![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [11] |
|
باحث ومشرف عام
![]() |
ثانيا، يلاحظ سكروتب أن تحقيق هذا التواضع الزائف يكون في الأغلب صعبا للغاية أو مستحيلا، ومن كان سيكون إنسانا فاضلا ويقبل هذا الرأي سيجد نفسه يدور في حلقات مفرغة لانهائية في محاولة لأن يصبح متواضعا. "الفوائد" الشيطانية من هذا واضحة: إلهاء عن الفضيلة الحقيقية، وربما خيبة الأمل واليأس على نحوٍ نهائي.
بالتأكيد، حتى لو كانت شخصية سكروتب محقّة بصدد هذه النتائج، فلا ينتج عن هذا أن تفسيرَ التواضعِ مَحلَّ الكلام باطل (رغم أن لِوِس من خلال شخصية سكروتب يعتقد بوضوح أنه كذلك). لنستنتج أن ذلك الشرح باطل سنحتاج مقدمة منطقية أخرى إضافية وفق هذه السطور: إن يكن شرح معين لفضيلة ما هو بحيث أن من يقبلونه يميلون إلى أن يصيروا أسأ حالًا من الذين لا يقبلونه، فمن ثم فإن الشرح باطل. ولا أرى سببًا لقبول افتراض كهذا؛ ربما يمكن لتعلم الحقيقة [أحيانًا] أن يجعل المرءَ أسوأَ حالًا؟ إذن، لدينا لِوِس وأرسطوتلس من جانب وجوليا دْرَيـْﭬر Driver على الجانب الآخر. تؤكد Driver أن فهم قيمة المرء لنفسه وما يستحقه هو فضيلة، بينما يؤكد لِوِس Lewis وأرسطوتلس أنها رذيلة (أو على الأقل ليست فضيلة). أعتقد أن لِوِس وأرسطوتلس هما المحقَّان هنا. أولًا، لعلنا نلاحظ أن الجهل هو نوع من العيب والنقص، وبالتالي تعتقد دْرَيـْﭬر برأي ظاهر التناقض بأن بعض الفضائل، ما يسمى بـ"فضائل الجهل"، تنطوي على عيوب بشكل أساسي. وفقًا لهذا الرأي، فإن شخصًا فاضلًا بكمال يعاني بالضرورة من عيوب إدراكية معينة. بالتأكيد يشكِّل هذا سببًا مبدئيًّا لرفض رأيها. على أقل تقدير، فإن جدلية مقنعة ستُتَطَلَّب لجعل قبول مثل هذا الشرح الحدسي المقابل معقولًا. ثانيًا، والأكثر أهمية، فإن شرح دريـﭬر المقترَح للتواضع عرضة للدحض بمثال مضاد. تأمل مثال سنسميه "بُبّْ المدهش". بب المدهش_كما سأفترض_هو أذكى وأقوى وأكثر الأشخاص رياضية وأكثرهم جاذبيةً في الكون. بب المدهش_لنفترض_يسيء تقدير قيمة نفسه. إنه يعتقد أنه الرقم مئة تقريبًا بين الأشخاص الأكثر ذكاءً وقوة ورياضية وجاذبية في الكون. لكن بب المدهش يتباهى باستمرار بمدى ذكائه وقوته ورياضيته وجاذبيته. في الحقيقة، يصعُب جعلُه يتكلم أو حتى يفكر في أي شيء آخر غير عظمته الخاصة به. كمثال، كل مرة يقابل فيها شخصًا جديدًا، يقول: مرحبًا [هاي]، أنا بب المدهش! أنا الرقم مئة بين الأشخاص الأذكى والأقوى والأكثر رياضية وجاذبية في الكون! أنا واحد في المليون، يا حبيبي!". وفقًا لشرح دريـﭬـر للتواضع، فإن بب متواضع. لكن هذا باطل بوضوح. قد يمتلك المرء الصفة التي حددتها دريـﭬـر ومع ذلك يكون متباهيًا متبجِّحًا بكمال. بالتالي، فإن الصفة التي حددتهادريـﭬـر ليست فضيلة التواضع. من خلال شخصية الشيطان سكروتب، يقدِّم لِوِس معناه لحقيقة التواضع: "إن العدو [الله] يريد جعل الإنسان في حالة عقلية يمكنه فيها تصميم أفضل كاتدرائية في الكون، ويعرف أنها الأفضل ويستمتع بهذه الحقيقة، بدون أن يكون أكثر أو أقل سعادة مما كان سيكون في حال لو أن شخصًا آخر هو من قام بها. يريده العدو....أن يكون متحررًا للغاية من أي محاباة لصالح نفسه بحيث يستمتع بمواهبه بنفس الصراحة والامتنان اللتين يستمتع بهما بمواهب الآخرين، أو برؤية شروقِ الشمس، أو فيلٍ، أو شلال مياه." الرأي المقترَح هنا أن الكينونة[1] متواضعًا ليست مسألة تعلق بالتقليل من قدر قيمة المرء لنفسه ولإنجازاته، بل بالأحرى أنها مسألة تتعلق بإعطاء تقدير ملائم للقيمة والإنجازات. الشخص المتواضع يكون لديه تقدير دقيق لقيمته أو قيمتها الخاص(ة) به(ا). ما يجعل شخصًا متواضعًا هو الاعتقاد بأنه كسبب نهائي فإنه الله_على الأقل في الجزء الأكبر_من يستحق التقدير لأجل قيمة وإنجاز لفرد. هذا الاعتقاد يعلن عن نفسه في الامتنان لله. هذه هي أهمية آخر سطر من الفقرة المقتبسة، القائل بأن الناس المتواضعين يرون صفاتهم المثيرة للإعجاب الخاصة بهم بنفس الطريقة تقريبًا التي يرون بها الأشياء المثيرة للإعجاب في العالم التي ليس لهم علاقة بوجودها. الناس الذين يعتقدون أنهم هم وحدهم يسحقون كل التقدير والثناء لأجل قيمتهم وإنجازاتهم مخطئون، ويُظْهِرون رذيلةً. هناك سخافة مؤكدة لهذا النوع من الغرور، إنه كما لو أن لوحة تعطي كل التقدير لجمال نفسها ولا شيء لراسمها. وفقًا لهذا الرأي عن التواضع، فهناك ارتباط مهم بين التواضع والطاعة. الشخص المتواضع يدرك اعتماد الفرد على الله، وبالتالي_على الأقل إلى حد ما_يكون واعيًا بكونه محددًا له مكانٌ في الكون. يقينًا، فإن الشخص المتواضع [من وجهة النظر الدينية] لن يكون أحمق لدرجة أن يشعر أنه مكتفٍ ذاتيًّا على نحوٍ كامل. بالإضافة إلى ذلك، فإن التواضع ينشئ الامتنان لله لأجل إنجازات المرء (وكذلك لأجل إنجازات الآخرين). وكما لاحظتُ في الفصل الثاني، فإن الامتنان لله يُقدَّم عادةً كسبب لوجوب طاعة وصايا الله [الدين]. من ثم فأن التواضع ينبغي أن يؤدّي إلى طاعة وصايا [أوامر] الله. على النقيض، فإن الشخص الفخور لا يشعر بأي اعتماد على الله ولا يرى سببًا لأن يكون ممتنًا له، وبالتالي لا يرى سببًا لطاعة أوامر الله. كل هذا يجعل التواضع فضيلة هامة على نحو حاسم في الأخلاق المسيحية. بالتأكيد، يجب أن يرفض الطبيعيّ [العقلانيّ] هذا الشرح للتواضع (أو لو فشل في ذلك، فيجب أن يرفض الادّعاء بأن التواضع فضيلة)، المربوط بشكل لا يمكن فصله مع الاعتقاد بالله. رغم ذلك، فإن هذا الشرح مفيد لأنه يساعدنا على رؤية المشكلة في نظرية أرسطوتلس بأن التعقل أو الروح السامية فضيلة، وهي ترشدنا إلى اتجاه ما أعتقد أنه شرح طبيعي واعد لفضيلة التواضع. يصرح أرسطوتلس في (الأخلاق النيقوميدية) بأن "مِنَح الحظِ....تساهم في التعقل الأسمى. الرجال ذوو المحتِد النبيل، أو السلطة، أو الثروة يعتبرون مستحقين للتشريف، حيث أنهم يشغلون مكانة أسمى." هنا يدعي أرسطوتلس بأن الناس يستحقون الخيرات بسبب عوامل ليس لهم تحكم فيها، بسبب تلقيهم لـ" منح" معيَّنة من "الحظ". افترِضْ أن سعيدًا وسميرًا متشابهان في كل النواحي، عدا أن سعيدًا محظوظ في كونه قد وُلِدَ في أسرة ثرية وبارزة، بينما سمير قد وُلد في أسرة فقيرة ومغمورة. وفقًا لأرسطوتلس، فبسبب هذا الاختلاف بين الاثنين، فإن سعيدًا يستحق تشريفا وخيرات أكثر مما يستحق سمير. لو كان أرطوتلس محقًّا، فمن ثم فإن سعيدًا محقّ في شعوره بالتفوق والاستحقاق أكثر للتشريف عن سمير، تحديدًا بسبب المولد [المحتِد] النبيل لسعيد. لكن هذا محضُ تغطرسٍ وحماقة. وفقًا لرأي لِوِسْ، فإن سعيدًا لو كان فاضلًا فلن يشعر بأنه أكثر استحقاقًا للخيرات مما يستحق سمير بسبب الاختلاف بينهم؛ بدلا من ذلك، فإنه سيكون ممتنا لله لكونه ولد نبيلا. يمكن للطبيعي_وينبغي عليه_أن يوافق على الجزء الأول من هذا الادعاء. افترضْ أنكَ تعلم أن المذهب الطبيعي صحيحٌ. من ثم، فما هو الموقف الملائم لك لتتخذه باتجاه نفسك وإنجازاتك؟ إحدى الإجابات الممكنة هي أنه إذا كان كل ما يوجد يُتضَّمن كليًّا في الكون الطبيعي، فمن ثم هذا يجعل البشر في أعلى مكانة. بإزالة الله والملائكة، فإن البشر هم ملوك الكون، غير محكومين من أحد، ومفوَّضون للحكم على كل شيء موجود. لكن هذا سخيف؛ الكون من منظور طبيعي ليس مجرد كون من منظور مسيحي أزيل منه ذلك القسم من التراتبية فوق البشر ببساطة. بالأحرى، ففي كون منظور طبيعي، ليس هناك مثل هذه التراتبية في المقام الأول. لا يوجد موضع مرتَّب على نحوٍ إلهيّ قد عُيِّنّا له نحن أو أي كائن آخر. البشر لم يُستأثَروا بانتباه خاص من خالق إلهيٍّ، بالأحرى، فنحن_ككل شيء حي آخر على الأرض، تشكلنا عن طريق عمليات طبيعية عمياء تمامًا خارج تحكُّمنا. هذا_بالإضاقة إلى مقدار معرفتنا الحالي بكيفية عمل الكون الطبيعي مع شيء من التفكُّر الدقيق_يقترح شيئُا مثل الرأي التالي: كلٌّ منا قد برز في الكون بمجموعة من الظروف ليست من اختيارنا، موهوبًا سمات نفسية وبدنية وإمكانيات ممنوحةً لنا بعوامل خارج تحكُّمنا. ليس لنا يد في ما إذا كنا سنكون موجودين على الإطلاق، أو في أي ظروف، أو مع أي قدرات ممنوحة لنا. ومع ذلك فإنه فوق الشك أن ظروفنا مع قدراتنا العديدة تحدد ما يمكن لنا تحقيقه، و_على الأقل إلى حد كبير_ما نحققه في الحقيقة. ربما تثور جدلية التنشئة في مقابل الطبيعة، لكن هل يتساءل أي أحد بجدية عما إذا لا يُشكِّل هذان العاملان مصائرنا على نحوٍ كبير؟! تفكَّرْ في حياتك الخاصة بك. تأمل في الأسرة التي وُلِدت فيها، والبلد، والنظام السياسي، والزمن، والوضع الاقتصادي، والجيران الذين صادف أن يحيطوا بك، والمدارس التي صادف أنك ذهبت إليها، والأصدقاء الذين صادف أن صادقتهم. هل من الممكن أن يُغالى في تقدير المجموع الكليّ لتأثير هذه الأشياء على مسار حياتك؟[2] [IMG]file:///C:\DOCUME~1\Vortex\LOCALS~1\Temp\msohtmlclip1\01\c lip_image001.gif[/IMG] [IMG]file:///C:\DOCUME~1\Vortex\LOCALS~1\Temp\msohtmlclip1\01\c lip_image002.gif[/IMG] [IMG]file:///C:\DOCUME~1\Vortex\LOCALS~1\Temp\msohtmlclip1\01\c lip_image003.gif[/IMG] قد يلاحظ آخرون على نحو صائب أنهم قد أنجزوا أكثر بكثير من آخرين لهم نفس الخلفيات. رغم كل شيء، قد يفكر أحدهم: لا أحد آخر من جيراني قد صار دكتورًا. وماذا صنع الاختلاف بشانك؟ هل كنتَ أكثر ذكاءً؟ أكثر اجتهادًا في العمل؟ هل كان لك موقف أكثر إيجابية؟ ومن ثم تفكَّرْ في هذا السؤال: ما مدى تحكمك وتقريرك في ما إذا كنت ستكون أذكى أو أكثر اجتهادًا في العمل أو أكثر تفاؤلا من كل الباقين؟ هل يمكنك أن تؤكد بجدية أن كل هذه_أو حتى أكثرها_كانت من صُنعِكَ؟ تقترح الأبحاث في علم النفس الاجتماعي أن السمات العادية للأوضاع التي نجد أنفسنا فيها يمكن بوضوح أن تؤثِّر على نحو دراميّ على سلوكياتنا[3]. ما إذا كان ناسٌ سيساعدون آخرين أم لا، يتأثر بمدى استعجلهم وبمزاجهم العامّ، والتي يمكن أن تتأثر على نحو هامّ بأحداث ثانوية مثل العثور على (أو الإخفاق في العثور على) عشرة سنتات [عملة معدنية] للاتصال من تلفون عموميّ في الشارع. الأشخاص الطبيعيون المستقرون عقليا وعاطفيا على نحو واضح وغير العنيفين سيرتكبون أفعالا ساديَّة ويوقعون (ما يعتقدون أنه) معاناة رهيبة على الآخرين كنتيجة للإصرار الحازم من جانب شخصية ذات سلطة، أو_في تجربة أخرى سيئة السمعة_كنتيجة لكونهم خُصِّص لهم على نحو عشوائي دور الحرس في تجربة محاكاة لسجن[4]. مثل هذه التجارب تدعم الفرضية الرئيسية المؤسسة لشرح التواضع من منظور طبيعي والتي سأنشئه وأوضحه، وهي أن تأثير العوامل التي خارج تحكمنا على أنفسنا وحيواتنا هائل وأكثر بكثير مما نميل بدون تفكُّر بأن نعتبرها عليه. قاد التفكر في مثل هذه التجارب John Doris جون دوريس لأن يدعي: "لو أني قد عشت في جرمانيا [ألمانيا] أو رواندا، أو أي مكان آخر أثناءَ اللحظة التاريخية الخاطئة، لربما كنت عشت حياة تستحق التوبيخ الأخلاقيّ، رغم حقيقة أن الحياة التي أعيشها الآن ربما ليست أسوأ من متوسطة أخلاقيا. في هذه المسألة_لولا نعمة الله_لما كنت أكون كذلك[5]." كما لاحظ لِوِسْ، فإن التواضع له علاقة بإعطاء الفضل إلى ما يستحق الفضل. إن اعتمادية البشر هي ما يجعل التواضع موقفا مناسبا. في ناظم لِوِس فنحن معتمدون على الله. لكن نوعا مشابها من الاعتماد موجود في الكون من منظور طبيعي. في كلا نوعي منظوري الكون، فإن مصير البشر (على الأقل في هذه الحياة) معتمد على نحو كبير على عوامل خارج تحكمهم. في الكون من منظور إيمانيّ، كل هذه العوامل تحت تحكم الله على نحو نهائي، وبالتالي كثير من الفضل لأي إنجازٍ بشريٍّ يجب أن يذهب إلى الله. في الكون من منظور طبيعي_على النقيض_ هذه العوامل ليست تحت تحكم أي أحد على نحو نهائي، وبالتالي الكثير من الفضل لأي إنجاز بشري ينبغي أن يذهب إلى....حسنًا، إلى لا أحد. ليس الأمر أنه إذا كان الله خارج الصورة، فإن كل الفضل للإنجازات البشرية يؤول بطريقة ما إلى البشر لغياب البديل؛ تظل هذه الإنجازات معتمدة على عوامل خارج وفوق تحكمهم تمامًا كما كانت دومًا. إحدى المشاكل في شرح أرسطوتلس للتعقل الأسمى هي اقتراحه أنه من الملائم للناس أن يعتقدوا أنهم يستحقون المديح لأجل "منح من الحظ" معيَّنة، عوامل خارج تحكم الأفراد. لكن هذه مجرد نسخة متطرفة [قصوى] وواضحة لنوع الخطأ الذي يقوم به الناس الذين يعتقدون أنهم يستحقون كل الفضل [أو الفخر] لأجل إنجازاتهم الشخصية، غافلين عن المساهمة الكبيرة في إنجازاتهم التي قامت بها عوامل فوق تحكُّمِ الأفراد، أو معتقدين على نحو خاطئ أنهم يستحقون الفضل لأجل العوامل التي ليسوا بأي طريقة مسؤولين عنها. يلاحظ لِوِس كذلك أن التواضع له علاقة بكيفية رؤيتنا لإنجازاتنا الخاصة بنا بالعلاقة مع إنجازات الآخرين. الشخص المتواضع_كما ميَّزه لِوِسْ_خلوٌّ تمامًا من أي محاباة شخصية لنفسه. أنا أفهم من هذا أن فكرة لِوِسْ أن الشخص المتواضع يدرك أنه ليس هناك فائدة تًنال بتضخيم إنجازات المرء الخاصة به، بما أنها_مثل إنجازات كل أحدٍ آخر_مِنَحٌ من الله. هذا يسمح بتقدير ورؤية أمينة للنفس، والتي تحبط التضخيم المتباهي. حتى لو كان شخصٌ_مثل بُبّْ المدهش_ جديرًا بالملاحظة حقًّا، فإن التباهي لا يكون ذا معنى لأن الله هو المسؤول النهائي. كما قال الرسول بولس: " لأَنَّهُ مَنْ يُمَيِّزُكَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟[6]" كورنثوس الأولى4: 7. لو كان بب المدهش متواضعًا، فسيكون ممتنا بدلا من أن يكون متفاخرا. في كونٍ من منظور طبيعي، ينبغي على كلٍّ منا أن يدرك المساهمة الرهيبة التي قام بها الحظ الأعمى لكل إنجازات البشر، وأنه في حالة أيٍّ إنجاز كهذا، فإن معظم الفضل يذهب إلى الحظ الأعمى. سواءً بوجود أو بدون الله، فإن نفخ النفس والتكبر فوق رفاق المرء من البشر بسبب إنجازاته حماقةٌ. أيًّا كانت الإنجازات التي قد نكون قمنا بها لنجاحنا، فإن مساهمةً أكبر قد قامت بها عوامل فوق تحكمنا. تفكَّرْ في أكثر شخص تعيس مثير للشفقة قد عرفتَه. في كون من منظور طبيعي، لا ينبغي أن تفكر في نفسك بطريقة "لولا نعمة الله عليَّ لما كنت كذلك"، بل بدلا من ذلك: "لولا الحظ الأعمى لما كنتُ كذلك". أو ربما: "كم أنا محظوظ لأني قد وُجِدتُ على الإطلاق!". سواء بوجود الله أو بدونه، فإن تصور فرد عصاميّ [صانع لنفسه] على نحوٍ كاملٍ هو خيال سخيف. ما العلاقة بين هذا النقاش بالنقاش اللانهائي المطوَّل عن الوجود وطبيعة حرية الإرادة الإنسانية؟ لو أن المذهب الطبيعي صحيح، فنحن نعلم أنه لا توجد روح فوق طبيعية، ولا نفس غير فيزيائية حقيقية متمايزة عن النفس الفيزيائية. افترض_رغم ذلك_أن المذهب الطبيعي يحتوي ضمنه على على عدم تحديد كافٍ للسماح بوجود الإرادة الحرة من نوع قويٍّ على نحو مناسب، ما يسمَّى بالإرادة الحرة "الليبرتارية". افترِضْ أننا يمكننا_إلى حد ما_تشكيل شخصياتنا الخاصة بنا من خلال أفعالنا الحرة. بهذه الطريقة، ربما نكون مسؤولين جزئيا عن بعض أفعالنا وحتى عن بعض سمات شخصياتنا. حسنا، لو كان لدينا حرية ليبرتارية حقا، فإن ما يسقطه لنا الحظ الأعمى في جيوبنا هو مجرد هدية واحدة أخرى له. رغم ذلك، فعلى نحو أكثر أهمية، يجب أن ندرك أنه حتى مع افتراض أننا لدينا حرية ليبرتارية، فإن مفهوم وجود فعل يكون الإنسان مسؤولا عنه بمفرده، مستحقا كلَّ الثناء أو اللوم للقيام به، هو خيال صرف. إن أي فعل، أي نجاح أو فشل، يعتمد في حدوثه في الجزء الأكبر على عوامل خارج تحكم فاعله. كل فعل نقوم به كل فكرة نفكر فيها، تحدث ضمن إطار ليس من صنعنا. هذا الإطار يحدِّد مدى الإمكانية لنا. حتى مع الحرية الليبرتارية في الكون، فمعظم الفضل لإنجازاتنا يذهب إلى عوامل خارجة عن تحكمنا أكثر مما إلينا. أنا لا أقترح أنه لا حياة أفضل أو أكثر إثارة للإعجاب أو أكثر استحقاقا من أخرى، أو أن كل البشر متساوون حقا في كل النواحي، أو أن لا فعل أكثر أهمية أو إثارة للاهتمام من آخر. إن الفنان الناجح الذي قد رسم للتو تحفة فنية يعلم تمامًا أن الرسم أكثر إنجازًا من قضاء اليوم في بالوعة. القطعة الفنية بالتأكيد وتستحق إعجابا وثناءً أكثر مما يستحق نشاط سِكِّير. بل إن ما أقترحه هو أن رد فعل الفنان على كل هذا ينبغي أن يكون إحساسَ المؤمن بالامتنان إلى الله أو إحساس الطبيعي [العقلاني] بكونه محظوظا جدا. لا ينتج أيضا عن رأيي أننا لا ينبغي أن نعاقب أي أحد لقيامه بأفعال خاطئة أو خرق القانون. فيما يتعلق بهذه النقطة إنه لمهمٌّ ملاحظة شيئين. أولًا، إن المسؤولية عن فعل هي شيء يسمح بوجود درجات، قد يكون الشخص أكثر أو أقل مسؤولية عن فعل معيَّن. ثانيا، أن كون الشخص مسؤولا عن فعل معين إلى حد ما عادة يجعل معاقبة الشخص معقولة وعادلة لقيامه بالفعل محل الكلام. لا يحتاج الأمر أن أكون قد صنعت البندقية والرصاصات بنفسي، وصمَّمت مزاجي السيء كزناد على شعرة، واستحضرت الضحية البغيض لكي تكون معاقبتي على القتل معقولة وعادلة. يقوم شرحي للتواضع على الادعاء بأن أكثر الفضل لإنجازاتنا يعود إلى عوامل خارج تحكُّمنا؛ لا يتضمن هذا بأي سبيل أن ممارساتنا الخاصة بعقاب الناس لأجل بعض أفعالهم ينبغي أن تُلغَى. إن اعتمادية البشر وأفعالهم على عوامل فوقَ تحكُّمِهم، وهي اعتمادية حاضرة سواء يوجد الله أم لا، ما يجعل التواضع في شكلٍ معيَّن موقفًا ملائمًا لاتِّخاذه. في كون من منظور إيمانيّ، فإن إدراك اعتمادنا يجب أن يولِّد الامتنان اتجاه الله؛ بينما في كون من منظور طبيعي يجب أن يولِّد شعورًا بكون المرء محظوظا (بالنسبة لمن أنجزوا الكثير). في كلا نوعي الكون، فإن محاولة ترجيح ميزان الفضل لجهة الشخص لأجل إنجازاته فعلٌ أحمقُ. هناك بالفعل تواضع من منظور طبيعي، وهو فضيلة[7]. من التواضع إلى الإحسان تخيل أن ملايين البشر يهبطون بمظلات هبوط على سطح كوكب مغايِر. تتنوع تضاريس الأرض وقابلية سطح الكوكب للسكنى على نحو واضع، وبالتالي تتنوع أطياف الظروف التي يجد هؤلاء البشر أنفسهم فيها عند الهبوط على نحو مماثل. يجد بعض الناس أنفسهم يهبطون في رمال متحركة ويكافحون للبقاء أحياء، آخرون يهبطون في غابات مورقة خصبة، محاطة بمياه وافرة وفواكه شهية. بينما يهبط آخرون في صحارى قاسية وقاحلة، وهكذا. نحن كمثل هؤلاء البشر فيما يتعلق بالموضوع الذي كان مجال تركيز المقطع السابق؛ يعتمد ما تكون عليه حياتنا بدرجة كبيرة على ظروف خارج تحكمنا. فمثلهم، نمارس بعض التحكم على مسارات حيواتنا، لكن مجال الإمكانيات المتاحة لنا بعيد عن أيادينا [تحكمنا] إلى حد كبير. فلندرس طريقتين لتوسعة هذا السيناريو. أولًا، فلنفترضْ أن هؤلاء البشر الهابطين بالمظلات يعرفون أن كائنا كلي القدرة والمعرفة وكامل أخلاقيا مسؤول عن كامل المسألة. هذا الكائن قد صمّم خلق الكون وقد قرر مسبقا أين سيهبط كل إنسان. الكائن لديه خطة كبيرة، وكل إنسان يلعب دورا صغيرا لكنه حاسم في تلك الخطة. مفترضين هذه الافتراضات الأخرى، فإن السؤال الذي أود التركيز عليه هو هذا: أيُّ التزامات_لو كان هناك أيٌّ منها_على الأفضل حالا بين هؤلاء البشر اتجاه الأسوأ حالا؟ هل على الإنسان الذي هبط في غابة خصيبة أي التزام بمساعدة إنسان مجاور هبط في صحراء قاحلة؟ الإجابة ليست واضحة، فرغم كل شيء، قد يعتقد البشر الأفضل حالا أن البشر الأسوأ حالا قد وُضِعوا حيث جُعِلوا أسوأ حالا من قِبَل كائن ذي كمال. كائن مثل هذا ما كان سيضع هؤلاء البشر الأقل حظا في ظروف صعبة ما لم يكن هناك سبب وجيه لفعل ذلك، ومَنْ نحن لنتدخل في الخطة الكبيرة للكائن ذي الكمال؟ بدون أي معلومات إضافية، قد يستنتج الأكثر حظا على نحو عقلاني أن ما ينبغي عليهم فعله هو أن يكونوا ممتنين لأجل مصائرهم ويتركوا الآخرين لمصائرهم الخاصة بهم. "كل واحد يهتم بنفسه، والله مع جميعنا" يبدو مبدأ معقولا لاتخاذه في هذا الوضع المتخيَّل. لكنْ فلنضِف سمةً أخرى إضافية على هذا السيناريو. فلنفترض أن الكائن الكامل قد أصدر الأمر التالي للبشر: "أحبَّ قريبَك كنفسِكَ" [اللاويين19: 18، متى19: 19، و22: 39، ومرقس12: 31].[8] هذا_كما سيبدو_يغيِّر الوضع بالكامل. مسلِّمين بهذا الأمر، فإن الامتنان الذي يشعر به على نحو ملائم الأكثر حظا بين البشر اتجاه الكائن الكامل ينبغي أن يترجم إلى الطاعة. مسلّمين بالأمر بحب جيراننا، فإن على الأفضل حالا من بين البشر التزام بمساعدة الأسوأ حالا، على الأقل بدرجة ما. النسخة الموَسَّعة لهذا السيناريو مماثلة للوضع الذي يعتقد المسيحيون [والمتدينون المؤمنون بإله أو آلهة عموما_م] أنهم فيه. هناك شيئان ذوا أهمية خاصة هنا. أولًا، يبدو أنه بدون الأمر من الله بمساعدة جيران المرء، فإن البشر (على نحو قابل للجدل) لن يكون عليهم أي التزام أخلاقي بفعل ذلك. هذا يقترح نوعا آخر من الجدلية لأجل فرضية كارامازوﭪ (التي ناقشتها في الفصل الثاني)؛ بأنه لو لا وجود لله، فمن ثم فإن كل الأفعال البشرية مسموح بها أخلاقيا وليس على البشر أي التزامات أخلاقية على الإطلاق. بفرض أن الله يوجد بالفعل، فإن الجدلية تبدأ بالادعاء الذي قد جادلت للتو للبرهنة عليه، تحديدا: 1- لو لم يكن الله [الدين] قد أمر البشر بمساعدة جيرانهم، لما كنا سيكون علينا أي التزام بفعل ذلك. قد يُلاحَظ بالإضافة إلى ذلك أنَّ 2- لو أن الله لا يوجد، فمن ثم فلن يأمر البشر بمساعدة جيرانهم. قد نعتقد أنه من 1و2 يمكننا الاستنتاج أنه 3- لو أن الله لا يوجد، فمن ثم فلن يكون علينا أي التزام بمساعدة جيراننا. آخر الأمر، لو أضفنا مقدمة منطقية أن كل التزاماتنا مثل هذا على نحو وثيق الصلة، فسنصل إلى الاستنتاج بأنه لو لا وجود لله، فلن يكون علينا أي التزامات، فرضية كارمازوﭪ. هذه الجدلية تنطلق على نحو خاطئ في استدلالها من 1و2 على 3. هذا استدلال يتخذ الشكل التالي: 1- لو أن (أ) صحيح، فمن ثم فإن (ب) سيكون صحيحا. 2-لو أن (ج) صحيح، فإن (أ) سيكون صحيحا؛ بالتالي 3-لو أن (ج) صحيح، فإن (ب) سيكون صحيحا. لكن هذا الاستنتاج لا ينتج عن المقدمات المنطقية، كما يمكن أن يُرَى من خلال المثال المضاد التالي: يصادف أن لي أخًا واحدًا، تأمل هذا النمط من التفكير: 1- لو لم يكن أخي قد وُلِدَ، فمن ثم لكنتُ سأكون طفلا وحيدا. 2-لو لم يكن والدايَ قد التقيا قط، لما كان أخي سيولد. بالتالي: 3-لو لم يلتقِ والدايَ قط، لكنتُ سأكون طفلا وحيدا. الادعاآن 1 و2 كلاهما صحيح، لكن الادعاء 3 ليس كذلك بوضوح. المشكلة هي أن لو لم يلتقِ والداي قط، بينما يكون صحيحا أن أخي لم يكن سيوَلد، فإن هناك أشياء أخرى ستكون صحيحة ستجعل كوني سأكون طفلا وحيدا باطلا، بوضوح لما كنت سأوجَد على الإطلاق[9]. كما سأقترح قريبا، فإن شيئا مماثلا صحيح في حالة الادعاء بأنه لو لا وجود لله، فمن ثم لن يأمرنا بمساعدة جيراننا. هذا صحيح، لكن لو أن الله لا وجود له، فمن ثم فإن أمورا أخرى معينة ستكون صحيحة والتي تجعل الوضع أن علينا بالفعل التزاما بمساعدة جيراننا، رغم أننا لم نُأمَر بفعل ذلك من قِبَل اللهِ. الشيء الثاني ذو الأهمية في سيناريو [الهبوط في] غابة أو صحراء أنه يمكننا من إدراك أن التواضع أساس عنصر واحد على الأقل من عناصر الإحسان[10]. كما قد اقترحتُ، فإن التواضع يتضمن إدراكًا لمكان المرء المناسب في الكون ويولٍّد امتنانا اتجاه الله لأجل الأشياء الطيبة التي يمتلكها المرءُ [وفقَ المنظور الديني]. إذن، يؤدّي التواضع إلى إدراك أن المرء ينبغي عليه طاعة أوامر الله، والتي أحدها هي الأمر بأن نحب جيراننا. التواضع المسيحيّ يولِّد الإحسانَ. فلنعُدْ الآن إلى نسخة أخرى من السيناريو. في هذه النسخة، يعلم البشر أنه ليس هناك كائن ذو كمال مسؤول عن مصائرهم، يعلمون أنهم قد تبعثروا عشوائيا على سطح الكوكب، والذي تحددت طبيعته نفسها بقوى طبيعية غير واعية. إن نوع التضاريس الأرضية التي يهبط فيها أي إنسانٍ فردٍ هو مسألة حظ بالكامل. ليس هناك أي كائن كامل مسؤول عن الوضع أو أصدر أية أوامر للبشر. إنهم معتمدون على أنفسهم. هذا السيناريو مماثل على نحو وثيق الصلة بالوضع الذي نجد أنفسنا فيه في كون من منظور طبيعي. كما سبق، أود التركيز على السؤال: أي التزامات_ لو كان هناك أيٌّ منها_على الأفضل حالا من بين هؤلاء البشر اتجاه الأسوأ حالا؟ أعتقد أن في هذا السيناريو الثاني على الأفضل حالا التزامًا بمساعدة الأسوأ حالا، على الأقل بدرجة ما، رغم كونهم لم يُصْدَر لهم أمر إلهيّ بفعل ذلك. افترِضْ أن إنسانا والذي صادف أن هبط في غابة مورقة ووافرة يحدث أن يلاحظ إنسانا آخر والذي قد هبط بالجوار في صحراء جافة وقاحلة. سيلاحظ الإنسان الأول_لو كان مفكرا على نحو كافٍ_أن كليهما قد انتهى به الحال حيث هو كنتيجة لقوى خارج تحكمهما. "لقد صادف أن هبطت في غابة منعِمة، بينما هذا الرفيق قد صادف أن هبط في صحراء قاحلة. كلانا بشَرٌ، ولا أحد منا قد اختار مصيره. ليس هناك قوة أعلى مسؤولة عن الوضع، ويتضح أني لو لا أساعد هذا الرفيق، فلا أحد آخرَ سيفعل". هذه نوعية الأفكار التي ينبغي أن تدور في عقل الإنسان الأكثر حظًّا، والذي ينبغي أن يصل على نحو عقلاني للاستنتاج بأن الثريّ ذا الامتياز عليه التزام بمساعدة الأقل حظا. هذا الالتزام لا يعتمد على أي أمر إلهيّ بل بدلا من ذلك على تفاصيل الوضع. ضمن أكثر السمات بروزًا في هذا الوضع افتقادُ التحكم لدى كليهما على مصيريهما الخاص كلٌّ منهما بأحدهما. لو أن الرياح هبَّتْ على نحو مختلف قليلا، فإن مصيريهما كان يمكن أن يُعكَسا. أليس واضحا أنه ليس مسموحا أخلاقيا بالرفض تماما لتقديم أي مساعدة للأقل حظا الذين وجدوا أنفسهم في ظروف صعبة بدون خطإٍ من جانبهم والذين سيعانون على الأرجح وحتى يهلكون لو لا نساعدهم؟ لو أن هذا صحيح، فمن ثم يمكننا أن ندرك أن التواضع من منظور طبيعي_كالتواضع المسيحي _يؤدّي إلى الإحسان. كما قد اقترحتُ في مقطعٍ سابق؛ فإن التواضع من منظور طبيعي يتضمن إدراك المساهمة الهائلة للحظ الأعمى في مصائر البشر، وهذا الإدراك بالتحديد هو ما ينبغي أن يقودنا إلى الاعتراف بالتزام بمساعدة الأقل حظا من بيننا. هناك مجال واسع للجدال هنا بصدد المدى الدقيق لتشابهات وضعنا في كون من منظور طبيعي مع وضع البشر في سيناريو الهبوط في غابة أو صحراء، وبصدد المدى الدقيق لالتزامنا بمساعدة الأقل حظا، لكن يبدو واضحا على نحوٍ كافٍ أن علينا التزاما ما كهذا. كمثال، لو وضعنا العلاقات الأسرية في الصورة، ستصير الأمور أكثر تعقيدا، لكن أعقد أن النقطة الرئيسية رغم ذلك تظل صحيحة. لو أن الله ميت [غير موجود بتعبير نتشه الأدبيّ_م] ، فإننا لسنا مأمورين من قِبَل إلهٍ بمساعدة رفاقنا من البشر. رغم ذلك، فإن علينا مثل هذا الالتزام، رغم أنه مستمدٌّ من مصدر آخر. و_في كلٍّ من كون مسيحي وكون طبيعي_فإن النوع الملائم من التواضع سيقودنا إلى إدراك هذا الالتزام. الأمل والبطولة في (عبادة الإنسان الحر)[11]، كتب برتراند رَسِل: "...أن الإنسان هو نتاج لأسباب ليس لها بصيرة بالنهاية التي تحققها، أن أصله ونموه وآماله ومخاوفه وما يحب ومعتقداته ليست سوى حصيلة انتظامات صدفوية للذرّات، أنه لا حماسة، ولا بطولة، ولا قوة فكر وشعور يمكنها حفظ حياة فردٍ إلى ما بعد القبر؛ أن كل جهود العصور، وكل التكرسات، وكل السطوع المشرق للعبقرية البشرية مقدَّرٌ لها الانقراض في الموت الكبير للنظام الشمسيّ، وأن كامل معبد الإنجاز البشريّ يجب على نحو محتوم أن يُدفَن أسفل حطام كونٍ مهدَّمٍ. كل هذه الأمور، لو لم تكن بعيدة عن الخلاف تماما، فهي كذلك يقينية تقريبا بحيث لا فيلسوفَ يرفضها يمكن أن يأمل في إظهار نفسه. فقط ضمن الأساس الراسخ لليأس الثابت، يمكن من الآن بناء مُسْتَقَرٍّ للنفس بأمان." هذه الفقرة جديرة بالملاحظة لأجل تصريحها البليغ والصادم عن المذهب الطبيعي، مع الاقتراح (والذي يجب أن أعترف أني أجده مرحًا على نحوٍ غامض) أن رد الفعل الملائم على حقيقة المذهب الطبيعي هي اليأس الراسخ. لكنْ هل هذا صحيح؟ إن السؤال الثالث من أسئلة كانط الشهيرة في كتابه (نقد العقل المحض) هي: ماذا علي أن آمَل؟ على نحو محدد، ما هو المعقول بالنسبة لشخص يعلم أن المذهب الطبيعي صحيح أن يأمله؟ في الحقيقة، لو أن المذهب الطبيعي معروفٌ بأنه صحيحٌ، فهل هناك أي مكان للأمل على الإطلاق، أم أن اليأس الكامل هو رد الفعل العقلاني الوحيد؟ كتب توماس الأكوينيّ في (مقالة عن الفضائل) أن: "فعل الأمل يُتَضَمَّن في النظر باتجاه السعادة المستقبلية الممنوحة من الله". بوضوح فلا مكان لهذا النوع من الأمل بالنسبة لمن يعرفون أن المذهب الطبيعي صحيح. رغم أن فقرة رَسِل Russell عن "اليأس الراسخ" قد تقود المرء إلى الاعتقاد بأن رأيه هو أن اليأس الكامل هو الموقف الملائم للطبيعيّ، فإن هذا ليس ما عليه الأمر. لقد اعتقد رَسِل أن الكثير منا يمكنه أن يأمل على الأقل على نحو معقول بحيوات جيدة، حتى في كونٍ من النوع الذي اعتبَر أن كوننا عليه. وفقا لرَسِلْ، [كما كتب في مقاله ما أعتقده المنشور ضمن نسخة لماذا لست مسيحيا] فإن الحياة الجيدة "يلهمها الحب وترشدها المعرفة". وإن جزءً هاما من المعرفة هو معرفة أن المذهب الطبيعي صحيح. وفقا لرسل، فيمكن لمعرفة صحة المذهب الطبيعي أن تساهم في حياة طيبة. لكن كيف؟ كيف ينبغي أن نشعر، وماذا ينبغي أن نفعل، في ضوء هذه المعرفة؟ إن إجابة رَسِل _باختصار وفي قشرة جوز_أننا ينبغي أن نواجه الحقائق بشجاعة. لقد كتب [في نفس المقال]: "إنها خشية الطبيعة ما أنشأ الدين". إن وظيفة الإيمان بالله هي "أنسنة عالم الطبيعة وجعل البشر يشعرون أن القوى الفيزيقية حلفاء لهم حقًّا". إنها خرافة قائمة على التمنّي، متراس وُضِعَ بيننا وبين الحقيقة التي نخشى مواجهتها. وبعد، فلو أن ادعاء رسل هو أن الخوف هو دومًا ما يقود الناس إلى الدين، فإن هذا الادعاء باطل، لأن بالنسبة لكثير من الناس، فإن ادعاآت دينية معينة هي ببساطة ضمن الأمور التي علَّمها لهم آبارهم وقبلوها على ذلك الأساس. لكن رسل محقّ بالتأكيد في أن الخوف أحيانا يقود الناس إلى الدين [وقال الشاعر الروماني الأبيقوري لوكريشيوس منذ ما قبل الميلاد في قصيدته عن الطبيعية أن الخوف هو أُمُّ كلِّ الآلهة]. هذه هي الفكرة التي وراء القول المأثور القديم "ليس هناك ملحدون في جحور الثعالب". أشار Mark Juergensmeyer في كتابه (الرعب في التفكير الديني)[12] الصادر عام 2000 إلى حَدَثٍ حدث عام 1870م حيث أوقعت مجموعة من الهنود الحمر الأمركيين الأصليين في فخٍّ من جانب فرسان الولايات المتحدة الأمركية، و "كان رد فعلهم تلقائيا بإنشاء شعيرة رقصٍ وحالات نشوة من الغشية أو الترانس تُعرَف بديانة رقصة الشبح". بالتالي فنحن نعلم بأن دينا واحدا على الأقل قد أفرخه الخوف.[13] إن الخوف هو ما يقودنا إلى براثن الدين، من ثم فإن الشجاعة هي ما يمكن أن يحرِّرنا. إن فكرة رسل هي أن الشخص الشجاع يقبل حقيقة المذهب الطبيعي وبفعل ذلك يواجه حقيقية أن "العالم الكبير...ليس خيِّرًا ولا سيئًا على السواء، ولا يهتم بجعلنا سعداء أو تعساء[14]." في الحقيقة، اقترح رَسِلْ أن مواجهة الحقيقة بصدد الكون في حد ذاتها نوع من الانتصار، فعل بطوليّ، كما كتب في (عبادة الإنسان الحر): "عندما_بدون مرارة التمرد عديم الجدوى_نتعلم كلٍّ من تسليم أنفسنا للحكم المادي للقدر وإدراك أن العالم غير الإنساني لا يستحق عبادتنا، يصبح ممكنا آخر الأمر أن نحوِّل ونعيد صياغة الكون غير الواعي، بحيث نغيره في بوتقة التصوُّر، بحيث تحل صورة جديدة كالذهب المشرق محل وثن الطين القديم......فأن نأخذ إلى أعمق مقام للنفس هذه القوى التي لا تقاوَم التي نبدو كدمى لها، الموت والتغير، والماضي غير القابل للتغيير، وعجز الإنسان أمام السرعة العمياء للكون من لا جدوى إلى لا جدوى، أن نشعر بهذه الأشياء ونعرفها هو هزيمتها". إن انتصار قبول المذهب الطبيعي يتعلق بممارسة التحكم في عقل المرء الخاصّ به. في كون يكون فيه البشر إلى حد كبير تحت رحمة قوى غير مبالية ومحايدة أخلاقيا خارج تحكمهم، فإن أحد أنواع الإنجاز البارزة هو التحكم. في الحالة الخاصة بقبول المذهب الطبيعي، فإن النصر يكون على الخوف. المؤمن المتدين يقوده الخوف، بهذه الطريقة فإن عقل المؤمن خاضع لقوى خارج تحكمه الشخصيّ، تمامًا مثل الجسد. لكنَّ الطبيعي يتحكم في العقل ويرفض أن يحكمه الخوف، هذا الانتصار على الكون هو إنجاز ذو شأن في حد ذاته ولأجل ذاته. على نحو مثيرٍ للاهتمام، فإن نوع التحكم الذي أعجب به رسل يتوافق على نحو وثيق مما يحدده الدفاعيّ المسيحيّ العظيم C. S. Lewis كأحد أنواع الإيمان، في كتابه (المسيحية المجرَّدة) Lewis, Mere Christianity, 140–141: "الإيمان...هو فن التمسك بالأمور التي قد قبلها عقلك ذات مرة، رغم أمزجتك المتغيرة. لأن الأمزجة ستتغير، فأي رأي سيتخذه عقلك...الآن فأنا مسيحيّ لدي بالفعل أمزجة يبدو فيها كل أمر الدين غير مرجَّح جدًّا: لكنْ عندما كنت ملحدًا كان لدي أمزجة تبدو فيها المسيحية محتملة بشدة. تمرد أمزجتك ضد نفسك الحقيقية سيحدث على أية حل. هذا سبب كون الإيمان هو فضيلة ضرورية إلى هذا الحد: ما لم تعلِّم أمزجتك أنها "كيفما تصير" فإنك لا يمكنك أن تكون سواءً مسيحيا سليما أو حتى ملحدا سليما، بل مجرد كائن يتحيَّر ذهابًا وإيابًا [يقدم ويتراجع]، مع كون اعتقاداته تعتمد في الحقيقة على الطقس وحالته الهضمية." لاحظ أن لِوِسْ يتكلم عن "تمرد الأمزجة"، و_قرب نهاية الفقرة_يمتدح الإيمان على أساس أنه ينقص اعتمادية المرء على العوامل التي خارج تحكمه، بوجه خاص الطقس وحالته الهضمية. يتفق رَسِلْ و لِوِسْ في امتداح القدرة على تنظيم اعتقادات المرء بالتوافق مع العقل كفضيلة، وعدم ترك اعتقادات المرء ليتحكم بها العواطق والأمزجة المتغيرة. ما لا يتفقان عليه هو ما إذا يكون العقل يوجهنا باتجاه الإيمان أم الإلحاد. لكن يبدو واضحا من فقرة "المزاج المتمرد" هذه أن لِوِس كان سيوافق أنه لو أن العقل يخبرنا أن الإلحاد حقيقة، فإن القبول المستمر له سيكون دالًّا على الفضيلة، الفضيلة التي يميزها رسل بأنها الشجاعة ولِوِس بأنها الإيمان. ربما هناك شيء على غرار إيمان طبيعيّ[15]؟ لنفترض أننا يمكننا أن نأمل في نوع الانتصار الذي تصوّره رَسِل. إن سؤالا معقولا هو: هل ذلك هو كل ما يمكننا الأمل فيه؟ لنعرف ما يمكننا أن أمل فيه أيضًا في كون من منظور طبيعي فيجب أن نبحث أعمق قليلا. المذهب الطبيعي له معانٍ ضمنية سوداوية، تضمينات يجب أن نفحصها على نحو أكثر تمامًا قبل أن يمكننا أن نقرر إلى أي حد ينبغي أن نأمل وإلى أي حد ينبغي أن نيأس في كون من منظور طبيعي. في كتابه (مواجهة الشر) 1990م يحدد John Kekes ثلاث ظروف أساسية للحياة البشرية، ثلاث سمات حتمية للظرف الإنساني. أول هؤلاء هو الذي قد شدَّدْت عليه من قبلُ، وهو أن "الإنسان عرضة للصدف....هناك مجالات واسعة من حيواتنا نفتقد فيها الفهم والتحكم.[16]" الظرف الثاني هو "لا مبالاة [عدم تمييز] نظام الأشياء باتجاه الاستحقاق الإنساني. لا توجد عدالة كونية....نظام الطبيعة ليس نظاما أخلاقيا....إنه حياديّ". هذا الظرف الثاني متعارض مع_كمثال_مفهوم وجود ضمان إلهيّ للعدالة التامة. يلعب هذان الظرفان الأولان للحياة البشرية دورا هاما في نظرية رَسِل. الظرف الثالث (والذي يوضحه Kekes من خلال شخصية كورتز في رواية كونراد "قلب الظلام") هي "وجود الميل للتدمير في الحافز البشريّ". إنه لمهمٌّ أن نلاحظ أنه يعتبر هذه سمة حتمية للطبيعة البشرية. ويبدو أن رسل أدرك هذا الظرف الثالث كذلك في مقالته (ما أعتقده). من بين الثلاثة ظروف، فإن الثاني هو الأكثر إثارة للإزعاج إلى حد كبير. في كلام جراهام هِسّْ من فِلم (علامات) Signs الذي اقتبستُ منه في بداية هذا الكتاب، فإن ما يميز المجموعتين اللتين قال هس أن كل الناس يمكن أن يُقسَّموا إليهما هو موقفهم فيما يتعلق بالظرف الثاني. قال هس أن الناس في المجموعة الأولى يعتقدون أنه مهما يحدث، "فهناك شخص ما في الأعىل هناك، يراعيهم"، بينما الناس في المجموعة الثانية يعتقدون أنهم معتمدون على أنفسهم. قال هس أن الناس في المجموعة الأولى مملوؤون بالأمل، بينما الناس في المجموعة الثانية مملوؤون بالخوف. إن فكرة أن الكون عاقل وأخلاقيّ هي قناعة يعتقد بها على نحو واسع العديد من المفكرين من العديد من الاتجاهات الدينية. إن مفهوم كونٍ متعقلٍ وأخلاقي يعم الفلسفة الجريكية [اليونانية] القديمة. سعى هيراكْلَيْتَس [هيرقليطس] وبارْمَنَيْدِس كلاهما لفهم الكلمة أو اللوجوس، النموذج العقلاني للكون، رغم أنهما اختلفا حول طبيعة اللوجوس[17]. اقترح أنَاكْسِمانْدِر أن الأرض في مركز الكون لأنه لا سبب وجيه لها لتكون في مكان آخر[18]. أما سقراطس في محاكمته والحكم عليه بالإعدام، متهَمًا من أَنِتَسْ و مِلِتَسْ بالسفسطة [السوفسطائية اللعب بالجدليات المغلوطة ومعاني الكلمات_م] والإلحاد وإفساد شباب أثينا، قدّم سقراطس هذا النمط من التفكير، كما نقل عنه أفلاطون في (الدفاع عن سقراطس): أَنِتَسْ ومِلِتَسْ لا يستطيعان أن يؤذياني، فهذا مستحيل، لأني متأكد أنه لا يُسمَح أن يؤْذَى رجلٌ صالح من قِبَل من هو أسوأ." في الكتاب الأول من الأخلاق النيقوميدية، يلجأ أرسطوتلس للمقدمة المنطقية القائلة بأن "في مملكة الطبيعة، فإن الأشياء مرتَّبة على نحو طبيعي بأفضل طريقة ممكنة". أما فيلسوف القرن السابع عشر الجرماني جوتفريد وِلْهِلْم ليِبْنِز Gottfried Wilhelm Leibniz، فمعروف باتخاذه لنسخة قوية على نحو خاص من هذه الفكرة [في كتابه العدالة الإلهية Theodicy]. لقد أكّد أنه بما أن العالَم (وعنى بالعالم كل الأشياء الموجودة خلال كل الزمن) قد خلقه إله كامل، فيجب أن يكون أفضل كل العوالم الممكنة[19]. لقد درسنا من قبل باختصار التفافة معاصرة على هذه الفكرة. ففي نهاية الفصل الثاني أشرتُ إلى اقتراح John Leslie في كتابه Universes (الأكوان) أن إلهًا شخصيًّا يوجد بسبب وجود متطلَبات أخلاقية معيَّنة في الكون. أما مارتن لوثر كنج فكاتبًا عن استقلال غانا [جانا] عن بريطانيا المحتلة عام 1957 [في سيرته الذاتية]، رأى أن هذا الحدث: "شهادة مناسبة على حقيقةِ أن قوى العدل في الكون تنتصر آخر الأمر، وبكيفية ما فإن الكون نفسه بجانب الحرية والعدالة". إن الرأي القائل بأن الكون عاقل وأخلاقي على نحو أساسيّ لم يعتقد به الفلاسفة فقط بالتأكيد؛ بل كثيرًا ما يعبَّر عنه بكلمات القناعة المعتقَدة من الكثيرين على نحو واسع بأن "الأشياء تحدث لأجل سبب". ويعنون بهذه العبارة عادة أن كل شيء يحدث لسبب وجيه وللأفضل. في الفصل الأول من كتابي هذا أشرت إلى رأي أرسطوتلس بأن أفضل نوع من الحيوات البشرية هو حياة الفيلسوف الناجح، حياة التأمًّل النظريّ. لقد وجدت أن أول الاعتراضات التي يقترحها الطلاب على هذا الرأي هو أنه يعني ضمنيا أن معظم الناس لا يمكنهم أن يعيشوا أفضل نوع من الحياة الإنسانية. يصف الطلاب أحيانا رأي أرسطوتلس بأنه "ظالم" أو "صفويّ" نخبويّ. لقد سمعت هذا النوع من الاعتراضات يدافع عنه مؤمنون ولا أدريون [متبنو عدم الدراية] وعقلانيون [ملحدون] على السواء. قد يبدأ الاعتراض بهذه الطريقة: 1-لو يكون رأي أرسطوتلس صحيحا، فمن ثم فإن أغلب الناس لا يستطيعون عيش أفضل نوع من الحيوات. 2- لكنه غير صحيح أن أغلب الناس لا يستطيعون عيش أفضل نوع من الحيوات. 3- بالتالي، فإن رأي أرسطوتلس باطل. لكن ماذا على وجه الأرض يدعم المقدمة المنطقية الثانية؟ إن ارتيابي هو أن الطلاب الذين يطرحون هذا الاعتراض يحرِّكهم الشعور بأن الكون لا يمكنه فحسب العمل بهذه الطريقة. وهذا الشعور يقوم على مفهوم أن الكون عاقل وأخلاقي على نحو أساسيٍّ. لتبدأ في الإدراك فقط كم هو مرعب رفض فكرة أن الكون عاقل وأخلاقي، لاحظ أن اثنين من الظروف الثلاثة الرئيسية للحياة الإنسانية كما قدمها Kekes_ المصادفة والميل للتدمير في حافز البشر_هما مكونان في الرؤية المسيحية للكون. هذا واضح من نقاشنا الأبكر عن أسطورة سقوط الإنسان [آدم وحواء]. كان البشر معتمدين على الله قبل السقوط، أما بعد السقوط فإن اعتمادهم ازداد فقط. وجزء من الرؤية المسيحية هو أن من ضمن نتائج السقوطِ الفسادُ الأخلاقيُّ للطبيعة البشرية، أحد تجلياته هو الميل للتدمير في حوافزنا. بسبب السقوط، فإن قلبا من الظلام يسكن داخل كل واحدٍ منّا. لكن المسيحية ترفض تماما الحياد وعدم التمييز الأخلاقي للكون. وهذا هو ما يجعل الرسالة المسيحية على نحو أساسي رسالة أمل، كما أعتقد. لاحظ كم يكون الظرفان المذكوران أقل تهديدا لو أنهما جُمِعا مع الجوانب الأخرى للمسيحية. نعم، هناك أشياء كثيرة ليست في تحكمنا، لكن هؤلاء الأشياء على نحو نهائي ومطلق تحت تحكم إله خيِّر على نحو كامل. نعم، هناك قلب ظلامٍ داخلَ كل منا، لكنْ لا يجب أن يكون هذا ظرفًا دائمًا. بمساعدة الله، يمكننا التغلب على الشر الذي بداخلنا والخلاص منه آخر الأمر، إن لا يكن في هذه الحياة، فمن ثَمَّ في التي ستأتي بعدها. [هكذا تقول المسيحية_م]. أَزِلْ هذا الكون الأخلاقي الذي يقوده خالقٌ عاقل كامل القدرة حكيم خَيِّر، واستبدِلْه بشيءٍ عديم العقل غير مُمَيِّز ولا مبالٍ وغير متَحَكَّم به بدرجة كبيرة، وسيكون هذان الظرفان أكثر تهديدًا بكثير. لا يوجد طمأنة بأن الشر داخلنا يمكن التغلب عليه على الإطلاق. الأشياء التي ليست تحت تحكمنا ليست كذلك تحت تحكم كائن خيِّر على نحو كامل. عوضًا عن ذلك؛ فإنها ليست تحت تحكم أي كائن على الإطلاق. الاختلاف في الرأي فيما يتعلق بالظرف الثاني_كما أعتقد_أحد أهم الاختلافات بين الإيمان والإلحاد. إن أحد أسباب كون جدلية George Mavrodes الأخلاقية لأجل وجود الله (ناقشتها في الفصل الثالث، الباب الخامس) غير مقنعة للغاية هو أنه تبنّى كمقدمة منطقية الادعاء بأن الكون عادل على نحو أساسي، دون تقديم أي جدلية لذلك. لكن بما أن هذا أحد الأمور الرئيسية التي هي محل جدال في النقاش بين المؤمن والملحد، فإنه غيرُ مرجَّحٍ أن يجد الملحدُ هذا النوعَ من الجدليات مقنِعًا. هذه المنطقة من الخلاف هي أيضًا أحد أسباب كون المؤمنين والملحدين قد يشعرون بعداءٍ هائلٍ اتجاه بعضهم الآخر، رغم أنه بالتأكيد ليس السبب الوحيد. يؤكد الملحد [العقلانيّ] أنه ليس هناك سبب محدَّد للاعتقاد بأن معاناة أو خسارة أي أحد لها معنى، بما في ذلك المعاناة والخسارة التي يعانيها المؤمنون. من ناحية أخرى، فإن الملحد قد يشعر أن في اعتقاد المؤمن بأن المعاناة الشخصية وموت الأحباء له حقًّا معنى ما على نحوٍ نهائيّ، فإنه [المؤمن] يخفق في أن يقدّر على نحو كامل كم هي سيئة فقط. قد يشعر الملحد بسخطٍ خاصٍّ تُجاهَ المؤمنِ الذي يتذبذب إيمانه فقط بعد مأساةٍ شخصيةٍ. في الكثير من قصص الخيال العلمي تأتي لحظةٌ يتضح فيها أن أحد الشخصيات الرئيسية أبطالها هو روبوت [إنسان آليّ]. تخيَّلْ أن تكتشف هذا بخصوص شخصٍ تحبه. أعتقد أن هذه التجربة الفكرية قد توصِّل فكرة ما عما يشبهه الأمر في الانتقال من رفض قبول الظرف الثاني لـ Kekes. فكلا التجربتين_كما أظن_تتضمنان صدمة إدراكية مُرّة تقلب المعدة؛ بدلا من من شيء يبالي، وعاقل، وبشكل ما مثلنا، نجد شيئًا لا يعطي أقل اهتمام لعين، غير مُمَيِّز للأسباب، وغريب بالكامل. قد يجد بعض القراء أن إصرار سقراطس على أن الأثيم لا يُسمَح له بإيذاء الفاضل أو إصرار بعض طلابي على أن الكون لا يمكنه فقط العمل بهذه الطريقة، طريفًا أو ساذجًا. لكني أظن أن تفكُّرًا قليلًا سيكشف ميلا لهذا النوع من التفكير في كلٍّ منا. أحد المعاني الضمنية لحقيقة الظرف الثاني أنه لا يوجد شيء سيء أو ظالم للغاية بحيث لا يمكن أن يحدث ببساطة لأنه سيكون شريرًا أو ظالمًا للغاية. ومع ذلك ألا نجد داخل أنفسنا قابلية لعدم الاعتقاد ببعض الأشياء على هذه الخلفيات بالتحديد؟! كم هو طبيعيّ بالنسبة لنا أن نعتقد أن هذا وذاك لا يمكنه أن يكون صحيحًا فقط، سيكون بغيضًا للغاية! لكنْ لو أننا نعلم أن المذهب الطبيعي صحيحٌ، فإنه غير عقلاني أبدًا استعمالُ هذا النوعٍ من التفكيرِ. يسمي Steven Pinker هذا النوع من التفكير بالمغالطة الأخلاقية [في كتابه الصخر الأجوف_الإنكار المعاصر للطبيعة البشرية]. كون هذا وذلك سيكون أسوأ شيء يمكن تصوره يمكن أن يحدث لك، أو يمكن أن يحدث للجنس البشريّ، ليس بالتأكيد محل اهتمام القوى العمياء الموجودة في كونٍ من منظور طبيعيّ مطلقًا. إنه لا ينطوي على أقل أساس للتفكير بأن هذا أو ذاك لن يحدث. في فلم Terminator (المبيد) أو المُهلك من إنتاج عام 1984 [وشاهدت له نسخة محدَّثة معاصرة بعنوان Terminator genisys بطولة أرنولد شوازينجر وآخرين، لكن حواراته وحبكته مختلفة_م] تجد شخصية البطلة سارة كونور نفسها هدفا لروبوت غرضه الوحيد هو قتلها. ولكونه محتاجًا بشدة لجعلها تفهم خطورة موقفها، يعطيها ريز_الذي أُرسِل من المستقبل لإنقاذها من المُهلِك_المحاضرة القصيرة التالية: "اسمعي، افهمي، هذا المهلك بالخارج هناك. إنه لا يُمكن الجدال بمنطق معه، لا يمكن مساومته، إنه لا يشعر بالشفقة أو تأنيب الضمير أو الخوف، وهو لن يتوقف مطلقًا. إلى الأبد. ما لم تموتي". لو استبدلنا "الكون" بكلمة "المهلك"، فمن ثم يلخص هذا الخطاب أحد أكثر الأشياء أهمية التي نتعلمها عندما نتعلم أن المذهب الطبيعي صحيح. بالتأكيد، بخلاف المهلك الآليّ، لا يقصد الكون الطبيعي تدميرنا. لكنْ رغم أنه ليس بالخارج لينال منك، فإنه سينال منك آخر الأمر [بقوانين الموت وتداعي التركيب البيولوجي لك وعلى مدى أكبر الموت المستقبلي للمجموعة الشمسية والمجرة والكون تباعًا_م]. هناك موضعٌ بالتأكيد للخوف وعلى الأقل اليأس المؤقَّت في مواجهة هذه المعلومة بخصوص الكون. أعتقد أن رَسِل مصيبٌ في اقتراحه أنه ينبغي على الطبيعي أن يكافح ليغلب هذا الخوف، وأن فعل ذلك نوع من الإنجاز. أعتقد أن رسل محقّ في اقتراحه أن بعضنا على الأقل يمكنه أن يأمل في حيوات تستحق العيش، حتى في كون طبيعي. لكن هؤلاء المسائل يقترحن أسئلة إضافية. كمثال، بفرض أننا نستطيع هزيمة خوفنا وقبول المذهب الطبيعي، فما ينبغي أن يكون موقفنا طويل المدى باتجاه الظروف الثلاثة التي حددها Kekes، خاصّةً الظرف الثاني؟ وبالتأكيد هناك سؤال صعب عن كيفية الشروع في تأمين حياة طيبة في كون طبيعي. أود اقتراح إجابة على السؤال الأول وتقديم اقتراح متواضع بخصوص الثاني. كرد فعل طويل المدى على الظروف الثلاثة الرئيسية للحياة البشرية، يقترح Kekes [في كتابه مواجهة الشر] أن نتخذ ما يسميه (المزاج المتفكِّر). هذا المزاج المتفكر له مكونان إدراكي وعاطفي. المكون الإدراكي يتألف مما يسميه بـ (الفهم الموسَّع) أو الأشمل، والذي هو القبول المستمر المواظب للظروف الأساسية الثلاثة للحياة البشرية. فهؤلاء يجب قبولهن تماما وبلا تزعزع بنفس الطريقة التي اقترحها برتراند رَسِلْ. لا يجب فحسب أن يُقبلْنَ وينسين أو يُدفَعْن إلى مؤخرة مخزن ذاكرة عقل المرء، بل ينبغي أن يوضعن في مقدمة العقل بأفكاره ويُتفكَّر فيهن بانتظام. وأهم من كل ذلك وفوق كل شيء، أن يتجنب الشخص ذو المزاج المتفكر ما يسميه Kekes بـ (إغراء تخيل ما هو فائق للبشر)، والذي هو "افتراض أن خلف ما يظهر أنه الظروف الأساسية للحياة يوجد ترتيب أعمق في صالح البشرية". الفائدة الرئيسية للمزاج المتفكر_وفقا لـ Kekes_هي "زيادة تحكُّمِنا". على وجه التحديد فإن: "ما نتعلم أن تحكم به هو أنفسنا، سواءً كضحايا أو كفاعلين للشر". مثل برتراند رسِل، يسلّط Kekes الضوء على أهمية أن نصير متحكمين في أنفسنا. من ضمن الطرق التي يزيد بها المزاج المتفكر تحكمنا في أنفسنا هي أنه "يُبقي توقعاتنا واقعية" ويساعدنا على "التكيف مع الإخفاقات التي لا يمكننا تجنبها، بتجهيز أنفسنا لها". نقاطKekes هنا مباشرة نسبيا: بامتلاك فهم مضبوط لما يكوُنه الكون، فنحن نحمي أنفسنا من التوقعات المبالغ فيها وخيبات الأمل. فقدان المرء لإيمانه قد يكون صادمًا له، يمكن تجنب الصدمة لو لا نكون حمقى للغاية بحيث يكون عندنا إيمان في المقام الأول. كتب Kekes: "التوقعات غير الواقعية أرجح لأن تكون مخيبة للآمال من التوقعات الواقعية. وتخييباتها للأمل أرجح أن تكون أكثر ضررًا بكثير لمن هم غير مستعدين لها عما هي بالنسبة لمن هم يفهمون قابليتهم للانجراح والتضرر." كتوضيح لنوع الأشياء التي يقصدها Keke، تفكَّرْ في الوسيلة التي يوصي بها دي مونتاني de Montaigneفي مقالته التي بعنوان (أن تتفلسف هو أن تتعلم الموت) [ضمن مقالاته، وهو ينسب الفكرة إلى سيسرو الرومانيّ Cicero، لكن أصلها يعود إلى أفلاطون في حواره فايدوPhaedo, 64a]. كما يقترح العنوان، فإن مونتاني كان مهتما بوجه خاص بالموت. لقد بحث عن سبيل لإعداد الناس لكل من زوالهم الخاص بهم وزوال أحبائهم بحيث لا يعانون من النتائج العاطفية السيئة التي كثيرا ما تترافق مع الموت. لقد كتب: "إنهم يروحون ويجيئون، يهرولون، يرقصون، طالما لا أخبار عن الموت فكل شيء بخير. لكنه عندما يأتي، سواء لهم أو لزوجاتهم أو أبنائهم أو أصدقائهم، فإنه يفاجئهم غير مستعدين وعُزَّل بلا دفاع، فأي عذاباتٍ، وأي بكاءٍ، وأي جنونٍ، وأي يأسٍ يغمرهم!......لو كان عدوًّا لأمكننا تجنبه، لكنت نصحت أنفسنا باستعارة سلاح الجبن [الفرار_م]. لكنْ بما أن هذا غير ممكن، وبما أنه يمسك بك بنفس الطريقة تماما؛ سواء أهربت كجبان أو تصرفت كرجلٍ.....فلنتعلم أن نواجه بثبات ونصارعه. وللبدء بتجريده من أفضليته العظمى علينا....فلنجرده من غرابته، فلنعرفه، فلنصبح معتادين عليه. فليكن لا شيء يدور كثيرا في عقولنا بقدر الموت....هكذا فعل المصريون القدماء العظماء، الذين_في وسط أعيادهم وأعظم سعاداتهم_احتفظوا بهيكل عظميّ لإنسان ميت جلبوه أمامهم، ليعمل كتذكير للضيوف." إن فكرة دي مونتاني أنه بجعل مشهد الموت باستمرار أمامنا، فسوف نكتسب تحكما متزايدا على عواطفنا. على وجه الخصوص، سنتحرر من خشية الموت. الحيلة هي أن تكون واعيًا بأن الموت قد يضرب أي أحد في أي وقت. لو تذكر المرء هذا طوال الوقت، فمن ثم لن يفاجًأ أبدًا بالموت. اقترح دي مونتاني أن "معرفة كيف نموت تحررنا من كل خضوعٍ وتقييدٍ". لو أن برتراند رَسِل محقٌّ في أن الخوف هو ما يقود نمطيًّا الناس إلى الدين، وإن كان المكون الرئيسي للخوف هو الموت، فمن ثم ربما يمكننا استعمال وسيلة مونتاني لتحرير أنفسنا من الخوف من الموت، وتجنب إغراء وهم وجود ما هو فائق للطبيعة، ولتحقيق النصر العظيم الذي امتدحه برتراند رَسِلْ في الفقرة المقتبَسة منه. ما إذا كان الأمر كذلك أم لا أتركه للقراء[20]. قدم Kekes اقتراحا آخر بصدد كيف يمكن أن يكون المزاج المتفكر مفيدا. الاقتراح ذو صلة بوجه خاص بالثالث من الظروف الأساسية الثلاثة للوجود البشري، قلب الظلام في كلٍّ منا أو الميل للشر والدمار. الاقتراح هو أننا ينبغي أن نكون واعين بأن لدينا ميولا تدميرية داخلنا وأن نراقبها [نحذَر منها]. الغرض من هذا أننا "يمكننا أن نصير واعين_من خلال التفكُّر_بنزعاتنا العديدة للتسبب بالشر و_كنتيجة_نغير سلوكياتنا." هذا مجال حيث يمكن أن يساعد فيه العلمُ. كمثال، كتب Steven Pinker ستِيِـﭭـِنْ بِنْكَر في (صخر الإردواز الأجوف: الإنكار المعاصر للطبيعة الإنسانية) Pinker, Blank Slate, 265: "في تجارب علم النفس الاجتماعيّ، يبالغ الناس باستمرار في تقدير مهاراتهم، وأمانتهم، وكرمهم، واستقلالهم. إنهم يغالون في تقدير مساهماتهم في جهد مشترك، يعيدون نجاحاتهم إلى مهارتهم إخفاقاتهم إلى الحظ، ودومًا يشعرون أن الطرف الآخر قد حصل على الجزء الأفضل من تسوية [صفقة]. يستمر الناس في الحفاظ على هذه الأوهام الأنانية حتى عندما يتصلون بأسلاك بما يعتقدون أنه جهاز كشف كذب دقيق. هذا يبرهن أنهم لا يكذبون على القائم بالتجربة على أنفسهم. إن إدراك أن عقولنا لديها ميل للتحريف والمحاباة في أنواع معينة من المعلومات لأجل صالحنا يمكِّنُنا من أن نراقب ذلك ونصحح هذا التحيز. تماما مثلما أن معرفة أن ميزانًا يضيف دومًا 2.5 كيلوجرام على الوزن الصحيح يمكّننا من استعماله لمعرفة أوزاننا الحقيقية، فإن معرفة أن عقولنا تميل إلى تحريف البيانات في اتجاهات معيَّنة يمكّننا من الاقتراب من الحقيقة بأخذ التحريف في الحسُبان. وهذا يمكن أن يساعد على تجنب الخلافات والنزاعات التي يمكن أن تنتج عن التحيزات المنتشرة على نحو واسع من النوع الذي وصفه Pinker. إذن، بالجمع بين اقتراحات برتراند رَسِل و Kekes، أقترح أن مفهوم الطبيعيّ عن ذاته ينبغي أن يكون كبطلٍ، يكافح لسد متطلَبات الأخلاق وتأمين حياة ذات معنى داخليّ لنفسه كفرد وللأحباء في كونٍ في أفضل الأحوال هو غير مبالٍ تمامًا وفي أسوئها معادٍ تمامًا بكل معنى الكلمة لكلا المشروعين [متطلبات الأخلاق وتأمين حياة ذات معني_م]. الطبيعي بطلٌ يجب أن يسعى للمشاريع ذات الأهمية مع فهم "إنها قابلة للتعرض للشر مهما كان مقدار اجتهاده وإرادته اللذين حاول بهما النجاح فيها"[بكلمات Kekes]. النصر يمكن أن يكون في أفضل الحالات مؤقتًا، لكنه نصرٌ يستحق الكفاح لأجله. كما لاحظ رَسِل [في مقاله ما أعتقده]: "السعادة رغم ذلك هي سعادة حقيقية لأنها يجب أن تكون لها نهاية، ولا يفقد الفكر والحب قيمتهما لأنهما ليسا خالدين". و_كما يقترح Kekes_يجب أن يتذكر ويستحضر الطبيعي هذه الحقائق الأساسية بشأن الكون في عقله بقدر ما يمكن. جزء من المفهوم المسيحي للكون هو فكرة أن البشر منخرطون في حرب كونية [وهي نفس فكرة الزردشتية واليهودية والإسلام ومذاهب الغنوسية والهندوسية والبودية والجاينية ولو بأشكال متنوعة، بعضهم أنها ضد قوة الشر والشيطان والنفس، وآخرون ضد المادة والغرائز الطبيعية وخرافة إعادات الانولاد_م].أحد المكونات الرئيسية لخلفية هذا الصراع كما تُتَصوَّر في المسيحية التقليدية قد وصفناها سابقًا في نقاشنا حول أسطورة سقوط الإنسان. إنه صراع للأفراد ضد أنفسهم، كما عبر C.S. Lewis عن الأمر [في كتابه مشكلة الألم]: "إننا لسنا مجرد مخلوقات ناقصة يجب أن تُحسَّن؛ إننا....ثوارٌ يجب أن يضعوا أسلحتهم". بالإضافة إلى ذلك، وفقا للمسيحية التقليدية فإن معظم التاريخ يجب أن يُفهَم بشروط هذا الصراع. اقترح Gordon Graham [في كتابه الشر والأخلاق Evil and Ethics] أننا ينبغي أن نرى التاريخ كـ "معركة كونية بين قوى النور وقوى الظلام، معركة تُرِك فيها البشر أحرارًا ليقوموا باختيار بخصوص مع أي جانبٍ سيشتركون". بدلا من هذه الرؤية للنفس كجنديّ في حرب بين الخير والشر، أقترح أن يري الطبيعيون أنفسهم كمنخرطين في صراع ضد حيوان بريّ. الصراع ليس على ميدان معركة حيث يشتعل القتال بين قوى الظلام والنور، وحيث النصر والخلاص مضمون للجانب الصائب فقط. بالأحرى؛ فإن الصراع لترويض وحش غير مبالٍ ولا عقلانيّ، والنجاح في ذلك ليس مؤكدًا على الإطلاق؛ كل واحد لديه جزء من الوحش داخله وإن جزءً هامًّا من الصراع هو هزيمة الوحش الداخليّ. إن قوانين الطبيعة غير المبالية التي لا تتوقف هي ساحة القتال المميت [الأرينا مدرج القتال الرومانيّ arena_م]، وبأقصى قدر ممكن يجب أن تُفهَم وتُستعمَل. بداخل المقاتلين ميول شعورية تدميرية والتي نشأت ليس كنتيجة لسقوط الإنسان، بل بالأحرى بسبب العمل البطيء عديم العقل للقوى الانتخابية الطبيعية التي شكَّلَت العقل البشريّ. هذا الصراع الداخليّ وإمكانيات الانتصار فيه هي مواضيع المقطع التالي. التعليم الأخلاقيّ والعلم إن لواضحٌ في الكثير من حوارات أفلاطون الاهتمامُ بالعثور على وسيلة يُعتمَد عليها لإنتاج بالغين فاضلين. في ذهن أفلاطون فإن الناس الفضلاء أكثر قيمة من الذهب، كما تقول بوضوح الملاحظة التالية على لسان سقراطس في الحوار مع مينو Meno: "لو كان الصالحون هكذا بالطبيعة، لكان لدينا ناس يعرفون من من بين الصغار هم صالحون بالطبيعة، ولكنا أخذنا من حددوهم وحرسناهم في الأكروبوليس [قلعة أثينا]، مغلقين عليهم [بأمان وإحكام، الترجمة حرفيًّا: خاتمين عليهم] هناك بعناية أكثر بكثير من الذهب لكي لا يفسدهم أحد، وعندما يصلون إلى النضج سيكونون مفيدين لمدنهم." لماذا الناس الفضلاء مهمون للغاية لأفلاطون؟ الإجابة هي أنهم المفتاح للسعادة البشرية الدائمة. اعتقد أفلاطون أن السعادة الدائمة ممكنة فقط في مجتمع عادل، والمجتمع العادل هو الذي فيه مجموعة صغيرة من الحكام الفضلاء يحكمون على الجموع[21]. رأى أفلاطون الديمقراطية كشكل منحطّ أدنى من أشكال الحكومات. في تحفته (الجمهورية) حاول أفلاطون أن يخطط تفصيليا أعمال مجتمع عادل بكمال، مجتمع ستكون به السعادة البشرية الدائمة مضمونة. يحتوي الحوار على توجيهات لكيفية تربية وتعليم حكام هذا المجتمع المثاليّ (الملوك الفلاسفة). الكلام التالي على لسان سقراطس يبين أهمية هؤلاء الحكام في خطة أفلاطون: "إلى أن يحكم الفلاسفة كملوك أو من يُدعَوْنَ الآن بالملوك والرجال القادة يتفلسفون على نحو أصيل وكافٍ، أي: حتى تتطابق السلطة السياسية والفلسفة تماما، وحتى تُمنَع الكثير من الأمزجة الموجودة حاليًّا التي تسعى حصريًّا إلى أحدهما فقط بالإكراه من فعل ذلك، فإن المدن لن يكون لها راحة من الشرور، .....ولا الجنس البشري، كما أعتقد". هذا يفسّر سبب كون العثور على وسيلة يعتَمَد عليها لإنتاج أشخاص فاضلين مهمًّا للغاية. ما هو متطلب لضمان سعادة بشرية دائمة هو إمداد ثابت بالبديلين الفاضلين الذين يحلون محل الحكام الشائخين عندما يستقيلون أو يمضون [يموتون]. في جامعتي_كما في الكثير من الجامعات في الولايات المتحدة الأمِرِكِية_هناك موجة حالية من الاهتمام بموضوع التعليم الأخلاقي. يبدو أن هذا الاهتمام قد أطلقه جزئيا الهمجات الإرهابية يوم 11 سبتمبر 2001م، لكن ربما على نحو أكثر مباشرةً بالفيض الحالي من الفضائح المدمرة للشركات، أكثرها سوءَ سمعةٍ يتضمن العملاقتين الاقتصاديتين Enron and WorldCom. هذا يعرِّفنا شيئا بخصوص من يمتلكون السلطة في مجتمعنا. يبدو أن ما نحتاجه ليس ملوكًا فاضلين، بل رؤساءُ تنفيذيون فاضلون. في كون من منظور طبيعي، ليس هناك ضمانة إلهية للعدالة الكاملة، والمدى الذي تتطابق وفقا له المصلحة الشخصية ومتطلبات الأخلاق هو مسألة صدفوية. حتى أرسطوتلس وهيوم اللذان اعتقدا أن هناك في الحقيقة درجة مهمة من التطابق بين الاثنين، أدركا تأثير الصدفة في هذا المجال. بينما هو شبه يقينيّ أنه لن يُحقَّق تطابق تام بين الاثنين أبدًا، إلا أن تقديرات الأكثر والأقل لهذه الفكرة المثالية ممكن. فبما أن البشر حيوانات اجتماعية، فإن المجتمعات العادلة ضرورية للاقتراب من الفكرة المثالية بأكبر قدر ممكن بشريًّا. وكما عبر Kekes عن الأمر: إن الدولة النموذجية هي التي فيها "السؤال لماذا ينبغي أن يكون المرء أخلاقيا له الإجابة الواضحة أن العيش على نحو أخلاقيّ هو أفضل سبيل للعيش.[22]" و_كما أدرك أفلاطون_إن عنصرًا أساسيا للمجتمع العادل هو الحكم من قِبَلِ الفاضلين. هذا لا يعني أننا يجب أن نتبع أفلاطون في رفض الديمقراطية. ففي الديمقراطية، يكون للشعب السلطة، وبالتالي لو أن مجتمعا ديمقراطيا عادل، فإن الناس سيكونون فاضلين. إن إيجاد وسيلة يعتمَد عليها لإنتاج مواطنين فاضلين ستكون إحدى أعظم القفزات العلمية في تاريخ الجنس البشري؛ سيكون قفزة تطور علمي ستحسِّن كل مجتمع، بغض النظر عن نظام حكومته[23]. لو أن المذهب الطبيعي صحيح، فإن البشر هم جزء من العالم الطبيعي، وبالتالي يمكن فهمهم باستعمال وسائل العلم. إحدى فوائد نبذ أسطورة النفس غير الفيزيقية هي معرفة "النفس الحقيقية"، وأنها مسؤولة عن أنشطتنا العقلية وهذا فهم متزايد لكيفية عمل العقل وكيف أن النفس مسؤولة عن حالاتنا العقلية. في كون من منظور طبيعي، فإن حالات الإنسان الجسدية_وبخاصة حالات المخ والنظام العصبي_هي المسؤولة عن النشاط العقلي، وبالتالي عن الشخصية كذلك. التقدم في العلم قد أعطانا القدرة على جعل أنفسنا أكثر صحة جسديا مما كنا من قبل قط على الإطلاق (رغم أن ليس الكل قد استفادوا منه). لدينا المعرفة والتكنولوجي لنعيش حيوات أطول وأكثر صحة مما كان في أي مرحلة أخرى من التاريخ البشريّ، إنه لمنطقيٌّ أن نضع العلم، وخاصة علم الأعصاب، في خدمة المهمة الأفلاطونية القديمة الخاصة بالعثور على وسيلة يعتمَد عليها لجعل البشر فاضلين. لقد قدم برتراند راسل اقتراحًا عام 1925م قريبًا من هذا الاقتراح. لقد كان مهتما بوجه خاص بمهمة جعل الناس أكثر شجاعةً. لقد اقترح أن العلم ربما يكون له دور مهم لعمله في هذه المهمة وقدم الملاحظة التالية [في مقالته ما أعتقده]: "ربما تُكْتشَف المصادر الفسيولوجية [المتعلقة بعلم وظائف الأعضاء والكيميائيات_م] للشجاعة بالمقارنة بين دم قطٍّ ودم أرنب". من الصعب تحديد إلى أي حد من الجدية قصد رَسِلْ أن تُفهَم ملاحظته، لكن التقدم الهائل في فهم الأساسات العصبية للخوف الذي قد قيم به منذ كتبَهَا و_في الحقيقة_لقد دجَّنَ العلماء بنجاحٍ فئرانًا شجاعة على نحوٍ غير عاديّ[24]. رغم أن الأمور أكثر تعقيدًا بكثير مما اقترحته ملاحظة رَسِلْ، فإن اقتراح أن نحاول استعمال العلم كوسيلة للتحسين الأخلاقيّ هو اقتراح يجب التعامل معه بجدية. هذا النوع من الاقتراحات سيستحضر بلا ريب في عقول الكثير من القرّاء العرضَ المروِّعَ للتعليم الأخلاقيّ من خلال العلم كما قدمه الأديب ألدوس هكسلي في روايته (عالم شجاع جديد). تصوِّر هذه الرواية مجتمعا كل مواطن فيه قد خُصِّص له دور واحد محدَّد، ومن خلال مزيج من الهندسة الجينية [الوراثية] والإشراط [ربط السلوك بمثير لا علاقة له من خلال حدوثه في الماضي] والتنويم المغناطيسيّ [التعليم خلال النوم]، فإن كل مواطن مشكَّل جسديا وعقليا وأخلاقيا للتلاؤم مع دوره[25]. الغرض من كل ذلك هو ضمان الثبات الاجتماعي. ذو أهمية خاصة كون المواطنين يتجنبون المرور بالعواطف القوية، إحدى الشعارات الملقنة لكل مواطن هي "عندما يشعر الفرد، فإن المجتمع يضطرب". كوسيلة لهذه الغاية، فإن الارتباط العاطفيّ ببشر معيَّنين محرَّم لأن هذا النوع بالضبط من الارتباط ما يؤدي إلى العواطف القوية والنزاع الاجتماعي. وكما عبِّر أحد المتحكمِّين (المجموعة النخبوية الصغيرة للحكّام) عن الأمر: "الأم، الزواج الأحادي، الرومنسية، التدفقات العالية للينبوع، عنيفٌ ومزبِد التدفق الوحشيّ!. الحافز له فقط مخرج واحد! حبيبي، طفلي!. لا عجب أن هؤلاء القبل حديثين البؤساء قد جُعِلوا أشرارًا وبوساء. عالمهم لم يسمح لهم بأخذ الأمور ببساطة، لم يسمح لهم بأن يكونوا عاقلين وفاضلين وسعداء......لقد أجبِروا على الشعور بقوة.....كيف يمكن أن يكونوا مستقرين؟!". في رواية عالم جديد شجاع، فإن كل واحد مثل سيزيفُ[س] المعدَّل الذي تصوره Richard Taylor رِتْشَرْد تايلُر في الفصل الأخير من كتابه (الله والشر): كل المواطنين يريدون عمل المهام المخصصة لهم. كل مواطن قد كُيِّفَ على أن يحب القيام بما يحتاجه المجتمع منه. كما شرح مدير معامل التفريخ في رواية هكسلي: "ذلك هو سر السعادة والفضيلة: حبُّ ما عليكَ أن تفعله." إن توضيحا ساخرا لهذا هو رد فعل عامل مصعد عند وصوله للسطح: "يندفع فاتحا البابين. يجعله التألقُ الدافئ لشمس بعد الظهر يشرع في إيماض عينيه. يكرر في صوت مبتهج: أوه، السطح!، لقد كان كما لو أنه قد استفاق بسعادة من غيبوبة ملمة قاتلة. السطح!" هذا مجتمعٌ فيه متطلبات "الأخلاق" (على ما هي عليه) و"السعادة" (على ما هي عليه) يتطابقان بالفعل. لكن "السعادة" هنا تعني المتعة الطفولية اللطيفة. المواطن الصالح في رواية عالم شجاع جديد في الحقيقة طفلٌ منغمسٌ في الملذات، في مجتمع يعتبر فيه تأخير الإشباع مدانًا بدلًا من أن يكون موصىً به. أعتقد أن ما هو مروِّع بصدد التعليم الأخلاقيّ في رواية عالم شجاع جديد ليست في المقام الأول الوسائل التي تُفرَض بها الأخلاق، بل بالأحرى محتوى تلك الأخلاق. إنه نظام أخلاق ينبغي أن يروعنا لأنه يحول دون بعض الخيرات الأعظم للحياة البشرية، بما في ذلك العلاقات الشخصية ذوات المعنى والإنجازات الفكرية والفنية. إحدى المشاكل في الوسيلة الموصوفة في رواية ألدوس هكسلي أنها وسيلة لا تنتج أشخاصا فاضلين على نحو حقيقيّ. إنها وسيلة تنتج أطفالا مدلَّلين فاسدين[26]. سمة أخرى مستشكَلة للتعليم الأخلاقي المصوَّر في الرواية هو أنه يُفرَض من قِبَلِ الدولة. برأيي، فإن الحكومات_عمومًا_لا يوثَق بها، ولذا أعتقد أن إعطاء أي حكومة القدرة على تشكيل شخصيات مواطنيها (إن أصبح هذا ممكنًا) سيكون خطأ فظيعًا. إن إساءات الاستعمال الممكنة واضحة وكبيرة على السواء. ماذا_إذن_في ذهني عندما أقترح أن يوضَع العلمُ في خدمة التحسين الأخلاقيّ؟ إني أفتقد المعرفة العلمية للقيام بأي شيء أشبه باقتراح تفصيليّ؛ ما آمل في تقديمه بدلا من ذلك هو اقتراح بصدد الاتجاه الذي قد تتخذه الأبحاث المستقبلية. سيتأسس اقتراحي على العديد من الافتراضات الفلسفية، الكثير منها قد حددته من قبل [في الكتاب]، وهو يُفهَم على نحو أفضل كادعاء مشروط له الصيغة التالية: "لو أن الافتراضات الفلسفية محل الكلام صحيحة، فإن نوعية البحث التي سأقترحها ستكون فكرة جيدة". إن أرسطوتلس وكانط_على نحو قابل للجدل أكثر فيلسوفين أخلاقيين مؤثِّرين في تاريخ الفلسفة الغربية_ اختلفا حول الكثير من الأشياء، لكنهما قد تلاقيا في قبولهما للادعاء التالي: "أن تصير شخصا أخلاقيا هو كفاح. إنه صراع بين العقل العمليّ (القدرة على التفكير عقلانيا بصدد كيفية السلوك) من جانب وبين العواطف والرغبات من جانب آخر. اختلف الفيلسوفان حول الطبيعة الدقيقة للصراع. وفقا لرأي أرسطوتلس، فإن النزاع بين عواطف الإنسان ومفهوم الشخص عن الحياة الطيبة. يُحلُّ هذا النزاع بنجاح عندما يكون مفهوم الشخص عن الحياة الطيبة مفهوما صحيحا وعندما تكون عواطف المرء متوافقة مع هذا المفهوم الصحيح. في شخصٍ فاضل على نحو كامل، فإن الأجزاء العقلانية والشهوانية للنفس ستكون كلها تعمل على نحو ملائم، وبالتالي سيكون صوابًا أن نقول [كما هي العبارة في الأخلاق النيقوميدية]: "فيه كل شيء في تناغم مع صوت العقل". إن عواطف ومتع وآلام الشخص الفاضل ستكون ملائمة، وستكون اعتقاداته بصدد ما هو ذو قيمةٍ صحيحةً، وستترافق الاعتقادات مع العواطف [في سبيل واحد دون نزاع]. تُشدِّد كتابة كانط عن السمة الأخلاقية على صراعٍ داخليّ مستمر لتحقيق التزامات المرء الأخلاقية. أن تكون فاضلا هو إلى حدٍّ كبير مسألة تسيُّد المرء على رغباته الجامحة للسلوكيات الغير مسموح بها أخلاقيا. في فقرةٍ من كتابه (ميتافيزيقيا الأخلاق) يعرِّف كانط الفضيلة الأخلاقية على أنها: "القدرة والاعتزام المدروس على مقاومة....ما يضادُّ النزعة الأخلاقية فينا". في كل موضع آخر من كتاباته، فإن كانط متشائم بصدد إمكانية السيطرة وحيازة اليد العليا على رغبات المرء الجامحة بحيث أنه اقترح أن: "القدوة الجيدة (السلوك المقتدى) لا ينبغي أن يستعمل كنموذج، بل فقط كبرهان على أنه يمكن حقًّا السلوك بالتوافق مع الواجب". اعتبر كانط بوضوح أن التغلب على الميول التي تدفعنا بعيدًا عن القيام بواجباتنا صعب للغاية، لدرجة أن برهانًا على أنه حتى ممكنٌ متطَلَّبٌ! وضع كانط معيارا أقل تطلبا إلى حد ما للانتصار في الصراع بين العقل والعاطفة مما فعل أرسطوتلس. قال كانط: "تنطوي الفضيلة على أمرٍ للإنسان، تحديدًا بوضع كل قدراته وميوله تحت تحكم عقله وبالتالي يتحكم في نفسه". وفقًا لرأي كانط، لا يلزم أن تكون عواطف المرء في انسجام تامّ مع صوت العقل، كل ما هو متطلَّب هو أن يتحكم المرء في عواطفه إلى الحد الذي يجعلها لا تمنعه من تحقيق التزاماته الأخلاقية. عندما لا يكون العقل منتصرا في الصراع، فإن النتيجة هي الظاهرة الشائعة جدا التي يسميها الفلاسفة بضعف الإرادة. إحدى أشهر التوصيفات لهذه الظاهرة يأتي من عبارة الرسول بولس: "18فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. 19لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. 20فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ." رسالة روما7: 18-20 [27] [أو رومية أو الروميين]. وصف عالم المخ والأعصاب Joseph LeDoux في كتابه (العقل الشعوري) The Emotional Brain 1996 ما قد يكون سمات العقل التي تجعل ضعف الإرادة المرتبط بالخوف ممكنًا. إنها لذات أهمية خاصة القشرة أو اللحاء المخيّ، المنطقة من العقل المسؤولة عما نعتقد حدسيًّا بأنه الوظائف الإدراكية الأعلى رتبة ومكانة، بما في ذلك التفكير والعمل التطوعيّ، أما الفص اللوزيّ amygdala وهو حدسيًّا بنية مخية أكثر بدائية تشترك على نحو كثيف في إحداث العديد من التغيرات الفسيولوجية والسلوكيات المترافقة مع الخوف. كتبَ LeDoux: " إنه لمعروف تماما أن الوصلات من المناطق اللحائية إلى الفص اللوزي أضعف بكثير من الوصلات من الفص اللوزي إلى اللحاء. هذا قد يفسّر سبب سهولة اجتياح المعلومات العاطفية لأفكارنا الإدراكية للغاية، بينما يصعب للغاية علينا أن نحوز التحكم الإدراكي على عواطفنا." إن بولسَ آخر أكثر معرفة علمية ربما كان سيقول: "أنا لا أفعل الخير الذي يريده لحائي المخيّ، بل الشر الذي يرده فصي اللوزي هو ما أفعله". إذن، فإن إحدى مجالات البحث المحتملة تتصل بما نسميه مشكلة ضعف الإرادة. يحتاج العقل البشري لأن يُدرَس بغرض مساعدتنا على التغلب على العواطف التي في نزاع مع أحكامنا المدروسة المتفكرة بصدد ما هو صواب وخيِّر. إحدى أسباب كون هذا الاقتراح يبدو واعدًا إلى حدٍّ ما هو أنه يبدو متصلًّا مع الأبحاث الجارية بالفعل. إن السعي لفهم والتحكم في عواطف سلبية معيَّنة_مثل مشاعر الاكتئاب والقلق والخوف_جارية وتتقدم بالفعل. إن عالم مخ وأعصاب آخر معاصر، هو أنتونيو داماسيو Antonio Damasio ، متفائل بخصوص التأثير الذي سيكون للتقدم في علم الأعصاب على هذا المسعى، كتبَ في كتابه (البحث عن سيبنوزا، الفرح والحزن والعقل الحاسّ)[28]: "خلال العقدين القادمين، وربما أقرب من ذلك، سيمكِّن علمُ الأعصاب الخاص بالعاطفة والمشاعر علمَ الطب الحيوي [البيولوجي] من تطوير علاجات فعّالة للألم والاكتئاب على أساس فهمٍ شامل لكيفية تعبير [عمل] الجينات في مناطق معينة من المخ وكيف تتعاون هذه المناطق لجعلنا نشعر وننفعل عاطفيا....بالاشتراك مع التدخلات الفسيولوجية، فإن العلاجات الجديدة ستقوم بتثوير الطب العقلي. ستبدو العلاجات المتاحة اليومَ آنذاك مثلما تبدو العلاج بالأعشاب وعتيقة مثللما تبدو العمليات الجراحية بدون تخدير لنا الآن." اقتراحي أن يُوسَّع كتالوج [قائمة] العواطف تحت الدراسة ليشمل البغض والغيرة والشهوة، بحيث نحدد القليل. ليس الهدف إزالة هذه العواطف تماما بل بالأحرى زيادة القدرة على التحكم فيهن. إن الأبحاث الساعية لفهم كيمياء المخ المتضمنة في الاكتئاب لا تحاول تطوير عقار يزيل شعور الحزن تماما، بل عوضا عن ذلك فإنها تحاول إعطاء المرضى زيادة في التحكم في مشاعرهم بالحزن والقلق واليأس. ربما تبدو فكرة حبوب لقوة الإرادة سخيفة، وأنا لا أعني الاقتراح بأن شيئا كهذا متاح، لكن منتجات معيّنة مصمَّمة لمساعدة المدخنين على التحكم في رغبتهم في السجائر (كملصقات النيكوتين، كمثال) تنتمي لنفس الفئة كهذا العقار الافتراضيّ. في القطاع الأخير من كتاب (العقل الشعوريّ) يتفكر LeDoux حول كيف قد يشكل التطورُ العقلَ البشريَّ في المستقبل. على أساس ملاحظة أن " الوصلات اللحائية مع الفص اللوزي في الرئيسيات أكبر بكثير مما في الثدييات الأخرى"، يتفكر LeDoux في أن الوصلات من اللحاء إلى الفص اللوزي في البشر قد تزداد تدريجيًّا عبر الزمن وأن "ربما يكتسب اللحاء تحكمًا متزايدًا أكثر فأكثر على الفص اللوزيّ، مما قد يمكن البشر المستقبليين من أن يكونوا قادرين على نحو أفضل على التحكم في عواطفهم". هذه الكائنات الافتراضية ستحقِّق الفضيلة بتعريفها الكانطيّ بسهولة أكثر بكثير مما نفعل بسبب طريقة توصيلات أمخاخهم. يصف LeDoux بديلا آخر: "رغم ذلك، فهناك احتمالية أخرى. إن الاتصال المُزاد بين الفص اللوزيّ والقشرة المخية يتضمن أليافًا تمضي من القشرة إلى الفص اللوزي، وكذلك من الفص اللوزي إلى القشرة. لو وصلت هذه الطرق العصبية إلى توازن، فمن الممكن أن يُحلَّ الصراع بين التفكير والعاطفة على نحو نهائيّ ليس بسيطرة الإدراكات اللحائية على المراكز العاطفية، بل بتكامل [اندماج] أكثر تناغمًا وانسجامًا بين العقل والعاطفة. بتوصيل زائد بين اللحاء [القشرة] المخية والفص اللوزي، فإن الإدراك والعاطفة قد يبدآن في العمل سويًّا بدلًا من بانفصال." الاحتمالية الأخرى لا تتوافق مع الفضيلة بالتعريف الكانطي، بل بالأحرى مع التعريف الأرسطوطاليسيّ [الخاص بأرسطوتلس]. إن أمل LeDoux بـ "تكامل متناغم بين العقل والعاطفة" مذكِّرٌ باقتراح أرسطوتلس بأن في الشخص الفاضل "كل شيء في تناغم مع صوت العقل". إن تفكر LeDoux يقترح أنه خلال الزمن فإن توصيلات المخ البشري سوف تتغير بطريقة بحيث سيكون الناس على نحو طبيعي أقرب بكثير من إما الفكرة الأخلاقية المثالية الكانطية أو الأرسطوطاليسية مما هم عليه الآن. ربما سيقضي التطور البيولوجي على ضعف الإرادة لو مُنِحَ وقتًا كافيًا؟[29] لكنْ لماذا الانتظار؟ فنحن بعد ألفي ونصف عام تقريبا من ملاحظة أرسطوتلس للصراع بين الأجزاء العقلانية والشهوانية للنفس، نكتشف البنيوات المخية المسؤولة عن هذا الجانب من الطبيعة البشرية. ربما يمكن أن نجد طريقة لزيادة الوصلات بين اللحاء والفص اللوزي اصطناعيا. على نحو جلي فإن مثل هذه المحاولة خطوة خطيرة متوغلة ويجب أن تُتولّى بحذر، لكنْ كلما عرفنا أكثر عن العقل أصبح المشروع باديًا أكثر احتمالية عمليًّا. إن تعديل المخ الذي أتصوره هنا سيكون طريقة مباشرة نسبيا لهزيمة ضعف الإرادة. لكنْ كما هو وضع الأمور حاليا، فإن لدينا وسائل أكثر لا مباشرة فقط للتعامل مع ضعف الإرادة. إحدى هذه الوسائل الغير مباشرة يمكن انتقاؤه من نقاش كانط عن دور التعاطف في نفسية الشخص الفاضل. توضيح هذه الوسيلة سيتطلب غزوة قصيرة إلى التفسير الكانطيّ. قد يجد القراء ذوو الاهتمام بآراء كانط عن السمة الأخلاقية هذا الاستطراد مثيرا للاهتمام، بينما قد يريد آخرون تخطيه إلى نتيجته بعد صفحات قلائل من هنا. كتب كانط [في ميتفيزيقيا الأخلاق]: "إن الفرح والحزن التعاطفيّ....هما مشاعر واعية بالسعادة والاستياء....لأجل حالة سعادة أو ألم شخص آخر. لقد غرست الطبيعة فعليا في البشر قابلية للتأثر بهذه المشاعر. لكن استعمال هذه كوسائل لحثّ الإحسان الفاعل العقلاني هو رغم ذلك أحد الحوافز التي زرعتها الطبيعة فينا لعمل ما لن يحققه تمثيل الواجب وحده." تقترح الفقرة أن مشاعر التعاطف لها دور تقوم به في نفسية الشخص الفاضل. لكنْ ما هو بالضبط هذا الدور في رأي كانط؟ إن كانط سيء السمعة من جهة تسويد سمعة العواطف وإعطائه مكانة مركزية لما يسميه بـ "دافع الواجب" في تفسيره لما يدفع الشخص الفاضل. التصرف بسبب دافع الواجب يتضمن بوضوح القيام بفعل لأن المرء ملزَمٌ بفعل ذلك، لكن حبرًا كثيرًا قد سُكِب في محاولة تحديد كيف يجب أن يكون هذا النوع من الحافز مركزيا بالضبط في الفاعل الفاضل من وجهة نظر كانط[30]. يمكن أن نبدأ بتسليط بعض الضوء على هذه المسألة بملاحظة أن كانط يقترح أن المشاعر المتعاطفة تُستعمَل كوسائل لـ "للإحسان الفاعل والواعي". بعدها بقيل، قال كانط أن الميل لامتلاك مشاعر تعاطف "هو رغم ذلك أحد الحوافز التي زرعتها الطبيعة فينا لعمل ما لن يحققه تمثيل الواجب وحده". كيف علينا أن نفهم هذه الادعاآت؟ إحدى الاحتمالات أن فكرة كانط هي أن المشاعر التعاطفية يمكن أن تزوِّد بمقدار إضافي من الحافز لقيام المرء بواجبه في الحالات حيث يكون حافز الواجب وحده غيرَ كافٍ. بينما هذا صحيح بالتأكيد [في حد ذاته]، لكن يبدو غيرَ مرجَّحٍ أن كانط سيحبِّذ ويمتدح المشاعر المتعاطفة لأجل دورها في التزويد بتعزيز حافزيّ إضافيّ. كمثال، انظر هذه الفقرة التالية من كتابه (الدين ضمن حدود العقل وحده): "إن تلوث القلب البشري، يتعلق بأنه رغم أنه كحقيقة عامة بالفعل خيِّر في حافزه...وربما حتى قوي على نحو كافٍ عمليا، فإنه رغم ذلك ليست أخلاقيا بنقاء؛ أي أنه لم يتبنَّ_كما كان يجب عليه_القانون وحده كحافزه كلي الكفاية. بل بدلا من ذلك، فإنه يظل في حاجة إلى حوافز أخرى غير هذا، لتقرير الإرادة لفعل ما يتطلبه الواجب." في هذه الفقرة يقترح كانط أن الحاجة للاعتماد على حوافز غير حافز الواجب يدل على نوع من الضعف الأخلاقيّ. إن شخصا فاضلا على نحو كامل ما كان ليحتاج لأن يُحثَّ بعواطف التعاطف ليساعد رفيقه أخاه في الإنسانية؛ إن إدراكه أنهم ملزَم أخلاقيا بفعل ذلك كان سيكون كافيا في حد ذاته لحثه. في رأي كانط، فإن مشاعر العطف كدوافع ستكون في أفضل الحالات عكازًا مؤقتًا يُستعمَل في طريق الفضيلة الحقيقية وسيكون زائدًا غير ضروري كحافز حالما يُتحصَّل على الفضيلة الحقيقية. لكن لماذا_إذن_على كل امرئٍ التزام_بما فيهم الشخص الفاضل بكمال_بتشجيع مثل هذه المشاعر؟ الملاحظة التالية من كتاب كانط (محاضرات في الأخلاق) تقترح إجابةً على هذا السؤال: "إن وظيفة الحوافز الحسية ينبغي أن تكون مجرد التغلب على العقبات الحسية الأكبر لكي يستطيع الفهم الهيمنة مجددًا." إن مثالا لهذا النوع من الأمور الذي أعتقد أنه كان في مقصد كانط هنا قد حدث لي بينما كنت متحيرًا في هذه المسألة فيما يتصل برسالة مناقشتي لنيل درجتي في الدكتوراة. لقد كنتُ في وسط العمل على رسالة المناقشة في أواخر الشتاء في شماليّ ولاية إنديانا عندما اتصل أحد معارفي بي على التلفون. لقد كانت بطارية سيارته قد فرغت وطلب مني أن أقود إليه وأساعده على تشغيل سيارته بتوصيل الأسلاك من بطارية سيارتي إلى سيارته. مبدئيا، كنت ميالا للرفض بسبب الحوافز الأنانية: أردتُ العملَ على رسالة المناقشة للدكتوراة لأنهي جزءً معيَّنا منها في ذلك اليوم. لكنْ بعد لحظاتٍ، تدفقت مشاعر التعاطف بداخلي. لقد انزعجت لفكرة اضطرار الرفيق المسكين للسير وحيدًا في البرد إلى منزله. إحدى الطرق الممكنة لفهم ما قد حدث تاليًا يوضِّح اقتراحَ كانط في الفقرة المقتبَسة للتو. لقد أضعف الشعور بالتعاطف رغبتي في الاستمرار في العمل على رسالة المناقشة. لم يُتغلَّب على رغبتي كثيرًا بقدر ما أنها انطفأت وزالت من الوجود. هكذا، عندما تصرفت بالفعل، فإن إدراكي بأني ينبغي أن أساعد الصديق بالخارج كان كافيًا في حد ذاته للتغلب على رغبتي المُضعَفَة في الاستمرار في العمل، وبالتالي حفّزني للقيام بواجبي. في الحرب بين العقل والعواطف، فإن بعض العواطف يمكن أن تقف إلى جانب جهة العقل. إنها تُحبَّذ ليس كحوافز في المقام الأول بل بالأحرى لأجل دورها في إضعاف العواطف التي تهدد بجذبنا عن سبيل الواجب[31]. في رأيي، ليس ما هو متطلب لأجل الفضيلة بمعناها الكانطيّ ليس أن يكون حافز الواجب هو الشيء الوحيد الذي يحثّ الشخص الفاضل على القيام بواجبه أو واجبها، بل أن يكون حافزًا كافيًا بالمعنى التالي للحقائق الافتراضية بخلاف الواقع: حتى لو أن لا حافز داعم آخر قد كان موجودًا في زمن الفعل، فإن الشخص كان سيؤدي واجبه على كل الأحوال. كان حافز الواجب سيكون كافيًا في حد ذاته للتغلب على أي حوافز مضادّة لدى الفاعل في الحقيقة في الحَدَثِ محلِّ الكلام. هذا هو تحديد الفضيلة. مع هذه الخلفية، من السهل فهم معنى وصف كانط لإحدى وسائل تجنب ضعف الإرادة، لقد كتب [في ميتافيزيقيا الأخلاق]: "إنه لذلك هو واجبٌ ليس أن نتجنب الأماكن التي يوجد بها الفقراء الذين يفتقدون أكثر الضروريات أساسية، بل بالأحرى البحث عنهم، وكذلك ليس تجنب حجرات المرضى أو سجون المدانين وما إلى ذلك لتجنب مشاركة المشاعر المؤلمة التي قد لا يكون المرء قادرًا على مقاومتها." إن فكرة كانط هي أننا ينبغي علينا البحث عن الأماكن التي توجد بها المعاناة البشرية لكي نقوِّي ميلنا إلى الشعور بالتعاطف مع معاناة الآخرين. مشاعر التعاطف مفيدة لإضعاف رغباتنا التي تبعدنا عن متطلَبات الأخلاق. هذه وسيلة غير مباشرة نسبيا لهزيمة بعض أنواع ضعف الإرادة على الأقل، قوِّ مشاعرك بالتعاطف وهذه ستساعد عقلك على كسب المعركة ضد العواطف التي تجعل تميل إلى القسوة وانعدام الإحساس. لكن ماذا لو أن العلم أمكنه أن يزوِّدنا بوسيلة أكثر مباشرة وإمكانية للاعتماد عليها لإضعاف أو نيل التحكم بهذه الأنواع من العواطف؟ إن بتر طرفٍ مصاب بالتلوث هو إحدى الوسائل لمنع موت المريض من العدوى. لكن العلم قد أرانا وسيلة أقل فظاظةً لإنجاز نفس الهدف من خلال استعمال البنسلين. على نحو مشابه، فالعلم قد أعطانا وسائل أفضل لتقليل مشاعر الاكتئاب والرغبة في تدخين السجائر. إذن، ربما أمكنه أن يقدم لنا وسائل أفضل لتقليل أو التحكم في الخوف والكراهية والجبن والشهوة كذلك. إن نوع تعديل المخ المستوحى من ملاحظات LeDoux قد يكون شيئا كهذا. بالتأكيد، حتى لو أمكن أن يُكمَل مشروعٌ من هذا النوع، فإنه لن يزوّدنا في حد ذاته بوسيلة يُعتمَد عليها لجعل الناسِ فضلاءَ. هذا جزئيا بسبب حقيقةِ وجود أشياء أكثر متطلبة لتكون صالحًا غير كونك قويَّ الإرادة. كمثال، فإن المعرفة الأخلاقية مكوِّن هامٌّ للفضيلة. والاكتشافات العلمية التي قد تنتج عن نوع الأبحاث التي أقترحها لن تكون إبدالًا بل مكمّلًا وإضافةً للأجزاء الأخرى المعتادة لعملية التحسين الأخلاقي، كمثالٍ تلقِّي تنشئة ملائمة. إن كلام أرسطوتلس ليس أقل وثاقةَ صلةٍ في العصر الحالي عما كان عليه عندما كتبه منذ أكثر من ألفي عام، حينما قال [في كتابه الأخلاق النيقوميدية]: "إنه ليس أمرًا بسيطًا ما إذا كانت إحدى العادات أو أخرى قد غُرِسَت فينا منذ الطفولة، بل على النقيض إنه يصنع فارقًا معتبَرًا، أو بالأحرى كل الاختلاف." إن اقتراحي بأن العلم يمكن أن يساعدنا على أن نصبح أفضل أخلاقيا لا يجب الخلط بينه وبين "التفاؤل المتبختر" أو الفَرِح الذي حط John Cottingham من قدره على نحوٍ صائب [في كتابه معنى الحياة Meaning of Life]. إني واثقٌ أن الظروف الثلاثة الأساسية للحياة البشرية سوف تمنعنا من تحقيق الجنة على الأرض إلى الأبد. لكن المذهب الطبيعي يقدّم أسبابًا أكثر للأمل في نوعية المشروع الذي قد وصفته مما تقدم بعض نسخ المنظور المسيحيّ. لقد لاحظتُ فيما هو أسبق أن رسالة المسيحية هي على نحو أساسيّ رسالة أملٍ، لكن إنه لهامٌّ إدراك أن ما تقدمه في المقام الأول هو أمل فيما يتعلق فيما يقع بعد هذا العالم. في بعض المناحي، فإن المسيحية أقل تفاؤلًا بكثير بصدد ما يمكن تحقيقه في هذا العالم عما هو عليه المذهب الطبيعي. بعض نسخ المسيحية [رؤاها ومذاهبها] على الأقل تتضمن أننا لن نكون قادرين أبدًا على الذهاب إلى مدى بعيد بالاعتماد على أنفسنا في التحكم في قلب الظلام القابع بداخلنا. لو أن قلب الظلام هذا جزءٌ من عقابٍ فُرِض على البشرية كنتيجة لسقوط الإنسان [أسطورة آدم وحواء]، فمن ثمَّ فلن نستطيع التحكم فيه من خلال العلم بأكثر مما يمكننا استعمال العلم لجعل أنفسنا خالدين[32]. لو أن الله موجود فسيمنع كلا المشروعين من النجاح. على نحو مشابه وبنفس الروح، لو C. S. Lewis أن محقٌّ في اقتراحه أن الله يستعمل المعاناة في هذا العالم لمنعنا من الالتصاق بهذا العالم، أو لو أن John Hick محق في رأيه بأن هذا العلم هو على نحوٍ أساسيٍّ "وادٍ لصنع الروح"، فمن ثم هناك حدود قصوى محددة لمدى السعادة والعدالة التي يمكن أن تُحقَّق في هذا العالم. على النقيض، فإن المذهب الطبيعي يتضمن أنه ليس هناك مثل هذه الحدود المفروضة إلهيًّا. بدون الله، لا يوجد كائن أعلى ليراعينا، لكن وكذلك لا يوجد مثل هذا الكائن ليبقينا غير متحسنين[33] تظل الحدود العليا للعدالة والسعادة لم تكتَشَف. أود التأكيد على ضرورة السعي إلى المشروع الأفلاطوني القديم. كتب [في مقاله نحو حوارٍ كاثوليكيٍّ/ إنسانيٍّ]: "تمتلك البشرية الآن التكنولوجي لتدمير نفسها، ما لم يكن الإنسان قادرًا على إعادة التوجيه بوسائل التحكم العقلانيّ بالقوى العمياء [غير الواعية] التي تهدد الآن وجودَه، ليحوز مصيره الخاص به ويصير سيدَ نفسِه.[34]" إحدى المجالات التي قد قام فيها العلم بخطوات هائلة هو أبحاث السلاح. إن التقدم الذي قمنا به في اكتشاف الوسائل الفعّالة لقتل بضعنا الآخر محيرة ومروِّعة للعقل حقًّا. توجد أسلحة حاليا يمكنها إفناء ملايين البشر في لحظة مفردة واحدة. أمهّد أحيانا لطلابي بالتجربة الفكرية البسيطة التالية: تخيل أن كل شخص في العالم لديه وصول لزرٍّ والذي لو ضُغِطَ سيُدمِّر كوكب الأرض، مزيلا الحياة البشرية من الكون تمامًا. السؤال للتفكير فيه هو: إلى كم ستستمر الأرض في الوجود تحت هذه الظروف؟ يبدو واضحًا أن أي أحد سيقترح مدىً زمنيًّا أطول من حوالي عشر دقائق يفتقد أخفَّ تصور لنوع العالم الذي نعيش فيه. في الحقيقة، إنه لواضحٌ أنه ما لم تُوَزّع الأزرار في وقتٍ واحدٍ تقريبًا، فإن عملية تسليمها لن تقترب بأي حالٍ من الاكتمال قبل أن يضغط شخصٌ ما زرًّا. [1] ملاحظة من المترجم: المفروض كما تعلمنا في اللغة العربية أن كان من الأفعال الناقصة لا مصدر له ولا مفعول مطلق، لكن كما يقول الإنجليز: هناك دائمًا مرة أولى! [2] لو أنك متزوج، فتفكر في الظروف العديدة التي خارج تحكمك، التي كان يجب نيلها لكي يحدث اللقاء الأول، وكم كانت ستكون حياتك مختلفة لو لم تحدث أو تُنَل واحدة منها. [3] انظر كتابَيْ (الاستدلال البشري) و(افتقاد الشخصية) See Nisbett and Ross, Human Inference, and John Doris, Lack of Character. [4] Doris, ibid., 30–4. تجربة سجن جامعة ستانفورد استوحت منها أفلام أمركية مثل التجربة The Experiment لكن مع تضخيم للقصة وجعلها أكثر درامية بحيث يموت شخص بمرض السكر لمنعه من دوائه آخر الأمر ويثور المساجين الافتراضيون بعد صبرهم الطويل على عنف وإهانات الحراس المعينين ويتبادل الطرفان العنف، ويحكي الفلم كيفية صنع الاستبداد والعنف في المجتمعات والدول من خلال التجربة. [5] Ibid., 117. [6] قارن مع نصوص القرآن، مثلا: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)} الزمر [7] بعض النقاط التي أشرت لها في هذا البحث عن التواضع من منظور طبيعي مشابهة لبعض النقاط التي قام بها ساول سميلانسكي في (الإرادة الحرة وغموض التواضع)، المجلة الفلسفية الفصلية الأمركية، رغم ذلك فقد افترض سميلانسكي غياب الإرادة الحرة الليبرتارية لأجل غرض بحثه. لأجل نقاش آخر ذي علاقة انظر جوزيف كوبفر (السمة الأخلاقية والتواضع) في المجلة الفلسفية الفصلية لمنطقة المحيط الهادئ. Saul Smilansky in “Free Will and the Mystery of Modesty,” American Philosophical Quarterly 40:2 April 2003, Joseph Kupfer, “The Moral Perspective of Humility,” Pacific Philosophical Quarterly 84 (2003), 249–69. [8] قارن مع القرآن: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} الحشر، و{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} البلد، لكن في الثلاث ديانات تلوثت التعاليم الصالحة بأخرى عنصرية مناقضة لها وفاسدة كالقتل والعنف والتمييز العنصري في كتاب اليهود والقرآن وكتب الحديث والسيرة، وبدرجة أقل في نبذ وتجنب غير المؤمن وصاحب العقيدة المختلفة حسب رسائل بولس والرسل المسيحيين. [9] للميالين للمصطلحات التقنية أكثر، فإن المثال يبرهن على أن التضمينات الظاهرية للحقائق الواقعية المتقابلة ليست علاقات وجوبية متعدية، أو بعبارة أخرى أن القياس النظري ليس قاعدة صالحة للاستنتاج بالنسبة للحقائق الواقعية. كانت أول مرة أتعرض لهذا المثال في منهج كورس المنطق الشكليّ للخريجين الخاص بكرسيّ Ed Gettier في ربيع عام 1995 في جامعة UMass–Amherst . [10] وفقا لتوماس الأكويني، فإن الإحسان لا يتضمن فقط حب جيران المرء، بل أيضا حب الله، انظر مقالة عن الفضائل، هذا يتوافق مع ادعاء يسوع بأن أهم وصيتين هما حب الله وحب المرء لجيرانه. انظر مثلا متى22: 34-40. في معالجتي للأمر أهتم فقط بحب المرء لجيرانه. Treatise on the Virtues, by Thomas Aquinas, trans. John A. Oesterle (Notre Dame: Univ. of Notre Dame Press, 1984), 147. [11] الكتاب منشور باللغة العربية ومتوفر على النت، من منشورات المشروع القومي للترجمة، ضمن نشاط العلمانيين في عهد سوزان مبارك ووزير الثقافة فاروق حسني ومسؤول المشروع العلامة جابر عصفور، وهو من ضمن الأعمال الخيرة التي كانت لنظام حكم فاسد، لكن سنتذكر لهم خيراتهم_لؤي. ترجمتي للكلام أكثر حرفية هنا من المترجم محمد قدري عمارة. الكتاب رائع وترجمته لا بأس بها، لكن الفقرات العديدة التي ترجمتها هنا بمقارنتها معه تكشف وجود أخطاء بسيطة أو عدم دقة تؤثر على بعض المعاني. [12] Mark Juergensmeyer, Terror in the Mind of God (Berkeley and Los Angeles: Univ. of California Press, 2000), 162. Andrew Newberg, Eugene D’Aquili, and Vince Rause[13] يقترحون أن الإنسان النيندرتالي كان لديه شكل ما من الدين أعطاهم إحساسا بالتحكم في قوى الطبيعة وساعدهم على تهدئة خوفهم من الموت [عثر على أصداف وأشياء مدفونة مع موتاهم]. انظر (لماذا لن ينتهي الله: العقل والعلم وبيولوجي الاعتقاد). إن آراءهم عن أصل الدين التي لخصوها في الفصل السابع أكثر تعقيدا من الخاصة برَسِل. Why God Won’t Go Away: Brain Science and the Biology of Belief (New York: Ballantine, 2001, 54–55. إحدى أغرب النظريات عن أصل الاعتقاد الدين هي الخاصة بسيجمُنْد فرويد، خاصة في موسى والتوحيد، لأجل نقاش مفيد عنها انظر Armand Nicholi, Jr., Question of God, (New York: Free Press, 2002),. [14] مقالة (ما أعتقده) وهذا الاستنتاج هو نفس ما يتوصل إليه هيوم على لسان شخصيته فيلو[ن] قرب نهاية الجزء التاسع من حوارات عن الدين الطبيعي. [15] كل منظومة فكرية تتطلب قدرا من الثبات الفكري والاعتقادي، أنا أؤمن أني لو قفزت من الدور العاشر مثلا سأموت منتهيا كحطام، هذا ليس إيمانا بالمعنى الديني، وللإلحاد أدلة علمية وفلسفية ومن نقد نصوص الأديان وعلم الأديان، لي صديق عرفته فشل أن يكون ملحدا أو مسلما أو حتى بهائيا كما اعتقد لفترة أو أي شيء_رغم أنه شديد الذكاء وكتب مقالات نقدية للإسلام وعلمية إلحادية وكان شاعرًا جيدًا_ لمعاناته المرضية من شك عميق في كل الأفكار كمرض نفسيّ. لهذا كان كما وصف لِوِس يقدم ويتراجع، يسلم ثم يلحد ثم يسلم ثم يبحث عن اعتقاد ما وهكذا في حلقة مفرغة لفقدانه الثبات اللازم، يتطلب تبني اعتقاد ما استقرارا فكريا ونفسيا، مع اطلاع فكري وعلمي كافٍ لتبني قناعة معينة_ المترجم. [16] John Kekes, Facing Evil (Princeton: Princeton Univ. Press, 1990, 23.- 26 [17] Merrill Ring, Beginning With the Pre–Socratics, 2nd ed. (Mountain View, CA: Mayfield Publishing Company, 2000), 62–3; 104–18. الدراسة التمهيدية لفلاسفة ما قبل سقراط [18] For this interpretation of Anaximander’s position, see Jonathan Barnes, The Presocratic Philosophers: Volume 1 Thales to Zeno (London: Routledgeand Kegan Paul, 1979), 23–5. [18] لأجل شرح لنظرية أناكسماندر انظر (الفلاسفة القبل سقراطيين) ج1 من ثاليس [طاليس] إلى زينو[ن] [19] Gottfried Wilhelm Leibniz, Theodicy, trans. E. M. Huggard (La Salle, IL: Open Court, 1985), 128. في قراءتي للترجمتين العربيتين عن الفرنسية لرواية ﭬولتير الفلسفية كَنديد أو التفاؤل، لاحظت أنه كان يسخر سخرية لاذعة من نظرية ليبِنْز ومن ينحون نحوه، لأن ﭬولتير رأى عالم البشر مليئا بالشرور والظلام، خاصة في القرون الوسطى التي عاش بأواخرها، واعتبرها نظرية غير إيجابية تعني عدم تدخلنا لتحسين الأمور طالما ليس بالإمكان أحسن مما كان.[20]يبدو واضحا أن هذه الوسيلة ليست مضمونة تماما، فقد قال Nicholi, Jr. في (السؤال عن الله) Question of God, 216–230. أن سيجمُنْد فرويد كان مستحوذا عليه بمسألة موته الخاص به وكان يتفكر فيها يوميا. رغم ذلك فيبدو أن ذلك لم يجعله معزَّىً بل بالأحرى العكس.(وكمترجم أرى هذا حافزا قويا لبعض المفكرين والقائمين بالأعمال العظيمة لاغتنام لحظات حيواتهم). [21] أشبه بنظرية الحكم الإسلامي الأول في أهل الحل والعقد وهم أهل الثقة المستأثرون بالسلطة وأمور الحكم كأسلوب توصية الخلفاء الأوائل بالتشاور مثلا بين مجموعة معينة على من يختارونه من بينهم كخليفة كما فعل عمر مثلا_م [22] ينبغي ملاحظة أن هذا لا يتضمن أن في الدولة النموذجية يكون هذا هو الجواب الوحيد، إن نظرية Kekes كيكس تتسق مع الجواب الكانطي الذي عرضته وصادقت عليه في الفصل الثالث. [23] لم تعجبني كمترجم آخر جملة للمؤلف، أنظمة الحكم الفاسدة تنشر الفقر والجهل وحتما هي معادية للفضائل ولن تريد تطبيق اختراع أو تنظيم ما ينشر الفضيلة، كذلك فإن تحت منظوماتها الفاسدة تنتشر كل الرذائل، لا انفصال بين الشعوب والحكومات والأوضاع العامة. [24] Joseph LeDoux, The Emotional Brain (New York: Touchstone, 1996) (العقل الشعوري)، إن كتابه شرح قابل للفهم لغير المتخصصين للعلم العقلي للخوف والذي كتبه باحث رائد في هذا المجال. [25] توجد تنويعات عديدة على هذه الرواية والمستوحاة منها في الأفلام والروايات المكتوبة بالإنجلش بحيث لا أذكر أسماء بعضها مما شاهدته منذ سنوات، بعضها سرد حرفي لقصة هكسلي وأخرى مختلفة قليلا أو كثيرا، ومن أجملها وآخرها كتحديثات لها لكن مختلفة كثيرا فلم Equilibrium و سلسلة Divergent_المترجم. [26] أعتقد أن شيئا مشابها ينطبق على مثال أدبي سيء آخر للتحسين الأخلاقي من خلال العلم، وهو حالة ألكس في رواية البرتقالة المنتظمة كالساعة A Clockwork Orange. في حالة ألكس تكون العملية نفسها غير لطيفة للغاية، لكن نقدا أعمق لها هو أنها لم تجعله شخصا فاضلا على نحو حقيقي. لقد وضحت هذه الفكرة بتفصيل أكثر في مقالة (السعادة والألم والسمة الأخلاقية والتحسن" في “Pleasure, Pain, and Moral Character and Development,” Pacific Philosophical Quarterly 83 (2002), 282-299. [27] وتسمى كذلك بالعربية رومية أو الروميين، هذه أدق ترجمة تلتزم بالحرفية من خلال مقارنتها بالعهد الجديد ترجمة بين السطور يوناني عربي، وهي ترجمة ﭬانديك وبستاني المنتشرة في مصر، أما الترجمة العربية المشتركة فجاءت غير حرفية لكن أوضح كالتالي: (18لأنِّي أعلَمُ أنَّ الصّلاحَ لا يَسكُنُ فيَّ، أي في جسَدي. فإرادةُ الخَيرِ هِيَ بإِمكاني، وأمَّا عمَلُ الخَيرِ فلا. 19فالخَيرُ الّذي أُريدُهُ لا أعمَلُهُ، والشَّرُّ الّذي لا أُريدُهُ أعمَلُه. 20وإذا كُنتُ أعمَلُ ما لا أُريدُهُ، فما أنا الّذي يَعمَلُه، بَلْ ِ الخَطيئَةُ الّتي تَسكُنُ فيَّ.)، وطبعا قصد بولس هنا معانيَ ونظريات لاهوتية مسيحية. [28] Antonio Damasio, Looking for Spinoza: Joy, Sorrow, and the Feeling Brain (Orlando, FL: Harcourt, 2003), 287–288. [29] كمترجم وحسب معرفتي بآليات التطور لا أعتقد بجود ضغوط تطورية كافية لتحقيق تركيب مثاليّ كهذا، ربما يمكن تحقيقه في المستقبل اصطناعيا عندما يتقدم البشر بأدوية معينة تعطى للأم الحامل مثلا أو تحقن في الأجنة مباشرة، أو ربما بهندسة وراثية للجنس البشري بعد فهم كامل لعمل الجينات وهو ما لم نحققه بعد، وإجراء تجارب كثيرة على الحيوانات البدائية ثم على الأكثر تطورا. لكن أمورا كهذه ستحتاج دقة وحذرا تاما لخطورة ما قد تؤدي إليه كالأفلام الأجنبية، سواء تحويل البشر إلى آلات قاسية لا تشعر أو حتى خضار بشري عاجز ميئوس منه. [30] النقاش الذي يسبب الكثير من الإشكال يظهر في الفصل الأول من ميتافيزيقيا الأخلاق، فصل خلفية العمل (إطار العمل)، لأجل نقاش مفيد عن الموضوع انظر: see Marcia Baron, “The Alleged Moral Repugnance of Acting From Duty,” Journal of Philosophy 81:4 (April 1984), 197–220; Richard Henson, “What Kant Might Have Said: Moral Worth and the Overdetermination of Dutiful Action,” Philosophical Review 88 (1979), 39–54; and Barbara Herman, “On the Value of Acting From the Motive of Duty,” Philosophical Review 90 (1981), 359–82. [31] لأجل نقاش مفيد عن بعض الأدوار الأخرى التي قد تقوم بها العواطف في نفسية الشخص مع الفضيلة بالمعنى الكانطي، انظر: Chapter 4 of Nancy Sherman’s Making a Necessity of Virtue (Cambridge: Cambridge Univ. Press, 1997). [32] ملاحظة من المترجم: يقول العلم أننا كائنات حية عديدة الخلايا، إحدى وسائل تنسيق العمل بين الخلايا بأنواعها المختلفة وتشكيلها هو ما يعرف بالموت المبرمج للخلية، وهو آلية تحدد عمر الخلية، في حالة حدوث خلل وتوقف لهذه الآلية تتحول الخلية إلى خلية سرطانية مجنونة كما هو معروف، وهنا المعضلة فجعل خلاياك خالدة يعني جنونها وعمل كل منها لوحده بلا تنسيق، بالتالي موتك أنت وإمكانية خلود الخلايا المسرطنة في معمل أيحاث. ربما سيكون أقصى أمل للبشر هو إطالة الحياة وجعلها صحية مرفهة، والخلود هدف سخيف مع كثرة أعداد البشر وانفجارهم السكاني وازدحامهم في بعض الأماكن وصعوبة أوضاعهم ونزاعهم على الموارد والأعمال. بعض أعمال السينما لأمركية كإحدى قصص سلاحف النينجا قدمت شخصية الإنسان الذي اكتسب الخلود منذ قرون ويسعى جاهدًا رغم وفرة صحته لشدة ملله وإرهاقه للتخلص منه والموت، صعب تخيل عيش الإنسان لقرون ناهيك عن الأبد، هذا خلف لسنن الطبيعة ودورتها الإحلالية والتدويرية لمواردها وقانون تطور الأحياء والثقافات_المترجم. [33] ربما على طريقة أسطورة برج بابل في سفر التكوين_المترجم. [34] Paul Kurtz, “Toward a Catholic/Humanist Dialogue,” in Secular Humanism, 140. For a related worry, see Bill Joy, “Why the Future Doesn’t Need Us,” in Taking the Red Pill: Science, Philosophy and Religion in the Matrix, ed. G. Yeffeth (Dallas, TX: BenBella Books, 2003), 199–232. ولأجل قلق ذي علاقة انظر (لماذا لا يحتاجنا المستقبل، أخذ الحبة الحمراء القاتلة، العلم والفلسفة والدين في المنظومة). |
|
|
|
رقم الموضوع : [12] |
|
باحث ومشرف عام
![]() |
يكمن الغرض من هذه التجربة الفكرية في حقيقة أننا نتقدم ببطء لكن بثبات نحو هذا الوضع المثالي. فخلال معظم تاريخ البشرية لم يمتلك أي إنسان القدرة على شن حرب سيكون إفناؤها لكل أشكال الحياة على الكوكب احتمالًا كبيرًا. في العصر الحالي بعضهم يمتلك. كلما استمرت تكنولوجي الأسحلة في التقدم بقفزات هائلة سريعة تصير القدرة على إيقاع الدمار الشامل متاحةً أكثر فأكثر على نحو واسع. إن أسلحتنا لا تصير فقط أكثر إهلاكًا، بل مثل هواتفنا الخلوية [الموبايلات] تصير أكثر سهولة في الوصول إليها ويسرًا في الاستعمال ومضغوطةً أكثر. إن هذه الظاهرة_جزئيًّا_كما يُزَعَم هي ما قاد إدراة جورج بوش الابن إلى شن تحرك عسكريّ واسع بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، بما في ذلك الغزو الوقائي المثير للجدل للعراق عام 2003 [130].
تقدمنا التكنولوجي الذي لا يُصدَّق قد ساهم في الكثير من المشاكل التي نواجهها حاليا. لكن أيضا يقدم بعض الأسباب للأمل. لقد استخدمنا العلم للسيطرة على الكثير من القوى الأساسية العاملة في العالم الخارجي. ينبغي أن نركز جهودنا الآن على استعمال العلم للسيطرة على قلب الظلام بداخلنا. في كون من وجهة نظر المذهب الطبيعي، ليس هناك سبب مسبَق للاعتقاد بأن مشروعا كهذا لا يمكن أن ينجح. ليس هناك ضمان إلهي أن مثل هذا المشروع سوف يفشل، وليس هناك أمر إلهي بأننا ينبغي ألا نقوم بهذا الجهد. علاوة على ذلك، فإن مصدر قلب الظلام _النظام العصبي البشري_جزءٌ من العالم الطبيعي الفيزيائي؛ إنه ليس روحًا غير مادية غير ممكن للعلم الوصول إليها إلى الأبد. في عالم من منظور طبيعي، فإن العقل البشري هو منتج بالكامل لعمليات عمياء عاملة خلال دهور لا تُحصى. لا يوجد شيء مقدس بخصوص تصميمه، إنه ليس جزءً من خطة إلهية، أو إنشاء إلهيّ يحرم عينا التلاعب فيه. كتب Owen Flanagan [في كتابه مشكلة الروح The Problem of Soul 2002]: "إن العواطف الأساسية ربما تكون قد تطورت تمامًا كتكيفات في أسلافنا القريبين أو فينا....لكن ما إذا كانت ستستمر في العمل بنفس كيفية اعتمادها على تقيدها بإحكام بحوافز معيَّنة كما هي عليه، مع الاختلافات بين البيئات التي نعيش فيها اليوم والتي نشأت فيها تلك التكيفات. إن أي صفة_مع حدوث تغير بيئي مغاير معاكس_يمكن أن تصبح تكيفًا سيئًا." أشار كثير من علماء التطور وعلم النفس التطوري مثلا إلى حب الحلويات والسكريات. ففي بيئة فيها كان أكثر نوع من الطعام سكرية وحلاوة هو الفواكه والبروتينات نادرة نسبيا، فإن امتلاك شهية قوية للطعم الحلو واللحوم ربما كان مفيدًا على المدى البعيد. لكن عندما تصير البيئة تعج بالكيكات والحلويات السكرية كالكَندي والمصاصات والعسليات والآيس كريم وسندوتشات همبرجر اللحم [البقري أو] الخنزيري المزدوجة مع الجبن الدسم، فإن مثل هذه الشهيات تسبب بدانة بمعدل لم يشهده العالم من قبلُ، مع وفرة من المشاكل الصحية الجدية. على نحو مماثل، ففي بيئة كان بها حدود مقيدة لمقدار الدمار الذي يقدر إنسان مفرد أن يحدثه، فإن الخوف والغضب والشهوة غير المتحكم بهن ربما كانت أفضلية نسبيا على المدى الطويل. لكن حيث أن قدرة أفراد البشر على إحداث الدمار تزداد كنتيجة لتقدم التكنولوجي، فإن مثل هذه العواطف تصبح خطيرة على نحو متزايد. إننا لم نَقْنَع بمنح الطبيعة التي صادف أن وُجِدَتْ في طريقنا. بدلا من ذلك، لقد استخدمنا العلم لانتزاع المزيد والمزيد من المنح من الطبيعة. إننا لا نمشي، بل نستعمل العجلات والدراجات والسيارات والقطارات ومترو الأنفاق والطائرات. إننا لا نعيش في العراء، مرتبين برنامجنا اليومي وفق شروق وغروب الشمس، بل في البيوت، ونشكِّل إتاحة الضوء حسب جدالنا بدلا من الطريق المعاكس. لاحظ برتراند رَسِل [في مقاله الجيل الجديد]: "لم تعد الأسنان تُخْلَع كما كان يقام بذلك عندما كنتُ صغيرًا، بربط سلك بها وبمقبض الباب ثم غلق الباب". نحن لم نترك أنفسنا لنكون حرفيا وتماما تحت رحمة قوى الطبيعة الخارجية، فلماذا ينبغي أن نترك أنفسنا تحت رحمة نظامنا العصبي الخاص بنا حرفيا؟! إن هذا النظام العصبي، مع قدرتنا المتزايدة بسرعة على تدمير بعضنا البعض، يصنعان تهديدًا خطيرًا. كالمتحكّم في رواية ألدوس هكسلي (عالم شجاع جديد) فهذا هو بالضبط نوع التهديد الذي قادر الناس إلى القبول بالمجتمع الذي قصد هكسلي أن يجعلنا نراه منفِّرًا: " ما أهمية الحقيقة أو الجمال أو المعرفة عندما تكون قنابل [جراثيم] الجمرة الخبيثة تُفجَّر في كل مكان حولك؟! ذلك كان حينما بدأ يُتحكَّم بالعلم لأول مرة.....لقد كان الناس مستعدين لأن يُتحكَّم حتى برغباتهم آنذاك، أي شيء لأجل حياة هادئة." المواطنون في رواية عالم شجاع جديد أنقذوا أنفسهم بالسماح بجعل أنفسهم يُحوَّلون إلى أطفال، قادرين فقط على الفضيلة المتظاهر بها والسعادة الزائفة. هل يمكننا عمل ما هو أفضل؟ بدون الله، لا ضمانَ أننا سنكون قادرين على إنقاذ أنفسنا من أنفسنا، لكن وكذلك ولا ضمان هناك أننا سوف نفشل. هناك مجال للأمل. اقتراحي أن نركز جهودنا على المحاولة. الفصل الخامس والأخير: عقائد للعيش بها 34«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا. 35فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا. 36وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. يسوع الناصريّ- إنجيل متى 10 [ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)} المائدة {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89)} النساء ] أن تؤمن أم ألّا تؤمن؟ قرب نهاية الحوار مع Phaedo فايدو يقدِّم سقراطس_حسبما روى أفلاطون_ وصفًا تفصيليا بوضوح عن الكون والذي يحتوي على شرح لطبيعة العالم السفلي والمصائر التي يواجهها الأنواع المختلفة من الناس فيما بعد الحياة[131]. بعد تقديم ذلك الشرح المطوَّل ومباشرةً قبل تحميم نفسه استعدادا لشرب شراب الشوكران السامّ [كحكم بالإعدام عليه]، يقول سقراطس الملاحظات التالية: "لا رجلَ عاقلَ سيصر على أن هذه الأمور كما قد وصفتها، لكني أعتقد أنه لملائمٌ للرجل أن يخاطر بالاعتقاد، لأن هذه المخاطرة واحدةٌ نبيلة، أيْ: أو أن شيئا ما مثل هذا صحيح بخصوص أرواحنا ومساكنها، بما أن الروح خالدة على نحوٍ جَلِيٍّ، ويجب على المرء أن يكررها لنفسه كما لو كانت تعويذةً، وهذا سبب إطالتي لقصتي." هذه إحدى أقدم الفقرات التي أعرفها التي يظهر فيها فكرة أنه بينما تكون معرفة الفائق للطبيعة فوق استيعابنا، فإننا ينبغي أن نحاول رغم ذلك أن نكتسب اعتقادات معينة عنها. يبدو أن فكرة سقراطس هي أن امتلاك معتقدات معيّنة عن الفائق للطبيعة سيجعلنا "ذوي شعور جيد" خلال الحياة، قادرين على مواجهة الموت كما قد فعل هو، بدون خوف، وأنها ستجعلنا أناسًا أفضل. إن فكرة مشابهة تؤسس رهان باسكال الشهير. اعتقد باسكال أن معرفة وجود الله أو عدم وجوده خارج قدرة الإنسان على الوصول لحقيقتها، [كتب في كتابه التأملات Pensees]: الله قد يكون أو لا يكون. لكنْ إلى أي جانب سنميل؟ العقل لا يقدر أن يقرر أي شيء [بصدد ذلك]. هناك فوضى كونية لا نهائية تفصلنا. عند النهاية البعيدة لهذه المسافة غير المحدودة تُلعَب لعبة [رهان] والعملة ستأتي على وجهها أو قفاها. كيف ستقوم برهانك؟ العقل لا يمكنه اختيار سبيل أو الآخر، العقل لا يمكنه الدفاع عن أيٍّ من الاختيارين. وفقا لباسكال، تتضمن السعادة الأبدية_التي قد ينالها المرء إن اعتقد على نحو حقيقي بالله ولو كان الله موجودًا_أن كلًّا منا يجب أن يحاول أن يغرس في ذهنه اعتقادا حقيقيا بالله. في الواقع سنكون حمقى لو لم نفعل، رغم أننا لا يمكننا البرهنة بالجدل على تبنينا لطريق وجود الله. الإيمان بالله هو رهان عقلانيّ فقط. في زمن أحدث، دافع John Cottingham في كتابه معنى الحياة Meaning of Life, 96–97 عن تنويعة على جدلية باسكال. في نسخة Cottingham _كما في نسخة سقراطس_فإن بعض فوائد الاعتقاد تُكتَسَب في هذه الحياة. يلخِّص Cottingham جدليته بهذه الطريقة: "أولًا، هناك فوائد واضحة مترافقة مع الحياة الروحية. ثانيا، فإن التعاليم الميتافيزيقية [الغيبية] المؤسسة لها تتعلق بأمور ليست ضمن مجال المعرفة العقلانية. ثالثا، فهذا شيء لا يجب أن نقلق بصدده كثيرًا رغم ذلك، بما أن تبني الممارسات ذوات الصلة سيسبب تكرسًا عاطفيًّا والذي سيتجاوز الاحتياج إلى اقتناع عقلاني مسبَق....إنه منطقيٌّ أخذ السبيل الباسكاليّ، وتبني المخاطرة، وتلقين وتعويد النفس تدريجيًّا على الممارسات ذوات الصلة، بدلا من البقاء خارجًا في موقف عقلي غير مُرضٍ للتحفظ المعرفي الخالي من العاطفة المحايد." لقد رأينا من قبل نسخة كانط من هذه الفكرة الأساسية، حيث قال أن سبب وجوب أن نحاول الاعتقاد بالله أن فعل ذلك هو السبيل الوحيد الذي يمكننا به إنجاز كل التزاماتنا الأخلاقية. إنه لهامٌّ ملاحظة أن هذه الجدليات_حتى لو افترضنا أنها ناجحة تمامًا_لا تتضمن بأي حالٍ أن التعاليم الفائقة للطبيعة محل الكلام صحيحة. عوضًا عن ذلك، فإنها تقصد البرهنة أننا ينبغي أن نؤمن بهذه التعاليم، ليس لأنها صحيحة، بل لأجل سببٍ آخر. ناقشتُ كذلك جدلية Graham في الفصل الثالث، وهو يقول في كتابه الشر والأخلاق Evil and Ethics, 96 بأن هذه الجدلية لا تدّعي البرهنة على استنتاجها، بل تنشئ سببا للافتراض المسبق لصحة الاستنتاج. أود دراسة نسخة من هذه الفكرة والتي وفقا لها ينبغي أن نحاول أن نزرع في عقولنا اعتقادات معيَّنة بخصوص الفائق للطبيعة على أساس أن القبول الواسع الانتشار لهؤلاءِ الاعتقاداتِ سيجعلنا أفضلَ حالًا عمومًا. بوجه خاص، سأدرس الاقتراح القائل بأننا، بافتراض أن العقل لا يمكنه إعلامنا عما إذا تكون المسيحية صحيحة أم باطلة، ينبغي علينا رغم ذلك محاولة جعل أنفسنا والآخرين نقبل المسيحية لأن فعل ذلك سيجعلنا عمومًا أفضل حالًا في هذه الحياة. تقييم هذه الاقتراح يتطلب بوضوح فحص نتائج القبول المنتشر على نحو واسع للمسيحية. علاوة على ذلك، حيث أن هناك تنوعاتٍ عديدةً للمسيحية، فإن هناك احتمالية أن نتائج القبول الواسع الانتشار لهذه الأشكال المختلفة قد تتنوَّع. إن دراسة كاملة لتأثيرات المسيحية عبر التاريخ هي بوضوح خارج غرض العمل الحالي، وكذلك خوض نقاشٍ عن الأشكال العديدة للمسيحية. بدلا من ذلك سأحدد عناصر معيَّنة من الفِكر موجودة بوضوح في العهد القديم [الجزء اليهودي من الكتاب المقدس المسيحي_المترجم] وأجادل بأن أي نسخة [مذهب] من المسيحية، أو أي منظومة اعتقادٍ تتصل بذلك وتشابهه، تتضمَّن هذه العناصر هي لأجل ذلك السبب خطيرة. الانتشار الواسع لقبولها يرجَّح أن يكون له نتائج سيئة جدًّا للكثيرين منا. يفتقد المذهب الطبيعي هذه العناصر ولذلك_في هذا الجانب على الأقل_هو اعتقاد أقل خطورة. لن أحاول عمل مقارنة كاملة بين نتائج قبول المذهب الطبيعي في مقابل النتائج الخاصة بقبول المسيحية، ولا سأحاول تقرير أي نسخ المسيحية_لو كان هناك أيٌّ منها_يخلو من هذه العناصر الخطيرة التي سأحددها. إذن، فإن فرضيتي في هذا الجزء هي هذه: إن آراءً معينة في العهد القديم [التاناخ الذي كتبه اليهود وتبناه المسيحيون_م] خطيرة جدًّل، وكلما قلَّ من يعتقدون بهذه الآراء صرنا كلُّنا أفضلَ حالًا. الأول من هذه العناصر الخطيرة هو مفهوم أن هناك إلهًا والذي قد اختار مجموعة معينة من الناس ليكونوا شعبَه[132]. إحدى أهم الروايات في العهد القديم هي رواية كيف أن الله_من بين كل الشعوب المختلفة على وجه الأرض_قد اختار مجموعة واحدة_الإسرائيليين_ليكونوا شعبه المختار. بعد تقسية قلب الفرعون المصريّ لكي [كما أبلغ موسى الفرعونَ] " 16وَلكِنْ لأَجْلِ هذَا أَقَمْتُكَ، لِكَيْ أُرِيَكَ قُوَّتِي، وَلِكَيْ يُخْبَرَ بِاسْمِي فِي كُلِّ الأَرْضِ." [الخروج9: 16]، جعل اللهُ موسى يقود الإسرائيليين إلى خارج مصر. عندما وصل الإسرائيليون إلى جبل سيناء، أخبر اللهُ موسى أن ينقل رسالةً إلى باقي الإسرائيليين: "5فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ. 6وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمَّةً مُقَدَّسَةً. هذِهِ هِيَ الْكَلِمَاتُ الَّتِي تُكَلِّمُ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ»." [الخروج19: 5-6]. العنصر الثاني الخطير هو فكرة أن هناك إلهًا تفوق أوامرُه كلَّ الاعتباراتِ الأخرى. فيما سبق، لاحظت أهمية طاعة الله في المنهج المسيحي لرؤية الأمور. هذه الفكرة_الاعتقاد بأن القول بأن الله قد أمر بالقيام بفعل معيَّن هو سبب مهيمن ذو أولوية للقيام بالفعل محل الكلام_بارزة في العهد القديم. أي تفكير إضافي بصدد المسألة بلا معنى، أوامر الله تُطاع بلا استثناء. إحدى الأمثلة القوية لهذه الفكرة توجد في إحدى أشهر الأحداث في قصص العهد القديم. إنها قصة تقييد الطفل إسحاق [لتقديمه كقربان_م]، هاكم النقاط الرئيسية في الرواية الكتابية: (1وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا». 2فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». 3فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ، وَشَقَّقَ حَطَبًا لِمُحْرَقَةٍ، وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ. 4وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَأَبْصَرَ الْمَوْضِعَ مِنْ بَعِيدٍ، 5فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِغُلاَمَيْهِ: «اجْلِسَا أَنْتُمَا ههُنَا مَعَ الْحِمَارِ، وَأَمَّا أَنَا وَالْغُلاَمُ فَنَذْهَبُ إِلَى هُنَاكَ وَنَسْجُدُ، ثُمَّ نَرْجعُ إِلَيْكُمَا». 6فَأَخَذَ إِبْرَاهِيمُ حَطَبَ الْمُحْرَقَةِ وَوَضَعَهُ عَلَى إِسْحَاقَ ابْنِهِ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ النَّارَ وَالسِّكِّينَ. فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا. 7وَكَلَّمَ إِسْحَاقُ إِبْرَاهِيمَ أَبِاهُ وَقَالَ: «يَا أَبِي!». فَقَالَ: «هأَنَذَا يَا ابْنِي». فَقَالَ: «هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ، وَلكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟» 8فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي». فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعًا. 9فَلَمَّا أَتَيَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ، بَنَى هُنَاكَ إِبْرَاهِيمُ الْمَذْبَحَ وَرَتَّبَ الْحَطَبَ وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. 10ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ. 11فَنَادَاهُ مَلاَكُ الرَّبِّ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «إِبْرَاهِيمُ! إِبْرَاهِيمُ!». فَقَالَ: «هأَنَذَا» 12فَقَالَ: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا، لأَنِّي الآنَ عَلِمْتُ أَنَّكَ خَائِفٌ اللهَ، فَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ عَنِّي». 13فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ.) من الإصحاح 12 من سفر التكوين[133] لا يوجد أية إشارة في الرواية الكتابية إلى أن إبراهيم تساءل أو تردد أو كان لديه أية شكوكٍ عما إذا كان ينبغي عليه التضحية بإسحاق. لم يسأل إبراهيمُ اللهَ أيَّ شرحٍ للأمرِ، ولا اللهُ قدَّمَ شرحًا. حقيقة أن الله قد أمره بذبح ابنه الوحيد، الذي يحبه، قرَّرَتْ المسألةَ؛ إن رد فعله الوحيد_بقدر ما يمكننا رؤيته من القصة_كان النهوض مبكرًا في الصباح التالي لينفِّذَ الأمرَ. العنصران اللذان قد حددتهما قد لا يكونان حتى الآن خطيران للغاية، حيث لم يضمَّا مع عنصرين آخرين ذَوَيْ صلّةٍ. أول هذين الاثنين الآخرين هو الاعتقاد بأن هناك إلهًا يأمر بالاحتلال والقتل والإبادة، أحيانًا بدون وجود أي تبرير واضح لمثل هذه الأفعال سوى أنها قد أمر بها الله (كما في قصة تقييد إسحاق). العنصر الثاني ذو الصلة هو الاعتقاد بأن بعض الناس لهم السلطة للأمر بمثل هذه الأفعال نيابةً عن الله. هذه العناصر خطيرة بسبب السابقات التي تنشؤها. إحدى الوظائف المفترَضة للكتاب المقدّس هي الكشف عن شخصية الله؛ وبدراسة قصة كيفية تدخل الله مع البشرية خلال التاريخ [الأسطوري]، نتعلم شيئا بصدد ماهية أن تكون الله. ووفقا للعهد القديم، فإن إحدى السمات الجديرة بالملاحظة للإله اليهو-مسيحي [والإسلامي] هي أنه إلهٌ يأمر شعبه المختار بإزالة مجموعات الناس الأخرى من على وجه الأرض. تأمل_كمثال_ رواية العهد القديم لوعد الله المزعوم لموسى باحتلال كنعان [فلسطين، إيليا]: (23فَإِنَّ مَلاَكِي يَسِيرُ أَمَامَكَ وَيَجِيءُ بِكَ إِلَى الأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، فَأُبِيدُهُمْ. 24لاَ تَسْجُدْ لآلِهَتِهِمْ، وَلاَ تَعْبُدْهَا، وَلاَ تَعْمَلْ كَأَعْمَالِهِمْ، بَلْ تُبِيدُهُمْ وَتَكْسِرُ أَنْصَابَهُمْ. 25وَتَعْبُدُونَ الرَّبَّ إِلهَكُمْ، فَيُبَارِكُ خُبْزَكَ وَمَاءَكَ، وَأُزِيلُ الْمَرَضَ مِنْ بَيْنِكُمْ. 26لاَ تَكُونُ مُسْقِطَةٌ وَلاَ عَاقِرٌ فِي أَرْضِكَ، وَأُكَمِّلُ عَدَدَ أَيَّامِكَ. 27أُرْسِلُ هَيْبَتِي أَمَامَكَ، وَأُزْعِجُ جَمِيعَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ تَأْتِي عَلَيْهِمْ، وَأُعْطِيكَ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مُدْبِرِينَ.) الخروج23: 23-27 إن كان هناك أي شك بخصوص ما يعنيه الله حينما يقول لموسى [حسب زعم التوارة]: "ستبيدهم"، فإن الرواية الكتابية لاحتلال مدينة أريحا على يد الإسرائيليين توضِّح المسألة. أتذكر استماعي كطفلٍ لأغنية تسرد نصر الإسرائيليين في معركة أريحا. تروي الأغنية كيف سار الإسرائيليون حول مدينة أريحا سبع مرات، وكيف صاحوا ونفخوا في أبواقهم، وكيف كنتيجةٍ انهارت أسوار المدينة. ما هو مفقد من الأغنية_رغم ذلك_هو نتيجة الحَدَثِ: (20فَهَتَفَ الشَّعْبُ وَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ. وَكَانَ حِينَ سَمِعَ الشَّعْبُ صَوْتَ الْبُوقِ أَنَّ الشَّعْبَ هَتَفَ هُتَافًا عَظِيمًا، فَسَقَطَ السُّورُ فِي مَكَانِهِ، وَصَعِدَ الشَّعْبُ إِلَى الْمَدِينَةِ كُلُّ رَجُل مَعَ وَجْهِهِ، وَأَخَذُوا الْمَدِينَةَ. 21وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُل وَامْرَأَةٍ، مِنْ طِفْل وَشَيْخٍ، حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ.) يشوع6: 20-21 بالنسبة لفكرة أنه ليس الله فقط بل أيضًا ممثلوه البشريون من يمكنههم الترخيص وشرعنة هذه الأعمال الشريرة الوحشية، تأمل أفعال موسى عند عودته من جبل سيناء [حسب أسطورة التوارة]. ارتقى موسى الجبل لاستلام اللوحين الحجريين لعهد [وصايا] الله. في غيابه، صاغ الإسرائيليون عجلًا ذهبيًّا، وشرعوا في عبادته، و_عمومًا_بدؤوا يتمردون. تعامل موسى مع الموقف كالتالي: (25وَلَمَّا رَأَى مُوسَى الشَّعْبَ أَنَّهُ مُعَرًّى لأَنَّ هَارُونَ كَانَ قَدْ عَرَّاهُ لِلْهُزْءِ بَيْنَ مُقَاوِمِيهِ، 26وَقَفَ مُوسَى فِي بَابِ الْمَحَلَّةِ، وَقَالَ: «مَنْ لِلرَّبِّ فَإِلَيَّ». فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمِيعُ بَنِي لاَوِي. 27فَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: ضَعُوا كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ عَلَى فَخِْذِهِ وَمُرُّوا وَارْجِعُوا مِنْ بَابٍ إِلَى بَابٍ فِي الْمَحَلَّةِ، وَاقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ». 28فَفَعَلَ بَنُو لاَوِي بِحَسَبِ قَوْلِ مُوسَى. وَوَقَعَ مِنَ الشَّعْبِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ نَحْوُ ثَلاَثَةِ آلاَفِ رَجُل. 29وَقَالَ مُوسَى: «امْلأُوا أَيْدِيَكُمُ الْيَوْمَ لِلرَّبِّ، حَتَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِابْنِهِ وَبِأَخِيهِ، فَيُعْطِيَكُمُ الْيَوْمَ بَرَكَةً».) الخروج32: 25-29 سويًا، هذه الأربع عناصر الاعتقادية التي قد أشرتُ لها من وجهة النظر القائلة بأن هناك إلهًا والذي قد اختار مجموعة معينة من الناس ليكونوا شعبه المختار، والذي تفوق أوامره كل الاعتبارات الأخرى، والذي يأمر بالاحتلال، والقتل، وأحيانًا التضحية [بقرابين من البشر] عندما لا يكون هناك تبرير واضح لمثل هذه الأفعال سوى أن الله قد أمر بها. بالإضافة إلى ذلك، فالبشر يمكن أن يكون لهم السلطة أحيانًا للأمر بمثل هذه الأفعال نيابةً عن الله. الاعتقاد الدينيّ له تنوع واسع من النتائج. فيمكن أن يكون قوة للخير: يمكن أن يلهم الناس القيامَ بأفعال مثيرة للإعجاب؛ يمكن أن يقدم لهم أملًا ويمكِّنهم من تحمُّل ما لا يُمكن احتماَله ظاهريًّا، يمكنه التسبب باللطف والمحبة والشفقة [الحنُوِّ]. كمثال، دوَّنتْ كارِنْ أرْمْسْتْرُنْج [في كتابها تاريخ الله] Karen Armstrong, A History of God, 105 أن الكنيسة المسيحية المبكرة أثارت إعجاب الوثنيين لأجل "نظام الإحسان [التضامن] الذي أسسته الكنائس وبالسلوك الشفوق للمسيحيين أحدهم اتجاهَ الآخر". لكنْ يجب كذلك ملاحظة أنه مع الدين المؤسَّسي يأتي العنف الديني بمقدارٍ كبيرٍ. سيكون انعدامَ أمانةٍ [تضليلًا] عدمُ الاعترافِ بأن من ضمن نتائج الاعتقاد الدينيَ بحورًا من الدموع، ومحيطاتٍ من الدماء، وجبالًا من الجثث. انظر_كمثال_رواية Mark Juergensmeyer المختصرة للحملات الصليبية المسيحية [في كتابه الإرهاب في العقل الديني The Terror in The Mind of God, p26]: الحملات الصليبية التسعة، والتي بدأت في عام 1095م مع مناشدة البابا أُرْبان الثاني للمسيحيين بالنهوض واستعادة مقام الضريح المقدس في أورشليم، والذي قد وقع في أيدي [حكم] المسلمين، وانتهت بعد ثلاثة قرون لاحقًا، تميزت بصيحة الحرب المسيحية (الله يريدها) Deus volt. أثناء مرور الجيوش عبر أورُبا في طريقهم إلى الأرض المقدَّسة جمعوا الفقراء واليائسين لأجل مغامرات دونكيشوتية عديمة الجدوى لم تؤدِّ عمليًّا إلى أي انتصارات عسكرية ذوات قيمة دائمة. رغم ذلك فقد أدت حقًّا إلى مقتل الآلاف من المسلمين واليهود الأبرياء." تربط كارِنْ أرمسترُنْج [في كتابها تاريخ الله] الحملة الصليبية الأولى بأسفار الكتاب المقدس التي توجد فيها الفقرات التي قد ناقشتها: "خلال المسير الطويل الرهيب إلى أورشليم، عندما نجا الصليبيون بشق الأنفس من الموت، أمكنهم فقط تفسير بقائهم أحياء بافتراض أنهم يجب أن يكونوا شعب الله المختار، الذي يتمتع بحمايته الخاصة. لقد كان يقودهم إلى الأرض المقدسة كما فعل ذاتَ مرةٍ للإسرائيليين القدماء. من الناحية العملية، فإن إلههم كان لا يزال نفس الإله القَبَليّ البدائي الخاص بالكتب المبكرة للكتاب المقدس. عندما احتلوا أورشليم آخر الأمر في صيف 1099م، قتلوا سكان المدينة اليهود والمسلمين بتعصب يشوع [خليفة موسى_م] وذبحوهم بوحشية صدمت حتى معاصريهم." كلما ازداد اتساع انتشار قبول هذه الأفكار الأربعة التي قد حددتها، أمكننا أكثر توقع مثل هذا التطرف والعنف. إن الاقتراح بأن هذه أفكارٌ ينبغي أن نزرعها في الكثير من الناس بقدر ما نستطيع لأن فعل ذلك سيكون مفيدًا إجمالًا يجب أن يُرفَض. على النقيض، فإن تقديم هذه الأفكار لعقلِ صغيرٍ هو تسميمٌ له. إن القبول المخلص والموالي لهذه الاعتقادات يحوِّل الشخصَ إلى قاتلٍ منتظرٍ، كل ما يتبقى هو حقنه بفكرة أنه أو أنها من ضمن الشعب [الناس] المختارين (بالتأكيد اعتقاد مُغرٍ) وأن الله أو ممثل بشري شرعيّ له قد أمره أو أمرها بالقتل. بالنسبة إلى عقلٍ كهذا، فإن الفكرة معقولة على نحوٍ ملاحَظ، فرغم كل شيء فالمؤمن قد تعلَّم أن هذه بالضبط نوعية الأمور التي يأمر الله بها أحيانًا. ويجب أن يُطاع اللهُ. الأفكار الدينية الأخرى قد تقوم عند هذه النقطة بمساهمة خطيرة. وربما يكون الشخص أنانيا، لماذا يجب أن يضحي المرءُ بحياته لأجل أمر الله؟ لكن هذا النوع من الشكوك يُزاح بالوعد بالخلاص [أو النعيم والفردوس] الأبديّ في مقابل التضحية الشخصية. فرغم كل شيء، هناك ضمان إلهيّ بالعدالة التامّة. ربما يكون الضحية المحتملة بقدر ما يمكننا رؤيته بريئا. لكن ألم يكن إسحاق بريئا بقدر ما استطاع إبراهيمُ رؤيتَه؟ وما هو فهمنا عندما يُقارَن بفهمِ الله؟ نحن لا نرى سوى جزءٍ ضئيلٍ من المنظور الكليّ؛ الله يرى المخطَّطَ الكبير.إحساس المرء بمدى أخلاقية الموقف_مستقلًّا عن أمر الله_لا يوثَق به. قدَّمَ Juergensmeyer المثال التوضيحي التالي [في كتابه الإرهاب في العقل الدينيّ]: "عندما ابتسم الشاب الخجول أمام الكامِرة في اليوم السابق على صيرورته استشهاديًّا في عملية انتحارية لحماس، معلنًا أنه "يقوم بهذا في سبيل الله"، كان يبرهن على إحدى الحقائق الجديرة بالملاحظة بخصوص من يرتكبون أعمال الإرهاب في العالم المعاصر: إنهم سيقومون تقريبًا بأي شيء لو اعتقدوا أنه قد أُجيز من قِبَلِ تفويضٍ إلهيٍّ أو تُصًوِّر في عقل الله." المذهب الطبيعي خالٍ من هذه الأفكار الخطيرة. فحيث أنه لا إلهَ، فليس هناك مجموعة من البشر قد اختيرت لعناية خاصة. بدلا من ذلك، فنحن كلنا في نفس المركب عمومًا، إن الكون غير مبالٍ وعدائيّ على نحو متساوٍ اتجاهَنا كلٍّ منّا. إن مفهوم الشعب أو الأمة المختارة من الله يميل إلى التسبب في الخلاف والانقسام، إنها تديم الشعور بأننا في المجموعة المختارة مختلفون جذريا عن بقية البشرية. وصف برتراند رَسِل [في مقاله عبادة الإنسان الحر] كيف أن المذهب الطبيعي_على النقيض_يمكن أن يسبب شعورًا بالوحدة والرفقة بين أنفسنا وباقي البشرية. إن الفقرة طويلة إلى حد ما لكنها تستحق الاقتباس بالكامل: "متحدًا مع رفاقه من لبشر بأقوى أنواع الروابط، رابطة القدر الواحد، فإن الرجل الحر يجد أن رؤية جديدة معه دومًا، ساكبة على كل واجبٍ يوميٍّ ضوء الحب. إن حياة الإنسان هي مسير طويل خلال الليل، محاطة بالخصوم الخفيين، معذَّبةً بالضجر والألم، باتجاه هدفٍ يستطيع قلائلُ فقط أن يأملوا في الوصول إليه، وحيث لا أحد قد يبقى طويلًا. واحدًا تلو الآخر_بينما يسيرون_يختفي رفاقنا من أمام ناظرنا، معتَقَلين بالأوامر الصامتة للموت الكليّ القدرة. قصيرٌ جدًّا هو الوقتُ المتاح الذي نستطيع فيه مساعدتهم، والذي تُقرَّر فيه سعادتهم أو بؤسهم. فعلينا أن نسكب الضياءَ في طريقهم، لننير أحزانهم ببلسم التعاطف، ونمنحهم الفرح الصافي للعاطفة التي لا تكلّ، لنقوِّي الشجاعة المنهارة، لنغرس الإيمان في ساعات اليأس. هلموا لا نزنُ بموازين الحقد [الغلّ] فضائلهم وعيوبهم، بل فلنفكر فقط بحاجاتهم، وبالأحزان والصعبات وربما الجهالات التي تسبب البؤس في حيواتهم؛ فلنتذكرْ أنهم رفاق معانون في نفس الظُلمة، ممثِّلون في نفس المأساة معنا. وهكذا، عندما تنتهي أيامهم، عندما يكون خيرهم وشرهم قد صار خالدًا بأبدية الماضي، علينا أن نعتقد أنهم_متى ما كانوا قد عانَوْا_لم يكن فعلٌ لنا هو السبب؛ لكنْ متى ما اشتعل ضوءٌ مقدسٌ في قلوبهم فقد كنا مستعدين للتشجيع، وللتعاطف، وبالكلمات الجريئة التي تتوقد فيها الشجاعة السامية." إن المذهب الطبيعيّ يرفض الصيحةَ المسببة للخلاف والفرقة: "لا إلهَ سوى إلهنا" (والتي دومًا تٌقصي أناسًا أكثرَ مما تضمّ) وتستبدلها بصيحة: "ليس هناك إله لمساعدتنا، نحن كلنا في هذا معًا"، والتي تنطبق على كل البشر. في كون من منظور طبيعيّ، لا يوجد آمر إلهي والذي يُطاع بلا سؤال والذي أوامره ثابتة على نحوٍ نهائيّ، بصدد ما يًقام به في موقف معيَّن. بل في كون من منظور طبيعيّ، كل منا يجب أن يقوم بالقرار النهائي بصدد ما سيفعله في موقف معين. ومثلما أنه لا قاضيّ إلهيَّ معصومَ يمكننا أن نمرر له القضايا العويصة، فكذلك تمامًا لا آمرَ إلهيَّ معصومَ يمكنه أن يخبرنا بما ينبغي أن نفعل. ليس معنى هذا أننا يمكننا فعل أي شيء نريده، أو أننا لدينا القدرة على خلق معنانا الخاص للأخلاق أو أخلاقنا الخاصة بنا كيفما نراه مناسبًا. لقد خُصصت الفصول الأولى من هذا الكتاب للبرهنة على أن المعنى والأخلاق يوجَدْنَ باستقلالٍ عن كلٍّ من إرادات البشر والله (لو أن له وجودًا). المعنى والأخلاق يُكتَشفان عوضًا عن خلقهما، لكنها يجب أن يُكتَشفا من خلال الاستعمال الحريص للعقل البشريّ عوضًا عن وحيٍ إلهيٍّ [مزعومٍ]. في كون من منظور طبيعي، هذا هو الاختيار الوحيد المتاح لنا. بالنسبة كل ما قد جادلت لأجله هنا، فقد يكون هناك معتقدات في الفائق للطبيعة يكون الانتشار الواسع لقبولها شيئًا جيدًا إجمالًا. لكني أعتقد أن أي مجموعة من المعتقدات في الفائق للطبيعة تتضمن هؤلاء العناصر الأربعة الخطيرات الخاصة بالعهد القديم اللواتي قد حدَّدتهنَ هنا ليست مجموعة من هذا النوع. إن كانت المسيحية تدخل في هذا التصنيف، فإذن هذا أسوأ للمسيحية. عقيدة يمكن العيش بها؟ إن نوع الرأي الذي قد دافعت عنه في هذا الكتاب أحيانًا يُطلَق عليه اسم (المذهب الإنسانيّ). في الفصل الأخير من كتاب (الشر والأخلاق المسيحية)، جادل Gordon Graham بأن المذهب الإنساني ليس "عقيدة يمكننا العيش بها"، كتب Graham: "لو أن المذهب الإنساني صحيحٌ، فإن الأغلبية العظمى من البشر في كل العصور، بما فيها الحاضر، لديهم حيواتهم عديمة القيمة. هذا لأن حيواتهم تحتوي على القليل أو لا شيء من الأمور التي وحدها تجعل منها ذوات قيمة من وجهة نظرٍ خاصةٍ بالمذهب الإنسانيّ. هذا جانب قاسٍ للمذهب الإنسانيّ...."[134] لو أن هناك اعتراضَا هنا، فهو قريب للاعتراض الذي كثيرًا ما يقيمه الطلبة على رأي أرسطوتلس بأن أفضل حياة بشرية ممكنة هي التي تُقضى في التأمل النظريّ. إن اعتراضًا كهذا يجري كالتالي: 1-لو أن المذهب الإنسانيّ صحيحٌ، فمن ثم فإن معظم البشر لديهم حيوات خالية من المعنى الداخليّ. 2-لكن ليس صحيحًا أن معظم البشر يعيشون حيواتٍ خالية من المعنى الداخليّ. 3-بالتالي، فإن المذهب الإنسانيّ باطلٌ. قد يكون هناك مجال للجدال الطفيف بشأن المقدمة المنطقية الأولى، لكني راغبٌ في الإقرار بأن شيئًا ما نحو ذلك صحيحٌ. ففي كون من منظور طبيعي ليس هناك حياة بعد الموت، وبالتالي فإن أيَّ معنىً داخليٍّ تمتلكه حياة بشرية يوجد في هذه الحياة الأرضية. إلا أن الكثير من البشر_بل وربما حتى معظمهم_خلال التاريخ قد عاشوا في ظروف رهيبة كئيبة للغاية بحيث تحول دون وجود الكثير من أو حتى أي معنى داخليّ في حيواتهم. إن الضعف الحقيقيّ في هذه الجدلية_بالتأكيد_هو في المقدمة المنطقية الثانية. أيُّ سببٍ هناكَ لقبولها؟ كل الأدلة القائمة على الملاحظة [الإمبريقية] التي لدينا تدل على عكسها"؛ في الحقيقة فإن نفس هذه الأدلة الإمبريقية هي جزء من دعم المقدمة المنطقية الأولى. مثل اعتراض طلابي على رأي أرسطوتلس، فإن اعتراض Graham جْرام يبدو قائمًا على الشعور بأن الكون لا يمكن أن يعمل فقط بهذه الطريقة. لكن ما لم يكن لدينا سببٌ ما لقبول هذه الفكرة، فإن هذه الجدلية ببساطة تفترض مقدمًا صحة ما تحتاج إلى إثباته. إن فكرة أن معظم حيوات البشر تفتقد درجة ذات أهمية من المعنى الداخلي بالتأكيد فكرةٌ محبِطة، لكن كوْنَها محبطةً [كئيبة] وكونها باطلةً شيئان مختلفان. رغم ذلك، ففي الفقرة التالية للفقرة التي اقتبستها للتو، يقوم جْرام باعتراضٍ أكثرَ تحدِّيًا: "إن أنصار المذهب الإنسانيّ الأثرياءَ وذوي الامتيازات لديهم أسبابٌ وجيهة لإهمال أي حديثٍ عن التزامٍ أخلاقيٍّ بالسعي إلى إصلاح العالم مع قصدٍ لتحسين أقدار الفقراء والجاهلين. هذه الأسباب تنتج عن المقدمة المنطقية المتفَق عليها عمومًا، بأن "ينبغي تتضمَّن أستطيع [الاستطاعة]"، إن كانت النتيجة النهائية لأفعالها لا يمكن تحقيقها، فنحن ليس علينا أي التزام بمحاولة فعلها...إن اللامبالاة الأخلاقية للإنسانيين المحظوظين[135] مشروعة بالاستحالة العملية. هذه نتيجةٌ للحقيقة الواضحة بأن هناك ظروفًا قليلة جدًّا_لو أن هناك أيًّا منها_سيكون له أو لها فيها فرصة واقعية لزيادة القيمة الإنسانية للمجرى العام لحيوات الناس." بإعادة استحضار مثال الناس الذي يهبطون بمظلات [باراشوتات] عشوائيًّا على سطحٍ متنوع للغاية لكوكبٍ آخر. أقترح أن الناس في موقفٍ كهذا سيكون لديهم التزام بمساعدة رفاقهم. لو أن المذهب الطبيعي صحيحٌ، فإذن نحن في موقف مشابه نسبيًّا، وبالتالي لدينا التزام مشابه بمساعدة رفاقنا من البشر. يتألف التواضع من وجهة نظر طبيعية جزئيا من إدراك هذا الجانب من وضعنا. هذا كان أساس اقتراحي أن التواضع الطبيعيّ يؤدّي إلى الإحسان. لكن افترِضْ أننا أضفنا إلى السيناريو البند الشرطيَّ بأنه واضحٌ لكل أحدٍ على سطح الكوكب بأن لا شيءَ يمكن عمله لتحسين القدَر العام لكل أحدٍ آخر. في هذه النسخة من السيناريو لا أحدَ سيكون التزام بمحاولة تحسين القدر العام لكل واحد، بما أن_كما وضَّحَ جْرام Graham _لا يمكن أن يكون هناك أي التزام بفعل ما لا يمكن بوضوحٍ عمله. إن اقتراح جْرام هو أنه في الحقيقة لواضحٌ أنه ليس هناك أي شيء يستطيع أي أحد فعله لتحسين القدر العام للبشرية هنا على الأرض؛ وبالتالي لو أن المذهب الطبيعيّ صحيحٌ، فلا أحد عليه أي التزام بالمحاولة. تتسم جدلية جرام هنا ببعض التشابه مع جدلية كانط الأخلاقية التي ناقشتها في الفصل الثالث، في مقدمة كتابه يقول جرام أن جدليته "هي على نحو أساسيّ نسخة مما يسمى بالجدلية الأخلاقية لأجل وجود الله، الخاصة بكانط. للرد على هذه الجدلية، يجب أن نميز بين ادعائين: 1- ليس هناك أي شيء يقدر أي أحد فعله لتحسين حيوات كل أو معظم البشر. 2- ليس هناك أي شيء يقدر أي أحد فعله لتحسين حيوات بعض البشر. لدعم نظريته، ناقش جْرام العديد من المحاولات الكبيرة لمساعدة الآخرين، ويجادل بأن كلها قد فشلت. إن جدليته استقرائية: مسلِّمين بالسجل الماضي للمحاولات لتحسين الظرف الإنساني، فإن التوقعات باحتمالية نجاح أي محاولة مستقبلية ضعيفة باهتة للغاية. لا ينكر جْرام أن الظروف العامة للحياة البشرية قد تحسنت في بعض مناطق العالم على الأقل. بل إن ما ينكره هو الادعاء بأن "الظرف الإنسانيّ قد صار أفضل كنتيجةٍ للقصد الواعي والعزم على تحسينه". لقد دوَّنَ أنه "لم يعد أي مؤرّخ جادّ يقرّ بمفهوم "الرجال العظماء" الذي يَنسُب التحولات كبيرة المقياس إلى أفعالِ أفرادٍ." هو كذلك يرفض فكرة أن الدول (بدلًا من الأفراد) يمكنها إحداث مثل هذه التحولات الكبيرة المقياس: "نحتاج فقط أن نتأمل أبرز محاولات القرن العشرين لاستعمال قوة الدولة القوية بروح المذهب الإنسانيّ لإحداث تحولات وتحسينات كبيرة في أقدار الناس العادية، لندرك كي ضلت الطريق على نحو مذهل دارميّ، على غرار النظام الشيوعي للبلاشـﭭة في روسيا، والمحاولة النازية لصنع رايخ [امبراطورية] ثالثة تبزغ من جرمانيا أعظم، وثورة ماو الثقافية في الصين، وسياسات كاسترو في كوبا، ومحاولات الخمير الحمر الوحشية لبدء صفحة جديدة وسلوكيات أفضل في كامبوديا... إن مخططات التحسينات السياسية للمذهب الإنساني_إن كان القرن العشرون يرشدنا إلى أي شيء_لها سجل سيء على نحوٍ استثنائيّ[136]". يضيف جْرام أنه عندما حدث النمو الاقتصادي، فإن "الحكومات سيطرت على النمو الاقتصادي بدلًا من أن تكون مدبَّرَتَه"، ويصل آخر الأمر إلى الاستنتاج التالي: "إن الأفعال القصدية للبشر فرديًّا أو جمعيًّا في أحسن الأحوال تحقق مقدارًا ضئيلًا وفي أسوئها مؤذية...المعنى الضمنيّ للمذهب الإنسانيّ واضح. إن الأغلبية العظمى للحيوات البشرية تفتقد القيمة التي تجعلها تستحق العيش، الكثير للغاية من الحيوات ستستمر مفتقدةً للقيمة، وحيثما تكون هذه هي الحالة فلا يوجد أي شيء يمكن أن يتوقعه إنساني مقتنع، أو يُتوقَّع القيامُ به... إن معتقد المذهب الإنسانيّ ليس....معتقدًا ذا تفاؤلٍ منوِّر، بل هو إما ثقةٌ عمياءُ أو يأسٌ منوِّر." يركّز جْرام حصريا على المحاولات التي قام بها الأفراد أو الدول لإحداث تحسينات كبيرة على مقياس كبير. إن نظريته أن مثل هذه المحاولات قد فشلت في الماضي وبالتالي يمكننا توقع فشل كل المحاولات المستقبلية المماثلة. الآن، أعتقد أن هناك مجالًا للجدال هنا؛ كمثالٍ، ألم يُلغَ الاستعبادُ في الولايات المتحدة الأمِرِكية [ومعظم العالم وكله تقريبًا وعمومًا]؟ وألم يكن هذا تغييرًا كبيرًا مُحدَثًا قصديًّا حسَّن على نحو دراميّ حيوات الكثير من المُستعبَدين وأنسالهم؟ [وحسن حيوات كل البشر بالقضاء على إمكانية استعباد الإنسان لأخيه الإنسان؟] فيما سبق اقترحتُ أن نسعى لبرنامجٍ قد يُقهَم على نحوٍ معقول على أنه من النوعية التي ينتقدها جْرام. رغم أني قلت عندما ناقشت مبدئيا الاقتراح محل الكلام في الفصل الرابع أني لست مناصرًا لوضع سلطة تشكيل الشخصية في يد الدولة. في الحقيقة فأنا أعتقد أنها ستكون فكرة سيئة للغاية. أشير هنا إلى اقتراحي بأن نجعل العلم في خدمة المسعى الأفلاطونيّ لإيجاد وسيلة يُعتمَد عليها لجعل البشر فضلاءَ. إن السجل الماضي للأبحاث العلمية_أنا أؤكّد_يقدّم بعض الأمل لهذا المسعى. فرغم كل شيء، إننا نرى تقدمًا تكنولوجيًّا وعلميًّا هائلًا في مسار التاريخ البشريّ. وبعض مجالات هذا التقدم قد منحت بعضنا على الأقل قدرة على عيش حيواتٍ أكثر صحةً بكثيرٍ ومريحةً أكثر مما كان ممكنًا في السابق. بالتأكيد لم يسبِّب التقدمُ العلميُّ أيَّ تحسنٍ أخلاقيٍّ، لكنه صحيحٌ كذلك أن العلم لم يُستعمَل حتى الآن بوضوحِ لذلك الغرض. لذلك لا أعتقد أن نوعيات الإخفاقات التي أشار إليها جْرام تتنبأ بأن نوع البرنامج الذي قد اقترحته محكومٌ عليه بالفشل. في الحقيقة، أعتقد أنه يمكن عمل احتجاج مقبول بأن في بعض الأمثلة على الأقل التي أشار إليها جْرام كان جزءٌ من المشكلة هو أن "المخططات" محل الكلام قامت على أساليب فهم معيبة للطبيعة البشرية، وهذا بالضبط نوعية الأمور الذي يمكن أن يساعدنا تقدم العلم، خاصّةً علم المخ والأعصاب، على تجنبها [إساآت الفهم][137]. كتب Antonio Damasio في آخر صفحة من كتابه (البحث عن سيبنوزا) Looking for Spinoza: "لا شكَّ أن فشل تجارب الهندسة [التخطيط] الاجتماعية الماضية هو جزئيا بسبب الحماقة المحضة للخطط أو فساد تنفيذها. لكنَّ الفشل قد يكون كذلك بسبب المفاهيم الخاطئة عن العقل البشري التي أمدت المحاولات بالمعلومات". إن النقد الرئيسي الذي أريد القيام به لجدلية جْرام هو أنها على أقصى تقدير تبرهن على أن: 1- لا شيء يمكن لأي أحد فعله لتحسين حيوات معظم أو كل البشر، لكنه لم يبرهن بجهدٍ كبيرٍ على هذا الادعاء. 2-ليس هناك شيء يمكن لأي أحد عمله لتحسين حيوات بعض البشر. فلنعد إلى مثال المظلات [الباراشوتات] مرة أخرى. ربما يكون الوضع أنه لا يوجد شيء يمكن لأي فرد فعله لتغيير الظروف العامة للوضع جذريًّا. فلنفترض أن بنية وتضاريس الكوكب الأساسية غير قابلة للتغيير [حتمية]، ومهما فعل أي أحدٍ فإن مسارات الهبوط التي اتخذها الهابطون بالمظلات ستظل عشوائية. فرغم ذلك، يستق مع كل هذا أن الكثير من الأفراد لديهم القدرة على مساعدة بعض رفاقهم، وبالتالي فعلى هؤلاء الأفراد التزام بفعل ذلك. وأعتقد أن وضعنا مشابه كثيرًا لذلك. ويقينًا أن الكثير من سلوكياتنا يشير إلى أننا نفترض ضمنيًّا أن الافتراض 2 باطل، كمثال كم عدد الآباء الذين يتصرفون كما لو أنهم يعتقدون أن لا شيء يمكنهم عمله لتحسين حيوات أولادهم؟. ربما يكون جْرام محقًّا أن بالنسبة لمعظمنا أو كلنا فإن التغيير الكبير للظروف الأساسية للإنسانية مستحيل وخارج إمكانية السعي. لكنه واضحٌ أن كلًّا منا (وأعني بالضمير "نا" أي أحدٍ يعيش حياةً يكون فيها تكريس وقت معتَبَر لقراءة كتابٍ كهذا اختيارًا معقولًا) هو في مكانةٍ [وضعٍ] يمكنه من مساعدة شخصٍ ما. ردًّا على الاعتراض على مذهب النفعية المسمى بـ "أسمى كثيرًا من الطبيعة البشرية"، كتب جون ستيورات مِلّْ [في كتابه المذهب النفعي Mill, Utilitarianism p.19]: "إن مضاعفة [مقدار] السعادة هو_وفقا للأخلاق النفعية_موضوع الفضيلة. المناسبات التي يكون فيها أي شخص (عدا واحدًا في الألف) في قدرته عمل هذا على مقياس كبير_ أي بعبارة أخرى: أن يكون محسنًا مدنيًّا_ليست سوى استثنائية؛ وفي تلك المناسبات فقط يُطالَب أن يراعي الصالحَ العامَّ؛ أما في كل الحالات الأخرى، حالات المنفعة الخصوصية، فإن مصلحة أو سعادة بعض القليل من الأشخاص هي كل ما عليه أن يقصده." بإعادة تذكر مناداة Peter Singer بيتَر سِنْجَر كذلك بثورة أخلاقية. كتب سِنْجَر أنه "لو أن 10% من السكان اتخذوا منظورًا أخلاقيًّا بوعيٍ للحياة تصرفوا وفقا له، فإن التغير الناتج سيكون أكثر أهميةً من أي تغير في الحكومة". فإن ردي على جدلية جْرام_من ثَمَّ_هي الإشارة البسيطة إلى أنه ربما أفضل وسيلة لتحسين حيوات الناس ليست عمل ذلك لكلهم، بل بالأحرى تحسين حياة أحدهم كل مرة. ما هو متطَلَّب ليس مخلِّصًا أو "إنسانًا عظيمًا" أو تغييرًا كبيرًا يُفرَض من خلال الوسائل السياسية، بل بالأحرى شيء مثل ثورة سنجر الأخلاقية [المقترَحة][138]. حتى في كونٍ من منظور طبيعيٍّ فإن كلًّا منا يقدر أن يساعد شخصًا ما، ونحن ملزَمون بالقيام بالمحاولة. هناك أساس محتمل آخر للادعاء بأن المذهب الطبيعي ليس عقيدة يمكننا العيش بها. إنه الادعاء بأن المذهب الطبيعي هو منظور للعالم مستحيلٌ على الكثير من الناس نفسيًّا قبوله خلال حيواتهم بكاملها. بإعادة تذكر إصرار جْرام المتكرِّر بأن المذهب الطبيعيّ يتضمن أن معظم الناس محكوم عليهم بعيش حيواتٍ عديمة أو شبه عديمة القيمة. فإن هناك مجالا للجدال بصدد النِسَب هنا، لكن المذهب الطبيعي يتضمن بالتأكيد أن كثيرًا من الناس عاشوا ويعيشون وسيعيشون مثل هذه الحيوات. إن يكن هذا صحيحًا، فمن ثمَّ يمكننا أن نفهم سبب احتمالية صعوبة الاعتقاد بالمذهب الطبيعي على الكثير من الناس، هل هو محتمَلٌ أن يعيش امرؤٌ بعقيدةٍ تتضمن أنه محكومٌ عليه بعيش حياة عديمة القيمة؟! على أقل تقديرٍ فإن الكون من منظور طبيعيّ يسمح بوجود أوضاع ميئوس منها على نحوٍ حقيقيٍّ. على النقيض، فإن المسيحية [والإسلام] تقدّم أملًا لكل أحدٍ، بغض النظر عن الوضع [الخاصّ به]. هناك دومًا أمل بالخلاص الأبديّ [والنعيم المقيم]. الإغراء بالاعتقاد بالفائق للطبيعة يصعب مقاومته، لو أن المذهب الطبيعيّ صحيحٌ، فمن ثُمَّ فإن الكثير من الناس قد يجدون أن "الواقع_بالنظر إليه باستمرار_لا يمكن احتماله"، بحسب تعبير لِوِس في (الأسى الملاحَظ) C. S. Lewis, A Grief Observed New York: HarperCollins, p.28, 2001. إن شعوري الخاصّ هو أن المذهب الطبيعي هو عقيدة يستطيع البعض العيشَ بها بينما لا يستطيع آخرون. ما يمكن أن يعتقده شخصٌ يتنوع اعتمادًا على الظروف الخارجية، والتركيب البنيوي، وحشد من العوامل الأخرى. يبدو واضحًا أن بعض الناس على الأقل قادرون على عيش كامل حيواتهم كطبيعيين. برتراند رَسِل قام بذلك، وكذلك فرويد. رغم أن الأخير لم يكن مثالًا ملهمًا في أواخر حياته الخاصة [على عظمة إسهاماته لعلم النفس، وللفكر الإلحادي كذلك، وأضيف كمترجم أمثلة روبرت أنجرسُل وبارون دي هولباخ ودنيس ديدرو وبنجامين فرانكلين و Charles Bradugh, Charles Southwell, soeur de Charron وابن الراوندي وأبي العلاء المعري ويوسف زيدان وGoro الهندي وغيرهم]. ظل ديـﭭـِد هيوم أيضًا ملحدًا حتى النهاية المريرة. في الحقيقة، فإن صلابة إلحاد هيوم كانت مصدرًا لإذهال James Boswell، وهو كاتب سيرة Samuel Johnson، الذي كان صديقًا لهيوم لوقتٍ طويلٍ وزراه عندما كان يحتضر. كان Boswell_مرتعبًا من فكرة الفناء_مفتونًا ومخيَّب الأمل معًا بقبول هيوم الواضح الهادئ لنهايته[139]. الأدلة من الملاحظات [الإمبريقية] على أن المذهب الطبيعيّ لا يُرجَّح أن يكتسب قبولا واسعا تظهر في كتاب (لماذا لن ينتهي الله) Why God Won’t Go Away. هذا الكتاب هو فحص للأسس العصبية لأنواع معينة من الخبرات الدينية. يُعطى فيها اهتمام خاص لشعور غامض يسميه المؤلفان بـ" الشعور بالاتحاد بالمطلَق". وهو حالة للعقل فيها "لا شعور بالمساحة ولا مرور الزمن، ولا خط فاصل بين النفس وبقية الكون...لا نفس شخصية على الإطلاق...فقط شعور مطلق بالوحدوية[140]. يقترح المؤلفان أن هذا النوع من التجربة الماورائية يمكن أن تنشأ من عمل عاديٍّ لمخ سليم صحيًّا وأن كل أمخاخ البشر العادية لديها التجهيزات العصبية المتطلَّبَة لإحداث الشعور بالوحدوية المطلقة. إنهما يقترحان أن هذا يساعد على تفسير سبب كون الاعتقاد الديني لن ينتهي: "هذه القابلية الموروثة للمرور بالشعور بالوحدة الروحية هي مصدر حقيقيّ لقوة الدين الباقية. إنها تثبِّت الاعتقاد الدينيّ في شيء أعمق وأقوى من التفكير أو العقل، إنها تجعل الله واقعًا لا يمكن تجاهله بالأفكار، ولا يمكن أن يصبح قديمًا مهجورًا". يختتم الفصل الأخير من هذا الكتاب بهذا الكلام: "طالما تكون عقولنا منظمة بالطريقة التي عليها...فإن الروحانية ستستمر في تشكيل الخبرة البشرية، والله_أيًّا ما كان تعريفنا لهذا المفهوم الماورائيّ الفخيم_ لن ينتهي." [انظر كذلك Breaking the Spell, Daniel Dennett كسر السحر، الدين كظاهرة طبيعية للفيلسوف دانيال دانِتْ][141] يتضح أننا _إلى حدٍّ ما_مصمَّمين إعداديًّا على نحو مناسب للتدين. إن يكن هذا صحيحًا، فمن ثم من المحتمل أن الطبيعانيين [الملحدين] سيظلون دائمًا الأقلية. لكنْ بالتأكيد لا ينتج عن هذا أن المذهب الطبيعيّ باطلٌ. لربما أن المذهب الطبيعيَّ حقيقةٌ أساسية عن الكون لا يقدر أغلب البشر أن يقبلوها، على الأقل ليس لفترة طويلة جدًّا. لربما أن الكثير منا يمكنه قبولها فقط عندما يكونون شبابًا نسبيًّا وأصحّاء وناجحين. إن كان الأمر كذلك، فمن ثم ربما تكون القدرة على مواجهة وقبول هذه الحقيقة الأساسية بخصوص الكون هي فقط إحدى الفوائد التي يكتسبها من هم شباب وأصحاء وناجحون[142]. كيف ينبغي أن نصف الشخص الذي "يكتشف الدين" كنتيجة للمعاناة، أو فقدان الأحباء، أو إدراك موته الوشيك، أو نوع آخر ما من الشر يتعلق بما إذا يكون المذهب الطبيعيّ صحيحٌ أم النسخة ذات العلاقة من الإيمان هي الصحيحة. كان سيقول C. S. Lewis أن مثل هذا الشخص قد تعلم أخيرًا الدرس الذي يحاول اللهُ تعليمَه له؛ أن السعادة الحقيقية تكمن في الله وليس في الأشياء الأرضية[143]. بينما كان برتراند رَسِل Bertrand Russell سيقول أن مثل هذا الشخص قد خضع للخوف وقاده اليأس لتبنّي خرافة لكي يتجنّب حقيقةً لا يستطيع مواجهتها. كما دوّنتُ في مقدمة الكتاب، فليس هدف هذا الكتاب تقرير ما إذا يكون المذهب الطبيعيّ صحيحًا أم باطلًا، ولذلك لن أحاول حسم [الرد] على السؤال عما إذا كان الشخص الذي يلجأ للدين قد اقترب أكثر أم ابتعد أبعد من الحقيقة. ما قد حاولته في هذا الكتاب هو البرهنة على أن المذهب الطبيعي [العقلانية، المادية، الإلحاد، المذهب الإنساني، التطورية، العلموية] لا يتضمن المعاني الضمنية الأخلاقية البغيضة التي كثيرًا ما تُنسَب إليه. المذهب الطبيعي ليس هو نفس_ ولا يتضمن_العدمية النهلستية ولا النسبية الأخلاقية ولا مذهب المتعة ولا الأنانية. الطبيعانيّ يمكنه ويجب أن يدرك أن بعض حيوات البشر على الأقل لها معنى داخليّ وأن هناك التزامات أخلاقية عديدة بسبب مكانة الفرد في الكون. لو أن الجدلية الرئيسية لكتاب (لماذا لن يرحل الله) صحيحة، فمن ثم فربما لن يكتسب المذهب الطبيعيّ قبولا واسعا. لكن لو أن المذهب الطبيعيّ سيُرفَض، فلا ينبغي أن يُرفَض على أساس فلسفة فاسدة. من يرفضون المذهب الطبيعيّ لأنهم يعتقدون أنه يتضمن أي من الأضرار الأخلاقية [شياطين الأخلاق] المسرودة للتو يقومون بهذا بالضبط. فيم قالته (منفعة الدين)[144]، يقترح جون ستيورات مِلّْ أن نتبنى ما سمّاه بـ (دين الإنسانية). هذا دينٌ متوافقٌ مع المذهب الطبيعيّ. كتب مِلّْ: "إن جوهر الدينِ هو توجيه قوي وجادٌّ للعواطف والرغبات باتجاه هدفٍ مثاليٍّ، يُعرَف باعتباره الامتياز الأسمى، وباعتباره الحاكم الأعلى بحقانية فوق كل الأهداف الأنانية الأخرى للرغبة. هذا الشرط يُحقَّق بدين الإنسانية بدرجة بارزة وحسٍّ عالٍ بنفس درجة ما حققه الأديان المعتقدة بالأمور الفائقة للطبيعة حتى في أفضل تجلياتها، وبالتالي أكثر بكثير مما في أيٍّ من تجلياتها الأخرى [الأضعف]. الهدف المثاليّ لدين الإنسانية الخاص بجون ستيورات ملّْ هو_كما يوحي الاسمُ_الإنسانيةُ نفسُها. إن جوهر هذا "الدين" وبمثابة القلب له "الإحساس بالوحدوية مع الجنس البشريّ، وشعور عميق لأجل الصالح العامّ". ما يثير اهتمامي هنا ليس ادعاء ملّْ بأن الرأي الذي وصفه هو "دينٌ"، بل بالأحرى اقتراحه أن أحد الفوائد الرئيسية للدين هو "هزيمة الأنانية". يقول باسكال عن المسيحية [في كتابه التأملات] أن: "لا دينَ آخرَ قد اعتبَر أننا ينبغي أن نكره أنفسَنا". كما قد رأينا يشدَّد لِوِس C. S. Lewis و باسكال Pascal على أن السعادة الحقيقية والفضيلة تُنال من خلال الخضوع لله. كتب لِوِس [في كتابه المسيحية المجرَّدة Lewis, Mere Christianity, P. 88]: "الخير الحقيقيّ للمخلوق هو أن يسلَّم نفسَه لخالقه، أن يقيم فكريا واختياريا وعاطفيا، تلك العلاقة المحددة بالحقيقة المجردة لكونه مخلوقًا. عندما يفعل ذلك، فهو بخير وسعيد." العائق الرئيسي لهذا الاستسلام هو الأنانية، والتي يفهمها لِوِس وباسكال على أنها حب النفس، أو على نحو أكثر تحديدًا: حب النفس أكثر من الله. عندما يقول باسكال أن المسيحية تعلِّم كره النفس، فإن ما يعنيه هو فكرة أن المسيحية تعلِّم الاستسلام [الخضوع] لله. وأن العائق الرئيسيّ له هو حب النفس المُفْرِط. على نحو مثير للاهتمام، فإن إحدى الظواهر المكونة الرئيسية للخبرة الماورائية الغامضة للشعور بالوحدوية مع المطلق هي انطفاء تامّ للشعور بالنفس. لكن المرءَ لا يحتاج أن يكون مؤمنًا، ناهيك عن أن يكون مسيحيًّا، ليدرك أن الميل اتجاه الأنانية هو إحدى أكثر السمات البشرية رسوخًا وأكثرها ضررًا في نفس الوقت في الطبيعة البشرية. ينبغي أن يسلِّم الطبيعيُّ والمؤمن على السواء بأن إحدى التحديات العظمى التي نواجهها هي "قلب الظلام" في داخل كلٍّ منا. لمحاربة قلب الظلام هذا، فإن المسيحية توصي بالخضوع لله، ويوصي جون ستيورات مل بتنمية إحساس بالوحدة مع الجنس البشريّ، ويوصي كانط بجعل متطلَّبَات الأخلاق أولويتنا العليا، ويوصي Peter Singer بيتر سنجر بتكريس النفس لتقليل المعاناة، وقد أوصيت بوضع العلم في خدمة المسعى الأفلاطونيّ لوسيلة يعتمضد عليها لجعل البشر فاضلين. هذه كلها أشكال لصراعٍ مشترَكٍ، الصراع ضد الأنانية الموروثة في الطبيعة البشرية. ربما_إذن_ هذا صراع مفرَد فيه كلنا في نفس الجانب. تمنياتي للجميع بحياة طويلة وتطورٍ أخلاقيٍّ. انتهى الكتاب |
|
|
|
رقم الموضوع : [13] |
|
باحث ومشرف عام
![]() |
رابط تحميل الكتاب:
https://ia601502.us.archive.org/11/i...9%84%D9%87.pdf أو http://www.mediafire.com/download/90...9%84%D9%87.pdf وكملف Word للنسخ: http://www.mediafire.com/download/m7...9%84%D9%87.rar |
|
|
|
رقم الموضوع : [14] |
|
باحث ومشرف عام
![]() |
[1] تشتهر ذبابات الماشية بأنها تلسع المواشي، وفي الإنجليزية تستعمل gadfly كتعبير مجازي عن الناقد اللاذع باستمرار_م.
[2] هذه هي الترجمة التي أمكنني العثور عليها لكلمة extropic من مصطلح extropy وهي كلمة إنجليزية منحولة مخترعة حديثًا وتعني مفهومًا وقانونًا معاكسًا في معناه وتأثيره للـentropy في علم الفيزياء، أي الاتجاه العكسيّ من الفوضى (حركة الكون وتعدد مواده ومحتوياته) إلى النظام (أي الثبات ووحدة طبيعته). هذا شرح مبسَّط بقدر فهمي للفيزياء وقد لا يكون دقيقًا_م. [3] النشيج هو صوت البكاء، ولم يكن يحتاج إلى توضيح هذا لولا انحدار مستوى التعليم واللغة في العالم العربي. [4] يبدو واضحًا أن هذا تشبيه مجازيّ للنهار والليل_م. [5] اقتراح مشابه قدمه Kai Nilsen الذي علق بأن "رجلا يقول لو أن الله ميت فلا شيء يهم هو طفل مدلل لم ينظر أبدا إلى رفيقه بعطف" في كتابه (الأخلاق بدون الله) Ethics without God_المؤلف. [6] احتوت أفكاره على مفاهيم عنصرية عديدة_المترجم. [7] لقد اشتقت كلمة الساديّة sadism أي تمتع المنحرف بإيذاء شريكه الجنسي من اسمه، وهو دوناتا ألفونس فرانسوا دى ساد. معروف بـماركيز دى ساد،بالفرنسية: Donatien Alphonse François, marquis de Sade2 يونيو 1740 - 2 ديسمبر 1814. كان أرستقراطيا ثوريا فرنسيا وروائيا. كانت رواياته فلسفية وسادية متحررة من كافة قوانين النهج الأخلاقي، تستكشف مواضيع وتخيلات بشرية مثيرة للجدل وأحيانا للاستهجان في أعماق النفس البشرية من قبيل العنف الوحشي،الاغتصاب...إلخ كان من دعاة أن يكون المبدأ الأساسي هو السعي للمتعة الشخصية المطلقة من دون أي قيود سواء أخلاقية أو دينية أو قانونية.وتتسم رواياته بعلامات السقم النفسي من هذا النوع، أما الرجل نفسه فقد سُجِن لفترة لا بأس بها عدة مرات تصل إلى32 عامًا من عمره لأجل اتهامات عاهرات له باستعمال العنف معهن على نحو متكرر، كما قضى فترة هي آخر حياته في مستشفى للأمراض العقلية لأجل كتاباته وسلوكياته، رغم كتابات دى ساد التي غاصت في أقاصي ما يمكن تخيله من أفكار للنفس البشرية إلا أنه وكما تقول الكاتبة كلويه ديليس في كتابها "دي ساد معاد النظر ومُـلطّفـًا لبنات اليوم"، "...كفرد لم ينكح طفلا ولم يدعُ إلى نكاح الأطفال ولم يشجع هذا أبدا.. فهو مثل لويس كارول لم يدع الفتيات للركض وراء أرانب الجانب الآخر من المرآة..". في إحدى رسائله ذكر دى ساد "...نعم، أنا ركبت الفسوق "libertine"، وقد تخّيلت بكتاباتي كل ما يمكن تخيّله في هذا المجال، لكنني بالتأكيد لم أفعل كل ما تخيّلته ولن أفعل أبدا. أنا فاجر، لكنني لست مجرما أو قاتلا.."_عن الويكيبديا بتصرف_م. [8] مرفقك: كوعك. والفقرة من كتابه الشهير (التأمّلات)_م. [9] الدين الإسلامي كذلك لديه آيات ضد التفكير والبحث العلمي سامي التطلعات والطموح والحقائق العلمية عن نشأة الكون والمادة ونشأة وتطور الحياة، مثل آية تقول {ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض..} إلخ_المترجم. [10] أي خرافة طرد آدم وحواء الخرافيين (المدحوضين علميًا بقانون علم وراثة العشائر والانهيار بالتهاجن الداخلي في حالة إنتاج نوع من زوجين فقط، وطريقة التطور في الأنواع) من الجنة الخرافية على يد الله الخرافي!_المترجم [11] تعبيرات دارجة أمركية كبحق المسيح for Christ’s sake! كما بالأصل المترجم هنا أو الشي الملعون من الله The god damn something منتشرة على الألسنة في الدول الناطقة بالإنجليزية بحيث قد يستعملها المؤمن وغير المؤمن كما نرى في خطابات عروض جورج كارلين الكوميدية مثلًا على إلحاده الذي قد يوصف بالراديكالية_م. [12] هنا يطرح عليه سقراط[س] ردًّا في شكل سؤال يشكل معضلة لللاهوتيين تعرف بمعضلة يوثيريو أو يوثفرو Euthyphro dilemma، حيث يسأله "هل التقيّ (τὸ ὅσιον) تـُحـِبـُّه الآلهة لأنه تقي، أم أنه تقي لأنه محبوب الآلهة؟"_م. [13] متى ما. [14] التماسك المنطقي يختلف عن الاحتمالية الميتافزيائية الأوسع، بمعنى أن الله لا يمكنه جعل فعلًا ما أخلاقيًّا وغير أخلاقي في نفس الوقت. لا تدعي نظرية التحكم أن الله يمكنه جعل كل ادعاء أخلاقي صحيحًا_المؤلف. [15] في حالة فرضية الاعتماد على أساس أنها حقيقة طارئة محتملة، يمكن التأكيد دومًا أنه إذا كان الله منشئ الحقائق الأخلاقية بهذا الكون فهناك إمكانية وجود عوالم بدون إله بها قواعد أخلاقية وفي مثل تلك العوالم سيكون للحقائق الأخلاقية مصدر آخر غير الله_المؤلف. [16] حقيقة وهو تحدٍ لكل ديانة تزعم وجود إله أو آلهة له/لهم وعي وفعل أو عناية ما كالإسلام واليهودية والهندوسية وغيرها. [17] من كتابه The problem of evil, selected readings مشكلة الشر، قراآت مختارة. [18] يمكن العثور على نسخة بلانتينجا من دفاع الإرادة الحرة في العديد من المصادر، سأشير إلى: “The FreeWill Defense,” Chapter 2of The Analytic Theist: An Alvin Plantinga Reader, ed. J. F. Sennett (Grand Rapids: Wm. B. Eerdmans, 1998), 22–49. [19] يقيم بلانتينجا دفاع الإرادة الحرة الخاصّ به على احتمالية أن كل جوهر فرديّ يعاني من فساد بسبب الانتقال بين العوالم. المهتمون بالدقائق الفنية سيهتمون بملاحظة أن نموذجي يُظهِر أن بلانتينجا يمكنه النجاح بجهد مع الادّعاء الأضعف. إن كان الجوهر يعاني من فساد بسبب الانتقال من عالم إلى عالم فهذا يتضمّن أن أي عالم يمكن لله أن يجعله واقعًا يكون فيه الجوهر موجودًا منذ لحظة الخلق وحرًّا هو عالم يكن فيه كل فرد يفعل شيئًا ما خطأً. لكن بلانتينجا يمكنه اجتياز هذا بصعوبة بالادعاء الأضعف بأنه يمكن أن كل جوهر فرديّ هو كذلك لأن أي عالم يمكن لله جعله واقعًا وفيه يكون ذلك الجوهر موجودًا منذ لحظة الخلق وحرًّا هو عالم يفعل فيه شخصٌ ما_وليس بالضرورة الشخص محل الكلام_شيئًا خاطئًا_المؤلف. [20] أواجه هذا الموقف حاليًّا في ترتيب كراسي حفل زواجي_المؤلف. [21] عندما نرى الأخبار عن الإرهابيين_سواء من مسلمين أو إسرائيليين أو غيرهم_ الذين يقتلون الأبرياء بدعوى أن الله جعل قتلهم فعلًا خيّرًا ندرك مدى أهمية دحض فرضية التحكم القائلة بوجود إله يمكنه جعل الغير أخلاقي أخلاقيًّا، وأهمية أطروحة سقراط[س] المعروفة بمعضلة يوثيريو في عصرنا_المترجم. [22] John Hick, Evil and the God of Love (New York: Macmillan, 1966), 290 [23] إن المؤلف وبلانتينجا وهك تناولوا هنا مشكلة الأفعال الشريرة باعتبار البحث منصبًّا على الأخلاق في المقام الأول، لكن ماذا عن الشر في الأمراض وسلوك الـﭭيروسات والطفيليات كالدبابير واضعة يرقاتها لتتغذى على لحم يرقات الفراش والعث الحي، أو المفترسات كالضباع والدببة والشيمبانزيات اللذين يأكلون فرائسهم وهي حية؟!_م. [24] Edward Wierenga, “A Defensible Divine Command Theory,” Nous 17 (September 1983), 394. [25] وفي الإسلام كذلك نجد الفكرة متكررة بوضوح، ويقول القرآن مثلًا مشبّهًا البشر بالعبيد المملوكين لله: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (28)} سورة الروم: 28 [26] Baruch Brody, “Morality and Religion Reconsidered,” in Readings in the Philosophy of Religion, ed. B. Brody (Englewood Cliffs, NJ: Prentice Hall (1974), 601. [27] أفترض أن برودي يقصد بالادعاء المحتمَل أنه صحيح حتميًّا لو أنه صحيح على الإطلاق. الافتراض مناسب لأغراضنا سواء كان هذا مقصد برودي أم لا، بما أن الادعاء يتضمّن فرضية كارامازوﭪ فقط لو أنه صحيح حتميًّا فقط. إن يكن الادعاء مجرد حقيقة محتمَلة، فهذا يترك المجال لاحتمالية أنه بينما في العالم الحقيقيّ تكون كل التزاماتنا الأخلاقية مستمدة من حقيقة أننا ننتمي إلى الله [المزعوم]، فإن أقرب عالم محتمَل لا يوجد فيه إله هو عالم يكون علينا فيه التزامات أخلاقية مستمدة من مصدر آخر ما_المؤلف. [28] Adams, Finite and Infinite, 252. [29] Richard Mouw, The God Who Commands (Notre Dame: Univ. of Notre Dame Press, 1996), 19–20. يالها من استدلالات عجيبة من خلال خرافات لا علاقة لنا كبشر معاصرين بها بأي حال_المترجم. [30] Hick, God of Love, 132–3. [31] Mark Murphy, “Divine Command, Divine Will, and Moral Obligation,” Faith and Philosophy 15:1 (January 1998), 4; I have revised Murphy’s formulations slightly. لقد نقّحتُ صياغات مارك مورفي على نحو خفيف. [32] لنقل يوم الجمعة كإجازة العرب المسلمين عمومًا لتقريب الصورة يعني أثناء الاسترخاء والراحة في إجازة_م. [33] Adams, Finite and Infinite, 260 , 261. [34] Adams, Finite and Infinite, 261, 265. [35] Mouw, God who Commands, 19–20 [36] نسبة إلى الطبيعة naturalists، أو لنقل العقلانيون أو الملحدون أو الواقعيون بعبارة أخرى_م. [37] أو أنه مثلًا فضَّل شخصًا بعينه على كل البشر وأصعده لمقابلته في معراج، وأعطى للناس تشريعًا وله تشريع آخر ليخالف التشريع الذي أعلن عنه بنفسه كقبوله شهادة شاهد واحد لم ير المشهود عنه أصلًا أو يتزوج من تسع نساء، أو أن الإله المزعوم أمر بالعنصرية والجزية والحروب والاستعباد كما في القرآن الإسلاميّ_م [38] هنا يقصد اللادينيين الربوبيين واللاأدريين والمتشكّكين المتزعزعين بين المرجعيات المعرفية والأخلاقية الدينية واللادينية، مع عدم ترسّخهم أغلب الأحيان في الفكر العلماني ومراجعه، وبرأيي مع معطيات العلم الحديث من بيولوجي وعلم كون وعلوم الأديان يعتبر هؤلاء لم يقوموا بجهد كبير في الاطلاع والبحث والتفكير المنظَّم بشكلٍ كافٍ، فقط الموقف اللاأدري أو عدم الدراية مع التبني الكامل للقيم اللادينية المعرفية والأخلاقية قد يُعتبَر موقفًا فلسفيًّا له وجهة نظره القيِّمة_م. [39] هذا الادعاء يجب أن يُقيَّد إلى حدٍ ما، قد يكون الله قادرً على فرض مثل هذه الإلزامات بطريقة ملتفة, هبْ_مثلًا_أن الله يريد التسبّب في جعلك ملزَمًا بفعل الفعل أ. يقدر الله أن يجعل أن إنسانًا كفئًا على نحو مناسب، شخص تعرفه ككائن ذي سلطة لفرض التزامات معينة عليك، يأمرك بالقيام بالفعل أ. لكن الله لا يقدر أن يفرض إلزامات على طبيعيين عقلانيين بالطريقة المباشرة نسبيًّا التي تصوِّرَها آدمز. [40] ربما يكون الطبيعي الغير عقلاني مجالًا حتى للنقد الأخلاقي. افترض_مثلا_أن الطبيعي [الربوبي] كان سابقًا مؤمنًا لكنه صار طبيعيًّا عمدًا ليتجنَّبَ إلزامات الله المفروضة. فعل كهذا قد يكون مجالًا للنقد الأخلاقيّ تمامًا من وجهة رأي إيمانية. [41] Moore, Principia Ethica, 147. [42] من خطبته: عدم إمكانية الاستغناء (ضرورة) الأسس الميتافيزيقية الأخلاقية للأخلاق. William Lane Craig, “The Indispensability of Theological Metaethical Foundations for Morality,”1996, home.apu.edu/∼CTRF/papers/1996 papers/craig.html (accessed March 26, 2004(. [43] For one such attempt, see Martin, Atheism, Morality, and Meaning, Chapters3 & 4. هذا اقتراح المؤلف للقراءة، أما أنا كمترجم فمغرم بكتابات Frans de Waal المتخصّص في علم سلوك القرود مع أخذ الأمر بطابع إنسانيّ واعٍ طبعًا بحذر. [44] لأجل الاطلاع على بعض الأبحاث الفاتنة بخصوص آراء الأطفال من خلفيات تقاليد دينية متنوعة على بعض المواضيع التي أثرناها في هذا الفصل، انظر (التعليم في مجال الأخلاق) الفصل الثاني see Chapter2 of Larry Nucci, Education in the Moral Domain (Cambridge: Cambridge Univ. Press, 2001، ضمن أسس بحثه يدعي أن حتى الأطفال المتدينين بشدة من خلفيات أصولية أو أرثوذكسية تقليدية، فإن الأخلاق تنبع لديهم من معايير مستقلة عن كلام الله [ كلام النصوص الدينية]. [45] قد أضرب كمترجم أمثلة أخرى سائدة في العالم الإسلامي كفوائد البنوك والبريد، والعلاقات الجنسية الحرة بلا زواج، وقضايا حقوق الشواذّ، وشرب الخمور طالما أنك لا تقود سيارة أو تعربد، وحرية التعبير..إلخ_المترجم [46] هذا بالنسبة للثقافة المسيحية، أما في الإسلام فقد يقال كذلك أنه الله الخالق الرازق إلى آخر هذه الافتراضات الخرافية لفرض قيم قرون وسطية وأفكار بعضها غير ملائم_المترجم. [47] John Leslie, Universes (New York: Routledge, 1989), 165–6. وهو يصنّف نظريته هذه ضمن الأفلاطونية الحديثة، وطبقًا لها فإن الله هو المتطَلَبات الأخلاقية نفسها. [48] على نحو واضح، جملة "واضعًا حكمَه" هنا تُفهَم بمعنى مجازي، وعلى نحو أكثر تحديدًا، فهذه الحقائق تضمّن حقائق معيَّنة أخرى بصدد أفعال وسمات البشر والله (لو يوجد). [49] William Lane Craig, “Indispensability.” [50] Simon Blackburn, Ruling Passions (Oxford: Oxford Univ. Press, 1998(265 الرغبات الحاكمة لسيمُن بلاكبِرن، نفس التمييز أحيانًا يُعبَّر عنه بمصطلحي الأسباب الموضوعية والذاتية. [51] من هنا فما بعد لن أستعمل مصطلح "المعياريّ"، وسأتكلّم فقط عن الأسباب. بفعلي هذا فإني أعني التحدث عن الأسباب الموضوعية المعيارية. لأجل التبسيط والوضوح في المقام الأول قد قدمتُ نسخة قوية للغاية من التحدي هنا، واستنتاجه أقوى من اللازم لأن هناك على الأقل بعض الحالات حيث تتطابق المصلحة الذاتية مع الأخلاق. التعبير عن التحدّي على هذا النحو الشديد رغم ذلك سيساعدنا على أن نفهم على نحو أفضل الإستراتيجيات العديدة للردِّ عليه. [52] في أعمالهم على الترتيب: الجمهورية، والأخلاق النيقوميدية، وبحث بصدد مبادئ الأخلاق، وسنجر Singer كذلك نظريته (ناقشناها في الفصل الأول) هي مثال معاصر لهذا النوع من الطرح. اتبع سيجمُند فرويد بوضوح كذلك هذا النوع من الاستِراتيجية، انظر كتاب (سؤال الله) see Armand Nicholi, Jr., The Question of God (New York: Free Press, 2002), 72. [53] كما فيما سبق، فهذا التعليل خلافيّ، لرؤية دفاع عنه، انظر أرسطوتلس وآراؤه عن الخير Richard Kraut, Aristotle on Good. [54] Aristotle, Nicomachean Ethics, 262–3, NE1169a20–30. [55] لأجل نقاش موسّع ودفاع عن هذا التفسير لرأي أرسطوتلس، انظر: my “Egoism and Eudaimonia-Maximization in the Nicomachean Ethics,” Oxford Studies in Ancient Philosophy, Volume XXVI(2004), 277–95. [56] أساس هذا الادعاء هو الجدلية المناقشة أكثر في كتاب الأخلاق لأرسطوتلس، جدلية الوظيفة أو العمل، لن أخوض نقاش تلك الجدلية هنا، لكن مما يستحق الإشارة أن حتى لو فشلت هذه الجدلية، فلن ينتج عن هذا أن بديهيات أرسطولس باطلة. [57] بالتأكيد ما إذا تنتج هذه الضروب من الاهتمام السعادة أو الحزن يعتمد على كيف يبلي الفريق. [58] انظر Aristotle, Ethics, 26, NE 1100b35. [59] كما نقول بالعربية: الطبع يغلب التطبع. [60] لأجل نقاش أكثر حداثة وتفصيلًا لهذه الظاهرة وكذلك بعض النقاش النقديّ كتاب روبرت فرانك، انظر Jon Elster, Ulysses Unbound, (Cambridge: Cambridge Univ. Press, 2000), Chapter 1. [61] يجادل فرانك بأن البشر جيدون تمامًا في تمييز السمات الشخصية للآخرين مباشرة في فترات زمنية قصيرة نسبيًّا. باختصار، لدينا موهبة جيدة تمامًا لمعرفة الفرق بين المخادعين المتعقلين والفاضلين على نحو حقيقي، انظر الفصول2 و3 و5 و6 و7 من كتابه. لو صح هذا الادعاء فهو يحتوي على سبب آخر لكون الفضيلة الحقيقية طريق واعد أكثر للسعادة مما عليه الخداع المتعقل (الانتهازية). لكن انظر كذلك John Doris, Lack of Character (Cambridge: Cambridge Univ. Press), 2002، خاصة الفصل5، لأجل اعتبارات تقترح بأن نظرية فرانك قد تفتقد جدارة جوهرية، ربما ما تكشفه بيانات فرانك حقًّا هو أن الناس جيدون تمامًا في استبانة نزعات محدَّدة وموضعية. يجادل دوريس بأن آراء الحس المشترك عن السمة الأخلاقية تتعارض مع التأثير الدراميّ لعوامل المواقف على سلوكياتنا. إن فرضيته المركزية أن الأدلة التجريبية المتاحة المتاحة تقترح أن البشر خلُوٌّ تمامًا (أو تقريبًا تمامًا) من السمات الشخصية كما نفهمها تقليديًّا. مناقشة كاملة لكتاب دوريس ستكون خارج هدف العمل الحالي، لكن جدلياته فاتنة وتستحق اهتماما جديًّا. لأجل أحد النقاشات النقدية المفيدة انظر: (علم النفس الاجتماعيّ وأخلاق الفضيلة) Christian Miller, “Social Psychology and Virtue Ethics", Journal of Ethics 7 (2003), 365–92 [62] ميتافيزيقيا الأخلاق_عمانوئيل كانط. [63] محاضرات عن الأخلاق_عمانوئيل كانْتْ Immanuel Kant, Lectures on Ethics, trans. L. Infield (Indianapolis, Hackett: 1930), 76. [64] بفعلي هذا فأنا لا أقصد الاقتراح بأن الاعتبارات التي سأستكشفها هي أجزاء من جدلية كانط في الجزء ذي العلاقة من كتابه، رغم أن بعض هذه الاعتبارات مشار إليه من قبله في مواضع أخرى. [65] يحتوي القرآن كذلك على نفس العنصر الفكري: خلق الإنسان هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، و: إن الإنسان لربه لكنود، و: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين، وغيرها [66] C. S. Lewis, The Problem of Pain (New York: HarperCollins, 2001), 63. [67] C. S. Lewis, Mere Christianity (New York: HarperCollins, 2001), 91. [68] في كتابه (افتقاد الشخصية) يجادل دوريس بأن البحث في علم النفس الاجتماعي يقترح بأننا نشبه كثيرا كورتز أكثر مما قد نتصور، ربما نكون كلنا_إلى حد مهم_"فارغين من الداخل"، انظر الفصل3 من كتابه، خاصة نقاشه على تجربة ميلجرام الخاصة بالطاعة وتجربة السجن لجامعة ستانفورد هاتان التجربتان تبدوان قد أحدثتا تطرفا أقل حدة، تجربة حياة واقعية من النوع الذي مضت فيه شخصية كورتز في الرواية. [69] قارن القرآن: {....فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)} آل عمران {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)} الأنعام ومسند أحمد: (24301) - حَدَّثَنَا ابنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ : اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ...إلخ (8074)- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، يَعْنِي ابْنَ بُرْقَانَ، قَالَ : سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ الأَصَمِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ التَّكَاثُرَ..إلخ (17234)- ....فَقَالَ : أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ وَجَاءَ بِشَيْءٍ ؟ قَالُوا : أَجَلْ يَا رَسُولَ اللهِ . قَالَ : فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُلْهِيكُمْ كَمَا أَلْهَتْهُمْ_م. [70] Blaise Pascal, Pensees and Other Writings, trans. Honor Levi (Oxford: Oxford Univ. Press, 1995), #182, 54. Also see Boethius, Consolation of Philosophy, 99–104. [71] في مواضع أخرى من كتابه يقترح لِوِس أن: "المشكلة الحقيقية ليست لماذا بعض الناس المتواضعين الأتقياء المؤمنين يعانون، بل لماذا البعض لا يعاني." في الحقيقية هذه مشكلة جدية لرأي لِوِس، على نحو ساخر فإن حله لمشكلة الألم قد يسقط فريسة لمشكلة عدم الألم! لكني لن أتفحص هذه المسألة هنا. [72] كتابا (وادي صنع الروح) لـJohn Hick ، و(الشر وإله المحبة) بنظريته عن العدالة الإلهية التي ناقشناها في الفصل2 تبدو كذلك بها هذا التضمين. وفقا لذلك الرأي فالله يوقع الألم غير المستحق على البعض لكي يمنحهم الفرصة لتحسين سماتهم الأخلاقية من خلال إرادتهم الحرة الخاصة بهم [73] هناك بعض الأدلة من علم النفس أننا يمكن أن نرتكب أخطاء بصدد طبيعة حوافزنا الخاصة كذلك و_في بعض الحالات_يكون العاملون أقل قدرة على إدراك أسباب سلوكياتهم عن الملاحظين الخارجيين. انظر كمثال: بحث (الإخبار بأكثر مما يمكننا أن نعرف، تقارير عملية عن العمليات العقلية) من جريدة مراجعات أبحاث علم النفس وكتاب (الاستدلال العقلي: إستراتيجيات وعيوب الحكم الاجتماعيّ). Richard Nisbett and Timothy Wilson, “Telling More than We Can Know: Verbal Reports on Mental Processes,” Psychological Review 84 (1977), 231–59, and Richard Nisbett and Lee Ross, Human Inference: Strategies and Shortcomings of Social Judgment (Englewood Cliffs, NJ: Prentice Hall, 1980), particularly 195–227. [74] كمترجم لا يمكنني الإحجام عن القول هنا أن الله التوراتي والقرآني لو كان له وجود فالمطلق الوحيد الذي سيتحقق وفقا لصفاته المزعمة هي الشر المطلق فقط! [75] قارن مع القرآن في آيات كثيرة مثل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)}المؤمنون. _م [76] من خطبة كريج (اعتمادية الأخلاق على الله) نقلا عن كتاب (معذَّب لأجل المسيح) Craig, “Indispensability.” The report is from Richard Wurmbrand, Tortured for Christ (London: Hodder & Stoughton, 1967), 34. وشخصيا كمترجم بوسعي القول أني لن أسارع بتكذيب زعم هذا التقرير، النظام الستاليني الروسي والصيني والكوري الشمالي حكم شمولي دكتاتوري عنيف، لكن أيا منهم لا يمثل كتيار سياسي وثوقي الإلحاد بأي حال، ربما خير ممثل للإلحاد مثلا الدول الإسكندناﭭية وبعض علماء الغرب اللادينيين. [77] Jonathan Sumption, The Albigensian Crusade (London: Faber and Faber (1978), 48. and 93. [78] لا يصعب العثور على الحالات الأخرى للمذابح في التوراة والكتاب اليهودي، كمثال الخروج32: 25-29 ويشوع6: 15-21 واللتان تصفان مذبحتان مريعتان على وجه الخصوص_المؤلف [وانظر نقد العهد القديم للؤي عشري، وللاطلاع على مجازر تاريخ محمد انظر كتابي حروب محمد الإجرامية، ومن قال أن اختلاف الدين يبرر لأحد ارتكاب القتل؟!_المترجم] [79] لا أقصد الافتراض بأن المسيحيين ملتزمون بالرأي القائل بأن المحتلين تصرفوا على نحو سليم؛ بل أدعي فقط أنهم ملتزمون بالرأي القائل بأن المحتلين كانوا محقين في الاعتقاد بأن الله سوف يعاقب أو يعاقب كلا من ضحاياهم على نحو مناسب. أما كريج فيقترح بالفعل أن الملحد ملتزم بالرأي القائل بأن لا شيء خطأ في الطريقة التي تصرف بها المعذِّبون الشيوعيون. في الواقع_ كما قد رأينا_يؤكد كريج أن الملحد ملتزم بالرأي بأن لا شيء خطأ في أي سلوك الذي يتخذه أي أحد. أعتقد أننا قد رأينا أن كريج مخطئٌ بصدد هذا. [أخلاق مسيحيي القرون الوسطى الغربيون هي أصولية وتعصب ووحشية مجنونة وإرهاب بحت_م] [80] الصخر الأجوف_الإنكار المعاصر للطبيعة البشرية_ستيـﭬن بِنكَر Steven Pinker, The Blank Slate: The Modern Denial of Human Nature (New York: Penguin Putnam, 2002), 189. [81] هذا ما يسمى برأي الحرمان، بصدد سوء الموت، لأجل دفاع عن هذا الرأي انظر: (مواجهات مع الحاصد [الموت]). Fred Feldman, Confrontations with the Reaper (Oxford: Oxford Univ. Press, 1992). [82] George Mavrodes, “Religion and the Queerness of Morality,” in Moral Philosophy: A Reader, ed. L. Pojman (Indianapolis: Hackett, 1993), 257. [83] كونك تكره نتائج الشيء أو ما تفترض أنت أنه نتائجه، لا يعني أن الشيء نفسه بالضرورة خطأ، نفس الأمر قلناه عن نظرية التطور مثلا_م. [84] التكوين3: 16، في البدء وصف الله المزعوم المرأة كـ"مساعدة" و"شريكة" للرجل(2: 18). الاعتقاد بأن الزوجات يجب أن يطعن أزواجهم تبدو جزءً من العقاب لأجل السقوط.، هذا الدور يصادَق عليه في العهد الجديد المسيحي من جانب الرسول بولس، انظر_كمثال_الرسالة إلى أفسس(الأفسسيين)5: 22. لأجل دفاع عن الرأي القائل بأن الزوج ينبغي أن يكون له الكلمة النهائية في أي خلافات بين الزوج والزوجة، انظر (المسيحية المحضة) للِوِس. Lewis, Mere Christianity, 104-114 وهذه برأيي كمترجم أسطورة عنصرية ذكورية قيلت لتبرير العنصرية ضد النساء وانفراد الذكور بالهيمنة والسلطة. راجع كتابي نقد العهد الجديد. فبه باب كامل عن هذه المسألة وهي العنصرية ضد المرأة. [85] {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)} طه [86] رواية ملتُن الشعرية شبيهة جدا بالهاجادة اليهودية والأبوكريفا، مع خياله الأدبي، فلعله اطلع على (أساطير اليهود) للويس جينزبرج أو شيء مشابه، وانظر دراستَيَّ للهاجادة والأبوكريفا السابقتين، وفي العهد الجديد (الأناجيل) أن الحية هي التنين الشيطان القديم كما في رؤيا يوحنا12 و20 وكورنثوس الثانية11 [87] هنا يستوحي ملتُن من سفر رؤيا برثولماوس حيث يقول الشيطان في الأسطورة أنه سيضع عرشه قبالة عرش الله ..إلخ راجع بحثي في الهاجادة وبحثي في الأبوكريفا المسيحية حيث ترجمت بعضه. وفي قصة الأبوكريفا والهاجادة والقرآن أن الشيطان تكبر وأصابه الغرور ورفض السجود لآدم. {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13)} الأعراف. و{...وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا...(173)} النساء و{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)} فصلت. وغيرها. [88] التشابه مع الله بالتأكيد ليس إثما في حد ذاته، لأن البشر_رغم كل شيء_قد قيل أنهم خُلقوا على صورة الله (التكوين1: 26)، لكنها محاولة الترقي فوق مكانة المرء الملائمة ما هو إثم. [89] لِوِس في (مشكلة الألم) ص75، وقد كان ملحدا حتى أوائل ثلاثينيات عمره، فهو متآلف تماما مع مشاعر الرغبة في الاستقلال التي عبر عنها هنا في هذه الفقرة، وقد وصف الله بأنه متدخل فائق للبشر، انظر: Lewis, The Problem Pain 75. ,Nicholi, Jr., Question of God, 46, and C. S. Lewis, Surprised by Joy: The Shape of My Early Life (New York: Harcourt, 1955), 172. [90] مقال الفخر والهوية، في كتاب المتع الشريرة. Jerome Neu, “Pride and Identity,” in Wicked Pleasures, ed. R. Solomon (Lanham, MD: Rowman & Littlefield, 1999), 76. [91] "ليس الختان شيئا و ليست الغرلة شيئا بل حفظ وصايا الله" كورنثوس الأولى 7: 19 [92] تاريخ مختصر للأخلاق Alasdair MacIntyre, A Short History of Ethics, 2nd ed. (Notre Dame: Univ. of Notre Dame Press, 1998), 79. [93] الفضيلة الصعبة Julia Driver, Uneasy Virtue (Cambridge: Cambridge Univ. Press, 2001),18. [94] C. S. Lewis, The Screwtape Letters (New York: Simon & Schuster, 1996),59. [95] هذه النقطة ذات علاقة بالجدلية الموجزة في استهلال الفصل الخامس الآتي، لكني لن أتفحص الصلة هنا. لأجل نقاش ذي علاقة يحتوي على بعض الآراء المشابهة على نحو جدير بالملاحظة للآراء التي عبر عنها لِوِس في الفقرات التي في هذا النقاش، انظر برتراند رَسِل (هل يقدر الدين أن يعالج مشاكلنا) في (لماذا لست مسيحيا ومواضيع ذوات صلة). Why I Am Not a Christian and Other Essays on Religion and Related Subjects, ed. P. Edwards (New York: Simon & Schuster, 1957), 193–204, particularly 197. [96] ملاحظة من المترجم: المفروض كما تعلمنا في اللغة العربية أن كان من الأفعال الناقصة لا مصدر له ولا مفعول مطلق، لكن كما يقول الإنجليز: هناك دائمًا مرة أولى! [97] لو أنك متزوج، فتفكر في الظروف العديدة التي خارج تحكمك، التي كان يجب نيلها لكي يحدث اللقاء الأول، وكم كانت ستكون حياتك مختلفة لو لم تحدث أو تُنَل واحدة منها. [98] انظر كتابَيْ (الاستدلال البشري) و(افتقاد الشخصية) See Nisbett and Ross, Human Inference, and John Doris, Lack of Character. [99] Doris, ibid., 30–4. تجربة سجن جامعة ستانفورد استوحت منها أفلام أمركية مثل التجربة The Experiment لكن مع تضخيم للقصة وجعلها أكثر درامية بحيث يموت شخص بمرض السكر لمنعه من دوائه آخر الأمر ويثور المساجين الافتراضيون بعد صبرهم الطويل على عنف وإهانات الحراس المعينين ويتبادل الطرفان العنف، ويحكي الفلم كيفية صنع الاستبداد والعنف في المجتمعات والدول من خلال التجربة. [100] Ibid., 117. [101] قارن مع نصوص القرآن، مثلا: {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)} الزمر [102] بعض النقاط التي أشرت لها في هذا البحث عن التواضع من منظور طبيعي مشابهة لبعض النقاط التي قام بها ساول سميلانسكي في (الإرادة الحرة وغموض التواضع)، المجلة الفلسفية الفصلية الأمركية، رغم ذلك فقد افترض سميلانسكي غياب الإرادة الحرة الليبرتارية لأجل غرض بحثه. لأجل نقاش آخر ذي علاقة انظر جوزيف كوبفر (السمة الأخلاقية والتواضع) في المجلة الفلسفية الفصلية لمنطقة المحيط الهادئ. Saul Smilansky in “Free Will and the Mystery of Modesty,” American Philosophical Quarterly 40:2 April 2003, Joseph Kupfer, “The Moral Perspective of Humility,” Pacific Philosophical Quarterly 84 (2003), 249–69. [103] قارن مع القرآن: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} الحشر، و{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} البلد، لكن في الثلاث ديانات تلوثت التعاليم الصالحة بأخرى عنصرية مناقضة لها وفاسدة كالقتل والعنف والتمييز العنصري في كتاب اليهود والقرآن وكتب الحديث والسيرة، وبدرجة أقل في نبذ وتجنب غير المؤمن وصاحب العقيدة المختلفة حسب رسائل بولس والرسل المسيحيين. [104] للميالين للمصطلحات التقنية أكثر، فإن المثال يبرهن على أن التضمينات الظاهرية للحقائق الواقعية المتقابلة ليست علاقات وجوبية متعدية، أو بعبارة أخرى أن القياس النظري ليس قاعدة صالحة للاستنتاج بالنسبة للحقائق الواقعية. كانت أول مرة أتعرض لهذا المثال في منهج كورس المنطق الشكليّ للخريجين الخاص بكرسيّ Ed Gettier في ربيع عام 1995 في جامعة UMass–Amherst . [105] وفقا لتوماس الأكويني، فإن الإحسان لا يتضمن فقط حب جيران المرء، بل أيضا حب الله، انظر مقالة عن الفضائل، هذا يتوافق مع ادعاء يسوع بأن أهم وصيتين هما حب الله وحب المرء لجيرانه. انظر مثلا متى22: 34-40. في معالجتي للأمر أهتم فقط بحب المرء لجيرانه. Treatise on the Virtues, by Thomas Aquinas, trans. John A. Oesterle (Notre Dame: Univ. of Notre Dame Press, 1984), 147. [106] الكتاب منشور باللغة العربية ومتوفر على النت، من منشورات المشروع القومي للترجمة، ضمن نشاط العلمانيين في عهد سوزان مبارك ووزير الثقافة فاروق حسني ومسؤول المشروع العلامة جابر عصفور، وهو من ضمن الأعمال الخيرة التي كانت لنظام حكم فاسد، لكن سنتذكر لهم خيراتهم_لؤي. ترجمتي للكلام أكثر حرفية هنا من المترجم محمد قدري عمارة. الكتاب رائع وترجمته لا بأس بها، لكن الفقرات العديدة التي ترجمتها هنا بمقارنتها معه تكشف وجود أخطاء بسيطة أو عدم دقة تؤثر على بعض المعاني. [107] Mark Juergensmeyer, Terror in the Mind of God (Berkeley and Los Angeles: Univ. of California Press, 2000), 162. Andrew Newberg, Eugene D’Aquili, and Vince Rause[108] يقترحون أن الإنسان النيندرتالي كان لديه شكل ما من الدين أعطاهم إحساسا بالتحكم في قوى الطبيعة وساعدهم على تهدئة خوفهم من الموت [عثر على أصداف وأشياء مدفونة مع موتاهم]. انظر (لماذا لن ينتهي الله: العقل والعلم وبيولوجي الاعتقاد). إن آراءهم عن أصل الدين التي لخصوها في الفصل السابع أكثر تعقيدا من الخاصة برَسِل. Why God Won’t Go Away: Brain Science and the Biology of Belief (New York: Ballantine, 2001, 54–55. إحدى أغرب النظريات عن أصل الاعتقاد الدين هي الخاصة بسيجمُنْد فرويد، خاصة في موسى والتوحيد، لأجل نقاش مفيد عنها انظر Armand Nicholi, Jr., Question of God, (New York: Free Press, 2002),. [109] مقالة (ما أعتقده) وهذا الاستنتاج هو نفس ما يتوصل إليه هيوم على لسان شخصيته فيلو[ن] قرب نهاية الجزء التاسع من حوارات عن الدين الطبيعي. [110] كل منظومة فكرية تتطلب قدرا من الثبات الفكري والاعتقادي، أنا أؤمن أني لو قفزت من الدور العاشر مثلا سأموت منتهيا كحطام، هذا ليس إيمانا بالمعنى الديني، وللإلحاد أدلة علمية وفلسفية ومن نقد نصوص الأديان وعلم الأديان، لي صديق عرفته فشل أن يكون ملحدا أو مسلما أو حتى بهائيا كما اعتقد لفترة أو أي شيء_رغم أنه شديد الذكاء وكتب مقالات نقدية للإسلام وعلمية إلحادية وكان شاعرًا جيدًا_ لمعاناته المرضية من شك عميق في كل الأفكار كمرض نفسيّ. لهذا كان كما وصف لِوِس يقدم ويتراجع، يسلم ثم يلحد ثم يسلم ثم يبحث عن اعتقاد ما وهكذا في حلقة مفرغة لفقدانه الثبات اللازم، يتطلب تبني اعتقاد ما استقرارا فكريا ونفسيا، مع اطلاع فكري وعلمي كافٍ لتبني قناعة معينة_ المترجم. [111] John Kekes, Facing Evil (Princeton: Princeton Univ. Press, 1990, 23.- 26 [112] Merrill Ring, Beginning With the Pre–Socratics, 2nd ed. (Mountain View, CA: Mayfield Publishing Company, 2000), 62–3; 104–18. الدراسة التمهيدية لفلاسفة ما قبل سقراط [113] For this interpretation of Anaximander’s position, see Jonathan Barnes, The Presocratic Philosophers: Volume 1 Thales to Zeno (London: Routledgeand Kegan Paul, 1979), 23–5. [113] لأجل شرح لنظرية أناكسماندر انظر (الفلاسفة القبل سقراطيين) ج1 من ثاليس [طاليس] إلى زينو[ن] [114] Gottfried Wilhelm Leibniz, Theodicy, trans. E. M. Huggard (La Salle, IL: Open Court, 1985), 128. في قراءتي للترجمتين العربيتين عن الفرنسية لرواية ﭬولتير الفلسفية كَنديد أو التفاؤل، لاحظت أنه كان يسخر سخرية لاذعة من نظرية ليبِنْز ومن ينحون نحوه، لأن ﭬولتير رأى عالم البشر مليئا بالشرور والظلام، خاصة في القرون الوسطى التي عاش بأواخرها، واعتبرها نظرية غير إيجابية تعني عدم تدخلنا لتحسين الأمور طالما ليس بالإمكان أحسن مما كان. [115]يبدو واضحا أن هذه الوسيلة ليست مضمونة تماما، فقد قال Nicholi, Jr. في (السؤال عن الله) Question of God, 216–230. أن سيجمُنْد فرويد كان مستحوذا عليه بمسألة موته الخاص به وكان يتفكر فيها يوميا. رغم ذلك فيبدو أن ذلك لم يجعله معزَّىً بل بالأحرى العكس.(وكمترجم أرى هذا حافزا قويا لبعض المفكرين والقائمين بالأعمال العظيمة لاغتنام لحظات حيواتهم). [116] أشبه بنظرية الحكم الإسلامي الأول في أهل الحل والعقد وهم أهل الثقة المستأثرون بالسلطة وأمور الحكم كأسلوب توصية الخلفاء الأوائل بالتشاور مثلا بين مجموعة معينة على من يختارونه من بينهم كخليفة كما فعل عمر مثلا_م [117] ينبغي ملاحظة أن هذا لا يتضمن أن في الدولة النموذجية يكون هذا هو الجواب الوحيد، إن نظرية Kekes كيكس تتسق مع الجواب الكانطي الذي عرضته وصادقت عليه في الفصل الثالث. [118] لم تعجبني كمترجم آخر جملة للمؤلف، أنظمة الحكم الفاسدة تنشر الفقر والجهل وحتما هي معادية للفضائل ولن تريد تطبيق اختراع أو تنظيم ما ينشر الفضيلة، كذلك فإن تحت منظوماتها الفاسدة تنتشر كل الرذائل، لا انفصال بين الشعوب والحكومات والأوضاع العامة. [119] Joseph LeDoux, The Emotional Brain (New York: Touchstone, 1996) (العقل الشعوري)، إن كتابه شرح قابل للفهم لغير المتخصصين للعلم العقلي للخوف والذي كتبه باحث رائد في هذا المجال. [120] توجد تنويعات عديدة على هذه الرواية والمستوحاة منها في الأفلام والروايات المكتوبة بالإنجلش بحيث لا أذكر أسماء بعضها مما شاهدته منذ سنوات، بعضها سرد حرفي لقصة هكسلي وأخرى مختلفة قليلا أو كثيرا، ومن أجملها وآخرها كتحديثات لها لكن مختلفة كثيرا فلم Equilibrium و سلسلة Divergent_المترجم. [121] أعتقد أن شيئا مشابها ينطبق على مثال أدبي سيء آخر للتحسين الأخلاقي من خلال العلم، وهو حالة ألكس في رواية البرتقالة المنتظمة كالساعة A Clockwork Orange. في حالة ألكس تكون العملية نفسها غير لطيفة للغاية، لكن نقدا أعمق لها هو أنها لم تجعله شخصا فاضلا على نحو حقيقي. لقد وضحت هذه الفكرة بتفصيل أكثر في مقالة (السعادة والألم والسمة الأخلاقية والتحسن" في “Pleasure, Pain, and Moral Character and Development,” Pacific Philosophical Quarterly 83 (2002), 282-299. [122] وتسمى كذلك بالعربية رومية أو الروميين، هذه أدق ترجمة تلتزم بالحرفية من خلال مقارنتها بالعهد الجديد ترجمة بين السطور يوناني عربي، وهي ترجمة ﭬانديك وبستاني المنتشرة في مصر، أما الترجمة العربية المشتركة فجاءت غير حرفية لكن أوضح كالتالي: (18لأنِّي أعلَمُ أنَّ الصّلاحَ لا يَسكُنُ فيَّ، أي في جسَدي. فإرادةُ الخَيرِ هِيَ بإِمكاني، وأمَّا عمَلُ الخَيرِ فلا. 19فالخَيرُ الّذي أُريدُهُ لا أعمَلُهُ، والشَّرُّ الّذي لا أُريدُهُ أعمَلُه. 20وإذا كُنتُ أعمَلُ ما لا أُريدُهُ، فما أنا الّذي يَعمَلُه، بَلْ ِ الخَطيئَةُ الّتي تَسكُنُ فيَّ.)، وطبعا قصد بولس هنا معانيَ ونظريات لاهوتية مسيحية. [123] Antonio Damasio, Looking for Spinoza: Joy, Sorrow, and the Feeling Brain (Orlando, FL: Harcourt, 2003), 287–288. [124] كمترجم وحسب معرفتي بآليات التطور لا أعتقد بجود ضغوط تطورية كافية لتحقيق تركيب مثاليّ كهذا، ربما يمكن تحقيقه في المستقبل اصطناعيا عندما يتقدم البشر بأدوية معينة تعطى للأم الحامل مثلا أو تحقن في الأجنة مباشرة، أو ربما بهندسة وراثية للجنس البشري بعد فهم كامل لعمل الجينات وهو ما لم نحققه بعد، وإجراء تجارب كثيرة على الحيوانات البدائية ثم على الأكثر تطورا. لكن أمورا كهذه ستحتاج دقة وحذرا تاما لخطورة ما قد تؤدي إليه كالأفلام الأجنبية، سواء تحويل البشر إلى آلات قاسية لا تشعر أو حتى خضار بشري عاجز ميئوس منه. [125] النقاش الذي يسبب الكثير من الإشكال يظهر في الفصل الأول من ميتافيزيقيا الأخلاق، فصل خلفية العمل (إطار العمل)، لأجل نقاش مفيد عن الموضوع انظر: see Marcia Baron, “The Alleged Moral Repugnance of Acting From Duty,” Journal of Philosophy 81:4 (April 1984), 197–220; Richard Henson, “What Kant Might Have Said: Moral Worth and the Overdetermination of Dutiful Action,” Philosophical Review 88 (1979), 39–54; and Barbara Herman, “On the Value of Acting From the Motive of Duty,” Philosophical Review 90 (1981), 359–82. [126] لأجل نقاش مفيد عن بعض الأدوار الأخرى التي قد تقوم بها العواطف في نفسية الشخص مع الفضيلة بالمعنى الكانطي، انظر: Chapter 4 of Nancy Sherman’s Making a Necessity of Virtue (Cambridge: Cambridge Univ. Press, 1997). [127] ملاحظة من المترجم: يقول العلم أننا كائنات حية عديدة الخلايا، إحدى وسائل تنسيق العمل بين الخلايا بأنواعها المختلفة وتشكيلها هو ما يعرف بالموت المبرمج للخلية، وهو آلية تحدد عمر الخلية، في حالة حدوث خلل وتوقف لهذه الآلية تتحول الخلية إلى خلية سرطانية مجنونة كما هو معروف، وهنا المعضلة فجعل خلاياك خالدة يعني جنونها وعمل كل منها لوحده بلا تنسيق، بالتالي موتك أنت وإمكانية خلود الخلايا المسرطنة في معمل أيحاث. ربما سيكون أقصى أمل للبشر هو إطالة الحياة وجعلها صحية مرفهة، والخلود هدف سخيف مع كثرة أعداد البشر وانفجارهم السكاني وازدحامهم في بعض الأماكن وصعوبة أوضاعهم ونزاعهم على الموارد والأعمال. بعض أعمال السينما لأمركية كإحدى قصص سلاحف النينجا قدمت شخصية الإنسان الذي اكتسب الخلود منذ قرون ويسعى جاهدًا رغم وفرة صحته لشدة ملله وإرهاقه للتخلص منه والموت، صعب تخيل عيش الإنسان لقرون ناهيك عن الأبد، هذا خلف لسنن الطبيعة ودورتها الإحلالية والتدويرية لمواردها وقانون تطور الأحياء والثقافات_المترجم. [128] ربما على طريقة أسطورة برج بابل في سفر التكوين_المترجم. [129] Paul Kurtz, “Toward a Catholic/Humanist Dialogue,” in Secular Humanism, 140. For a related worry, see Bill Joy, “Why the Future Doesn’t Need Us,” in Taking the Red Pill: Science, Philosophy and Religion in the Matrix, ed. G. Yeffeth (Dallas, TX: BenBella Books, 2003), 199–232. ولأجل قلق ذي علاقة انظر (لماذا لا يحتاجنا المستقبل، أخذ الحبة الحمراء، العلم والفلسفة والدين في المنظومة). [يقصد بتعبير الحبة الحمراء مواجهة الواقع بكل الجهد الممكن، والتعبير الإنجليزي مستعار من الحبة الحمراء الفانتازية التي تجعل المرء يميز الواقع عن الخيال في فلم الخيال العلمي Matrix من إنتاج 1999] [130] لأجل نقاش ذي قيمة حول هذا الموضوع، انظر Jeffrey Record, “Bounding the Global War on Terrorism,” www.carlisle.army.mil/ ssi/pubs/2003/bounding/bounding.pdf (accessed March 26, 2004). [131] Plato, Phaedo, 58–64, 107e–114c, 64, 114d. For similar remarks by Socrates about a different position, see Meno, 20, 86c. [132] قارن مع القرآن: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} النور، و {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)} آل عمران. [133] القصة القرآنية تسرد نفس القصة بتغيير طفيف، وبنفس فكرة الطاعة العمياء الغير أخلاقية، فتجعل الطفل هو إسماعيل لتأسيس أسطورة أنه أبو جنس العرب، وبدلا من بناء إبراهيم في الأسطورة اليهودية في التوارة لوحده وفي الهاجادة بمعونة إسحاق للمذبح على جبل المريّا (صهيون) الذي سيصير هيكل اليهود الذي بناه سليمان، يكون في القرآن أنه قد بنى الكعبة مع إسماعيل، وهناك قصص غير أخلاقية مماثلة في القرآن كقتل الرجل الصالح للطفل في سورة الكهف بأمر الله_المترجم. [134] Graham, Christian Ethics, 208. [135] لا أدري من أقنع الرجلَ بأن الملحدين والإنسانيين أو حتى معظمهم محظوظون أو أثرياء سعداء، هذا تعميم مضحك حقًّا، كأن تقول أن المسلمين أو المسيحيين كلهم سعداء أثرياء مرفهون، أنا كمترجم مثلًا من أفقر الأشخاص وأكثرهم عزلةً لأجل مشاريعي الفكرية_م. [136] كلام منطوٍ على عمى البصيرة وانعدام التعقل، فهل الدول الإنسانية العلمانية كأمركا ودول أوربا وخاصة الإسكندناﭬية ليست أفضل حالًا بكثير من الدول الشمولية الإسلامية والشرقية والعربية والأفريقية ومعظم اللاتينية الجنوب أمركية؟! أغب مواطني كوريا الجنوبية المتقدمة مثلا واليابان كذلك غير متدينين وغير متبنين لموقف بخصوص اختيار دين أو عقيدة. وأغلب سكان الدنمارك وإسكتلندا والنروِج والنمسا والسويد ملحدون، وكثير من سكان جرمانيا وفرنسا وبريطانيا [إنجلاند] ربما حوالي أكثر من 40% أو تقريبًا نصفهم ملحدون والنصف الآخر متحررون غير متدينين بالطريقة القديمة التقليدية القرونوسطية، هل حال حكم الدين في أورُبا ومحاكم التفتيش والملوك والبابوات البطشين وأساليب أبي بكر وعمر وعليّ وديوان الزنادقة العباسي والمماليك أفضل في نظر متدينين كجْرام؟! يبدو أنهم يرون الأمر كذلك!_المترجم. [137] لأجل جدال موسع بأن هناك شيئًا يسمى طبيعة بشرية وأن العلم يمكنه أن يساعدنا على فهمها، انظر Pinker, The Blank Slate. [138] لأجل جدلية كهذه انظر (تاريخ شعب الولايات المتحدة) Howard Zinn, A People’s History of the United States. [139] لأجل الاطلاع على هذه الحادثة التي تتضمن هيوم وBoswell، انظر كتاب (هيوم المنسيّ) see Chapter 7 of C. Mossner’s The Forgotten Hume (New York: Columbia Univ. Press, 1943), 169–188.. [140] Newberg, D’Aquili, and Rause, Why God Won’t Go Away, 119. [141] لأجل نقاشات ذات علاقة، انظر كذلك الكتب أدناه، وأرشح كمترجم مقال (خمسة قرود، لماذا يؤمنون) لحمدي الراشدي. Robert Sapolsky, “Circling the Blanket for God,” in The Trouble with Testosterone, New York: Touchstone,241- 288 and Paul Kurtz, “Will Humanism Replace Theism?” in In Defense of Secular Humanism, Amherst, NY: Prometheus Books 190- 198,1983. [142] لا يبدو لي هذا صحيحًا، فليس كلنا كملحدين عرب ناجحون أو سعداء أو أثرياء جدًّا، بل أكثريتنا عكس ذلك، يبدو لي أن القاسم المشترك للملحدين الحقيقيين بأصالة هو الذكاء الفوق المتوسط والمرتفع والشجاعة والنزاهة الفكرية مع وجود فرصة جيدة لتحصيل علمي ومعرفي مناسب أو وصول فكرة معينة تشير لحقيقة العقلانية رغم كل التعتيم الجاري مثلا في بلاد العرب والمسلمين على الحقائق العلمية ودراسات الأديان والتاريخ والفلسفة والمنطق_م. [143] هذا الجانب من رأي لِوِس نراه في الفصل7 من كتابه (مشكلة الألم) The Problem of Pain، مثال أدبي ممتاز للكثير من هذه الأفكار أشار له لِوِس هو رواية ليو تولستوي (موت إيفان إلياتش) The Death of Ivan Ilyich, trans L. Solotaroff, New York: Bantam Books, 1981 [144] John Stuart Mill, “Utility of Religion,” in Three Essays on Religion (Amherst, NY: Prometheus Books, 1998), 109. |
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| إله, القيم, بها, كون, والأخلاق |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| هل يوجد نهاية للكون أم أنه بلا نهاية ؟ | مجدي ابو عيشة | حول المادّة و الطبيعة ✾ | 81 | 01-19-2018 02:02 PM |
| افلام بلا ملل | alzoool | ساحة الفنون و الموسيقى و الأعمال التصويرية | 14 | 08-17-2017 03:20 AM |
| كرة القدم معاداة لله ! | إبسلون | استراحة الأعضاء | 0 | 05-07-2017 05:15 AM |
| القول المفحم في كون الإسلام مجرم _(تكفير أهل الكتاب والكافرين وواجب قتالهم) | zaher_god | العقيدة الاسلامية ☪ | 0 | 07-20-2015 08:56 PM |
| تجاهل كون زوجتك لا تمنع يد من يلمس جسدها، طالما تستمتع بها ! | السيد مطرقة11 | الأرشيف | 0 | 09-15-2013 02:37 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond