس
قديم 04-24-2016, 09:00 AM ابن دجلة الخير غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [6]
ابن دجلة الخير
عضو بلاتيني
 

ابن دجلة الخير is on a distinguished road
افتراضي

انا الذي اشكرك, والواقع انه في مثل هذا الوقت انشغلت ببعض المسائل. ولكن سأواصل النقل بكل ما اوتيت من امكانية.
مودتي للجميع



  رد مع اقتباس
قديم 04-24-2016, 10:15 AM ابن دجلة الخير غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [7]
ابن دجلة الخير
عضو بلاتيني
 

ابن دجلة الخير is on a distinguished road
افتراضي

الجزء الخامس
وثالثة الأثافي كما يقال. هي البطالة الواسعة الأنتشار في البلاد. وبالطبع فأن هذه البطالة ليست نتيجة مباشرة لوصفة الصندوق وانما لمجموع السياسات الأقتصادية التي راحت – بأسم الأنفتاح _ تبرر العدول عن التنمية الحقيقية للأقتصاد وللمجتمع وتروج للنشاط الطفيل المغامر وغير المسؤول. ومن ثم تضاعفت نسبة البطالة في عشر سنوات من 8و7% من قوة العمل في عام 1976 الى 7و14% في عام 1986, ويقال انها بلغت الآن 20% غير ان النسبة اكبر في الريف. وهي عالية في محافظات بورسعيد ودمياط والقليوبية والدقهلية وأسوان وكفر الشيخ. فالانفتاح – بنمط استثماره –لم يزد من فرص العمالة الجديدة. وفي حدود الاستثمارات المحدودة للقطاع الخاص فأن الأتجاه كان وما يزال نحو التكنولوجيا كثيفة رأس المال. وبأعتبار أن 3و66% من قوة العمل القومية وأكثر من نصف العمالة في الصناعات التحويلية توجد بأيدي القطاع الخاص, بينما لا يسيطر القطاع القطاع العام الا على 5و8% فقط منها, فأن سوق العمل محكومة بأوضاع القطاع الخاص. واذا تذكرنا ان وصفة الصندوق تدفع نحو الأنكماش الأقتصادي, وخفض الأنفاق على الأستثمار وخفض الأستهلاك وخفض الواردات, فأن من شأن الوصفة ات تزيد الميل نحو البطالة في الأقتصاد المصري. واذا علمنا ان 50% من السكان عمرهم 20 سنة او اقل, وانه لابد من توفير 400 الف فرصة عمل سنويا لمجرد استيعاب الخريجين وطلاب العمل الجدد, لأدركنا ان البطالة انما تصيب الشباب وبخاصة خريجي الجامعات والمعاهد في الصميم.
وتفيد دراسة لمعهد التخطيط القومي ان عدد الأسر التي يزيد دخلها السنوي – وليس ثروتها – عن مليون جنيه يصل الى حوالي ربع مليون اسرة. وطبقا لدراسة اعدتها كريمة كريم فأن 49% من الأسر المصرية تعيش عند خط الفقر او تحته. وما زال صندوق النقد يفاوض الحكومة لكي تطبق وصفته بالكامل ودفعة واحدة والا فقدت الصدمة المطلوبة تأثيرها!!!!
والواقع ان اجراءات الصندوق سواء طبقت بأسلوب الصدمة, او على نحو تدريجي, فأنها تهدد الأستقرار الحكومي للحكومات التي تقيل بوصفته.
حقا انه – صندوق الدنيا
انه بالفعل " صندوق الدنيا " فجعجعته مليئة بالأعاجيب. ووصفته لكل الدنيا, لكل البلدان النامية التي يسوقها سوء الحظ الى أبوابه. واذا كنا ضربنا المثل من عندنا في مصر, فأن الأمثلة لا تحصى سواء على النطاق العربي او على النطاق العالمي. وأصبحت وصفته تستفز الشعوب في كل مكان, حتى في العالم الرأسمالي. ولا شك ان المظاهرات العارمة التي استقبله بها سكان برلين (الغربية) عند عقد اجتماعه الأخير بها في ايلول 1988 كانت تعبيرا دقيقا عن نظرة شعوب البلدان الرأسمالية الكبرى للصندوق ودوره بالنسبة للبلدان النامية.
لقد بلغت ديون البلدان النامية في العام 1988 حوالي 1300 مليار دولار. ويكتب البنك الدولي في تقريره عن " ديون العالم الثالث " في شباط 1987 بالحرف ما يلي: " لقد حولت الدول النامية في السنة الماضية الى حسابات الدول الغنية 29 مليار دولار لخدمة ديونها وهو رقم يفوق ما تلقته من هذه الدول الغنية " وليس هذا بالحدث الجديد او المفاجئ. فهي تدفع للدول الرأسمالية اكثر مما تتلقاه منها. ويحدث بذلك ما نسميه النقل العكسي للموارد, بحيث اصبحت البلدان النامية هي التي تمول البلدان الصناعية.
ولقد اعلنت 22 دولة مدينة في عام 1982 عدم قدرتها على مواصلة الوفاء بأعباء الديون بعد ان اصبحت هذه الأعباء تهدد الحد الأدنى لمستوى معيشة مواطنيها. ثم توالت دول اخرى تعلن عجزها عن الدفع, وكانت تعتبر من قبل دول " المعجزات " الأقتصادية: البرازيل, شيلي, كوريا الجنوبية, اندونيسيا. فقد وصل دين البرازيل الى 4و104 مليار دولار في العام 1984, وكان عليها ان تدفع حوالي 8و35% من حصيلة صادراتها من السلع والخدمات لسداد فوائد واقساط الدين. اما في شيلي فقد قامت الزمرة العسكرية الحاكمة فيها بألغاء التامينات وتحويل المجتمع الى معمل. فأطيح بكل معارضة....سياسية او نقابية, وتدهور الجر الحقيقي في مدى سنوات قلائل من 100% في العام 1972 قبل الأنقلاب الى 7و61% في العام 1978. وارتفعت البطالة فبلغت نسبتها 9و17%. وتحول التعليم والصحة والأسكان الى القطاع الخاص, من ميدان الخدمات الأجتماعية الضرورية الى دنيا الأعمال والتجارة الأنفتاحية. وتكررت التجربة نفسها في الأرجنتين وبيرو.
يتبع



  رد مع اقتباس
قديم 04-24-2016, 04:16 PM ابن دجلة الخير غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [8]
ابن دجلة الخير
عضو بلاتيني
 

ابن دجلة الخير is on a distinguished road
افتراضي

الجزء السادس والأخير
وثبت بذلك فشل النماذج التي طبقتها النظم الحاكمة التابعة في البلدان النامية. وسواء تولت الحكم بأنقلابات عسكرية او مدنية لتأمين مسيرة الرأسمالية المحلية واحتواء السخط الجماهيري الناجم عن المتاعب الأقتصادية, فأن سياستها الأقتصادية التي اوصى بها صندوق النقد الدولي, ابتداء او انتهاء, قد قادتها الى الفشل الذريع. فسياسة الأنفتاح على السوق الرأسمالية العالمية, وتفكيك القطاع العام, وسيادة القطاع الخاص ونظام السوق, وتفكيك و تقليص قطاع الخدمات الأجتماعية, لم تكن لها من نتيجة سوى مفاقمة الأزمة الأقتصادية والأجتماعية والسياسية, وتفكيك جهاز الدولة ونشر الفساد في اركانه, وتدمير جزء من الصناعة والزراعة الوطنية, ومضاعفة النزعة الأستهلاكية السفيهة, مع اثار ذلك كله على عجز ميزان المدفوعات وعجز ميزانية الدولة والالتجاء الى تغطية بالتضخم ورفع الأسعار وزيادة بؤس الفقراء وزيادة غنى الأغنياء والحكام.
وبصفة خاصة كان التفكيك الذي حدث في القطاع العام لم يملأه القطاع الخاص بمزيد من فرص الأنتاج ومزيد من فرص العمل والسعي لرفع الكفاءة الأنتاجية حتى الأستثمارات الي جرت فلقد تمت على اساس الأستدانة من النظام المصرفي الداخلي اوالأستدانة من الخارج. وعندما فتحت الأسواق الداخلية فلقد احدثت في اسواق اخرى – مثل سوق العمل وسوق المال- اختلالات رهيبة. وفي احوال كثيرة, فان فتح الباب امام رأس المال الدولي بلا تمييز قد دمر جزءا من الصناعة الوطنية التي كانت قد نمت في ظل سياسة احلال الواردات.
وتبين ان الثمن الباهظ الذي دفع على حساب الديمقراطية الساسية والعدالة الأجتماعية والأزدهار الثقافي لم يكن له نفع في المجال الأقتصادي. كما تبين ان النظم الأستبدادية الحاكمة كانت تحمي النهب الغاشم للبلدان النامية. فلما سقطت وعادت نظم مدنية بقدر من الديمقراطية انكشفت الأوضاع وهبت الجماهير واضطر الحكام الجدد لأتخاذ موقف ما: التوقف عن سداد فوائد الديون, او تحديد الدفع بنسبة معينة من حصيلة الصادرات, او الألغاء الكلي للمديونية الخارجية.
لكن ثبت ايضا ان المديونية اصبحت هي الآلية الرئيسية لأستعادة الرأسمالية العالمية لهيمنتها المباشرة على البلدان النامية المدينة. واصبح نمو اعباء الديون يجري بمعدلات اسرع من نمو حجم الديون. واصبحت الفوائد الأقساط السنوية تلتهم الجزء الأكبر من الديون الجديدة. وفي احيان كثيرة كان يثبت ان حجم الأموال المحلية المهربة الى الخارج, وبعضها منهوب من القروض الخارجية, اكبر من حجم المديونية الخارجية للبلد النامي الذي كان عليه ان يستمر في الأقتراض على الوام. فيقترض ليسدد قروضه. ويقترض ليستورد غذاءه.
واصبحت شروط اعادة الجدولة تعني ان يخضع البلد المدين لمشيئة الدائنين – كما يحددها صندوق النقد الدولي – في صياغة سياساته الأقتصادية والجتماعية, بل والساسية ايضا. وهو ما يعني ان تتم ادارة الأقتصاد والمجتمع والدولة من الخارج. ويعني ايضا ان ادارة المديونية الخارجية صارت اهم آلية لنهب الفائض القتصادي للبلد النامي. يكفي مثلا ان نعلم ان سعر الفائدة على القروض العسكرية كان 6و5% في العام1972 فأصبح 14% في العام 1984. وهذا السعر لا علاقة له بقوانين العرض والطلب, وانما هو مسألة سياسية تحددها الحكومة الأمريكية.
وبهذه المناسبة نسوق بعض نوادر امريكا مع مصر في عدد من المرات التي طلبت فيها مصر قرضا امركيا يضاف الى القرض الذي وافق البنك الدولي على تقديمه لمصر من اجل بناء السد العالي. ففي عام 1956 اعلن دالاس وزير خارجية امريكا للملك سعود عاهل السعودية انه قرر المعاونة في بناء السد العالي لأن " المشروع طويل الأجل ومن شأنه ان يربط مصر بأمريكا لمدة عشر سنوات ". غير ان الأمريكيين طلبوا من مصر – نظير القرض المقدم – منحهم الحق في السيطرة التامة على السياسة الأقتصادية ابتداء من مياه النيل, كما حاولوا ارغام مصر على العدول عن سياسة الحياد الأيجابي وعلى ابرام سلام مع اسرائيل. كان ذلك في 19 تموز 1956. وبعدها بأسبوع واحد في السادس والعشرين من تموز اعلن عبد الناصر قرار مصر بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس.
وفيكانون الثاني 1957, بعد هزيمة العدوان الثلاثي على مصر, طالبت مجموعة من رجال الكونجرس الأمريكي بتدويل جزء من الأراضي المصرية التي تحدها اسرائيل, وحرمان مصر من حق ادارة قناة السويس. وفي نفس الوقت اقترحت بعض الأحتكارات الأمريكية, وفي مقدمتها بنك تشيس مانهاتن على الحكومة المصرية تأجير قناة السويس لهم, لكن مصر ردت بالتصفية الكاملة لرأس المال الأجنبي, وساعد ذلك على اتباع سياسة خارجية مستقلة وبدأ تنفيذ برنامج للتصنيع.
وفي السنة الأخيرة عندما لجأت مصر الى امريكا طالبة مساعدتها في اقناع صندوق النقد الدولي بتخفيف شروطه على مصر, طلبت امريكا ان توافق الحكومة المصرية على فتح بنك اسرائيلي في القاهرة يتولى الوساطة في اقراض مصر, إقامة قاعدتين عسكريتين في مصر لقوات الأنتشار السريع, احدهما غرب الأسكندرية والأخرى في قنا. لكن مصر رفضت هذه المطالب الغريبة التي تستهدف النيل من سيادتها.
ان القروض الخارجية هي الفخ المنصوب للبلدان النامية, سواء جاءت من البنك الدولي او من صندوق النقد الدولي. وهي المناسبة الذهبية لأقتناص الفريسة وفرض الشروط عليها ضمانا لحقوق الائنيين اولا وقبل كل شيء.
وفي الأيام الأخيرة, عندما حلت بالاردن أزمة اقتصادية خانقة من جراء توقف الدعم العربي الذي كان يبلغ مليارا وربع مليار دولار في السنة, ومن جراء توقف حرب الخليج بين العراق وايران, اخذ الأردن يعاني منذ اوائل عام 1988 من قلة النقد الأجنبي لديه وبخاصة من انخفاض تحويلات الأردنيين العاملين في الأقطار العربية النفطية, فأن الحل الذي أوصى به الصندوق كان هو رفع الأسعار, وفي مقدمتها اسعار الوقود والعلف في بلاد تعتمد على النقل بالسيارات بين العراق وعمان والسعودية وتعتمد على الزراعة ورعي الماشية. ومن ثم اندفعت الجماهير للتعبير عن سخطها في منطقة لا يمكن ان يشك في ولائها للنظام الحاكم. لقد خرجت في الواقع لتعلن سخطها على صندوق النقد الدولي ووصفته المشؤومة التي تحمل الخراب للدول النامية والمزيد من البؤس لشعوبها المطحونة. (انتهى)
الدكتور فؤاد مرسي



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الأبتزاز, الدولي, صندوق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
للتحميل: الإعلاميون والنزاع المسلح- الحماية والمسؤوليات بموجب القانون الإنساني الدولي لؤي عشري ســاحـــة السـيـاســة ▩ 0 01-25-2019 04:29 PM
للتحميل: الإعلاميون والنزاع المسلح- الحماية والمسؤوليات بموجب القانون الإنساني الدولي لؤي عشري ساحة الترجمة ✍ 0 01-25-2019 12:40 PM
منظمة الامم المتحدة للتمنييك الدولي . فتى الشرق العظيم ســاحـــة السـيـاســة ▩ 3 08-08-2018 03:42 PM
صندوق الاسلام - Box Of Islam الأسطورة0 علم الأساطير و الأديان ♨ 3 03-21-2017 10:51 PM
تراجع العلماء: الكويكب tx68 لن يشكل خطرا على الأرض الفضاءمركز الفلك الدولي ابن دجلة الخير العلوم و الاختراعات و الاكتشافات العلمية 0 03-07-2016 08:05 AM