شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > مقالات من مُختلف الُغات ☈

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 05-12-2017, 02:46 PM خلوووود غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
خلوووود
عضو برونزي
الصورة الرمزية خلوووود
 

خلوووود is on a distinguished road
0057 الشخصية المحمدية




بقلم عابد سعيد السراج


الشخصية المحمدية


الشخصيّة المحمدية ( محمد )
الكتب القيمة في البلدان العربية والإسلامية , تُخفى , ولا أحد يذكرها أو يدلنا عليها , إن كتاباً فكرياً وتحليلياً ونقدياً مثل كتاب : الشاعر العراقي الكبير – معروف الرصافي – المعنون / كتاب الشخصية المحمدية / أو حل اللغز المقدس , يبقى طي الأدراج أكثر من /سبعين عاما/ لا لشيء فقط لأنه كتاب جرئ تحليلي , ينظر إلى الرسالة المحمدية وفق منهج منطقي , لذا نراه يُخفى ونحرم من قراءته إذ هو أهم الكتب التي عالجت السيرة المحمدية في القرن التاسع عشر , ويظهر لنا هذا الكتاب أن مؤلفه ليس كاتبا متميزاً للشعر فقط بل هو مفكر كبير فتعالوا نقرأ 0
(أعظم رجل عرفة التاريخ , أحدث في البشر أعظم انقلاب عام في الدين والسياسة والاجتماع , وقد أوجد هذا الانقلاب بواسطة نهضة عربية المبتدأ عالمية المنتهى , بدلت مجرى الحياة الإنسانية وحولتها إلى ما هو أعلى مّما كانت عليه قبلها حتى أن آثارها في قليل من الزمن عمت الشرق والغرب ولم تزل آثارها باقية إلى يومنا هذا وستبقى إلى ما شاء الله 0)
أن تلك الشخصية العظمى التي يمثلها شخص محمد بن عبد الله في بني آدم قد اجتمع فيها من عناصر الكمال البشري ما لم يعرف التاريخ اجتماعه في أحد قبله :
عزم لا يرده راد , وتفكير عميق الغور بعيد المرمى , وخيال واسع قوي يكاد يقاوم الحقيقة بقوته , وطموح إلى العلى لا يعلو عليه طموح 0
هذه من العناصر الأصلية التي تتكون منه شخصية محمد , أضف إلى ذلك ما أوتيه من غزارة عقل وثقوب ذكاء , إلاّ أنه في هذه الناحية لا يفوق إلا المحيط الذي نشأ فيه والعنصر الذي هو منه , أي أن عقليته لا تتجاوز في تفوقها إلا العقلية العربية في زمانه وبيئته , ولئن جاز أن يعلو عليه عال في العقل والذكاء فلا يجوز ولن يجوز أن يفوقه أحد فيما أوتي من صبر وحزم , وهو مع ذلك بشر يتعاوره من أحوال البشر ما يتعاور كل إنسان 0
وإذا دحضنا ما جاء به الرواة من الأخبار الملفقة بما يكذبها من المعقول ومن آيات القرآن لم نرَ في حياته ما يخرق العادة ويخالف سنة الله , التي لا تقبل التبديل ولا التحويل , أعني بسنة الله نواميس الطبيعة , بل نرى حياته كلّها لم تكن إلاّ طبق ما تقتضيه /4/ سنة الله في خلقه 0
وبما أنه بشر لا يخلو من معايب , ولا أقول هنا : (( كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه )) , بل أقول : (( جل ما لا عيب فيه وعلا )) لأن العبارة الثانية دون الأولى تنص على أن الكمال المطلق هو لله وحده 0 على أن المعايب للبشرية كلها لم تكن معايب , لذاتها بل لأمور اقتضتها المصلحة العامة في المجتمع , وإذا كان المرء عاملاً للمصلحة العامة فمعايبه التي تبدو في عمله لا تكون معايب , إذ يجوز أن تقتضي مصلحة العموم أن يعمل عملاً يكون عند الفرد معيباً والفرد لا حكم له في جنب العموم 0
ثم هي تختلف باختلاف مراتب الناس فقد يكون الشيء معيباً بالنسبة إلى أحدهم وغير معيب بالنسبة إلى الآخر , وقد قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين 0 ولا ريب أن الأمور التي نؤاخذ بها شخصية محمد لم تكن معايب إلاّ بالنسبة إلى تلك الشخصية من المقام الأسمى والمرتبة العليا 0
أن هذا الكلام الذي ألمنا فيه بالشخصية العجيبة المحمدية كلام مجمل سيأتيك بيانه مفصلاً مدللاً ومن الله التوفيق 0
لاإله إلاّ الله
مرِّ على البشر دهر كانوا فيه مستعبدين يعيشون بين رب ومربوب , وكان الرب الواحد منهم في نعيم والألوف من المربوبين في شقاء , وكان الأرباب فيهم كثيرين على درجات مختلفة , أمّا المربوبون فهم السواد الأعظم الذي يكد ويشقى لينعم الأرباب , وكان المربوبون يعملون لهم ويعبدونهم خوفاً وطمعاً , وقد أشار محمد إلى هذه الحالة بآية من آياته القرآنية إذ قال : (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) (1)0 أما القوة التي كان الأرباب يستعبدون بها المربوبين فهي إما مادية كالقوة البدنية وما يتبعها من سلاح وأعوان , وإما أدبية كالدين وما يتبعه من رؤساء وكهان 0 وقد تكون هاتان القوتان إحداهما عوناً للأخرى وقد تجتمعان في شخص واحد , وخلاصة القول أن هاتين القوتين كانتا منذ عرف التاريخ إلى يومنا هذا هما الواسطة لاستعباد البشر بعضهم بعضاً 0
لاشك أن هذه الحالة التي لا تعرف للمجتمع حقوقاً غير حقوق الأرباب محتاجة إلى الإصلاح , وإن خير ضامن لإصلاحها ما جاء به محمد من كلمة التوحيد (( لا إله إلاّ الله )) وهي من مخترعاته التي لم يسبق إليها على ما أرى , لأن ((يهوا)) إله اليهود وإن كان واحداً , ألاّ أنه ليس بإله عام بل هو إله إسرائيل فقط , كما أنه إله إسرائيل في الأرض الموعودة فقط , أمّا الإله الأعظم العام والشامل المهيمن على جميع المخلوقات فهو الله الذي عرفه /5/ ووحّده محمد لا غير , فهو إذن بهذا المعنى من تصوراته التي لم يسبقه أحد إليها 0
قد يقال إن العرب في جاهليتهم قبل محمد كانوا يعرفون الله بهذا المعنى , أي أنه إله عام خالق لجميع المخلوقات ( لئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) (1) , فأقول نعم ! ولكنهم لا يوحدونه بل يجعلون له شركاء فلم تنتف عنهم العبودية لغيره من أصنام وغير أصنام 0
وإذا تأملنا جيداً في معنى (( لا إله إلاّ الله ) وجدنا كل ما فيها أنها ترتقي بالناس من طور أدنى إلى طور أعلى , إذ تخرجهم من طور عبودية عامة إلى طور عبودية خاصة أي أنها تجعل الناس كلهم مستعبدين لإله واحد لا شريك له هو خالق الكائنات 0 فالمنفعة المترتبة على كلمة التوحيد هي للناس لا لله لأنها تحررهم من العبودية لغير الله , فنفعها لا يعود إلاّ إليهم وفائدتها لا تكون إلاّ لهم وإلاّ فإن الله لا يضره أن يعبد الناس غيره , كما لاينفعه أن يعبدوه دون سواه ( أن الله غني عن العالمين ) (2)0
(1) سورة آل عمران , الآية : 164- (1) سورة لقمان , الآية : 125 – سورة الزمر الآية : 38- (2) سور آل عمران . الآية : 97- 0
* معروف الرصافي مواليد عام – 1875م – 1945 م شاعر وأديب عراقي 0 أشتغل معظم حياته في التدريس ومارس الصحافة صدر أول ديوان له ببيروت عام 1911 , كما مارس الترجمة عن التركية وله العديد من المؤلفات النثرية والشعرية وله العديد من المخطوطات التي لم تُطبع ومنها هذا الكتاب الذي أنجزه عام 1933 في الفلوجة بالعراق – وهو صادر عن منشورات ( الجمل ) 0 الطبعة الأولى ألمانيا – 2002 0
الكتاب مأخوذ عن النسخة الأصلية الوثائقية الموجودة في إحدى مكتبات جامعة ( هارفرد )



:: توقيعي ::: إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات.
عبد الله القصيمي
  رد مع اقتباس
قديم 05-12-2017, 02:50 PM خلوووود غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
خلوووود
عضو برونزي
الصورة الرمزية خلوووود
 

خلوووود is on a distinguished road
Lightbulb هدف محمد من الدعوة

بقلم عابد سعيد السراج


الشخصية المحمدية


هدف محمد من الدعوة

أن قراءة كتاب الشخصية المحمدية , لمؤلفه – معروف الرصافي – بهدوء وموضوعية تعرف أيّ حياد كان يريده الرجل , حيث يترك للقارئ مساحات واسعة من الرأي والتفكّر 0

( أن الغاية التي يرمي إليها محمد من الدعوة إلى الله أو من النبوة ليست بدينية محضة بدليل أنه قبل الجزية من غير العرب من أهل الكتاب والمجوس , إ ذ لا ريب أن أخذ الجزية منهم وتركهم على ما هم عليه من الكفر والضلال ينافي أنه لم يرسل إلا لدعوة الناس كافة إلى التوحيد أي إلى عبادة الله وحده لا شريك له 0
فإن قلت أن أهل الكتاب هم أهل دين جاءهم به الرسل من الله , فدعوتهم إلى الإسلام إنما هي دعوة إصلاحية بخلاف دعوة المشركين فإنها إنقاذية , فلذا قـَبل من أولئك الجزية ولم يـُقبلها من هؤلاء , قلت أما المجوس فمحمد لا يعترف بأنهم أهل دين سماوي , فهم والمشركون سواء في نظره , وأما أهل /9/ الكتاب (من اليهود والنصارى) فهم وإن كانوا أهل دين سماوي معترف به إلا أنهم في رأي محمد قد حرّفوه وغيروه وبدلوه حتى أصبح الدين الذين هم عليه غير كاف ٍ لنجاتهم من عذاب الله فهم كالمشركين يعذبون في جهنم خالدين كما نطقت به آيات القرآن , فلأجل هذا يجب أن تكون دعوتهم إنقاذية أيضاً لا إصلاحية 0

وأيضاً أن النصارى منهم من يجعل المسيح إلهاً على ما جاء في القرآن , منهم من يجعله ابن الله , وكذلك اليهود يقولون عزير ابن الله (3) , فلا فرق إذن بينهم وبين مشركي العرب , إذ لا فرق بين شرك وشرك بل الشرك شرك كيفما كان سواء أشركوك بالله رجلاً , أو أشركوك به صنماً أو شجرة أو كوكباً أو غير ذلك , فقبول الجزية من هؤلاء دون مشركي العرب يدل دلالة واضحة على أن الغاية ليست بدينية محضة , إنما الغاية التي يرمي إليها محمد هي إحداث نهضة دينية اجتماعية سياسية , تكون عربية المبتدأ عالمية المنتهى , أي يقوم بها العرب في بدء الأمر ثم تعمم وتشمل الناس جميعاً في النهاية 0

ولا شك أن مثل هذه النهضة تحتاج في سيرها وتكاملها إلى المال , ففتح لهم هذا المورد المالي بأخذ الجزية من غير العرب , على أن يكون هؤلاء الذين يؤدونها مع بقائهم على كفرهم أهل عهد وذمة تحت حماية العرب , وقد أشار أبو العلاء المعري في لزومياته إلى هذه الجزية بقوله :
المال يُسكت عن حق وينطق في بطل وتجمع إكراماً له الشيع
وجزية القوم صدت عنهم فغدت مساجد القوم مقروناً بها البيع

/10/ ولمّا كانت هذه النهضة عربية أي يقوم بها العرب دون غيرهم , وكان العرب كلهم أو أكثرهم مشركين وثنيين , وكانوا مع ذلك متخالفين متخاذلين يأكل بعضهم بعضاً , كان من الضروري لمحمد أن يجمع كلمتهم قبل كل شيء, فيكوّن فيهم وحدة دينية ويربطهم برابطة الإخاء الديني 0 وكذلك فعل إذ أنكر عليهم عبادة الأصنام وشنع بها كل تشنيع وتفنن في إبطالها وتفنيدها بما هو مسطور في القرآن , ودعاهم بكلمة التوحيد (( لا إله إلا الله )) التي هي من مبتكراته , كما قلنا سابقاً , إلى عبادة الله وحده لا شريك له , وكان في أول الأمر مكتفياً في دعوتهم بالآيات القرآنية إذ لم تكن له قوة يستند إليها في إرغامهم على قبول ما يدعوهم عليه , وقد قاسى ما قاسى من عداوة قومه المشركين ولقي منهم أذى كثيراً هو وأتباعه القليلون المستضعفون 0

ولكنه بعد الهجرة إلى المدينة حصلت له تلك القوة , فصار يدعوهم وفي إحدى يديه القرآن وفي الأخرى السيف , فلا يرعى لهم إلاً ولا ذمة , ولا يقبل منهم عذراً ولا جزية إلا الإسلام , فكان يدعوهم إليه فإن أسلموا فبها وإلا سلّ عليهم السيف فلا يغمده حتى يسلموا 0

وإذا علمت ماذا يريد محمد من وراء دعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له , علمت سبب تشدده في تشنيعه عليهم وثنيتهم , وتشديده عليهم إنكار الشرك بالله حتى جعله من الذنوب التي لا تغتفر إذ قال : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) (1)

مع أنه في الحقيقة ليس كذلك , لأن الشرك بالله لا يضر الله شيئاً , كما أنه لا يضر الناس مضرة مادية وإن كان عبثاً مزرياً بهم , ولو كان الشرك بالله يضر الناس مضرة مادية لهلك اليوم أهل العراق الذين هم أعادوا الوثنية جذعة بعبادتهم أهل القبور التي في القبب المسماة عندهم بالعتبات المقدسة , فإن الوثنية التي حاربها محمد بسيفه وقرآنه قد عادت بجميع /11/ طواغيتها في العراق على شكل أشنع وأفظع مما كانت عليه في الجاهلية , ومع ذلك ترى أهل العراق يسرحون ويمرحون كما لو كانوا يعبدون الله وحده لا شريك له 0

بل الحقيقة أن الله يغفر أن يُشرك به ولا يغفر ما دون ذلك , لأن ما دون الشرك من المنكرات قد يتعلق بحقوق الناس بعضهم مع بعض فلا تجوز مغفرته , بخلاف الشرك بالله فإنه لا يضر الله شيئاً ولا يتعلق بحقوق الناس بعضهم مع بعض 0

أن محمد يعرف هذه الحقيقة جيداً , ولكن كما قلنا أن سبب تشدده في إنكار الشرك إلى هذا الحد هو ما يريد من جمع كلمتهم وتكوين وحدة دينية فيهم لكي ينهض بهم نهضة كبرى تكون عاقبتها الخير للناس جميعاً 0

وجعل لنهضتهم من المرغبات المادية أن أحل لهم سلب الغنائم والنساء /12/ والسبايا في الحرب , وزاد أن ضرب لهم الجزية على غيرهم من أهل الأديان ولم تكن الغنائم في الأديان , السابقة حلالاً , فكان من خصائصه أن أًحلت له الغنائم كما يدعيه كتاب السيرة النبوية . والذي نراه أن أخذ الغنائم والسبايا من عادة العرب في الجاهلية فإنهم كانوا في حروبهم إذا أغار بعضهم على بعض أستاقوا الأنعام التي هي جل أموالهم وأخذوا النساء سبايا , فمحمد أقرهم على ما كانوا عليه لأن المصلحة اقتضت ذلك إبقاء هذه العادة الجاهلية

وإذا علمت هذه المرغبات المادية والمعنوية وعلمت أن العرب كانوا بطبيعة بلادهم القاحلة يعيشون في ضنك من العيش محرومين من نعيم الحضارة كل الحرمان , وعلمت أيضاً أنهم كانوا ببداوتهم من أشد الناس بأساً وأشهرهم في الحروب شجاعة وإقداماً فقد انكشف لك سر الموفقيات والفتوح التي جنوها من نهضتهم الإسلامية المحمدية 0

شجاعة وإقدام مع شظف في العيش , حصلت بعدها وحدة في القوم جعلتهم جسماً واحداً , ثم انفتحت لهم أبواب الجنان من جهة , وتكدست أمامهم غنائم الحرب من جهة أخرى , فأي عجب يبقى بعد هذا من أن نراهم قد دخلوا البلاد من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في مدة لا تزيد على ثلاثين سنة 0

دع الناس يختلقون المعجزات لمحمد , وانظر إلى هذه النهضة وآثارها الباهرة فإنها معجزة المعجزات التي لم يسبق لها نظير في البشر منذ عُرف التاريخ إلى يومنا هذا( عدا المعجزة المغولية التي اجتاحت العالم في فترة اقصر) 0

وكيف ينكر علينا منكر ما قلناه من أن الغاية التي كان يرمي إليها محمد هي هذه , وقد صرح هو نفسه بها عدة مرات ) 0
(3) سورة التوبة الآية : 30 0
(1) سورة النساء الآية : 48, والآية 116



:: توقيعي ::: إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات.
عبد الله القصيمي
  رد مع اقتباس
قديم 05-12-2017, 11:16 PM أنكيدو غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [3]
أنكيدو
المدير العام
الصورة الرمزية أنكيدو
 

أنكيدو is on a distinguished road
افتراضي

الرجاء وضع رابط المشاركة وألا سوف يغلق المُوضوع



:: توقيعي :::
ياجلجامش إلى أين أنت سائر؟
لن تجد قط الحياة التي تنشد
فالآلهة عندما خلقوا البشر
كتبوا عليهم الموت واحتفظوا بالخلود لهم
  رد مع اقتباس
قديم 05-14-2017, 11:10 AM خلوووود غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [4]
خلوووود
عضو برونزي
الصورة الرمزية خلوووود
 

خلوووود is on a distinguished road
افتراضي

رابط الموضوع http://www.alzakera.eu/music/religon/religon-0051-1.htm



:: توقيعي ::: إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات.
عبد الله القصيمي
  رد مع اقتباس
قديم 05-14-2017, 11:18 AM خلوووود غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [5]
خلوووود
عضو برونزي
الصورة الرمزية خلوووود
 

خلوووود is on a distinguished road
افتراضي اعجاز القران

بقلم معروف الرصافي


الشخصية المحمدية

من هم الذين آمنوا بمحمد؟
من هم الذين آمنوا بمحمد قبل الإسلام , ومن هم الذين آمنوا بدعوته بعد نشره لرسالته , ولماذا ركز محمد على إسلام قريش, وهل اسلم البعض لحميته فقط من أبناء عمومته وأعمامه , سوف نرى ذلك في الدراسة الآتية 0
(00إنهم يهولون بإعجاز القرآن كل التهويل , ولكنهم لا يستطيعون أن يذكروا لهذه المعجزة العظمى أثراً بيناً في نجاح الدعوة الإسلامية , إذ لا مرية في أن الدعوة الإسلامية إنما نجحت بالسيف لا بمعجزة القرآن 0 فلو سألناهم كم مؤمناً كانت هذه المعجزة هي السبب الوحيد لإيمانه , لما استطاعوا أن يجيبوا جواباً صحيحاً 0 إن محمداً قام بالدعوة ثلاثاً وعشرين سنة على أصح الأقوال , قضى اثنتي عشرة سنة منها بمكة وإحدى عشرة بالمدينة , ولما كان بمكة كان هو وأصحابه مستضعفين يلقون من كفار قريش أذى كثيراً, حتى استخفى / 912/ هو وأصحابه مدة في دار الأرقم , وحتى هاجر فريق منهم إلى الحبشة فراراً من أذى قريش , وحتى صار محمد بعد وفاة عمه أبي طالب الذي كان يحميه من كفار قريش يطلب من يحميه ليقوم بالدعوة , فذهب إلى الطائف وجعل يعرض نفسه على القبائل في المواسم لأجل ذلك 0
وكان الذين آمنوا به في مكة فريقين , أحدهما من وجوه قريش وأشرافهم وهؤلاء هم الأقل , والثاني هم الأكثر من الفقراء والموالي الذين كانوا يعيشون أمرّ العيش عبيداً تحت رق مالكيهم من أشراف قريش وأغنيائهم 0 أما الفريق الأول فأولهم إيماناً بمحمد أبو بكر , وكان إيمانه عن معرفة سابقة وعن خبرة بأحواله قبل البعثة لأنه صحب محمداً عشرين سنة قبل النبوة , وكان محمد إذ ذاك ابن عشرين سنة , وكان هو ابن ثماني عشرة سنة , فليس في الذين آمنوا بمحمد أولاً وآخراً من يعرفه حق المعرفة كأبي بكر 0 وإذا جاز أن أستثنى أحداً قلت إلا العباس , ولكن العباس أيضاً وإن كان موضع أسرار محمد قبل البعثة وبعدها إلا أنه لم يعرف معرفة أبي بكر , ولم يصحبه صحبته , فكان أبو بكر أعلم من العباس بمحمد وبصفاته الخاصة وبمنازعه الفكرية ومطامحه القومية , حتى أني لا أشك في أن أبا بكر آمن بمحمد قبل النبوة 0 وقد قال بذلك بعضهم كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي (1) , فلذا صار بعد إظهار الإيمان به داعية له حتى أن أكثر الفريق الأول , ومنهم العشرة المبشرون بالجنة , آمنوا بدعاية أبي بكر , إلا حمزة فإنه آمن بابن أخيه محمد حمية له لما رأى صناديد قريش يؤذونه ويهينونه كما هو مذكور في كتب السير (2) 0 / 913/ وأما الفريق الثاني وهم الفقراء والموالي فأكبر داع إلى مسارعتهم في الإيمان بمحمد هو التخلص مما هم فيه من شقاء وهوان , وكيف لا يؤمنون به وقد رأوه يدعوهم إلى دين يجعلهم أحراراً , ويكف عنهم سلطان متكبر جبار , ويساويهم في حقوقهم بأعلى الناس قدراً وأرفعهم منزلة في الدنيا 0 ولم تكن الإسلام قوة قاهرة في مكة , لم يكن للمسلمين من يقال لهم منافقون من الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر , وذلك لأن المسلمين ليس لهم سطوة تلجئ الكفار إلى اتقائها بالنفاق 0 وإنما نشأ النفاق في المدينة حيث دجا الإسلام وصار له بالمهاجرين والأنصار قوة يتقى بأسها 0 نعم , كان في كفار مكة منافق واحد , وهو العباس لأنه كان يظهر الكفر ويبطن الإسلام , فهو منافق في الكافرين لا في المسلمين , كما تقدم بيانه مفصلاً 0
هذا حال الإسلام في مكة , وأما في المدينة بعدما هاجر إليها محمد فليس كذلك , بل أصبحت له قوة لا يستهان بها مؤلفة من حزبين قويين متآخيين هم المهاجرون والأنصار 0 ولما كان محمد في مكة لم يكن للإسلام أعداء ولا خصوم سوى قريش , أما غير قريش من العرب الذين لم يسلموا فكانوا منه على حياد فلا هم له ولا هم عليه 0
ولما انتقل الإسلام إلى المدينة رفع عماده ومد أطنابه فيها , لم يكن له فيها أعداء وخصوم سوى اليهود ومن والاهم من المنافقين 0 وكانت لليهود مع الأنصار صلات وروابط تربطهم بهم من حلف وغيره , فمنهم حلفاء الأوس , ومنهم حلفاء الخزرج , فلهذا ولضعفهم كانوا لا يجاهرون الإسلام بالعداوة إلا أنهم كانوا يكيدون في الخفاء , وكانوا على اتصال بكفار قريش 0 / 914/ وقد أسلم أفراد منهم إلا أن إسلامهم كان كيداً للمسلمين 0 وقد أخذ محمد يداريهم في أول الأمر فبذل جهداً كبيراً في مداراتهم واستمالتهم إليه , ثم تبين له أنهم لن يصافوه وأنهم سيبقون عثاراً له في طريقه , فقرّ الرأي عنده على استئصالهم فاستأصلهم بالجلاء والقتل 0 وكان في ذلك معذوراً بالنظر إلى الغاية التي يرمي إليها , لأنه قبل كل شيء يريد أن يوحد كلمة العرب بجعل الحجاز وما والاه من بلادهم على دين واحد , فليس من المصلحة بقاء يهود أو نصارى في بلاد العرب , كما باح بذلك في آخر أنفاسه عند مرض الموت فقال لا يترك بجزيرة العرب دينان (1) 0
ولا يخفى أن الحالة التي كان عليها محمد في مكة قد تبدلت وتغيرت في المدينة 0 فبينما كان في مكة مستضعفاً يطلب من يحميه ليقوم بالدعوة , أصبح قوياً في المدينة بفريقين من أصحابه المهاجرين والأنصار 0 وكان محمد إذ ذاك لا هم له إلا إسلام قريش , يريد إسلامهم لا محالة , فكان ى مناص عنده من أحد أمرين , إما إبادتهم وإما إسلامهم 0
ومعلوم أن قريشاً كان لها اتجار مع الشام , وأن قوافلها وعيراتها مستمرة في الذهاب والإياب من مكة إلى الشام , وأن المدينة واقعة في طريق هذه التجارة , فحياة قريش بالتجارة أصبحت في قبضة محمد إن شاء تركها لهم , وإن شاء قطع عليهم طريقها 0 وهكذا فعل فإنه بعد هجرته إلى المدينة لم يمض ِ عليه من الزمن أكثر من سبعة أشهر حتى أخذ يرسل السرايا ويبعث المبعوث كلما مرت عير لقريش 0 إلا أنه كان إ ذ ذاك لم يرسل في سراياه , ولم تخرج معه في غزواته إلا المهاجرين من أصحابه , ولم يكلف الأنصار شيئاً حتى غزوة بدر الكبرى التي / 915/ كانت في السنة الثانية للهجرة 0
ثم اتسع الأمر وأنزلت آية القتال وأشرك في المهاجرين والأنصار , وكانت وقعة بدر التي قوي بها الإسلام وصارت له هيبة وسطوة , فحصل بذلك شيء لم يكن في الحسبان وهو الغنائم الحربية , حتى أصبحت الغنيمة من أكبر الدواعي إلى الإسلام , وحتى صار من الناس من يسلم رغبة في الغنيمة لا لشيء آخر , كما وقع ذلك لحبيب بن يساف فإنه خرج في غزوة بدر مع المسلمين من قومه في الخزرج طالباً للغنيمة ولم يكن مسلماً , قال له رسول الله : لا يصحبنا إلا من كان على ديننا , وفي رواية قال له : ارجع فإنا لا نستعين بمشرك , فامتنع من الرجوع , وتكررت منه المراجعة لرسول الله , وفي الثالثة قال له : تؤمن بالله ورسوله ؟ قال : نعم , فأسلم وقاتل الكفار مع المسلمين(1) 0 ولا شك أن إيمانهم لم يكن عن إيمان وتصديق وإنما كان عن رغبة في الغنائم 0
على أن المسلمين أنفسهم كان أكثرهم لا يخرج إلى الحرب إلا رغبة في الغنيمة كما وقع في غزوة خيبر , فقد خرج فيها المتخلفون عن غزوة الحديبية رجاء الغنيمة 0 فقال لهم النبي : لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد فأما الغنيمة فلا , ثم أمر منادياً ينادي بذلك (2) 0 ومن المعلوم أن محمداً لما كان في مكة كان لا يرغب الناس في الإسلام إلا بالجنة ونعيمها المقيم , ولا ينفرهم من الكفر إلا بجهنم وعذابها الأليم 0 ولكنه لما كان في المدينة صار يرغبهم بالغنائم أيضاً حتى أنه في غزوة تبوك رغبهم في الجهاد ببنات الروم (3) 0
ونحن لو أردنا أن تستعرض إيمان المسلمين في عهد محمد ونستشف ما فيه من ألوان مختلفة لجاز أن نقول مستندين في قولنا إلى ما ألهمنا إياه الفكر الرقيق والنظر الصحيح من أقوال الرواة المسطورة / 916/ في كتب السير : إن الإيمان بمحمد وما جاء به كان يقع على وجوه شتى , بألوان مختلفة , فمنه : ما هو إيمان عقلي علمي يستند في وقوعه إلى العقل والعلم بما وراءه من غاية مطلوبة كإيمان أبي بكر الصديق , وربما كتبنا فيما يأتي فصلاً خاصاً عن أبي بكر الصديق , ولا نظن أم لأبي بكر ثانياً في إيمانه هذا 0
ومنه : إيمان تبعي كإيمان خديجة زوج محمد وبناته وكأيمان علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة الذي وهبته خديجة لمحمد فأعتقه وتبناه في صغره 0 فهؤلاء كلهم يعيشون في بيت واحد تحت زعامة محمد ورئاسته , فهو رئيسهم وهو زعيمهم القائم بأمرهم , فكلهم بحكم العادة تبع لمحمد يسمعون قوله ويأتمرون بأمره 0 فمن المستبعد أن يخالفوه , وكذلك علي بن أبي طالب فإنه أخذه محمد من أبيه يعوله عنده لأن أبا طالب كان كثير العيال مع قلة ذات يده , فأخذ محمد علياً وأخذ العباس جعفراً يعولانهما عندهما تخفيفاً عن أبي طالب (1) 0 ولما تنبأ محمد كان علي عنده في بيته مع عياله وكان في الثامنة من العمر 0 فغلام مثل هذا في الثامنة من عمره خالي الذهن , غير بالغ الرشد لا يكون عادة إلا تابعاً للرئيس الذي هو في بيته يعيش بعيالته , ولا يكون إلا تبعاً له في جميع الأمور0 فإيمان علي بمحمد إيمان تبعي , ويجوز أن علياً تطور بعد ذلك فارتقى في إيمانه إلى ما هو أعلى من ذلك ولكنه عند وقوعه لم يكن إلا تبعاً 0
ومنه إيمان إقناعي كإيمان عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبدالله التيمي ممن أسلموا بداية أبي بكر , لأنه كما قلنا آنفاً بعد إيمانه كان أكبر داعية يدعو الناس إلى الإسلام فأسلم بدعايته هؤلاء / 917/ وغيرهم 0 وإنما سميناه إيماناً إقناعياً لأنه حصل بداية أبي بكر فإنه هو الذي أقنعهم إليه (2) 0 ويجوز أيضاً أن يكون هؤلاء قد تطوروا بعد ذلك في إيمانهم فارتقوا فيه إلى ما هو أعلى ولكنه عند وقوعه كان إقناعياً 0
ومنه إيمان حميوي , نسبة إلى الحمية بمعنى الأنفة والنخوة , كإيمان حمزة عم النبي , وذلك أن حمزة رجع يوماً من قنصه متنكباً قوسه , فأخبرته مولاة عبدالله بن جدعان وقالت له : يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكم تعنى أبا جهل , فإنه قبل هنيهة شتم محمداً وآذاه ونال منه ما يكره 9 وفي رواية : انه صب التراب على رأسه وألقى عليه فرثاً ووطئ برجله على عاتقه , فقال لها حمزة : أنت رأيت هذا الذي تقولين ؟ قالت : نعم , فاحتمل حمزة الغضب ودخل المسجد فرأى أبا جهل جالساً في القوم , فأقبل نحوه حتى قام على رأسه , ورفع القوس وضربه بها فشجه شجة منكرة, ثم قال : أتشتمه ؟ فأنا على دينه أقول ما يقول , فرد ذلك علي ّ أن استطعت , فقام رجال بني مخزوم ليضربوا أبا جهل , فقالوا: ما نراك إلا صبأت , فقال حمزة : وما يمنعني وقد استبان لي منه أنه رسول الله وأن الذي يقوله حق , والله لا أنزع , فامنعوني إن كنتم صادقين 0 فقال لهم أبا جهل دعوا أبا عمارة فإني والله لقد أسمعت أبن أخيه شيئاً قبيحاً (3)0
ثم إن حمزة بعدما فارقهم ندم على ما قال , وصار يقول في نفسه لما رجع إلى بيته : أنت سيد قريش اتبعت هذا الصابئ وتركت دين آبائك , الموت خير لك مما صنعت 0 فبات ليلة لم يبت بمثلها , ولما أصبح إذا إلى رسول الله فقال: يا ابن أخي إني / 918/ قد وقعت في أمر لا أعرف المخرج منه 0 وذكر له ما جرى له مع أبي جهل وما قاله للقوم 0 فأقبل عليه رسول الله يذكره ويعظه حتى قال له حمزة : إنك لصادق فأظهر يا ابن أخي دينك 0 فسبب إسلام حمزة أنه أخذته الحمية في أول الأمر لابن أخيه ثم استمر على الإسلام بعد ذلك (1) 0
ومنه إيمان فطري كإيمان أبي ذر الغفاري فإنه كان من المتألهين قبل أن تبلغه نبوة محمد , وكان يتعبد ويصلي لله متجهاً في صلاته إلى أي جهة أتفق اتجاهه إليها 0 ولما بلغ على أن يقول الحق ولو كان مراً 0 فهو من المتألهين فطرة , ولذا قلنا بأن إيمانه فطري (2) 0
ومنه إيمان انتفاعي كإيمان حبيب بن يساف الذي خرج مع المسلمين في غزوة بدر وهو غير مسلم ثم أسلم رغبة في الغنيمة وقد تقدم خبره آنفاً 0
ومنه إيمان منامي كإيمان خالد بن سعيد بن العاص فقد ذكروا أنه رأى في منامه رؤيا هالته وأفزعته فقام من نومه مرعوباً فذهب إلى أبي بكر لأنه كان عندهم يحسن تعبير الرؤيا , فذكر له ما رأى , فقال له أبو بكر أريد بك خير , ويحك هذا رسول الله فاتبعه فأتى رسول الله فأسلم (3) , فإيمانه منامي 0
ومنه إيمان نكاحي كما ورد في قصة أم سليم مع أبي سليم , وذلك أنه خطبها وهو كافر وهي مسلمة , فقالت والله ما مثلك يرد ولكنك كافر وأنا مسلمة ولا يحل أن أتزوجك و فإن تسلم فهذا مهرك ولا أسألك غيره (4) , فأسلم فكان إسلامه مهرها , كما أخرجه النسائي وصححه عن أبي عباس , فإسلام أبي سليم نكاحي0
ومنه إيمان قهري , كإيمان الوليد بن عقبة بن أبي معيط فأنه كان / 919/ موتوراً بالإسلام لأن محمداً قتل أباه عقبة في طريقه إلى المدينة عند مرجعه من بدر , وكان عقبة في الأسرى , ولم يسلم ابنه إلا بعد ما كانت للإسلام سطوة قاهرة لا ملجأ له منها إلا إليها 0 والوليد هذا هو الذي ولاه عثمان الكوفة فصلى بالناس صلاة الصبح أربعاً وهو سكران , ولما سلم التفت إليهم وقال أتريدون أن أزيدكم , فبلغ ذلك عثمان فعزله (5) 0 فإيمانه قهري ومن هذا القبيل إيمان الذين دخلوا في دين الله أفواجاً بعد فتح مكة إذ لم يبق لهم ملجأ من الإسلام إلا إليه 0
ومنه إيمان جنائي , كإيمان المغيرة بن شعبة ؟ فقد ذكروا انه قتل ثلاثة عشر رجلاً من بني مالك من ثقيف , وكان قد رافقهم وهم وافدون على المقوقس صاحب مصر بهدايا 0 فأنزلهم وأكرم مثواهم ولما دخلوا عليه ومعهم المغيرة سألهم عنه المقوقس فقالوا : ليس منا هو من الأحلاف , فكان المغيرة أهون القوم على المقوقس , ثم أكرمهم وانصرفوا راجعين 0 فلما نزلوا منزلاً في طريقهم , أخذوا يشربون الخمر , وصار المغيرة يخدمهم ويسقيهم , ولم يشرب هو متعذراً بأن في رأسه صداعاً , وصار يكثر لهم بغير مزج حتى همدوا , فقتلهم جميعاً وأخذ ما معهم من الأموال وأتى النبي محمداً في المدينة وأسلم , وقدم الأموال التي معه كغنيمة حربية ليخمسها النبي (1) 0 ولكن النبي قبل إسلامه ولم يقبل منه الأموال وقالا لا آخذ من أموالهم شيئاً فإنه غدر والغدر لا خير فيه 0 ولاشك أن المغيرة بعد ارتكابه هذه الجناية المنكرة لا يستطيع الرجوع إلى قومه فلا نجاة له منها إلا بالإسلام , فإيمانه جنائي كما قلنا / 920/ 0
ومنه إيمان بلاهي نسبة إلى البلاهة , كإيمان سودة بنت زمعة , إحدى أزواج النبي , فقد ذكروا أن النبي دفع إليها أسيراً يكون عندها في بيتها إلى أن ينظر في أمره , فأخذ الأسير يئن بالليل فقالت له سودة : ما لك تئن ؟ فشكا إليها ألم القيد , فقامت وأرخت من كتافه , فلما نامت , أخرج الأسير يده وهرب 0 فلما أصبح النبي دعا بالأسير فأعلم بشأنه , فغضب على سودة وقال: اللهم أقطع يديها 0 فأخبرت سودة بما قال النبي فرفعت يديها ومدتهما إلى السماء تتوقع الإجابة وتنتظر أن يقطع الله يديها , وبقيت على هذه الحالة رافعة يديها 0 فبلغ ذلك النبي فقال: إني سألت الله أن يجعل لعنتي ودعائي على من لا يستحق من أهلي رحمة لأني بشر أغضب كما يغضب البشر , قولوا لسودة فلترد يديها (2) 0 وعند ذلك ردت سودة يديها وأنزل محمد آية تتضمن شيئاً من لوم نفسه على استعماله بالدعاء على سودة : ( ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا ) (3) 0 ولا شك أن رفعها يديها إلى السماء تنتظر من الله أن يقطعهما يدل على أن إيمانها راسخ في بلاهة , فلذا قلنا إن إيمانها بلاهي 0
ولا تنسى الإيمان الكيدي , كإيمان عبدالله بن سلام وإخوانه من اليهود الذين أسلموا , فإنهم إنما أسلموا ليكيدوا لأهل الإسلام المكايد , ومكايدهم لأهل الإسلام مذكورة في كتب التاريخ فلا حاجة إلى ذكر شيء منها هنا 0
لقد ذكرنا ألواناً مختلفة للإيمان كان يقع في عهد محمد ولم نستقص الألوان كلها منا إنا نذكر من كل لون إلا ما يخص شخصاً واحداً , لأن أكثر من ذلك يستلزم التطويل ونحن نحاول الاختصار 0
ولا ريب أن لكل واحد ممن ذكرناه نظراء في إيمانه إلا أبا بكر فإنه في / 921/ إيمانه منقطع النظير 0 ولو أردت أن استثني هنا لقلت : خلا العباس فإنه وإن كان إيمانه يقصر عن إيمان أبي بكر من بعض الوجوه إلا أنه من نوعه ومن لونه , لأن العباس كأبي بكر كان موضع أسرار محمد قبل النبوة وبعدها 0
بقي هنا لون واحد من ألوان الإيمان نجعله خاتمة في هذا الموضوع وهو الإيمان التقليدي الذي يمثله من القرآن قوله : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ) (1) 0 والإيمان التقليدي لم يقع في عهد محمد 0 وإنما وقع في الجبل الثاني أي في التابعين الذي نشأوا بعد انقضاء الجيل الأول , واستمر راسخاً في القلوب مستحكماً في النفوس إلى يومنا هذا0 ومما لا مرية فيه أن الإيمان التقليدي يكون أقوى وأرسخ من الإيمان المنبعث عن أسباب غير التقليد 0 فإن الأرتداد عنه في هذا أسها وأسرع منه في ذاك , ولولا قوة الإيمان التقليدي لما لقي محمد من قومه كل تلك المقاومة والعداوة وهو يدعوهم إلى عبادة الله خالق الكائنات الأعظم , ونبذ الأصنام التي هي حجارة ينحتونها بأيديهم ثم يعبدونها كفعلهم مع الملوك 0فإن بين الملوك والأصنام مشابهة قوية ولذا قلت :
إن الملوك كالأصنام ماثلة الناس تنحتها والناس تعبدها
وأهل المذاهب والأديان سواسية في الإيمان التقليدي , فالمسلم مسلم لأنه نشأ من أبوين مسلمين , وكذا المسيحي واليهودي والصابئ والمجوسي وغيرهم من أهل الملل والنحل , كما قال المعري : / 922/
ما دان الفتى بحجى ولكن يعلمه التدين أقربوه
وينشأ ناشئ الفتيان منـــــا على ما كان عوده أبوه
فالحقيقة الناصعة التي لا غبار عليها والتي لا يمتري فيها إنسان ولا ينتطح فيها عنزان هي أن الدعوة الإسلامية قامت بالسيوف المرهفات لا بمعجزة القرآن ولا بغيرها من المعجزات 0 وأكبر ذليل على ذلك ارتداد العرب عن الإسلام بعد وفاة محمد 0 ولولا عزم أبي بكر وهمة خالد بن الوليد في قتال أهل الردة وإرجاعهم قهراً إلى الإسلام لكنا اليوم نقرأ خبر الدعوة الإسلامية في كتب التاريخ كخبر من أخبار الماضين 0 ولله در أبي العلاء إذ قال :
جلوا صارماً وتلوا باطلاً وقالوا صدقنا فقلنا نعم
وسنتكلم في فصولنا الآتية عن أمور تتعلق بالقرآن من جهة معانيه ومبانيه 0 ومنها تعلم كيف يكون الإعجاز في القرآن 0 ) يتبع 0

(1) تاريخ الخلفاء , ص 31 – (2) السيرة الحلبية , 1/ 316 ؛ سيرة ابن هشام , 1/ 291 – 292 –(1) السيرة الحلبية , 3/ 265 – 266 (1) السيرة الحلبية , 2/ 148 – (2) السيرة الحلبية , 3/ 31 – (3) السيرة الحلبية , 3/ 131- (1) سيرة ابن هشام , 1/ 246 ؛ السيرة الحلبية , 1/ 268 – (2) سيرة دحلان , 1/ 181 – 182 ؛ السيرة الحلبية , 1/ 276 – (3) السيرة الحلبية , 1/ 296 – 597 ؛ سيرة ابن هشام 1/ 291 – 292 (1) السيرة الحلبية , 1/ 296 – 297 ؛ سيرة ابن هشام , 1/ 291 – 292 – (2) السيرة الحلبية , 1/ 280 – 281 – (3) سنن النسائي , كتاب النكاح , الحديث رقم : 3289 – (4) السيرة الحلبية , 2/ 282 – (5) السيرة الحلبية , 2/ 283 – (1) السيرة الحلبية , 2/ 65 – (2) سيرة ابن هشام , 2/ 145 – (3) سورة الإسراء , الآية : 11 (1) الزخرف , الآية : 23 0
* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب والشاعر معروف الرصافي 0



:: توقيعي ::: إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات.
عبد الله القصيمي
  رد مع اقتباس
قديم 05-14-2017, 11:21 AM خلوووود غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [6]
خلوووود
عضو برونزي
الصورة الرمزية خلوووود
 

خلوووود is on a distinguished road
افتراضي ايات التحدي في القران




بقلم معروف الرصافي


الشخصية المحمدية


آيات التحدي في القرآن
هل الآيات القرآنية شكّلت تحديا لفقهاء العربية في حينها , وما هو الجديد في ذلك وأين يكمن الإعجاز في القرآن , ولماذا لم تتم المحافظة على قرآن مسيلمة , وسجاح التميمية وغيرهما من الذين ادعوا أنهم يستطيعون أن يكتبوا قرآنا يشبه قرآن محمد 0
(00في الآيات القرآنية الواردة في التحدي ما يدعو إلى الانتباه , وذلك أن آيات التحدي هي في سورة الطور : ( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ) (1) 0 وفي سورة يونس : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) (2) 0وفي سورة هود : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) (3) 0 وفي سورة الإسراء /908/ : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) (4) 0
إن هذه السور التي فيها آيات التحدي كلها من السور المكية , وترتيب القرآن مشوش لم ترتب آياته بحسب النزول , فلا نستطيع أن نعرف من ترتيب الآي أي آية من آيات التحدي نزلت أولاً 0 ولكنا إذ علمنا أن محمداً كان في جميع الأمور يتدرج إلى ما ير تدرجاً بحسب ما تدعو إليه الحاجة ويقتضيه الحال , كما أشرنا إليه فيما تقدم عند الكلام على أساس الدعوة , كان من الجائز أن نقول بأنه في التحدي أيضاً جرى على هذه الطريقة 0 وعندئذ ٍ نستطيع أن نقول بن آية الطور هي أول آية نزلت في التحدي , لأنها أبسط قول يقال في التحدي أول وهلة 0 ولا شك أن " الحديث " الوارد في قوله : ( فليأتوا بحديث مثله " يشمل الكثير والقليل حتى إنه يصدق على آية واحدة من القرآن , والإتيان بمثله في آية واحدة أو آيتين لا يجوز أن تتم به المعارضة , بل لا يجوز أن يعد معارضة أصلاً , لأن ذلك سهل متيسر لكل أحد , خصوصاً والآيات القرآنية فيها ما هو عبارة عن كلمة واحدة نحو : ( مداهمتان) (1) فإنها آية قرآنية وإن كانت كلمة واحدة 0
على أن الآيتان بمثله في آية أو آيتين مما وقع في أيام نزول القرآن من المسلمين ومن الكفار 0 ففي الإتقان قال: وأخرج مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن يهودياً لقي عمر بن الخطاب فقال له : إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو بنا , فقال عمر : ( من كان عدواً لله وملائكته وميكال فإن الله عدو للكافرين ) (2) , قال : فنزلت هذه الآية بعد ذلك كما قالها عمر (3) /909/ قال : وأخرج سنيد في تفسيره عن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ما قيل في أمر عائشة ( أي في الإفك) قال: ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) (4) , فنزلت كذلك 0 قال: وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما أبطأ على النساء الخبر في احد , خرجن يستخبرن , فإذا رجلان مقبلان على بعير, فقالت امرأة : ما فعل رسول الله ؟ قال: حي , قالت : فلا أبالي يتخذ الله من عباده شهداء ( تعني قتلى أحد ) , فنزل القرآن على ما قالت : ( ويتخذ منكم شهداء ) (5) 0 وفي الإتقان أيضاً : قال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا الواقدي : حدثني إبراهيم بن محمد شرحبيل العبدري , عن أبيه قال: حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد فقطعت يده اليمنى , فأخذ اللواء بيده اليسرى وهو يقول : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) (6) , فقطعت يده اليسرى , فحنى على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول وما محمد إلا رسول إلخ 00 ثم قتل فسقط اللواء 0 قال: وما كانت هذه الآية نازلة يومئذ ثم نزلت بعد ذلك (7) 0
فهؤلاء مسلمون من أصحاب رسول الله قد أتى كل منهم بحديث لم يكن قرآناً , ثم نزل به فصار قرآناً 0 وقد وقع مثل ذلك لبعض الكفار أيضاً , فقد ذكروا عن النضر بن الحارث أنه كان إذا جلس رسول الله مجلساً يحدث فيه قومه ويحذرهم ما أصاب من قبلهم من نقمة الله يخلفه في مجلسه , ويقول لقريش : هلموا فإني والله يا معشر قريش أحسن حديثاً منه, ثم يحدثهم عن ملوك فارس 0 قال صاحب السيرة الحلبية : ولما تلا ( أي النبي ) عليهم نبأ الأولين , قال النضر بن الحارث : قد سمعنا , لو نشأ لقلنا مثل هذا / 910/ ( إن هذا إلا أساطير الأولين ) (1) 0 وهذا الكلام حكاه بعد ذلك القرآن فصار آية قرآنية , قال صاحب السيرة الحلبية : وعند ذلك نزل الله تكذيباً له ( أي للنضر ) : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) (2) 0 ففي هذه الآية لم يتحدهم أو بسورة أو بعشر سور بل بمثل القرآن كله 0
ومن هذا القبيل ما قاله عبد الله بن أبي سرح فكان سبباً لارتداده على الأصح , وذلك أن عبد الله هذا اسلم وكان يكتب الوحي لرسول الله , فاتفق يوماً أن كان رسول الله يملي عليه آية نزلت , فأملى عليه : ( لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) (3) فكتبها , ثم أملى : ( ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) (4) فكتبها , ثم أملى : ( ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم إنشأناه , خلقاً آخر ) (5) , فلما كتب ذلك عبد الله تعجب من تفصيل خلق الإنسان , فقال: ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) (6) , فقال له رسول الله , اكتب ذلك , هكذا نزلت , فوقع من ذلك في نفس عبد الله ريب , فقال : إن كان محمد يوحى إليه فأنا يوحى إليّ , فارتد عن الإسلام ولحق بمكة وصار يقول لقريش : إني كنت أصرف محمد كيف شئت , كان يملي علي عزيز حكيم , فأقول : أو عليم حكيم , فيقول : نعم كل صواب , وكل ما أقوله يقول ك اكتب هكذا نزلت (7) 0
فمن هذا يظهر أن الإتيان بآية أو آيتين مثل القرآن أمر سهل قد يتفق لكل أحد أن يأتي به , فتحديهم بأن يأتوا بحديث مثله غير صحيح ولا مأمون فيه سوء العاقبة 0 فلذا عدل عنه / 911/ محمد متدرجاً في التحدي إلى ما هو أعلى من ذلك , فجاء بالآية الثانية: ( قل فأتوا بسورة من مثله ) (8)0
ولم يقف عند هذا الحد حتى جعلها عشر سور , ثم ارتقى إلى ما يقتضيه التحدي الصحيح الذي يتعذر أو يستحيل عادة أن يجيبه إليه أحد , وهو تحديهم بأن يأتوا بمثل القرآن من دون قيد بحديث أو سورة كما قال في الآية الأخرى : ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن ) (9) الخ 00 الآية 0 وهذا هو التحدي الذي ترجع فيه المعارضة خائبة خاسرة بلا شك ولا ريب 0 ولذا نراه يتكلم بجراءة واطمئنان واثقاً بعجزهم عمّا يريد منهم , حتى أنه لم يتحد الإنس وحدهم بل جعل الجن لهم معاونين تهويلاً عليهم وتأكيداً لعجزهم 0) يتبع0
(1) سورة الطور, الآية : 34 – (2) سورة يونس , الآية : 38 – (3) سورة هود , الآية 13 – (4) سورة الإسراء , الآية : 88 – 01) سورة الرحمن , الآية : 64 – (2) سورة البقرة , الآية : 98 – (3) الإتقان , 1/ 35 – (4) سورة النور ,الآية : 12 ؛ الإتقان , 1/ 35 – (5) سورة آل عمران , الآية : 140 – (6) سورة آل عمران , الآية : 144 – (7) الإتقان , 1/35 – سورة الأنعام , الآية : 35 ؛ سورة الأنفال , الاية : 31 ؛ سورة المؤمنون , الآية 83 ؛ سورة النحل , الآية : 27 – (2) سورة الإسراء الآية : 88 ( 3) سورة المؤمنون , الآية : 12 (4) سورة المؤمنون , الآية : 13 – (5) سورة المؤمنون , الآية : 14 – (6) سورة المؤمنون , الآية : 14 – (7) السيرة الحلبية , 3/ 90 – (8) سورة يونس ’ الآية : 38 – (9) سورة الإسراء , الآية : 88 –
* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب معروف الرصافي



:: توقيعي ::: إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات.
عبد الله القصيمي
  رد مع اقتباس
قديم 05-14-2017, 11:25 AM خلوووود غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [7]
خلوووود
عضو برونزي
الصورة الرمزية خلوووود
 

خلوووود is on a distinguished road
افتراضي محمد، سلاحه واثاثه




بقلم معروف الرصافي


الشخصية المحمدية


محمد، سلاحه واثاثه

ما هي الأسلحة التي كان يستخدمها النبي محمد وما هي أنواعها وماذا كان يسميها وما هو عددها ثم ما هو الأثاث الذي كان يستخدمه , وما هي أنواع هذا الأثاث الخ 0 (00 وكان له تسعة أسياف : منها سيف يقال له : مأثور وهو أول سيف ملكه , ورثه من أبيه وقدم به المدينة وسيف يقال له : العضب , أرسل به إليه سعد بن عبادة عند توجهه إلى بدر , وسيف يقال له : ذو الفقار ( بكسر الفاء وفتحها ) , وكان لا يكاد يفارقه في حرب من الحروب , وكان في وسطه مثل فقرات الظهر , ولذا سمي بذي الفقار , وكان صفيه الذي اختاره لنفسه من غنائم بدر , وكان للعاص بن وائل الذي قتل يوم بدر كافراً , ويقال : إن أصله من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة 0 وكانت قائمته وقبيعته وحلقته وذؤابته وبكراته ونعله من فضة وقائمة السيف مقبضه , وقبيعته ما على طرف مقبضه من فضة أو حديد و وذؤابته علاقته التي تكون في قائمته , وبكراته الحلق التي في حليته , ونعله ما يكون في أسفل غمده من حديد أو فضة 0 وسيفا يقال له : الصمصامة , وهو سيف عمرو بن معد يكرب 0 ومن سيوفه التي كانت له : القلعي نسبة إلى برج القلعة , موضع بالبادية , وسيف يقال له : الحتف وهو الموت , وسيف يقال له : الرسوب , سمي بذلك لأنه يرسب ويستقر في الضريبة , وسيف يقال له : المحذم , وهذا والذي قبله كانا معلقين / 514/ على صنم طيء الذي يقال له الفلس (1)0 وقال ابن القيم في زاد المعاد (2) 0 ودخل يوم الفتح مكة وعلى سيفه ذهب وفضة 0
وكانت له سبع أدرع : يقال لها : ذات الفضول , سميت بذلك لطولها , أرسل بها إليه سعد بن عبادة حين سار إلى بدر وكانت من حديد , وهي التي رهنها عند أبي الشحم اليهودي على ثلاثين صاعاً من الشعير 0 ودرع يقال لها : ذات الوشاح , ودرع يقال لها : ذات الحواشي , ودرع يقال لها : السفرية بالفاء0 قال صاحب السيرة الحلبية : والسفر موضع يصنع به الدروع , وقال في النور : والذي أحفظه من هذه الدروع السغدية بضم السين المهملة وبالغين المعجمة الساكنة ثم دال مهملة ؛ أقول : ولعلها منسوبة إلى السغد من بلاد الترك 0 ودرع يقال لها : الخرنق قيل لها ذلك لنعومتها , والخرنق بالأصل الفتي من الأرانب (3) 0
وكانت له ست قسي : وهي الزوراء والروحاء والصفراء , وكانت هذه من نبع وهو شجر تتخذ منه القسي ومن أغصانه السهام , والبيضاء , وهذه من شوحط , وهي سلاح بني قينقاع , والسداد , والكتوم قيل لها ذلك لانخفاض صوتها إذا رمى عنها , وهذه هي التي اندقت سيتها يوم أحد , وقيل التي كسرت يوم أحد هي الصفراء (4) 0
أما أتراسه , فترس يقال لها : الزلوق لأن السلاح يزلق عنه , وترس يقال لها : فتق ( بضم ففتح ) و وترس آخر أهدي إليه فيه تمثال عقاب وقيل كبش فمحا صورته (1)0
وكانت له خمسة أرماح : رمح يقال له المثوى ( بضم الميم وإسكان الثاء ) لأن المطعون به يقيم موضعه ولا ينتقل , ورمح يقال له : المنثني / 515/ وثلاثة رماح أصابها من سلاح بني قينقاع (2) 0 وكانت له حربة يقال لها : النبعة , وأخرى كبيرة تدعى البيضاء , وأخرى صغيرة شبه العكاز يقال لها : الغمرة , وكان يمشي بها أحياناً 0 وكان له مغفر من حديد يقال له الموشح لأنه وشح بشبه وهو النحاس الأصفر 0 ومغفر آخر يقال له : المسبوغ أو ذو المسبوغ 0 وكان له محجن قدر ذراع أو أطول يمشي به ويركب به ويعلقه بين يديه على بعيره 0 وكانت له مخصرة ( بكسر الميم وفتح الصاد ) تسمى العرجون ويقال لها : العسيب أيضاً 0 وكان له قضيب من الشوحط يسمى الممشوق , قيل : وهذا القضيب هو الذي كانت تتداوله الخلفاء (3) 0
وكانت له جعبة تدعى الكافور , ومنطقة من أديم منشور فيها ثلاث حلق من فضة والإبزيم من فضة والطرف من فضة 0 وكان له قدح يسمى الريان , ويسمى مغنياً أيضا , وقدح آخر مضبب بسلسلة من فضة 0 وكان له قدح من قوارير , وقدح من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه بالليل 0 والعيدان بفتح العين , ولعله القدح الذي يتخذ من جذوع النخل الطوال , فإن العيدان النخل الطوال والواحدة عيدانة 0 وكانت له ركوة تسمى الصادر , والركوة هي إناء صغير من جاد يشرب فيه الماء 0 وكان له تور ( إناء صغير ) من حجارة يتوضأ منه , وكان له مخضبب من شنة ( جلد يابس ) , وقعب يسمى السعة ومغسل من صفر , ومدهن , وربعة يجعل فيها المرآة والمشط ؛ والربعة هي سليلة مغشاة بالأدم , قيل وكان مشطه من عاج , وكانت له مكحلة يكتحل منها عند النوم ثلاثاً في كل عين بالإثمد 0 وكان له في الربعة المقراضان والسواك , وكانت له قصعة تسمى الغراء لها أربع حلق يحملها أربعة /516/ رجال بينهم 0 وكانت له قطيفة , وهي نسيج له خمل 0 وكلن له سرير قوائمه من ساج أهداه له أسعد بن زرارة 0 وكان له فراش من أدم حشوه ليف 0 وكانت مخدته من ادم حشوها ليف 0 وكان له مسح ( كساء من شعر ) ينام عليه يثنى بثنيتين ؛ وثني له يوماً أربع ثنيات فنهاهم عن ذلك , وقال ردوه إلى حاله الأول فإنه منعني صلاتي الليلة , أي أنه لوثارته كان سبباً لنومه فلم يستيقظ للصلاة 0 وكان ينام على الفراش ويتغطى باللحاف , وكان ينام على الفراش تارة وعلى النطع تارة ( بساط من الأديم ) وعلى الحصيرة تارة وعلى السرير تارة (4)0
" ملابسه"
كانت له عمامة تسمى السحاب كساها علياًَ , وكان يلبسها ويلبس تحتها القلنسوة 0 وكان يلبس القلنسوة اللاطئة أي اللاصقة بالرأس 0 أما القلانس الطوال فإنما حدثت في أيام الخليفة المنصور 0 وكان في الحروب يلبس القلنسوة ذات الآذان 0 وذات الآذان هذه هي شبيهة بما يسمونه اليوم بالشبقة من ملابس أهل الغرب , وكان أحياناً يلبس القلنسوة بغير عمامة ويلبس العمامة بغير قلنسوة (1) 0
وكان إذا اعتمّ أرخى عمامته بين كتفيه كما رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن حريث , قال رأيت رسول الله على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه (2) 0 يذكر في حديث جابر ذؤابة , فدلّ على أن الذؤابة لم يكن يرخيها دائماً بين كتفيه 0 /517/
وكان يلبس القميص , وكان أحب الثياب إليه , ومعلوم أن القميص كان لا يلبسه إلا ذوو السعة 0 أما ملابس سائر الناس من الفقراء فإزار ورداء 0 وكان قميصه من القطن قصير الكمين , إلى الرسغ وطوقه مطلق من غير أزرار0
وكان له جبة ضيقة الكمين 0 والجبة ثوب طويل يلبس فوق الثياب 0 وكان له رداء وبرد 0 قال الواقدي كان رداؤه وبرده طول ستة أذرع في ثلاثة وشبر , وكان يلبسهما يوم الجمعة والعيدين ثم يطويان 0 وكان إزاره من نسج عمان طول أربعة أذرع وشبر من عرض ذراعين وشبر 0 وكان له رداء أخضر طوله أربع أذرع وعرضه ذراعان وشبر , وهذا هو الذي تداولته الخلفاء 0 وكانت له ملحفة مورسة إذا أراد أن يدور على نسائه رشّها بالماء , أي لتظهر رائحتها 0 وكان يصبغ قميصه ورداءه وعمامته بالزعفران 0 وعن أبي هريرة قال خرج علينا رسول الله وعليه قميص أصفر ورداء أصفر وعمامة صفراء 0
وقد صحّ أنه اشترى السراويل وأنه لبسها , ففي الأوسط للطبراني ومسند أبي يعلى عن أبي هريرة قال دخلت يوماً السوق مع رسول الله فجلس إلى بزازين فاشترى سراويل بأربعة دراهم وأخذ رسول الله السراويل , فذهبت لأحمله عنه فقال : صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله إلا أن يكون ضعيفاً يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم , قلت : يا رسول الله , إنك لتلبس السراويل , قال : أجل في السفر والحضر وبالليل والنهار , فإني أمرت بالستر فلم أجد شيئاً أستر منه (4) 0
وكانت له حلة حمراء , والحلة إزار ورداء , ولا تكون الحلة إلا اسماً للثوبين معاً 0 قال ابن القيم وغلط من ظنّ أنها كانت /518/ حمراء بحتاً لا يخالطها غيرها 0 قال : وإنما الحلة الحمراء هذه هي بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرد اليمنية , وهي معروفة بهذا الاسم أي بالحمراء باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر (1) 0
وفي زاد المعاد : وروى الإمام أحمد وأبو داود بإسنادهما عن أنس بن مالك : أن ملك الروم أهدى للنبي مستقة من سندس فلبسها , فكأني أنظر إلى يديه باديتان 0 قال الأصمعي : المساتق فرى طوال الأكمام 0 قال الخطابي ويشبه أن تكون هذه المستقة مكفوفة بالسندس لأن الفروة لا تكون سندساً 0
وفي صحيح مسلم عن أسماء بنت أبي بكر قالت هذه جبة رسول الله , فأخرجت جبة طيالسية خسروانية لها لبنة ديباج وفرجاها مكفوفان بالديباج , فقالت هذه كانت عند عائشة حتى قبضت , فلما قبضت قبضتها , وكان النبي يلبسها فنحن نغسلها للمريض نستشفي بها (2) 0 واللبنة في قولها " لها لبنة ديباج " هي زيقها الذي ينفتح على النحر 0
وفي زاد المعاد , وكان له بردان أخضران وكساء أسود وكساء أحمر ملبد وكساء من شعر (3) 0 وفي الصحيح عن عائشة أنها أخرجت كساءً ملبداً وإزاراً غليظاً فقالت نزع روح رسول الله في هذين (4) 0 وفي سنن أبي داود (5) عن عبدا لله بن عباس , قال رأيت على رسول الله حسن ما يكون من الحلل , وعن أبي رمثة قال رأيت رسول الله يخطب وعليه بردان أخضران , والبرد الأخضر هو الذي فيه خطوط خضر لا أخضر بحت , كذا قال ابن القيم (6) 0
وكان يلبس الخفين ويلبس النعل الذي يسمى التاسومة , ولبس الخاتم0 قال ابن القيم , واختلفت الأحاديث هل كان في يمناه /519/ أو في يسراه , قال وكلها صحيحة السند , أي فيكون تارة لبسه في يمناه وتارة في يسراه 0 وفي زاد المعاد قال ولبس خاتماً من ذهب , ثم رمى به ونهى عن التختم بالذهب ثم اتخذ خاتماً من فضة ولم ينه عنه 0 وكان يجعل فصّ خاتمه مما يلي باطن كفه (7) 0 )00يتبع

(1) السيرة الحلبية , 3/ 329 0
(2) زاد المعاد , 2/ 139 0
(3) السيرة الحلبية , 3/ 329 , وقد سقط اسم الدرع السابع من لأصل , وهو التي يقال لها : فضة , ويقال لها : السعدية ( بالعين المهملة ) , وزاد الحلبي : ودرع يقال لها البتراء 0
(4) السيرة الحلبية , 3/329 0
(1) السيرة الحلبية , 3/329-330
(2) السيرة الحلبية , 3/330
(3) السيرة الحلبية , 3/ 330
(4) السيرة الحلبية , 3/335-343
(1) السيرة الحلبية , 3/342
(2) صحيح مسلم , كتاب الحج , الحديث : 2421
(3) صحيح مسلم , كتاب اللباس : 1657 0
(4) السيرة الحلبية , 3/ 343
(1) زاد المعاد , 3/141-142
(2) صحيح مسلم , كتاب اللباس والزينة , الحديث : 3855
(3) زاد المعاد , 3/ 142
(4) صحيح البخاري , كتاب فرض الخمس , الحديث : 2877 ؛ كتاب اللباس والزينة , الحديث : 3880 ؛ الترمذي , كتاب اللباس , الحديث : 1655
(5) سنن الترمذي , كتاب الأدب , الحديث : 2738
(6) زاد المعاد , 3/142
(7) زاد المعاد , 2/133

* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب والشاعر العراقي – معروف الرصافي



:: توقيعي ::: إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات.
عبد الله القصيمي
  رد مع اقتباس
قديم 05-14-2017, 11:34 AM خلوووود غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [8]
خلوووود
عضو برونزي
الصورة الرمزية خلوووود
 

خلوووود is on a distinguished road
افتراضي كيف نثبت أن القرآن معجز , وما هو التحدي الذي جاء به القرآن ليثبت ذلك




بقلم معروف الرصافي


الشخصية المحمدية


كيف نثبت أن القرآن معجز , وما هو التحدي الذي جاء به القرآن ليثبت ذلك 0

(00 إن مسألة إعجاز القرآن من المسائل التي عني بها علماء الإسلام منذ أواخر القرن الثاني للهجرة , حتى أفردوها بالتأليف , وقد ألف فيها جماعة منهم القاضي الباقلاني وكتابه أحسن كتاب ألف فيها كما يقولون 0
وأنت إذا نظرت في كتبهم بإمعان وقرأتها بتدبير رأيتهم يتكلمون عن إيمان واعتقاد لا عن تدبر وتفكير 0 ولا ريب أن الإنسان إذا تكلم في أمر ديني يؤمن به ويعتقد بصحته كان منحازاً إليه في كل ما يقوله عنه , وكان إيمانه به واعتقاده بصحته حجاباً دون كل ما خالفه أو أزرى به , وقد قيل الحب يعمي ويصم , ولا ريب أن الإيمان كالحب يعمي ويصم أيضاً , فكما أن الحب يعمي صاحبه عن معايب الحبيب , وكذلك الإيمان بكمال شيء يعمي صاحبه عن نقائصه 0 ولذا تراهم بما قالوه وادعوه مبالغين في إعظام القرآن ومفرطين فيما يدعون من إعجازه , كما تراهم جعلوا كل / 898/ ما فيه الذروة العليا من البلاغة والفصاحة , واتخذوه المقياس الأعلى الذي تقاس به درجات البلاغة , فلا يرون له عيباً ولا يسمعون عليه من خصومهم حجة , ولا يقبلون منهم برهاناً 0 فبالنظر إلى هذا أصبح موضوع إعجاز القرآن ليس بموضوع فني أدبي , وإنما هو ديني بحت 0 فكل من شذ عنه فهو في نظرهم كافر , وكل من خالفه فهو في رأيهم ملحد0 فمسألة إعجاز القرآن أصبحت من المسائل الدينية التي لا يغني فيها العقل ولا تنفع فيها الحجة , لأن المسائل الدينية ما التقى فيها خصمان إلا افترقا لما التقيا , وكل منهما منشد بلسان حاله قول من قال :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض ٍ والرأي مختلف
نقول على فرض أنهم في أقولهم صادقون وفيما يدعونه مخلصون , وإلا فنحن من ذلك في شك مريب , وإن جاز لدينا أن يكون فيهم من هو صادق في قوله ومخلص في دعواه 0 وهذا كتاب القاضي الباقلاني قد قالوا أنه أحسن كتاب ألف في إعجاز القرآن , ولكن كل من طالعه بتروٍ وقرأه بتدبر وإمعان أيقن أن مؤلفه من الرعيل الأول من المرائين , وأنه بتأليفه من طلاب الدنيا لا من طلاب الحقيقة , ولولا الخروج عن صدد ما نحن فيه لأتيت هنا بأدلة وشواهد على ذلك من كتابه المذكور 0
وإنّ مسألة إعجاز القرآن إن اعتبرت مسألة فنية أدبية محضة لكان للمنطق فيها مجال , وللحجج والبراهين فيها حيال ونزال , ولكن كيف والأفكار غير حرة , وأين والعقائد التقليدية دائبة مستمرة 0 وأيضاً إن الذين كتبوا في تفسير القرآن وفي إعجازه لم ينشأوا / 899/ إلا في القرن الثاني , ولم تطلق إذ ذاك للفكر ولا للقول حريته , وغي هذا القرن نشأ الإيمان التقليدي الذي يكون المرء فيه تابعاً لدين أبويه 0 والذي هو أقوى وأرسخ في قلوب أصحابه من الإيمان الناشئ من أسباب غير التقليد 0 وسيأتيك الكلام عن الإيمان وعن ألوانه قريباً 0
وكيف تطلق للناس حرية أفكارهم وأقوالهم في عصر كل ما فيه قائم باسم الدين , فالدولة والحكومة والخليفة والملك والأمير والوزير والقاضي والقائد والجيش , كل ذلك مصبوغ بصبغة الإسلام ومخضوب بخضاب ديني لا نصول له منه 0 فليس من مصلحة أحد من هؤلاء أن تكون الأفكار حرة خصوصاً في الدين وصبغته , بل رجال الحكم كلهم ولا سيما كبيرهم يعملون في جانب هذه الصبغة على بقاء ما كان على ما كان , ويراقبون النصول منها في السواد الأعظم بمكل ما عندهم من حول وطول 0
وإن هذه الحالة دائمة مستمرة إلى يومنا هذا , بل هي في زمننا أشد وأنكى , فلا يستطيع أحد منا اليوم أن يكتب كل ما كتبه كتاب السيرة النبوية في عصر التدوين , فضلاً عن نقاشهم فيما رووه وذكروه 0 هذه مصر , وفيها من أهل العلم والأدب من فيها , فلا يستطيع أحد منهم أن يكون حراً في أفكاره إذا خطب أو كتب إلا فيما لا يمس الدين , وقد كتب الدكتور حسين هيكل كتاباً في السيرة النبوية لم يأت فيه بأكثر مما قاله الأولون , لأنه غير حر فيما يكتب ويقول , وكيف يكون حراً وهو يرى الجامع الأزهر مطلاً عليه بعمائمه المكورة على اللجاجة ترقبه بعين الغضب إذا حاد عن طريقها لكي تثور عليه وتمور ومن ورائها السواد الأعظم 0
ولا ريب أن هذه الحالة أينما وجدت وجد الرياء فهو معها , / 900/ لا يفارقها في كل زمان ومكان 0 ولله در أبي العلاء إذ قال :
أرائيك فليغفر لي الله زلتي فديني ودين العالمين رياء
والرياء , قبحه الله , من أكبر الرذائل الاجتماعية لأن فيه التمويه والتضليل وكلاهما من سموم السعادة في الحياة الاجتماعية 0
قلنا : إن الذين كتبوا في إعجاز القرآن لم يتكلموا عن تدبر وتفكير (1) 0 ولو يكونوا أحراراً في أفكارهم , وإنما تكلموا عن إيمان واعتقاد , وذلك وحده كاف لانحيازهم إلى القرآن 0 زد على ذلك أن منهم المخلص في إيمانه ومنهم غير المخلص , فيجوز أن يكون غير المخلص مندفعاً إلى كتابة ما كتبه بدافع الرياء إما لنيل منصب يعلو به , وإما لشهرة يكبر بها , أو غير ذلك مما تتطلبه مصلحته الذاتية في محيط كل ما فيه قائم بأسم الدين 0
فإن قلتُ : في الزمان الذي نشأ فيه من ألفوا كتباً في إعجاز القرآن قد نشا أناس من الزنادقة أيضاً وهم أحرار في أفكارهم , فلماذا لم يردوا على هؤلاء ما قالوه في إعجاز القرآن ؟ قلت ُ : نعم قد نشأ معهم أناس من الزنادقة أيضاً , ولكنهم ليسوا بأحرار في أفكارهم كما تقول , بل كانت عقوبة الزندقة القتل إذا تكلم بما يخالف الدين 0 وقد قتل العباسيون كثيراً من الزنادقة , ولم يكتفوا بقتلهم بل محوا كل ما كتبوه وطمسوا كل أثر تركوه , فأين ما كتبه أولئك الزنادقة وأين الدامغ لابن الراوندي 0
وكذلك فعل الرواة الأولون والذين دونوا السيرة النبوية , فإنهم طمسوا كل ما قاله خصوم محمد من الشعراء وغيرهم فلم يصل إلينا / 901/ من أقوالهم إلا النزر اليسير الذي لا يعتد به , ولم يذكروا لنا من شعر أمية بن أبي الصلت إلا شيئاً قليلاً , ولا من قرآن مسيلمة إلا جملة أو جملتين , ولو أنهم ذكروا لنا ذلك لكنا على بصيرة في الحكم بينهم وبين محمد أكثر مما نحن عليه اليوم 0
وإن ابن هشام صاحب السيرة المشهورة قد جنى على العلم والأدب جناية كبرى باختصاره سيرة ابن إسحاق , فإنه لم يختصرها بل قتلها قتلاً وحشياً فلم يبق منها إلا الاسم , ففقدت سيرة ابن إسحاق التي كتبها مطولة والتي اختصرها هو بأمر المنصور, فلا يوجد اليوم لها أثر , فأسفاً على ما أصيب به العلم من فقدها 0
* التحدي والمعارضة
ومهما يكن فإني هنا لا أريد أن أذكر لك شيئاً مما قالوه في إعجاز القرآن اللهم إلا ما مست الحاجة إلى ذكره مما لا بد منه , فإن كتبهم متداولة فارجع إليها إن شئت 0 وإنما أذكر لك ما أراه وأشعر به وما كنت أفكر فيه منذ زمان 0 وقبل الدخول في الموضوع أقول كلمة في معنى التحدي والمعارضة ؛ يقال : تحدى فلان فلاناً إذا نازعه الغلبة ودعاه إلى أن يفعل مثل فعله ليعلم أيهما الغالب , ويقال : عارض فلان فلاناً بمثل صنيعه إذا فعل مثل فعله وأتى إليه بمثل ما أتى به , كما هو مذكور في كتب اللغة 0
هذا , واعلم , وفقك الله , أن أفعال البشر قسمان , جسمانية وروحانية و أو بعبارة أخرى جسمية وقلبية , لأن النحاة قد سموا علم وأخواتها بأفعال القلوب و وعنوا بذلك الأفعال التي تقوم بالنفس لا بالجسم كالعلم والظن والمخالة والحسبان / 902/ ( بكسر الحاء ) , وأن الناس في أفعال القلوب مختلفون كل الاختلاف , وبعيدون عن التساوي فيها كل البعد حتى يكون أحدهم منها في الثريا والآخر في الثرى 0
يجوز أن يساوي أحدهم الآخر كل المساواة ويماثله كل المماثلة في أفعاله الجسمانية , ولكن لن يجوز ذلك في أفعال القلوب , فإن لكل واحد منهم في فعله القلبي درجة خاصة به لا يشاركه ولا يساويه فيها غيره , كما أن لكل واحد منهم في وجهه سحنة وملامح لا يماثله فيها غيره من الناس 0 وما يظهره في وجوه بعض الناس من المشابهة إنما هو تقارب في السحنة وليس هو إذا أنعمت النظر بمشابهة مطلقة 0 قلت َ : لماذا كان الناس هكذا في أفعال قلوبهم ؟ قلتُ : لأن الله كذا خلقهم وعلى هذا جبلهم وأفعال الله لا تعلل 0 وهنا أتذكر ما أجاب به أحد النحاة ( وأظنه الكسائي ) لما سألوه عن وجوه استعمال " أي" وما يعتورها من الإعراب والبناء فقال : أي كذا خلقت 0
ولا ريب أن الكلام الذي يتفاهم به الناس هو المعنى الذي يحيك في القلوب ويجول في النفوس , وما الألفاظ سوى آلة محدودة وواسطة لأدائه , وهي معدودة محدودة , والمعنى واسع بلا حد , وبحر بلا ساحل ولذا قلت في قصيدة :
وفي النفس ما أعيا العبارة كشفه وقصر في تبيانه النظم والنثر
أرى اللفظ معدوداً فكيف أسومه كفاية معنى فاته العد والحصر
فالكلام إذن باعتباره أنه المعنى يعد من أفعال القلوب , بل هو أجلها وأعظمها في الذروة العليا منها , ولذا امتاز به الإنسان على الحيوان الأعجم 0
إذا علمت هذا فاعلم أن معارضة الكلام والإتيان بمثله من كل الوجوه تكاد تكون من المستحيلات 0 نعم , تجوز المقاربة على سبيل التقليد , فقد يوجد في الناس من له قدرة فطرية على تقليد أفعال من شاء من الناس وأقوالهم , فتراه يعمد إلى واحد من الناس فيقلده فيمشي مثل مشيه , ويجلس مثل جلوسه , وينظر مثل نظره , ويتلهج في الكلام مثل لهجته حتى تقول كأنه هو 0 ولكن هذا تقليد , والمقلد في الكلام لا يعد معارضاً لأنه لم يأت بشيء من عنده وإنما هو ناسخ كالذي ينسخ كتاباً من كتاب , كما فعل مسيلمة إذ حاول أن يقلد بكلامه القرآن فلم يأت إلا بسخيف لا طائل فيه كقوله : " لقد أنعم الله على الحبلى , أخرج منها نسمة تسعى , من بين صفاق وحشا " , وكقوله : " والطاحنات طحناً , والعاجنات عجناً , والخابزات خبزاً والثاردات ثرداً , واللاقمات لقماً " , كما في السيرة الحلبية (1) 0 ففي كلامه هذا تقليد لأسلوب القرآن بل هو مسلوخ من القرآن سلخاً 0
نقول هذا بالنظر إلى هذا الذي وصل إلينا من كلامه , ولو أنهم ذكروا لنا كل ما قاله لجاز أن نحكم غير هذا الحكم , على أن محمداً لم يتحدَّ الناس بآية أو آيتين , وإنما تحداهم بسورة ولم يذكر الرواة لنا سورة من قرآن مسيلمة 0
ولكن مسيلمة على علاته وعلى خلوه من كل صفة تأهله للنبوة قد آمن به كثير من الناس فاعتز بهم , حتى إن جيشه لما قاتل المسلمين في حروب الردة كان أكثر من عشرة آلاف مقاتل , وقد هزم / 904/ جيشين للمسلمين , فجاءه خالد بن الوليد بجيش ثالث لا يزيد على أربعة آلاف من المسلمين , فالتقى بهم خالد في عقرباء ( منزل من أرض اليمامة ) فوقعت بين الفريقين يوم عقرباء ملحمة كبرى سالت فيها الدماء , وكاد جيش خالد ينهزم لولا أن تداركه قائده البطل المغوار بهمته العالية وبطولته الفذة , ثم انجلت المعركة عن قتل مسيلمة وتمزيق جيشه شر ممزق بعدما خسر أكثر من ثلاثة آلاف قتيل , كما خسر خالد أيضاً من جيشه ما يزيد على ألف قتيل (1) 0 ولولا قوة عزم أبي بكر وعلة همة خالد لكان مسيلمة شأن غير شأنه اليوم 0
على أن مسيلمة مهما كان فسلاً من الفسول فهو خير من طليحة الأسدي والأسود العنسي ومن سجاح التي ادعت النبوة في عهده , وكل هؤلاء وجدوا لهم اتباعاً آمنوا بهم وصدقوهم , ولله در أبي العلاء إذ قال في لزومياته :
إني رأيت بني الزمان لجهلهم بالدين أمثال النعام أو النعم
لو قال سيد غضا بعثت بملة من عند ربي قال بعضهم نعم
لقد أخرجنا شؤم مسيلمة عن صدد الكلام , فلنرجع إلى ما نحن فيه 0 إذا كان الكلام من أفعال القلوب , وكانت المعارضة فيه من المتعذرات إن لم نقل من المستحيلات , فقد علمنا شأن المعارضة وعلمنا مبلغها من النجاح , ولو أن المتنبي مثلاً أراد أن يعارض قصيدة من شعر غيره لما جاز أن يأتي بمثلها من كل الوجوه 0 ومن العبث دخول الشاعر أو الكاتب في المعارضة لأنها تؤول إلى نقصه على كل حال , وهذا الشاعر المصري شوقي عارض ميمية البوصيري / 905/ المسماة بالبردة فلم يأت بمثلها , وإنما أتى بما هو دونها عدا ما هو ظاهر في قصيدته من التكلف 0 ولشوقي شعر لا تطمع فيه نفس البوصيري , وما ذاك إلا أن لشوقي روحاً غير روح البوصيري , والكلام فعل روحاني كما قلنا , فلا يستطيع شوقي أن يلقي على قصيدته روحاً مثل روح البوصيري في ميميته 0
وهذا المعري قيل إنه عارض القرآن في كتابه المسمى بالفصول والغايات , وقد طبع حديثاً في مصر من هذا الكتاب , فلما اطلعت عليه قلت : وأين الثريا من يد المتناول 0
وقبل كل شيء إن أسلوب المعري في كتابه هذا أسلوب عامي مبتذل , وأسلوب القرآن أسلوب خاص مبتكر , فكيف يعارض القرآن بكتاب جلّ ما فيه أن كاتبه جمع في عباراته شيئاً من غريب اللغة , وطرفاً من أخبار العرب ومن أشتهر منهم بما يزين أم بما يشين , وما اشتهر من خيولهم ونوقهم , وشيئاً من أقوال النحاة ومصطلحاتهم في الشعر وأوزانه وقوافيه , إلى غير ذلك من الأمور التي يجدها في الكتب من أرادها على وجه أوسع وأنفع مما جاء به المعري في الفصول والغايات 0
نعم , إن المعري في كل ما قاله في كتابه هذا يرمي إلى تنزيه الله وتقديسه وبيان ما له من عظمة وجبروت , وما له من رحمة واسعة وغفران , وما له من قدرة عظيمة لا يعجزها المحال ولا تؤودها الثقال , ولكنه يأتيك بهذا في مواضيع لا تناسبه ولا تلائمه , وإليك فصلاً منه قال في سعة رحمة الله وعفوه وغفرانه : / 906/
"" لا أيس من رحمة الله , ولو نظمت ذنوباً مثل الجبال سوداً كأنهن بنات جمير , ووضعتهن في عنقي الضعيفة كما ينظم صغار اللؤلؤ فيما طال من العقود 0 ولو بنيت بيتاً من الجرائم أسود كبيت الشعر يلحق بأعنان السماء , ويستقل عموده كاستقلال عمود الوضح , ويمتد إطنابه في السها والجبل كامتداد حبال الشمس , لهدمه عفو الله حتى لا يوجد له ظل من غير لباث " 0 فأين هذا مما جاء في القرآن من قوله : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله , إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ) (1) 0 فالمعري مسف في كثير من كلامه الذي ضمنه هذا الكتاب , وليس هو كذلك في لزومياته التي كتبها بعد هذا الكتاب , فإنك تراه فيها محلقاً في تفكيره إلى ذرى لا يصل إليها إلا الأفذاذ من المفكرين 0 وإني أستبعد كل الاستبعاد أن يكون المعري قصد بكتابته هذا معارضة القرآن 0
وخلاصة القول إن إتيان المعارض بمثل ما عارضه من الكلام متعذر , وأن محمداً يعلم هذا حق العلم فلذا تراه بكل سكينة واطمئنان وبكل جراءة واستبسال يتحدى قومه قائلاً : ( فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ) (2) 0 ولم يبلغنا أن أحداً بسورة قصد معارضة القرآن , وإن كان القرآن يحكي شيئاً كثيراً من كلامهم 0 ولو أن أحدهم قصد ذلك لما كان إلا مغلوباً , لأن الذي يعارض القرآن يجب قبل كل شيء أن يكون ذا روحانية كروحانية محمد , وذا ذكاء كذكائه وخيال كخياله ومعرفة بالله كمعرفته , وعلم بأخبار الماضين من الأمم وأنبيائهم كعلمه , ويجب بعد هذا كله أن يكون ذا عارضة كعارضة محمد , ولم يكن فيهم من هو كذلك سوى محمد , فلا يستطيع / 907/ أن يعارض القرآن ويأتي مثله إلا محمد نفسه 0 زد على ذلك أن أسلوب القرآن مما لم تألفه العرب ولم تعرفه بل هو أول من ابتدعه كما مر 0
هذا في عهد محمد 0 وأما في الزمان الذي بعده فلأن الذي يعارض القرآن إن أتى بمثله من كل الوجوه كان مقلداً لا معارضاً , كما هو ظاهر في كلام مسيلمة الذي ذكرناه آنفاً , وعندئذ ٍ يقال له يا هذا إنك تقلد القرآن تقليداً وتسلخ كلامك منه سلخاً , وليس هذا بمعارضة , فأتنا بشيء من عندك إن كنت قادراً 0 والمعارض إن لم يقلد القرآن ولم يماثله بل جاء بما يغايره كان مغلوبا لا محالة لأن القرآن كله عندهم في الذروة العليا من البلاغة والفصاحة , ولأنه المقياس الأعلى الذي لا تقاس بلاغة الكلام إلا به , فكل ما غايره وخالفه لا يمكن أن يكون بليغاً في رأيهم 0 عندئذ ٍ يقال له قبحت من معارض , أين كلامك هذا من القرآن 0 هذا إذا لم يريدوا أن يضربوه أو يقتلوه كفراً 0 ) يتبع 0
(1) سورة الشعراء , الآيتان : 193 – 194 0(2) اعتمد المؤلف في هذا الفصل على الإتقان , 1/ 39 – 44- (1) السيرة الحلبية , 3/ 224 – (1) تاريخ الطبري , 3/ 141- 150 – (1) سورة الزمر , الآية 530 – (2) سورة البقرة الآية : 23 0
* من كتاب الشخصية المحمدية للكاتب العراقي – معروف الرصافي



:: توقيعي ::: إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات.
عبد الله القصيمي
  رد مع اقتباس
قديم 05-14-2017, 11:43 AM خلوووود غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [9]
خلوووود
عضو برونزي
الصورة الرمزية خلوووود
 

خلوووود is on a distinguished road
افتراضي كان الناس امة واحدة ففرقهم الله بالانبياء.

لشخصية المحمدية


كان الناس امة واحدة ففرقهم الله بالانبياء.

سورة البقرة : ( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلوا فيه , وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات ) (2) إن هذه الآية تخبر بصراحة أن الناس كانوا في الزمان الأول أمة واحدة لا اختلاف بينهم , وفي كونهم كذلك وجهان أحدهما أنهم كانوا أمة واحدة في الحق وفي الإيمان بالله , فكانوا كلهم أهل دين واحد غير مختلفين فيما بينهم , والثاني أنهم كانوا أمة واحدة في الكفر غير مختلفين فليس بينهم من يقال له هذا مؤمن ولا من يقال له هذا غير مؤمن بل كلهم كفار متفقون على الكفر
فإن قلتَ بصحة الوجه الثاني دون الأول :
أن معنى الآية وأن الناس كانوا في الزمان الأول , أي قبل ما بعث الله النبيين , كفاراً أمة واحدة في الكفر , فبعث الله إليهم الأنبياء وأنزل معهم الكتاب فآمن به من آمن من الناس وكفر به من كفر , وأن الاختلاف إنما وقع بين الذين أوتوا الكتاب بعد إنزاله إليهم , فيفهم من هذا أن الأنبياء هم الذين سببوا اختلاف الناس في الشرائع والأديان , وأن الله لو لم يبعث الأنبياء إليهم لبقوا كلهم أمة واحدة على الكفر وعندئذ ٍ يقال: إن بقاء الناس أمة واحدة على الكفر خير لهم من أن يكونوا مؤمنين مختلفين فيما بينهم يكفر بعضهم بعضاً ويعادي بعضهم بعضاً عداوة لا داعي إليها سوى الاختلاف في الدين
فإن قلتَ : إن معاداة الناس بعضهم بعضاً هي من سجاياهم التي جبلوا عليها , فلو بقي الناس أمة واحدة على الكفر لتعادوا أيضاً فليس الاختلاف الديني هو السبب الوحيد لتعاديهم , قلتُ : نعم أن التعادي طبيعة في الناس فلو أنهم بقوا على الكفر أمة واحدة لتعادوا أيضاً كما تقول , ولكن هذه العداوة لا تكون إلا لسبب يسببها وداع يدعو إليها كقتل أحدهم الآخر أو نهب ماله أو هتك عرضه أو نحو ذلك من الأمور التي تسبب التعادي , فليست هذه العداوة كالعداوة الناشئة من الاختلاف الديني فإنها لا تستندإلى داع من دواعي التعادي وإنما تكون لوجه الله حتى تقع بين المرء وأخيه وبينه وبين جاره كما تقع بين أجنبيين لم يعرف أحدهما الآخر أو لم يره يوماً لا في اليقظة ولا في المنام , وإنما يعادي أحدهما الآخر لمجرد أنه يخالفه في دينه مخالفة لا تلحقه منها أية مضرة , فالمسلم يهين اليهودي ويحتقره لمجرد أنه يهودي , واليهودي يغش المسلم ويكيد له في الخفاء لمجرد أنه مسلم لا لشيء آخر

فإن قلتَ : إن الأديان لا تأمر أهلها بمعاداة من خالفهم في دينهم , قلتُ ليس في القرآن ولا في غيره صراحة بالأمر بها ولا بالنهي عنها, ولكن الواقع في كل زمان ومكان هو ما قلناه من أن أهل الأديان متعادون لمجرد اختلافهم فيها حتى أن أهل الدين الواحد متعادون أيضاً لمجرد اختلافهم في مذاهبهم المتشعبة من دينهم , وإليك آية من سورة المائدة في القرآن : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء, بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) (1) 0 أليس في هذه الآية ما تشم منه رائحة المعاداة , فإني أجدها تفوح فوحاً , إن الولي في أشهر معانيه يطلق على المحب والصديق , وإذا نهاني ربي عن اتخاذ زيد مثلاً ولياً فإن لم أكن له عدواً فلا أقل من أن أكون على شفا جرف من عداوته
وقد علق الزمخشري في تفسيره على قوله في الآية : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) فقال: وهذا تغليظ من الله وتشديد في وجوب مجانبة المخاف في الدين واعتزاله كما قال رسول الله لا تراءى نارهما , ثم ذكر ما جرى لعمر بن الخطاب مع أبي موسى الأشعري في البصرة وذلك لما بلغه أن أبا موسى اتخذ كاتباً نصرانياً كتب إليه بإقصائه عنه, وقال في كتابه لا تكرموهم إذ أهانهم الله ولا تأمنوهم إذ خونهم الله ولا تدنوهم إذ أقصاهم الله , فكتب إليه أبو موسى : إنه لا قوام للبصرة إلا به , فأجابه عمر قائلاً : مات النصراني والسلام , يعني هب أنه مات فما كنت تكون صانعاً حينئذ ٍ فاصنعه الساعة واستغن ِ عنه (2)

إنني أحترم عمر حرمة كبيرة لأسباب لست في مقام ذكرها فلا أود أن يصدر منه مثل هذا , ولكني مع ذلك أعذره ولا ألومه لأنه لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه وإنما فعله عملاً بأوامر الدين ونواهيه , على أننا لو فرضنا أن الأديان أمرت بالموالاة ونهت عن المعاداة لرأينا الواقع بخلافه أيضاً , ألا ترى أهل المذاهب في الإسلام كيف يعادي بعضهم بعضاً لمجرد اختلافهم في المذهب وإن اتحدوا في الدين وهم قد أمرهم الله بالتآخي , فرحم الله المعري بما قال:
إن الشرائع ألقت بيننا إحناً وعلمتنا أفانين العداوات
وهؤلاء النصارى وقد أمرهم دينهم بحب أعدائهم على ما يقولون , ولكن الواقع منهم خلاف ذلك يجوز أن يحب النصراني عدوه من النصارى ولكن لا يجوز أن يحب عدوه من المسلمين أو اليهود بل لا يجوز أن يحب المسلم أو اليهودي وإن لم يكن عدوه فبالنظر إلى أن اختلاف الناس في الأديان إنما حصل من بعث الأنبياء إليهم بعدما كانوا أمة واحدة كما في الآية التي هي موضوع كلامنا ألا يحق لمن رام السؤال أن يسأل فيقول ماذا حصل للناس بإرسال الأنبياء من المنفعة سوى الاختلاف والتعادي ولو سأل سائل متى كان الناس أمة واحدة لعجز عن جوابه العقل والعلم والتاريخ ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً



:: توقيعي ::: إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات.
عبد الله القصيمي
  رد مع اقتباس
قديم 05-14-2017, 11:52 AM خلوووود غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [10]
خلوووود
عضو برونزي
الصورة الرمزية خلوووود
 

خلوووود is on a distinguished road
افتراضي

لمن اراد استكمال باقي الكتاب يرجع لموقع الذاكره

http://www.alzakera.eu/music/religon/religon-0051-9.htm



:: توقيعي ::: إن العقل الذي لا يتناقض هو العقل الذي قد مات.
عبد الله القصيمي
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
الأحمدية, الشخصية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عن النقد الديني واحترام الحريات الشخصية واستصلاح العقول حكمت حول الإيمان والفكر الحُر ☮ 3 06-05-2019 06:17 PM
بشأن الصورة الشخصية! Human being ساحة الاعضاء الجدد Ω 1 04-25-2019 05:40 PM
تقليد المسيحية في معجزات الولادة المحمدية تهارقا العقيدة الاسلامية ☪ 12 07-10-2018 04:44 PM
ثقافه الجنسية المحمدية الختان اورانوس العقيدة الاسلامية ☪ 4 09-09-2017 09:02 PM
الأحمدية تغزو العالم..وتقضي على الالحاد..! شمس العقيدة الاسلامية ☪ 137 10-04-2015 02:05 PM