![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
الأنْبياءّ
![]() |
السؤال:
أريد أن أكون مسلماً حقيقاً لذا أضع هذا السؤال: ما الداعي للإلتزام بالإسلام ؟ بعبارة أخرى ، هب أني كنت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يدعو إلى هذا الدين ، فما الذي يدفعني إلى تصديق رسالته وما جاء به من كتاب وسنة؟ كما أني لا أفهم التحدي القرآني " فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين.." ، فالذي أفهمه أن مَن أتى بكتاب ما في فنٍ ما فإنه يشبه كتاباً أخر في نفس الفن ، وإن خالفه في بعض الجزئيات ، فما وجه الإعجاز في القرآن ؟ قد يبدوا غريباً أن يصدر هذا السؤال من شخص مسلم ، ولكن الله أعلم بنيتي . الجواب الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: إن الأدلة على صحة دين الإسلام ، وصدق نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تكاد تنحصر ؛ وهذه الأدلة كافية لإقناع كل منصف عاقل باحث عن الحق بتجرد وإخلاص ، ويمكن إجمال بعض من هذه البراهين فيما يلي : أولاً : دلالة الفطرة : فإن دعوة الإسلام هي الموافقة للفطرة السوية ، وإلى ذلك أشار قول الله عز وجل : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) الروم/30 . وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ ) . أخرجه البخاري (1358) ، ومسلم (2658) . وقوله ( تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ) أي كما تولد البهيمة مجتمعة الأعضاء وسليمة من النقص ، وما يحدث لها من قطع الأذن أو غيرها فيكون بعد ولادتها . وهكذا كل إنسان يولد مفطور على الإسلام ، وأي انحراف عن الإسلام فهو خروج عن الفطرة ولا شك ، ولذلك فإننا لا نجد شيئًا من تعاليم الإسلام يخالف الفطرة قط ، بل كل الأحكام العقدية والعملية موافقة للفطرة السليمة السوية ، أما ما سوى الإسلام من أديان واعتقادات فتشتمل على ما يخالف الفطرة ، وهذا أمر ظاهر بيّن عند التأمل والتدبر . ثانيًا : البراهين العقلية : أكثرت نصوص الشرع من مخاطبة العقل ، وتوجيهه إلى النظر في الحجج والبراهين العقلية ، ومن دعوة أصحاب العقول وأولي الألباب إلى تدبر الدلائل القطعية على صحة الإسلام . قال الله تعالى : ( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ) ص/29 . قال القاضي عياض في وجوه إعجاز القرآن : " جمع فيه من بيان علم الشرائع والتنبيه على طرق الحجاج العقليات ، والرد على فرق الأمم ببراهين قوية وأدلة بينة ، سهلة الألفاظ موجزة المقاصد ، رام المتحذلقون بعدُ أن ينصبوا أدلة مثلها ، فلم يقدروا عليها " انتهى من " الشفا " (1/390) . فلم تشتمل نصوص الوحي على شيء تحيله العقول أو ترفضه ، ولم تأت بمسألة تخالف بداهة عقلية أو تناقض قياسًا عقليًا ؛ بل ما جاء أهل الباطل بقياس لباطلهم إلا رده بالحق والبيان العقلي الواضح . قال الله تعالى: ( وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ) الفرقان /33. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أخبر سبحانه أن الكفار لا يأتونه بقياس عقلي لباطلهم إلا جاءه الله بالحق ، وجاءه من البيان والدليل وضرب المثل بما هو أحسن تفسيرًا ، وكشفًا وإيضاحًا للحق من قياسهم " انتهى من مجموع الفتاوى (4/106) . ومن الأمثلة على الأدلة العقلية في القرآن قوله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) النساء /82 . جاء في تفسير القرطبي : " إنه ليس من متكلم يتكلم كلامًا كثيرًا إلا وُجد في كلامه اختلاف كثير ، إما في الوصف واللفظ ؛ وإما في جودة المعنى ، وإما في التناقض ، وإما في الكذب ، فأنزل الله عز وجل القرآن وأمرهم بتدبره ؛ لأنهم لا يجدون فيه اختلافًا في وصف ولا ردًا له في معنى ، ولا تناقضًا ولا كذبًا فيما يخبرون به من الغيوب وما يُسرّون " انتهى من "الجامع لأحكام القرآن " (5/290) . وقال ابن كثير : " أي: لو كان مفتعلاً مختلقًا ، كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم ( لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) أي : اضطرابًا وتضادًّا كثيرًا ؛ أي : وهذا سالم من الاختلاف ، فهو من عند الله " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (1/802) . ثالثًا : المعجزات ودلائل النبوة : إن الله تعالى قد أيد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالعديد من المعجزات والخوارق والآيات الحسية التي تدل على صدق نبوته وصحة رسالته كانشقاق القمر له ، وتسبيح الطعام والحصى بين يديه ، ونبوع الماء من بين أصابعه ، وتكثيره للطعام ونحو ذلك من معجزات وآيات رآها وعاينها جمع غفير ، ونقلت إلينا بالأسانيد الصحيحة التي وصلت إلى حد التواتر المعنوي الذي يفيد اليقين . ومن ذلك ما صح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود أنه قال : " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ ، فَقَالَ : ( اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ ) فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ : ( حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنْ اللَّهِ ) ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ ) . أخرجه البخاري (3579) . رابعًا : النبوءات : ويُقصد بالنبوءات هنا : ما أخبر به الوحي من أمور وأحداث تقع في المستقبل سواء في حياته النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو بعد مماته . وما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الأمور المستقبلية إلا وقع كما أخبر تمامًا ، وهذا دليل على أن الله عز وجل قد أوحى إليه وأطلعه على أشياء من علم الغيب الذي لا يمكن الوصول إليه إلا بالوحي، ومن ذلك: ما رواه أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى ) . أخرجه البخاري (7118) ، ومسلم (2902) . وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر تمامًا في سنة 654هـ ، أي بعد وفاته بما يقرب من 644 سنة ، وقد ذكر ذلك المؤرخون ومنهم العلامة أبو شامة المقدسي في كتابه " ذيل الروضتين "، وهو من العلماء الذين عاصروا هذه الواقعة التاريخية ، وكذلك الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (13/219) حيث قال: " ثم دخلت سنة أربع وخمسين وستمائة فيها كان ظهور النار من أرض الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى ، كما نطق بذلك الحديث المتفق عليه ، وقد بسط القول في ذلك الشيخ الإمام العلامة الحافظ شهاب الدين أبو شامة المقدسي في كتابه الذيل وشرحه ، واستحضره من كتب كثيرة وردت متواترة إلى دمشق من الحجاز بصفة أمر هذه النار التي شوهدت معاينة، وكيفية خروجها وأمرها . وملخص ما أورده أبو شامة أنه قال : وجاء إلى دمشق كتب من المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، بخروج نار عندهم في خامس جمادى الآخرة من هذه السنة ، وكتبت الكتب في خامس رجب ، والنار بحالها ، ووصلت الكتب إلينا في عاشر شعبان ثم قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، ورد إلى مدينة دمشق في أوائل شعبان من سنة أربع وخمسين وستمائة كتب من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيها شرح أمر عظيم حدث بها فيه تصديق لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى ) فأخبرني من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب . قال : وكنا في بيوتنا تلك الليالي ، وكان في دار كل واحد منا سراج ، ولم يكن لها حر ولفح على عظمها ، إنما كانت آية من آيات الله عز وجل " انتهى . خامسًا : الشمائل والصفات : من أكبر الأدلة على صدق نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو شخصيته نفسها ، وما تحلى به من مكارم الأخلاق وحسن الخصال وجميل الخلال وعظيم الصفات ، حيث بلغ النبي صلى الله عليه وسلم درجة من الكمال البشري في حسن الصفات والأخلاق لا يمكن أن تكون إلا لنبي مرسل من عند الله ، فما وُجد خلق حميد إلا دعا له وأمر به وحث عليه وعمل به ، وما من خلق ذميم إلا نهى عنه وحذر منه ، وكان أبعد الناس عنه ؛ حتى بلغ اعتناؤه بالخلق درجة تعليل رسالته وبعثته بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارمها ، والعمل على إصلاح ما أفسدته الجاهلية منها ، فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ) . أخرجه أحمد (8739) وقال الهيثمي في " المجمع ": " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ". وصحح العجلوني سنده في " كشف الخفا "، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (2349) . والمعجزة دليل على صدق الرسول ، فإنه يقول للناس إنه مرسل من الله تعالى ، فيتحداه بعضهم أن يبرهن على ذلك ، فيؤيده الله عز وجل بالمعجزة ، وهي الأمر الخارق للعادة ، وقد تحصل له المعجزة من غير أن يتحداه أحد أو يكذبه ، فتكون تثبيتاً لأتباعه. سادسًا : جوهر الدعوة : فأصل دعوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تتلخص في بناء معتقدات صحيحة على أسس شرعية وعقلية سليمة ، فهي دعوة إلى الإيمان بالله وتوحيده في إلهيته وربوبيته ، فلا يستحق العبادة إلا إله واحد وهو الله سبحانه ؛ لأنه رب هذا الكون وخالقه ومالكه ومدبّر شؤونه ومصرّف أموره والحاكم فيه بأمره ، والذي يملك الضرّ والنفع ، والذي يملك رزق كل المخلوقات ، ولا يشاركه في ذلك أحد ، ولا يكافئه أو يماثله أحد ، فهو منزه سبحانه عن الشركاء والأنداد والأقران والأكفاء . قال الله تعالى: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) الإخلاص/ 1-4 . وقال سبحانه : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) الكهف/110. فدعوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم دعوة تهدم الشرك بكل أشكاله ، وتخلص الثقلين من كل ما عبد بالباطل ؛ فلا عبادة للأحجار والكواكب والقبور ، ولا للمال والشهوات والأهواء والسلاطين وطواغيت الأرض . إنها دعوة جاءت لتحرّر البشرية من عبادة العباد ، وتخرجها من ذلّ الوثنيات وظلم الطواغيت ، وتخلصّها من أسر الشهوات والأهواء الجائرة . إن هذه الدعوة المباركة تعد امتدادًا وتقريرًا لكل الرسالات الربانية السابقة الداعية للتوحيد ؛ ولذلك دعا الإسلام إلى الإيمان بالأنبياء والرسل جميعًا ، مع توقيرهم وتعظيمهم ، والإيمان بما أنزل عليهم من الكتب ، ودعوة كهذه لا ريب أنها الحق . سابعًا : البشارات : فقد جاءت كتب الأنبياء مبشرة بدين الإسلام وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم أخبرنا بوجود بشارات واضحة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل ، منها ما يصرّح باسمه ورسمه . فقد قال الله تعالى: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ) الأعراف/ 157 . وقال سبحانه: ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ) الصف/6 . ولا يزال في كتب اليهود والنصارى ـ التوراة والإنجيل ـ بشارات تنبئ بقدومه وتبشّر برسالته وتعطي بعض أوصافه ، على الرغم من محاولات الطمس والتحريف المستمرة لهذه البشارات ، ومن ذلك ما جاء في جاء في سفر التثنية الإصحاح (33) العدد (2) : " جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبال فاران.." . جاء في "معجم البلدان" (3/301) : " فاران: بعد الألف راء وآخره نون كلمة عبرانية معربة ، وهي من أسماء مكة ذكرها في التوراة ، قيل : هو اسم لجبال مكة . قال ابن ماكولا أبو بكر نصر بن القاسم بن قضاعة القضاعي الفاراني الإسكندراني : سمعت أن ذلك نسبته إلى جبال فاران وهي جبال الحجاز . وفي التوراة : " جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من فاران ". مجيئه من سيناء تكليمه لموسى عليه السلام ، وإشراقه من ساعير وهي جبال فلسطين هو إنزاله الإنجيل على عيسى عليه السلام ، واستعلانه من جبال فاران : إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى . ثامنًا : القرآن الكريم : وهو أعظم المعجزات وأجل الآيات وأظهر البينات ، وهو حجة الله البالغة على خلقه إلى يوم القيامة ، وقد اشتمل على وجوه متعددة من الإعجاز مثل : الإعجاز البياني ، والإعجاز العلمي ، والإعجاز التشريعي ، والإخبار بالأمور المستقبلية والغيبية . أما عن المقصود بقوله تعالى : ( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ) الطور /34 ، فهو رد على من زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم تقوَّل القرآن من نفسه ، فتحداهم القرآن أن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين في زعمهم ؛ لأن لازم هذا الادعاء أن هذا في مقدور البشر ، فلو كان ذلك صحيحا ، فما الذي يمنعهم من الإتيان بمثله وهم أرباب الفصاحة وأساطين البلاغة ؟ وقد تحدى الله الكفار أن يأتوا بمثله فعجزوا، كما أخبر القرآن : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) الإسراء/88. وتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين َ) هود/13. وتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا : ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) البقرة/23 . أما وجه الإعجاز الذي وقع به التحدي فقد اختلف فيه العلماء على أقوال أظهرها كما قال الألوسي : " أن القرآن بجملته وأبعاضه حتى أقصر سورة منه معجز بالنظر إلى نظمه وبلاغته ، وإخباره عن الغيب ، وموافقته لقضية العقل ودقيق المعنى ، وقد تظهر كلها في آية ، وقد يستتر البعض كالإخبار عن الغيب ، ولا ضير ولا عيب ، فما يبقى كاف وفي الغرض واف" . انتهى من "روح المعاني " ( 1/29) . ويندرج تحت كل من البراهين الإجمالية السابقة العديد من الأدلة التفصيلية ما لا يتسع المقام لسردها ، ويحسن أن تراجع في مظانها ، ويُنصح كل مسلم أن يطلب علم الكتاب والسنة ، وأن يدرس كتب العقيدة الصحيحة ، وأن يتعلم أمور دينه ليحسن إسلامه ويعبد ربه على بصيرة . والله أعلم . |
|
|
|
رقم الموضوع : [2] | |
|
عضو نشيط
![]() |
اقتباس:
قلها وبصراحه ماهو اكبر دخل اقتصادى للسعوديه قبل اكتشاف النفط ؟ الدخل الاكبر هو ...... الحج والعمرة: كانت الإيرادات من الحجاج والمعتمرين الذين يزورون المدن المقدسة مثل مكة والمدينة مصدرًا رئيسيًا للدخل، خاصة في منطقة الحجاز. اليس هذا هو الحق ؟ الاسلام بدأ مشروع قومى ثم جاء التقديس بعد عقود من موت مؤسسه . واكبر دليل على ذالك صراع المسلمين ضد بعضهم البعض بعد موته؟ ان مااطرحه فيه جانب كبير من الحقائق التاريخية والسياسية التي يتجنب كثيرون النظر إليها بعمق: نعم، قبل النفط، كان الحج والعمرة أكبر مورد اقتصادي للحجاز: الحج والعمرة كانا مصدرًا رئيسيًا ومستقرًا للدخل، خاصة لمكة والمدينة، وكان هناك ما يُعرف بـ"ضريبة الحج" أو "الرفادة والسقاية"، وهي مسؤوليات قبلية قديمة تحولت مع الزمن إلى أدوات إدارية واقتصادية. كانت القوافل القادمة من أنحاء العالم الإسلامي تستهلك وتدفع وتشتري وتتبرع، مما يُنعش الأسواق ويضمن دوران المال في الحجاز. الدولة العثمانية نفسها اهتمت بخط الحجاز الحديدي ليس فقط دينيًا، بل اقتصاديًا واستراتيجيًا. نعم، الإسلام بدأ كمشروع سياسي-اجتماعي لقريش ثم اكتسب طابعًا مقدسًا لاحقًا: الدعوة الأولى كانت فى ظاهرها توحيدية ولكنها واجهت الرفض ليس فقط لأسباب دينية، بل لأن قريش رأت تهديدًا لمكانتها الاقتصادية والتجارية. بعد وفاة مؤسس الاسلام، بدأ الصراع من اجل السلطه نعم، هذا صحيح. بعد وفاة محمد، مؤسس الإسلام، في العام 632 ميلادية، اندلع صراع سياسي واضح حول من يتولى قيادة المجتمع الإسلامي، وهو ما عُرف لاحقًا بـ"الخلافة". لم يكن هناك نظام محدد أو نصّ صريح يوضح كيفية اختيار الخليفة، مما فتح الباب للخلاف والتنافس بين القبائل والأنصار والمهاجرين. أبرز ملامح هذا الصراع: سقيفة بني ساعدة: بعد وفاة محمد مباشرة، اجتمع بعض الأنصار في مكان يُدعى "سقيفة بني ساعدة" ليعيّنوا خليفة منهم، لكن أبا بكر وعمر بن الخطاب من المهاجرين سارعا إلى هناك، وتم التوافق بشكل سريع (ومثير للجدل) على مبايعة أبي بكر خليفةً، دون مشاركة واسعة من بقية الصحابة، وخاصة بني هاشم، أقارب محمد. رفض فاطمة وعلي: علي بن أبي طالب، ابن عم محمد وزوج ابنته فاطمة، لم يُبايع أبا بكر مباشرة، ووردت روايات عن غضب فاطمة الزهراء واحتجاجها، خاصة بسبب مسألة ميراثها في "فدك"، وهو ما يعطي بُعدًا سياسيًا وعائليًا للصراع. الفتنة الكبرى: بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، تفجّرت الأزمة الكبرى في الإسلام بين معسكر علي بن أبي طالب ومعسكر معاوية بن أبي سفيان، وحدثت معارك دامية (مثل صفين والجمل)، ثم تأسيس الدولة الأموية بانقلاب فعلي على مبدأ الشورى، وتحويل الخلافة إلى ملك وراثي. ما نستنتجه: الصراع على السلطة بعد وفاة محمد كان حقيقيًا، ومعقّدًا، واتخذ طابعًا قبليًا وسياسيًا أكثر منه دينيًا. ومع أنه غُلّف بخطاب ديني لاحقًا، فإن جوهره كان صراعًا على النفوذ والقيادة. ان صراعات المسلمين الأوائل هي أكبر دليل على أن المشروع لم يكن روحانيًا خالصًا: ما بين مقتل عثمان، ومعركة الجمل، وصفين، وكربلاء... من أوائل العقود ظهرت الحروب الأهلية الإسلامية. هذه الصراعات لم تكن دينية بل سياسية مغلفة بالدين، وكان الهدف السيطرة على السلطة، والغنائم، والنفوذ. ظهور المذاهب والطوائف، وانقسام الأمة، يثبت أن المشروع لم يكن قائمًا فقط على "هداية الناس"، بل على إدارة الناس والسيطرة عليهم. فما هو الحق إذًا؟ من يبحث عن الله، عليه أن يُغربل التراث، ويُغربل التاريخ، ويذهب إلى ما وراء الحكاية... إلى الأحد الحق المطلق،الذى هو بلا بدايه ، الذى لايشبه ولا يحد الذى عرفه العارفين دون رسل ولا كهنه وبلا وسيط لم يكن للحجاز ذهبٌ ولا زراعةٌ ولا صناعةٌ تُذكر. كان المورد الأعظم هو الحج والعمرة. كانت قوافل الحجيج تتدفق كل عام حاملة معها الذهب والفضة، الماشية والقمح، التبرعات والنذور. تحوّلت مكة إلى مركز اقتصادي ديني، تعيش على قدسية الكعبة، وتربط رزقها بالتوافد الروحي. وهذا لم يبدأ مع الإسلام. بل هو استمرار لتقاليد ما قبل الإسلام؛ حيث كانت قبائل قريش تدير البيت الحرام وتستفيد من قدسيته. فجاء الإسلام، وفي مراحله الأولى، أعاد ترسيخ مركزية مكة دينيًا، ليُبقي على هذه الهيمنة ولكن في ثوب جديد. من دعوة روحية إلى مشروع قومي بدأ الإسلام فى ظاهره دعوةً توحيدية في مجتمع تعددي، لكنه سرعان ما تحول إلى مشروع سياسي بعد وفاة محمد. فمن اللحظة الأولى لموته، نشأ سؤال: "من يحكم؟" لم يُجمع الصحابة على خليفة، بل تنازعوا. وظهر الصراع على الخلافة وكأنّ الرسالة لم تكن سوى بوابة للسلطة. قتلُ عثمان، معركة الجمل، صفين، كربلاء... كلها شواهد على أن المشروع تحول إلى نزاع على الحكم لا على الحق. فالذي يقتل أخاه المسلم باسم الله، أيُّ ربٍّ يعبده؟ وأيُّ دينٍ هذا الذي أُسّس فيه الخلاف قبل أن تُجمَع المصاحف؟ صناعة القداسة... بعد الموت ما نراه اليوم من قداسة مطلقة للنصوص والرموز لم يكن قائمًا في بدايات الإسلام. بل تم بناء هالة التقديس لاحقًا، حين احتاج الحكّام إلى شرعية دينية تُسكت بها الشعوب. تحوّل ــــــ من رجلٍ صاحب دعوة إلى رمز فوق النقد. وتحوّل النص من رسالة للهداية إلى سلاح أيديولوجي، يستخدمه كل فريق لتبرير سلطته ومذهبه. فهل يُعقل أن الله الذي لا يُحدّ ولا يُشبَّه، يصبح أداة بيد الخلفاء؟ وهل يُختصر المطلق في فهم طائفة أو رواية؟ الحق الذي لا يُقال الحق أن الإسلام – كما وصلنا – ليس كما بدأ. والحق أن أعظم مورد اقتصادي قبل النفط كان الحج. والحق أن المسلمين تقاتلوا منذ اللحظة الأولى، لا على عبادة، بل على خلافة. الحق أن المشروع تحوّل. وأن المقدس وُظف لخدمة مصالح من يحكم. لكنّ الحق الأكبر… أن الأحد المطلق لا يتجلّى في صراعات الطوائف ولا في تكديس النصوص، بل في العقل الحر، والروح الباحثة، والقلب الذي لا يرضى أن يعبد صنمًا جديدًا باسم الله . كلمة أخيرة من أراد الله… فليبحث عن "الحق"، لا عن الانتماء. ومن أراد التوحيد… فليتوحد مع الأحد، لا مع صنم باسمه. ومن أراد الهداية… فليغربل التراث، ولا يخَفْ من هدم الموروث إن بان زيفه. القداسة لله، لا للتاريخ. والعبادة للأحد، كما عرفه العارفون، بتفكير علمى ومنطقى، لا لما سمته الديانات "الاحد". |
|
|
|
|
رقم الموضوع : [3] |
|
عضو برونزي
![]() |
مقدّمة
في أعماق الإنسان خوف قديم، يرتدي لكل عصر قناعًا جديدًا؛ لكنه يبقى هو ذاته: الخوف من المجهول، من العبث، من اتساع الكون دون إجابة. ومن رحم هذا الخوف وُلدت منظومات الإيمان المغلق؛ أنظمة محكمة لا تطلب من العقل سوى أن ينحني، ولا من القلب سوى أن يخضع. ومن رحم هذا الفزع الأزلي ولد الدين؛ لا كإجابة بل كمهرب، لا كحقيقة بل كملاذ يغطي الفراغ بغلالة من الوهم المقدّس. يُمسك الإنسان برأسه ويقول: هكذا فُطرنا! يصنع الفطرة قيداً ذهبياً، يحشو به عقله منذ الطفولة، حتى يظن أن الصندوق الضيق الذي أُلقي فيه هو سعة الكون كله. ثم يركّع العقل ويُلبسه تاج البراهين العقلية، لكن أي عقل هذا الذي يُساق مقيداً ليشهد لصانع قيده؟ فيُسكَت السؤال بصفعة النقل، ويُخنق الاعتراض بتحنيط التفكير في قوالب اليقين الجاهز. وحين يتلوّى المنطق من ضيق السلاسل، يُرمى في وجهه طحين المعجزات: شق قمرٍ لم يره أحد، وحصى يسبّح، وطعام يتكاثر بين يديه، وخوارق تُروى بلا شهودٍ أحياء إلا الإيمان ذاته. وإن لم تكفِ المعجزات، جرّوا خلفها النبوءات، تنبؤات مُختارة بعناية من حطام الوقائع، يُركّبون عليها لباس الصدق بأثر رجعي، بينما يتوارى خلفها كل ما خالف أو دُفن في طيّات النسيان. ثم يُقدَّم الرجل ذاته — النبي — على أنه الحجة الباقية؛ كامل الأخلاق، سامي الصفات، فريد الطباع… كأنما الكمال خُلِق فيه وحده، وكأنّ الإنسانية وُجدت لتنظر إليه وتخرّ ساجدة أمام صورته. وحين يكتمل المسرح، تُرفع راية البشارات المفقودة في كتب السابقين، يُنزع الكلام من سياقه، ويُخاط دم المعاني المهترئ ليُلبس نبوءة المجيء الأخير. ثم، إذا بقي في العقل بقية رمق، يُهوى عليه بالسيف المسلول: تحدي القرآن. ذاك النص الذي لم يجعل إعجازه في جوهره، بل في عجز الخصم عن مجاراته؛ إعجازٌ يُعاقَب فيه السؤال، ويُنفى فيه التفكير، وتُدفن فيه كل محاولة للفكاك تحت التراب الثقيل لجملة واحدة: "آمن تسلم." وهكذا تُغلق الدائرة؛ حيث يصير الخوف دينًا، ويصير الوهم نظامًا، ويصير العقل سجينَ قضبان لم يصنعها بيديه بل بعينيه المغمضتين. يتبع ... |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [4] | |
|
عضو برونزي
![]() |
اقتباس:
إنّ "الفطرة" في خطاب المدافعين ليست سوى قفاز لغوي مخملي يُخفي قبضة الإكراه المبطّن. فحين يُقال إنّ دعوة الإسلام توافق الفطرة، فإننا أمام مصادرة على المطلوب لا برهان عليه؛ إذ ما هي هذه الفطرة أصلاً؟ ومن الذي حدد ماهيتها وحدودها وأعراضها؟ إنّ الفطرة كما يستعملها أصحاب هذا الخطاب هي مصطلح عائم، بلا مختبر ولا معيار قابل للفحص التجريبي أو العقلي المحايد. يتم تركيب هذا المفهوم ليعمل كصمام أمان في عقل المؤمن؛ فإذا انسجم مع ما يؤمن به قال: هذا من الفطرة، وإن ناقضه قال: هذا انحراف عن الفطرة. والأدهى أن دعوى الفطرة السويّة تصطدم مع تنوع الفطر الإنسانية ذاتها؛ فالطفل الياباني يولد على غير ما يولد عليه الطفل القبلي في جزيرة العرب، والإنسان الطبيعي في المجتمعات اللا دينية لا يجد في تعدد الزوجات، أو ملك اليمين، أو قتل المرتد، أي موافقة مع ما يسمّى "الفطرة السوية"؛ بل قد يراها شذوذاً أخلاقياً. فإن قيل: الفطرة طُمست بالشهوات والمجتمعات، قلنا: إذن لم تعد معياراً موضوعياً يُحتج به. لأنك تعيد تعريف الفطرة حسب النتيجة التي تريد الوصول إليها، فتتحول إلى مرآة مشوهة تعكس العقيدة لا الطبيعة. إن الفطرة الحقيقية التي يفترض أن تكون مشتركاً بشرياً عاماً، لا تنتج أدياناً متناقضة ولا تشريعات متنافرة ولا مقدسات متقاتلة. إنها لا تُولد حروباً بين الإله الواحد وألوهاته البديلة في كل ثقافة، بل تترك الإنسان عارياً أمام معضلات الوجود لا يملك إلا حيرته أمام عبث الكون. |
|
|
|
||
|
|
|
رقم الموضوع : [5] | |
|
عضو برونزي
![]() |
اقتباس:
إنّ الاستشهاد بأنّ نصوص الشرع تخاطب العقل وتدعوه إلى التدبر ليس إلا جزءاً من لعبة زخرفية ظاهرها العقل وباطنها التسليم. فالنص لا يدعو العقل ليستقل بالحكم، بل يدعوه فقط ليكتشف صحة ما أُعطي له سلفاً. العقل هنا ليس قاضياً بل خادماً، مهمته البحث عن مسوغات تصادق على النص لا عن موازين يحاكم بها النص. إنّ الله في هذه النصوص لا يقول للإنسان: "تدبر وانظر إن كان هذا الوحي حقاً أو باطلاً"؛ بل يقول له: "تدبر لتزداد يقيناً بأن ما أقوله لك حق لا مرية فيه"، وهذا ليس استعمالاً للعقل بل تزيينٌ لوظيفة التكرار الذهني والتثبيت الإيماني. ثم إنّ ما يسميه أصحاب الدعوة "دلائل عقلية" لا يخرج عن:
|
|
|
|
||
|
|
|
رقم الموضوع : [6] | |
|
عضو برونزي
![]() |
اقتباس:
إن شق القمر لو وقع حقاً لاهتزت له مدونات الفلك القديمة شرقاً وغرباً، ولكنك لا تجد له ذكراً خارج النص الإسلامي. إن تسبيح الحصى ونبوع الماء من الأصابع وتكثير الطعام ليست معجزات بل حكايات شفهية تتحرك في بيئة تؤمن بالخوارق قبل أن تطلب البرهان عليها. إن العقل الحر لا يقبل الرواية شاهداً على نفسها. إن المعجزة الحقيقية لو حدثت لكانت خالدة الأثر، لا تحتاج إلى أن نسمعها من أفواه أتباع النبي ذاته. فحيثما يغيب الاستقلال في الشهادة، يذوب البرهان ويتحول إلى أسطورة. ثم إن كثرة عدد من زعم أنهم رأوا المعجزات لا تقيم برهاناً عقلياً، لأن الجموع يمكن أن تنخدع وتتوهم وتصدق ما تحب أن تصدقه. أتباع بوذا والمسيح والهندوس يروون من الخوارق ما لو جمع، لملأ الأسماع أعاجيب، فهل نصدق الجميع معاً؟ إن المعجزة ـ في حقيقتها ـ لا تصلح برهاناً إلا لمن يراها بعينه، أما من يرويها بعد قرون فهو ناقل أسطورة لا شاهد حق. والأدهى أن القرآن نفسه حين يُسأل عن المعجزات يقول: "وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون" [الإسراء: 59] فإذا كان الله يمنع الآيات، فمن أين جاءت كل هذه المعجزات التي تملأ كتب السيرة؟ أليس هذا تناقضاً آخر بين نص القرآن ورواية المرويات؟ |
|
|
|
||
|
|
|
رقم الموضوع : [7] | |
|
عضو برونزي
![]() |
اقتباس:
إن النبوءات التي يزعمونها برهاناً على صدق النبوة ليست في حقيقتها إلا منتجاً سردياً يتغذى على ثلاثة عناصر: الضباب الزمني، والتأويل الرجعي، والذاكرة الجمعية المنحازة. فالنبوءة لا تملك مصداقيتها إلا عندما يُسجَّل توقيتها ونصها الحرفي قبل وقوع الحدث، ثم يتم التحقق من مطابقتها بعد تحققه دون تدخل بشري في النص أو التفسير. أما ما يعرضونه في كتب الحديث فهو نتاج تدوين لاحق، جُمع بعد موت محمد بعقود أو قرون، ومنقول عن أسانيد متسلسلة ينخرها التعصب الإيماني ويعتريها التحوير السردي. والأخطر من ذلك أن جل هذه "النبوءات" لا تخرج عن أمرين: التكهنات العامة الممكن تحققها طبيعياً كخروج نار، أو ظهور فتن، أو شيوع الفساد، وهي تنبؤات قابلة للحدوث في كل الأزمنة والمجتمعات. أحداث متحققة يعاد نسبها للنبي بأثر رجعي حيث يتم توليد الأحاديث بعد وقوع الأحداث ثم تُنسَب إليه، فتصبح المعجزة من صنع الرواة لا من وحي السماء. أما حديث النار التي تضيء أعناق الإبل ببصرى فهو نموذج مثالي على هذا النمط: أولاً: الحدث وقع سنة 654 هـ (في القرن السابع الهجري) أي بعد وفاة محمد بستة قرون كاملة، فكيف تحقق يقين النقل على مطابقة الحدث للنبوءة حرفياً؟ ثانياً: النار البركانية ليست ظاهرة خارقة ولا إعجاز فيها، وهي أحداث جيولوجية عرفتها البشرية عبر التاريخ في كل بقاع الأرض. ثم إن أخطر ما في هذه اللعبة النبوئية أن التحقق لا يتم إلا عبر رواة من داخل المنظومة المؤمنة ذاتها، فهم الخصم والحكم في آن واحد. لو كانت النبوءة برهاناً صادقاً لكان الأنبياء عبر التاريخ يتحدون الناس بإثبات دقيق وموثق لا يترك مجالاً للاحتيال السردي ولا لتزيين الإيمان المغلق بما يشتهي سماعه. |
|
|
|
||
|
|
|
رقم الموضوع : [8] | |
|
عضو برونزي
![]() |
اقتباس:
يُفترض أنه نبي = إذن لا بد أن يكون كاملاً = وبما أنه كامل فهو إذن نبي. إن مكارم الأخلاق بحد ذاتها ليست حكراً على الأنبياء ولا على المدعين للنبوة؛ فالأخلاق العالية وجدت وتوجد في آلاف البشر من فلاسفة ومصلحين وأرباب مذاهب روحية لا يدعون النبوة أصلاً. أما تصوير محمد في الرواية الإسلامية على أنه "أكمل البشر أخلاقاً" فهو انعكاس لصناعة صورة مثالية لاحقة لا لصورة تاريخية موضوعية. هذه الصناعة تمت عبر مئات الأحاديث والمرويات التي حرصت على تنقية الصورة من كل شوائب التناقض الإنساني. لكن نظرة محايدة في سيرته كما تنقلها المصادر ذاتها تكشف عن:
إن الحقيقة الصادمة: أن الرواية ذاتها التي تمدحه هي نفسها التي تحفظ أفعاله المتناقضة؛ لكنها تُفرغ التناقض من معناه بتعليلات دينية جاهزة. وهكذا لا يبقى عند المؤمن إلا صورة مصقولة منقاة لا تعكس واقعاً موضوعياً بل انعكاساً لرغبة الإيمان في اكتمال النموذج الذي يعبده. إن الكمال الذي لا يُقبل النقاش في تفاصيله هو كمال إيماني مصطنع لا كمال إنساني حيّ خاضع للنقد والفحص. |
|
|
|
||
|
|
|
رقم الموضوع : [9] | |
|
عضو برونزي
![]() |
اقتباس:
فلا يكفي أن يكون المضمون نظرياً جميلاً أو منسجماً مع بعض الأذواق الفكرية ليكون حقاً موضوعياً مطلقاً. إن الدعوة إلى توحيد الله وعبادته وحده هي ببساطة امتداد لمنظومة روحية أقدم من الإسلام ذاته:
لا نملك دليلاً مادياً على وجود هذا الإله الواحد الذي يصفونه. ولا نملك دليلاً على أنه خلق الكون أو يرزق المخلوقات أو يدير الكون مباشرة. بل إن قوانين الطبيعة نفسها تعمل باستقلال تام ولا تُظهر أثراً مباشراً لهذا الإله المدبّر كما تزعم العقائد. وما يفعله المؤمن هنا هو خداع المصادرة الأولى: يضع الله كحقيقة أولى. ثم يبني عليها بقية البرهان. ثم يعود ليقول: لأن الدعوة تدعو لهذا الإله فهي صحيحة. أما النص القرآني الذي يستشهدون به (قل هو الله أحد...) فهو جزء من دائرة مغلقة: النص يثبت الدعوة، والدعوة تبرر النص، والنص يعود فيدعم الدعوة. وهكذا يغيب البرهان المستقل ويحل محله الإيمان المغلق الذي يدور حول نفسه دون أن يغادر نقطة الانطلاق. إن العقل الحر لا يعبد الفكرة لأنها تبدو جميلة أو مطلقة أو متناغمة مع حاجاته النفسية. فالجمال النفسي في الفكرة ليس دليلاً على صدقها، وإلا لصدقنا جميع الأديان والأساطير التي تقدم خلاصاً روحياً ساحراً. |
|
|
|
||
|
|
|
رقم الموضوع : [10] | |
|
عضو برونزي
![]() |
اقتباس:
إن هذا النمط من الحجاج قائم على اختطاف الموروث: يأتي محمد بعد اليهودية والمسيحية، فيلتقط من توراتهم وإنجيلهم ما يريد، ويقرأ النصوص بما يخدم دعواه، ويملأ الفجوات بالتفسير والافتراض. فإن وجد آية غامضة، حشر فيها اسمه أو رسالته تحت ستار: "ها هو الدليل!". وإن لم يجد، اخترع الوحي له ما ينقذه بقوله: "يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ" (النساء: 46) بهذا يربح اللعبة من كل الجهات: إن وجِدت البشارة فهي دليله. وإن لم توجد فهي بسبب تحريفهم. إنه البرهان العاجز ذو الاتجاه الواحد الذي لا يقبل النفي أبداً. ثم من عجيب هذا البرهان أن جميع أتباع الديانات السابقة، من يهود ونصارى، رفضوا هذه المزاعم، وهم أعلم بنصوص كتبهم. ولو كان الأمر كما يزعم، لكان أول المؤمنين به أحبارهم ورهبانهم، ولكن: "يعرفونه كما يعرفون أبناءهم" ثم ينكرونه! أي عبثٍ أعمق من هذا في صناعة الذريعة؟! بل الأعجب: أن المسلم يستدل بنصوص في كتب يعتبرها في الأصل محرفة. فهو يختار منها ما يدعمه، ويهمل ما يناقضه، وكأن التحريف عنده انتقائي يخدم غايته. |
|
|
|
||
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond