![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
عضو جديد
![]() |
الإنسان حين تكون لديه فكرة أيا كانت، يكره أن يسمع لمنتقديها، فما بالك في أن تطلب منه نشر كلامهم أو إعلانه... لكننا نجد أن القرآن لا يجد أي بأس في أن يذكر حجج واعتراضات الذين كفروا بالرسول أو الإسلام مهما كانت اعتراضاتهم حادة وشديدة! تابعوا معي بعضا من حججهم والتي سجلها القرآن:
لن أؤمن حتى أرى أدلة مادية ملموسة: (وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا) (الإسراء 90-93). ومثلها: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (سورة هود 12). وعلى نفس السياق قول من قالوا بأنهم لن يؤمنوا حتى يروا الله جهرة: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) (البقرة 55). لماذا تطلب منا التصدق وإطعام الجوعى؟ لماذا لا يرزقهم الله إذن؟ (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (يس 47). لا يوجد يوم قيامة ولا توجد سوى حياة مادية واحدة: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) (الجاثية 24)، نحيا هذه الحياة هكذا كما اتفق نأكل ونشرب ثم نموت وتنتهي الأمور ببساطة... (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (يس 78). لماذا يسمح الله بالمرض والألم والفساد في الأرض؟ (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة 30). مع ملاحظة أن هذا الاعتراض لم يأتِ من طرف المعترضين على الرسالة، بل ذكره القرآن على لسان الملائكة وهم يستغربون أو يتعجبون أن يخلق الله الإنسان الذي سينشر الفساد والشرور في الأرض. يهيأ للرسول بأنه نبي، لا هو رجل مسحور... بل هو مفتر كاذب: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (الأنبياء 5)، وكأن هذه الآية توضح تهافت كلامهم، فهم يقفزون من تهمة لتهمة دون تحديد... (نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا) (الإسراء 47). القرآن مؤامرة تعاون عليها جمع من الناس: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا) (الفرقان 4)، أو هو أساطير للأولين تُملى على الرسول: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) (الفرقان 5). (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ ۙ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (النحل 24). كيف يكون النبي إنسانًا بسيطًا مثلنا، إن كان حقًا على علاقة بالسماء، فلماذا لا يدفع عن نفسه السوء، أو يصبح غنيا، أو يتميز بميزة تميزه عن سائر البشر؟ (وَقَالُوا مَالِ هَٰذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ۙ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ۚ وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا) (الفرقان 7-8) (وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي السَّمَاءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ۗ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا) (الإسراء 90-93) (قَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف 31) وغيرها الكثير من حجج واعتراضات يذكرها القرآن لأصحاب الفكر المختلف، إن عرضه لمقولات من هم ضد هذا الدين الجديد وكتابه، وضد النبي، وضد الله لأمر يدعو للاستعجاب. لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم نبيًا مخادعًا فإنه سيكون من المهم له أن "يُسكت" حجج أعداءه! لو كان مخادعًا لما كتب ووثق تلك الحجج التي تناقض الإسلام وتهجم عليه في قرآن يتلوه المسلمون خمس مرات في اليوم أو أكثر! بل هو يذكرها كاملة غير منقوصة، بلا بتر أو اجتزاء! قد يقول قائل أن القرآن ذكرها في سبيل الرد عليها، هذا الكلام سيكون مقبولًا لو كان القرآن فعلًا رد على كل ادعاء تم إيراده بنفس الآية أو بالآية التي تليها، لكننا نجد أن الكثير من هذه الادعاءات لا يرد عليها القرآن ويكتفي بذكرها وحسب... أنا متأكدة بأن كل واحد منا لو امتلك رأيًا ما فإنه سيجد غضاضة كبيرة في ذكر الآراء اللاذعة ضده! فما بالك بتعدادها في أكثر من موضع؟ قسها في نفسك وستجد الأمر صعبا عليك إن لم يكن مستحيلًا، فكيف بنبي مخادع يريد كسب العدد الأكبر من الأتباع وبأسهل طريقة ممكنة؟ إن نفوسنا البشرية فيها من الضعف ما فيها، وفيها من الانهزام ما فيها. لذا لا نطيق سماع من يتهجم علينا ويضعفنا... كثيرا ما يتصرف البشر بطغيان لوأد مخالفيهم وإسكات صوتهم، لأن صوت المخالف يضعفهم، ولكن عندما يكون القائل هو القوي الذي فوق كل قوي، هل سيضعفه أو سيتحرج من عبيده وشبهاتهم الضعيفة الباطلة؟ كيف وهو سبحانه الحق ذو القوة المطلقة؟ هل يمكن أن تكون لغة القرآن القوية هذه من عند البشر الزائل الفاني الضعيف الذي تهزم نفسه الكلمة وقد يتمنى دفن قائلها وإسكاته بأي طريقة؟ أعتقد أن ذكر القرآن لهذه الآراء اللاذعة قد يكون جزءًا من حثه على التفكير وإمعان العقل، فالقرآن لا يخاف أن يواجهك وحججك، والقرآن لا يخاف من الأسئلة ولا يخاف من المنطق! هل هذا غسيل مخ أم عكس غسيل المخ؟ في الحقيقة الإنسان الكاذب بطبعه يخاف من أن يكشف أمره، ويخاف من كلام الناس وأقاويلهم، ويحاول بأقصى ما يقدر أن يجمل الصورة، وأن يُسكت الأفواه المعترضة، فمثلا الحاكم الطاغية لا يتحمل أي انتقاد أو كلمة أو نصح، فيعذب أو يسجن كل من قال ما لا يعجبه! ولذلك لا توجد حرية تعبير في الدول الدكتاتورية، تتفوه بكلمة بريئة فيُلقى بك في سجن وتعذيب وتنكيل... لكن قراءة القرآن تُظهر أن به ثقة تامة بما به من حقائق. وقد ابتدأ القرآن كتابه بقوله: (ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (البقرة 2). والقرآن يأمر الرسول والمسلمين بصفة عامة أن يصبروا على أقوال الكافرين، لأنه لا يقيم حربًا لأجل أقاويل، فالحجة لا تدمغ إلا بالحجة: (وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) (المزمل 10). وهكذا لا يخاف القرآن من البشر وتهكمهم، وبرأيي هذه قوة من الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تملكها طاقة بشرية عادية، فالتكوين النفسي للإنسان يجعله بطبعه يهتم كثيرًا برأي المحطين به، والكاذب بالذات أشد حذرًا وتوخيًا من الهفوات كي لا يُفضح أمره. |
|
|
|
رقم الموضوع : [2] |
|
عضو جديد
![]() |
ومن الأمور التي استوقفتني في القرآن هي تعامله مع حجج الديانات الأخرى، فقد لاحظت مثلا أن المسلمين اليوم قد يتأثرون بالمسيحيين أو غيرهم كمثال ويستنبطون حججا يستخدمها المسيحيون أو أساليب دعوية من عندهم للبرهنة على مصداقية الإسلام... لاحظت بالمقابل أن القرآن لا يجد بأسا في ذكر عيوب حجج الأديان الأخرى، مع أنه كان من الممكن أن يستفيد من حججهم ويعيد صياغتها بصبغة إسلامية فيستفيد منها ويقوي موقفه: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (المائدة 18). أي شخص يأتيك بدعوى لا دليل عليها فيدعي بأن لديه فضلًا أو منصبًا عند الله، قل له بأنك مجرد بشرٌ ممن خلق، تسير عليك سنن الله في الكون مثلك مثل غيرك... في الإسلام لا يوجد شعبٌ مختارٌ لله. الله لا يهمه لا أصلك ولا فصلك، بل يهمه عملك لا غير.
وأيضًا: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة 111). ومثلها هذه الآية: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (البقرة 113). هذه الآيات توضح تهافت أحد أبرز الأفكار التي نسمعها تتكرر بشدة من أصحاب الديانات المختلفة والتي هي فكرة احتكار الجنة، حين يقولون: "لن يدخل الجنة إلا نحن"! وكأن لديهم ضمانا بدخولها، ويوضح لنا القرآن كيف أن كل طائفة تستخدم نفس الحجة وهي تدعي بأن الجنة خالصة لها ويبين لنا بأن الجنة ليست حكرًا على أحد وأنها لمن أسلم وجهه لله وأخلص له قلبه. لاحظوا أيضًا تركيز الآية على قضية البرهان: (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة 111). فكما ذكرنا مسبقًا لا يقبل القرآن تمرير أي دعوى دون دليل. إن القرآن لا يخشى من هدم الحجة الضعيفة وإن كانت تُستخدم في صالح الدين نفسه! فالأمر ليس بالأماني، لا أماني المسلمين ولا أماني غيرهم: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) (النساء 123). إن فكرة احتكار الجنة، فكرة متهافتة رغم شيوعها، وتجد حتى في أبناء الملة الواحدة تقسيمات وفئات وطوائف ومذاهب، وتجد من يضع كل من خالفه في كفة النار، وكأن لديه صكًا ووعدًا من الله بالجنة والغفران. لكن في الحقيقة الجنة والنار بيد الله سبحانه لا بيد البشر، والله لا يظلم أحدًا وهو العدل سبحانه: (إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّيَ) (الشعراء 113). وتأملوا معي هذه الآية: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون 117). القرآن لا يخطئهم لأنهم خاطئون، بل لأنهم لا يملكون البرهان والدليل الذي يدعم معتقدهم، وهذا هو ما يجعلهم مخطئين، إنه المنهج! وآية أخرى تصب في نفس المنحى: (مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) (الإسراء 15). الله لا يحاسب البشر حتى يصلهم الرسول ويوصل لك رسالة الله! لا تحاسب حتى ترى البرهان والحجة تقام عليك! فكرة احتكار الجنة أيضًا تجعل أي إنسان محايد يسأل السؤال البديهي وهو ما ذنب الآخرين؟ هل ذنبهم فقط أنهم ولدوا في الدين الخطأ والمكان الخطأ؟ الكثير من الناس يظن أننا نحن كمسلمين ناجون من العذاب وغيرنا كلهم سيعذبون بسبب عدم إيمانهم، لكن هنا يجب أن نفرق بين حالتين: الحالة الأولى: هي كفر عناد وجحود وشهوات: شخص يعرف الحقيقة ويدركها، وصلته رسالة الإسلام بشكل سليم وواضح، وعرف أنه هو دين الحق لكن لسبب أو لآخر لم يسلم، عنادًا أم غرورا أم مماطلة... المهم هذا الصنف كافر وهو حتمًا في النار -والله أعلم- لأنه لا عذر له. وقد دلت الآيات على ذلك وانظروا لهذه الآيات كيف تتحدث عنهم وتقول (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ) أي أنهم كفروا بعد أن عرفوا الهدى فحقت عليهم النار: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء 115). أي: "يخالفه ويعاديه من بعد ما اتضح له الحق، وقام لديه الدليل على صحة دين الإِسلام". (ابن عاشور). (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ) (محمد 25) (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) (النحل 83) (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (النمل 14) (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام 33) الحالة الثانية: عدم إيمان بسبب جهل وعدم علم كأن لم تبلغه رسالة الإسلام، أو وصلته منقوصة أو مشوهة... إلخ. مثلًا: هناك شعوب معزولة لم تسمع بالإسلام قط، وهناك شعوب سمعت به، لكنها لا تعرف عنه سوى أنه دين إرهاب وقتل! وصلها الإسلام منقوصًا أو مشوهًا... أنا التقيت بأناس يعتقدون بأن المسلمين يعبدون القمر كإله! تخيلوا! هل هؤلاء يمكن أن نقول عنهم بأنه قد وصلتهم رسالة الإسلام الحقيقية؟ إن الصنف الذي لم يؤمن بالإسلام عن جهل أو عدم علم يظنه الكثيرون كافرًا وبأنه سيدخل النار، ولكن في الحقيقة لا يمكننا أبدًا الجزم بأنه سيدخل النار لأن آيات القرآن تدل على عكس ذلك: (مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا) (الإسراء 15) لن نعذب حتى يأتي الرسول... (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص 59). "من اهتدى فاتبع طريق الحق فإنما يعود ثواب ذلك عليه وحده، ومن حاد واتبع طريق الباطل فإنما يعود عقاب ذلك عليه وحده، ولا تحمل نفس مذنبة إثم نفس مذنبة أخرى. ولا يعذب الله أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب." (التفسير الميسر). ويوم القيامة: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ ۖ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَىٰ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ) (الملك 8-11). من يدخل النار يُسأل: ألم يصلكم إنذار ونذير؟ (رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء 165). "أرسَلْتُ رسلا إلى خَلْقي مُبشِّرين بثوابي، ومنذرين بعقابي؛ لئلا يكون للبشر حجة يعتذرون بها بعد إرسال الرسل. وكان الله عزيزًا في ملكه، حكيمًا في تدبيره." (التفسير الميسر). |
|
|
|
رقم الموضوع : [3] | |
|
باحث ومشرف عام
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
أولا شكرا لمجهودك في اثراء المنتدى وان اختلفنا في الرأي بما انك مسلم يعني،
اما هذه العبارة اقتباس:
|
|
|
|
||
|
|
|
رقم الموضوع : [4] | |
|
عضو ذهبي
![]() |
اقتباس:
هذا الكاتب أو الكاتبة ممن يأكل القشور بعقله ويطرح اللباب. فبدلاً من أن يعمل عقله في الجوهر متسائلاً: لماذا لم يفجر محمد لهم من الأرض عيوناً كما في قوله (وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا) ؟ راح يعمله في القشور. |
|
|
|
|
رقم الموضوع : [5] | |
|
عضو جديد
![]() |
اقتباس:
لا أحب أن أتحدث عن المسلمين فهم بشر، فيهم الصالح والطالح وكل ما بين ذلك من درجات ومن بينهم أنا لنتحدث عن القرآن نفسه أليس أنفع وأجدى؟ (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (اﻷنعام 68) فيها لمسات رائعة وبالغة في الإنسانية، ففيها فكرة مهمة قلة من يمتلكها وهي نقطة الإعراض عن المستهزئين، والابتعاد عن استفزازاتهم وتهكماتهم وتهجماتهم... فكل ما يُطلب من المسلم هو أن يعتزل المجلس بهدوء، حتى ينتهي الحديث ويخوض المجلس في حديث آخر غيره! لا انتقام ولا تدخل ولا تشاجر! والأهم من ذلك كله أن لا يهبط المؤمن إلى مستوى الانحطاط الفكري الذي عليه المستهزئ: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف 199) (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام 108) |
|
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| اعتراضات |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond