شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > العقيدة الاسلامية ☪ > الجدال حول الأعجاز العلمي فى القرآن

 
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 09-21-2021, 11:49 AM القط الملحد غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
القط الملحد
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية القط الملحد
 

القط الملحد is a jewel in the roughالقط الملحد is a jewel in the roughالقط الملحد is a jewel in the roughالقط الملحد is a jewel in the rough
افتراضي إنا لموسعون: وهم التوسع الكوني في القرآن (تفنيد شامل)

تحياتي للجميع،

من أشهر مزاعم الإعجاز العلمي: أن القرآن قد ذكر توسع الكون في الآية 47 من سورة الذاريات ونصها: "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ"، واليوم سنناقش هذا الادعاء بالتفصيل.

لو ألقينا نظرة على تفسير الطبري مثلاً لوجدناه يذكر قولين في كلمة "موسعون"، أولهما أنها بمعنى القوي القادر: "لذو سعة بخلقها وخلق ما شئنا أن نخلقه وقدرة عليه. ومنه قوله عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ [البقرة: 236] يراد به القويّ" وهذا القول لا يترك مجالاً للحديث عن الإعجاز العلمي، والثاني أنها بمعنى التوسعة المكانية: "قال ابن زيد, في قوله (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) قال: أوسعها جلّ جلاله".

يتكرر هذان القولان عند جمع غفير من المفسرين، وكثير منهم يذكر معها أقوال أخرى أيضاً، وهناك آراء جمعت بينهما في بنية واحدة أي أن القوة المذكورة هي في توسعته للسماء، ​ولكن هذا لا يهمنا هنا لأنه يمكن لنا الاكتفاء بالقول الأول بأريحية تامة وإهمال الزيادات، وذلك بناء على الشواهد التالية:

- لأن الكلمة ذكرت بهذا المعنى في آية أخرى من القرآن "عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ" [البقرة: 236] ولم تذكر في غير هذين الموضعين.

- الكلام جاء في سياق مدح الله وإظهار قدرته وقوته فالآية نفسها تقول "بأيد" ومعناها: بقوة، والآية التالية مباشرة في الترتيب نصها "وَٱلْأَرْضَ فَرَشْنَٰهَا فَنِعْمَ ٱلْمَٰهِدُونَ" وهذا أيضاً مدح وإظهار للقدرة، وحتى الآيات العشر التي تأتي قبلها مباشرة (37-46) تصف قدرة الله في عقاب فرعون وثمود وقوم نوح.


إلا أن الإعجازيين يتمسكون بالقول الآخر في تفسير الآية (أن الله قد أوسع السماء) وقد أقنعوا أنفسهم أن معناه ​توسع الكون المستمر، فهل أصابوا؟ لا يا سادة.. ما تحدث عنه المفسرون هو شيء آخر تماماً: أن السماء (التي نراها فوقنا) واسعة، وليس أن الكون "يتوسع" باستمرار. فكلامهم عن مشهد يومي عادي: انظر إلى السماء فوقك وسترى كم هي واسعة! هكذا فقط، لا أكثر ولا أقل، فلا إعجاز ولا هم يحزنون.

فالتفسير يقول "أوسعها" بصيغة الماضي، وهذا نجده بوضوح أكبر عند ابن كثير: "وسعنا أرجاءها ورفعناها بغير عمد ، حتى استقلت كما هي"، لاحظ: استقلت كما هي.. أي أن الكلام عن حالة قائمة ثابتة للسماء وليس عملية توسيع مستمرة. بل نجد ذلك بوضوح أكبر في تفسير أبي فخر الرازي: "أوسعناها بحيث صارت الأرض وما يحيط به من الماء والهواء بالنسبة إلى السماء وسعتها كحلقة في فلاة، والبناء الواسع الفضاء عجيب فإن القبة الواسعة لا يقدر عليها البناءون لأنهم يحتاجون إلى إقامة آلة يصح بها استدارتها ويثبت بها تماسك أجزائها إلى أن يتصل بعضها ببعض" فالكلام عن "قبة" السماء التي نراها فوقنا ولا دخل لتوسع الكون.


إذاً ليس للإعجازيين مستند من التفاسير التراثية، فماذا عن نص الآية نفسه هل يتحمل المعنى الذي يحملونه إياه (أي: توسع الكون)؟

مع الأسف لا، وذلك للشواهد الآتية:

- السماء في اللغة معناها ما علاك فأظلك، فلماذا يجب أن نطاوعهم ونستبدل كلمة "السماء" هنا بكلمة "الكون"؟ حين يقول "السماء" فالفهم العفوي هو قبة السماء التي نراها فوقنا كما فهم المفسرون، ولا شأن لنا بمن يريد تطويع الآية ليصبح معناها "الكون" خصوصاً أن كلمة "الكون" تعني عندهم شيئاً مختلفاً في كل مرة تبعاً لمزاجهم.

- الآية التي تليها مباشرة تقول "وَٱلْأَرْضَ فَرَشْنَٰهَا فَنِعْمَ ٱلْمَٰهِدُونَ" فكيف يريدون أن نصدق أنهم القرآن يذكر توسع الكون ثم يتبعه مباشرة بالحديث عن الأرض المسطحة كالفراش؟!! أوه لحظة.. هو لا يقصد أن الأرض مسطحة بالفعل بل أنها تبدو ممهدة من منظورنا البشري.. حسناً جميل جداً، إذاً بكل بساطة فإن "توسيع السماء" أيضاً يشير إلى ما نراه من منظورنا البشري أي إلى قبة السماء الواسعة فوقنا. أي انتقائية تلك التي تجعلك تربط هذه الآية بالحقائق العلمية ثم تفسر التي تليها مباشرة بالمنظور البشري؟ فهمت أين المشكلة في الإعجاز العلمي؟ حدد منهجية ثابتة واتبعها مع الآيتين حتى يصبح لموقفك معنى.

إذاً: حتى لو تنزلنا وقبلنا أن القرآن يتكلم عن توسعة السماء، فمن الواضح أنه لا يتكلم عن "توسع الكون" بمعناه العلمي.


ولكن الإعجازيين لم يستسلموا هنا بل تمسكوا بالاقتباس الآتي من كتاب جامع الدروس العربية (ص: 126): "اسم الفاعل صفة تؤخذ من الفعل المعلوم لتدل على معنى وقع من الموصوف بها أو قام به على وجه الحدوث لا الثبوت. والمراد بالحدوث أن يكون المعنى القائم بالموصوف متجددا بتجدد الأزمنة" أي أن كلمة موسعون تدل بالأساس على التوسيع المستمر المتجدد الذي لا ينطبق، بزعمهم، إلا على توسع الكون، ولا بد إذا من الاستدراك على المفسرين القدماء الذين فهموها مضطرين بمعنى الزمن الماضي لغياب الحقائق العلمية عنهم. يا ترى ما صحة هذا الكلام؟

الواقع أن قضية الدلالة الزمنية لاسم الفاعل في اللغة العربية هي قضية متشعبة جداً لا يمكن اختصارها في مبدأ واحد والآراء حولها متشعبة جداً، فقد يدل على الثبوت (أي التجرد من الزمن) وقد يدل على كل من الماضي أو الحاضر أو المستقبل دون تجدد، وقد يدل على الاستمرار والتجدد في كل زمان، وهذا يعني أننا أمام خمسة حالات زمنية مختلفة لاسم الفاعل ولكل منها شروطها التي تتشعب الآراء حولها، وقد أجاز الدكتور فاضل السامرائي هذه الحالات الخمس في كتابه "معاني الأبنية في العربية" (ص: 44)، وفي ما يلي دراسة دلالية حول اسم الفاعل لمن أراد الاطلاع أكثر: https://qu.edu.iq/repository/wp-content/uploads/2018/07/دلالة-اسم-الفاعل-نسخة.pdf


وقد جاء مثل هذه الصيغة كثيراً في القرآن دالاً على الثبوت كما في "إنا لقادرون" لأن القدرة الإلهية حالة ثابتة، وفي الآية التي تلي الآية محل بحثنا نقرأ "وَٱلْأَرْضَ فَرَشْنَٰهَا فَنِعْمَ ٱلْمَٰهِدُونَ" فهنا دل اسم الفاعل "ماهدون" على الماضي لأن مهد الأرض حدث في الماضي عند خلقها (هل تريدون سماع نكتة؟ هناك مهرج في منتدى التوحيد لمن يعرفه يدعي أن مهد الأرض متجدد ومستمر وأنه متعلق بنظرية تمدد الأرض وحركة القارات، حاول إيجاد الرابط العجيب بين تمدد الأرض ومهدها و خذ مليون دولار). وهذه دراسة حول اسم الفاعل في القرآن لمن أراد أن يتوسع أكثر في هذا الموضوع: https://bit.ly/3EDsXdB

ولن ندخل في هذه التشعبات لكننا سنحتكم للمفسرين المجيدين للغة، فكما أسلفنا فإن المفسرين فهم كلمة "موسعون" بمعنى أقوياء أو قادرين أي جعلوها دالة على الثبوت، وجعلوها أيضاً دالة على الماضي بمعنى أنه وسع السماء التي نراها فوقنا، أي أنهم باختصار لم يروا أن صياغة الأية تفرض التجدد في كل زمان كما يدعي الإعجازيون. ولكن انتظر، ربما الصيغة تفرض التجدد الزمني حقاً ولكن المفسرين تأولوها مضطرين لأنهم لم يعرفوا شيئاً عن توسع الكون؟ للأسف لا.. لأن المفسرين لديهم خيارات تنسجم مع التجدد والاستمرار الزمني كما في تفسير البغوي: "لموسعون الرزق على خلقنا"، أو الزمخشري: "وعن الحسن: لموسعون الرزق بالمطر" فرزق الله للعباد عملية متجددة مستمرة. لو رأى المفسرون أن الصيغة لابد أن تدل على التجدد في كل زمان لاختاروا هذا القول، ولكنهم لم يفعلوا مما يدل على أنهم لا يرون هذه الضرورة التي يتشبث بها الإعجازيون كملجأ أخير. وقد بينا عموماً لماذا ليس من المقبول بطبيعة الحال تفسير الآية بتوسع الكون، فلا بد من طرح هذا التفسير الهش والعودة إلى التفسيرات الأخرى المتماسكة لغوياً وسياقياً.


وأخيراً نزف لأحبابنا الإعجازيين بشرى لطيفة جداً وهي أن توسيع أو بسط السماء مذكور في الكتاب المقدس قبل القرآن: "الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ وَحْدَهُ، وَالْمَاشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ" [أيوب 9: 8]، انظر هنا كيف يفرح به المسيحيون ويسمونه إعجازاً علمياً: https://bit.ly/39lrbiU



التعديل الأخير تم بواسطة القط الملحد ; 09-22-2021 الساعة 08:51 AM.
:: توقيعي ::: ما أكتبه هنا يعبر عني فقط في لحظة كتابتي له،،

قناتي على تلغرام لكشف أوهام الإزعاج العلمي: https://t.me/NoI3jaz

اسألني ما تشاء من هنا: https://ask.fm/Aram903
  رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع