شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في الإلحاد > حول الحِوارات الفلسفية ✎

 
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 04-18-2015, 02:38 PM abbas غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
abbas
عضو جديد
 

abbas is on a distinguished road
افتراضي في الأخلاق و نشأتها

في الأخلاق و نشأتها
اسس نشوء الاخلاق و بنيتها الذاتية
--------
افكار مبدئية عن سبب نشوء الاخلاق ووجود الكائن الاخلاقي.

- ما الاخلاق؟

يمكن تعريف الاخلاق بأنها مجموعة من القيم و المثل التي تبناها المجتمع للوصول بأفراده الى مستوى من التفاعل المبني على التعاون و التكافل بين أفراد هذا المجتمع، فهي نتاج مجموعة محددات فرضها المجتمع بشكل غير إلزامي كشكل من اشكال السمو البشري و تمييزه عن المملكة الحيوانية، و صحيح بأن الاخلاق هي مجموعة من الاعراف الغير ملزمة للفرد و لكنها مقياس لبقاء الفرد داخل المجتمع و الحصول على مميزات العيش داخل الجماعة متمثلة بالحماية و الحصول على الموارد، و بذلك الخروج عن اعراف هذه الجماعة الاخلاقية يترتب عليه نبذ المجتمع للفرد و ابعاده خارجها و فقدانه لتلك المميزات، و بالتالي تصبح الاخلاق منظومة من التقاليد و الاعراف والسلوكيات التي حددها المجتمع نتيجة تطوره الفكري للوصول الى صيغة انسانية اكثر بعدا عن المنافسة الشرسة في حياة الغابة التي كان يحيا بها.

و طالما الاخلاق شكل من اشكال تطور المجتمع فهي مجموعة من منظومة فكرية ذاتية تخص تلك الجماعة على وجه التحديد، و بالتالي هي نسبية و ليست مطلقة و متغيرة بتغير التطور الفكري لتلك الجماعة المرتبط اساسا بشكل عضوي مع متغيرات البيئة الطبيعية من حوله (التطور الفكري) و ما توفره له من موارد او تحرمه منها.

في حقيقة الامر مفهوم الاخلاق يصعب تحديده و تعريفه بشكل موضوعي لانه مصدره الاساسي هو حاجة ملحة لتنظيم و ضبط المجتمع ضمن مجموعة قوانين ان كانت تتراوح بين اعراف و تقاليد او بين قيم و مثل يختص بها مجتمع معين، و الصعوبة الاخرى هي عدم امكانية الوصول الى معايير و مقاييس اخلاقية تحكم جميع المجتمعات البشرية بحيث تكون صيغة او منظومة عالمية ترجع لها المجتمعات.

و لكن كيف نشأت تلك الاعراف الاخلاقية؟

ان اختلاف القيم الاخلاقية بين مجتمعات و اخرى، و ثقافات و اخرى، و من بيئة لاخرى، و من مجتمع اقتصادي لاخر يثبت بأن نشأتها كانت بناء على احتياجات و متطلبات بيئية اجتماعية، متطلبات تتكيف مع العلاقات الاجتماعية و الموارد الطبيعية.
ثنائية من العلاقة (اجتماعية/طبيعية) كانت مؤسسة لبدايات الفكر البشري التنظيمي و السلوكي.
و بذلك يعني الاختلاف في القيم بأن نشأتها لم يكن شيء ذا وجود جوهري للطبيعة البشرية، و انما كانت وسيلة رادعة من خلالها يمكن ضبط المجتمع و السيطرة عليه.
و بالتالي يمكن بناء مجموعة من المقدمات لفهم معنى الاخلاق بشكل موضوعي و جوهري.

- ثنائية التكلفة و العائد / النفعية:

ان كل حركة او سلوك ينبع من الكائن الحي بكل اشكاله هو نتيجة عمليات مفاضلة بين تكلفة متمثلة بالجهد و الطاقة و الوقت، وبين عائد متوقع متمثل بمنفعة يمكن الحصول عليها كمقابل مرضي جراء هذا السلوك. ولا يفهم من ان السلوك بأنه فقط سلوك حركي وانما يمكن ان يكون سلوك فكري كالاخلاق، كمساعدة الاخرين و احترام الغير و المساواة و التعاون و المعاملة الحسنة و حتى عدم الحقد او الحسد... الخ.
فجميع دوافعنا نحو السلوك او التفكير تنبع من اساس تلك المعادلة، هي نتيجة مفاضلة ارادية واعية او لاواعية بين التكلفة و العائد، للوصول الى تحقيق إما منفعة او انخفاض في التكلفة.

و لكن ما المنفعة التي يمكن الحصول عليه جراء القاء التحية او مساعدة الاخرية و احترامهم؟؟

قبل الاجابة في هذا السؤوال يمكن طرحه بشكل مختلف، ما التكلفة التي يمكن ان يتحملها الشخص جراء قيامه بمساعدة الاخرين او احترامهم او القاء التحية عليهم؟ و لماذا يوجد دافع قوي يحثه على اتخاذ هذا السلوكيات المكلفة حتى أصبحت كمسلمة بديهية لايمكن ان نسلك سلوكامغاير له؟؟

ان الاسالة هي اشد غرابة من الاجابة، فلا اعتقد بان هناك من احد ينظر اليوم الى مساعدة الاخرين او احترامهم على انها سلوك مكلف له يهدر من طاقته بشكل يستحق عليه التفكير بهذا السلوك مرتين، و لكن اذا طرحت على نفسك هذا الاستفسار لماذا لا نفكر مرتين في السلوك الاخلاقي قبل القيام به، سوف تجد الاجابة التي تخرج منها -كشخص لك شخصيتك المتميزة المستقلة- بأن الاسالة السابقة تستحق ان نطرحها، وليست اسالة سطحية او غريبة كما تبدو للوهلة الاولى.

لذلك قبل الاجابة على الاسالة السابقة يجب التجرد من الواقع الحالي الاخلاقي المتحضر الذي وصلنا اليه نتيجة تطورنا الفكري المتراكم، و النظر الى كيفية الحياة للبشر الاوائل الذين اسسوا لتلك المنظومة الاخلاقية او مجموعة القوانين، و البيئة المحيطة بهم من انعدام للامان و ندرة الموارد، فكل حركة وكل خطوة و جهد يجب ان يكون محسوبا بدقه و في مكانه المناسب والا لانقرض صاحب القرارات الخاطئة، لذلك مبدأ التكلفة و التعاون ليس فقط مبدأ بشري كمحاكاة عقلية و مفاضلة ذهنية، بل هو غريزة موجودة في جميع الكائنات الحية، هو نموذج للتعامل مع الطبيعة و مع الاخرين.
و من تلك الصعوبات التي كانت تواجه البشر الاوائل خلقت الحاجة الى التنظيم و التكتل، للتعاون و تقسيم الجهد للحصول على الغذاء، و بتشكل تلك الجماعات البدائية الاولى نشأ مفهوم التعاون بشكله المجدي الذي لا يمكن ان يضع في غير مكانه، او يهدر على اشخاص لا يستحقونه.
فلا يمكن مع الحياة في تلك البيئات الغير مرحبة بالكائن الحي ان تستثمر طاقته و جهده و وقته في اماكن لا توفر له العائد من تلك التكاليف الباهظة التي يدفعها للحصول على الطعام له ولاسرته.
ان صعوبة الحصول على الطعام في تلك الفترات و المنافسة حول الموارد، حتمت على البشر الاوائل ان يشكلوا تلك الجماعات ليضمنوا الحصول على قسم من الموارد الكافية لاستمراريتهم مع اهمية وجودهم جميعا و اعتمادهم المتبادل بين بعضهم البعض، فخسارة شخص واحد كانت تمثل لهم خسارة باهظة مقارنة بما يقدمه من طاقة، او بما يوفرونه هم من طاقة، لذلك كان من المحتم بعد تشكل تلك الجماعات وضع قواعد تنظيمية يجب احترامها والا تأثرت الجماعة بكاملها و واجهت خطر الانقراض.
هذا يعني فعليا بأن ضياع اي جزء من الطاقة سوف يتطلب في المقابل الحصول على جزء اضافي من الموارد لتعويض تلك الطاقة المهدورة في المكان الغير مناسب، لذلك كان مبدأ التكلفة-العائد و المفاضلة بينهم فعّــــال جدا لانه يقيّـــم الافعال و السلوك بشكل مادي يتناسب مع الوقت و الجهد و الطاقة المهدورة.
و التعاون هنا سوف يتبع نفس المبدأ، فالذي لم يتعاون سوف ينبذ من الجماعة و يخسر المميزات التي كان يحصل عليها في العيش داخل جماعة متكافلة و متضامنة و متعاونة، في ظل منافسة و ندرة للموارد. و هكذا فالاخلاق رغم انها حرية سلوك فردية، الا انها ملزمة عليه ضمن الجماعة.

هذه الصعوبات اسست لنظام اجتماعي و اسست لجميع الانظمة و القوانين التي انتجها العالم الحديث، و المبدأ المبني على المنفعة لم يساهم في الحفاظ على حياة البشر الاوائل فقط، بل انه ساهم في تطور الحياة نفسها.

ولكن، نحن نساعد الاخرين اليوم بدون مقابل، بل بدون ان نعاني من التفكير في التكلفة المبذولة و المنفعة المحصلة! بل مجرد التفكير بهذا الشكل يعتبر لا اخلاقي و تفكير مريض و شنيع في نظر اغلب البشر، ما الذي حدث لكي نبذنا هذا المفهوم؟؟ و هل نبذناه في حقيقة الامر ام انه تراكم في لاعينا و اصبح من بديهات السلوك، ليس من الناحية الاقتصادية فقط بل من الناحية النفسية ايضا؟
و هذا ما حدث، اننا طورنا من مصطلحاتنا و غيرنا من مفاهيمنا و نظرتنا للامور لتتناسب مع منظومتنا الاخلاقية الحديثة الحضارية. ان عدم مساعدة الاخرين اليوم او احترامهم او تشجيعهم سوف لن يكلفنا في حقيقة الامر شيء و لن يعرضنا لخطر الانقراض، و لكن بالتوقف عن هذا السلوك الانساني و الاخلاقي سوف نضحي في استقرارنا النفسي و نبدأ بدفع تكاليف تتمثل بالمعاناة و تأنيب الضمير. تطور افكارنا اصبحت جزءا لا يتجزء من حياتنا و التخلي عنها يفقدنا شخصيتنا، فلقد زرعت تلك المبادئ في لاوعينا باستمرار لتكون شيء بديهي بل واجب تركك له لن يعرضك للانقراض حماية الجماعة او عدم الحصول على كفاية يومك من الطعام، و لكن سوف يعرضك لما هو اسمى، سوف يعرضك الى تجاهلك من قبل المجتمع و بالتالي فقدانك لحاجة اثبات الذات و الاحترام.
و بالتالي تحولت المنفعة من منفعة مادية الى منفعة معنوية نتيجة التطور الاقتصادي الذي ادى الى التطور الفكري.
و لكن يبقى الامر غامض شيئا ما، فهل من يهب حياته فداء للوطن، يفاضل بين تكلفة و منفعة؟؟ و ما المنفعة التي سوف يحصل عليها بعد ان تكلف في دفع حياته مقابلا لها؟
ان هذا التصرف شبيه بأنك دفعت قيمة لا نهائية مقابل لاشيء! و مع ذلك نرى يوميا من هو مستعد الى التضحية بنفسه و حياته (القيمة اللانهائية) في سبيل الدفاع عن الوطن، و هناك من يضحي بحياته في سبيل مساعدة اشخاص ربما لم يلتق بهم في حياته.

ما السر وراء اندفاع البشر نحو سلوك لا يحصلون من ورائه على عائد؟؟ بل و يخاطرون بكامل القيمة التي يملكونها؟؟ ما الدافع من اشخاص يهبون وقتهم في مساعدة الاخرين، و يشكلون مؤسسات خيرية و جمعيات انسانية و منظمات لمكافحة الفقر ومناهضة الحروب و التمييز العنصري، تأييد المساواة و الحرية؟؟ هل جميعهم كانوا يقومون بعمليات حسابية يستخرجون منها العائد من تلك التكاليف التي يدفعونها، او يحاولون الحصول على منفعة و عائد اكبر من تلك التصرفات؟؟
و كيف يمكن ايجاد توافق بين ما هو مادي بشكل قاسي و مقزز يعتمد على التقييم (المادي)، و بين ما هو معنوي سامي و اخلاقي؟؟
لاشك بأن مثل تلك التصرفات تهدف الى الخير، و لكن في المقابل لها دافع نفسي، هي اعطاء الحياة معنى و الحصول على استقرار نفسي.

ان الشخص الذي رمى نفسه تحت قطار لينقذ طفل لم يكن لتتحمل نفسه ان يموت الطفل و يبقى هو متفرجا، و الاشخاص الذين ساهمون في مكافحة الفقر لم تستطيع اخلاقهم ان يروا اطفالا و نساءا محرومون من ابسط مقومات الحياة. ان تلك الحياة لا تناسب وجدانهم و نظرتهم للحياة التي يجب ان تكون عادلة و متساوية و معطاءة بالشكل الذي هم يقومون به من انسانية.
ان تطور الدوافع و الاحتياجات من مادية الى معنوية ساهم في تطور النظرة الى الواقع و اعطائها ابعادا و معان سامية لسمو الفكر البشري و الوصول به الى اعلى درجات العطاء و الكرم، فدوافعنا النفسية لم تعد ترتاح لهذا الوجود المليء بالمعاناة والظلم و القسوة.

يجب التوقف هنا لكي لا افهم بشكل خاطئ، ان التفسير السابق لا يقلل من قيمة السلوك الانساني الذي يقومون به من يدافع عن وطنه و من يقاوم الفقر و المرض و التمييز العنصري، ولا يعني بأنه سلوك غير طبيعي او يجب نبذه و العودة الى قوانين الغابة و الانانية، انه مجرد تفسير يوضح النشأة و التطورات التي حدثت، و اسبابها، و ان تعليل هذه الاسباب لا يعني اننا نقلل من قيمتها، انها في حقيقة الامر قيمة لا نهائية و اصحابها يجب ان يكونوا قدوة لنا جميعا.



  رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
نشأتها, الأخلاق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأخلاق و ما أدراك ما الأخلاق - رد على هيثم طلعت Philgamer حول الحِوارات الفلسفية ✎ 125 06-29-2019 12:14 AM
هل الدين هو مصدر الأخلاق أو البشرية هي مصدر الأخلاق؟ Hikki العقيدة الاسلامية ☪ 84 10-07-2017 11:11 PM
في أصل الأخلاق؟! فينيق حول الحِوارات الفلسفية ✎ 21 06-17-2017 06:31 AM
جريمة الختان و اصل نشأتها Abdo_el-genedi العقيدة اليهودية ۞ و المسيحية ✟ و العقائد الأخرى 0 02-29-2016 08:43 PM
هل الأخلاق ضد المادة ؟ منطقي منطقي حول الحِوارات الفلسفية ✎ 0 10-22-2014 05:49 AM