![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
عضو جديد
![]() |
يرى ابن عربي أن الوجود بأسره حقيقة واحدة ليس فيها ثنائية ولا تعدد، على الرغم مما يبدو لحواسنا من كثرة في الموجودات في العالم الخارجي وما نقرره بعقولنا من ثنائية الله والعالم: الحق والخلق، ولكن الحق والخلق عنده اسمان أو وجهان لحقيقة واحدة، إذا نظرت إليها من ناحية وِحْدتها سميتها حقًّا، وإن نظرت إليها من ناحية تعددها سميتها خلقًا، ولكنهما اسمان لمسمى واحد:
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا * وليس خلقًا بهذا الوجه فأدركوا جمِّع وفرِّق فإن العين واحدة * وهي الكثيرة لا تبقي ولا تذر٢ هذه في نظر ابن عربي قضية بديهية لا تقبل الشك ولا الدليل، ولكنها في الوقت نفسه تقبل التحقيق عن طريق التجربة الصوفية التي يدرك فيها الصوفي في حال فنائه عن نفسه وعن الخلق وحدته الذاتية مع الحق، والعقل وحده — غير المؤيد بالكشف والذوق — لا يقوى على إدراك هذه الوحدة. يصرح ابن عربي بهذه العقيدة في عبارات قوية جريئة لا مواربة فيها، من ذلك قوله: «فسبحان من أظهر الأشياء وهو عينها.» فما نظرت عيني إلى غير وجهه * ولا سمعت أذني خلاف كلامه٣ وقوله: «وقد ثبت عند المحققين أنه ما في الوجود إلا الله، ونحن وإن كنا موجودين فإنما كان وجودنا به. فمن كان وجوده بغيره فهو في حكم العدم.»٤ وقوله: ممن تَفِرُّ وما في الكون إلا هو * وهل يجوز عليه «هو» أو ما هو؟ إن قلت «هو» فشهود العين تنكره * أو قلت «ما هو» «فما هو» ليس إلا هو فلا تَفِر ولا تركن إلى طلب * فكل شيء تراه ذلك الله٥ وقوله: يا خالق الأشياء في نفسه * أنت لما تخلقه جامع تخلق ما لا ينتهي كنهه * فيك فأنت الضيق الواسع٦ هذه العبارات وأمثالها مما تفيض به مؤلفات ابن عربي صريحة في تقرير وحدة الوجود صراحةً صارخةً، وليس في تأويلها إلى غير ما يفهم من ظاهرها إلا إفسادها، ولكن ابن عربي يواجه مشكلة الكثرة في الوجود — وهي كثرة تشهد بها الحواس ويقرها العقل — ويحاول أن يفسرها على أساس أنها صور ومجال تتجلى فيها الصفات الإلهية التي هي عين الذات، أو على أنها أوهام اخترعها العقل بأدواته ومقولاته، وللحق عند ابن عربي معنيان: الأول «الحق في ذاته» وهو حقيقة مطلقة لا نعرفها ولا نتصل بها بوجه من الوجوه، والحق كما يبدو لنا في تجلياته في الوجود، وهو بهذا المعنى مرادف للخلق؛ ولذلك كان للحقيقة الوجودية وجهان: حق وخلق، وهي الواحد والكثير، والقديم والحادث، والظاهر والباطن، والأول والآخر، وغير ذلك من الأضداد. فإذا نظرت إلى الحق من حيث ذاته فهو الناظر إلى نفسه، وهذا مقام الوحدة، وإذا نظرت إليه من حيث تجلياته نظرت إليه من مقام الكثرة. كما عبر عن ذلك أفلوطين حيث قال: إن «الواحد الأول في كل مكان وهو مع ذلك لا في مكان.»٧ فالتفرقة بين الحق والخلق، أو بين الواحد والكثير، تفرقة منطقية يقول بها العقل لا الذوق الصوفي، وهي تفرقة في ظاهر الأمر لا في حقيقته: كالتفرقة بين الجوهر وأعراضه، وهما في الواقع حقيقة واحدة وإن تصور العقل الفصلَ بينهما. فالذي يحدث الكثرة في الوجود هي أحكامنا على الموجودات، أما حقيقة الموجودات فواحدة. في هذا الجانب من فلسفة ابن عربي — وهو ما يصح أن نسميه بالجانب المنطقي أو الفلسفي — أثر ظاهر لثلاثة تيارات من الفكر: الأول نظرية أفلوطين الإسكندري في الواحد والكثير، والثاني نظرية الأشاعرة في الجوهر والأعراض، والثالث نظرية الحلاج في اللاهوت والناسوت: إذ الناسوت عند الحلاج هو المظهر الخارجي للاهوت، يقول: سبحان من أظهر ناسُوتُه * سِرَّ سنا لاهوته الثاقب ثم بدا لخلقه ظاهرًا * في صورة الآكل والشارب حتى لقد عاينه خلقه * كلحظة الحاجب بالحاجب ومع هذا، فالفرق بين ابن عربي من ناحية، وبين أفلوطين والأشاعرة والحلاج من ناحية أخرى، فرق جوهري وأساسي، ومذهبه مختلف عن مذاهبهم. وتمشيًا مع منطق العقل — لا الكشف — يحاول ابن عربي أن يفسر العلاقة بين الواحد والكثير، ويلجأ في ذلك إلى ضروب من التمثيل والتشبيه قد تعين بعض الشيء على فهم هذه المشكلة المعقدة، ولكنها قد تبلبل فكر القارئ الذي يأخذها بحرفيتها وإشاراتها المادية. من ذلك تمثيلية الذات الإلهية بشيء منعكسة صوره على مرايا، والكثرةَ الوجودية بالمرايا التي ينعكس عليها صور ذلك الشيء. أو تمثيله الذات الإلهية بالواحد العددي، والكثرةَ الوجودية بسائر الأعداد التي تستمد وجودها من «الواحد». أو تمثيله الذات الإلهية بالجسم، والكثرة الوجودية بأعضاء الجسم التي لا وجود لها ولا كيان بغير الجسم، وهذا التشبيه الأخير ممعن في المادية. وللحقيقة الوجودية في تنزلها إلى علمنا ثلاث مراتب: مرتبة «الأحدية المطلقة»، وهي مرتبة الذات أو مرتبة «العماء»، ونحن لا نعرف عن الذات الإلهية — من حيث هي — شيئًا، ولا نستطيع أن نصفها بشيء سوى محض الوجود لأنها من هذه الحيثية مجردة عن كل اسم ووصف وإضافة، والثانية مرتبة «الواحدية» وهي المرتبة التي تتجلى فيها الذات في مجالي الأسماء والصفات، أو هي مرتبة «الحق» أو الله بالمعنى الديني، ولكن الأسماء والصفات الإلهية هي من ناحية عينُ الذات (كما يقول المعتزلة)، ومن ناحية أخرى عينُ العالم الخارجي إذ ليس العالم الخارجي عند ابن عربي سوى مجموعة من المجالي والمظاهر التي تتجلى فيها الذات الواحدة فيما لا يتناهى من الصور. فالعالم الخارجي هو مجموعة صفات الله، ووجود الذات فيه وجود مقيد نسبي لأنه وجود متعين في صور أعيان الممكنات، أو متعين في النسب والإضافات التي نطلق عليها اسم الصفات، ومن هنا كانت الموجودات كلها صفات للحق كما يقول ابن عربي: «فما وصفناه (أي الحق) بوصف إلا كنا (أي المحدثات) ذلك الوصف.» ويقول: «فهو تعالى المسمى بكل اسم لمسمى في العالم مما له أثر في الكون.»٨ وفي هذه المرتبة ندرك الفرق بين الإله والمألوه، والخالق والمخلوق، والمطلق والنسبي، والحق والخلق. أما في مرتبة العلماء — أو الإطلاق الصرف — فلا ندرك هذه المعاني؛ ولهذا يخطِّئ ابن عربي الغزالي ومن يرى رأيه من الحكماء في زعمهم أن الله تعالى يمكن أن يُعرَف من غير نظر في العالم، فيقول: «نعم تعرف ذات قديمة أزلية، لا تعرف أنها إله حتى يعرف المألوه، فهو (أي المألوه) عين الدليل عليه.»٩ والصلة بين المرتبة الأولى والمرتبة الثانية أشبه بالصلة بين ما هو بالقوة وما هو بالفعل، ولكنه خروج لما بالقوة إلى ما بالفعل غير محدود بزمان؛ إذ لا أول له ولا نهاية، بل التجلي الإلهي عملية أزلية أبدية أو عملية خلق مستمر، الغاية منه معرفة الحق بظهور أسمائه وصفاته على صفحة الوجود. بهذا يفسر ابن عربي معنى «الخلق» وسره، ويشير إلى الحديث القدسي الذي يقول الله فيه: «كنت كنزًا مخفيًّا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي (أو فبه) عرفوني.» وكذلك يشرح سر خلق الإنسان بأنه إظهار للكمالات الإلهية في صورة جامعة يرى فيها الحق نفسه، فيقول: لما شاء الحق من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها، وإن شئت قلت أن يرى عينه، في كون جامع يحصر الأمر كله، لكونه متصفًا بالوجود، ويظهر به سره إليه: فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة، فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير هذا المحل ولا تجليه له … إلخ.١٠ أي لما شاء الحق ذلك أوجد الإنسان، أو أظهر صفاته وأسماءه في أكمل صورة خلقية هي الصورة الإنسانية. والمرتبة الثالثة مرتبة شهود الحق في قلب الصوفي حيث تمحى الكثرة وتتجلى الوحدة ويفنى المتناهي في اللامتناهي، وفي هذا الحال لا يرى الصوفي لنفسه ولا للعالم الخارجي وجودًا، وإنما يرى الله وحده ويعرف معرفةً ذوقيةً عن طريق اتصاله به، ويتحقق بوحدته الذاتية معه. هذا هو الجانب الميتافيزيقي لمذهب ابن عربي في طبيعة الوجود، ويلزم عنه منطقيًّا أنه لا محل فيه لفكرة الألوهية بمعناها الديني المعروف: أي لا محل فيه لإله خالق للعالم بالمعنى المعروف لكلمة الخلق، معبود محبوب، مدبر للكون، عالم مريد، سميع بصير، إلى غير ذلك من صفات «الشخصية» التي تخلعها الأديان على الله، وابن عربي لا ينكر صفات التنزيه التي تقول بها الأديان كالقدم والأزلية والواحدية والوجود الذاتي ونحو ذلك من صفات السلوب، ولكنه يئول أسماء المعاني التي وصف بها الله نفسه تأويلًا يخرجها إلى حدٍّ كبيرٍ عن ظاهر معناها ويجعلها أكثر تمشيًّا مع فكرته الفلسفية العامة، وهو يلجأ في ذلك إلى حيل لغوية غريبة يظهر فيها أثر منهجه «الظاهري». فاسم «الجبار» عنده مشتقٌّ من «الجبر»، والحق جبار بمعنى أنه عنصر الضرورة والوجوب الذي يجعل الكائنات تظهر على نحو ما هي عليه، فهي تخضع لضرورة ذاتية إذ تخضع للحق المتجلي فيها، والاسم «الغفار» مشتقٌّ من «غفر» بمعنى غطى، والحق غفار بمعنى أنه «يغطي» ذاته في صور أعيان الممكنات، والاسم «العدل» مشتقٌّ من عدل بمعنى مَالَ، والحق عدل لأنه مال من حضرة الوجوب الذاتي إلى حضرة الوجوب بالغير، والاسم «الحفيظ» مشتقٌّ من حفظ بمعنى صان، والله هو الحفيظ بمعنى المقوِّم والصائن لوجود كل شيء بذاته، وهو العليم بمعنى الذي يعلم نفسه بنفسه في تجليه الذاتي لنفسه، وهو السميع بمعنى الذي يسمع الكلام الذاتي للموجودات في حال ثبوتها، |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [2] |
|
موقوف
![]() ![]() |
هذا الإسلام الوحيد الذي احترمه لا أؤمن به لكن احترمه
|
|
|
|
رقم الموضوع : [3] |
|
عضو جديد
![]() |
شكراً لك يا سيدي
|
|
|
|
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
| أدوات الموضوع | |
| اسلوب عرض الموضوع | |
|
|
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond