![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
المشرف العام
![]() ![]() |
والواقع أن ظهور ابن الراوندي في القرن الثالث الهجري كان من آثار حرية الرأي والبحث التي أرست مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) دعائمها، وجادت بيانع الثمار في النهضة العلمية الفريدة التي ظهرت في عصر الدولة العباسية. وقد حرص الشيعة على هذه الحرية، فكانت من أسباب استقرارهم وتوسعهم وتقدمهم، ولم نقرأ في تاريخ الشيعة أن حكم الإعدام قد نفذ في أحد لمجاهرته برأي يخالف العقيدة السائدة، ولا أن تهم الزندقة والإلحاد قد وجهت إلى أحد بسبب رأي فلسفي ذهب إليه أو خلاف في أمور العقائد، وغاية ما في الأمر أن الشيعة كانت تسمي معارضيها بالمخالفين أو المعاندين وحسب. المصدروقد وفق ابن الراوندي إلى تقديم كتابه (الفرند) إلى الخليفة العباسي المتوكل، الذي ألقى عليه نظرة متفحصة سريعة ولم يطالعه بتدقيق وإنعام نظر، ولكن هذه النظرة السريعة كانت كافية لإثارة غضبه وانتباهه، لأن ابن الراوندي ضمن كتابه فصلاً عن تاريخ شجرة السرو في كاشمر، وكان المجوس ينظرون إليها نظرة تبجيل اعتقاداً منهم بأن الزردشت هم الذين غرسوها(9). ومما رواه ابن الراوندي أيضاً أن المسلمين كانوا بدورهم يقدسون هذه الشجرة ويجلونها، وهو قد كان يهدف من عرض القضايا التاريخية والاجتماعية إلى تعزيز رأيه الفلسفي، كما كان يقصد من عرضه لتاريخ شجرة السرو الكاشمرية أن يقول إن هذه الشجرة اكتسبت قداسة وألوهية عند الناس. فلما قرأ المتوكل هذا الكلام، غضب غضباً شديداً، وقال: ما كنت أعلم أن في خلافتي وفي دار الإسلام شجرة خضراء يعبدها الناس، وفي سورة غضبه، طلب قطع هذه الشجرة واقتلاعها من جذورها خشية أن تنبت من جديد. وبعث بأوامره إلى طاهر بن عبد الله بن طاهر واليه على خراسان، طالباً منه أن يتحقق من هذا الأمر ويوافيه بتقرير عاجل. فأوفد طاهر بن عبد الله جماعة لكي تتحرى صحة هذا الأمر، ثم كتب إلى الخليفة قائلاً: نعم، الشجرة قائمة، والناس يكنون لها احتراماً دون أن يعبدوها. وأضاف أنه لم يجد في خراسان أحداً يقول بألوهية هذه الشجرة. ومما رواه القزويني أن الخليفة أمر بقطع الأشجار ونقل أغصانها وفروعها إلى بغداد، ومن غرائب المصادفات أن الأشجار المقطوعة وصلت إلى بغداد في نفس اليوم الذي قتل فيه المتوكل بيد ابنه المنتصر (236) هـ، وقيل وقتها إن المنجمين حذروا المتوكل من قطع هذه الشجرة لئلا يتعرض لحادث مؤلم. ويقال إن مؤبد المؤبذان (الحراق) بخراسان دعا بالموت(10) على الخليفة عندما سمع أنه أمر بقطع هذه الشجرة. أما النقطة الثانية التي أثارت نقمة المتوكل وحيرته في كتاب (ابن الراوندي) فهي كلامه عن آراء الناس في الله وفي التوحيد، فسأل الخليفة ابن الراوندي: هل قرأ كتابك هذا غيري؟ فأجابه: نعم، فزاد هذا في دهشته ونقمته، وقال: كيف يترك مثلك حراً بعد هذا الكفر؟ ثم قال لابن الراوندي: أنت أنكرت وجود الله، وتقول إن ما تعتقده الناس في الله أسطورة من الأساطير انتقلت من جيل إلى جيل؟ كيف تقول هذا؟ ومن خلق الخلق وأوجد العالم إذا كانت هذه الحقيقة في رأيك أسطورة؟ فلزم ابن الراوندي الصمت خوفاً من غضب السلطان وتحاشياً لنقمته وعقابه. فقال له الخليفة: إن من ينكر وجود الله، عليه إقامة الحجة على ذلك، ولولا هذا لأمرت بقتلك، فأجاب ابن الراوندي: يجب تصحيح قولي بأن أعظم الأساطير في حياة الإنسان هو تصوره عن الخالق. فسأله المتوكل: ما قصدك من هذا الكلام؟ قال: إن تصورات الإنسان عن الخالق والمبدأ محاطة بالأوهام والأساطير، لأن فكر الإنسان يعجز عن إدراك الخالق أو معرفة أوصافه. فقال المتوكل: إنني أقبل منك هذا الرأي والتوضيح، لكن عليك أن تضيفه إلى كتابك وتسجله بنفسك. واستطرد ابن الراوندي يقول: من أعظم الأساطير في حياة الإنسان تلك الصورة التي يرسمها الإنسان بوهمه عن الخالق. قال المتوكل: فإذن أنت تعترف بوجود الله، وتراه خالق كل شيء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. أعترف بذلك. فأخذ المتوكل يسأله عن النقطة الثالثة في كتابه (الفرند)، التي تدور حول النبوة وإرسال الرسل، وكان بعض الشيعة قد تصدى للرد على ابن الراوندي حول هذا الموضوع، ولكن المتوكل كان خالي الذهن عن ذلك. وكان ابن الراوندي قد طعن في حجة المتكلمين حين أقاموا البرهان على وجوب إيفاد الرسل لإرشاد الخلق وهدايته، قائلاً: ليس بواجب على الله أن يرسل الرسل أو يبعث أحداً من خلقه ليكون نبيه ويرشد الناس إلى الصواب والرشد، لأن في قدرة الله وعلمه أن يجعل الإنسان يرقى ويمضي إلى رشده وصلاحه بطبعه، كما خلق الشجر والنبات وهي تنمو وتثمر دون أن يجعل لها نبياً. فقال المتوكل: أنت أنكرت ضرورة إرسال ومهمة الأنبياء، وأنت بهذا تنكر أصلاً من أصول الإسلام؟ وعلى الفور انتقل ابن الراوندي إلى ما كتبه بعض الشيعة في الرد عليه، وبدأ يوضح للخليفة أنه يقصد من هذا الكلام الرد على المعتزلة، وأنه لا يشك في أن الإنسان يختلف عن الحيوان والنبات، وأنه بحاجة إلى رعاية وتربية منذ الولادة إلى آخر يوم من أيام حياته، وأن الإنسان خلق ليعيش مع غيره ويستأنس بمثله، يقتدي به ويقلده ويأخذ عنه، ومن مقتضى العقل أن يكون الأخذ والتقليد من الإنسان الكامل، فكيف لو كان نبياً مرسلاً؟ وهكذا ينتظم المجتمع الإنساني، ويرقى الإنسان ويسير نحو الكمال. فقال الخليفة: فإذن أنت مقر برسالة الأنبياء والكتب المرسلة؟ قال ابن الراوندي: نعم. فطلب منه الخليفة أن يسجل هذا بخط يده، ففعل. https://www.aqaed.com/ahlulbait/books/askeugh/18.htm |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [2] |
|
المشرف العام
![]() ![]() |
إبن الراوندي لم تنتصر له الجماهير لكن العقل فعل الجماهير تفضل بائع الحلوى الذي يقدم المتعة سريعة الهظم و ياخر لهم المفاسد طويلة الامد الجماهير تكره الطبيب الذي يقدم لهم الالم و الأوجاع و الدواء المر و يأخر لهم الشفاء و كل الخير ![]() |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [3] |
|
المشرف العام
![]() ![]() |
أن بغداد كانت المركز العلمي الأول في العالم الإسلامي، فإن طبيعياً أن يتوجه ابن الراوندي إلى هذا المركز طلباً للمزيد من الفائدة، ولعرض بضاعته من الثقافة والفكرة. وثانيهما: أن الخليفة العباسي كان مهتماً بالعلم مشجعاً للمؤلفين والمترجمين، وكان ينفحهم بعطايا وجوائز سخية، كما كان يستقدم العلماء ويجزل لهم العطاء لكي يعملوا على نشر العلوم. فتوجه ابن الراوندي إلى مقر الخلافة أملاً في أن يكون له نصيب من هذه العطايا. وكانت شهرة ابن الراوندي قد سبقته إلى الأوساط العلمية في بغداد بفضل كتابيه الأولين (الابتداء والإعادة) و(الأسماء والأحكام) اللذين وصلت مخطوطات منهما إلى بغداد قبل وصوله هو، وكما سبق قوله فإن هذين الكتابين كان قد ألفهما ابن الراوندي بروح المسلم الملتزم الطيب السيرة والسريرة، قبل أن ينحرف به التفكير إلى شطط الزندقة والكفر. ولكن شهرته في بغداد لم تكن تقاس بشهرته في الري وبلاد فارس حيث أقام مدة طويلة، وشغل الدوائر العلمية بآرائه وشطحاته، فسعى إلى الذين لهم صلات بالأوساط العلمية في بغداد لكي يزكوه لدى من يعرفون في عاصمة الخلافة، فحمله واحد منهم رسالة إلى وراق يدعى عباس الصرم. ولما استقر في أحد الفيروانات العديدة المخصصة للمسافرين في بغداد في ذلك الوقت(2)، أخذ يبحث عن الوراق ومعه نسخة من كتابه الموسوم (الفرند)، فلما اهتدى إليه، رجاه أن يستنسخ له عدداً من النسخ من هذا الكتاب. فشرع الوراق يتصفح الكتاب، ودقق النظر في عناوين فصوله، وكانت حيرته تزداد كلما ازداد وقوفاً على محتويات الكتاب وجرأة صاحبه. فقال له: يا أبا الحسن (ابن الراوندي)، هل طالع أحد هذا الكتاب؟ فأجاب: نعم، هناك نسخ منه في متناول المهتمين بموضوعه في الرأي. فقال الوراق: يدهشني أنت ما زلت على قيد الحياة ناعماً بحريتك في الذهاب والإياب، على الرغم من هذا الكفر الذي تبثه في ثنايا الكتاب. فقال ابن الراوندي: ما سجلته في هذا الكتاب حقائق وليس بكفر. فعاد الوراق عباس الصرم يقول له: لقد أنكرت الأصول الثلاثة للإسلام، وهي التوحيد والنبوة والمعاد. فقال ابن الراوندي: ليس الأمر كما تتصور، فلو دققت النظر لعرفت أنني لم أنكر التوحيد، وإنما رغبت في تنزيه الخالق عن الخرافات التي تنسب إليه. ثم طلب من الوراق أن يكلف أحد كتابه من المعروفين بجمال الخط استنساخ الكتاب ليقدمه إلى الخليفة العباسي. فقال الوراق: أنصحك بألا تقدم على هذا الأمر لتجنب نفسك غضب السلطان وعقابه. فقال ابن الراوندي: لكن الذي سمعته عن الخليفة أنه رجل رحب الصدر، محب للعلم والعلماء، يهتم بالكتب والمؤلفات العلمية ويكافئ مؤلفيها بما ينفحهم من العطايا الجزيلة السخاء، وقد منيت نفسي الحصول على عطية جزيلة من الخليفة مكافأة لي على تأليف هذا الكتاب. |
|
|
|
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond