![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
█▌ الإدارة▌ ®█
![]() ![]() ![]() ![]() |
بقلم Matthew A. Trump ترجمة : إبراهيم قيس جركس موقع الأوان . _______________ المقدّمة: هل هناك قوانين حتميّة مطلقة تحكم الكون؟ هل تقدّم لنا قوانين الفيزياء توقّعات وتنبّؤات دقيقة وصارمة عن سلوك المنظومات الفيزيائيّة؟ وهل هناك أيّ درجة من الدّقة واليقين في الأرصاد الّتي نقوم بها سواء في النّماذج الفيزيائيّة أو الجّويّة أو الاجتماعيّة والإنسانيّة؟ وهل معرفتنا الإنسانيّة الّتي كنّا نحصّلها على مدى قرون عديدة وسفكت لأجلها بحار من الدّماء هي معرفة يقينيّة مطلقة أو هي معرفة تعتمد على قدر معيّن من الدّقة؟ والكثير من الأسئلة المطروحة على طاولة الحوار العلميّ المعاصر في النّدوات والمعامل والمختبرات العلميّة التّي تتناول موضوع جدليّة الشّواش والنّظام في كافّة مجالات المعرفة. فضّلت البحث في هذا الموضوع الهامّ جداً الّذي يعدّ من المواضيع الّتي لم تتناولها أبحاثنا وتفتقر لها مكتباتنا ودوريّاتنا، لذلك كان لهذا الموضوع من الأهميّة ما يجعله مدخلاً إلى البحث عن مدى صحّة معرفتنا وعلومنا الّّتي نعتمد في تحصيلها ككائنات واعية على آلات معيّنة للقياس، ونراهن على صحّة ودقّة المعطيات الوافدة إلينا من وراء العدسة أو أيّ مقياس آخر. ولعلّ أهّمية هذا الموضوع لا تتوقّف عند مدى صدق معلوماتنا أو كذبها، إنّما ترسم لنا خطوطاً عريضة نسير عليها لنصل إلى أقصى درجة ممكنة من اليقين والدّقّة؛ في العلوم الطّبيعيّة والإنسانيّة والأدبيّة والاجتماعيّة وغيرها. ففي القسم الأوّل سوف نتعرّف على مفهوم الشّواش وسنورد لمحة تاريخيّة مبّسطة عن بروزه كعلم. أمّا في القسم الثّاني فسنتحدّث عن فلسفة الحتميّة الّتي هي مفهوم أساسيّ في علوم الفيزياء المعاصرة، والّتي يرى أنصارها أنّ لكلّ سبب نتيجة خاصّة به. وفي القسم الثّالث سوف نتعرّف على الشّروط الأوليّة والمبدئيّة لكلّ منظومة فيزيائيّة، وكيف أنّ قوانين الفيزياء ترجع إلى قياسات أيّ نظام فيزيائي، مستخدمة رابطة مفترضة بين السّبب والنّتيجة، حيث أنّ الشّروط الأوليّة هي حجر الأساس لوضع أيّ تنبّؤات وتوقّعات مستقبليّة. وفي القسم الرّابع سوف نتعرّف على اللّايقين في القياسات الّذي هو بدوره مبدأ علميّ ومنطقيّ يقول بأنّه لا يمكن أن يوجد أيّ قياس نهائيّ ودقيق بشكل مطلق. وفي القسم الخامس سوف نرى كيف أنّ الحتميّة، والشّروط الأوليّة، والّلايقين في القياس سوف يفسح المجال لبروز عامل هامّ جداً في المنظومة وهو ما يسمّى (الارتياب الدّيناميكي) الّذي هو بدوره من أكثر الاصطلاحات الفيزيائيّة ترادفاً مع مفهوم الشّواش. وأخيراً، في القسم السّادس من البحث سوف نستعرض كيفيّة نشوء الأنظمة والنّماذج الرّتيبة عن الشّواش. أرجو أن يجد القارئ المتعة والفائدة في هذا البحث الذي نقدّمه بتواضع بين يديه، والّذي يتحّدث عن أهمّ المسائل في العلم في الوقت الحاضر. 1)- ما الشّواش1؟ What is Chaos إنّ كلمة الّشّواش في الفيزياء هي كلمة تخصّصيّة يستخدمها العلماء فيما بينهم، ومصطلح (الحركة الشّواشيّة / الفوضويّة / العشوائيّة) يحمل معنى الاهتياج والقلقلة في نظام فيزيائيّ مرصود غير متماسك أثناء عمليّة الرّصد. كما أنّ الشّواش يمكن أن يظهر ويتطوّر في نموذج يبدو شديد الانتظام والتّماسك. وبمعنى آخر، فالشّواش يعود في الأصل إلى نظام ما سواء كان ممكناً أم غير ممكن وضع أي تنبّؤ دقيق وبعيد المدى لهذا النّظام. وقد يبدو الشّواش كامناً في قلب المنظومات الفيزيائيّة التّي ندرسها على أساس من الدّقّة واليقين، حيث أنّها تظهر لنا متماسكة ورتيبة بشكل كامل. إلاّ أنّها تنطوي على قدر من الفوضى الّتي تشوّشها في صميمها. خلال أربعة قرون مضت كانت قوانين الفيزياء قد عكست ترابطاً وثيقاً ومتكاملاً بين مفهوميْ النّتيجة والسّبب في الطّبيعة، وظلّ الأمر على حاله هذه حتّى وقت قريب. حيث كان من المفترض أنّه من الممكن وضع تنبّؤ دقيق وبعيد المدى لأيّ نظام فيزيائي. وقد كان كافياً أن يعرف أيّ شخص الشّروط الأوّليّة حتّى يتمكّن من معرفة النّتيجة الحتميّة لهذا النّظام وبشكل دقيق تماماً. ولكنّ اكتشاف المنظومات الشّواشيّة منذ حوالي المائة عام كان قد حطّم هذه الفكرة بشكل مخيف، حيث هزّ هذا الاكتشاف كيان المذهب الحتميّ وأصابه في الصّميم. كان لاكتشاف النّظام الشّواشي في الفيزياء وقع كبير في الأوساط العلميّة، إلّا أنّه لاقى استهجاناً من قبل عدد كبير من العلماء شأنه شأن أيّ اكتشاف جديد هائل سابق على عصره. ولكنّ توالي الاكتشافات وتطوّر أجهزة القياس ساعدا على إثبات وجهة النّظر هذه. فلنتعرّف على المفاهيم الأساسيّة المرتبطة بالشّواش . 2)- فلسفة الحتميّة: Philosophy of determinism فلسفة الحتميّة هي عبارة عن مذهب فلسفيّ يرى أنّ كلّ ظاهرة هي نتيجة حتميّة لحادث أو فعل ما مسبق كان هو السّبب في حدوث هذه الظّاهرة. وبالتّالي، فإنّ كلّ منظومة أو حدث يمكن التنبّؤ بنتائجها في المستقبل - من حيث المبدأ على الأقلّ - وبشكل دقيق كلّ الدقّّة، وذلك من خلال الرّجوع إلى الماضي، أي إلى عواملها الأوّليّة والمبدئيّة. وكما هو شأن الاعتقاد بالعالم المادّي، فإنّ جذور الحتميّة ترجع إلى عهد الإغريق القدماء قبل آلاف السّنين. وقد أدمج هذا المصطلح في العلم الحديث منذ القرن الخامس عشر، حيث تزامن مع بروز فكرة السّبب ¬ النّتيجة، وقد صار هذا المبدأ يسيطر ويتحكّم بشكل كامل بكافّة البنى والأنظمة في العالم المادّي. وحسب النّموذج الحتميّ في العلم، فإنّ الكون قد تمدّد مع الزّمن كآلة ميكانيكيّة تعمل بشكل متكامل، وبدون أيّ شكل من العشوائيّة والفوضى أو خروج عن القوانين الحتميّة الدّقيقة التّي تسيّره. وقد كان إسحق نيوتن هو الشّخص الأكثر شهرةً في هذا المجال منذ تأسيس فكرة الحتميّة، فقد عاش في لندن منذ حوالي 300 سنة وكان قد اكتشف مجموعة من القوانين البسيطة والواضحة حيث وضعها في جمل صغيرة ووجيزة. وكان يعرض من خلال قوانينه هذه إمكانيّة التنبّؤ الدّقيق بالحركة ضمن مجموعة كبيرة من المتغيّرات الواسعة في نظام معيّن، وهذه التنبّؤات تكون على درجة مطلقة من الدّقّة واليقين. وقد أثبت نيوتن من خلال قوانينه الثّلاثة في الحركة أنّه بعمليّة حسابيّة منطقيّة بسيطة يمكن التنبّؤ بتوقيت حركة الكواكب السّيّارة حول الشّمس، ومسار حركة قذيفة على الأرض، ووضع جدول دقيق لحركات المدّ والجزر في المحيط على طول أشهر السّنة، وهذه بين أشياء كثيرة. وبهذا فإن قوانين نيوتن هي قوانين حتميّّة ذات طابع جبريّ ومطلق؛ لأنّها تدلّ على أنّ أيّ شيء يمكن أن يحدث في المستقبل فهو يعتمد بشكل نهائيّ وحتميّ على ما يحدث الآن في الحاضر. وعلاوة على ذلك فإنّ كلّ شيء يحدث الآن في حاضرنا هذا فهو يرجع بالضّرورة على ما حدث في الماضي. ولذلك فقوانين نيوتن كانت ناجحة وعمليّة لعدّة قرون تلت بعد اكتشافه إيّاها، وعلم الفيزياء بدوره يحتوي على مجموعة واسعة من الشّروحات والإيضاحات عن كيفيّة حساب أيّ حركة مرصودة من خلال قوانين نيوتن. كما أنّ هذه القوانين النيوتونيّة كانت قد حلّت محلّ عدد كبير وضخم من القوانين الفيزيائيّة وذلك حوالي العام 1900، وبهذا فإنّ بقايا مذهب الحتميّة اليوم هي الفلسفة الأساسيّة والهدف النّهائي الذّي تسعى إليه العلوم الفيزيائيّة. يتبع ..... |
|
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| الشواش؟ |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
| أدوات الموضوع | |
| اسلوب عرض الموضوع | |
|
|
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond