الإله الليلي النشاط الخفي الألطاف

[السيد مطرقة11]

كل شيء يفعله هذا الإله يتم في الخفاء وفي الخباثة وعلى حين غرة ، فلا يراه أحد ولا يحضر الواقعة أحد ولا يتبقى منها إلا كلمات من قبيل سمعنا كذا أو روى فلان كذا أو قالوا إن فلان يقول كذا وكذا
إنها أشبه بروايات وحكايات العفاريت التي طالما رويت لنا في الصغر فنحن لم ولن نرى عفريتاً لكن حكايات العفاريت تمتلئ بها الكتب ومخيلات الأولاد والبنات والكبار والصغار
لقد زار الرب مريم ليلاً فحملت ولم يرَ أحد الرب حين جاءها أو حين انصرف عنها ، ولا عرف أحد كم مرة جاءها الرب الحنون الحبيب ، ولا رآها أحد وهي تلد فقد انتبذت به مكاناً قصياً رغم أن أمها وخالتها معها في نفس القرية
وزار الرب محمد ليلة الإسراء فما رآه أحد ولا سمع منه ولا رأى أحد محمداً وهو يطير على البراق ثم يربطه في سارية بيت المقدس في المكان الذي يربط فيه الأنبياء بهائمهم وحميرهم وبغالهم ، وعبر محمد أجواز الفضاء حتى بلغ سدرة المنتهى فما رآه أحد ولا شهد له أحد حتى امرأته التي كان كل رأيها في الموضوع أنها استيقظت فلم تجده ووجدت فراشه دافئاً ، فانقلبت على جانبها الآخر حتى عاد ولم يبرد الفراش
وجاء رجل إلى محمد وهو نائم فاستلّ سيفه وهمّ بقتله فاستيقظ محمد فقال الأعرابي من يعصمك مني يا محمد قال الله ، فسقط السيف من يد الرجل رعباً وخوفاً ، ولم يشهد الواقعة أحد من الصحابة ولا غيرهم ، كل ما في الأمر أنهم سمعوا من فلان عن فلان عن فلان
إن هذا الإله الذي صدعوا به رؤوسنا وقرفونا وطلّعوا روحنا لا ينشط إلا ليلاً أو في غيبة من الناس وفي غفلة من الرقباء ، إله ليلي كأنه الخفاش أو العفريت لا ترى منه ولا تسمع منه وإنما فقط تسمع عنه
جاء هذا الإله إلى هاجر وحدها في الصحراء ، ففجّر الماء تحت قدم اسماعيل ولم يرَه أحد رغم أن القوافل والقبائل كانت تمر من هناك بكرة وعشياَ ولم ينفجر تحت أقدامهم عين ماء ولا حتى زجاجة ، فقط هو اسماعيل وأمه هاجر وأبوه ابراهيم هم الذين تنفجر العين من أجلهم وتنفجر مرارتنا بعد ذلك أبد الدهر وطول الحياة من كثرة الروايات عن العائلة المقدسة التي يتنازع قداستها بنو يعرب وبنو اسرائيل كل يريدها لنفسه وراثة عن اسحاق أو عن اسماعيل
جاء هذا الإله إلى عزير وهو على حماره منقطع في الصحراء لا يراه أحد فأماته مائة عام ثم بعثه وركّب له الحمار الذي كان قد مات من جديد ، ووضع له طعامه وشرابه في السلة ، ثم أركبه وقال له مع السلامة عُد إلى قريتك فأخبرْهم عن قدرة الله وكيف يكسو العظام لحماً ، وما حضر أحد من أهل القرية التعيسة موت العُزير ولا بَعثِه ولا إنشاء الحمار ، وإنما فقط عليهم تصديق الشيخ عزير فيما يروي عن رب العزة القادر
ووجد الإله نفسه ذات ليلة خالي البال حلو المزاج فنزل إلى الأرض وأرسل بعض أتباعه من الملائكة فدخلوا بيت لوط وجاء أهل القرية ممن اعتادوا إتيان الرجال شهوة من دون النساء ، طلبوا من لوط إخراج الضيوف لأمر هام وحاجة في أنفسهم ، وفهم لوط اللعبة فقال لهم لا - عليّا الطلاق لا يمكن - هؤلاء بناتي هن أطهر وأحلى وأجمل وأرق وألذ وأشهى لكم ، ورفض القوم ،وارتبك لوط وخاف على الملائكة الذين يبدو أنهم كانوا يتمتعون بقدر من الوسامة والحلاوة جعل القوم يفقدون صوابهم وتنتصب قضبانهم ويسيل لعابهم شهوة ، والرب مختبئ يرى ويراقب من مكان قريب ، حتى أوشك القوم على تعرية الملائكة من سروايلهم ، فتدخل وأنقذ الموقف وقامت الصاعقة والزلزلة والرياح فهلك القوم جميعاً إلا لوط والذين آمنوا معه ، وما رأى أحد هذا الإله ولا الملائكة ولا بقي أحد من القوم يروري لنا الحكاية من وجهة نظر محايدة ، فقط هو لوط وامرأته التي كانت تعمل مرشدة للرجال تدلهم على الضيوف كي يركبوهم ثم يحكون لها ما فعلوا ، ويبدو أنها كانت من النوع الذي تأتي شهوته بالسماع والمشاهدة عن بُعد ، ودون مشاركة فعالة في الحَدث
إن كل بطولات هذا الإله ومعجزاته لا يراها أحد إنها تتم بليل ، وفي الخلاء وبعيد بعيد عن أعين الناس ثم تروى لهم وعليهم التصديق فإذا طلبوا بينة قال لهم نبيهم سبحان الله هل كنت إلا بشراً رسولاً
تحياتي؛