أريد قرآنا يتحدث فيه الله عن نفسه
في غياب الكون والمخلوقات جميعا من الانس والجن والملائكة و"ما لا تعلمون" , ماذا سيكون وحي الله ؟ ماذا سيكون مضمون كلامه ؟ عن ماذا سيتحدث بالضبط ؟ كم صفحة ستكون في القرآن ؟ لأنه والحق يقال , فقد أعطى أمثال أبي لهب والنمرود وقوم لوط وزينب بنت جحش و آدم وحواء وابليس وبنو اسرائيل , أعطوا جميعا مادة خصبة للكلام في القرآن وملأوا عددا كبيرا من الصفحات . لكن الله , الله في حد ذاته , ما هو ؟ ما تاريخه قبل نشأة الكون ؟ أين كان وماذا كان يفعل ؟
ما القصة الشخصية لله ؟ صحيح أن لله الأسماء الحسنى وقد حدثنا في مواضع متعددة عن نفسه في القرآن وقال عن نفسه أشياء من قبيل "القيوم" , و"المتكبر" و" الجبار" و "الصمد" , لكن ليس هذا ما أقصد بالحياة الشخصية لله , لأنها جميعها صفات في عالم الله ليس فيه لوحده . لنمحو كل شيء ما عدا الله من هذا الوجود ولنطلب من الله أن يتحدث , أن ينزل كلاما ... الأديان التوحيدية هنا تصل عند هذا المستوى درجة من العقم لا مثيل لها , لا تستطيع أن تنبت بشفة . سيخبرونك الكثير عن الله في علاقته مع أبي لهب , أو في علاقته مع النمرود , في علاقته مع هذا أو ذاك , لحظة وقوع كذا في نازلة كذا , لكن عندما سيصل الأمر الى ما يمكن أن نسميه "ما قبل التاريخ" , ما قبل تاريخ الخليقة عندما كان الله لوحده , سيقولون : "الله أعلم".انها لحظة أشبه بلحظة البيج بانج , حيث لا يعرف العلماء ما كان من قبل , انه ثقب أسود بالنسبة لكل الأديان التوحيدية .
بالنظر عن كثب , الأمر أكبر بكثير من مجرد ورطة تأريخية أركيولوجية أو شح في المعلومات , اننا أمام مشكلة توقع في تناقضات لاهوتية صارخة و تكشف عيب مفهوم "الله" كما يتصوره الاسلام , فالله يبدو عاطلا عن العمل قبل الخليقة ولم يحصل على عمل الا بعد أن خلق الخلق , وجميع الفرضيات حول حالة الله في وحدانيته المطلقة تلك تؤول الى صورة مضحكة : كان جالسا في مكان ما لوحده يفكر ؟ كان لا يفعل شيء البتة ؟ كان نائما ؟ كان يحلم بالعالم الذي سيخلقه فيما بعد ؟ كان يشكل أولى المعادلات الرياضية التي ستقوم عليها الفيزياء ؟ بالله عليكم أخبرونا ماذا كان يفعل الله بالضبط آن ذاك ؟ يوم لم يكن هناك سماوات وأراض يمسكهن أن تزولا ولم يكن هناك جيش مسلمين يرمي الله عوضه السهام وبيت في مكة يحميه الله من الفيلة وطيور في السماء تحتاج من يطعمها قبل الهجوم على أبرهة ؟ ماذا كان الله يفعل قبل أن يكون هنالك عرشه يستوي عليه و ملائكة يأمرهم ؟ لن يخرج الجواب عن اثبات شيء كان يفعله أو لاشيء , وفي كلتا الحالتين يبدو أن الدين الذي يتبنى تصورا شخصانيا لله من هذا النوع قد انهار من الناحية اللاهوتية , مرة واحدة والى الأبد .
ابحثوا عن اله جديد يمكنه فعل شيء في غياب الخليقة , وليحدثنا عن نفسه أولا ان كان سيحدث بشيء أصلا , عوض تشتيت انتباهنا بمواضيع تهم علاقاته الاجتماعية والسياسية.
|