شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > العقيدة الاسلامية ☪ > الأرشيف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 08-30-2013, 04:15 AM السيد مطرقة11 غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
السيد مطرقة11
█▌ الإدارة▌ ®█
الصورة الرمزية السيد مطرقة11
 

السيد مطرقة11 is on a distinguished road
افتراضي العقل الجبري

لقد شهد العالم في العقود الثلاثة الماضية من القرن المنصرم صعوداً للحركات الدينية. الثورة الإسلامية في إيران، ظهور اليمين الهندوسي المتطرف في الهند، و لا ننسى طبعاً اليمين المسيحي المحافظ في الولايات الأمريكية المتحدة. سأحاول في هذا الشريط دراسة ما هو متعارف عليه بالأصولية الإسلامية (Fundamentalism). طبعاً وجب علي التذكير أن مصطلح (Fundamentalism) أي الأصولية، هو مصطلح وجد أصلاً لوصف الحركات المسيحية البروتستانتية.
إن أغلبية المراجع التي عثرت عليها حول الموضوع تأخذ الثورة الإيرانية كبداية لظهور الأصولية الإسلامية نجد مثلاً في أحد المراجع:

)The last quarter of the twentieth century is a time of a global transformation and reorientation ; and the early years of its fifteenth century ; beginning in 1979-1980 ; Islam was in the midst of a new surge of dynamism.(
هكذا نجد أن الكثير من الدراسات تنظر للأصولية الإسلامية على أنها ظاهرة جديدة بدأت بالربع الأخير من القرن العشرين. لكن للحركات الإسلامية جذور تضرب أبعد بكثير من عقدي السبعينات و الثمانينيات من القرن الماضي. لذلك، عندما يقول كارل ماركس في كتابه (الثامن عشر من برومير لويس بونابارت):
"إن الناس يصنعون تاريخهم بأيديهم، و لكنهم لا يصنعونه على هواهم. إنهم لا يصنعونه في ظروف يختارونها، هم بأنفسهم، بل في ظروف يواجهون بها، و هي معطاة و منقولة لهم من الماضي. إن تقاليد جميع الأجيال الغابرة تجثم كالكابوس على عقول الأحياء". وجب علينا أن نؤكد أن الفكر الذي قامت عليه الأصولية الإسلامية له إرث طويل في تاريخنا، أثر على صياغة العقل العربي.

يولّد الاضطراب الاجتماعي ردّة فعل حيث يسعى المرء لبلوغ الاستقرار والأمن بالعودة إلى القواعد الأساسية والمألوفة. وغالبًا ما يتمثّل ذلك بالدين. لا تختلف المجتمعات الإسلامية في هذا الصدد .
أساس العقل الجبري هو الدين. و الدين أساسه، الخوف، و اليأس أمام قوى الطبيعة، تلك القوى التي يجد نفسه الإنسان في الماضي عاجز أمامها. أما في المجتمع الحالي، حيث البؤس و البطالة و القمع من السلطة، فإن الإيمان يزداد بعالم آخر أفضل، يعوض عن هذا العالم الأرضي المليء بالألم. لكن هذا الدين التقليدي دين منتهي الصلاحية، لا يجد طريقه بسهولة لقلوب هؤلاء البائسين، فكان لا بد من "تحديثه" و ذلك بالاستعانة بإرث الأجداد الجبري لتولد الأصولية الإسلامية، من رحم الاستغلال الإمبريالي في المنطقة.

إن المجتمع العربي، مجتمع استبدادي قائم على وجود سلطة مركزية في الدولة، من هذه السلطة نأكل و بفضلها نشرب، و صور الحاكم في كل مكان في الشارع في الجامعة في المقهى في المتجر، في المبغى،...كل شيء للسلطة كل شيء للحاكم. لهذا السبب تحتل السلطة في العقلية الشرقية مكانة مركزية. لا بل تكتسب ملامح و طقوس الحاكم الإلهي. فتكون صورة الله هي صورة للحاكم الأقوى و هي تبرير لظلمه و فساده. فإذا استمد الله صورته من الحاكم فمن المنطقي أن يصبح الحاكم شبه إله، هذا المفهوم للزعيم الإله، أو شبه الإله، يعبر عنه بالانتساب إلى أصل مقدس، ألم يقم الملك فاروق، الألباني الأصل بإستصدار فتوى أنه من نسل النبي؟ إن هذا المجتمع الذي يفرض على أفراده الإيمان المطلق بقدر حتمي يسيطر على الحياة الإنسانية، و لا يمكن مقاومته أو تحديه، و التسليم بأن قوة عليا قد قررت مصائر البشر مسبقاً، هو مجتمع معادي للعقلانية.
و هذا أيضاً من صفات العقل الجبري، فكل ما يملك الإنسان، حتى حياته منحة، و عليه دائماً أن يكون شكوراً، و معترفاً بالجميل. و هذا يعني سلي الإنسان كل حقوقه و تحويله إلى كائن متسول، و هذا يعني أن ليس من حقه الاعتراض على أي شيء. هذا النمط من التفكير يكرس مفهوم الزعيم الإله أو شبه الإله، الذي يتصدق على رعيته.
يتكرر دائما فيً دولة الاستبداد الشرقي هذا المفهوم ، إذ كان يقول معاوية ( الأرض لله، و أنا خليفة الله، فما أخذت فلي، و ما تركته للناس فبالفضل مني) أما أبو جعفر المنصور فقد كان يقول: ( أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة و عنكم ذادة، نحكمكم بحق الله الذي أولانا و سلطانه الذي أعطانا، و أنا خليفة الله في أرضه و حارسه على ماله.)
إن هذه القدسية المتعالية على البشر تجد موازياً لها في الدور الذي تقوم به الدولة، إذ أن دورها في إبقاء و ديمومة الكيان الاجتماعي. و هذا يعني أن السلطة لا تعطي الشعب حقوقاً، و لكنها تمن عليه بمنح. إن السلطة هي النقطة المركزية التي يجب أن يمر عبرها كل شيء حتى يصبح مقبولاً، و بهذا تفرض السلطة رؤية خاصة للحقيقة، فالحقيقة ليست مبررة بمنطقيتها، و لا بانسجامها مع العقل أو معطياته، بل بكونها نابعة من السلطة.
في أوروبا العصور الوسطى كان يسود الاعتقاد أن الأرض هي مركز الكون، كما كان سكان كل دولة يعتقدون أنهم مركز الأرض. إن موقف السلطة الكنائسية من غاليليو لم يكن اعتراضاً على حقيقة علمية و حسب، بل كذلك كون هذه الحقيقة تنفي، في محصلتها النهائية، كون الكنيسة هي مركز الكون و الحقيقة التي لا يجوز الشك فيها. و هذا الأمر يتجلى في عصرنا بما يسمى (بالإعجاز العلمي)، و الذي ترعاه دول الاستبداد الشرقي، و الذي ليس إلا وسيلة لفرض الحقيقة حسب مفهومها. فلولا رعاية دول الاستبداد له بالمال، و المؤتمرات، لما قامت للإعجاز العلمي قائمة. يقول الدكتور صادق جلال العظم في كتابه نقد الفكر الديني : (يهتم هذا النوع من الفكر التوفيقي بين الإسلام و الحياة المعاصرة بتبرير الأوضاع الاجتماعية و السياسية القائمة مهما كان نوعها على أساس انسجامها التام مع الدين الحنيف و تعاليمه و شرعه. و يشرف على عملية الدفاع عن الوضع القائم و رجالاته و سياساته مجموعة من المفكرين و رجال الدين الإسلامي الذين يجهدون أنفسهم في إضفاء الشرعية الإسلامية على النظام السياسي و الاجتماعي الذي يرتبطون به مهما كان نوعه. هنا تتجلى النزعة المحافظة و حتى الرجعية في الفكر الإسلامي المعاصر و في ممارسات هذا الفكر. )
إن العمود الأساسي للفكر الجبري هو المقدس، لا الواقع، و حين يتجه الواقع نحو ما لم يحدده المقدس فهو واقع ضال، و هذا المقدس قد يكون نصاً أو أسطورة، أو مجموعة من التقاليد، و تصبح علاقة هذا المقدس بالمجتمع هي إعادة هذا الأخير إليه. طبيعة الفكر الجبري تتسم دائماً بالأمر و النهي، فهناك المحرم و الممنوع و المكروه و المستحب دون تبرير معقول. و يرفض مثل هذا الفكر الربط المنطقي بين الظواهر. كان الأشعري ( أبو الحسن بن أبي موسى 873-941 م) يحدد عقيدته بكتاب الله و سنة نبيه، و ما روي عن الصحابة و التابعين و أئمة الحديث، و بمذهب و اتجاه أحمد بن حنبل. يقول الأشعري أن ( الله قادر على كل شيء و خالق كل شيء، و ليس للطبيعة عنده فعل ما... أما أفعال الإنسان، فإن الله يفعلها و يخلقها فيه، فينسبها الإنسان إلى نفسه و يزعمها من كسبه... و العقل أداة للإدراك فقط لكنه لا يستطيع إدراك وجود الله.) لقد انتهى الأشاعرة، أتباعه، إلى أن العقل لا يوجب شيئاً من المعارف، و لا يقضي تحسيناً و لا تقبيحاً. ثم تلى الأشعري أبو حامد محمد اغزالي (1059-1111م) الذي ختم العقل الإسلامي نهائياً فقد كان الإمام الغزالي ينكر وجود ترابط بين النار و احتراق القطن:
"فاعل الاحتراق، يخلق السواد في القطن، و التفرق في أجزاءه، و جعله حرقاً أو رماداً، هو الله تعالى، إما بواسطة الملائكة أو بغير واسطة. فأما النار، و هي جماد، فلا فعل لها...".
و يبرر الغزالي آراءه هذه بقوله: " الاقتران بين ما يعتقد في العادة سبباً، و ما يعتقد مسبباً ليس ضرورياً عندنا، بل كل شيئين ليس هذا ذلك و لا ذاك هذا، و لا إثبات أحدهما متضمن لإثبات الآخر، و لا نفيه متضمن لنفي الآخر".
و يتابع:
"فليس من ضرورة وجود أحدهما وجود الآخر، و لا من ضرورة عدم أحدهما عدم الآخر، مثل الري و الشرب، و الشبع و الأكل، و الاحتراق و لقاء النار، و النور و طلوع الشمس، و الموت و جز الرقبة..."
المقدس ينهى عن الربط بين الأسباب و النتائج، فهو بالتالي يأمرنا أن لا نفكر. الدين يعطي التفكير صفة الخطيئة الأصلية. سفر التكوين في التوراة يقول: " و قال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير و الشر." إن المعرفة هي الجذور الأولى للخطيئة الأصلية التي يعيش الإنسان في ظلها. في موسوعته (الملل و النحل) يطرح الشهرستاني منطقه لتحريم التفكير؛ الإنسان خاطئ فقط عندما يفكرو يكون آراء خاصة به و لا يكتفي بإطاعة النص دون تفكير أو نقاش: ( إعلم أن أول شبهة وقعت في الخليقة : شبهة إبليس لعنه الله، و مصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص، و اختياره الهوى في معارضة الأمر.).
لذلك ينطلق الفكر الجبري من مسلمة مفادها أن كل إبداع إنساني، عقلي أو اجتماعي، علمي أو سياسي، لا يكتسب مبرراً لوجوده، أو قيمة إلا إذا مر عبر نص مقدس، مكتمل، ثابت، البشر عاجزون عن الإبداع، و هم يعيدون إنتاج النص المقدس في ظروف متجددة.

يتبع



  رد مع اقتباس
قديم 08-30-2013, 04:16 AM السيد مطرقة11 غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
السيد مطرقة11
█▌ الإدارة▌ ®█
الصورة الرمزية السيد مطرقة11
 

السيد مطرقة11 is on a distinguished road
افتراضي

هكذا كان الحال مع أحد منظري الفاشية جورج سوريل في كتابه (أوهام التقدم) مهاجماً ديكارت و ناعتاً إياه بالدجّال مفضلاً باسكال المؤمن، الذي يعتبره منتصراً على ديكارت. يقول تلميذ سوريل إدوارد بيرث : "بهزيمة ديكارت هزمت العقلانية، تلك العقلانية التي اخترعت لدحض المعتقدات المسيحية و لتبديل الدين بمفهوم علمي للعالم، و هو الشيء الأكثر بلاهة الذي عرفته البشرية على مر القرون". يقول موسوليني: " إن عصر الفاشية سيرى نهاية العمل الفكري، و نهاية للمثقفين، هؤلاء العقيمين، و الذين هم تهديد للأمة." ألا يذكرنا هذا بالمنظرين الإسلاميين، يمدحون الغزالي، و يذمون ابن رشد؟
إن ما هو أكيد أن العقل الجبري هو التعبير السيكولوجي لطبقة ما في ظروف اجتماعية و تاريخية محددة. إن نجاح إيديولوجية ما مرهون بكون هذه الأيديولوجية تحمي مصالح الطبقة المسيطرة في المجتمع. فكان نجاح العقل الجبري بسبب كونه يحمي مصالح الطبقة الإقطاعية العسكرية الحاكمة في ذلك الوقت.
إن الطبقة التي اعتنقت الفكر الإسلامي اليوم هي البرجوازية الصغيرة التي وجدت نفسها تنهار نحو الطبقة العاملة. إن البرجوازية الصغيرة هي ضد كل تطوّر، فكل تطوّر بالنسبة لها، يجري ضد مصالحها، فلا ترفض الماركسية و حسب و لكنها ترفض حتى الدّاروينية. الإسلاميون يرفضون الفكر المادي، لأن الفكر المادي يقول بالتهام الرأس مال الكبير على الصغير، و هذا يعني فنائهم. يغتالون الفكر الحر، لأنه يتفوّق عليهم، و لأن وضعهم التاريخي بحسب الفكر المادي الحر يقول بفنائهم.

يعطي العقل الجبري للخرافة أهمية كبرى. لكن لماذا؟

إن الفكر الإسلامي ليس مجرد موقف تتخذه الفئات الرجعية للدفاع عن مصالحها، و إنما أيديولوجية توجد آثارها بين كل طبقات المجتمع. تستمد هذه الأيديولوجية غذائها من انخفاض مستوى الوعي السياسي، و تراث التخلف الطويل، الانتاج الحرفي و الملكية الصغيرة، تدني مستوى الثقافة، حداثة الأسلوب العلمي،...إلخ. هذا يعني أن العقل الجبري يخاطب فئات اجتماعية غير متجانسة، لكل منها تطلعاته الخاصة. فكان لا بد من لغة واحدة تجمعهم، ألا و هي الخرافة. و طبعاً لا ننسى أن العقل الجبري يخاطب الإيمان و لا يخاطب العقل في اللحظة التي ينطفئ فيها العقل، يسهل العبث بالحقيقة و المنطق. و إذا استيقظ العقل يوماً نقمعه بالنص المقدس، الذي لا يجوز النقاش فيه ( إن هذه الحقيقة حقيقة، لأنها موجودة بالقرآن). طبعاً فالخطاب الجبري موجه لأناس متعبين، حانقين على أوضاعهم. فبعد مرحلة معينة من المعاناة، يتوقف عقل الإنسان عن التفكير بمنطق و عقلانية، يتوقف عن الاستعانة بالمنطق ليشفي أوجاعه، يفقد الأمل بأنه يستطيع الخلاص بنفسه من آلامه. إنه ينتظر المعجزة. ينتظر المخلص، أو المهدي المنتظر.
لهذا يقدم العقل الجبري نفسه دائماً كدين جديد، أو على أنه دين الحق، أنا الحق و الجميع على كفر و ضلال. إن أصل الدين لدى الإنسان البدائي هو الخوف. إن يأس الإنسان البدائي أمام قوى الطبيعة التي تذهله و ترهقه. إن الإنسان في منطقتنا يشعر دائماً بوضاعته و عجزه، فهو يواجه بحاملات الطائرات الهائلة، و القوة الجبارة، التي تستطيع أن تفني الآلاف في رمشة عين، إن هذه الظروف تمتص منه كل طاقة على التفكير و كل شعور بالكبرياء، إن هذه الظروف بدلاً من أن تعطي الإنسان منهجاً للتفكير، تسحقه، و تجعله في حيرة و يأس من أن يصدر حكم على أي شيء.
إذا كان العقل الجبري يلعب دوراً هاماً في تطور مجتمعنا، فلا يجب أن ننسى أنه هو أيضاً مخلوق في البداية من ظروف هذا المجتمع.
تحياتي للجميع...



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الجبري, العقل


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ما معنى العقل؟ أبو حكيم حول الحِوارات الفلسفية ✎ 22 07-09-2018 06:46 PM
العقل اكبر! Mas3ood ساحة الاعضاء الجدد Ω 3 03-13-2017 10:33 PM
تحطيم العقل! شاهين ساحة الشعر و الأدب المكتوب 0 08-25-2016 04:27 PM
متسلسلة العقل..سبب الوجود..العقل.......... Ash-raf حول الحِوارات الفلسفية ✎ 3 05-01-2016 10:25 PM
من الأسطورة إلى العقل ومن العقل إلى الأسطورة أنا لُغَـتِي علم الأساطير و الأديان ♨ 0 06-13-2014 04:33 PM