![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
عضو ذهبي
![]() |
عند الحديث عن التطوّر البشريّ، ربما سيفكّر الواحد فينا بمعرفة سبب التطوّر، لكن تميل الناس بالعموم للتفكير الفوريّ بماذا سنكون في المستقبل؟ إلى أين سيقودنا التطوّر؟ يكون الجواب البسيط والسريع والعلميّ: لا أحد يعلم، فالتطور يكون احتماليّاً. لكن في الواقع، نمتلك ثمّة اتجاهات في التطوّر البشريّ قد تحقّقنا منها وتؤثر بنوعنا الحيّ خلال آلاف أو ملايين الأعوام، وتتابع فعلها راهناً. بالرغم من عدم توافق علم المُستقبل futurología مع التطور بشكل جيّد، تسمح لنا هذه الإتجاهات المُلاحَظة من الإقتراب قليلاً من علم المستقبل هذا. يشكّل مستقبل السلالة البشريّة موضوعاً ثابتاً في أدبيات الخيال العلميّ، وقد صار شائعاً وشعبياً بين بعض الفلاسفة التطوريين الذين يرغبون بتقديم تقديرات علمية حول هذا الموضوع. من المعتاد الوقوع بالخطأ هنا، حيث يتخيلون بشراً برؤوس كبيرة وأدمغة هائلة وذكاء خارق، بينما يرى آخرون بأنّ التطوّر قد انتهى عمله علينا كبشر، حيث أننا ومن خلال التكنولوجيا والثقافة قد امتلكنا زمام تطورنا الخاص. أحياناً يوجهون انتباههم لاتجاهات واقعيّة يمكن ملاحظتها بالتطور البشريّ ويتطرفون بها. لكننا نحن بهذا الموضوع لن نُقارب علم المستقبل، بل سنكتشف خمس اتجاهات في التطور البشريّ، عبر اتباع طريق أتينا به كنوع حيّ منذ ملايين أو آلاف الأعوام وبحسب الوضع القائم. الإتجاه الأوّل: يتقلّص دماغنا نبدأ بتفنيد إسطورة الانسان ذو الدماغ العملاق في المستقبل، حيث نمتلك واقع مُتحقَّقْ منه، بأنّه خلال عشرات آلاف الأعوام الأخيرة، الدماغ قد بدأ بالتقلُّص تدريجيا عند الإنسان العاقل Homo sapiens. فيما لو ندرس الأحفوريات منذ الإنسان الاول، الذي هو الإنسان الماهر Homo habilis، سنتمكّن من رؤية اتجاه تطوريّ من هذا الإنسان حتى نوعنا يتمثّل بازدياد في حجم الدماغ. لكننا ومنذ 100000 عام قد بلغنا الذروة، وهي اللحظة التي بلغ بها الدماغ حجمه الأقصى، سواء عند نوعنا، كما عند أقربائنا النياندرتال Neandertales. بمجرّد قول هذا، يكون واضحاً أنّ التطوّر لم يتوقف عن العمل عندنا. لا نمتلك أدلّة على أننا خاضعين للإنتقاء الطبيعيّ فقط، بل نحن نتطوّر كل مرّة بسرعة أكبر. أحد هذه الادلّة يأتي من تحليل الجماجم وتحليل جيناتنا، والتي تُشير لأنّه خلال أواخر 10000 عام قد تقلّص الدماغ البشريّ بما يعادل قيمة متوسطة تعادل 150 سنتمترمكعّب. ولكي يكون لدينا فكرة واضحة، يكون متوسط حجم الدماغ الحالي 1350 سنتمتر مكعّب. في الماضي، امتلكنا 10% على الأقل كحجم أكبر من متوسط الحجم الراهن. هل هذا يعني بأننا نتجه لنكون أكثر غباء؟ كلّا، فلا يمكن النظر للدماغ وربط حجمه بالذكاء فقط. يُرى بأنّه ربما ساهم المجتمع المستقرّ المميّز للكائن البشريّ خلال العشرة آلاف عام الأخيرة مع نمو الزراعة، قد فضّلا عملية تكيُّف مع دماغ أصغر. فيما لو نُمعن النظر بالدماغ بوصفه مُستهلك شره للطاقة، بالتالي من الطبيعيّ أن يعمل الانتقاء الطبيعي على تقليصه، سيما حينما لا نحتاجه بكل هذا الحجم الكبير. وبحسب ما يجري اكتشافه، فإنّ ارتباط الحجم الكبير غير حصريّ بالذكاء فقط، بل بقدرتنا على التكيُّف لنكون نوع حيّ ديناميكيّ ونشيط بفعالية. الإتجاه الثاني: نفقد حاسة الشمّ نحن تصنيفياً من الرئيسيات، وككل أنواع الرئيسيات، لم نتميّز عن باقي الثدييات بحجم دماغنا الكبير، بل بسبب حاسة النظر المميّزة إلى جانب حاسة الشمّ. يمكن ملاحظة هذا الاتجاه التطوريّ في أواخر 55 مليون عام من تاريخ الرئيسيات. عند أنواع أخرى من الرئيسيات، مثل الشمبانزي والغوريللا، لم يُلاحظ حصول تغيرات بحاسة الشمّ عندهما، بينما سُجِّلَ عندنا الملاحظة. فمن بين 1000 جين كسؤول عن حاسة الشمّ قد ورثناها عن أسلافنا المُشتركين مع باقي الثدييات، قد فقدت وظيفتها 300 جين على الأقلّ بسبب طفرات قد أثّرت على بنيتها بحيث يصعب إصلاحها بأيّ طريقة ممكنة، وهذا ما تبيّن عندما قام علماء الوراثة بفكّ شيفرة جينومنا بشكل كامل. ولهذا نجد أنّ القدرة على الشمّ عند الكلب تتفوّق بمليون مرّة على قدرتنا على الشمّ كبشر. تُشير دراسة حديثة منشورة في Molecular phylogenetics and evolution لأنّ هذا الإتجاه يتابع فعله، ما يعني أنّ حاسة الشمّ عندنا ستتدهور جيلاً بعد جيل. الإتجاه الثالث: يصغر فمنا باضطراد يشكلا الشمبانزي والغوريللا أقرباؤنا التطوريون الأكثر قرباً. إنهما رئيسيات مثلنا، لكن يفصلنا تكيُّف ببيئة مختلف كليّاً. حيث يكونا هما نباتيان بشكل رئيسيّ، بينما نكون نحن آكلون لكل شيء. يمكن لغوريللا إمضاء جزء من يومها بمضغ الأوراق بأسنانها الكبيرة ولقمتها الكبيرة لتحتفظ بأكبر كميّة من الأوراق الممضوغة بشكل جيّد، حيث أنها لن تتمكّن من هضم السللوز النباتيّ دون مضغ شديد. يحتاج حيوان شبيه لكثير من السعرات الحرارية، ما يعني أنّه يحتاج لالتهام كثير من النبات. يُرى بأنّ آخر سلف مُشترك لنا معها قد عاش منذ ما يقرب من 7 مليون عام. انفصل خطّنا التطوريّ عندما تمكّن نوع من الرئيسيات بتلك الحقبة قد بدأ المشي على قدمين. منذ حوالي 3 مليون عام عاش بأفريقيا أسلافنا من أشباه البشر homínidos النوع australopitecos. لقد مشوا على قدمين، لكنهم امتلكوا نظام غذائيّ مشابه لنظام الشمبانزي الغذائيّ. أسنان ماضغة كبيرة، فم كبير، ما يُشير لأنهم أكلوا فاكهة، درنات نباتيّة بين نباتات أخرى. لكن ومع ظهور أوائل البشر، خصوصاً مع ظهور الإنسان المُنتصب Homo erectus منذ حوالي 1.5 مليون عام، بدأ اتجاه تطوريّ نحو تقلُّص حجم الفم وحجم الأسنان كذلك. كان تكيّفاً مع نوع الغذاء الجديد الذي سيطر على النظام الغذائيّ لاولئك البشر ويتضمّن اللحوم. وفّرت تلك اللحوم سعرات حراريّة أكبر، سيما بظهور النار والسيطرة عليها، وربما ظهر أوائل صور الطبخ وقتها، وهذا ما جعل مسألة المضغ تغدو ثانوية أكثر فأكثر للحصول على سعرات حرارية أكثر. تحوّل دماغنا لمُستهلك رهيب للسعرات الحرارية، لهذا كان اعتماد تغذية فعّالة أكثر ضرورة، لا غنى عنها. من هنا لم يعد للفم الكبير أيّ فائدة ولا حتى لوجود أسنان كبيرة. مع بدء الطبخ ووصول الزراعة، بدأ فمنا يتقلّص كل مرّة أكثر. كذلك تعرضت أسناننا لتقليص أحجامها، لكن أكثر بطء، ومن هنا نرى كل مرّة طلب أكثر وحاجة أكبر من الناس على تحقيق تقويم الأسنان ortodoncia. يقودنا هذا الإتجاه لما نتابعه في قائمة الاتجاهات هذه!! الإتجاه الرابع: نفقد أضراس العقل جرى انفصال الثدييات عن الزواحف منذ ما يقرب من 200 مليون عام، وكان تكيفها الأوّل مع البيئة الأسنان. وهكذا تخصصت تلك الاسنان لتحقيق أعمال مختلفة وتصبح فعّالة أكثر في التغذية. فالقواطع Incisivos للتمزيق والتفتيت، والضواحك premolares للعضّ، والاضراس molares للمضغ والطحن. كما رأينا أعلاه، فقد كيّفت الرئيسيات طعامها على الفواكه الطريّة والقاسية بحيث كان هذا التخصص جيداً. لكن في نوعنا الحيّ فقدت أضراس الطحن أهميتها، لأننا بدأنا بتناول اللحوم وطبخ الأغذية، فليس من المهم القيام بالمضغ خلال ساعات وساعات، ولهذا يصبح نموّ كثير من الاضراس قد تحوّل لعملية صرف طاقيّ حادّ. يعمل الانتقاء الطبيعي بالوقت الراهن بشكل مضادّ لأضراس العقل muela de juicio كضرس ثالث. في عصور ما قبل التأريخ، ظهرت أضراس العقل عندما وصل الفرد لمرحلة البلوغ في مجتمع يعيش على الصيد والتقاط الثمار وهي بحدود 16 عام أكثر أو أقلّ بقليل. بوقتنا الراهن قد تأخّرت فترة ظهورها، وبأحوال كثيرة لا تظهر أو يظهر واحد فقط من 4 أضراس ثالثة. وباعتبار أن حجم الفم قد تقلّص كثيراً، اذا لا يوجد مكان لضرس ثالث، وهذا ما يؤدي بكثير من الأحيان لاصابات ومشاكل تقويميّة بالأسنان وآلام ... الخ. اختفت أضراس العقل بشكل كليّ عند جماعات aborígenes في تاسمانيا أو عند السكّان الأصليين في المكسيك، ويُرى بأنّ هذا الاختفاء مُرتبط بجين يسمى PAX9. يكون الاتجاه عند باقي البشر نحو اختفاء هذا الضرس الأثريّ. الإتجاه الخامس: اضمحلال السلالات يرتبط مفهوم السلالة آنتروبولوجياً بالتنوّع الهائل الذي يمتلكه الإنسان العاقل، كنوع مرن جداً وسهل التكيُّف. منذ 2 مليون عام، عندما تطوّر الإنسان المُنتصب في أفريقيا، حيث تكيَّف مع بيئة أعشاب السافانا وتوفُّر أشجار قليلة مما جعل الشمس حاضرة بقوّة. وباعتباره نوع عدّاء { يمشي على القدمين }، فقد فقد الفرو المميّز للرئيسيات كتكيُّف ينحو باتجاه تبريد الجسم بشكل أفضل وامتلاك غدد عرقيَّة على كامل الجلد تقريباً. كان يتولى الفرو حماية الجلد من الشمس، لكن تكيُّفاً آخر قد أمّن حمايتنا من الآثار الضارة للأشعة فوق البنفسجية، تمثّل بتصبُّغ الجلد. وهكذا كان أوائل البشر ذوي جلد أسود. لكن عندما بدؤوا باستيطان مناطق أخرى من العالم، اعلى خطّ العرض كأوروبا أو آسيا، شكّل اللون الغامق الاسود عائقاً أمام التركيب الكافي للفيتامين B وهو فيتامين هام جداً للجهاز المناعيّ لدينا، ويتحقق هذا التركيب بفضل وصول الاشعة فوق البنفسجية تلك إلى الجلد. حيث تكمن القضيّة بأنّه في المناطق الأعلى من خط العرض، يوجد كميّات أقلّ من الاشعاعات فوق البنفسجية تلك، وامتلاك جلد أسود / غامق سيعني أن تركيب الفيتامين B يكلِّف 10 أضعاف ما يكلفه في افريقيا بالقرب من خط العرض. هكذا جرى تحوّل اللون الغامق إلى لون شاحب للجلد وهو أمر مميِّز لرئيسيات أخرى كالشمبانزي، حيث أنّه كي لا تتضرّر من الاشعة فوق البنفسجية في تلك المناطق، فلم تكن تحتاج لتصبُّغ غامق للجلد. هكذا نشأت تكيفات مُناخيّة متنوعة، مثل شكل الأنف، الشعر....الخ. لكن منذ بدء عصر الاستكشاف، والذي بدأ منذ حوالي 500 عام، لم تنقطع الثقافات البشرية عبر العالم من التلاقي والامتزاج. ساهمت الهجرات القسرية أو الطوعية لانتقال جماعات متنوعة إلى مناطق مختلفة تماماً عن تلك التي عاشت بها طوال قرون. ففي يومنا هذا، يوجد مشاكل صحيّة خاصة بأشخاص ذوي بشرة سوداء / غامقة يعيشون بعيدا عن خط العرض في المناطق العليا حيث تكون نسبة الاشعة البنفسجية أقلّ، وكذلك تعيش ناس ذات بشرة بيضاء / فاتحة في مناطق مدارية استوائيّة ذات نسبة أشعة فوق بنفسجية مرتفعة. لكن الإتجاه يكون نحو مزيج شامل عبر العولمة. يرى بعض الخبراء مثل Peter Ward: بأنّ الحدود القصوى ستختفي، بحيث تسود جماعة ذات شعر بنّي وقامة متوسطة، سيختفي الشقر، ستختفي العيون الزرقاء السماوية، سيختفي الشعر الأحمر، ستختفي ألوان الجلد الفاتحة جداً والغامقة جداً. futurología تعليق فينيق طالما أننا أحياء فنحن خاضعون للتطوُر، والموضوع أعلاه يقدم لنا مزيد من الأدلة على هذا الأمر .. أشكر أيّ تصويب أو إضافة ![]() ![]() |
|
|
|
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| مُفاجيء, البشريّ, التطوّر, اتجاهات, راهنيّة |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| كيف دجَّنَ القمح الكائن البشريّ؟ | فينيق | في التطور و الحياة ☼ | 0 | 07-15-2016 07:34 PM |
| فيديو عن التطوّر | مشاري | في التطور و الحياة ☼ | 1 | 01-17-2016 08:19 PM |
| الحمض النوويّ البشريّ يؤدّى إلى أدمغة أكبر عند الفئران | مُنْشقّ | في التطور و الحياة ☼ | 0 | 03-11-2015 09:43 PM |
| آليات التطوّر | مُنْشقّ | في التطور و الحياة ☼ | 0 | 03-06-2015 02:50 PM |
| انهيار التطوّر | فينيق | في التطور و الحياة ☼ | 0 | 08-20-2014 11:32 AM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond