اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Hamdan
في هذا الموضوع سأتناول بعض المسلمات التي يأخذ بها العقل الجمعي العربي في تعاطيه مع المستجدات والتاريخ واي شيء ..
إن العلوم الانسانية اهم بكثير من العلوم الطبيعية (خصوصا للمجتمعات المتخلفة) لسبب بسيط ان الانسان يتأثر بقرينه الانسان اكثر مما تؤثر به الطبيعة فضلا عن ان الانسان الذي يتعامل مع الطبيعة لايتعامل معها بإستقلال تام من افكاره المسبقة بوصفه كائن اجتماعي (من مجتمع له مسلمات معينة) او بوصفه انسان (له طبيعة ذهنية محددة او منطق صوري محدد..) فهنا سأقتضب في عرض بعض انماط التفكير (التي ورثها الانسان العربي ملحدا كان ام مؤمنا ليبراليا ام ماركسيا والخ من ثقافته وبيئته ومجتمعه ..) وطبعا ليست هذه دراسة موضوعية تامة (بل لنا بالجانب الادبي بإضافة بعض الاحكام المعيارية التي أرى انه من الواجب القدح في هذه العقلية حتى تفيق من خرافاتها اي سلوك ينبغي الاخذ به*مرة اخرى هذه العقلية تجمع بين الملحد والمؤمن الليبرالي والماركسي الخ*)
اولا الواقعية الساذجة..
يقصد بالواقعية الساذجة هو ملاحظة الظواهر الخارجية وفهمها على هذا الاساس (الملاحظة فقط..) دون تحليل وتأمل وتفكر ان العلم يختلف عن الملاحظة في انه يحلل ويربط ويستنتج (من المعطيات التي يحصل عليها من الحس..) فالانسان البدائي مثلا عندما كان يلجأ للخرافات لم يكن يلجأ اليها دون ملاحظة بل وتجربة ايضا لكن ما كان ينقصه هو الربط والتفكير والتحليل والاستنتاج ..فهنا يتعاطى الانسان العربي مع ما يحصل عليه من الحس بسذاجة وسطحية لامثيل لها فعندما ينبهر مثلا بمظاهر ومفرزات الثقافة الغربية تجده يلجأ لتفسير سبب تقدم الغرب ونهضة العقل فيه من خلال هذه المظاهر (اي يحول النتائج بل قشور النتائج الى اسباب!!) ان مثل هذه العقلية في التفكير هي سبب تخلفنا وعدم قدرتنا على استيعاب الواقع وبالتالي التعامل معه كما يقتضي فعندما يفسر شخص ما اسباب تقدم الغرب بالحرية والديمقراطية والثقافة الراسمالية فهو يأخذ وينتزع مفرزات الحضارة الغربية دون التعمق في اسبابها فمثلا الحرية لم تؤسس ولايمكن ان تؤسس الا على التفكير (اي من يجلب الحرية هو التفكير فقط) والدليل على هذا هو من نفس الثقافة التي نتحدث عنها الثقافة الغربية ؛اوروبا لم توجد هكذا بدون اسباب ومقدمات اسهمت في عتقها من ربقة الاستبداد والاقطاع والمجتمع الراسمالي الطبقي ان اول بارقة للنهضة الاوروبية هو قيام حركة الرشدية اللاتينية التي عملت على دراسة تراث الفلسفة اليونانية (والاخذ بمنهج ابن رشد في التأويل) وتمحيصها والاخذا بافكاره (دون نسيان بدايات عصر النهضة في اوروبا او ايطاليا تحديدا) حيث لجأ المثقفون لدراسة التراث اليوناني القديم الأدبي والفلسفي وكان ذلك مشعل تهديد على الكنيسة انذاك (حيث رأت في ذلك مروقا وخروجا على الموروث المسيحي ببعث التراث الوثني اليوناني من جديد) ان هذه المقدمات كلها هي من أتت بالاصلاح الديني (لوثر وجمعية الكويكرز التي كانت تحمل *افكار صوفية بالمناسبة *ظهرت في انكلترا ثم امريكا فيما بعد..) ان هذه المقدمات هي في مجملها تفكير وتأمل (وليس ثروة ومال) هذه المقدمات هي من اتت بالنهضة الفكرية والعقلية في اوروبا (ان المال ماهو الا مادة في المنطق وصورته هو العقل المستنير اي مال دون عقل مستنير ليس اكثر من وبال كمثال طبقة النبلاء في المجتمعات الاوروبية الاقطاعية) بينما يلجأ بعض التيار الالحاد المادي لرفض اي محاولة لبعث التراث الفكري العربي في الماضي (تراث ابن رشد والفارابي وابن عربي ..) لا لشيء سوى انه نتاج للتفكير الديني (او هو رد فعل) على السلطة الدينية الاستبدادية في بلادنا (فهو لايختلف عنها هنا..) وهذه الالية في التفكير تشمل الملحدين والمؤمنين على حد سواء..
ثانيا..
قياس الشاهد على الغائب (او القياس الفقهي) وقد اعتبر المفكر محمد عابد الجابري هذه الذهنية في القياس من العوامل الذهنية التي تحكم طريقة التفكير للعرب بشكل عام ..
فالعقل العربي يلجأ للقياس والمقارنات السطحية بين الظواهر دون البحث عن العلة الحقيقية الجامعة (او معرفة ان كان هناك علاقة اصلا ام لا!) كمثال على هذه الظاهرة هو ماذكرته آنفا من لجوء الى قياس الثقافة الغربية (بقشورها) على الواقع العربي فيلجأ للمقارنات السخيفة والسطحية لا لشيء سوى لانه يزدري التفكر يزدري الفلسفة ولو علم معنى الفلسفة لاختشى على نفسه ان يلجأ لهذا الاسلوب السخيف في تعاطيه معها ) فهي كلمة يونانية الاصل تعني محب الحكمة (فيو محب وسوف الحكمة) بالطبع العقلية العربية السطحية والساذجة والخرافية عدو للحكمة وصديقة للجهل والتخلف والرجعيه (اي هذا نتيجة منطقية ليس الا!) لذلك نجد عبارات ك*لا تتفلسف* لأن هذه العقلية المنحطة القيم (والمعارف) هي عدو للعلم ..عدو للعقل ..عدو للفكر والتأمل والثقافة هي ليست الا مثالا بارزا للميلها للسكينة والراحة والهدوء (قبول الواقع على ماهو ..رفضها لفكرة التطور اساسا) فهي عقلية خرافية منحطة (وقد صدق قول ارنس رينان فيها انها احقر واعجز من ان تتفلسف او تنتج فلسفة خاصة بها) لذلك ليس غريبا ان نجد كل المفكرين والفلاسفة في السابق لم يكونوا عربا (ابن سينا الفارابي ابو بكر الرازي السهروردي ابن رشد و..) بل حتى واضعي النحو واصول الفقه لم يكونوا عربا بالاساس ..انهم فرس يا أيها العربي العاجز الراقد في سباتك ونومك الدوغمائي مع احلامك الخرافية !!
فنخلص من هذا ان العقل العربي يلجأ للقياس الشكل السطحي (قياس الفقهاء) في تعرفه على الواقع وتعاطيه مع مشكلاته..
ثالثا..
عدم امكانية الفصل بين الذاتي والموضوعي..فالعقل العربي عاجز عن ان يتعامل مع الموضوعات (التاريخيه والواقعية) بحيادية فتجده يسبغ احكامه المعايرية في تحليله لمشكلات الواقع (وهذه الاحكام نابعه من بناه الفكرية والايديلوجية) كمثال هذه العقلية لاتفكر الا بطريقة استقطابية اي ترفض كل شيء مرة واحدة وتقبل بكل شيء مرة واحده ايضا (اي عاجزة عن الدراسة الموضوعية التامة) فالتراث كمثال نجد بعض اصحاب العقليات الدوغمائية (الخرافية) يرفضه بأكمله لانه رجوع وعودة للماضي (ولتذكرة هذا الغافل النائم ليس لنا الا بتنبيهه بما جرى في اوروبا من بعث للتراث القديم ودراسته للتخلص من سطوته اولا وقبل اي شيء ..فالتراث لايدرس الا لنتجاوزه وهنا نجد بعض الانظمة العربية التي لجأت الى تهميش مشاكل التراث والقفز عليها بحجة انها رجوع للوراء نجد ان هذه المشكلات انفجرت مرة واحدة *الحروب الطائفية في اليمن وسوريا والعراق والسعودية والخ* عدى عن مشكلات هذا التيار الاشتراكي (الساذج والمغفل) مع الاصوات الاخرى الرافضة لسطوته الاستبدادية..
فالخلاصة ان الدراسة الموضوعية (البعيدة عن اهوائنا لامناص منها ولامناص من استرجاع التراث وهذه الحركة بدت بعض مظاهرها في استعادة التراث بعد قدوم السادات للحكم في مصر وفي تونس والجزائر لكن بشكل طفيف وضعيف بعض الشيء)
في الختام قد يقول البعض ان بعض هذه (الاليات الذهنية في التفكير) موجودة في كل المجتمعات حتى في المجتمعات المتقدمة!! وهذا غير صحيح ومرة اخرى لاتجوز المقارنة (الفرق يكمن اساسا في مجتمع فهم ماهية الحرية واستوعبها وافراده يتمثلونها في حياتهم ؛فالمواطن الغربي له حس الخيال وهذا ما يولد الابداع على عكس العربي النائم ..)
تحياتي للجميع..
|
استاذ حمدان انت هاجمت المؤمن العربي وايضاً هاجمت الملحد العربي "المضبوع" بالحضاره الغربيه كما يحب اخواننا المؤمنون ان يقولوا عنا.
ساتفق معك في تشخيصك للمؤمنين ولكني ساختلف معك في تشخيصك لمن ينادي بالرأسماليه والحريه والديمقراطيه وحتى الاخلاق الغربيه في العلاقات الاجتماعيه، فانا منهم ومن حقي ان ادافع.
في الحقيقه افكارك غارقه في الماضي استاذ حمدان، وما ذكرته انت يجب ان يضاف الى مشاكل العربي التي ذكرتها.
انا لا يهمني ماذا فعلت الكنيسه وماذا فعل الكوركز واللوثوربن وغيرهم... انت امامك واقع، امامك ناتج انساني هو حصيلة مئات التجارب الاجتماعيه والسياسيه والاقتصاديه - بعضها فشل وبعضها استمر- حتى وصلنا الى هذا الواقع الذي يعتبر من انجح ما يكون منذ بدأ التاريخ الانساني (الا اذا كنت تعارض هذه الفكره فهذا موضوع اخر نستطيع ان نناقشه).
دراسة المناهج القديمه وطرق الوصول الى هذا الواقع هي دراسه اكاديميه للمتعه والترفيه فقط. لا تهمني الطريق والوسائل التي اعتمدها الغرب قبل مئه او مئتي سنه او الف او الفي سنه. هذا المنهج هو تاريخ فقط... هناك واقع وتجربه ناجحه الان. احملها وتابع ولا تحاول ان تخترع الدولاب مره ثانيه...
الياباني ينسخ والفيتنامي ينسخ والكوري ينسخ والافريقي ينسخ والهندي والصيني ينسخ (ولولا الفساد السياسي في الصين لكانوا نسخوا النظام السياسي ايضاً ولكن ما باليد حيله - اعرف كثير من الصينين).
هؤلاء جميعاً ينسخون. مفاهيم الحريه الجنسيه وفكرة الصديقه قبل الزواج اصبحت فكره اساسيه في المجتمع الياباني والصيني... هذه المجتمعات لم تعد مجتمعات ذكوريه كما كانت في السابق، ادركوا اهمية عمل المرأه وتثقيفها. برامجهم الاجتماعيه والترفيهيه والسينمائيه ومناهجهم التعليميه منسوخه عن الغرب. مصارفهم ومؤسساتهم الماليه وحتى تتطبيقات الكمبيوتر منسوخه مبادئها. حتى مفاهيم التقاعد وعدم تكليف الاولاد هموم العانيه بالمسنين نسخوها واصبحت من عاداتهم.
نسخوا من دون الحاجه الى سلوك نفس الطريق التاريخي الذي سلكه الغرب وتعلم الفلسفات الغربيه للوصول الى نفس النقطه.
لا تهمني الطريقه التي سلكتها الامم الغربيه في الوصول: الجواب ان الحريه افضل وان الرأسماليه افضل... ما يهمني هو ان الغربيين وصلوا الى الجواب وانا بحاجه ان انسخ الجواب واتابع، لا يهمني اذا سلكوا الطريق الديني او الديني الصوفي او الفلسفي او غيره... ما يهمني هو ماذا يستخدمون الان للازدهار ولعيش حياة كريمه بعد ان وصلوا...
في الرياضيات والطبيعه الاقتصاد هناك عمليات تسمى Markov Processes. هذه الاطر الرياضيه تقول ان الحاله او الحالات السابقه لا تؤثر في الحاله المستقبليه، فقط الحاله الحاليه هي التي تؤثر في المستقبل. جميله جداً هذه العمليات، وانا استخدمها كثيراً..
اظنك في فكرتك هذه والمؤمن تتفقان في نقطه واحده: لا يصلح اخر هذه الامه (اسلاميه او غربيه) الا بما صلح به اولها... وكلاكما خاطئ.
تحياتي