كيف أن الإيمان دليل على صحة الإسلام
هذا الموضوع شرح لما قصدته بتوقيعى لأن بعض الزملاء طلب منى أن أوضح ما الذى أعنيه بهذا التوقيع .. وأنا وإن كنت لا أقول بأن هذه الحجة بالضرورة ملزلمة للجميع إلا أنى أرى من وجهة نظرى أنها حجة على صحة الإسلام فهى بمنزلة من رأى آية قد يكون رآها غيره إلا أنها ليست حجة على من لم يراها ولم يعايشها.
أولا مفهوم الإيمان، من واقع النصوص واتفاق العلماء على ذلك، مفهوم مركب فهو يتضمن أموراً ثلاثة وهى : إقرار بالقلب و قول باللسان و عمل بالجوارح. يقول البخارى رحمه الله: لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم كلهم يقول: الإيمان قول وعمل، ويقول: أدركت العلماء على ذلك قرناً بعد قرن - أي طبقة بعد طبقة - في مصر و الشام و الحجاز و العراق و بغداد و واسط كلهم يقولون الإيمان قول وعمل . فالإيمان يزيد من حيث إقرار القلب ، والإنسان يجد ذلك من نفسه فعندما يرى ما يذكره بالله أو بالآخرة كالوقوع في ضائقة أو موت قريب أو عزيز يزداد هذا اليقين في قلبه وعندما توجد الغفلة و ينشغل بمشاغل الدنيا وملهياتها يضعف هذا اليقين في قلبه. ولعل بعض من ههنا من غير المؤمنين عايش هذا الأمر قبل أن يذهب الإيمان من قلبه. كذلك يزداد الإيمان من حيث القول فإن من كان ذاكرا لله باللسان كتلاوة الأذكار محافظا على ذلك مداوما عليه ليس كمن لا يرد ذكر الله على لسانه إلا قليلا. وكذلك أيضاً من أتى بالعبادة على وجه كامل يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجه ناقص. وكذلك العمل فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر صار الأكثر أزيد إيماناً وهذا أمر مجرب من قبل خلق كثير لا يتواطؤون على هذا الأمر، و ليس بناءا على انطباعات شخصية أو تجربة فردية. وقد جاء القرآن والسنة بكون الإيمان يزيد و ينقص. قال تعالى: وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيماناً، وقال تعالى: وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون. وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون. و قال صلى الله عليه وسلم : لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن .. الحديث . فدل على أن اليقين يضعف عند ارتكاب المعاصى . وقال : الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان... فدل على أن عمل الجوارح كإماطة الأذى عن الطريق إيمان... وقال : وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ يَعْنِي مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ.. فدل على أن الإيمان يتفاوت .
و الخلاصة إن الإيمان ليس مجرد قناعة عقلية فقد ذكر الله عن فرعون وقومه أنهم : وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ. وحكى عن قوم النبى صلى الله عليه وسلم : فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون. فالإيمان وإن كان مؤسسا على قناعة عقلية تزداد بتراكم الأدلة إلا أنه ليس وليد القناعة العقلية وحدها بل هو نتاج مركب من القناعة العقلية و قول اللسان و عمل الجوارح و كون المرء يجد هذا في نفسه واقعا عمليا لهو برهان عملى على صحة الإسلام يضاف إلى رصيد الأدلة المتراكم من جهة أن المرء يجد زيادة اليقين في نفسه بالفعل و من جهة أن الإسلام أخبر عن هذا الأمر الذى يجده المرء في نفسه وبينه ووضحه.
|