![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
زائر
|
الى م نسعى في الأخير ؟ نحن الذين جلسوا يتأملون العالم مبتعدين عن صخبه ؟
هذه اللامبالاة الجامحة التي اجتاحتنا مؤخرا , أتراها ادراكا عميقا للوجود ولهمومه ؟ لعل كل المؤشرات تعلن أنه ما من شيء يستحق كل هذه الجدية في حمل الأمور , فيدرك الانسان أنه ببساطة كان أحمق حين قدر الأمور بشكل أكبر بكثير مما ينبغي . كل ذلك الخوف , كل ذلك القلق , أيا كان نوعه , كل ذلك التوجس الذي أثارته فينا فزاعات من قماش (الله , المستقبل, الضمير , ضمان قوت المستقبل , تجنب الأمراض, الموت ,الانحطاط ,....) كل الأمور التي كنا نضرب لها ألف حساب , يصير لها وزن أقل من وزن الريشة . ذلك أنه في النهاية لم يكن هنالك سوى أنا , أنا و لعبي : فتارة أسعى الى ارضاء شيء خارجي (أوامر الله , تطلعات الوالدين والأصدقاء ,..) وتارة أسعى الى الحفاظ على الاتساق الداخلي في مواقفي و مبادئي (الضمير ) . هل الحياة شيء يتقدم ؟ أم هو ثابت ساكن في مكانه ؟ المتأمل أدرك أن لا تقدم حقيقي في الحياة وان توهم الناس ذلك . ولذلك فقد جلس على الصخرة يتأملها كلوحة فنية سرمدية . لكن الناس ,خلافا له , يظنونها تمشي , ولهذا لا يكفون عن ترديد عبارات من قبيل : "قطار الحياة " , "الحياة تطير " , ... المتأمل شخص أدرك أن الحياة كلها قائمة على الظواهر الدورية(الليل , النهار , المد , الجزر, الفصول والسنة , ...) التي ما تنفك تعيد نفسها بشكل أبدي . التاريخ البشري نفسه يعيد نفسه , رغم أنف ماركس , ولا جديد فيه: نفس الموضوعات ترافقنا منذ فجر البشرية (العدل , الحماقات البشرية , الصراعات ) . وليس التاريخ الفردي لكل واحد منا ببعيد عن ذلك التكرار والاجترار . كان هذا العود الأبدي دليل المتأمل في رسم لوحة الحياة واكتمال صورتها أمامه . ان المتأمل شخص كسول و لا مسؤول في عين الناس . وذنبه الوحيد أنه لم يتهافت على أمور الحياة كما تهافت عليها الآخرون بعد أن أدرك لا جدواها ولا قيمتها . جلس المتأمل يتأمل البشرية في تاريخها فوجدها أشبه بسيزيف الذي يدفع الصخرة الكبيرة على سفح الجبل ليوصلها الى القمة , وكلما اقترب , تغلبه الجاذبية وتعيدها الى النقطة الاولى من حيث عليه أن يبدأ من جديد بسبب لعنة الآلهة . هذه الأسطورة كفيلة باختزال تاريخنا و وصفه أدق وصف . ليس هنالك شيء أجمل في الحياة من الجلوس على شاطئ البحر والاستماع لهديره . البحر هو الحياة المترامية الأطراف مجهولة الأفق, الشاطئ هو حدود الحياة حيث اختار المتأمل أن يقف محتفظا لنفسه بمسافة عنها ,لكن دون أن يفقدها من نظره . وها هي مياه الحياة الدافئة (مياه البحر) تصيب قدميه بين الفينة والأخرى ثم تتراجع وكأنها تداعبه , فتدخل على نفسه سرورا عظيما . لقد كره المتأمل العيش في أعالي البحار , وفقد طعم الحياة هناك فسارع الى الشاطئ . وما الشاطئ سوى حد البحر , حد الحياة . فاذا كفت مياه البحر الساخنة عن مداعبة قدميه سيدرك المتأمل أنه ابتعد كثيرا عن الشاطئ و صار مهددا بخطر الموت النهائي . أيها المتأمل الجالس على شاطئ البحر الوجودي ,تداعبك الرياح الساحلية وتدغدغك برفق ...أين ذهب الجميع ؟ لقد اختفوا ,لقد تبخروا .انك هائم في فردانيتك. أين اختفت المراكب ؟ لم تعد ترى سوى صورتك المنعكسة على البحر الممتد . "أيها الأناني , أيها النرجيسي"...رفعت رأسك الى السماء وعلى وجهك ابتسامة ساحرة, ثم رددت :"كم أحب ذاتي ...لقد وقعت في غرامها. ان المتأمل ليس سوى شخص ارتفع قليلا عن الجميع فأدرك حجم ذاته الممتدة على الجميع . التأمل هو العودة الى الذات , والهيام في حبها . من هنالك حيث يقف ,من تلك القمة يأتي صراخ عظيم , لم أصدق أذني حينما سمعته فقررت الاقتراب أكثر : انه المتأمل يمشي على الوجود وهو يردد بلا حياء :"أنا اله". |
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| المتأمل, تأملات |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| تأملات في الأديان | غير معروف | علم الأساطير و الأديان ♨ | 5 | 12-25-2019 04:03 PM |
| تأملات في القرآن | Maxwell | العقيدة الاسلامية ☪ | 27 | 08-25-2017 10:49 AM |
| تأملات فى الإنسان والإيمان | ترنيمه | مقالات من مُختلف الُغات ☈ | 14 | 03-07-2015 05:45 PM |
| تأملات في القرآن المكي | ترنيمه | مقالات من مُختلف الُغات ☈ | 4 | 08-26-2014 12:34 PM |
| تأملات في آيات | Skeptic | العقيدة الاسلامية ☪ | 9 | 05-08-2014 05:11 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond