موافقات عمر بين الحقيقة والمبالغة !

[الباحث الحثيث]

كل امة وحضارة تجدها تتباهى برموز وشخصيات فوق مستوى البشر عاشت بينهم ، ولن يستطيع احد الوصول لمستواهم على حسب زعمهم لانهم ببساطة : هم صفوة الصفوة ! ، وهذا لا تخلوا منه حضارة او أمة ، بل تجدهم احياناً ينسجون شخصيات من وحي الخيال من باب المفاخرة او الترهيب او لحاجة في نفس يعقوب !

وليس الاسلام عنهم بمعزل ، فالاسلام ذكر لنا شخصيات ووضع عليها هالات من القداسة كما فعل من كان قبلهم ، بل اخترعوا شخصيات من نسج الخيال وسلطوا عليها الضوء اما سلباً او ايجاباً كما حدث في شخصية "عبدالله بن سبأ اليهودي" سبب كل فتن الاسلام ! ، وشخصية البطل المجاهد "القعقاع بن عمر التميمي" ، وكلاهما غير موجود وانما هما من نسج الخيال ! وغيرهما كثير.

ولنعود الى بطل قصتنا اليوم وهو "عمر بن الخطاب" ونسلّط الضوء على هالة القداسة التي حاول المسلمون تسليطها عليه ونتكلم عن الحزئية المسماة بـ "موافقات عمر" .

فقد روى البخاري في صحيحه من طرق (1) عن "حُميد الطويل" عن أنس أنه قال: قال عمر:
وافقت ربي في ثلاث :
1- فقلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فأنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}.
2- وآية الحجاب
قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب
3- واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه
فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن، أن يبدله أزواجا خيرا منكن، فأنزلت هذه الآية) أهـ (2)

قلت : وبعد هذا الاعتراف من صاحب الموافقة "عمر بن الخطاب" بأنه وافق الله في ثلاث ! ؛ تجد العلماء لم يكتفوا بهذه المفخرة لـ "عمر" ! ، بل زادوا على ذلك موافقات وموافقات حتى وصلت موافقات "عمر" إلى نحو العشرين !! ، وألَّفوا فيها كتباً كثيره !! ، ومن ذلك :

- ألَّفَ السيوطي "قطف الثمر في موافقات عمر" وشرحه عدد كبير من العلماء .

- وألَّفَ ابن الشحنة (ت 815هـ) كتاب "الموافقات العمرية للقران الشريف" ، وألف في شرحه أيضاً !..

- وألَّفَ تقي الدين الجرَّاعي (ت 883هـ) كتاب "نفائس الدرر في موافقات سيدنا عمر" (مطبوع)

- ويُقال أن ابن طولون ألَّفَ كتابباً أسماه "سلك الدرر في موافقات عمر"

- وألَّفَ ابن النقيب (ت 816هـ) كتاب "الموافقات التي وقعت في القرآن العظيم لأمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب العدوي القرشي"

- وألف "مكي عبدالفتاح راوه" (ت 1424هـ) كتاب "الكوكب الأغر على قطف الثمر في موافقات عمر للقرآن والتورات والأثر" !! (مطبوع)

- وألَّفَ أحمد سعد الخطيب "البيان المختصر لنظم قطف الثمر" (مطبوع)

- وألَّفَ علي أسعد رباحي كتاب "شرح قطف الثمر في موافقات عمر" (مطبوع)

- وألَّفَ شمس الدين الوفائي كتاب "نزهة ذوي الألباب فيما وافق به ربه عمر بن الخطاب" (مطبوع)

- وألَّفَ محمد رضي الدين الغزي "نظم الدرر في موافقات سيدنا عمر" في 120 ألف بيت !! (مطبوع)

- وألَّفَ ابن البدر الخطيب البعلي (ت 1071هـ) كتاب "إقتطاف الثمر في موافقات عمر"

- ‏وألَّفَ الغازي الشافعي المكناسي كتاب "شرح نظم الدرر في موافقات عمر" (مطبوع)

- وألَّفَ ابن عماد الدين الدمشقي المفتي (ت 1171هـ) "الدر المستطاب في موافقات عمر بن الخطاب أبي بكر وعلي بن أبي تراب وترجمتهم مع عدة الأصحاب" (مطبوع)

- وألَّفَ محمد بدر الدين المغربي (ت 1354هـ) كتاب "فتح الوهاب في موافقات سيدنا عمر الخطاب" (مطبوع)

- وألَّفَ ابن علان كتاب "إتحاف الثقات في الموافقات"

- وألَّفَ محمد بدر الدين الحسني كتاب "فيض الوهاب في موافقات سيدنا عمر بن الخطاب" (مطبوع)

- وألَّفَ أحمد بن علي المقدسي كتاب "الموافقات التي وقعت في القرآن لعمر بن الخطاب"

- وألَّفَ شمس الدين أبو الفتح البـِلْبـِيْسِيُّ ثلاث رسائل ، وهي :
- نزهة ذوي الألباب فيما وافق به ربه عُمَر بن الخَطَّابِ
- نظم الدرر في موافقات عُمَر
- نفائس الدرر في موافقات عُمَر

- وألَّفَ عبدالرحمن بن جعفر الكتاني كتاب "نظم اللآلئ والدرر في موافقات سيدنا عمر" أو "كشف النقاب عن موافقات سيدنا عمر بن الخطاب"

- وألَّفَ محمد ضياء القاسمي كتاب "موافقات حضرت عمر رضي الله عنه" (مطبوع)

- ولمحقق كتاب "أطراف الغرائب والافرد" شرح على قطف الثمر للسيوطي ، ذكر ذلك في (1/124 حديث 141 الناشر دار الكتب العلمية / بيروت)

وغيرهم ، فتأمل !!

ونكتفي بهذا القدر لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد !!



وكتب / محمد اليماني - الباحث الحثيث


--
هامش :
(1) انظر صحيح البخاري (1/157 برقم 393 الناشر دار ابن كثير ، ودار اليمامة / دمشق الطبعة الخامسة 1414هـ - 1993م ، بتحقيق البغا) ، و(1/157 برقم 394 الناشر دار ابن كثير ، ودار اليمامة / دمشق الطبعة الخامسة 1414هـ - 1993م ، بتحقيق البغا) ، و(4/1629 برقم 4213 الناشر دار ابن كثير ، ودار اليمامة / دمشق الطبعة الخامسة 1414هـ - 1993م ، بتحقيق البغا)
(2) وأخرجه مسلم في صحيحه (4/1865 برقم 24 (2399) الناشر مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه / القاهرة 1374هـ - 1955م ، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي) : (حدثنا عقبة بن مكرم العمي حدثنا سعيد بن عامر قال: جويرية بن أسماء أخبرنا عن نافع، عن ابن عمر قال : قال عمر: ‌وافقت ‌ربي ‌في ‌ثلاث: في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر) أهـ
- قلت : رواية مسلم فيها إنقطاع ، وهذه علة قادحة ، ولهذا أوردها مسلم كما هي " أَخْبَرَنَا عن نافع"
وضبطوها "أَخْبَرنا عن نافع" بفتح الألف ، ولعلها "أُخْبِرْنَا عن نافع" بضم الألف.
أو : هو تصريح بالإخبار بين سعيد بن عامر وجويرية، وليس بين جويرية ونافع.
- وقال الحافظ بن عمار الشهيد في علله (ص 139 برقم 36 الناشر دار الهجرة / الرياض ، بتحقيق علي الحلبي) : (وجدت له علة، حدثني محمد بن إسحاق بن إبراهيم السراج قال حدثنا محمد بن إدريس قال حدثنا محمد بن عمر بن علي قال حدثنا سعيد بن عامر عن جويرية عن رجل عن نافع أن عمر قال : "وافقني ربي في ثلاث" .... فذكر الحديث.
ولم يذكر ابن عمر في إسناده، وأدخل بين جويرية ونافع رجلا غير مسمى) أهـ
- وقال محمد بن طاهر المقدسي في الأطراف (1/124 حديث 141 الناشر دار الكتب العلمية / بيروت) : (تفرد به جويرية بن أسماء عن نافع ، وتفرد به عنه سعيد بن عامر) أهـ.
قلت : وفيه علة أخرى في المتن ؛ حيث خالف حديث "حميد الطويل" المتصل ، وذكر من ضمن موافقاته "في أسارى بدر" ، بينما حديث "حميد" يتكلم عن "التطليق والإبدال" ، فتنبه!.


*********************