خاطرة مطولة

خرجت من دورة المياه ليلا , كانت أضواء المنزل منطفئة . أول خطوة قمت بها جعلتني أحس باحساس غريب لم أعشه من قبل . الأرض التي تتلقف قدمي في العادة بعد الخروج,غير موجودة ببساطة : انني أسقط . أين ؟ لا أعرف ... ما أعرفه أنني أهوي في مكان مظلم... حركة داخل المكان المحض الخالي من كل شيء الا من الوعي الذاتي...ذاك المكان الذي نراه عندما نغلق أعيننا .

كان هذا مثالا لهلوسة أولية يمكن أن تشكل بداية لإنتاج عظيم , أدبي , فلسفي , أو مزج من هذا وذاك .
الفنون , الفلسفة , الأديان , وغيرها من الأنشطة المزخرفة للحياة البشرية , هي محض هلوسات كما يقول فرويد.
يبدي الناس في الغالب اعجابهم بتلك الفئة القليلة التي تتميز بحس فني أو فلسفي وتنتج انتاجات مثيرة للاعجاب . يحسدونهم , يغارون منهم , يريدون أن يكونوا مثلهم , يطلبون بشكل حثيث السر الكامن وراء هذه الأعمال العظيمة . بعضهم يتحدث عن عقل فذ و موهبة يهبها الله لمن يشاء في الكتابة أو الرسم أو الحساب الذهني ... صدقوني , السر في الغالب سخيف جدا , وليس من تلك الأشياء التي يصعب تحصيلها , بحيث يمكن لمن هب ودب أن يصبح فنانا عظيما أو فيلسوفا . لماذا ؟ لأنه وكما أسلفت الذكر , هذه الأنشطة أعراض للهلوسة , ولتهلوس عليك فقط أن توفر لنفسك أسباب الهلوسة . لا أظن أنه من الصعب تحصيلها .

هل الحياة مجرد هراء ؟ حتى ذلك الموت الذي ننتظره بفارغ الصبر لنعرف ما سيجلب لنا , ماذا لو تم بأبسط وأسخف طريقة ممكنة؟ لا شك أنك ستكون بانتظار ظهور ملائكة , أو باب يفتح , أو صوت غريب يسمع ... ماذا لو لم تر سوى باب غرفتك التعيس الذي دخلت منه وخرجت آلاف المرات, ولم تسمع الا أصوات تلك الكائنات من حولك , بنو آدم كالعادة ؟
سأذكر أمثلة لبعض الأمور التي تمكنك من أن تكتب شيئا جميلا , عظيما , فنيا , فلسفيا , ...هذه الأمور تؤثر على طريقة عمل دماغك , تركيبة دمك الكيميائية , ... بحيث تحصل في مرحلة معينة على مزاج خاص وعقل "فذ" ينتجان انتاجات يصفها المساكين ب"العظيمة" .
من بين هذه الأمور إطالة الجلوس لساعات طويلة . ان إطالة الجلوس تنتج مبدعين بأسخف طريقة ممكنة : تثقل حركة الدورة الدموية , وتقل نسبة الأكسيجين التي ترد الى الدماغ لتبدأ الهلوسات . كذلك لا ننسى الإدمان على العادة السرية الذي يؤدي الى ارتفاع منسوب بعض الهرمونات في الدم ويدخلك في حالة مزاجية خاصة . نضيف الى هذا عدم حصول جسمك على ساعات كافية للنوم , ما يشجع دماغك أكثر على الهلوسة أو الابداع .ليس من الصدفة أن يكون الشعراء الكبار من كل الأمم مدمنين على الحانة .

لا أعرف الى أي حد سيتم سيتم ادراك الربط القوي الذي أقوم به هنا بين الابداع من جهة والهلوسة والجنون من جهة أخرى ... لكن العقول الشاعرية تكون في الغالب ضحلة . صحيح أننا جميعا نشبع غرائزنا الطبيعية التي تسكن داخلنا , الشريرة والخيرة على حد سواء .لكن من الناس فئة تدفع بهذا الاشباع الى مستويات قياسية , متحدية في ذلك كل القيود العرفية والصحية والواقعية , وهذا ما يسمى بالجنون .

المكان المحض الذي سقطت فيه ... كان خاليا من كل شيء , اللهم من تلك الماكينة التي لا أعرف لها شكلا , لكنني أعرف أنها تدور , وتسمى بالوعي أو الادراك . عندما تترك وجها لوجه مع تلك الماكينة , ينتابك إحساس غريب : إحساس بنفسك كوعي خالص , كغرفة مظلمة فيها شمعة , الشمعة مشتعلة وتضيء المكان , لكن المشكلة أن ضوءها لا يبين عن شيء آخر في الغرفة , ان ضوءها يكشف عن نفسها فحسب , ان ضوءها مسلط عليها . أنا أسقط , هذا تعبير خاطئ في الحقيقة ... أنا لا أسقط , أنا لا أتحرك أصلا , أصبحت المكان والزمان .
لكن , اذا كان تفسير انتاجات البشر بسيطا وسخيفا الى هذه الدرجة , ومردها الى الهلوسة الفردية أو الجماعية , فان شيئا أخيرا يبقى بلا تفسير وهو : لماذا الهلوسة ؟ لماذا يقرر أشخاص الجلوس لمدة طويلة حتى تثقل دروتهم الدموية ؟ لماذا يدمن البعض على العادة السرية أو غيرها من موضوعات الإدمان ؟ اذا كانت الهلوسة تحصيل حاصل ونتيجة طبيعية لمقدمات سخيفة كتلك , فان تلك المقدمات ليست وليدة الصدفة , وانما نتاج عوامل داخلية وخارجية معقدة . لهذا يمكن أن أقول أن هؤلاء يتميزون في النهاية بشكل ما عن الآخرين , لأنه ليس كل الناس يجلسون ساعات طويلة ليصابوا بالهلوسة , وليس الكل يدمن على العادة السرية أو غيرها من موضوعات الإدمان...ان الميزة الوحيدة للعظماء أنهم قرروا التوقف قليلا في هذه الحياة بدل مواصلة الدفع الى ما لانهاية نحو الأمام , قاوموا نوعا ما المد الحياتي السرمدي , وجعلوا لحياتهم جزرا بين الفينة والأخرى .

الغرفة المظلمة و الشمعة ... أين الشمعة ؟ انها ليست في الوسط . وصف الأمر بالشمعة وصف مجازي مشوه للحقيقة . الحقيقة أننا أمام شمعة ذائبة في ذلك الظلام , بحيث لا نستطيع أن نقول انها هنا أو هناك في نقطة ما من ذلك الفضاء المظلم . انها في كل مكان وبالتالي فهي شمعة ذائبة ان صح التعبير . لاحظوا تعاسة معجمي , وعقدة لساني , أمام هذا المشهد...و دعوني أيها الأصدقاء أتوقف عند هذا الحد . كل ما لدينا هو غرفة وشمعة , هذه هي الجزيرة الأصلية , جزيرة السعادة التي لطالما بحثنا عنها ... فقيرة ؟ لا شي فيها يذكر ؟ أعد النظر ... انها تحوي كل شيء في تلك الظلمة بطريقة لاواعية . العالم كله في ذلك الظلام يا رجل ... وأنت الشمعة .

سلمت يداك، اخذاة وممتعة، ومفيدة لهلوسة ليلة.
تقبل تحياتي.

كتبت مشاركة من طوال المفصل
ولكنها حذفت
أن استقرت حالتي النفسية سأكتبها مجددا

الى ذلك الحين ليس عندي سوى مشاركة على شاكلة

"سلمت يداك":
.

[QUOTE=ساحر القرن الأخير;138812]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساحر القرن الأخير

[CENTER]كان هذا مثالا لهلوسة أولية يمكن أن تشكل بداية لإنتاج عظيم , أدبي , فلسفي , أو مزج من هذا وذاك .

أحيانا تنصدم؛ بحادثة تظن أنها ستصنع منك أديبا، ثم لا تجد ما تكتبه عنها!

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساحر القرن الأخير

[CENTER]هذه الأنشطة أعراض للهلوسة , ولتهلوس عليك فقط أن توفر لنفسك أسباب الهلوسة . لا أظن أنه من الصعب تحصيلها .

يبدو الأمر كذلك.. لا تحتاج إلى تسلق الجبال الشاهقة أو قتال الوحوش حتى تمسي وحشا
بل تحتاج مغامرة صغيرة، قصة حب فاشلة... والكثير من الهلوسة.. فيما أتصور أفضل ما كتبت كان في حالة هلوسات سمعية او شيء قريب.

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساحر القرن الأخير

[CENTER]هل الحياة مجرد هراء ؟ حتى ذلك الموت الذي ننتظره بفارغ الصبر لنعرف ما سيجلب لنا , ماذا لو تم بأبسط وأسخف طريقة ممكنة؟ لا شك أنك ستكون بانتظار ظهور ملائكة , أو باب يفتح , أو صوت غريب يسمع ... ماذا لو لم تر سوى باب غرفتك التعيس الذي دخلت منه وخرجت آلاف المرات, ولم تسمع الا أصوات تلك الكائنات من حولك , بنو آدم كالعادة ؟

هذا ما أخشاه.. أموت بطريقة سخيفة,, أرى سخفا .. وتكون هذه هي نهايتي السخيفة لحياتي السخيفة
أعتقد اني اريد الأنضمام للجيش الأمريكي.. لربما أحظى بميتة مثيرة قليلا
وعندما تتوفر الفرصة سأكون بلياقة عالية .

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساحر القرن الأخير

[CENTER]كذلك لا ننسى الإدمان على العادة السرية الذي يؤدي الى ارتفاع منسوب بعض الهرمونات في الدم ويدخلك في حالة مزاجية خاصة . نضيف الى هذا عدم حصول جسمك على ساعات كافية للنوم , ما يشجع دماغك أكثر على الهلوسة أو الابداع .ليس من الصدفة أن يكون الشعراء الكبار من كل الأمم مدمنين على الحانة .

الأولى فعلتها.. الثانية غرقت فيها.. الأخيرة لم أحصل عليها
الحياة ظالمة يا رجل.. .

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساحر القرن الأخير

[CENTER], فان شيئا أخيرا يبقى بلا تفسير وهو : لماذا الهلوسة ؟

أنا أعشق الهلوسة.. أبحث عن طريقة لأحصل عليها بوفرة .


المشاركة الأولى نسيتها..
عن ماذا كنت أثرثر؟
.

[Edd]

اهلا بالفيلسوف الساحر
مبدع كعادتك باسلوبك المحكم والدقيق والاحترافي ايضا، خاصة اذا تطرقت الى مواضيع الهلوسة او الانتحار فانك تبدع فيها بطريقة ساحرة،

بالمناسبة فقد لفتت خاطرتك انتباهي الى ان السؤال الحقيقي الذي يجب ان يطرحه الانسان هو ماهو الانسان؟ وليس ماهو الله؟ السؤال الذي لم اره يطرح هنا.

-تحياتي .

[quote=السعداوي;139095]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ساحر القرن الأخير

أحيانا تنصدم؛ بحادثة تظن أنها ستصنع منك أديبا، ثم لا تجد ما تكتبه عنها!



يبدو الأمر كذلك.. لا تحتاج إلى تسلق الجبال الشاهقة أو قتال الوحوش حتى تمسي وحشا
بل تحتاج مغامرة صغيرة، قصة حب فاشلة... والكثير من الهلوسة.. فيما أتصور أفضل ما كتبت كان في حالة هلوسات سمعية او شيء قريب.



هذا ما أخشاه.. أموت بطريقة سخيفة,, أرى سخفا .. وتكون هذه هي نهايتي السخيفة لحياتي السخيفة
أعتقد اني اريد الأنضمام للجيش الأمريكي.. لربما أحظى بميتة مثيرة قليلا
وعندما تتوفر الفرصة سأكون بلياقة عالية .




الأولى فعلتها.. الثانية غرقت فيها.. الأخيرة لم أحصل عليها
الحياة ظالمة يا رجل.. .



أنا أعشق الهلوسة.. أبحث عن طريقة لأحصل عليها بوفرة .


المشاركة الأولى نسيتها..
عن ماذا كنت أثرثر؟
.

تحياتي مهند
يسرني مرورك من هنا
النهاية السخيفة ... هذا ما لا أريده أيضا ... أريد شيئا متميزا ...شيئا لم يخطر ببالي طيلة الحياة ... نهاية مفاجأة تجعلني أحب الحياة و أرغب في تكرارها بعد أن فهمت كل شيء ... أريد أن تحمل النهاية كشفا لسر الحياة ولغزها ...
لكن هل تسير الأمور وفق أهوائنا ؟

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة edd

اهلا بالفيلسوف الساحر
مبدع كعادتك باسلوبك المحكم والدقيق والاحترافي ايضا، خاصة اذا تطرقت الى مواضيع الهلوسة او الانتحار فانك تبدع فيها بطريقة ساحرة،

بالمناسبة فقد لفتت خاطرتك انتباهي الى ان السؤال الحقيقي الذي يجب ان يطرحه الانسان هو ماهو الانسان؟ وليس ماهو الله؟ السؤال الذي لم اره يطرح هنا.

-تحياتي .

تحياتي ايد العزيز وشكرا على التقييم (اشتقنا لك ولكتاباتك )
في الحقيقة هما الموضوعان المفضلان لدي , لذلك ربما مردوديتي فيهما جيدة
نعم ... ان القفز على الانسان للتساؤل عن الله هو بالنسبة لي من قبيل الذين لم يستكشفوا القمر بعد كاملا ويتحدثون عن الصعود الى المريخ ...
أذكر أنني قلت في موضوع سابق أن المشكلة هي الانسان ... وينبغي حلها أولا
تحياتي

...

...