![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [11] |
|
زائر
|
الجزء الخامس :
هل نريد الانصهار في كيان الطرف الآخر ؟ أم هل ترانا نريد انتزاع شيء منه كما قال لوكريس ؟ والحال أن العديد من المؤشرات تؤكد قوله ذاك : فالمراقب لحركات الذكر أثناء الجنس سيلاحظ وكأنه يحاول استخراج شيء من الطرف الآخر , التنقيب عنه وانتزاعه. ثم ان ذلك الالتصاق والاشتباك التام الذي يحصل بين الطرفين و الذي يتم بكل الأطراف بدءا بالفم حتى أخمص القدمين لهو دليل قوي على رغبة في الاتحاد والاندماج والانصهار في قالب واحد. القوة الاندفاعية التي تقود الذكر قوة استكشافية بامتياز : يريد الملامسة ,الجس والفحص. فالطرف الآخر بالنسبة اليه عالم ينبغي استكشافه . لكن وان كانت تجربة الجنس استكشافية فانها لا تشبه تجاربنا اليومية العادية الأخرى التي نسعى فيها الى اكتشاف الآخر في ميدان العمل أو الدراسة أو الجيران ... ذلك أن الذكر لا يقف عند حد الاستكشاف : فحركات التمدد على الطرف الآخر وضمه ومسكه بقوة هي دليل قوي على رغبة في الاستحواذ والتملك : تملك الطرف الآخر,تملك العالم الآخر.الاستكشاف والتملك اذن ,هل هذا كاف لتمييز التجربة الجنسية عن باقي التجارب الانسانية ؟ فلنتأمل تلك النظرات التي يلجأ اليها الطرف الآخر لتهييج من يستهدفه : ان عنوانها الخطر والتهديد.تلك النظرات تتميز بالدقة ,وحدتها تلفح كمصل السكاكين, وعندما تقع عيناك على عين الطرف الآخر المغوي , يوحى اليك بأنه ينظر بالضبط الى نقطة ضعفك , وبأنه اكتشفها أخيرا ,وكأن تلك النظرات تقول لك :"انني أعلم ما ترغب فيه ".لكننا عوض أن نفر هاربين من نظرات الموت تلك , أجل نظرات الموت , نقبل عليها ونحن نهرول! يا للخطر المغوي ! أجل, تلك النظرات الثاقبة , الصادمة , الصارمة, تختزل رعبا عظيما. لكنه رعب من نوع خاص,عوض أن يدفع بالناظرين اليه للهروب , يحثهم على الاقتراب.انها نظرات تجعل المرء يحس بالضعف , بالهوان... فجأة ...يكتشف الذكر أن القوة الناعمة ليست ناعمة بكل ما في الكلمة من معنى , يكتشف أنها قوة مهولة ,قوة تتجاوز بكثير تلك القوة الذكورية التي يتبختر بها الرجل مند القدم ويهيمن بها. انها قوة توجد في حالة كمون , وعندما تصعد الى الأفق يذوب الرجال. انها قوة ملائكية بامتياز,قد تجعل الرجال يسجدون يوما للنساء. ترقد تلك القوة هناك, ولا تفصح عن نفسها الا متسترة وفي لحظات خاطفة. صدق من قال ان اهانة المرأة واحتقارها من طرف الرجل عبر التاريخ كان نابعا من هذا الخوف ومن هذا الشعور بالضعف الذي يولد شعورا بالانتقام وحقدا على الجنس الآخر,تلك"الأفعى التي تتميز بالغواية" , التي قد تنوم الرجل ليقوم بكل شيء.أجل أيها الرجل , انك أمام تلك النظرات الثاقبة و الحادة , تحس بوهن عظيم ,ولأول مرة ترى المرأة فوقك وترى نفسك تحتها. لقد شيطن الرجال المرأة ومنحوها رمز الأفعى لهذا السبب بالضبط ! الجسد ... بكل تأكيد لن يتوقف شخص في السبعين من عمره عند هذا المفهوم ...المسألة تحتاج شابا ...لكن أغلب شبابنا يرون في الجسد موضوع لذة فقط , ولا يدهشهم هذا الجسد الا ساعة تحصيل اللذة , وبعد ذلك يرمى في غياهب النسيان الى وقت آخر ... يدخل الجسد في نطاق المفاهيم المهمشة , المفاهيم التي لم نتحدث عنها الا لوضعها على الهامش مرة أخرى . واذا كانت الروح بطبيعتها الهلامية النورانية المظلمة , الروح الغائبة ,قد استهوت منذ القدم رجال الدين والفلاسفة والمفكرين , فدفعتهم الى تأليف نظريات في مجلدات بخصوصها (دون أن يؤدي ذلك الى التقدم في فهم المفهوم قيد أنملة), فان الجسد , المعطى , لم يؤلف بخصوصه الا القدر الزهيد . وحتى الفلاسفة الماديون , لا أعرف منهم ,على حد علمي ,من سبق له أن تناول الجسد بالدراسة المعمقة ,كهدف معرفي في حد ذاته . و أخاف أن يكون الطب , و هندسة الموضة , النشاطين الانسانيين الوحيدين اللذين يدرسان الجسد بعناية . لربما كان الطابع الحضوري للجسد هو الذي جعلنا نزيغ بأعيننا عنه نحو الروح , فالإنسان مشدود دائما الى الأمور المجهولة الغائبة. لنتوقف من جديد وبجدية أمام هذا الجسد ... لن نعيد الاعتبار للجسد بجعله قوام الانسان و ماهيته , بل سنعيد له الاعتبار حين نثبت أن "دراسة الجسد تصب في دراسة الانسان" , خلافا لما يروج له من أن "دراسة الجسد تعتبر دراسة لأداة في يد الانسان" . الجسد أكثر من أداة في يد الانسان , انه وجه أساسي من أوجه الانسان ,بل انه الوجه الوحيد له الذي يقدم نفسه كمعطى حاضر . لا يهمنا ان وجد شيء اسمه الأنا أو الروح , ولا يهمنا أيضا ان كان أحدهما يشكل قوام الانسان وماهيته, ويدعي كونه "الانسان حقا" .ان ما يهمنا أن الجسد هو "الانسان الملموس" ,وبالتالي فلا بد من لمسه , وتجميع أكبر عدد من المعطيات بخصوصه ...كل هذا سيتم فيما أطلقت عليه اسم : جغرافية الجسد و جيولوجييته . يتبع ... |
|
|
|
رقم الموضوع : [12] |
|
زائر
|
الجزء السادس :
لننطلق بنقل كلام جميل قاله فوكو . يبدأ هذا الفيلسوف بالنظر الى الجسد ,كما ينظر اليه معظمنا , الم نقل كلنا ,على أنه من الأشياء التي هي "هنا" , في المكان , معطى مادي ,واقعي محسوس ,بل أكثر الأشياء واقعية لدينا . انه هنا , معنا حيثما ذهبنا ,لا يفارقنا في أية لحظة . هو معنا حين نستيقظ وحين ننام ,حين نفرح وحين نحزن ,حين نسرع أو نبطئ .هو دائما هنا , في المكان ,معنا . هو اذن تجربة ملازمة . وخلافا للأشياء التي توصف بأنها "هناك" , في اللامكان , أو فوق المكان , الأشياء اليوتوبية , كالأفكار , الروح و باقي المجردات ,فان الجسد هنا , تماما حيث أنا الآن . لكن فوكو يلتفت لحظة ليرى أن هذا الجسد الذي يلازمنا الى درجة تجعلنا نشك فيما اذا كنا شيء آخر غيره , هو في حد ذاته علاقة نعلق عليها رموزا وايحاءات , كالوشم والملابس مثلا .هذه الايحاءات تحملنا الى "هناك" ,و تنقلنا من هذا ال"هنا" , المكان , الى عوالم سحرية ملونة . والأهم من ذلك أن الرغبة الجنسية مثلا , ليست في نظره سوى رغبة في استكشاف هذا الجسد الذي "نملكه", هذا الجسد الذي لا ندرك ملامحه بحق الا عندما تتلاقى أطرافه وتحتك مع أطراف الجسد الآخر. بمعنى آخر , فإنني أثناء التجربة الجنسية, حسب فوكو, أبحث عن جسدي, أرغب في التعرف عليه , في ادراكه حق الادراك . لن أستوعب أن لي جلدا ولن أدرك معنى ذلك الا اذا لامس جلدا آخر واحتكت شعيراته بشعيرات أخرى , وكذلك الأصابع التي نملكها , فهي لا تعني لنا شيئا الا اذا اشتبكت بقبيلاتها . نفس الشيء يقال عن الأجهزة التناسلية . ان ما قاله فوكو عن جدلية الجسد اليوتوبي/ اللايوتوبي , الجسد هنا / هناك , الجسد المادي غير المحسوس , يفيدنا في مبحثنا هذا . ذلك أنه يوضح أكثر فكرة "الجسد المعقد" ,"الجسد اللغز" ,"الجسد الأحجية", الذي سيكون موضوع بحثنا. انني أبتغي من هذا المبحث فك شيفرة الجسد ان صح التعبير , وذلك عبر مسح طبوغرافي لصورته التي تقفز الى العين , وتجعل النفس تقفز من مكانها .ذلك أن الجسد هو أولا وقبل كل شيء مساحة تضاريسية . فهنالك السهول والجبال , وقمم الجبال , والمنحدرات والتموجات . لن تكون دراستنا جغرافية فقط , ولن نقتصر على دراسة سطحية للجسد, أي على دراسة الجسد كسطح فقط, بل سنتناول أيضا نوعا من جيولوجيا الجسد , نهتم فيها بدراسة باطنه . ولا نقصد بباطنه هنا ما يحتوي عليه من أمعاء و كبد وقلب وأعضاء داخلية . ان الجسد بالنسبة الينا سطح يحيل على عوالم خفية , على عوالم لا تظهر معه الا ايحاءا .تلك العوالم الباطنية هي التي تهتم بها هذه "الجيولوجيا" .وتجدر الاشارة الى أن عوالم الجسد هذه, التي يخفيها الجسد أو يحويها , ليست بالضرورة عوالم ما ورائية , عوالم رمزية . ويمكن القول أننا سنتفادى ما أمكن السقوط في هذا النوع من العوالم التي تبعدنا عن الجسد أكثر فأكثر لتلقي بنا على ضفاف جزيرة الروحانيات.لكننا في نفس الوقت لن ننغمس (كما يقول رجال الدين )في العالم المكاني المادي الى درجة تجعلنا كدارسي الهندسة الفضائية ,لا تهمهم سوى الحجوم والمساحات .سنسعى اذن الى الوقوف على حدود المكان, وسنحرص , مهما جرتنا انسانية الانسان الى العكس , على التشبت بالمكان و عدم نسيان أن الجسد , موضوع بحثنا , هو أولا وأخيرا هيكل موجود في الفضاء . اننا ونحن ننظر الى الجسد العاري , نجد أنفسنا أمام تركيبة تضاريسية غير عشوائية(هذا على الأقل ما نراه أثناء لحظات الاعجاب به). فتضاريس الجسد تتميز مثلا بنوع من التماثل المحوري (المحور الذي يقسم الجسد الى نصفين عموديين ويمر من وسط الحاجبين ) .واضافة لهذه الخاصية التي لا غبار عليها, يرسل الجسد ,عندما يزاول عمله الاغوائي (عبر حركات معينة أو ايماءات أو تمايلات),رسائل مشفرة , أي رسائل لا تدرك الا في شموليتها دون أن تدرك في تفاصيلها , تماما كتلك التي ترسلها السمفونية الموسيقية الى المستمع , أو تلك التي توحي بها لوحات فنية عظيمة. ما يهمنا هنا أساسا في هذا المبحث , هو كشف , أو محاولة الكشف , عن هذه الرسائل المشفرة . لأجل ذلك , سنجد أنفسنا ملزمين باكتشاف لغة الجسد ,اللغة التي عبرها يرسل رسائله تلك .وان وضعيتنا هذه تشبه وضعية شامبليون الفرنسي الذي كان ملزما بفك رموز الهيروغليفية ,لغة المصريين القدامى, لتتسنى له قراءة الرسائل الخالدة التي نقشها هؤلاء على جدران معابدهم جامعين فيها تجاربهم و معتقداتهم . فهل يا ترى , ستقدم لنا الصدف , حجرا مشابها لحجر رشيد الذي كان مفتاحا لفك الغموض عن رموز الهيروغليفية ؟ ![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [13] |
|
زائر
|
لم أكن أعرف بوجود هذه الأجزاء.. قرأت الجزء الاول والثاني فقط.. وهو موضوع لا تزاحمه فلسفة ولا سياسة ولا دين، فهو يجمع حفوتهم جميعا في قالب سكساوي شامل
على قولة اوشو: Sex Is Your Life Force هيء هيء هيء. |
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| مجتمعنا, والجنس |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| الزواج في مجتمعنا | محمد الديناصوري | ساحـة الاعضاء الـعامة ☄ | 5 | 08-23-2018 10:18 PM |
| الدكتور علي جمعة, والجنس الفموى :d | Storm | ساحة النقد الساخر ☺ | 3 | 08-10-2017 04:44 PM |
| المسلمين والجنس | Killua | العقيدة الاسلامية ☪ | 1 | 03-27-2017 11:44 AM |
| الحب والجنس والزواج | Basim | ساحـة الاعضاء الـعامة ☄ | 45 | 08-22-2016 06:28 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond