في تطوُّر الأنواع الحيّة .. أمثلة عمليّة

[فينيق]

تفكّر غالبيتنا إثر سماعها كلمة " لاحم " بحيوان، أيّ حيوان، يعيش على أكل اللحوم. يكون هذا صحيحاً، حيث يُشير أصل المُصطلح لهذا المعنى بدقّة. مع هذا، حينما ندخل لعالم التصنيف الساحر والوعر { علم تسمية وتصنيف الكائنات الحيّة }، يكون الحيوان اللاحم شيء آخر. وعلى وجه الدقّة، يكون اللاحم منتميا لمجموعة ثدييات { رتبة اللواحم } تمتلك أسنان حادّة كما انها تمتلك بُنى عظمية تحمي الأذن الوسطى والداخلية والمسماة bulas timpánicas.

جمجمة لاحم تقليدي { ابن عرس Mustela frenata }. لاحظوا bulas timpánicas { باللون الأصفر } والأسنان اللاحمة { المُشار لها بواسطة أسهم }.

تنقسم اللواحم لمجموعتين كبيرتين، هما مجموعة شبيهة القطط Feliformia ومجموعة كلبيات الشكل Caniformia وتضم المجموعة الأولى انواع منقرضة مثل barbourofélidos، nimrávidos، estenoplecítidos و percrocútidos اضافة لأنواع راهنة مثل eupléridos { الفوسكا وسمُّور مدغشقر }، herpéstidos { سمُّوريات حقيقية }، nandínidos، الزباديات، الضبعيات والسنوريات. من جانب آخر تضم كلبيّات الشكل أنواع منقرضة مثل anficiónidos، hemiciónidos و enaliárctidos { الذين قد تطورت منهم زعنفيات الأقدام }، اضافة لأنواع راهنة مثل ailúridos { الباندا الصغيرة }، odobénidos { الفظ }، otáridos { أسد وذئب البحر }، fócidos { الفقمة }، الظربان، ابن عرس، الراتونيات، الدببة والكلبيات. تفرعت تلك المجموعات من سلف مُشترك خلال عصر الإيوسين المتأخِّر، ما قبل 41 إلى 42 مليون عام، وبدوره انحدر من مجموعة لواحم هي الأقدم carnivoramorfos والتي بلغت أوجها خلال عصر الإيوسين الباكر.

شجرة تطوُّر Dormaalocyon. مأخوذة من بيان صحفي لجمعية علم إحاثة الفقاريات.

لا تكون مجموعة اللواحم الأقدم carnivoramorfos معروفة كثيراً، وبوقت قريب جرى نشر معلومات تطال نوع جديد منها. وبخلاف كثير من الانواع الجديدة المُكتشفة، لم يكن الاكتشاف جديد بحد ذاته، حيث أن بقاياه عُرفت تحت اسم آخر { Miacis latouri } وهي لم ترد من عيِّنة واحدة، بل من أكثر من 280 قطعة عظمية جمجمية وكعبية. سُميَّ هذا النوع الجديد باسم Dormaalcyon latouri، ويعني هذا الاسم " كلب Dormaal { بلجيكا } de Latour ". تكمن أهميته لناحية كونه واحد من اللواحم carnivoramorfos الأكثر قدماً وبالتالي يوفِّر لنا صورة جيدة عن التطوُّر الباكر لتلك المجموعة من الكائنات الحيّة، كما يبيِّن التعقيد السنّي إعطاءه الأصل لأسلاف مستقبليين للحيوانات اللاحمة بالنهاية، تشير دراسة عظام الكواحل لأنه كان حيوان يعيش على الشجر بصورة واضحة، وهو ما جرى افتراضه سابقاً حول اللواحم الأسلاف بالعموم.

بقايا إحفورية وإعادة بناء هيكلية للنوع Dormaalocyon. مأخوذة من بيان صحفي لجمعية علم إحاثة الفقاريات.

كذلك يبيِّن هذا النوع الجديد Dormaalcyon بأن اللواحم قد كانت أكثر تنوعاً مما كان يظن سابقاً، ومن المحتمل أن يكون أصله الجغرافي الحيوي في العالم القديم في أوروبا بالتحديد.

إعادة بناء Dormaalocyon latouri من قبل Charlène Letenneur و Pascale Golinvaux

بالنهاية النوع Dormaalocyon ، لا يكون:

- اللاحم الأقدم

- سلف كل اللواحم

- عضو بعائلة راهنة

- حلقة مفقودة

يتبع

[لؤي عشري]

لا أريد مقاطعتك في استرسال زميلنا المجتهد في التنوير والمكافح المتكرس، لكن الشكر لك واجب

تحياتي

[فينيق]

حدث انتقال الكائنات الحيّة من الحياة المائية إلى الحياة البرية خلال الفترة الممتدة بين العصر الديفوني و العصر الفحمي.

حضر تنوُّع هائل بالأنواع الحية النباتية واللافقارية بتلك الحقبة.برز بين النباتات وقتها السراخس والفطور، فيما برز بين اللافقاريات المفصليات كالعناكب، الحشرات والديدان.

كذلك تظهر خلال العصر الديفوني أوائل البرمائيات وتظهر خطوط عديدة من مفصليات الأرجل البرية. بنهاية الديفوني، حدثت انقراضات جماعية أثرت على الحياة البحرية. حيث تشكلت بهذا العصر مواقع البترول والغاز في بعض المناطق من العالم.

تنوعت بتلك الحقبة، أيضاً، أنواع اللحييات، الأمونيت و عريضات الأجنحة. تابعت رأسيات الأرجل النوتويدات

تطورها بنجاح، فيما انقرضت الأسماك المدرعة بنهاية الحقبة.

تميز العصر الفحمي أو الكربوني بانقراض أحراش ضخمة، والتي أعطت الأصل لطبقات فحم ضخمة، خلال هذه الحقبة انقرضت الأسماك البدائيّة، فيما انتشرت الأسماك الغضروفية والعظمية. غزت البرمائيات الأرض البرية، فتبدأ الزواحف بالظهور، والتي تبلغ الذروة خلال العصر الجوراسي.

في حقبة الفحمي العليا، تنتعش الحشرات ويبلغ ارتفاع بعض الأشجار 40 متر. يمكن تفسير هذا من خلال ارتفاع نسبة الأوكسجين بالغلاف الجوي، والتي بلغت 35%. كان القسم الأول من العصر الفحمي متميزاً بالرطوبة والحرارة، الأمر الذي ساهم بتحقيق نموّ هائل بالأحراش، وبنهاية هذا العصر تحركت قارة غندوانا نحو الجنوب، وعاد المناخ ليصير بارداً، وحدثت فترات جليدية استمرت حتى العصر البرمي.

في العصر الفحمي، تطورت الحشرات نحو شكلها الحديث، ظهرت أنواع سراخس جديدة، ونتج غزو برمائي كبير، جرى استبداله لاحقا بنجاح تطور الزواحف.

رسم تخيلي للنباتات في أوائل العصر الديفوني - ويكبيديا

رسم يصور بعض أكثر النباتات أهمية في العصر الفحمي - ويكبيديا

رسم يمثل الحياة النباتية والحيوانية بمراحل متقدمة من العصر الفحمي أو الكربوني.

في الصورةالتالية، يمكننا ملاحظة الخطوات المختلفة التي أعطت المجال لظهور الحياة البرية:

تتكون مرحلة العبور نحو الحياة البرية من عدّة خطوات، والتي يمكن إجمالها بظهور رباعيات الأطراف بنهاية الأمر ونجاح الحياة على الأرض اليابسة terrestralización.

يتبع

[فينيق]

يشكِّل امتلاكنا، وفق مصطلحات متصلة بحجم جسدنا، لدماغ كبير ومُجهَّز بعدد مُعتبر من العصبونات، أحد الأسباب الرئيسيّة بالوصول لنكون ما نحن عليه، نمتلك 86000 مليون عُصبون وفق حسابات حديثة، مقابل 28000 مليون عُصبون عند أقربائنا الأكثر قرباً الشمبانزي. سمح هذا الدماغ لأسلافنا بتنمية كل قدراتهم، والتي بمرور ملايين الأعوام، قد ساهمت بالوصول لنوعنا البشريّ، حيث يفكِّر أفراده، يرتبطون، يتنافسون، يؤلفون الموسيقى، يشفون من الأمراض، والذين يبتكرون أشياء كثيرة لا يُسعفنا الوقت لاحصائها كلها.

السؤال هنا: كيف امتلك الدماغ هذه الكتلة اللدنة بحجم يقرب من 1400 سنتمترمكعّب والممكن إمساكه بكفّ اليد؟ إنّه شيء مُدهش لا شكّ. لا يكون الدماغ البشريّ الأكبر في مملكة الحيوان، لكن نعم يكون الدماغ المُعبَّأ بفعالية هائلة لمختلف أنواع العصبونات، والذي يمتلك شبكات عصبية تُعتبر الأكثر تعقيداً مقارنة بأدمغة حيوانات أخرى. بالنسبة لنا، يكون استعمال الدماغ واقع طبيعيّ بوصفه العضو الأهمّ, والذي يعتبره Woody Allen يأتي بالمقام الثاني، حيث أنّ الدماغ لم يكن هكذا دوماً!!

تواجد منذ 4.4 مليون عام، في أفريقيا، شبه إنسان homínido قد مشى منتصباً وامتلك دماغ مماثل لدماغ الشمبانزي هو آردي Ardiphitecus ramidus Ardie. ساهم المشي المُنتصب بتقليص التجويف الصدريّ وبالمرّة بتقليص الجهاز الهضميّ. لم تكن التغذية على الأعشاب وبعض الحشرات تساهم بتقديم بروتينات كافية، ما أدّى لانقراض شبه الإنسان هذا، ككثيرين من أشباه الإنسان الذين انقرضوا.

استغرق ظهور الإنسان المُنتصب Homo erectus بضع ملايين من الاعوام، وقد شكّل ظهور هذا النوع ثورة كبرى بإدخاله اللحوم في نظامه الغذائيّ. فلقد وصل حجم دماغه إلى 1000 سنتمتر مكعّب وامتلك فكّ وأسنان ذات حجم أصغر. جرت محاولات قبل هذا لتحسين النظام الغذائيّ، حيث استخرجوا نقيّ العظام من عظام الحيوانات أو تنافسوا مع الضباع على بقايا الفرائس التي تتركها كبار اللواحم من الحيوانات.

يقول البروفيسور Charles Musiba الأخصائيّ بعلم الإنسان بجامعة كولورادو وأحد المؤلفين لمقال منشور في مجلة Plus One يُخبرنا أنّ استهلاك اللحوم قد بدأ منذ 1.5 مليون عام:" شكّل استهلاك اللحوم دوماً أحد الأشياء التي جعلتنا بشراً، بما تحتويه من بروتينات تساهم بنموّ أدمغتنا ".

عُثِرَ على قطعة عظمية بطول 6 سنتمتر في منطقة Garganta de Olduvai بتنزانيا، والتي يمكننا اعتبارها " مهد البشريّة ". تعود قطعة العظم تلك لطفل بعمر عامين، وتحمل اشارات مرض هشاشة العظام وهو عبارة عن اختلال عظميّ يترافق مع فقر دم، ويرجع سبب هذا بحسب الدراسة إلى نقص بتناول اللحوم في النظام الغذائيّ. وتُشير الدراسة لأنّ " حضور هشاشة عظام مصحوبة بفقر الدم، يُشير بشكل غير مباشر لأنّه على الأقلّ في عصر البليستوسين الباكر قد كانت اللحوم أساسيّة بغذاء أشباه البشر، والتي أدّى فقدانها لظرف مرضيّ مؤذي ".

لكن لا يشكِّل استهلاك اللحوم لوحده، شرط وحيد لإحراز نموّ دماغيّ. حيث تأكل بعض القرود اللحوم بشكل متناوب وتبقى الامور كما هي عندها.
في الواقع، تكون معالجة اللحوم هي الأمر المهم بالنهاية، ولنرى لماذا؟!

يدافع عالم الرئيسيّات Richard Wrangham / جامعة هارفارد، ومنذ سنوات، عن الفرضيّة التي تعتبر أن أسلافنا وبعد محاولتهم جعل اللحوم طريّة باستخدام أعواد خشبيّة، حاولوا طبخها على النار، التي كانوا قد دجَّنوها. تتأسّس فكرته على أنّ اللحوم المطبوخة تحتاج صرف طاقيّ قليل لتحصيل السعرات الحرارية، التي جعلت نموّ الدماغ الملحوظ هذا ممكناً.

ولأجل اختبار أفكاره، قصد Wrangham المُختبر، لكنه لم يعثر على شيء سيساعده بفهم التأثير الغذائيّ للطبخ. بدأ تعاوناً مع الأخصائيّ بعلم وظائف الأعضاء Stephen Secor / جامعة آلاباما والذي يدرس علم وظائف الاعضاء والاستقلاب عند البرمائيات والزواحف. قام فريق عمل Stephen Secor بتغذية أفعى نوع pitón وفق الأنظمة التالية: لحم مطحون مطبوخ، لحم قطع مطبوخ، لحم مطحون نيء أو لحم قطع نيء. صرفت الأفاعي المتغذية على اللحم المطبوخ طاقة بمعدّل أقل بنسبة 12.7% وبمعدل أقل بما نسبته 23.4% عندما تكون اللحوم مطحونة ومطبوخة.

تساهم حرارة الطبخ بجلتنة { جعلها هلاميّة، بعبارة أخرى } الآحين colágeno في اللحوم الحيوانيّة وتفتح جزيئات الكاربوهيدرات، والتي تكون معبّأة جداً في النباتات، فتجعل الامتصاص أكثر سهولة. توجّب على أسلافنا تعلُّم تتبيل اطعمتهم بنباتات مشويّة، فحققوا تنوّع بمصادر تغذيتهم بهذا. استفادوا كذلك بتخفيف زمن المضغ { تحتاج الشمبانزي 5 ساعات للمضغ يومياً }، وهذا ما يجعلهم يخصصون هذا الوقت لأشياء أخرى، الامر الذي قادهم للابتعاد أكثر فأكثر عن الحياة البريّة، باتجاه ترتيب وتخطيط مهامهم المستقبليّة.

لعبت اللحوم دوراً بارزاً في النموّ الدماغيّ. حصل هذا منذ ملايين الاعوام وما زالت تتابع دورها بتغذية الدماغ الشره جداً باستهلاك الطاقة. يستهلك الدماغ 20% من الطاقة الكليّة للجسم بحالة الراحة ويحتاج تجديد المخزون الطاقيّ ليتابع عمله.

يرى البعض بأنّ اللحوم لا تكون ضروريّة ويمكن الاستغناء عنها، مع ذلك، تتابع اللحوم إظهار أهميتها بوصفها شأن أساسيّ، سيما للأطفال. كلما نفكّر بفائدة التحرُّر من المشي على أربع قوائم بحثاً عن الطعام بين الأعشاب كأبناء عمومتنا الشمبانزي، نعود إليها مع انحناءاتنا أمام الموقد في المطبخ!!

يتبع