مسيرة تفكير حر في " إعجاز " القرآن ..
بدأ تفكيري الحر في الموضوع منذ سن المراهقة ..سمعت من إخواني وأساتذتي المسلمين أن القرآن معجزة الإسلام الخالدة وأن أعداء هذا الدين عجزوا عن الإتيان بمثله ..عجز خصوم الإسلام الأوائل وعجز إخوانهم من جميع الأمم وعبر التاريخ كله ، وهذا العجز مستمر إلى يومنا هذا رغم كل التقدم المذهل الذي بلغته البشرية!!! أول ملاحظة لفتت إنتباهي هي معنى كلمة معجزة ، لغويا ودينيا تعني الكلمة المذكورة فعل خارق للطبيعة العادية يتجاوز قدرات الإنسان ويتطلب تدخلا من الله ذاته كشق البحر لموسى والحمل بعيسى بدون زرع رجل وتحول النار إلى برد وسلام على إبراهيم ..ولاحظت أن " المعجزة القرآنية " ليست من النوع المذكور ، إنها ليست ظاهرة مادية خارقة يتعجب منها حتما كل من يراها .. القرآن كتاب يتكون من مجموعة نصوص باللغة العربية ، يدعي المسلمون أنه وحي من الله وأن البشر لا قدرة لهم على الإتيان بمثله حتى في حالة التعاون مع قوم من الجان ، تلك الكائنات العجائبية !!! كنت دائما أشك في صحة هذا الإدعاء وأطرح أسئلة عن كنه معجزة القرآن ومزايا نصوصه..إذا قرأت ما تعرف من سور القرآن ، ماذا تلاحظ إذا كان وعيك متحررا من الدعاية الإسلامية ؟! سورة الفاتحة مثلا ، سورة الناس أيضا ، وكل ما تعرف من القرآن .." الحمد لله رب العالمين، الرحمان الرحيم، مالك يوم الدين.." ، " قل أعوذ برب الناس ملك الناس ، إله الناس.." وغير هذا كثير من نصوص القرآن ، ماذا تلاحظ بصراحة ؟! هل ترى في هذه النصوص شيئا خارقا ؟! ماهو؟! هل ترى فيها عجيبة مدوخة ؟! ماهي ؟؟؟!!! نحن أمام مجموعة نصوص باللغة العربية لا أكثر ولا أقل وهي عموما ذات قيمة أدبية مع العلم أن تقييم النصوص الأدبية لا يخضع لقواعد علمية مضبوطة ومتفق عليها دائما من أهل الآداب..الذوق الشخصي يلعب دورا هاما في النقد الأدبي وتقييم النصوص النثرية والشعرية.. ظهر أشخاص كثيرون عبر التاريخ من أهل العربية لم يعجبهم القرآن ولم يعتنقوا دينه كما ظهر أشخاص كثيرون من أهل اللغة أثنوا على القرآن ومدحوه وسلاحظ عموما أن الدوافع دينية وأن مادحي القرآن مسلمون في الغالب ولدوا في ديار الإسلام التي يعاقب حكامها بالموت على ترك الدين وانتقاده !!! ولعلك تقول يلزمنا دراسة البلاغة العربية حتى نكتشف إعجاز القرآن ، ولكن قل لي كم يتطلب ذلك من الوقت والجهد؟! هذا بالإضافة إلى وجوب فحص كم هائل من الدراسات القرآنية المتضاربة ، دراسات ناقدة وأخرى مادحة ..كم يتطلب هذا البحث الطويل من الوقت والجهد ؟! وهل هذا ممكن ؟! قد تكتفي ببعض الكتب من أجل النظر وتتحلى بالصبر المطلوب لإتمام البحث وستلاحظ بوضوح أن الموضوع كله قال وقيل وأذواق شخصية ودوافع عقائدية لأطراف متصارعة ولاوجود لمعايير علمية مضبوطة لتقييم الآداب الحرة !!! لنفترض أن القرآن " معجزة أدبية " بالمعنى المجازي أي أنه روعة في أسلوبه ومعانيه ، ألم تظهر نصوص كثيرة عبر التاريخ ، نثرية وشعرية ، ذات قيمة أدبية عالية ؟؟؟ ومع ذلك لم يقل أحد أنها معجزة بالمعنى الحقيقي للكلمة ولم ينسبوها إلى القدرة الإلهية..وماذا نقول عن الإكتشافات والإختراعات العلمية والتقدم المذهل الذي أنتجته ؟! هل هي من نوع المعجزات والخوارق الناتجة عن التدخل الإلهي في التاريخ؟؟؟!!! هل نزل وحي السماء على العلماء المكتشفين والمخترعين؟؟؟!!! لقد تلاعبت الدعاية الإسلامية عبر التاريخ بمفهوم المعجزة في دعوى إعجاز القرآن ، المعنى الأصلي والحقيقي للكلمة في كل الأديان فعل عجائبي مخالف للسنن الطبيعية المألوفة ولكن الدعاية الإسلامية جعلت من تذوق نصوص الأدب القرآني " معجزة " في حد ذاتها !!!! وبالغت في الموضوع وأكثرت الكلام بتشجيع وترهيب من السلط الحاكمة حتى إستقرت عقيدة " الإعجاز" بدون نظر عقلي حقيقي ..مرة أخرى أدعو كل دارس عاقل إلى إعادة قراءة مختارات قرآنية وأن يأخذ ورقة وقلما ويدون ملاحظاته بذهن يقظ ومتحرر، ماهي " الملاحظات العجيبة " في النص القرآني؟! كم شاهدت مسيحيين يطالعون كتابهم المقدس يوميا ويتذوقونه ويجدون فيه غذاء روحيا وهم لا يقولون أنه " معجزة أدبية " تفوق قدرات البشر..نصوص وأعمال كثيرة من الأدب العربي والعالمي نالت إعجاب القراء والنقاد ولم يتطلب ذلك إضفاء طابع غيبي خارق على الموضوع..من البداية أدرك المسلمون أن " الإعجاز الأدبي " في القرآن قضية فيها نظر وتباين آراء فتحدثوا عن إعجاز الإخبار بالمغيبات وفي العصر الحديث تكلموا كثيرا عن الإعجاز العلمي وظهرت في الكتب وجوه أخرى لما يسمى إعجاز القرآن ، إعجاز تشريعي ، إعجاز نفساني وتربوي ..إلى آخر المخترعات اللفظية لماكنة الدعاية الإسلامية..أخبار المغيبات كالمعلومات المتعلقة بالأنبياء السابقين وأقوامهم !!! ألا تذكر كتب التاريخ العربي والإسلامي وجود يهود ونصارى قبل وخلال بعثة محمد ؟! هذا يعني أن مادة القصص القرآني كانت معروفة قبل القرآن وأثناء ظهوره أو على الأقل كانت معرفة ممكنة لمحمد وغيره ولا خوارق في الموضوع على الإطلاق..وفي القرآن شرائع متنوعة في مجالات شتى كوجوب الصلاة والزكاة وكعقوبة الإعدام وعقوبة قطع يد السارق وأحكام أخرى ..أي " إعجاز " وأي " معجزة " في هذا كله ؟! هذه الشرائع مجرد وصايا دينية وقانونية لها أشباه وسوابق في كتب الدين والقانون قبل ظهور الإسلام ..أي " سر عجيب " فيها ؟؟؟!!! أما موضوع " الإعجاز العلمي " الذي تكونت منه مكتبة ضخمة إسلامية ونقدية فيمكن الرد عليه بكلمات عقلانية قليلة وبدون متابعة تفصيلية وذلك من خلال هذا السؤال : لماذا لم يسبق المسلمون الأمم غير الإسلامية في كشف الحقائق العلمية التي يقال أنها مذكورة في القرآن ؟؟؟!!! هذا السؤال وحده يكفي للرد على دعاية " الإعجاز العلمي "...بالرغم من أفكاري هذه فأنا لا أنكر نجاح نبي الإسلام في نشر دينه وتأسيس أمة ودولة لها فعلها في التاريخ ، فعل مستمر إلى اليوم وقد يستمر إلى عصر بعيد من الآن ..لقد نجح محمد بالوسائل التي إستخدمها ومنها كتابه القرآن وبهذا يكون لتحديه لخصومه معنى ، أقصد تحدي الإتيان بمثل القرآن..كأنه قال لخصومه آنذاك هل تستطيعون الفعل في التاريخ كما فعلت وسأفعل ؟؟؟
|