![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
باحث ومشرف عام
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
لقد تعقدت الأمور في السنتين الأخيريتين من مرحلة الإعدادية وازداد حجم التحديات. إذ شهدت هذه المرحلة تطور قراءاتي كماً ونوعاً من جهة، والمحيط المدرسي الاجتماعي أخذا يطرحان يومياً الكثير من الأسئلة – كانت نسبةٌ ليست ضئيلة منها تفرض علي الإجابة. إنَّ "المصيدة" قد توسعت والأخطار تفاقمت.
- هل الله موجود؟ كان هذا هو السؤال الذي لم ينقطع صداه! "هل الله موجود"؟ إنها مرحلة معقدة من حياتي الروحية واختياراتي العقائدية. فالأسئلة أخذت تزداد والأجوبة تتناقص. حتى تلك اللحظة كان الأمر يتعلق برفض الطقوس وعدم القناعة بمنطقية الواجبات الدينية. الآن قد اختلف الأمر جذرياً. فالسؤال لا يتعلق بجدوى الدين وإنما بوجود الله. الآن أدرك فكرة "الإبصار" بصورة مختلفة تماماً. فالمتدينون يلفقون عشرات الأجوبة ضد فكرة "رؤية الله" ويستغلون حرفية اللفظ معترضين على من يريد رؤية الله رؤية عيانية. ولكن من تجربتي الشخصية ومن احتكاكي بالكثير من الشباب آنذاك والآن فأن فكرة الرؤية والإبصار لا علاقة لها برؤية العين كدليل على وجود "الله". الأمر يتعلق "برؤية" الأدلة. أما وجود الكون كدليل على وجود الله فهو من أسخف الأدلة الممكنة. فهل وجود البول والخراء دليل على وجود الله؟ إن صرخة نيتشة بموت الإله لم تكن تكفي للإجابة على أسئلتي. فالناس حولي لا تكف عن ترديد اسمه وتبجيل صفاته. يعيش بينهم رغم غيابه، ويشغل ما تبقى من عقولهم رغم أنه لم "يبصره" أحد منهم! - هل مات حقا؟ إن موت الله بدت لي قضية فاسدة جداً. فهذا يعني أنه كان حياً. وهذا مأزق جديد لا يمكن تذليله. كيف يموت من لا وجود له؟ هل أبحث عن موته أم عن غياب وجوده من حيث المبدأ؟ كانت أسئلتي معقدة وأدواتي للبحث عن الأجوبة ما تزال في بداية تشكلها. * * * بعد بحث وتفكير مضنين وقراءة مكثفة، في الفلسفة خصوصاً، انتهيت إلى أولى الخلاصات المدهشة: سواء كان الله موجوداً أم لا، إن كان حياً أو ميتاً، فما هو قيمة وجوده أو غيابه في حياتي؟ لقد كان هذا (ولا يزال بالنسبة لي) مفتاح المفاتيح (masterkey) لكل الأسئلة المتعلقة بالدين. بل أن هذا السؤال بمثابة الطريق المُعَبَّد والذي لا محالة يؤدي إلى الإجابات الحقيقة. ما الجدوى من وجود وعدم وجود الله؟ هذا هو السؤال! من هنا بدأ هوسي في مراقبة الناس: كنت أبحث عن "الله" في حياتهم وأثره عليهم. كنت أراقب الأغنياء والفقراء، المتعلمين والأميين، أصحاب السُلطة والضعفاء، السعداء والتعساء. لكنني لم أجد أية علاقة ما بين كل هذه الحالات والأوضاع الاجتماعية وقضية الدين. بل وجدت بصورة صارخة أن الأشخاص كلما كانوا بعيدين عن التقاليد الدينية كانوا يحيون حياة طبيعية وغالباً ما كانوا يتمتعون بأوضاع معاشية أفضل من المتدينين. أما ما يتعلق بالأشخاص الأغنياء (الذين أعرفهم) والذين يبدو عليهم "التدين" فقد اكتشفت أن الدين بالنسبة لهم جزء من الشروط الاجتماعية ولا شيء آخر. لم يكونوا ملحدين، لكنهم كانوا أقرب إلى العلمانيين منه إلى المتدينين. إذ أن عملهم التجاري واحتكاكهم بتجار متدينين جعلهم "يلبسون" مظاهراً دينية شكلية وبالتالي لم يعد يحتاجون إلى الشرح والتأويل بصدد عدم تدينهم. (كان القاسم المشترك "الخارجي" ما بين هؤلاء الأشخاص هو رفضهم للكثير من العادات والتقاليد الدينية والاجتماعية) في تلك الأيام المدهشة أخذت تتضح فكرة "موت الإله" في رأسي. فموته يكمن في عدم الحاجة إليه. إذ حلَّ العقلُ والمهارةُ والعملُ والسعيُ الحثيث محله. إن "موته" ينكشف في اكتشاف "خرافته" وعبثية الطقوس الدينية. ومن أولى هذه الطقوس الدينية العبثية واللامعقولة هو الصلاة. فقد اكتشفت أن الصلاة الإسلامية من أعقد أنواع الصلوات في تاريخ البشرية (توجد المئات من المؤلفات عن الصلاة في الإسلام!). إذ تحولت "الصلاة" إلى طقس معقد مُثْقَلٍ بالقواعد والأصول التي تناقض بصورة صارخة مع الادعاء الإسلامي بأن الله "عليم ما في القلوب"! فوظيفة الصلاة الإسلامية، وهذه هي الخلاصة الكبرى الثانية بالنسبة لي، هي ذات طابع مدني وليس ديني. إنها فعل علني ظاهر أمام الملأ بالانتماء الديني للمصلين. ولم تكن صلاة الجمعة إلا ممارسة إحصائية للغائبين والحاضرين. وقد ساعد توسع المدن على فشل المهمة الإحصائية لصلاة الجمة. لكنها بقيت ذات وظيفة "استعراضية" تشبه اجتماعات وتجمعات الأحزاب السياسية المعاصرة. إنها إعلان عن سلطة الدولة العربية/الإسلامية. فلو كانت "الصلاة" هي حقاً دعاء موجه لأله "عليم ما في القلوب" فما الضرورة من كل هذه القواعد والأصول والاستعراضات؟ إذن ليس "الله" عليماً ولا يعرف ما في القلوب. وهذه هي الخلاصة الثالثة. * * * من هنا يبدأ مفترق الطرق الحاسم في حياتي: لم أعد أحتاج إلى دليل يحميني من الدين! لقد انفتحت أمامي مملكة المكتبات المركزية والمحلية والمدرسية. وقد قادتني المطالعة الدائمة إلى الخلاصة الرابعة: عند تكتشف بأن الدين "وعي مزيف للعالم" تكتشف الصورة بكامل تجلياتها. وكل كتاب مقروء يتحول إلى حجر للبناء المستقبلي. ولشدة دهشتي اكتشفت أن قراءة القرآن لا تقل فائدةً عن فائدة الكتب المناهضة له. إذا بمرور الزمن سيكتشف المرء الصيغة المهلهلة لنص القرآن التي تختفي وراء خط الثلث الجميل وتلاوته بأصوات جميلة. إنه وهم الشكل لا جمال المضمون. الآن دليلي عقلي المستقل. * * * فاخترت طريقي! لم يكن سهلاً ولا معبداً بالزهور. لكنه كان طريقاً مدهشاً قادني إلى عوالم لا يحلم بها المسلمون: عالم الفن والأدب (الشعر والرواية) والفلسفة. وما هو أكثر أهمية: العالم المفتوح من غير جدران تفصلنا عن البشر الآخرين بغض النظر عن لون البشرة، وطريقة العيش، والعقيدة والثقافة. عالم من غير حدود خارج مملكة التكفير والمواقف المسبقة وشيوخ الدين وجحافل الهوس. عالم يرتفع بك عالياً، تماماً كالطير بأجنحة غير مرئية. إنها أجنحة أدراك جمال الوجود الأرضي، الوجود الوحيد في حياة البشر. إنها أجنحة إدراك أهمية العدالة على الأرض وليس في مكان آخر. هذا هو العالم الوحيد: جحيماً كان أم جنة! هذه هي البدايات. والآن أشعر بالفخر لأنني كنت ذلك الصبي: لقد فَلَتُّ من قبضة أصحاب محمد! صمدتُّ أمام الطقوس والأعياد والتقاليد الدينية التي لا عدَّ لها ولا حصر! لم أحنِ رأسي أمام ربٍ صنعه أمْيُّون؛ ولم أبتهل إلى رب السماء من أجل المطر والسلامة أو اجتياز الامتحانات! لم أتفوه يوماً بكلمة "آمين" الآرامية إلا لمعرفة أصلها ومعناها القديم. لم "ألطمْ" في "عاشوراء" يوماً على صدري ولم أبكِ من أجل حُجَازيٍّ متسرع في قراراته، اكتشفت فيما بعد بأنه لا يفقه من أسرار السياسة والحرب أكثر ما يفقهه تلميذ مدرسة، معرضاً بذلك نفسه وعائلته للموت والفناء من أجل حق بالخلافه منحته إياه الأحلام وأحاديث مزورة! لا أعرف كيف حدث هذا وما هي القوة التي حَصَّنَتْنِي من زلل الإيمان. لا أعرف شيئاً غير أنه قد حدث والآن أشعر بسعادة غامرة لأنه قد حدث. [لم تكن هذه هي النهاية، بل أنها بدايات البدايات] |
|
|
|
|
| الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ المسعودي على المشاركة المفيدة: | AdminMaster (12-09-2020) |
|
|
رقم الموضوع : [2] |
|
عضو برونزي
![]() |
ما اجملها من بداية ....
|
|
|
|
رقم الموضوع : [3] |
|
باحث ومشرف عام
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
|
|
|
|
|
| الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ المسعودي على المشاركة المفيدة: | AdminMaster (12-09-2020) |
|
|
رقم الموضوع : [4] |
|
مــدير عــام
![]() |
جميل .. حبذا لو تكتب لنا مسرحيات او حول الكوميديا الالهية باسلوبك لديك عمق ادبي رائع جداً
|
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [5] |
|
باحث ومشرف عام
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
الزميل AdminMaster
تحياتي شكراً للاهتمام. إذا مللت المقالات النظرية عن خرافات الإسلام فإليك الوجه الآخر: حكاية الحمار الذي تجرأ على الذات الإلهية |
|
|
|
|
| الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ المسعودي على المشاركة المفيدة: | AdminMaster (12-09-2020) |
|
|
رقم الموضوع : [6] | |
|
مــدير عــام
![]() |
اقتباس:
لم أمل من مواضيعك ، كلها جميلة نور على نور ![]() |
|
|
|
||
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| إلحادى, أوهام الطقوس،مفترق طرق،الصلاة استعراض للقوة, البدايات, الجزء, الرابع, تاريخ, والأخير |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond