ومضة وسط الجنون
خطف الكهرباء.. وانطفأت الأنوار.. ومات جنود النور.. وساد الظلام والسلام الموحش.. كنت اتحرك متحسسا الجدران وضاربا رأسي في كل واحد منها.. خسفت الشمس القديمة وكذلك القمر الذي لم يجد ما يعكسه من ضوئها.. دخلت الحمام.. استحم لعلي انفض درء الزمن الكئيب من وجهي.. كنت منطويا منزويا على نفسي بحجم البطريق في الحوض.. مادا كفاي نحو الصنبور المعلق بمحاذاة جمجمتي لينسكب الماء الدافئ وينتشر على جثتي.. كما كنت افعل وانا طفل.. كان الضخ ضعيفا.. لم يكن ثمة اضواء لتتسلل من نافدة الباب الزجاجية,, كان المصباح متوهجا وفي كينونته الطاقة ولكنه لا يضيء شيء سوى نفسه.. اقشعررت وحزنت وبكيت وفرحت.. كان سوادا قاتمة جدا امات الوجود بنظرة.. كما لو انني في العدم.. عيناي لا تأخذ شيئا.. حتى ان العيون المغلقة صارت اكثر ابصارا.. تساءلت: ما بعد العدمية..؟! افقت وقلت: أهذا العدم الذي نعبده نحن الاغراب.. اين هي خزنته التي تحمل اوجاع ما تجيش به الصدور؟..! مجرد اكياس عظام.. تعتقد ان التدحرج على دروج الوجود سيجعل العدم يتلقاها بين ذراعيه في سرور.. هل اللاشيء افضل من الشيء السيء..؟! هل هذا الانتحار يا باغيه..؟!.. كان قد ادركني التعب كما ادركني الليل.. طوقت خصري بمنشفة.. ورحت لمكان اخر.. لا شمس لا قمر لا نجوم لا نور.. لا شيء سوى قشات تتقلب على نفسها بدفع من حفيف الريح.. تهمس في اذني: لا شيء يستحق.. ابقى يا عزيزي.. قلت: انا موجود بالفعل.. فهمس الصوت كلمته في سرور: إذا لا تذهب.. عاد الكهرباء.. كان كل شيء كومضة صفو وسط الجنون.