![]() |
|
|
|
رقم الموضوع : [1] |
|
باحث ومشرف عام
![]() |
كبي دي إف أنيق مفهرس إلكترونيا من هنا أو من هنا أو من هنا
وللتحميل كملف وورد من هنا ما يرد أدناه هو مسودات سبق إرسالها خاصة بالكتاب، والكتاب المقدَّم رابطه أعلاه أكثر دقة ونظامًا ووفرة في بعض المواضيع مدونتي الإهداء إلى الحركات الإرهابية كداعش وحركة الشباب الصومالية والقاعدة اخسؤوا لكم الخزي لأنكم تسيرون عكس عقارب ساعات الزمن [/size]تمهيد من أقوال مفكرين وشعراء "....لكنني استنتجت في كل مكان كم ينسج الناس من روايات الخيال لكي يتجنبوا رؤية العالم وجهاً لوجه. إن خلق العوالم الخلقية لم تكن لتكون فظيعة لولا أن ثمنها عظيم: نسيان الواقع، وبالتالي إهمال مذنِب للعالَم الوحيد الموجود. عندما يتخاصم الإيمان مع قانون الأسباب الملازمة، أي مع الذات، تتصالح الفكرة الإلحادية مع الأرض، ذلك الاسم الآخر للحياة." ميشيل أونفراي، نفي اللاهوت ص 13 من الترجمة العربية إنني لا أحمل أي احتقار للمؤمنين ولا أجدهم مثار سخرية أو مبعث شفقة، ولكن يصيبني اليأس أن أراهم يفضلون تخييلات الأطفال المهدئة على يقينيات الراشدين القاسية: إنهم يفضلون الإيمان المسكّن على العقل الذي يشغل البال، حتى لو كان ثمن ذلك طفولية ذهنية. تلك إذن عملية مراوغة ميتافيزيقية ثمنها ضخم وهائل. وبذلك فأنا أشعر بما يصعد دائماً من أعماق أعماقي كلما شهدتُ عملية استلاب فكريّ بيّن: أحس بتعاطف تجاه الشخص المخدوع يصاحبه غضب ضد أولئك الذين يخدعون الناس باستمرار. فلا أحمل ضغينة تجاه الإنسان الساجد هناك، ولكني أحمل بالمقابل إيماناً راسخاً بأن لا أسالم أبداً من يدعونهم إلى هذه الوضعية المهينة ومن يجعلونهم يستمرون فيها. فمن يستطيع احتقار الضحايا؟ وكيف العدول عن محاربة جلاديهم. إن البؤس الروحيّ يولِّد التخلي عن الذات والتضحية بالنفس، إنه يساوي البؤس الجنسي والعقلي والسياسي والفكري وغيره من بؤس آخر، غريب كيف أن مشهد حمق واستلاب الجار يستثير ابتسام سخرية من يغفل عن رؤية حمقه واستلابه هو. إن المسيحي الذي يأكل السمك يوم الجمعة يبتسم من رؤية المسلم يرفض أكل لحم الخنزير، ويستهزئ من اليهودي وهو يرد القشريات...وينظر المتعبد اليهودي الذي يتهزهز أمام حائط المبكى باندهاش للمسيحي الجاثي قبالة مركع صلاته، في الوقت الذي يطرح المسلم سجادته صوب مكة. ومع ذلك فلا أحد بينهم يستنتج أن القشة في نظر الجار تساوي العارضة في نظره هو، وأن الروح النقدية الدقيقة المرحَّب بها دائماً كلما تعلق الأمر بالغير ستنتصر كثيراً لو امتدت لتُطبَّق على السنن الذاتية. إن ميل الناس إلى السذاجة والتصديق يفوق كل تصور، وإن رغبتهم بعدم النظر لما هو بديهي وتطلعهم لرؤية عالم أكثر بهجة، حتى لو كان هذا العالم من جنس الخيال المطلق، وكذا استعدادهم لعدم التبصر، لا تعرف حدوداً. إنهم يفضلون الخرافات والخيالات والأساطير والحكايات الجديرة بالأطفال بدل رفع اللثام عن حقيقة العالم القاسية التي تجبر المرء على تحمل بديهية مأساوية العالم. ميشيل أونفراي، نفي اللاهوت ص 15-16 من الترجمة العربية يتلون أسفارَهم والحق يخبرني بأن آخرَها مَيْنٌ وأولها صدقتَ يا عقلُ فليبعُد أخو سفهٍ صاغ الأحاديث إفكاً أو تأولها وليس حَبرٌ ببٍدعٍ في صحابته إن سامَ نفعاً بأخبارٍ تقوَّلَها وإنما رامَ نسواناً تزوَّجها بما افتراه وأموالاً تموّلها طال العناءُ بكون الشخصِ في أممٍ تُعدُّ فِرية غاويها معوِّلَها وصاحب الشرع كان القدس قبلته صلى إليها زماناً ثم حوّلها لا يخدعنَّك داعٍ قام في ملإٍ بخُطبةٍ زانً معناها وطوَّلَها فما العظات وإن راعَت سوى حِيَلٍ من ذي مقالٍ على ناس تحوِّلها هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ويهودُ حارت والمجوس مضلَّلة اثنان أهل الأرض: ذو عقلٍ بلا دينٍ وآخرُ دَيِّن لا عقلَ له حديثٌ جاء عن هابيل في الدهر وقابيلا وطيرٌ عكفت يوماً على الجيش أبابيلا لبسنا من مدى الأيام للغي سرابيلا تلوا باطلاً وجلَوْا صارماً وقالوا حق فقلنا نعم! كل الذي تحكون عن مولاكم كذبٌ أتاكم عن يهود يُحبَّر رامتْ به الأحبارُ نيلَ معيشةٍ في الدهر والعمل القبيح يُتبَّر هل صح قولٌ من الحاكي فنقبله أم كل ذلك أباطيل وأسمار؟ أما العقول فآلت أنه كذبٌ والعقل غرس له بالصدق إثمار من شعر أبي العلاء المعري في القرآن نصان واحد للذئاب وواحد للخرفان فالاعتدال في الإسلام كذبة كاذب كذّاب فنص الذئاب أكثر من ثلاثة أرباع الكتاب آيات تدعو المسلمين والأعراب إلى القتل والنسف والإلغاء والإرهاب من قصيدة قصيرة للشاعر السوري غيورغي فاسيلييف بعنوان (القرآن المقروء) عليكِ ما تنوين لا تُخدعي عن طيب عيشٍ بالأباطيل فتاركُ اليومِ لما في غدِ أحق معقولٍ بتجهيل ما أحمق من يسأل تعجيلاً بتأجيل عمرو الأعور الخاركي غصب المسكين زوجته ... فجرت عيناه من درره ما قضى المسكين من وطرٍ ... لا ولا المعشار من وطره عذت بالله اللطيف بنا ... أن يكون الجور من قدره صالح بن عبد القدوس، متحدثاً عن إجبار محمد لزيد وزينب بالفرقة وزواجه بالإكراه من زينب بنت جحش، وقد استشهد شهيداً لكلمته على يد جلاد الخليفة الرشيد تمهيد يحكي المسلمون المعاصرون دوماً الجزء الأول من السيرة المحمدية، عن صاحب ديانة الإسلام المؤسس وأتباعه، وفقاً لمزاعمهم التي لا يمكن التيقن مما إذا كانت دقيقة أم مبالغاً فيها عن اضطهاد أهل مكة من قريش وكنانة لهم، لكنهم لا يحكون عما فعله المسلمون في الجزء الثاني من قصة الإسلام ونشأته لما صارت كفة القوة إلى صالحهم، وهاهنا نذكر مغازيهم واعتداآتهم العدوانية من كتب السيرة على قبائل وجماعات مسالمة لم تبادئهم العدوان، وهو ما يرتبط بتحليلنا لاحقاً لتحول آيات القرآن من نصوص التسامح المكي إلى الأمر بالدفاع ودفع الظلم والانتقام من قريش بقطع طريق تجارتها والسطو على قوافلها فقط، ثم النقلة الكبيرة إلى الأمر بالعدوان على المسالمين المختلفين في العقيدة والانتماء والمجموعة! سرية حمزة بن عبد المطلب جاء في المغازي للواقدي: وَكَانَتْ سَرِيّةُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِى رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرَةِ النّبِىّ ص. قَالُوا: أَوّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ ص بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، بَعَثَهُ فِى ثَلاثِينَ رَاكِبًا شَطْرَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الأَنْصَارِ، فَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَكَنّازُ بْنُ الْحُصَيْنِ وَابْنُهُ مَرْثَدُ بْنُ كَنّازٍ وَأَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ ص فِى رِجَالٍ. وَمِنْ الأَنْصَارِ: أُبَىّ بْنُ كَعْبٍ، وَعُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ، وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِىّ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ فِى رِجَالٍ لَمْ يُسَمّوْا لَنَا. فَبَلَغُوا سَيْفَ الْبَحْرِ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ قَدْ جَاءَتْ مِنْ الشّامِ تُرِيدُ مَكّةَ، فِيهَا أَبُو جَهْلٍ فِى ثَلاثِمِائَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ. فَالْتَقَوْا حَتّى اصْطَفّوا لِلْقِتَالِ فَمَشَى بَيْنَهُمْ مَجْدِى بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ حَلِيفًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا، فَلَمْ يَزَلْ يَمْشِى إلَى هَؤُلاءِ وَإِلَى هَؤُلاءِ حَتّى انْصَرَفَ الْقَوْمُ، وَانْصَرَفَ حَمْزَةُ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ فِى أَصْحَابِهِ وَتَوَجّهَ أَبُو جَهْلٍ فِى عِيرِهِ وَأَصْحَابِهِ إلَى مَكّةَ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ. فَلَمّا رَجَعَ حَمْزَةُ إلَى النّبِىّ ص خَبَرَهُ بِمَا حَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِى، وَأَنّهُمْ رَأَوْا مِنْهُ نَصَفَةً لَهُمْ فَقَدِمَ رَهْطُ مَجْدِى عَلَى النّبِىّ ص فَكَسَاهُمْ وَصَنَعَ إلَيْهِمْ خَيْرًا، وَذَكَرَ مَجْدِى بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: إنّهُ مَا عَلِمْت مَيْمُونُ النّقِيبَةِ مُبَارَكُ، الأَمْرِ. أَوْ قَالَ: رَشِيدُ الأَمْرِ. حَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَيّاشٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ، وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، قَالا: لَمْ يَبْعَثْ رَسُولُ اللّهِ ص أَحَدًا مِنْ الأَنْصَارِ مَبْعَثًا حَتّى غَزَا بِنَفْسِهِ إلَى بَدْرٍ، وَذَلِك أَنّهُ ظَنّ أَنّهُمْ لا يَنْصُرُونَهُ إلاّ فِى الدّارِ وَهُوَ الْمُثْبَتُ. نكتشف من قراءتنا لقصة هذه السرية سواء عند ابن هشام أو الواقدي أو غيرهما أن قريشاً كانت متسامحة مقارنة بأفعال المسلمين، وأن المسلمين بدؤوا قطع طريق التجارة وكانوا متهورين وطائشين، كان عدد القرشيين حوالي 300، وعدد المسلمين حوالي 30 (ابن هشام يذكر نفس الرقمين كالواقدي)، ولولا تدخل رجل حليف للطرفين للفصل بينهما بالكلمة الطيبة لكانت مجزرة للطرف المسلم! وهو ما يدل على سماحة نفس القرشيين على قوتهم العددية، ربما يجب أن نعيد النظر لذا في مدى مصداقية وعدم مبالغة قصص اضطهاد المكيين للمسلمين! أو نعيد التأمل على الأقل فنرى أن المسلمين كانوا على ذات التعصب والانغلاق والعنف. إن تكرر أحداث قطع محمد وأتباعه لطريق تجارة قريش وغيرها، دفع قريشاً لأن تسميه (القاطع) كما ورد بالسيرة لابن هشام عن ابن إسحاق، قاطع للطريق وقاطع للرحم وصلات القربى. ونلاحظ بعد ذلك استمرار لقطع المسلمين لطريق التجارة مرات متكررة، وتكرر استفزازهم للوثنيين القرشيين، وتذكر الكتب أن سرية عبيدة بن الحارث إلى رابغ للتحرش بقافلة أميرها أبو سفيان كان قوامها ستين فارساً قرشياً مسلماً، في حين كان عدد القرشيين الوثنيين مئتين، مع ذلك تجنب القرشيون للمرة الثانية استغلال قوتهم العددية، رغم تحرش سعد بن أبي وقاص بهم وتصويبه سهاماً عليهم، ، وهو ما يفسره المسلمون على أنه هروب وفرار من جانب القرشيين، ولا يستوعبونه كتسامح وطيبة منهم!، وواضح أن محمداً كان ما زال يستعين بالمهاجرين أكثر، ولم يزدد اعتماده على أهل يثرب المدينة فلم يكن في سرية رابغ إلا المهاجرون. ثم تتكرر في السيرة محاولات محمد وأصحابه الفاشلة للحاق ببعض قوافل أو عير قريش كغزوات الخرار والأبواء وبواط وذي العشيرة، ونتساءل هل نفسية مشبعة بالحقد والشر والرغبة في الانتقام كتلك النفسيات أيمكننا اعتبارها لنبي ورجال مقدسين حتى لو قلنا بأنهم تعرضوا لاضطهادات؟! في ذكر سرية حاولت الاعتداء على بني كنانة 1539 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْمُجَالِدُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ جَاءَتْهُ جُهَيْنَةُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ قَدْ نَزَلْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَأَوْثِقْ لَنَا حَتَّى نَأْتِيَكَ وَتُؤْمِنَّا، فَأَوْثَقَ لَهُمْ فَأَسْلَمُوا، قَالَ: فَبَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجَبٍ، وَلا نَكُونُ مِائَةً، وَأَمَرَنَا أَنْ نُغِيرَ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ إِلَى جَنْبِ جُهَيْنَةَ، فَأَغَرْنَا عَلَيْهِمْ وَكَانُوا كَثِيرًا، فَلَجَأْنَا إِلَى جُهَيْنَةَ فَمَنَعُونَا، وَقَالُوا: لِمَ تُقَاتِلُونَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقُلْنَا: إِنَّمَا نُقَاتِلُ مَنِ أخْرَجَنَا مِنَ الْبَلَدِ الْحَرَامِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: مَا تَرَوْنَ ؟ فَقَالَ بَعْضُنَا: نَأْتِي نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخْبِرُهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا بَلْ نُقِيمُ هَاهُنَا، وَقُلْتُ أَنَا فِي أُنَاسٍ مَعِي: لَا بَلْ نَأْتِي عِيرَ قُرَيْشٍ فَنَقْتَطِعُهَا، فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ وَكَانَ الْفَيْءُ إِذْ ذَاكَ: مَنِ أخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، فَانْطَلَقْنَا إِلَى الْعِيرِ وَانْطَلَقَ أَصْحَابُنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَامَ غَضْبَانَ مُحْمَرَّ الْوَجْهِ فَقَالَ: " أَذَهَبْتُمْ مِنْ عِنْدِي جَمِيعًا وَجِئْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ إِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمِ الْفُرْقَةُ، لأبْعَثَنَّ عَلَيْكُمْ رَجُلًا لَيْسَ بِخَيْرِكُمْ، أَصْبَرُكُمْ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ " فَبَعَثَ عَلَيْنَا عَبْدَ اللهِ بْنَ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّ فَكَانَ أَوَّلَ أَمِيرٍ أُمِّرَ فِي الْإِسْلامِ. (2) إسناده ضعيف، المجالد- وهو ابن سعيد- ضعيف، وزياد بن عِلاقة ثم يسمع من سعد. وأخرجه ابن أبي شيبة 14/123 و351-352، والبيهقي في "دلائل النبوة" 3/15 من طريق حماد بن أسامة، والدورقي (131) ، والبيهقي 3/14 من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، والبزار (1757- كشف الأستار) من طريق أحمد بن بشير، ثلاثتهم عن مجالد بن سعيد، بهذا الإسناد والحديث عند ابن أبي شيبة في الموضع الأول والبزار مختصر بقصة: أن أول أمير عُقِد له في الإسلام عبد الله بن جحش. فهذه من أوائل نواياه العدوانية والانتقامية التي لا تصلح في ضوء مبادئ الجيرة الدولية، التي لم تكن شيئًا مراعى عند عرب شبه الجزيرة القدماء لكنه تمادى أكثر مما يتصور كما سنرى. سرية نخلة يقول الواقدي، والقصة في السيرة لابن هشام عن ابن إسحاق، والطبقات الكبير لابن سعد: سَرِيّةُ نَخْلَةَ ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ إلَى نَخْلَةَ، وَنَخْلَةُ وَادِي بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. قَالُوا: قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ: دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ ص حِينَ صَلّى الْعِشَاءَ، فَقَالَ وَافِ مَعَ الصّبْحِ مَعَك سِلاحُك; أَبْعَثُك وَجْهًا، قَالَ: فَوَافَيْت الصّبْحَ وَعَلَىّ سَيْفِى وَقَوْسِى وَجَعْبَتِى وَمَعِى دَرَقَتِى، فَصَلّى النّبِىّ ص بِالنّاسِ الصّبْحَ ثُمّ انْصَرَفَ فَيَجِدُنِى قَدْ سَبَقْته وَاقِفًا عِنْدَ بَابِهِ وَأَجِدُ نَفَرًا مَعِى مِنْ قُرَيْشٍ. فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص أُبَىّ بْنَ كَعْبٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَأَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ ص وَكَتَبَ كِتَابًا. ثُمّ دَعَانِى فَأَعْطَانِى صَحِيفَةً مِنْ أَدِيمٍ خَوْلانِىّ، فَقَالَ: قَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَى هَؤُلاءِ النّفَرِ. فَامْضِ حَتّى إذَا سِرْت لَيْلَتَيْنِ فَانْشُرْ كِتَابِى، ثُمّ امْضِ لِمَا فِيهِ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ أَىّ نَاحِيَةٍ؟ فَقَالَ: اُسْلُكْ النّجْدِيّةَ ، تَؤُمّ رَكِيّةَ. قَالَ: “فَانْطَلَقَ حَتّى إذَا كَانَ بِبِئْرِ ابْن ضُمَيْرَةَ نَشَرَ الْكِتَابَ، فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ: سِرْ حَتّى تَأْتِىَ بَطْنَ نَخْلَةَ عَلَى اسْمِ اللّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَلا تُكْرِهَن أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِك عَلَى الْمَسِيرِ مَعَك، وَامْضِ لأَمْرِى فِيمَنْ تَبِعَك حَتّى تَأْتِىَ بَطْنَ نَخْلَةَ فَتَرَصّدْ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ”. فَلَمّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ الْكِتَابَ قَالَ لَسْت مُسْتَكْرِهًا مِنْكُمْ أَحَدًا، فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الشّهَادَةَ فَلْيَمْضِ لأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ص وَمَنْ أَرَادَ الرّجْعَةَ فَمِنْ الآنِ فَقَالُوا أَجْمَعُونَ: نَحْنُ سَامِعُونَ وَمُطِيعُونَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَك، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ حَيْثُ شِئْت. فَسَارَ حَتّى جَاءَ نَخْلَةَ فَوَجَدَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِىّ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ الْمَخْزُومِىّ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِىّ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِىّ. فَلَمّا رَأَوْهُمْ أَصْحَابُ الْعِيرِ هَابُوهُمْ وَأَنْكَرُوا أَمْرَهُمْ فَحَلَقَ عُكّاشَةُ رَأْسَهُ مِنْ سَاعَتِهِ ثُمّ أَوْفَى لِيُطَمْئِنَ الْقَوْمَ. قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ: فَحَلَقْت رَأْسَ عُكّاشَةَ بِيَدِي - وَكَانَ رَأْيُ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَعُكّاشَةَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ - فَيَقُولُ لَهُمْ عُمّارٌ: نَحْنُ فِى شَهْرٍ حَرَامٍ فَأَشْرَفَ عُكّاشَةُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لا بَأْسَ قَوْمٌ عُمّارٌ فَأَمِنُوا فِى أَنْفُسِهِمْ وَقَيّدُوا رِكَابَهُمْ وَسَرّحُوهَا، وَاصْطَنَعُوا طَعَامًا. تَشَاوَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ ص فِي أَمْرِهِمْ - وَكَانَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ وَيُقَالُ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ - فَقَالُوا: إنْ أَخّرْتُمْ عَنْهُمْ هَذَا الْيَوْمَ دَخَلُوا الْحَرَمَ فَامْتَنَعُوا، وَإِنْ أَصَبْتُمُوهُمْ فَفِى الشّهْرِ الْحَرَامِ. وَقَالَ قَائِلٌ: لا نَدْرِى أَمِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ هَذَا الْيَوْمُ أَمْ لا. وَقَالَ قَائِلٌ: لا نَعْلَمُ هَذَا الْيَوْمَ إلاَّ مِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ وَلا نَرَى أَنْ تَسْتَحِلّوهُ لِطَمَعٍ أَشْفَيْتُمْ عَلَيْهِ. فَغَلَبَ عَلَى الأَمْرِ الّذِينَ يُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا، فَشَجّعَ الْقَوْمَ فَقَاتَلُوهُمْ. فَخَرَجَ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقْدُمُ الْقَوْمَ قَدْ أَنْبَضَ قَوْسَهُ وَفَوّقَ بِسَهْمِهِ فَرَمَى عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِىّ - وَكَانَ لا يُخْطِئُ رَمْيَتَهُ - بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ. وَشَدّ الْقَوْمُ عَلَيْهِمْ فَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ وَأَعْجَزَهُمْ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنِى عَلِىّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمَعَةَ الأَسَدِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمّتِهِ، عَنْ أُمّهَا كَرِيمَةَ ابْنَةِ الْمِقْدَادِ، عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: “أَنَا أَسَرْت الْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ، فَأَرَادَ أَمِيرُنَا ضَرْبَ عُنُقِهِ فَقُلْت: دَعْهُ نَقْدُمُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَدْعُوهُ إلَى الإِسْلامِ فَأَطَالَ رَسُولُ اللّهِ ص كَلامَهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: تُكَلّمُ هَذَا يَا رَسُولَ اللّهِ؟ وَاَللّهِ لا يُسْلِمُ هَذَا آخِرَ الأَبَدِ دَعْنِى أَضْرِبُ عُنُقَهُ وَيَقْدَمُ إلَى أُمّهِ الْهَاوِيَةِ فَجَعَلَ النّبِىّ ص لا يُقْبِلُ عَلَى عُمَرَ حَتّى أَسْلَمَ الْحَكَمُ فَقَالَ عُمَرُ: فَمَا هُوَ إلاّ أَنْ رَأَيْته قَدْ أَسْلَمَ، وَأَخَذَنِى مَا تَقَدّمَ وَتَأَخّرَ وَقُلْت: كَيْفَ أَرُدّ عَلَى النّبِىّ ص أَمْرًا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّى، ثُمّ أَقُولُ: إنّمَا أَرَدْت بِذَلِكَ النّصِيحَةَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ، قَالَ عُمَرُ: فَأَسْلَمَ وَاَللّهِ فَحَسُنَ إسْلامُهُ وَجَاهَدَ فِى اللّهِ حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَرَسُولُ اللّهِ ص رَاضٍ عَنْهُ وَدَخَلَ الْجِنَانَ”. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: وَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، قَالَ: قَالَ الْحَكَمُ: وَمَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: تَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَتَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ: قَدْ أَسْلَمْت. فَالْتَفَتَ النّبِىّ ص إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: “لَوْ أَطَعْتُكُمْ فِيهِ آنِفًا فَقَتَلْته، دَخَلَ النّار” قَالُوا: وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ وَكَانَتْ الْعِيرُ فِيهَا خَمْرٌ وَأَدَمٌ وَزَبِيبٌ جَاءُوا بِهِ مِنْ الطّائِفِ، فَقَدِمُوا بِهِ عَلَى النّبِىّ ص. فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ الشّهْرَ الْحَرَامَ، فَقَدْ أَصَابَ الدّمَ وَالْمَالَ وَقَدْ كَانَ يُحَرّمُ ذَلِكَ وَيُعَظّمُهُ. فَقَالَ: “مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ إنّمَا أَصَبْتُمْ فِى لَيْلَةٍ مِنْ شَعْبَانَ”، وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ بِالْعِيرِ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَقّفَ الْعِيرَ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا شَيْئًا، وَحَبَسَ الأَسِيرَيْنِ وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: “مَا أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ”. فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، قَالَ: مَا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص بِالْقِتَالِ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ، وَلا غَيْرِ الشّهْرِ الْحَرَامِ، إنّمَا أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَسّسُوا أَخْبَارَ قُرَيْشٍ. قَالُوا: وَسُقِطَ فِى أَيْدِى الْقَوْمِ وَظَنّوا أَنْ قَدْ هَلَكُوا، وَأَعْظَمَ ذَلِكَ مَنْ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَعَنّفُوهُمْ وَلامُوهُمْ وَالْمَدِينَةُ تَفُورُ فَوْرَ الْمِرْجَلِ. وَقَالَتْ الْيَهُودُ: عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِىّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِىّ، عَمْرٌو عَمُرَتْ الْحَرْبُ، وَالْحَضْرَمِىّ حَضَرَتْ الْحَرْبُ، وَوَاقِدٌ وَقَدَتْ الْحَرْبُ، قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: قَدْ تَفَاءَلُوا بِذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ اللّهِ عَلَى يَهُودَ. قَالُوا: وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى النّبِىّ ص فِى فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ النّبِىّ ص: “لَنْ نَفْدِيَهُمَا حَتّى يَقْدُمَ صَاحِبَانَا”، يَعْنِى سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ حَتّى نَنْزِلَ بِبُحْرَانَ - وَبُحْرَانُ نَاحِيَةُ مَعْدِنِ بَنِى سُلَيْمٍ - فَأَرْسَلْنَا أَبَاعِرَنَا، وَكُنّا اثْنَىْ عَشَرَ رَجُلاً، كُلّ اثْنَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ بَعِيرًا. فَكُنْت زَمِيلَ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ وَكَانَ الْبَعِيرُ لَهُ فَضَلّ بَعِيرُنَا، وَأَقَمْنَا عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ نَبْغِيهِ. وَمَضَى أَصْحَابُنَا وَخَرَجْنَا فِى آثَارِهِمْ فَأَخْطَأْنَاهُمْ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ قَبْلَنَا بِأَيّامٍ وَلَمْ نَشْهَدْ نَخْلَةَ، فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّا قَدْ أَصَبْنَا، وَلَقَدْ أَصَابَنَا فِى سَفَرِنَا مَجَاعَةٌ لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ، وَبَيْنَ الْمَلِيحَةِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتّةُ بُرُدٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعْدِنِ لَيْلَةٌ - بَيْنَ مَعْدِنِ بَنِى سُلَيْمٍ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ. قَالَ: لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ نَوْبَةً، وَمَا مَعَنَا ذَوّاقٌ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ. قَالَ قَائِلٌ: أَبَا إسْحَاقَ كَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ؟ قَالَ: ثَلاثٌ كُنّا إذَا بَلَغَ مِنّا أَكَلْنَا الْعِضَاهَ وَشَرِبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَنَجِدُ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ قَدِمُوا فِى فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ، فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ ص أَنْ يُفَادِيَهُمْ، وَقَالَ: “إنّى أَخَافُ عَلَى صَاحِبَىّ”، فَلَمّا قَدِمْنَا فَادَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص، قَالُوا: وَكَانَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ ص لَهُمْ: “إنْ قَتَلْتُمْ صَاحِبَىّ قَتَلْت صَاحِبَيْكُمْ”، وَكَانَ فِدَاؤُهُمَا أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً فِضّةً لِكُلّ وَاحِدٍ وَالأُوقِيّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا. فَحَدّثَنِى عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِىّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ، قَالَ: كَانَ فِى الْجَاهِلِيّةِ الْمِرْبَاعُ، فَلَمّا رَجَعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ مِنْ نَخْلَةَ خَمّسَ مَا غَنِمَ، وَقَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ سَائِرَ الْغَنَائِمِ، فَكَانَ أَوّلَ خُمُسٍ خُمِسَ فِى الإِسْلامِ حَتّى نَزَلَ بَعْدُ{وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ } فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِى حَثْمَةَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِى بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ، أَنّ النّبِىّ ص وَقَفَ غَنَائِمَ أَهْلِ نَخْلَةَ، وَمَضَى إلَى بَدْرٍ حَتّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَعْطَى كُلّ قَوْمٍ حَقّهُمْ. قَالُوا: وَنَزَلَ الْقُرْآنُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ} فَحَدّثَهُمْ اللّهُ فِى كِتَابِهِ أَنّ الْقِتَالَ فِى الشّهْرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَ، وَأَنّ الّذِى يَسْتَحِلّونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ صَدّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ حَتّى يُعَذّبُوهُمْ وَيَحْبِسُوهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَكُفْرِهِمْ بِاَللّهِ وَصَدّهِمْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِى الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ وَفِتْنَتِهِمْ إيّاهُمْ عَنْ الدّينِ وَيَقُولُ: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ} قَالَ: عَنَى بِهِ إِسَافَ وَنَائِلَةَ. فَحَدّثَنِى مَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: فَوَدَى رَسُولُ اللّهِ ص عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِىّ، وَحَرّمَ الشّهْرَ الْحَرَامَ كَمَا كَانَ يُحَرّمُهُ حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: “بَرَاءَةٌ”. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبّاسٍ هَلْ وَدَى رَسُولُ اللّهِ ص ابْنَ الْحَضْرَمِىّ؟ قَالَ: لا. قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: وَالْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنّهُ لَمْ يُودَ. وَفِى تِلْكَ السّرِيّةِ سُمّىَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدّثَنِى بِذَلِكَ أَبُو مَعْشَرٍ. ملاحظة: القصة في ابن هشام لا تختلف كثيراً، وتدعي وتشدِّد على أن محمداً أمر فقط برصد القافلة وليس مهاجمتها، وهذا زعم ساذج مضحك، فما ضرورة ذلك بمراقبة قافلة تجارية إن لم يكن لنهبها في الشهر المحظور فيه عندهم ذلك؟! في هذه السرية خالف محمد القاعدة والعرف الدولي والديني المتعارف عليه وقتئذٍ عند سكان شبه الجزيرة العربية، فرغم كثرة السلب والنهب والاستعباد بين بدو العرب، لكنهم كانوا قد تعارفوا تأسيساً على خرافة وثنية_أخذ بها الإسلام_على اعتبار أربعة أشهر قمرية عربية محرمة لا يجوز القتال والإغارة والسلب فيها، لاسيما وهي شهور للحج والعمرة، وإذا بأحد المسلمين عُكَّاشة بْنُ مِحْصن بْنِ حُرْثان يدعي كذلك غدراً بخدعة منه أنهم ذاهبون لعمرة بأن حلق شعر رأسه على عادة تلك الشعائر المعروفة، ثم غدروا بالوثنيين المسالمين مرة أخرى، ونهبوا ما معهم من تجارة، وقتلوا من قتلوا، أما محمد فقد وجه إليه كثير من أهل يثرب وغيرهم نقداً عنيفاً لأنه بذلك ينطبق عليه وصف الفجور و(الفِجار) الذي وصفوا به أربعة حروب كبيرة قديمة قبل الإسلام، فارتج الأمر عليه وتخبط وتظاهر بالبراءة ورفض في البدء أخذ الغنيمة، ثم لاحقاً سيؤلف آية تبريرية بأن المسلمين تعرضوا أولاً للاضطهاد والظلم والإخراج من مكة وإن كان فيها اعتراف بالخطأ الذي ارتكبوه ضمنياً: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217)} البقرة: 217 ، ونجد أن محمداً يجبر أحد الأسرى هو الحكم بن كيسان على الإسلام تحت تهديد القتل، وهي عملية إكراه ديني لا لبس فيها، وواضح أن الحكم هذا تعرض لغسيل مخ محكم بعد ذلك حتى انخرط في أعمال النهب والإرهاب وهلك خلال ذلك! وتزعم بعض الأخبار أن محمداً اضطر تحرجاً لدفع دية الوثني المقتول عمرو بن الحضرمي إن صح الخبر! ونلاحظ أن اثنين من أصحاب محمد هما سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان يضلان الطريق ولا يشاركان في تلك السرية بالصدفة، فلعلهما ارتأيا ألا يشاركا فيما يضعهما في الإحراج والمحظور اجتماعياً بسبب أمر محمد فادعيا ذلك! إن نزول أو بالأحرى تأليف الآيات لحل المشاكل وإزالة الإحراج حيلة محمدية، كان محمد يفكر أي قول هو الأنسب والأسلم ثم يضع الآيات كرد، كما في قصة الإفك ضد عائشة، فقد ظل فترة يفكر أهي بريئة أم لا، حتى تيقن من براءتها، وهنا كذلك يقول ابن هشام: فَلَمَّا أَكْثَرَ الناسُ فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة: 217] ، أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتلتم فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدُّوكم عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ، وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أهلُهُ، أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} أَيْ قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ، حَتَّى يَرُدُّوهُ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إيمَانِهِ فَذَلِكَ أكبرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْقَتْلِ {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217] : أَيْ ثُمَّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ، غَيْرَ تَائِبِينَ وَلَا نَازِعِينَ. فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ، وَفَرَّجَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشَّفَقِ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فداءِ عُثمان بن عبد الله والحكم بن كَيْسان....إلخ وجاء في السنن الكبرى للبيهقي: 17523 - أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن محمد العطار ببغداد ثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد الدقاق ثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي ثنا أبي ثنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أبي يحدث عن الحضرمي عن أبي السوار عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم رهطا واستعمل عليهم عبيدة بن الحارث قال فلما انطلق ليتوجه بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فبعث مكانه رجلا يقال له عبد الله بن جحش وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأه إلا لمكان كذا وكذا لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك فلما صار إلى ذلك الموضع قرأ الكتاب واسترجع قال سمعا وطاعة لله ورسوله قال فرجع رجلا من أصحابه ومضى بقيتهم معه فلقوا بن الحضرمي فقتلوه فلم يدر ذلك من رجب أو من جمادى الآخرة فقال المشركون قتلهم في الشهر الحرام فنزلت {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} إلى قوله {والفتنة أكبر من القتل} قال فقال بعض المسلمين لئن كانوا أصابوا خيرا ما لهم أجر فنزلت {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم}. إسناده صحيح وروى الطبراني في المعجم الكبير: 1670 - حدثنا إبراهيم بن نائلة ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحضرمي عن أبي السوار عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الجراح أو عبيدة فلما ذهب لينطلق بكى صبابة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فجلس فبعث عليهم عبد الله بن جحش مكانه وكتب له كتابا وأمره أن لا يقرأ الكتاب حتى يبلغ مكان كذا وكذا وقال: (لا تكرهن أحدا من أصحابك على المسير معك) فلما قرأ الكتاب استرجع ثم قال سمع وطاعة لله ورسوله فخبرهم الخبر وقرأ عليهم الكتاب فرجع رجلان ومضى بقيتهم فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا أن ذلك اليوم من رجب أو جمادى فقال المشركون للمسلمين قتلتم في الشهر الحرام فأنزل الله عز و جل {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} الآية فقال بعضهم : إن لم يكونوا أصابوا وزرا فليس لهم أجر فأنزل الله عز و جل {إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم} قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 198 رواه الطبراني ورجاله ثقات. موقعة بدر القتال ونقرأ في مغازي الواقدي فنعلم استمرار إصرار محمد على العدوان على قومه القرشيين وقطع طريق تجارتهم، واستعانته بوثني خائن يدعى كشد الجهني من قبيلة جهينة، ثم مكافأة محمد له على إيوائه جواسيسه بأن يعده بإقطاعه ابن أخيه ينبع، وهكذا كان محمد كما سنقرأ لاحقاً من أخبار عام الوفود في الطبقات لابن سعد ج1 يشتري ولاء الزعماء بتلك الطريقة، مؤيداً النظام الإقطاعي القديم، ونقرأ أن كثيراً من أصحاب محمد لم يشاركوه تلك المعركة، ولعل ذلك بسبب الحس الإنساني السليم بكره العدوان والأذى والحرب، فهم ألزموا أنفسهم بالدفاع عن حدود بلدهم فقط وليس الاعتداء على الناس، وجعله محمد صراعاً دينياً ومعركة بين طرفين متبعين لخرافات وخزعبلات كلاهما يزعم أنه الحق، وفي سورة الأنفال من القرآن: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8)}، ويقول الواقدي: كره خروج رسول الله ص أقوامٌ من أصحابه إلى بدر، قالوا: نحن قليل وما الخروج برأي! حتى كان في ذلك اختلاف كبير. ومن جرائم محمد وهفواته في تلك الغزوة قبوله طفلاً مراهقاً مغسول الدماغ متحمساً متعجلاً لتقليد عالم رجال العرب الوحشي هو عمير بن أبي وقاص، أخو سعد بن أبي وقاص، فقُتِل ابن 16 سنة، ويقول أخوه أنه كان صغيراً لدرجة أنه كان يعقد له حمائل سيفه! يقول الواقدي: بَدْرُ الْقِتَالِ قَالَ: وَلَمّا تَحَيّنَ رَسُولُ اللّهِ ص انْصِرَافَ الْعِيرِ مِنْ الشّامِ، نَدَبَ أَصْحَابَهُ لِلْعِيرِ وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ ص طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ بِعَشْرِ لَيَالٍ يَتَحَسّسَانِ خَبَرَ الْعِيرِ، حَتّى نَزَلا عَلَى كَشَدٍ الْجُهَنِىّ بِالنّخْبَارِ مِنْ الْحَوْرَاءِ - وَالنّخْبَارُ مِنْ وَرَاءِ ذِى الْمَرْوَةِ عَلَى السّاحِلِ - فَأَجَارَهُمَا، وَأَنْزَلَهُمَا، وَلَمْ يَزَالا مُقِيمَيْنِ عِنْدَهُ فِى خِبَاءٍ، حَتّى مَرّتْ الْعِيرُ فَرَفَعَ طَلْحَةُ وَسَعِيدٌ عَلَى نَشَزٍ مِنْ الأَرْضِ فَنَظَرَا إلَى الْقَوْمِ وَإِلَى مَا تَحْمِلُ الْعِيرُ وَجَعَلَ أَهْلُ الْعِيرِ يَقُولُونَ: يَا كَشَدُ هَلْ رَأَيْت أَحَدًا مِنْ عُيُونِ مُحَمّدٍ؟ فَيَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللّهِ، وَأَنّى عُيُونُ مُحَمّدٍ بِالنّخْبَارِ؟ فَلَمّا رَاحَتْ الْعِيرُ بَاتَا حَتّى أَصْبَحَا ثُمّ خَرَجَا. وَخَرَجَ مَعَهُمَا كَشَدٌ خَفِيرًا، حَتّى أَوْرَدَهُمَا ذَا الْمَرْوَةِ، وَسَاحَلَتْ الْعِيرُ فَأَسْرَعَتْ وَسَارُوا اللّيْلَ وَالنّهَارَ فَرَقًا مِنْ الطّلَبِ. فَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ وَسَعِيدٌ الْمَدِينَةَ الْيَوْمَ الّذِى لاقَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص بِبَدْرٍ، فَخَرَجَا يَعْتَرِضَانِ النّبِىّ ص فَلَقِيَاهُ بِتُرْبَانَ - وَتُرْبَانُ بَيْنَ مَلَلٍ وَالسّيَالَةِ عَلَى الْمَحَجّةِ، وَكَانَتْ مَنْزِلَ ابْنِ أُذَيْنَةَ الشّاعِرِ. وَقَدِمَ كَشَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ. فَأَخْبَرَ النّبِىّ ص سَعِيدٌ وَطَلْحَةُ إجَارَتَهُ إيّاهُمَا، فَحَيّاهُ رَسُولُ اللّهِ ص وَأَكْرَمَهُ وَقَالَ: “أَلا أَقْطَعُ لَك يَنْبُعَ”؟ فَقَالَ: إنّى كَبِيرٌ وَقَدْ نَفِدَ عُمْرِى، وَلَكِنْ أَقْطِعْهَا لابْنِ أَخِى، فَقَطَعَهَا لَهُ. قَالُوا: وَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمُسْلِمِينَ، وَقَالَ: “وَهَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ، لَعَلّ اللّهَ يُغْنِمكُمُوهَا”، فَأَسْرَعَ مَنْ أَسْرَعَ حَتّى إنْ كَانَ الرّجُلُ لَيُسَاهِمُ أَبَاهُ فِى الْخُرُوجِ فَكَانَ مِمّنْ سَاهَمَ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، وَأَبُوهُ فِى الْخُرُوجِ إلَى بَدْرٍ، فَقَالَ سَعْدٌ لأَبِيهِ: إنّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْجَنّةِ آثَرْتُك بِهِ إنّى لأَرْجُو الشّهَادَةَ فِى وَجْهِى هَذَا فَقَالَ: خَيْثَمَةُ آثِرْنِى، وَقِرْ مَعَ نِسَائِك فَأَبَى سَعْدٌ، فَقَالَ خَيْثَمَةُ: إنّهُ لا بُدّ لأَحَدِنَا مِنْ أَنْ يُقِيمَ، فَاسْتَهَمَا، فَخَرَجَ سَهْمُ سَعْدٍ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ. وَأَبْطَأَ عَنْ النّبِىّ ص بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَرِهُوا خُرُوجَهُ، وَكَانَ فِيهِ كَلامٌ كَثِيرٌ وَاخْتِلافٌ، وَكَانَ مَنْ تَخَلّفَ لَمْ يُلَمْ لأَنّهُمْ مَا خَرَجُوا عَلَى قِتَالٍ، وَإِنّمَا خَرَجُوا لِلْعِيرِ، وَتَخَلّفَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ نِيّاتِ وَبَصَائِرَ لَوْ ظَنّوا أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ مَا تَخَلّفُوا، وَكَانَ مِمّنْ تَخَلّفَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص قَالَ لَهُ أُسَيْدُ: الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِى سَرّك وَأَظْهَرَك عَلَى عَدُوّك وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ مَا تَخَلّفْت عَنْك رَغْبَةً بِنَفْسِى عَنْ نَفْسِك، وَلا ظَنَنْت أَنّك تُلاقِى عَدُوّا، وَلا ظَنَنْت إلاّ أَنّهَا الْعِيرُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص: “صَدَقْت”، وَكَانَتْ أَوّلَ غَزْوَةٍ أَعَزّ اللّهُ فِيهَا الإِسْلامَ وَأَذَلّ فِيهَا أَهْلَ الشّرْكِ. وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص بِمَنْ مَعَهُ، حَتّى انْتَهَى إلَى نَقْبِ بَنِى دِينَارٍ، ثُمّ نَزَلَ بِالْبُقْعِ وَهِىَ بُيُوتُ السّقْيَا - الْبُقْعُ نَقْبُ بَنِى دِينَارٍ بِالْمَدِينَةِ، وَالسّقْيَا مُتّصِلٌ بِبُيُوتِ الْمَدِينَةِ - يَوْمَ الأَحَدِ لاثْنَتَىْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ. فَضَرَبَ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ وَعَرَضَ الْمُقَاتِلَةَ فَعَرَضَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ ظَهِيرٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، فَرَدّهُمْ وَلَمْ يُجِزْهُمْ. فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت أَخِى عُمَيْرَ بْنَ أَبِى وَقّاصٍ، قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَنَا رَسُولُ اللّهِ ص يَتَوَارَى، فَقُلْت: مَا لَك يَا أَخِي؟ قَالَ: إنّى أَخَافُ أَنْ يَرَانِى رَسُولُ اللّهِ ص وَيَسْتَصْغِرَنِى فَيَرُدّنِى، وَأَنَا أُحِبّ الْخُرُوجَ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقُنِى الشّهَادَةَ، قَالَ: فَعُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَاسْتَصْغَرَهُ، فَقَالَ: “ارْجِعْ”، فَبَكَى عُمَيْرٌ فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللّهِ ص. قَالَ: فَكَانَ سَعْدٌ يَقُولُ: كُنْت أَعْقِدُ لَهُ حَمَائِلَ سَيْفِهِ مِنْ صِغَرِهِ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ، وَهُوَ ابْنُ سِتّ عَشْرَةَ سَنَةً. وفي موضع آخر: قَالُوا: وَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى مَصْرَعِ ابْنَىْ عَفْرَاءَ، فَقَالَ: “يَرْحَمُ اللّهُ ابْنَىْ عَفْرَاءَ، فَإِنّهُمَا قَدْ شَرِكَا فِى قَتْلِ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الأُمّةِ، وَرَأْسِ أَئِمّةِ الْكُفْرِ”، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَنْ قَتَلَهُ مَعَهُمَا؟ قَالَ: “الْمَلائِكَةَ وَذَافّهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَكُلّ قَدْ شَرِكَ فِى قَتْلِهِ”. ويقول ابن هشام في السيرة: وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ: عُبيدة بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، قَتَلَهُ عُتبة بْنُ رَبِيعَةَ، قَطَعَ رِجْلَهُ، فَمَاتَ بِالصَّفْرَاءِ. رَجُلٌ. وَمِنْ بَنِي زُهرة بْنِ كِلَابٍ: عُمير بْنُ أَبِي وَقَّاصِ بْنِ أهَيْب بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهرة، وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَذُو الشِّمالين بن عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلة، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خزاعة ثم من بني غُبْشان. رجلان. وجاء في كتاب (أسد الغابة) لابن الأثير: عمير بن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن أهيب أخو سعد بن أبي وقاص الزهري وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس قديم الإسلام مهاجري شهد بدرا مع النبي وقتل بها شهيدا واستصغره النبي لما أراد المسير إلى بدر فبكى فأجازه وكان سيفه طويلا فعقد عليه حمائل سيفه وكان عمره حين قتل ست عشرة سنة قتله عمرو بن عبد ود أنبأنا عبيد الله بن أحمد بإسناده عن يونس ابن بكير عن ابن إسحاق فيمن استشهد من المسلمين ببدر وعمير بن أبي وقاص ووافقه الزهري وموسى وعروة إن المشكلة الأخلاقية الكبرى لأولئك المسلمين في تلك الأزمنة القديمة أنهم اعتبروا السرقة والنهب فضيلة ومنة من السماء، لا شك كان مثلهم في ذلك المسيحيون الغربيون والفرس الزردشتيون، ويقول الواقدي في سياق غزوة بدر: فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقّاصٍ، قَالَ: خَرَجْنَا إلَى بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ ص وَمَعَنَا سَبْعُونَ بَعِيرًا، فَكَانُوا يَتَعَاقَبُونَ الثّلاثَةُ وَالأَرْبَعَةُ وَالاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ، وَكُنْت أَنَا مِنْ أَعْظَمِ أَصْحَابِ النّبِىّ عَلَيْهِ الصّلاةُ وَالسّلامُ عَنْهُ غِنَاءً أَرْجَلَهُمْ رُجْلَةً وَأَرْمَاهُمْ بِسَهْمٍ لَمْ أَرْكَبْ خُطْوَةً ذَاهِبًا وَلا رَاجِعًا. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص حِينَ فَصَلَ مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا: “اللّهُمّ إنّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ وَعُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ وَجِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ وَعَالَةٌ فَأَغْنِهِمْ مِنْ فَضْلِك” قَالَ: فَمَا رَجَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ إلاّ وَجَدَ ظَهْرًا، لِلرّجُلِ الْبَعِيرُ وَالْبَعِيرَانِ وَاكْتَسَى مَنْ كَانَ عَارِيًا، وَأَصَابُوا طَعَامًا مِنْ أَزْوَادِهِمْ وَأَصَابُوا فِدَاءَ الأَسْرَى فَأَغْنَى بِهِ كُلّ عَائِلٍ. إن هذا يذكرنا بقول سنقتبسه لاحقاً عن عائشة زوجة محمد: لم نشبع من التمر إلا بعد فتح خيبر (أرض سكنها اليهود). ونلاحظ في هذه الغزوة أو المعركة تكرر خطيئة محمد بقبول مشاركة الأطفال المراهقين في الحرب، وهو ما يدل على نقص عدد الأتباع والمستعدين للمشاركة في حروبه، وأتصور أنه لم يزدد عدد المشاركين سوى بعدما حقق من انتصارات مما طمّع الكثيرين في الغنائم والسبايا والعبيد، لاحقاً سيتجنب محمد هذه الخطيئة والجريمة الكبرى، ويقول الواقدي: حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: عَبّأَنَا رَسُولُ اللّهِ ص بِلَيْلٍ فَصَفّنَا، فَأَصْبَحْنَا وَنَحْنُ عَلَى صُفُوفِنَا، فَإِذَا بِغُلامَيْنِ لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إلاّ وَقَدْ رُبِطَتْ حَمَائِلُ سَيْفِهِ فِى عُنُقِهِ فَالْتَفَتَ إلَىّ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: يَا عَمّ أَيّهُمْ أَبُو جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْت: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ يَا ابْنَ أَخِى؟ قَالَ: بَلَغَنِى أَنّهُ يَسُبّ رَسُولَ اللّهِ فَحَلَفْت لَئِنْ رَأَيْته لأَقْتُلَنهُ، أَوْ لأَمُوتَن دُونَهُ، فَأَشَرْت لَهُ إلَيْهِ، وَالْتَفَتَ إلَىّ الآخَرُ، فَقَالَ لِى مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَشَرْت لَهُ إلَيْهِ، فَقُلْت: مَنْ أَنْتُمَا؟ قَالا: ابْنَا الْحَارِثِ، قَالَ: فَجَعَلا لا يَطْرِفَانِ عَنْ أَبِى جَهْلٍ حَتّى إذَا كَانَ الْقِتَالُ خَلَصَا إلَيْهِ فَقَتَلاهُ وَقَتَلَهُمَا. حَدّثَنَا مُحَمّدٌ،قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ وَلَدِ مُعَوّذِ بْنِ عَفْرَاءَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: لَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ، وَنَظَرَ إلَيْهِمَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ: لَيْتَهُ كَانَ إلَى جَنْبِى مَنْ هُوَ آيَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْفَتَيَيْنِ. فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ الْتَفَتَ إلَىّ عَوْفٌ، فَقَالَ: أَيّهُمْ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقُلْت: ذَاكَ حَيْثُ تَرَى، فَخَرَجَ يَعْدُو إلَيْهِ كَأَنّهُ سَبُعٌ وَلَحِقَهُ أَخُوهُ فَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِمَا يَضْطَرِبَانِ بِالسّيُوفِ ثُمّ نَظَرْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ص مَرّ بِهِمَا فِى الْقَتْلَى وَهُمَا إلَى جَنْبِهِ. ويقول ابن هشام: ثُمَّ مَرَّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقير: مُعَوّذ بْنُ عَفْرَاءَ، فَضَرَبه حَتَّى أَثْبَتَهُ، فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ. وَقَاتَلَ مُعَوذ حَتَّى قُتل وفي سرده لقتلى (أو شهداء بحسب تعبيره) بدر: ومن بني غَنْم بن مالك بن النجار: عَوْف ومُعَوذ، ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ، وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ. رَجُلَانِ. ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ. وفي البخاري: 3988 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِنِّي لَفِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذْ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إِذْ قَالَ لِي أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ يَا عَمِّ أَرِنِي أَبَا جَهْلٍ فَقُلْتُ يَا ابْنَ أَخِي وَمَا تَصْنَعُ بِهِ قَالَ عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ فَقَالَ لِي الْآخَرُ سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ قَالَ فَمَا سَرَّنِي أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا فَأَشَرْتُ لَهُمَا إِلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى ضَرَبَاهُ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ 3141 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ قَالَ مُحَمَّدٌ سَمِعَ يُوسُفُ صَالِحًا وَإِبْرَاهِيمَ أَبَاهُ وانظر صحيح مسلم 1752 وقد كان محمد تحالف مع جيرانه من الأعراب واسترضاهم، فتخلوا عن الأخلاق الإنسانية الحميدة بنجدة الغريب عن وطنه المتعرض للعدوان: فَحَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِى عَوْنٍ مَوْلَى الْمِسْوَرِ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ: لَمّا لَحِقْنَا بِالشّامِ أَدْرَكَنَا رَجُلٌ مِنْ جُذَامٍ، فَأَخْبَرَنَا أَنّ مُحَمّدًا كَانَ عَرَضَ لِعِيرِنَا فِى بَدْأَتِنَا، وَأَنّهُ تَرَكَهُ مُقِيمًا يَنْتَظِرُ رَجْعَتَنَا. قَدْ حَالَفَ عَلَيْنَا أَهْلَ الطّرِيقِ وَوَادَعَهُمْ. قَالَ مَخْرَمَةُ: فَخَرَجْنَا خَائِفِينَ نَخَافُ الرّصَدَ، فَبَعَثْنَا ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو حِينَ فَصَلْنَا مِنْ الشّامِ. ولدينا خبر عن أن بعض أفراد المسلمين كان يمكنهم رغم كل تلك العداوة الإسلامية أن يزور الكعبة في مكة لأداء العمرة، رغم أن ذلك يعني تنازعاً على مكان مقدس وثنيّ بالأساس، يقول الواقدي: قَالُوا: وَخَرَجَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا قَبْلَ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: أَتَنْزِلُ هَذَا، وَقَدْ آوَى مُحَمّدًا وَآذَنّا بِالْحَرْبِ؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: قُلْ مَا شِئْت، أَمَا إنّ طَرِيقَ عِيرِكُمْ عَلَيْنَا. قَالَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ: مَهْ، لا تَقُلْ هَذَا لأَبِى الْحَكَمِ فَإِنّهُ سَيّدُ أَهْلِ الْوَادِى قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: وَأَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أُمَيّةُ أَمَا وَاَللّهِ لَسَمِعْت مُحَمّدًا يَقُولُ: “لأَقْتُلَن أُمَيّةَ بْنَ خَلَف”، قَالَ أُمَيّةُ: أَنْتَ سَمِعْته؟ قَالَ: قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: فَوَقَعَ فِى نَفْسِهِ، بل ويقول الواقدي، في باب (ذكر من أُسِر من المشركين) في بدر، ما يدل على استمرار هذا التسامح، واتساع الأفق، بأن كان يترك الوثنيون أتباع الدين الجديد يتمسحون بمعبدهم وثني الجذور والطبيعة الكعبة، ولم يوقف هذا التسامح سوى إصرار المسلمين على العنف وقطع الطريق، ووقوع معركة بدر: وَعَمْرُو بْنُ أَبِى سُفْيَانَ صَارَ فِى سَهْمِ النّبِىّ ص بِالْقُرْعَةِ كَانَ أَسَرَهُ عَلِىّ، وَأَرْسَلَهُ النّبِىّ ص بِغَيْرِ فِدْيَةٍ لِسَعْدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أَكّالٍ مِنْ بَنِى مُعَاوِيَةَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَحُبِسَ بِمَكّةَ. وهو ما يؤكد نظريتنا عن طيبة وتسامح أهل مكة الوثنيين نسبياً مقابل شر وعدوان المسلمين! ألم تكن الصورة التي تنقلها لنا كتب السيرة معكوسة تقريباً إذن؟! إنه كما قد قيل المنتصرون يكتبون التاريخ كيفما يشاؤون. كان الوثنيون في ثقافتهم يستعملون المغنيات من الإماء المستعبدات ليغنين بالشعر في الفخر بقريش أو شتيمة وهجاء محمد والمسلمين أو التشجيع على الدفاع عن المال والأنفس: وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ سِرَاعًا، وَخَرَجُوا بِالْقِيَانِ وَالدّفَافِ سَارّةِ مَوْلاةِ عَمْرِو بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَعَزّةَ مَوْلاةِ الأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَمَوْلاةِ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ، يُغَنّينَ فِى كُلّ مَنْهَلٍ وَيَنْحَرُونَ الْجُزُرَ، وَخَرَجُوا بِالْجَيْشِ يَتَقَاذَفُونَ بِالْحِرَابِ وَخَرَجُوا بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مُقَاتِلاً، وَقَادُوا مِائَةَ فَرَسٍ وقد وصى أبو سفيان برد القيان قبل نشوب معركة بدر: فَلَمّا أَفْلَتَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ وَرَأَى أَنْ قَدْ أَجْزَرَهَا، أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ - وَكَانَ مَعَ أَصْحَابِ الْعِيرِ خَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ مَكَّة - فَأَرْسَلَهُ أَبُو سُفْيَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالرّجُوعِ وَيَقُولُ: قَدْ نَجَتْ عِيرُكُمْ فَلا تُجْزِرُوا أَنْفُسَكُمْ أَهْلَ يَثْرِبَ، فَلا حَاجَةَ لَكُمْ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَقَدْ نَجّاهَا اللّهُ، فَإِنْ أَبَوْا عَلَيْك، فَلا يَأْبَوْنَ خَصْلَةً وَاحِدَةً يَرُدّونَ الْقِيَانَ فَإِنّ الْحَرْبَ إذَا أَكَلَتْ نَكَلَتْ، فَعَالَجَ قُرَيْشًا وَأَبَتْ الرّجُوعَ، وَقَالُوا: أَمّا الْقِيَانُ فَسَنَرُدّهُنّ فَرَدّوهُنّ مِنْ الجحفة. لاحقاً، سنقرأ في فتح محمد لمكة واجتياحها أنه أمر بقتل هذه النساء الإماء الثلاثة، لمجرد أنهن كن يقلن الشعر ويغنين، فهذه هي حدود تسامح محمد والإسلام، وحدود النخوة والمروءة عندهم بقتل النساء الضعيفات! ويحدثنا الواقدي، وهو أفضل مرجع وأدقه وأغزره لأحداث حروب محمد، فنعلم كذلك أنه كعادته أرسل الجواسيس لتتبع أخبار العير (القافلة) وموعد وصولها: وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَدِىّ بْنُ أَبِى الزّغْبَاءِ، وَرَدَا عَلَى مَجْدِى بَدْرًا يَتَحَسّسَانِ الْخَبَرَ، فَلَمّا نَزَلا مَاءَ بَدْرٍ أَنَاخَا رَاحِلَتَيْهِمَا إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ، ثُمّ أَخَذَا أَسْقِيَتَهُمَا يَسْتَقِيَانِ مِنْ الْمَاءِ فَسَمِعَا جَارِيَتَيْنِ مِنْ جَوَارِى جُهَيْنَةَ يُقَالُ: لإِحْدَاهُمَا بَرْزَةُ، وَهِىَ تَلْزَمُ صَاحِبَتَهَا فِى دِرْهَمٍ كَانَ لَهَا عَلَيْهَا، وَصَاحِبَتُهَا تَقُولُ: إنّمَا الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ قَدْ نَزَلَتْ الروحاء، وَمَجْدِى بْنُ عَمْرٍو يَسْمَعُهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ بَسْبَسُ وَعَدِىّ انْطَلَقَا رَاجِعِينَ إلَى النّبِىّ ص حَتّى لَقِيَاهُ بعرق الظّبْيَةِ فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ. وهو نفس الأمر الذي يؤكده ابن هشام بروايته لابن إسحاق: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ بَسْبَس بْنُ عَمْرٍو، وَعَدِيُّ بْنُ أَبِي الزَّغْباء قَدْ مَضَيَا حَتَّى نَزَلَا بَدْرًا، فَأَنَاخَا إلَى تَلٍّ قَرِيبٍ مِنْ الماء، ثم أخذا شَنًّا لهما يسقيان فِيهِ، ومَجْدِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيُّ عَلَى الْمَاءِ فَسَمِعَ عَدِيٌّ وَبَسْبَسُ جَارِيَتَيْنِ مِنْ جِوَارِي الْحَاضِرِ، وَهُمَا يَتلازمان عَلَى الْمَاءِ، وَالْمَلْزُومَةُ4 تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا: إنَّمَا تَأْتِي العيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غدٍ، فَأَعْمَلُ لَهُمْ، ثُمَّ أَقْضِيكَ الَّذِي لَكَ، قَالَ مَجْدِي: صدقتِ، ثُمَّ خلَّص بَيْنَهُمَا. وَسَمِعَ ذَلِكَ عَدي وبَسْبس، فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا، ثُمَّ انْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فأخبراه بما سمعا. نَزَلَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْسج وَهِيَ بِئْرُ الرَّوْحاء ثُمَّ ارْتَحَلَ مِنْهَا، حَتَّى إذَا كَانَ بالمنْصَرَف، تَرَكَ طَرِيقَ مَكَّةَ بِيَسَارٍ، وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النَّازِيَةِ، يُرِيدُ بَدْرًا، فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا، حَتَّى جَزَع وَادِيًا، يُقَالُ لَهُ رُحْقان، بَيْنَ النَّازِيَةِ وَبَيْنَ مَضِيق الصَّفْراء، ثُمَّ عَلَى الْمَضِيقِ، ثُمَّ انْصَبَّ مِنْهُ، حَتَّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصَّفْرَاءِ، بعثَ بَسْبَس بْنَ الجُهَني حليفَ بَنِي سَاعِدَةَ، وعَدِي بْنَ أَبِي الزّغْباء الْجُهَنِيَّ، حَلِيفَ بَنِي النَّجَّارِ، إلَى بَدْرٍ يَتَحَسَّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ ويقول الواقدي: وَأَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّة يَنْزِلُونَ كُلّ مَنْهَلٍ يُطْعِمُونَ الطّعَامَ مَنْ أَتَاهُمْ وَيَنْحَرُونَ الْجُزُرَ فكم كانت أخلاقهم خيراً من أخلاق جفاة المسلمين، فالوثنيون يكرمون الناس ممن لا يعرفونهم ويطعمون المحتاج على أساس أخلاق قدامى العرب، حتى لو قيل أنه من باب التفاخر والتكبر والمن، أما المسلمون في ذلك الوقت فهم محض مجموعة تخرج للنهب والأذى. ومن قراءة الواقدي نعلم أن تخاذل الوثنيين كان سبباً في هزيمتهم، فقد انسحب كل من بني زهرة وبني عدي، حتى أنه يذكر تحايل بني زهرة ليرجعوا بأن ادعوا أن سيدهم قد لُدِغ وأنهم لن يبرحوا مكانهم مع باقي المكيين حتى يعلموا أحي هو أم ميت ليدفنوه مكانه، وكانت حيلة لينسلوا من بينهم لا أكثر! أما بنو عدي فالتقوا بأبي سفيان بالطريق فلامهم كيف رجعتم لا في العير ولا في النفير، فاحتجوا بأنه من أوصى قريشاً بالرجوع! إن من نقاط ضعف قريش كما نعلم من الواقدي أن نبيه بن حجاج الوثني أوصى بألا يقتلوا شبابهم المسلمين القرشيين اللاجئين ليثرب مسببي المشكلة وقاطعي الطريق بل يحاولون أسرهم فقط، وهو ما يؤكد مرة أخرى مدى طيبة هؤلاء الوثنيين، مقابل إخلاص رغبة المسلمين في قتل أقاربهم بلا قليل باعتبارهم (الكفار) وفق منهج التكفير الإسلامي المستمد من اليهودية والمسيحية: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اُنْظُرُوا غَدًا إنْ لَقِينَا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَابْقَوْا فِى أَنْسَابِكُمْ هَؤُلاءِ وَعَلَيْكُمْ بِأَهْلِ يَثْرِبَ، فَإِنّا إنْ نَرْجِعُ بِهِمْ إلَى مَكَّة يُبْصِرُوا ضَلالَتَهُمْ وَمَا فَارَقُوا مِنْ دِينِ آبَائِهِمْ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ،قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِىّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمّا قَالَ لَهُمْ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَرْسَلُوا أَبَا أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ - وَكَانَ فَارِسًا - فَأَطَافَ بِالنّبِىّ ص وَأَصْحَابِهِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: مَا رَأَيْت؟ قَالَ: وَاَللّهِ مَا رَأَيْت جَلَدًا، وَلا عَدَدًا، وَلا حَلْقَةً وَلا كُرَاعًا، وَلَكِنّى وَاَللّهِ رَأَيْت قَوْمًا لا يُرِيدُونَ أَنْ يَئُوبُوا إلَى أَهْلِيهِمْ قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلا مَلْجَأٌ إلاّ سُيُوفُهُمْ زُرْقُ الْعُيُونِ كَأَنّهُمْ الْحَصَى تَحْتَ الْحَجَفِ. لقد كان السبب الرئيسي لهجوم وثنيي قريش على يثرب هو تكرر قطع طريق القوافل، وجاء في الواقدي: حَدّثَنَا مُحَمّدٌ، قَالَ: حَدّثَنَا الْوَاقِدِىّ، قَالَ: فَحَدّثَنِى مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِى الْحُوَيْرِثِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: لَمّا نَزَلَ الْقَوْمُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ إلَى قُرَيْشٍ، فَقَالَ: ارْجِعُوا، فَإِنّهُ يَلِى هَذَا الأَمْرَ مِنّى غَيْرُكُمْ أَحَبّ إلَىّ مِنْ أَنْ تَلُوهُ مِنّى، وَأَلِيَهُ مِنْ غَيْرِكُمْ أَحَبّ إلَىّ مِنْ أَنْ أَلِيَهُ مِنْكُمْ. فَقَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ: قَدْ عَرَضَ نِصْفًا، فَاقْبَلُوهُ، وَاَللّهِ لا تُنْصَرُونَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا عَرَضَ مِنْ النّصْفِ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: وَاَللّهِ لا نَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ أَمْكَنَنَا اللّهُ مِنْهُمْ وَلا نَطْلُبُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ وَلا يَعْتَرِضُ لِعِيرِنَا بَعْدَ هَذَا أَبَدًا. لقد كان هناك خلاف على الزعامة وعلى الانسحاب من عدمه بين عتبة رئيس قريش وأبي الحكم (يسميه المسلمون أبا جهل)، وهذا شق صف قريش وقوتها، ونقرأ من الواقدي: قَالَ حَكِيمٌ: فَجِئْت إلَى مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، فَقُلْت لَهُ مِثْلَ مَا قُلْت لأَبِى جَهْلٍ، فَوَجَدْته خَيْرًا مِنْ أَبِى جَهْلٍ، قَالَ: نِعْمَ مَا مَشَيْت فِيهِ وَمَا دَعَا إلَيْهِ عُتْبَةُ فَرَجَعْت إلَى عُتْبَةَ فَوَجَدْته قَدْ غَضِبَ مِنْ كَلامِ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ جَمَلِهِ وَقَدْ طَافَ عَلَيْهِمْ فِى عَسْكَرِهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِالْكَفّ عَنْ الْقِتَالِ فَيَأْبَوْنَ، فَحَمِىَ فَنَزَلَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَطَلَبُوا لَهُ بَيْضَةً تَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَجِدْ فِى الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُ رَأْسَهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ، ثُمّ بَرَزَ بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ وَبَيْنَ ابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ، فَبَيْنَا أَبُو جَهْلٍ فِى الصّفّ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى، حَاذَاهُ عُتْبَةُ وَسَلّ عُتْبَةُ سَيْفَهُ فَقِيلَ: هُوَ وَاَللّهِ يَقْتُلُهُ فَضَرَبَ بِالسّيْفِ عُرْقُوبَىْ فَرَسِ أَبِى جَهْلٍ فَاكْتَسَعَتْ الْفَرَسُ، فَقُلْت: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ، قَالُوا: قَالَ عُتْبَةُ: انْزِلْ فَإِنّ هَذَا الْيَوْمَ لَيْسَ بِيَوْمِ رُكُوبٍ لَيْسَ كُلّ قَوْمِك رَاكِبًا. خاتمة القول إن قراءتنا للواقدي وابن هشام تدلنا على حسن تخطيط محمد وصحبه وقوة مرتكزهم، فقد أمنوا مياهاً للشرب وهم على أرضهم تقريباً، وقابلوا الوثنيين بالسهام ولم يلتحموا بهم وفق أمر محمد حتى اقترب الوثنيون منهم تماماً، فلا علاقة للأمر بملائكة كما يزعم قرآن محمد. وكمثال على مخالفة هؤلاء المسلمين الأوائل لكل أخلاق الفروسية، أنه كان ثلاثة قد تحدوا ثلاثة للمبارزة قبل بدء الحرب، إلا أنه حدث التالي: قَالُوا: وَكَانَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ حِينَ دَعَا إلَى الْبِرَازِ قَامَ إلَيْهِ ابْنُهُ أَبُو حُذَيْفَةَ يُبَارِزُهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص: “اجْلِسْ”، فَلَمّا قَامَ إلَيْهِ النّفَرُ أَعَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ عَلَى أَبِيهِ بِضَرْبَةٍ. وأبو حذيفة تدخل ولم يكن من الثلاثة، فهذه فكرة المسلمين الأصوليين عن الأخلاق والفروسية، غدر وخيانة. مثال بسيط وغيض من فيض. وفي النهاية لا يملك محمد إزاء القتلى والضحايا سوى مواساة أهليهم بالأوهام: يقول الواقدي: وَقَالَ: بَيْنَا حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ كَارِعٌ فِى الْحَوْضِ إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَوَقَعَ فِى نَحْرِهِ فَلَقَدْ شَرِبَ الْقَوْمُ آخِرَ النّهَارِ مِنْ دَمِهِ، فَبَلَغَ أُمّهُ وَأُخْتَه وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ مَقْتَلَهُ فَقَالَتْ أُمّهُ: وَاَللّهِ لا أَبْكِى عَلَيْهِ حَتّى يَقْدَمَ رَسُولُ اللّهِ ص فَأَسْأَلُهُ فَإِنْ كَانَ ابْنِى فِى الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ ابْنِى فِى النّارِ بَكَيْته لَعَمْرِ اللّهِ فَأَعْوَلْتُهُ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ بَدْرٍ جَاءَتْ أُمّهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ عَرَفْت مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِى، فَأَرَدْت أَنْ أَبْكِىَ عَلَيْهِ، فَقُلْت: لا أَفْعَلُ حَتّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللّهِ؟ فَإِنْ كَانَ فِى الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِى النّارِ بَكَيْته فَأَعْوَلْتُهُ، فَقَالَ النّبِىّ ص: “هَبِلْت، أَجَنّةٌ وَاحِدَةٌ؟ إنّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ إنّهُ لَفِى الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى”. قَالَتْ: فَلا أَبْكِى عَلَيْهِ أَبَدًا وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهِ وَمَضْمَضَ فَاهُ، ثُمّ نَاوَلَ أُمّ حَارِثَةَ فَشَرِبَتْ، ثُمّ نَاوَلَتْ ابْنَتَهَا فَشَرِبَتْ، ثُمّ أَمَرَهُمَا فَنَضَحَتَا فِى جُيُوبِهِمَا، فَفَعَلَتَا فَرَجَعَتَا مِنْ عِنْدِ النّبِىّ ص وَمَا بِالْمَدِينَةِ امْرَأَتَانِ أَقَرّ أَعْيُنًا مِنْهُمَا وَلا أَسَرّ. وأخرجه البخاري (6567) عن قتيبة بن سعيد، والنسائي في "الكبرى" (2831) ، وابن حبان (7391) من طريق علي بن حُجْر، كلاهما عن إسماعيل ابن جعفر، بهذا الإسناد. وأخرجه ابن أبي شيبة 5/289، والبخاري (3982) و (6550) ، وأحمد بن حنبل برقمي 13787 و12252، وأبو يعلى (3730) ، والطبراني في "الكبير" (3236) ، والحاكم 3/208 ولم تكن لمحمد الكثير من الشجاعة رغم ما تزعمه الأحاديث عن شجاعته، بل لم يحارب وكان في المؤخرة تحت حماية جند كثيف: يقول الواقدي: قَالُوا: فَلَمّا تَصَافّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً فَلَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا”. فَلَمّا انْهَزَمُوا كَانَ النّاسُ ثَلاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ قَامَتْ عِنْدَ خَيْمَةِ النّبِىّ ص - وَأَبُو بَكْرٍ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ مَعَهُ فِى الْخَيْمَةِ - وَفِرْقَةٌ أَغَارَتْ عَلَى النّهْبِ وَفِرْقَةٌ طَلَبَتْ الْعَدُوّ فَأَسَرُوا وَغَنِمُوا. فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَكَانَ مِمّنْ أَقَامَ عَلَى خَيْمَةِ النّبِىّ ص، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا مَنَعَنَا أَنْ نَطْلُبَ الْعَدُوّ زَهَادَةٌ فِى الأَجْرِ وَلا جُبْنٌ عَنْ الْعَدُوّ. وَلَكِنّا خِفْنَا أَنْ يُعْرَى مَوْضِعُك فَتَمِيلُ عَلَيْك خَيْلٌ مِنْ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَرِجَالٌ مِنْ رِجَالِهِمْ وَقَدْ أَقَامَ عِنْدَ خَيْمَتِك وُجُوهُ النّاسِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَلَمْ يَشِذّ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالنّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ كَثِيرٌ، وَمَتَى تُعْطِ هَؤُلاءِ لا يَبْقَ لأَصْحَابِك شَيْءٌ وَالأَسْرَى وَالْقَتْلَى كَثِيرٌ وَالْغَنِيمَةُ قَلِيلَةٌ. فَاخْتَلَفُوا، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ} فَرَجَعَ النّاسُ وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ. ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: {وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ} فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللّهِ ص بَيْنَهُمْ. ويقول ابن هشام: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدث: أَنَّ سَعْدَ بْنَ معاذ قال: يا نبي الله، ألا نبتني لَكَ عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ، ونُعد عِنْدَكَ رَكَائِبَكَ، ثُمَّ نَلْقَى عَدُوَّنَا فَإِنْ أَعَزَّنَا اللَّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوِّنَا، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى، جَلَسْتَ عَلَى رَكَائِبِكَ، فَلَحِقْتَ بِمَنْ وَرَاءَنَا، فَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْكَ أَقْوَامٌ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا نَحْنُ بِأَشَدَّ لَكَ حُبًّا مِنْهُمْ، وَلَوْ ظَنُّوا أَنَّكَ تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلَّفُوا عَنْكَ، يَمْنَعُكَ اللَّهُ بِهِمْ، يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَكَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ، ثُمَّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عريشٌ، فكان فيه ارتحال قريش ودعاء الرسول عليهم .... قالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ عدَّل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّفُوفَ وَرَجَعَ إلَى الْعَرِيشِ فَدَخَلَهُ، وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَاشِدُ ربَّه مَا وَعَدَهُ مِنْ النَّصْرِ، وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ: "اللَّهُمَّ إنْ تَهْلك هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبد"، وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بعضَ مُناشدتك رَبَّكَ، فَإِنَّ اللَّهَ مُنْجِز لَكَ مَا وَعَدَكَ...... بل ويقول الواقدي بعد ذكره زعماً مروياً أن سعد بن عبادة وهب سيفاً يوم بدر لمحمد، خبراً معاكساً يشير لتجنب محمد المشاركة في الحرب التي تسبب فيها: فَسَمِعْت ابْنَ أَبِى سَبْرَةَ، يَقُولُ: سَمِعْت صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا مَعَهُ سَيْفٌ، وَكَانَ أَوّلُ سَيْفٍ تَقَلّدَهُ سَيْفَ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ، غَنِمَهُ يَوْمَ بَدْرٍ. ونرى في بدر تأسيس وتكريس لأخلاق النهب والسلب، وكان لمحمد على عادة أمراء أهل ذلك الزمن من همج شبه جزيرة العرب جزء من الغنيمة غير نصيبه يصطفيه مما يشاء، ويسمونه الصفيّ، يقول الواقدي: وَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ خُيُولِهِمْ عَشَرَةَ أَفْرَاسٍ وَأَصَابُوا لَهُمْ سِلاحًا وَظَهْرًا. وَكَانَ جَمَلُ أَبِى جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ فِيهَا، فَغَنِمَهُ النّبِىّ ص فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَضْرِبُ عَلَيْهِ فِى إبِلِهِ وَيَغْزُو عَلَيْهِ حَتّى سَاقَهُ فِى هَدْىِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَسَأَلَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ الْجَمَلَ بِمِائَةِ بَعِيرٍ، فَقَالَ: “لَوْلا أَنَا سَمّيْنَاهُ فِى الْهَدْىِ لَفَعَلْنَا”. وَكَانَ لِرَسُولِ اللّهِ ص صَفِىّ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ مِنْهَا شَيْءٌ. ويقول ابن هشام في سياق صلح الحديبية وأداء محمد للعمرة الإسلامية بناء على الصلح في معبد الوثنيين الكعبة: وقال عبد الله بن أبي نجيح: حدثني مجاهد، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي عام الحديبية في هداياه جَملاً لأبى جهل، في رأسه بُرَةٌ من فضة، يَغِيظُ بذلك المشركين. ومن يقرأ مغازي الواقدي يجد الاختلاف الكثير بين أفراد المسلمين وتنازعهم على الغنائم والأسرى، فمن ذلك مثلاً: فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَمَيْت يَوْمَ بَدْرٍ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَطَعْت نَسَاهُ فَأَتْبَعْت أَثَرَ الدّمِ حَتّى وَجَدْته قَدْ أَخَذَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ، وَهُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ. فَقُلْت: أَسِيرِى، رَمَيْته فَقَالَ مَالِكٌ: أَسِيرِى، أَخَذْته فَأَتَيَا رَسُولَ اللّهِ ص فَأَخَذَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا. فَأَفْلَتْ سُهَيْلٌ بِالرّوْحَاءِ مِنْ مَالِكِ بْن الدّخْشُمِ. فَصَاحَ فِى النّاسِ فَخَرَجَ فِى طَلَبِهِ فَقَالَ النّبِىّ ص: “مَنْ وَجَدَهُ فَلْيَقْتُلْهُ فَوَجَدَهُ النّبِىّ ص فَلَمْ يَقْتُلْهُ”. أما تعامل المسلمين مع الأسرى، فلا داعي لمزاعمهم المضحكة أنهم التزموا بمواثيق حقوق الإنسان قبل وضعها، وكانوا يحرمون قتل الأسرى، فإن ابن هشام نفسه ذكر كثيرين ممن قتل محمد والمسلمون في غزوة بدر، انتقاماً من اضطهادهم للمسلمين بمكة قبل الهجرة: ....وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيط بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الأقْلح، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، صَبْرًا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. ......ومن بني عبد الدار بن قُصَي: النضرُ بن الحارث بن كَلَدة بن عَلْقمة بن عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفْرَاءِ، فِيمَا يَذْكُرُونَ. ويقول الواقدي: وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ ص بِالأَسْرَى، حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ أَمَرَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ ابْنِ أَبِى الأَقْلَحِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِى مُعَيْطٍ، وَكَانَ أَسَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلانِىّ، فَجَعَلَ عُقْبَةُ يَقُولُ: يَا وَيْلِى، عَلامَ أُقْتَلُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مِنْ بَيْنِ مَنْ هَاهُنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لِعَدَاوَتِك لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ”، قَالَ: يَا مُحَمّدُ، مَنّك أَفْضَلُ فَاجْعَلْنِى كَرَجُلٍ مِنْ قَوْمِى، إنْ قَتَلْتهمْ قَتَلْتنِى، وَإِنْ مَنَنْت عَلَيْهِمْ مَنَنْت عَلَىّ، وَإِنْ أَخَذْت مِنْهُمْ الْفِدَاءَ كُنْت كَأَحَدِهِمْ يَا مُحَمّدُ، مَنْ لِلصّبْيَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “النّارُ”، قَدّمْهُ يَا عَاصِمُ، فَاضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَدّمَهُ عَاصِمٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “بِئْسَ الرّجُلُ كُنْت وَاَللّهِ مَا عَلِمْت، كَافِرًا بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِكِتَابِهِ مُؤْذِيًا لِنَبِيّهِ فَأَحْمَدُ اللّهَ الّذِى هُوَ قَتَلَك وَأَقَرّ عَيْنِى مِنْك”. وإن قائمة القتلى عند ابن هشام لا تفرق بين من قُتل في المعركة من الوثنيين ومن قتل بعدما استسلم واستأسَر. ويقول الواقدي: فَحَدّثَنِى عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَصَابَ أَبُو بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ أَسِيرًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُ: مَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ، مِنْ بَنِى سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، فَلَقِيَهُ عُمَرُ ابْنُ الْخَطّابِ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ يَحُضّ عَلَى قَتْلِ الأَسْرَى، لا يَرَى أَحَدًا فِى يَدَيْهِ أَسِيرًا إلاّ أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرّقَ النّاسُ. فَلَقِيَهُ مَعْبَدٌ وَهُوَ أَسِيرٌ مَعَ أَبِى بُرْدَةَ فَقَالَ: أَتَرَوْنَ يَا عُمَرُ أَنّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمْ؟ كَلاّ وَاللاّتِ وَالْعُزّى فَقَالَ عُمَرُ: عِبَادَ اللّهِ الْمُسْلِمِينَ أَتَكَلّمُ وَأَنْتَ أَسِيرٌ فِى أَيْدِينَا؟ ثُمّ أَخَذَهُ مِنْ أَبِى بُرْدَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَيُقَالُ: إنّ أَبَا بُرْدَةَ قَتَلَهُ. ويقول ابن هشام في قائمة الأسرى: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ومَعْبد بْنُ وَهْبٍ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي كَلْب بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْث، قَتَلَ مَعْبَدًا خَالِدٌ وَإِيَاسُ ابْنَا البُكَير، وَيُقَالُ: أَبُو دُجانة، فيما قال ابن هشام. لقد كان محمد ينتوي قتل الأسرى كلهم بعد بدر وعمل مذبحة كبيرة، حتى أن القرآن لا تزال به تلك الآية القائلة:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)} من سورة الأنفال، ويقول الواقدي: فَحَدّثَنِى أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا تُخْبِرُوا سَعْدًا بِقَتْلِ أَخِيهِ فَيَقْتُلَ كُلّ أَسِيرٍ فِى أَيْدِيكُمْ”. فَحَدّثَنِى خَالِدُ بْنُ الْهَيْثَمِ مَوْلَى بَنِى هَاشِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا يَتَعَاطَى أَحَدُكُمْ أَسِيرَ أَخِيهِ فَيَقْتُلَهُ”. وَلَمّا أُتِىَ بِالأَسْرَى كَرِهَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “يَا أَبَا عَمْرٍو، كَأَنّهُ شَقّ عَلَيْك الأَسْرَى أَنْ يُؤْسَرُوا”. قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ الْتَقَيْنَا فِيهَا وَالْمُشْرِكُونَ فَأَحْبَبْت أَنْ يُذِلّهُمْ اللّهُ وَأَنْ يُثْخَنَ فِيهِمْ الْقَتْلُ. وَكَانَ عَلِىّ عَلَيْهِ السّلامُ يُحَدّثُ يَقُولُ: أَتَى جِبْرِيلُ إلَى النّبِىّ ص يَوْمَ بَدْرٍ فَخَيّرَهُ فِى الأَسْرَى أَنْ يَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَيُسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: “هَذَا جِبْرِيلُ يُخَيّرُكُمْ فِى الأَسْرَى بَيْنَ أَنْ نَضْرِبَ رِقَابَهُمْ أَوْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدْيَةَ وَيُسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ”. قَالُوا: بَلْ نَأْخُذُ الْفِدْيَةَ وَنَسْتَعِينُ بِهَا، وَيُسْتَشْهَدُ مِنّا فَنَدْخُلُ الْجَنّةَ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ فِى قَابِلٍ عِدّتُهُمْ بِأُحُدٍ. قَالُوا: وَلَمّا حُبِسَ الأَسْرَى بِبَدْرٍ - اُسْتُعْمِلَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانُ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ اقْتَرَعُوا عَلَيْهِمْ - طَمِعُوا فِى الْحَيَا فَقَالُوا: لَوْ بَعَثْنَا إلَى أَبِى بَكْرٍ فَإِنّهُ أَوْصَلُ قُرَيْشٍ لأَرْحَامِنَا، وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا آثَرُ عِنْدَ مُحَمّدٍ مِنْهُ فَبَعَثُوا إلَى أَبِى بَكْرٍ فَأَتَاهُمْ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، إنّ فِينَا الآبَاءَ وَالأَبْنَاءَ وَالإِخْوَانَ وَالْعُمُومَةَ وَبَنِى الْعَمّ وَأَبْعَدُنَا قَرِيبٌ. كَلّمْ صَاحِبَك فَلْيَمُنّ عَلَيْنَا أَنْ يُفَادِنَا. فَقَالَ: نَعَمْ إنْ شَاءَ اللّهُ لا آلُوكُمْ خَيْرًا، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللّهِ ص. قَالُوا: وَابْعَثُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، فَإِنّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ فَلا نَأْمَنُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكُمْ لَعَلّهُ يَكُفّ عَنْكُمْ، فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ فَجَاءَهُمْ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالُوا لأَبِى بَكْرٍ، فَقَالَ: لَنْ آلُوكُمْ شَرّا، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى النّبِىّ ص فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَالنّاسَ حَوْلَهُ وَأَبُو بَكْرٍ يُلَيّنُهُ وَيَفْثَؤُهُ وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى قَوْمُك فِيهِمْ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ وَالْعُمُومَةُ وَالإِخْوَانُ وَبَنُو الْعَمّ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْك قَرِيبٌ فَامْنُنْ عَلَيْهِمْ مَنّ اللّهُ عَلَيْك، أَوْ فَادِهِمْ يَسْتَنْقِذْهُمْ اللّهُ بِك مِنْ النّارِ فَتَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا أَخَذْت قُوّةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلَعَلّ اللّهَ يُقْبِلُ بِقُلُوبِهِمْ إلَيْك، ثُمّ قَامَ فَتَنَحّى نَاحِيَةً وَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يُجِبْهُ. ثُمّ جَاءَ عُمَرُ فَجَلَسَ مَجْلِسَ أَبِى بَكْرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ هُمْ أَعْدَاءُ اللّهِ كَذّبُوك وَقَاتَلُوك وَأَخْرَجُوك اضْرِبْ رِقَابَهُمْ هُمْ رُءُوسُ الْكُفْرِ وَأَئِمّةُ الضّلالَةِ يُوَطّئُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِهِمْ الإِسْلامَ، وَيُذِلّ بِهِمْ أَهْلَ الشّرْكِ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يُجِبْهُ، وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ إلَى مَقْعَدِهِ الأَوّلِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمّى قَوْمُك فِيهِمْ الآبَاءُ وَالأَبْنَاءُ وَالْعُمُومَةُ وَالإِخْوَانُ وَبَنُو الْعَمّ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْك قَرِيبٌ فَامْنُنْ عَلَيْهِمْ أَوْ فَادِهِمْ هُمْ عِتْرَتُك وَقَوْمُك، لا تَكُنْ أَوّلَ مَنْ يَسْتَأْصِلُهُمْ يَهْدِيهِمْ اللّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُهْلِكَهُمْ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا. وَتَنَحّى نَاحِيَةً فَقَامَ عُمَرُ فَجَلَسَ مَجْلِسَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا تَنْتَظِرُ بِهِمْ؟ اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ يُوَطّئُ اللّهُ بِهِمْ الإِسْلامَ وَيُذِلّ أَهْلَ الشّرْكِ هُمْ أَعْدَاءُ اللّهِ كَذّبُوك وَقَاتَلُوك وَأَخْرَجُوك يَا رَسُولَ اللّهِ اشْفِ صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ قَدَرُوا عَلَى مِثْلِ هَذَا مِنّا مَا أَقَالُونَاهَا أَبَدًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ ص فَلَمْ يُجِبْهُ، فَقَامَ نَاحِيَةً فَجَلَسَ وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ فَكَلّمَهُ مِثْلَ كَلامِهِ الّذِى كَلّمَهُ بِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُ فَتَنَحّى نَاحِيَةً، ثُمّ قَامَ عُمَرُ فَكَلّمَهُ كَلامَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ. ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ص فَدَخَلَ قُبّتَهُ فَمَكَثَ فِيهَا سَاعَةً، ثُمّ خَرَجَ وَالنّاسُ يَخُوضُونَ فِى شَأْنِهِمْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَآخَرُونَ يَقُولُونَ: الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص قَالَ: “مَا تَقُولُونَ فِى صَاحِبَيْكُمْ هَذَيْنِ؟ دَعُوهُمَا فَإِنّ لَهُمَا مَثَلاً؛ مَثَلُ أَبِى بَكْرٍ كَمَثَلِ مِيكَائِيلَ يَنْزِلُ بِرِضَاءِ اللّهِ وَعَفْوِهِ، عَنْ عِبَادِهِ، وَمَثَلُهُ فِى الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ إبْرَاهِيمَ كَانَ أَلْيَنَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْعَسَلِ أَوْقَدَ لَهُ قَوْمُهُ النّارَ وَطَرَحُوهُ فِيهَا، فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ: {أُفّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ}، وَقَالَ: فَمَنْ تَبِعَنِى فَإِنّهُ مِنّى وَمَنْ عَصَانِى فَإِنّك غَفُورٌ رَحِيمٌ وَمَثَلُهُ مَثَلُ عِيسَى، إذْ يَقُولُ: {إِنْ تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، وَمَثَلُ عُمَرَ فِى الْمَلائِكَةِ كَمَثَلِ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالسّخْطَةِ مِنْ اللّهِ وَالنّقْمَةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللّهِ، وَمَثَلُهُ فِى الأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ نُوحٍ كَانَ أَشَدّ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ إذْ يَقُولُ: رَبّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيّارًا فَدَعَا عَلَيْهِمْ دَعْوَةً أَغْرَقَ اللّهُ الأَرْضَ جَمِيعَهَا، وَمَثَلِ مُوسَى إذْ يَقُولُ: رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ وَإِنّ بِكُمْ عَيْلَةً فَلا يَفُوتَنّكُمْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلاءِ إلاّ بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ”. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إلاّ سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ - قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ: هَذَا وَهْمٌ سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ، مَا شَهِدَ بَدْرًا، إنّمَا هُوَ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ: سَهْلٌ - فَإِنّى رَأَيْته يُظْهِرُ الإِسْلامَ بِمَكّةَ، فَسَكَتَ النّبِىّ ص فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ، قَالَ عَبْدُ اللّهِ: فَمَا مَرّتْ عَلَىّ سَاعَةٌ قَطّ كَانَتْ أَشَدّ عَلَىّ مِنْ تِلْكَ السّاعَةِ فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَى السّمَاءِ أَتَخَوّفُ أَنْ تَسْقُطَ عَلَىّ الْحِجَارَةُ لِتَقَدّمِى بَيْنَ يَدَىْ اللّهِ وَرَسُولِهِ بِالْكَلامِ. فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ ص رَأْسَهُ، فَقَالَ: “إلاّ سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ”، قَالَ: فَمَا مَرّتْ عَلَىّ سَاعَةٌ أَقَرّ لَعَيْنَىّ مِنْهَا، إذْ قَالَهَا رَسُولُ اللّهِ ص. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيُشَدّدُ الْقَلْبَ فِيهِ حَتّى يَكُونَ أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَةِ، وَإِنّهُ لَيُلَيّنُ الْقَلْبَ فِيهِ حَتّى يَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ الزّبْدِ”. وَقَبِلَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْهُمْ الْفِدَاءَ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ يَوْمَ بَدْرٍ مَا نَجَا مِنْهُ إلاّ عُمَرُ”، كَانَ يَقُولُ: “اُقْتُلْ وَلا تَأْخُذْ الْفِدَاءَ”. وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَقُولُ: اُقْتُلْ وَلا تَأْخُذْ الْفِدَاءَ. ويقول ابن هشام عن ابن إسحاق في السيرة: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ عَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُسَارَى، وَأَخْذِ الْمَغَانِمِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَأْكُلُ مَغْنَمًا مِنْ عَدُوٍّ لَهُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصرت بِالرُّعْبِ، وجُعلت لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُعْطِيتُ جوامعَ الكلم، وأحلت لي الغنائمُ وَلَمْ تُحْلَل لِنَبِيٍّ كَانَ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي". قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ} : أَيْ قَبْلَكَ {أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} مِنْ عَدُوِّهِ {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} ، أَيْ يُثْخِنَ عَدُوَّهُ، حَتَّى يَنْفِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} : أَيْ الْمَتَاعَ، الْفِدَاءَ بِأَخْذِ الرِّجَالِ {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} : أَيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدِّينِ الَّذِي يُرِيدُ إظْهَارَهُ، وَاَلَّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْآخِرَةُ {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ} : أي من الأسارَى والمغانم، {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67، 68] : أَيْ لَوْلَا أَنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنِّي لَا أعذِّب إلَّا بَعْدَ النَّهْيِ، وَلَمْ يَكُ نَهَاهُمْ، لَعَذَّبْتُكُمْ فِيمَا صَنَعْتُمْ، ثُمَّ أحلَّها لَهُ وَلَهُمْ رحمة منه، وعائدة من الرحمن الرحيم، {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 69] ثُمَّ قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 70] ويورد الواقدي من تفسير الآيات في كتابه: {مَا كَانَ لِنَبِىّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِى الأَرْضِ} يَعْنِى أَخْذَ الْمُسْلِمِينَ الأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا} يَقُولُ: الْفِدَاءَ {وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} يُرِيدُ أَنْ يُقْتَلُوا. {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قَالَ: سَبَقَ إحْلالُ الْغَنِيمَةِ {فَكُلُوامِمّاغَنِمْتُمْ حَلالاً طَيّبًا} قَالَ: إحْلالُ الْغَنَائِمِ ومن نماذج تعامل محمد وصحبه مع الأسرى، نقرأ في الواقدي: وَكَانَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو لَمّا كَانَ بِشَنُوكَةَ - شَنُوكَةُ فِيمَا بَيْنَ السّقْيَا وَمَلَل - كَانَ مَعَ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ الّذِى أَسَرَهُ، فَقَالَ: خَلّ سَبِيلِى لِلْغَائِطِ. فَقَامَ بِهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: إنّى أَحْتَشِمُ فَاسْتَأْخِرْ عَنّى فَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ، وَمَضَى سُهَيْلٌ عَلَى وَجْهِهِ انْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ الْقِرَانِ وَمَضَى، فَلَمّا أَبْطَأَ سُهَيْلٌ عَلَى مَالِكٍ أَقْبَلَ فَصَاحَ فِى النّاسِ فَخَرَجُوا فِى طَلَبِهِ، وَخَرَجَ النّبِىّ ص فِى طَلَبِهِ، فَقَالَ: “مَنْ وَجَدَهُ فَلْيَقْتُلْهُ”، فَوَجَدَهُ رَسُولُ اللّهِ ص قَدْ دَفَنَ نَفْسَهُ بَيْن سَمُرَاتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَرُبِطَتْ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، ثُمّ قَرَنَهُ إلَى رَاحِلَتِهِ، فَلَمْ يَرْكَبْ خُطْوَةً حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَلَقِىَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. فَحَدّثَنِى إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَقِىَ رَسُولُ اللّهِ ص أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَسُولُ اللّهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللّهِ ص بَيْنَ يَدَيْهِ وَسُهَيْلٌ مَجْنُوبٌ، وَيَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ فَلَمّا نَظَرَ أُسَامَةُ إلَى سُهَيْلٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَبُو يَزِيدَ، قَالَ: “نَعَمْ هَذَا الّذِى كَانَ يُطْعِمُ بِمَكّةَ الْخُبْزَ”. وَحَدّثَنِى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمَدِينَةَ، وَقَدِمَ بِالأَسْرَى حِينَ قَدِمَ بِهِمْ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ فِى مَنَاحِتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوّذٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ، قَالَتْ سَوْدَةُ: فَأَتَيْنَا، فَقِيلَ لَنَا: هَؤُلاءِ الأَسْرَى قَدْ أُتِىَ بِهِمْ. فَخَرَجْت إلَى بَيْتِى وَرَسُولُ اللّهِ ص فِيهِ وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ فِى نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَوَاَللّهِ إنْ مَلَكْت حِينَ رَأَيْته مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْت: أَبَا يَزِيدَ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ أَلا مُتّمْ كِرَامًا؟ فَوَاَللّهِ مَا رَاغَنِى إلاّ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ الْبَيْتِ: “يَا سَوْدَةُ أَعَلَى اللّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ”؟ فَقُلْت: يَا نَبِىّ اللّهِ وَاَلّذِى بَعَثَك بِالْحَقّ نَبِيّا مَا مَلَكْت نَفْسِى حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ، أَنْ قُلْت مَا قُلْت. وبعض القصة عند ابن هشام: قال ابن إسحاق : وحدثني عبدُ الله بن أبي بكر أن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، قال: قدم بالأسارى حين قُدم بهم، وسَوْدة بنت زَمْعة زوج النبى صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء، فى مناحتهم على عَوْف ومعوذ ابنى عفراء، وذلك قبل أن يُضرب عليهن الحجاب . قَالَ: تَقُولُ سَوْدة: وَاَللَّهِ إنِّي لَعِنْدَهُمْ إذْ أُتِينَا، فَقِيلَ: هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى، قَدْ أُتِيَ بِهِمْ. قَالَتْ: فرجعتُ إلَى بَيْتِي، ورسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهيل بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ، مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنقه بِحَبْلٍ قَالَتْ: فَلَا وَاَللَّهِ مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْتُ: أَيْ أَبَا يَزِيدَ: أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ، أَلَا مُتم كِرَامًا، فَوَاَللَّهِ مَا أَنْبَهَنِي إلَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبَيْتِ: "يَا سَوْدة، أَعَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ تُحرّضين؟! " قَالَتْ: قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا مَلَكْتُ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُ أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أن قلتُ ما قلتُ. ونعلم أنه بعد بدر أسلم واحد من الوثنيين بعد زيارته لمحمد، يقول عنه ابن هشام: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا قَدِمَ عُمير مَكَّةَ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ، ويؤذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كثير. إذا كانوا أقلية في مكة ويفعل أحدهم ذلك من مضايقة الأغلبية، فلماذا نستعجب أن الوثنيين قبل هجرتهم حاربوهم واضطهدوهم، أما إنه لا دخان بلا نار ولا ظل بلا جسم، لا شك أنهم ضايقوا الوثنيين وأذوهم فعلياً كثيراً حتى كانت لهم تلك الردة من الفعل. وإذا تلبس الأمر هنا بتبرير المسلمين لقطع الطريق والسرقة والنهب والقتل والقتال أنه انتقام لما تعرضوا له من اضطهاد في مكة قبل الهجرة إلى يثرب، فإننا سنسرد بعد بدر سياق حروب وغارات على أقوام وقبائل ودول مسالمة تماماً كذلك لم تبادئ المسلمين بأي عدوان، والمسلمون هم المعتدون عليهم باسم الدين ولأجل النهب والاستعباد والشهوات وسفك الدم
التعديل الأخير تم بواسطة لؤي عشري ; 09-05-2018 الساعة 03:58 PM.
|
|
|
|
رقم الموضوع : [2] |
|
باحث ومشرف عام
![]() |
ومن الهام هنا أن نفهم طريقة تعامل المسلمين مع وثنيي مدينة يثرب، وتهديدهم واضطهادهم، حتى اضطروهم للتظاهر بالإسلام، فنشأت ظاهرة النفاق والمنافقين، وهم أشرف الخلق بنظري، كقوم سعوا للحفاظ على عقائدهم وحيواتهم:
يقول الواقدي: وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةِ النّبِىّ ص الْقَصْوَاءِ يُبَشّرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَلَمّا جَاءَ الْمُصَلّى صَاحَ عَلَى رَاحِلَتِهِ قُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ، وَابْنَا الْحَجّاجِ، وَأَبُو جَهْلٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِىّ، وَزَمْعَةُ بْنُ الأَسْوَدِ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ذُو الأَنْيَابِ فِى أَسْرَى كَثِيرَةٍ، فَجَعَلَ النّاسُ لا يُصَدّقُونَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، وَيَقُولُونَ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إلاّ فَلاّ حَتّى غَاظَ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ وَخَافُوا، وَقَدِمَ زَيْدٌ حِينَ سَوّوْا عَلَى رُقَيّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ ص التّرَابَ بِالْبَقِيعِ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لأَبِى لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ: قَدْ تَفَرّقَ أَصْحَابُكُمْ تَفَرّقًا لا يَجْتَمِعُونَ مِنْهُ أَبَدًا، وَقَدْ قُتِلَ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ، وَقُتِلَ مُحَمّدٌ؛ هَذِهِ نَاقَتُهُ نَعْرِفُهَا، وَهَذَا زَيْدٌ لا يَدْرِى، مَا يَقُولُ مِنْ الرّعْبِ وَجَاءَ فَلاّ، قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: يُكَذّبُ اللّهُ قَوْلَك، وَقَالَتْ يَهُودُ: مَا جَاءَ زَيْدٌ إلاّ فَلاّ. قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ: فَجِئْت حَتّى خَلَوْت بِأَبِى، فَقُلْت: يَا أَبَهْ، أَحَقّ مَا تَقُولُ؟ قَالَ: إى وَاَللّهِ حَقّا يَا بُنَىّ فَقَوِيَتْ فِى نَفْسِى، فَرَجَعْت إلَى ذَلِكَ الْمُنَافِقِ، فَقُلْت: أَنْتَ الْمُرْجِفُ بِرَسُولِ اللّهِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لَيُقَدّمَنّكَ رَسُولُ اللّهِ إذَا قَدِمَ فَلَيَضْرِبَنّ عُنُقَك، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ إنّمَا هُوَ شَيْءٌ سَمِعْت النّاسَ يَقُولُونَهُ ونقرأ من الواقدي ما يفعله غسيل الدماغ والوهم المقدس بإنسانية الإنسان وسموه: وَمِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَىّ: أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ أَسَرَهُ أَبُو الْيَسَرِ ثُمّ اُقْتُرِعَ عَلَيْهِ فَصَارَ لِمُحْرِزِ بْنِ نَضْلَةَ وَأَبُو عَزِيزٍ أَخُوهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لأُمّهِ وَأَبِيهِ. فَقَالَ مُصْعَبٌ لِمُحْرِزٍ: اُشْدُدْ يَدَيْك بِهِ فَإِنّ لَهُ أُمّا بِمَكّةَ كَثِيرَةَ الْمَالِ. فَقَالَ لَهُ: أَبُو عَزِيزٍ هَذِهِ وَصَاتُك بِى يَا أَخِى؟ فَقَالَ مُصْعَبٌ: إنّهُ أَخِى دُونَك فَبَعَثَتْ أُمّهُ فِيهِ بِأَرْبَعَةِ آلافٍ. وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ سَأَلَتْ أَغْلَى مَا تُفَادِى بِهِ قُرَيْشٌ، فَقِيلَ لَهَا أَرْبَعَةُ آلافٍ. إنهم يعتبرون التفرقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الأخ وأخيه من أمه وأبيه، بمثابة بطولة لصالح الخرافات والسراب المقدس. أما إن أردنا معرفة مدى عدم احترام المسلمين مقدسات الوثنيين، كأهل دين آخر، فنقرأ من كتاب (أسد الغابة) في ترجمة عبد الله بن أنيس، ونجد مثله في ترجمة أخيه ثعلبة بن أنيس: وهو أحد الذين كانوا يكسرون أصنام بني سلمة وفي ترجمة معاذ بن جبل: قيل كان معاذ ممن يكسر أصنام بني سلمة وجاء في ترجمة لال بن أمية بن عامر ابن قيس بن عبد الأعلم بن عامر بن كعب بن واقف واسمه مالك بن امرىء القيس بن مالك ابن الأوس الأنصاري الواقفي: شهد بدرا وأحدا وكان قديم الإسلام كان يكسر أصنام بني واقف وكانت معه رايتهم يوم الفتح وأمه أنيسة بنت هدم أخت كلثوم بن الهدم الذي نزل عليه النبي لما قدم المدينة مهاجرا وهو الذي لاعن امرأته ورماها بشريك بن سحماء وفي مغازي الواقدي، نقرأ: وَمِنْ بَنِى عَدِىّ بْنِ نَابِى بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ: عَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِىّ بْنِ ثَعْلَبَة ابْنِ غَنَمَةَ بْنِ عَدِىّ؛ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ وَأَبُو الْيَسَرِ وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادٍ؛ وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِى كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ قُتِلَ بِأُحُدٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِىّ بْنِ كَعْبٍ؛ وَثَعْلَبَةُ وَعَبْدُ اللّهِ ابْنَا أُنَيْسٍ اللّذَانِ كَسّرَا أَصْنَامَ بَنِى سَلِمَةَ. اغتيال كعب بن الأشرف والقتل العنصري ضد اليهود كان العداء بين محمد وأتباعه وبين اليهود العرب والمستعربين في ازدياد، ولما انهزمت قريش ببدر، رحل كعب بن الأشرف اليثربي اليهودي العربي، ليحرض في مكة ضد محمد، وقام محمد بإرسال من اغتاله، ولا مشكلة عندنا في ذلك، لكن محمد اشتط وغالى فأمر أتباعه بقتل أي يهودي يقابلهم! وهكذا أصبحت كل جريمة وتهمة المقتول أنه يهودي يتبع ديانة اليهودية، وليس لأنه فعل شيئاً ما! هل يختلف هذا عن نازية هتلر أو أفعال شارون وباراك؟! وهكذا نرى أن كل حروب وعداوة اليهود مفهومة السبب بعد ذلك بما فيها تحريكهم لموقعة الأحزاب. فلنقرأ قصة قتل محيصة ليهودي يدعى ابن سُنينة (أو ابن شنينة في إحدى روايتي ابن هشام لاسمه) كان غنياً يحسن إليه، ولنا أن نستنج أنه لئيم قتله حقداً عليه وسرقة لمالِه. يقول الواقدي: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ: بَطْنُ الأَرْضِ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا، هَؤُلاءِ أَشْرَافُ النّاسِ وَسَادَاتُهُمْ وَمُلُوكُ الْعَرَبِ، وَأَهْلُ الْحَرَمِ وَالأَمْنِ قَدْ أُصِيبُوا، فَخَرَجَ إلَى مَكّةَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِى وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ فَجَعَلَ يُرْسِلُ هِجَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَرِثَاءَ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَرْسَلَ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ يَقُولُ: وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ قَالَ الْوَاقِدِىّ: أَمْلاهَا عَلَىّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ، وَابْنُ أَبِى الزّنَادِ، قَالُوا: فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِىّ فَأَخْبَرَهُ بِمَنْزِلِهِ عِنْدَ أَبِى وَدَاعَةَ فَجَعَلَ يَهْجُو مَنْ نَزَلَ عِنْدَهُ حَتّى رَجَعَ كَعْبٌ إلَى الْمَدِينَةِ. فَلَمّا أَرْسَلَ هَذِهِ الأَبْيَاتَ أَخَذَهَا النّاسُ مِنْهُ وَأَظْهَرُوا الْمَرَاثِىَ وَجَعَلَ مَنْ لَقِىَ مِنْ الصّبْيَانِ وَالْجَوَارِى يُنْشِدُونَ هَذِهِ الأَبْيَاتَ بِمَكّةَ، ثُمّ إنّهُمْ رَثَوْا بِهَا، فَنَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلاهَا شَهْرًا، وَلَمْ تَبْقَ دَارٌ بِمَكّةَ إلاّ فِيهَا نَوْحٌ، وَجَزّ النّسَاءُ شَعْرَ الرّءُوسِ وَكَانَ يُؤْتَى بِرَاحِلَةِ الرّجُلِ مِنْهُمْ أَوْ بِفَرَسِهِ فَتُوقَفُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَيَنُوحُونَ حَوْلَهَا، وَخَرَجْنَ إلَى السّكَكِ فَسَتَرْنَ السّتُورَ فِى الأَزِقّةِ وَقَطَعْنَ الطّرُقَ فَخَرَجْنَ يَنُحْنَ....إلخ. لا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ إنّ ابْنَ أَشْرَفَ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ فِى النّاسِ يَبْنِى الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ يَسْعَى عَلَى الْحَسَبِ الْقَدِيـمُ الأَرْوَعُ طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أَذَلّ بِسُخْطِهِمْ صَدَقُوا فَلَيْتَ الأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا نُبّئْت أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ لِيَزُورَ يَثْــرِبَ بِالْجُمُـــوعِ وَإِنّمَــــا قَتْلُ ابْنِ الأَشْرَفِ وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا فِى رَبِيعٍ الأَوّلِ. حَدّثَنِى عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، وَمَعْمَرٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ، فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِى بِطَائِفَةٍ فَكَانَ الّذِى اجْتَمَعُوا لَنَا عَلَيْهِ قَالُوا: إنّ ابْنَ الأَشْرَفِ كَانَ شَاعِرًا وَكَانَ يَهْجُو النّبِىّ ص وَأَصْحَابَهُ وَيُحَرّضُ عَلَيْهِمْ كُفّارَ قُرَيْشٍ فِى شِعْرِهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَهْلُهَا أَخْلاطٌ - مِنْهُمْ الْمُسْلِمُونَ الّذِينَ تَجْمَعُهُمْ دَعْوَةُ الإِسْلامِ فِيهِمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ وَمِنْهُمْ حُلَفَاءُ لِلْحَيّيْنِ جَمِيعًا الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ ص حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ اسْتِصْلاحَهُمْ كُلّهُمْ وَمُوَادَعَتَهُمْ وَكَانَ الرّجُلُ يَكُونُ مُسْلِمًا وَأَبُوهُ مُشْرِكًا. فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ ص وَأَصْحَابَهُ أَذًى شَدِيدًا، فَأَمَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ نَبِيّهُ وَالْمُسْلِمِينَ بِالصّبْرِ عَلَى ذَلِكَ وَالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَفِيهِمْ أُنْزِلَ: {وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وَفِيهِمْ أَنَزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {وَدّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآيَةَ. فَلَمّا أَبَى ابْنُ الأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى النّبِىّ ص، وَأَذَى الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ بَلَغَ مِنْهُمْ فَلَمّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِالْبِشَارَةِ مِنْ بَدْرٍ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَأَسْرِ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ فَرَأَى الأَسْرَى مُقَرّنِينَ كُبّتْ وَذَلّ ثُمّ قَالَ لِقَوْمِهِ: وَيْلَكُمْ وَاَللّهِ لَبَطْنُ الأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا الْيَوْمَ هَؤُلاءِ سَرَاةُ النّاسِ قَدْ قُتِلُوا وَأُسِرُوا، فَمَا عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: عَدَاوَتُهُ مَا حَيِينَا. قَالَ: وَمَا أَنْتُمْ وَقَدْ وَطِئَ قَوْمَهُ وَأَصَابَهُمْ؟ وَلَكِنّى أَخْرُجُ إلَى قُرَيْشٍ فَأَحُضّهُمْ وَأَبْكِى قَتْلاهُمْ فَلَعَلّهُمْ يَنْتَدِبُونَ فَأَخْرُجَ مَعَهُمْ. فَخَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ وَوَضَعَ رَحْلَهُ عِنْدَ أَبِى وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ السّهْمِىّ وَتَحْتَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَسِيدِ بْنِ أَبِى الْعِيصِ، فَجَعَلَ يَرْثِى قُرَيْشًا وَيَقُولُ: وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ، يَقُولُ:لا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ إنّ ابْنَ أَشْرَفَ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ ذِى بَهْجَةٍ يَأْوِى إلَيْهِ الضّيّعُ حَمّالِ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيَرْبَعُ خَشَعُوا لِقَتْلِ أَبِى الْحَكِيمِ وَجُدّعُوا هَلْ نَـــــالَ مِثـْلَ الْمُهْلَكِينَ التّبّـعُ طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُذَلّ بِسُخْطِهِمْ صَدَقُوا فَلَيْتَ الأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهَا مِنَ ابْيَضَ مَاجِدٍ طَلْقِ الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ نُبّئْت أَنّ بَنِى الْمُغِيرَةِ كُلّهُمْ وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْـــــــدَهُ وَمُنَبّــــــهٌ مِنْهُ وَعَاشَ مُجَدّعًا لا يَسْمَعُ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص حَسّانَ فَأَخْبَرَهُ بِنُزُولِ كَعْبٍ عَلَى مَنْ نَزَلَ فَقَالَ حَسّانُ:قَتْلَى تَسُحّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ شِبْهَ الْكُلَيْبِ لِلْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ وَأَحَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرّعُوا شَغَفٌ يَظَلّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدّعُ فَـــلّ فَلِيـــلٌ هَــارِبٌ يَتَهَــزّعُ أَبَكَى لِكَعْبٍ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةٍ وَلَقَدْ رَأَيْت بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمُ فَابْكِى فَقَدْ أَبْكَيْتِ عَبْدًا رَاضِعًا وَلَقَدْ شَفَى الرّحْمَنُ مِنْهُمْ سَيّدًا وَنَجَا وَأَفْلَتْ مِنْهُمْ مَنْ قَلْبُهُ وَنَجَا وَأَفْلَتْ مِنْهُـــمْ مُــتَسَرّعًـــا فَخَالُك عَبْدٌ بِالسّرَابِ مُجَرّبُ فَلَمّا بَلَغَهَا هِجَاؤُهُ نَبَذَتْ رَحْلَهُ وَقَالَتْ: مَا لَنَا وَلِهَذَا الْيَهُودِىّ؟ أَلا تَرَى مَا يَصْنَعُ بِنَا حَسّانُ؟ فَتَحَوّلَ فَكُلّمَا تَحَوّلَ عِنْدَ قَوْمٍ دَعَا رَسُولُ اللّهِ ص حَسّانَ، فَقَالَ ابْنُ الأَشْرَفِ: نَزَلَ عَلَى فُلانٍ. فَلا يَزَالُ يَهْجُوهُمْ حَتّى نُبِذَ رَحْلُهُ فَلَمّا لَمْ يَجِدْ مَأْوًى قَدِمَ الْمَدِينَةَ. فَلَمّا بَلَغَ النّبِىّ ص قُدُومُ ابْنِ الأَشْرَفِ، قَالَ: اللّهُمّ اكْفِنِى ابْنَ الأَشْرَفِ بِمَا شِئْت فِى إعْلانِهِ الشّرّ وَقَوْلِهِ الأَشْعَارَ.وَلا خَالِدٌ وَلا الْمُفَاضَةُ زَيْنَبُ كَذُوبٌ شَئُونُ الرّأْسِ قِرْدٌ مُــدَرّبُ أَلا أَبْلِغُوا عَنّى أَسِيدًا رِسَالَةً لَعَمْرُك مَا أَوْفَى أَسِيدٌ بِجَارِهِ وَعَتّــابُ عَبْدٌ غَيْرُ مُوفٍ بِذِمّـــــةٍ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَنْ لِى بِابْنِ الأَشْرَفِ فَقَدْ آذَانِى”؟ فَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا بِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ وَأَنَا أَقْتُلُهُ. قَالَ: “فَافْعَلْ”، فَمَكَثَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَيّامًا لا يَأْكُلُ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ ص، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ، تَرَكْت الطّعَامَ وَالشّرَابَ؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ، قُلْت لَك قَوْلاً فَلا أَدْرِى أَفِى لَك بِهِ أَمْ لا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “عَلَيْك الْجَهْدُ”. وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “شَاوِرْ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فِى أَمْرِهِ”. فَاجْتَمَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَنَفَرٌ مِنْ الأَوْسِ مِنْهُمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ، وَأَبُو نَائِلَةَ سِلْكَانُ بْنُ سَلامَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ نَقْتُلُهُ فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَقُلْ فَإِنّهُ لا بُدّ لَنَا مِنْهُ، قَالَ: قُولُوا فَخَرَجَ أَبُو نَائِلَةَ إلَيْهِ فَلَمّا رَآهُ كَعْبٌ أَنْكَرَ شَأْنَهُ وَكَادَ يُذْعَرُ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ وَرَاءَهُ كَمِينٌ فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: حَدَثَتْ لَنَا حَاجَةٌ إلَيْك. قَالَ: وَهُوَ فِى نَادِى قَوْمِهِ وَجَمَاعَتِهِمْ اُدْنُ إلَىّ فَخَبّرْنِى بِحَاجَتِك. وَهُوَ مُتَغَيّرُ اللّوْنِ مَرْعُوبٌ - فَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخَوَيْهِ مِنْ الرّضَاعَةِ - فَتَحَدّثَا سَاعَةً وَتَنَاشَدَا الأَشْعَارَ. وَانْبَسَطَ كَعْبٌ وَهُوَ يَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ: حَاجَتُك، وَأَبُو نَائِلَةَ يُنَاشِدُهُ الشّعْرَ - وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ - فَقَالَ كَعْبٌ: حَاجَتُك، لَعَلّك أَنْ تُحِبّ أَنْ يَقُومَ مَنْ عِنْدَنَا؟ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ الْقَوْمُ قَامُوا. قَالَ أَبُو نَائِلَةَ: إنّى كَرِهْت أَنْ يَسْمَعَ الْقَوْمُ ذَرْوَ كَلامِنَا، فَيَظُنّونَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا مِنْ الْبَلاءِ وَحَارَبَتْنَا الْعَرَبُ وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ وَتَقَطّعَتْ السّبُلُ عَنّا حَتّى جَهِدَتْ الأَنْفُسُ وَضَاعَ الْعِيَالُ أَخَذَنَا بِالصّدَقَةِ وَلا نَجِدُ مَا نَأْكُلُ. فَقَالَ كَعْبٌ: قَدْ وَاَللّهِ كُنْت أُحَدّثُك بِهَذَا يَا ابْنَ سَلامَةَ أَنّ الأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو نَائِلَةَ: وَمَعِى رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِى عَلَى مِثْلِ رَأْيِى، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ آتِيَك بِهِمْ فَنَبْتَاعَ مِنْك طَعَامًا أَوْ تَمْرًا وَتُحْسِنُ فِى ذَلِكَ إلَيْنَا، وَنَرْهَنُك مَا يَكُونُ لَك فِيهِ ثِقَةٌ. قَالَ كَعْبٌ: أَمَا إنّ رِفَافِى تَقْصِفُ تَمْرًا، مِنْ عَجْوَةٍ تَغِيبُ فِيهَا الضّرْسُ أَمَا وَاَللّهِ مَا كُنْت أُحِبّ يَا أَبَا نَائِلَةَ أَنْ أَرَى هَذِهِ الْخَصَاصَةَ مِنْك، وَإِنْ كُنْت مِنْ أَكْرَمِ النّاسِ عَلَىّ أَنْتَ أَخِى، نَازَعْتُك الثّدْىَ قَالَ سِلْكَانُ: اُكْتُمْ عَنّا مَا حَدّثْتُك مِنْ ذِكْرِ مُحَمّدٍ. قَالَ كَعْبٌ: لا أَذْكُرُ مِنْهُ حَرْفًا. ثُمّ قَالَ كَعْبٌ: يَا أَبَا نَائِلَةَ اُصْدُقْنِى ذَاتَ نَفْسِك؛ مَا الّذِى تُرِيدُونَ فِى أَمْرِهِ؟ قَالَ: خِذْلانَهُ وَالتّنَحّىَ عَنْهُ. قَالَ: سَرَرْتنِى يَا أَبَا نَائِلَةَ فَمَاذَا تَرْهَنُونَنِى، أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ؟ فَقَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تَفْضَحَنَا وَتُظْهِرَ أَمْرَنَا وَلَكِنّا نَرْهَنُك مِنْ الْحَلْقَةِ مَا تَرْضَى بِهِ. قَالَ كَعْبٌ: إنّ فِى الْحَلْقَةِ لَوَفَاءً. وَإِنّمَا يَقُولُ ذَلِكَ سِلْكَانُ لِئَلاّ يُنْكِرَهُمْ إذَا جَاءُوا بِالسّلاحِ، فَخَرَجَ أَبُو نَائِلَةَ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مِيعَادٍ فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوهُ إذَا أَمْسَى لِمِيعَادِهِ. ثُمّ أَتَوْا النّبِىّ ص عِشَاءً فَأَخْبَرُوهُ فَمَشَى مَعَهُمْ حَتّى أَتَى الْبَقِيعَ ثُمّ وَجّهَهُمْ ثُمّ قَالَ: “امْضُوا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ وَعَوْنِهِ” وَيُقَال: وَجّهَهُمْ بَعْدَ أَنْ صَلّوْا الْعِشَاءَ وَفِى لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ مِثْلِ النّهَارِ فِى لَيْلَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعٍ الأَوّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. قَالَ: فَمَضَوْا حَتّى أَتَوْا ابْنَ الأَشْرَفِ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ هَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ وَكَانَ ابْنُ الأَشْرَفِ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَوَثَبَ فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَةِ مِلْحَفَتِهِ وَقَالَتْ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ إنّك رَجُلٌ مُحَارَبٌ وَلا يَنْزِلُ مِثْلُك فِى هَذِهِ السّاعَةِ. فَقَالَ: مِيعَادٌ إنّمَا هُوَ أَخِى أَبُو نَائِلَةَ وَاَللّهِ لَوْ وَجَدَنِى نَائِمًا مَا أَيْقَظَنِى، ثُمّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْمِلْحَفَةَ وَهُوَ يَقُولُ: لَوْ دُعِىَ الْفَتَى لِطَعْنَةٍ أَجَابَ. ثُمّ نَزَلَ إلَيْهِمْ فَحَيّاهُمْ ثُمّ جَلَسُوا فَتَحَدّثُوا سَاعَةً حَتّى انْبَسَطَ إلَيْهِمْ ثُمّ قَالُوا لَهُ: يَا ابْنَ الأَشْرَفِ هَلْ لَك أَنْ تَتَمَشّى إلَى شَرْجِ الْعَجُوزِ فَنَتَحَدّثَ فِيهِ بَقِيّةَ لَيْلَتِنَا؟ قَالَ: فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ حَتّى وَجّهُوا قِبَلَ الشّرْجِ فَأَدْخَلَ أَبُو نَائِلَةَ يَدَهُ فِى رَأْسِ كَعْبٍ، ثُمّ قَالَ: وَيْحَك، مَا أَطْيَبَ عِطْرِك هَذَا يَا ابْنَ الأَشْرَفِ وَإِنّمَا كَانَ كَعْبٌ يَدّهِنُ بِالْمِسْكِ الْفَتِيتِ بِالْمَاءِ وَالْعَنْبَرِ حَتّى يَتَلَبّدَ فِى صُدْغَيْهِ وَكَانَ جَعْدًا جَمِيلاً. ثُمّ مَشَى سَاعَةً فَعَادَ بِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ إلَيْهِ وَسُلْسِلَتْ يَدَاهُ فِى شَعْرِهِ وَأَخَذَ بِقُرُونِ رَأْسِهِ، وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: اُقْتُلُوا عَدُوّ اللّهِ فَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ فَالْتَفّتْ عَلَيْهِ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، وَرَدّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَصِقَ بِأَبِى نَائِلَةَ. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَذَكَرْت مِغْوَلاً مَعِى كَانَ فِى سَيْفِى فَانْتَزَعْته فَوَضَعْته فِى سُرّتِهِ، ثُمّ تَحَامَلْت عَلَيْهِ فَقَطَطْته حَتّى انْتَهَى إلَى عَانَتِهِ فَصَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً مَا بَقِىَ أُطْمٌ مِنْ آطَامِ يَهُودَ إلاّ قَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ. فَقَالَ ابْنُ سُنَيْنَةَ يَهُودِىّ مِنْ يَهُودِ بَنِى حَارِثَةَ وَبَيْنَهُمَا ثَلاثَةُ أَمْيَالٍ: إنّى لأَجِدُ رِيحَ دَمٍ بِيَثْرِبَ مَسْفُوحٍ. وَقَدْ كَانَ أَصَابَ بَعْضُ الْقَوْمِ الْحَارِثَ بْنَ أَوْسٍ بِسَيْفِهِ وَهُمْ يَضْرِبُونَ كَعْبًا، فَكَلَمَهُ فِى رِجْلِهِ. فَلَمّا فَرَغُوا احْتَزّوا رَأْسَهُ ثُمّ حَمَلُوهُ مَعَهُمْ ثُمّ خَرَجُوا يَشْتَدّونَ وَهُمْ يَخَافُونَ مِنْ يَهُودَ الأَرْصَادَ حَتّى أَخَذُوا عَلَى بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ ثُمّ عَلَى قُرَيْظَةَ وَإِنّ نِيرَانَهُمْ فِى الآطَامِ لَعَالِيَةٌ ثُمّ عَلَى بُعَاثٍ حَتّى إذَا كَانَ بِحَرّةِ الْعُرَيْضِ نَزَفَ الْحَارِثُ الدّمَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ أَقْرِئُوا رَسُولَ اللّهِ مِنّى السّلامَ فَعَطَفُوا عَلَيْهِ فَاحْتَمَلُوهُ حَتّى أَتَوْا النّبِىّ ص. فَلَمّا بَلَغُوا بَقِيعَ الْغَرْقَدِ كَبّرُوا. وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللّهِ ص تِلْكَ اللّيْلَةَ يُصَلّى، فَلَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ ص تَكْبِيرَهُمْ بِالْبَقِيعِ كَبّرَ وَعَرَفَ أَنْ قَدْ قَتَلُوهُ. ثُمّ انْتَهَوْا يَعْدُونَ حَتّى وَجَدُوا رَسُولَ اللّهِ ص وَاقِفًا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: “أَفْلَحَتْ الْوُجُوهُ”، فَقَالُوا: وَوَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَمَوْا بِرَأْسِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَحَمِدَ اللّهَ عَلَى قَتْلِهِ. ثُمّ أَتَوْا بِصَاحِبِهِمْ الْحَارِثِ فَتَفَلَ فِى جُرْحِهِ، فَلَمْ يُؤْذِهِ، فَقَالَ فِى ذَلِك عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ: وَأَوْفَى طَالِعًا مِنْ فَوْقِ قَصْرِ قَالَ ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ: أَنَا رَأَيْت قَائِلَ هَذَا الشّعْرِ.فَقُلْت أَخُوك عَبّادُ بْنُ بِشْرِ فَقَدْ جِئْنَا لِتَشْكُرَنَا وَتَقْرِى بِنِصْفِ الْوَسْقِ مِنْ حَبّ وَتَمْرٍ لِشَهْرٍ إنْ وَفّى أَوْ نِصْفِ شَهْرِ لَقَدْ عَدِمُوا الْغِنَى مِنْ غَيْرِ فَقْرِ وَقَالَ لَنَا لَقَدْ جِئْتُمْ لأَمْرِ مُجَرّبَةٌ بِهَا الْكُفّارُ نَفْرِى بِهِ الْكَفّانِ كَاللّيْثِ الْهِزَبْرِ فَقَطّرَهُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرِ قَتَلْنَاهُ الْخَبِيثَ كَذِبْحِ عِتْرِ هُمُ نَاهُوك مِنْ صِدْقٍ وَبِرّ بِأَفْضَـــــلِ نِعْمَــــةٍ وَأَعَزّ نَصْـرِ صَرَخْت بِهِ فَلَمْ يَجْفِلْ لِصَوْتِى فَعُدْت فَقَالَ مَنْ هَذَا الْمُنَادِى فَقَالَ مُحَمّدٌ أَسْرِعْ إلَيْنَا وَتَرْفِدَنَا فَقَدْ جِئْنَا سِغَابًا وَهَذِى دِرْعُنَا رَهْنًا فَخُذْهَا فَقَالَ مَعَاشِرٌ سَغِبُوا وَجَاعُوا وَأَقْبَلَ نَحْوَنَا يَهْوِى سَرِيعًا وَفِى أَيْمَانِنَا بِيضٌ حِدَادٌ فَعَانَقَهُ ابْنُ مَسْلَمَةَ الْمُرَادِى وَشَدّ بِسَيْفِهِ صَلْتًا عَلَيْهِ وَصَلْت وَصَاحِبَاىَ فَكَانَ لَمّا وَمَرّ بِرَأْسِهِ نَفَرٌ كِرَامٌ وَكَـانَ اللّهُ سَادِسَنَــا فَأُبْنَــــــــا قَالَ ابْنُ أَبِى الزّنَادِ: لَوْلا قَوْلُ ابْنِ أَبِى حَبِيبَةَ لَظَنَنْت أَنّهَا ثَبْتٌ. قَالُوا: فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ اللّيْلَةِ الّتِى قُتِلَ فِيهَا ابْنُ الأَشْرَفِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ الْيَهُودِ فَاقْتُلُوهُ”. فَخَافَتْ الْيَهُودُ فَلَمْ يَطْلُعْ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَائِهِمْ وَلَمْ يَنْطِقُوا، وَخَافُوا أَنْ يُبَيّتُوا كَمَا بُيّتَ ابْنُ الأَشْرَفِ. وَكَانَ ابْنُ سُنَيْنَةَ مِنْ يَهُودِ بَنِى حَارِثَةَ، وَكَانَ حَلِيفًا لِحُوَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَدْ أَسْلَمَ؛ فَعَدَا مُحَيّصَةُ عَلَى ابْنِ سُنَيْنَةَ فَقَتَلَهُ فَجَعَلَ حُوَيّصَةُ يَضْرِبُ مُحَيّصَةَ وَكَانَ أَسَنّ مِنْهُ يَقُولُ: أَىْ عَدُوّ اللّهِ أَقَتَلْته؟ أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ فِى بَطْنِك مِنْ مَالِهِ فَقَالَ مُحَيّصَةُ: وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَنِى بِقَتْلِك الّذِى أَمَرَنِى بِقَتْلِهِ لَقَتَلْتُك. قَالَ: وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَك مُحَمّدٌ أَنْ تَقْتُلَنِى لَقَتَلْتنِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ حُوَيّصَةُ: وَاَللّهِ إنّ دِينًا يَبْلُغُ هَذَا لَدِينٌ مُعْجِبٌ. فَأَسْلَمَ حُوَيّصَةُ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ مُحَيّصَةُ - وَهِىَ ثَبْتٌ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَدْفَعُهَا - يَقُولُ: يَلُومُ ابْنُ أُمّى لَوْ أُمِرْت بِقَتْلِهِ فَفَزِعَتْ الْيَهُودُ وَمَنْ مَعَهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَجَاءُوا إلَى النّبِىّ ص حِينَ أَصْبَحُوا فَقَالُوا: قَدْ طُرِقَ صَاحِبُنَا اللّيْلَةَ وَهُوَ سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِنَا قُتِلَ غِيلَةً بِلا جُرْمٍ وَلا حَدَثٍ عَلِمْنَاهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “إنّهُ لَوْ قَرّ كَمَا قَرّ غَيْرُهُ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ مَا اُغْتِيلَ، وَلَكِنّهُ نَالَ مِنّا الأَذَى وَهَجَانَا بِالشّعْرِ، وَلَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْكُمْ إلاّ كَانَ لَهُ السّيْفُ”، وَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا يَنْتَهُونَ إلَى مَا فِيهِ فَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابًا تَحْتَ الْعِذْقِ فِى دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ. فَحَذِرَتْ الْيَهُودُ وَخَافَتْ وَذَلّتْ مِنْ يَوْمِ قَتْلِ ابْنِ الأَشْرَفِ.حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصَ صَقْلُهُ وَمَا سَرّنِى أَنّى قَتَلْتُـــك طَائِعًـــا لَطَبّقْت ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ قَاضِبِ مَتَى مَا تُصَوّبُهُ فَلَيْسَ بِكَاذِبِ وَلَوْ أَنّ لِى مَـا بَيْنَ بُصْرَى وَمَأْرِبِ فَحَدّثَنِى إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَعِنْدَهُ ابْنُ يَامِينَ النّضْرِىّ: كَيْفَ كَانَ قَتْلُ ابْنِ الأَشْرَفِ؟ قَالَ ابْنُ يَامِينَ: كَانَ غَدْرًا، وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ جَالِسٌ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَقَالَ: يَا مَرْوَانُ أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللّهِ عِنْدَك؟ وَاَللّهِ مَا قَتَلْنَاهُ إلاّ بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ ص، وَاَللّهِ لا يُؤْوِينِى وَإِيّاكَ سَقْفُ بَيْتٍ إلاّ الْمَسْجِدَ، وَأَمّا أَنْتَ يَا ابْنَ يَامِينَ - فَلِلّهِ عَلَىّ إنْ أَفْلَتّ وَقَدَرْت عَلَيْك وَفِى يَدِى سَيْفٌ إلاّ ضَرَبْت بِهِ رَأْسَك. فَكَانَ ابْنُ يَامِينَ لا يَنْزِلُ فِى بَنِى قُرَيْظَةَ حَتّى يَبْعَثَ لَهُ رَسُولاً يَنْظُرُ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَإِنْ كَانَ فِى بَعْضِ ضِيَاعِهِ نَزَلَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمّ صَدَرَ وَإِلاّ لَمْ يَنْزِلْ، فَبَيْنَا مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِى جِنَازَةٍ وَابْنُ يَامِينَ بِالْبَقِيعِ، فَرَأَى نَعْشًا عَلَيْهِ جَرَائِدُ رَطْبَةٌ لامْرَأَةٍ جَاءَ فَحَلّهُ، فَقَامَ النّاسُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ مَا تَصْنَعُ؟ نَحْنُ نَكْفِيك فَقَامَ إلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُهُ بِهَا جَرِيدَةً جَرِيدَةً، حَتّى كَسَرَ تِلْكَ الْجَرَائِدَ عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ، حَتّى لَمْ يَتْرُكْ فِيهِ مَصَحّا، ثُمّ أَرْسَلَهُ وَلا طَبَاخَ بِهِ، ثُمّ قَالَ: وَاَللّهِ لَوْ قَدَرْت عَلَى السّيْفِ لَضَرَبْتُك بِهِ. أيضاً ما ذكره الواقدي عن كتابة كتاب مؤقت بين محمد واليهود يؤكد أطروحة القمني في أن معاهدة المدينة كُتبت بعد أحد. ويقول ابن هشام: قال ابن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ظفرتم به من رجالِ يهودٍ فاقتلوه ، فوثب مُحَيِّصة ابن مسعود. قال ابن هشام: مُحَيِّصة ويقال: محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن عَدي بن مَجْدَعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عَمرو بن مالك بن الأوْس - على ابن سُنَيْنة؟ قال ابن هشام : ويقالُ شُنَينة - رجل من تُجَّار يهود، كان يلابسهم ويبايعهم فقتله وكان حُوَيصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم، و كان أسَنَّ من مُحَيِّصة، فلما قتله جعل حُوَيِّصة يضربه، ويقول : أي عدوَّ الله، أقتلتَه، أما والله لرُبَّ شحمٍ في بطنك من ماله . قال مُحَيصة : فقلت : والله لقد أمرنى بقتله. من لو أمرنى بقتلك لضربتُ عنقَك قال فوالله إن كان لأول إسلام حُويِّصة قال : آوللّه ، لو أمرك محمد بقتلى لقتلتنى؟ قال: نعم والله لو أمرنى بضرب عنقك . لضربتُها! قال : والله إن دِيناً بلغ بك هذا لعجب ، فأسلم حُوَيِّصة ما قاله محيصة في ذلك شعراً : قال ابن إسحاق : حدثنى هذا الحديث مولى لبنى حارثة، عن ابنة مُحَيصة، عن أبيها مُحَيِّصة . قال محيصة فى ذلك: يلوم ابنُ أمِّى لو أبرْت بقتله لطبَّقت ذِفراه بأبيضِ قاضبِ[1] حُسامٍ كلوْنِ الملحِ أخْلِصَ صَقْلهُ متي ما أصوِّبْه فليس بكاذبِ وما سرني أنى قتلتُك طائعاً وأن لنا ما بين بُصْرى ومأرِبِ[2] بالتالي نقول أن بادئ العداوة وصانعها مع اليهود هو محمد والمسلمون! وإن عدنا إلى الخلف قبل مقتل كعب بن الأشرف، نجد وجود صراع على التجارة والتنافس فيها، ووضع اليد على أفضل مواضع إقامة الأسواق، وهذا طبيعي للقوة الإسلامية العربية الناهضة الناشئة في منافستها مع اليهود الذين كانوا الأنجح في التجارة بيثرب، يقول السمهودي في وفاء الوفا بأخبار دار المصطفىى : وروى ابن شبة أيضا عن صالح بن كيسان قال: ضرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قبة في موضع بقيع الزبير فقال: هذا سوقكم. فأقبل كعب بن الأشرف فدخلها وقطع أطنابها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: لا جرم لأنقلنّها إلى موضع هو أغيظ له من هذا، فنقلها إلى موضع سوق المدينة، ثم قال: هذا سوقكم، لا تتحجروا، ولا يضرب عليه الخراج. و عن أبي أسيد أن رجلا جاء إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقال: يا رسول اللّه إني قد رأيت موضعا للسوق، أفلا تنظر إليه؟ قال: فجاء به إلى موضع سوق المدينة اليوم- أي في زمنهم- قال: فضرب النبي صلّى اللّه عليه و سلّم برجله و قال: هذا سوقكم؛ فلا ينقص منه، ولا يضربن عليه خراج. وروى ابن زبالة عن عباس بن سهل عن أبيه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أتى بني ساعدة فقال: إني قد جئتكم في حاجة تعطوني مكان مقابركم فأجعلها سوقا، و كانت مقابرهم ما حازت دار ابن أبي ذئب إلى دار زيد بن ثابت، فأعطاه بعض القوم، ومنعه بعضهم، و قالوا: مقابرنا و مخرج نسائنا، ثم تلاوموا فلحقوه و أعطوه إياه، فجعله سوقا. نلاحظ أن الخبر الأول عن كعب بن الأشرف تم حذفه من كتاب تاريخ المدينة لابن شبة حسب النسخة التي تحت أيدينا اليوم، بينما نقله السمهودي عنه فحفظه للتاريخ! ويمكننا القول أن الصراع لم يكن تنافسًا دينيًا فحسب، بل واقتصاديًّا وعِرقيًّا تعصبيًّا كذلك. وإن محمدًا جعل تدشين السوق في المرة الأولى في موضع داخل أرضٍ مملوكة لكعب بن الأشرف، وإلا لما تجرأ ابن الأشرف على قطع الأطناب، لا سيما وأن التنافس على التجارة كما جرى العرف لم ولا يكون بالسلاح. ويؤكد ذلك ما يذكره وفاء الوفا أن بعد مقتل ابن الأشرف استولى عليها المسلمون ووهبها محمد للزبير_بأسلوب النظام الإقطاعيّ القديم الطبقيّ_: بقيع الزبير: يجاور منازل بني غنم، و شرقي منازل بني زريق، و إلى جانبه في المشرق البقال، و لعل الرحبة التي بحارة الخدم بطريق بقيع الغرقد منه. روى ابن شبة عقب قصة كعب بن الأشرف المتقدمة في سوق المدينة لما أراد النبي صلى اللّه عليه و سلم أن يتخذ موضع بقيع الزبير سوقا أنه لما قتل كعب استقطع الزبير النبي صلى اللّه عليه و سلم البقيع فقطعه، فهو بقيع الزبير، ففيه من الدور للزبير دار عروة، ثم في شرقيها دار للمنذر بن الزبير إلى زقاق عروة، و فيه دار مصعب بن الزبير التي على يسارك إذا أردت بني مازن وقصة اغتيال كعب بن الأشرف في البخاري برقم 4037 واللفظ له أدناه، ومسلم 1801 وأحمد 65، واللفظ للبخاري: بَاب قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ 4037 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا قَالَ قُلْ فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ قَالَ وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ قَالَ إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ و حَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ نَعَمِ ارْهَنُونِي قَالُوا أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ قَالَ ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلَاحَ فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَتْ أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ قَالَ إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ قَالَ وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ قِيلَ لِسُفْيَانَ سَمَّاهُمْ عَمْرٌو قَالَ سَمَّى بَعْضَهُمْ قَالَ عَمْرٌو جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ عَمْرٌو جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ فَقَالَ إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ وَقَالَ مَرَّةً ثُمَّ أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَالَ عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ عَمْرٌو فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ قَالَ نَعَمْ فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ أَتَأْذَنُ لِي قَالَ نَعَمْ فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ دُونَكُمْ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ |
|
|
|
رقم الموضوع : [3] |
|
عضو عامل
![]() |
تمّ التثبيت للأهميّة .
|
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [4] |
|
عضو عامل
![]() |
لي عودة بعد قراءة الموضوع!
|
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [5] |
|
V.I.P
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
تحياتي للجميع لدينا مكتبة: http://il7ad.org/books/ نتمني من الجميع المشاركة واضافة الكتب التي يرغبون في نشرها... تحياتي |
|
|
|
|
|
|
رقم الموضوع : [6] |
|
باحث ومشرف عام
![]() |
أخي الشوبنهوري العزيز وسائر الإخوة العقلانيون وسط مجتمعات وشعوب جاهلة تعيش على الخزعبلات، تحياتي لكم وأشكر لكم الاهتمام
غزوة بني قينقاع لما انتشى محمد بنصره في بدر، شرع يهدد اليهود ليتبعوا دينه الجديد، وأول من قام بنفيهم هم قوم بني قينقاع، وللمسلمين هنا مزاعم سنناقشها بعد استعراضنا لكلامهم، فيقول ابن هشام: أمر بني قَينُقاع ما قاله لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وردهم عليه: قال: وقد كان فيما بين ذلك، من غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرُ بنى قَيْنُقاع. كان من حديث بني قَيْنُقَاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق بنى قَيْنُقَاع، ثم قال: يا معشر يهود، احذَرُوا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسْلموا فإنكم قد عَرَفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابِكم وعهدِ الله إليكم؛ قالوا: يا محمد، إنك ترى أنا قومُك؟! لا يَغُرَّنك أنك لقيتَ قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصةً، إنا والله لئن حاربناك لتعلَمنَّ أنا نحنُ الناسُ. ما نزل فيهم من القرآن: قال ابن إسحاق: فحدثني مولى قال زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير، أو عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيهم: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ* قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} [آل عمران:11،12]: أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقريش{فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ الله وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَالله يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الْأَبْصَارِ} [آل عمران: 12،13]. بنو قينقاع أول من نقض عهده صلى الله عليه وسلم: قال ابن إسحاق: وحدثنى عاصم بن عمر بن قتادة: أن بنى قينقاع كانوا أولَ يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بينَ بدر وأحد. سبب حرب المسلمين إياهم: قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المِسْوَر بن مَخْرَمة، عن أبى عون، قال: كان من أمر بني قَيْنقاع أن امرأة من العرب قدمت بجلبٍ لها، فباعته بسوق بني قَيْنُقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشفِ وجهها، فأبت، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرِها، فلما قامت انكشفت سوءتُها، فضحكوا بها، فصاحت. فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، وكان يهودياً، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشرُّ بينهم وبين بنى قَيْنُقاع. تدخل ابن أبي في شأنهم مع صلى الله عليه وسلم: قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، قال: فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فقام إليه عبدُ الله بنُ أبى ابنُ سلول، حين أمكنه منهم، فقال: يا محمد، أحسن في مواليَّ، وكانوا حلفاء الخزرج. قال: فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: يا محمدُ أحسنْ فى مَوَاليَّ، قال: فأعرض عنه. فأدخل يَده في جَيْبِ دِرْعِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن هشام: وكان يقال لها: ذات الفُضول. قال ابن إسحاق: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلْني، وغضب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظُلَلاً ثم قال: ويْحك! أرسلْني؛ قال: لا والله لا أرسلك حتى تُحسنَ في موالىَّ، أربعمائةِ حاسر وثلاثمائةِ دارعٍ قد منعوني من الأحمر والأسود، تَحْصُدهم في غَداةٍ واحدة، إنى والله امرؤ أخشى الدوائرَ؛ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم لك. مدة حصار بني قينقاع: قال ابن هشام: واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة فى محاصرته إياهم بشير بن عبد المنذر، وكانت محاصرته إياهم خمس عشرة ليلة. خلع ابن الصامت بني قينقاع وما نزل فيه من القرآن وفي ابن أُبَي : قال ابن إسحاق : وحدثني أبى: إسحاقُ بن يسار، عن عُبادة بن الوَليد بن عبادة بن الصامت قال : لما حاربت بنو قينقاع رِسولَ الله صلى الله عليه وسلم، تشبث بأمرهم عبدُ الله بنُ أبي ابنُ سلول وقام دونهم . ومشى عبادةُ بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أحد بني عَوْف ، لهم من حِلفه مثلُ الذى لهم من عبد الله بن أبي ، فخلعهم إلى رسول صلى الله عليه وسلم، وتبرأ إلى الله عز وجل ، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم من حلفِهم ، وقال : يا رسول الله ، أتولى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، وأبرأ من حِلف هؤلاء الكفار وولايتهم . قال : ففيه وفى عبد الله بن أبى نزلت هذه القصة من المائدة) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ الله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ(أي لعبد الله بن أبى وقوله : إنى أخشى الدوائر )يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى الله أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ* وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ( [المائدة: 51ـ53] ثم القصة إلى قوله تعالى :) إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(.[المائدة: 55] وذكر لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا، وتبرئه من بنى قينقاع وحلفهم وولايتهم :) وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمْ الْغَالِبُونَ(.[المائدة: 56] إن مما يجعلنا نشك في تلك القصة الإسلامية، متبعين رأي الدكتور القمني أمور منها تجهيل الخبر، فأين اسم الرجل المسلم أو العربي القتيل المزعوم، ما اسم المرأة؟ ثم يشير القمني أن بكتب التاريخ قصة قديمة تاريخية هي حرب (فِجار المرأة) من حروب الفجار الأربعة قبل الإسلام، التي حدثت بسبب فعل مشابه مع امرأة، فأدت إلى حرب كبيرة وقعت فيما يدعى بالأشهر الحُرُم المحرَّم فيها القتال لأنها موسم الحج، هذا كله يجعلنا نطعن في القصة الإسلامية، ورغم ما يقال عن عدم إجبار الإسلام لأهل الكتاب على اتباعه، فإن الإكراه الديني في كلام محمد واضح كالشمس! وللقمني وجهة نظر أراها صحيحة لأدلتها الكثيرة في كتابه (حروب دولة الرسول) على أن المعاهدة بين محمد واليهود لم تتم إلا بعد أحد، إذ احتاج هو لها، وليس في أول مقدمه حيث كان الأتباع قليلين والإسلام ضعيفاً، ولأنه لا ذكر لها في سياق غزو بني قينقاع! وقد استطاع القمني أن يجد خبراً عند ابن جرير الطبري وعنه ابن كثير في البداية والنهاية يؤخر تاريخ صحيفة المعاقل إلى السنة الثانية هجرية، أما القمني فيرى أنها بعد أحد، انظر كتابه ص 210، وله نفس آرائي في سعي محمد لإكراه اليهود على دينه، لأنهم خطر على دولته ودينه ومزاعمه كمنافسين له عالمين بأصل قصصه القرآنية من كتبهم وسقطاته وأخطائه وغيرها. جاء في (الكامل في التاريخ) لابن الأثير، عن الفجار الأول: وقيل كان سببه أن فتية من قريش قعدوا إلى امرأة من بني عامر وهي وضيئة عليها برقع فقالوا لها اسفري لننظر وجهك فلم تفعل فقام غلام منهم فشق ذيل ثوبها إلى ظهرها ولم تشعر فلما قامت انكشفت دبرها فضحكوا وقالوا منعتِنا النظر إلى وجهك فقد نظرنا إلى دبرك فصاحت المرأة يا بني عامر فضحت، فأتاها الناس واشتجروا حتى كاد يكون قتال ثم رأوا أن الأمر يسير فاصطلحوا ويقول الواقدي: غَزْوَةُ قَيْنُقَاعَ غَزْوَةُ قَيْنُقَاعَ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا، حَاصَرَهُمْ النّبِىّ ص إلَى هِلالِ ذِى الْقَعْدَةِ. حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ الْحَارِتِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ ابْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِىّ قَالَ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ ص الْمَدِينَةَ، وَادَعَتْهُ يَهُودُ كُلّهَا، وَكَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كِتَابًا. وَأَلْحَقَ رَسُولُ اللّهِ ص كُلّ قَوْمٍ بِحُلَفَائِهِمْ وَجَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَمَانًا، وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا، فَكَانَ فِيمَا شَرَطَ أَلاّ يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ عَدُوّا. فَلَمّا أَصَابَ رَسُولُ اللّهِ ص أَصْحَابَ بَدْرٍ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، بَغَتْ يَهُودُ وَقَطَعَتْ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ ص مِنْ الْعَهْدِ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَيْهِمْ فَجَمَعَهُمْ ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّى رَسُولُ اللّهِ قَبْلَ أَنْ يُوقِعَ اللّهُ بِكُمْ مِثْلَ وَقْعَةِ قُرَيْشٍ. فَقَالُوا: يَا مُحَمّدُ لا يَغُرّنّكَ مَنْ لَقِيت، إنّك قَهَرْت قَوْمًا أَغْمَارًا. وَإِنّا وَاَللّهِ أَصْحَابُ الْحَرْبِ وَلَئِنْ قَاتَلْتنَا لَتَعْلَمَنّ أَنّك لَمْ تُقَاتِلْ مِثْلَنَا. فَبَيْنَا هُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إظْهَارِ الْعَدَاوَةِ وَنَبْذِ الْعَهْدِ جَاءَتْ امْرَأَةٌ نَزِيعَةٌ مِنْ الْعَرَبِ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ إلَى سُوقِ بَنِى قَيْنُقَاعَ، فَجَلَسَتْ عِنْدَ صَائِغٍ فِى حُلِىّ لَهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ قَيْنُقَاعَ فَجَلَسَ مِنْ وَرَائِهَا وَلا تَشْعُرُ فَخَلّ دِرْعَهَا إلَى ظَهْرِهَا بِشَوْكَةٍ فَلَمّا قَامَتْ الْمَرْأَةُ بَدَتْ عَوْرَتُهَا فَضَحِكُوا مِنْهَا. فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاتّبَعَهُ فَقَتَلَهُ فَاجْتَمَعَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ، وَتَحَايَشُوا فَقَتَلُوا الرّجُلَ وَنَبَذُوا الْعَهْدَ إلَى النّبِىّ ص وَحَارَبُوا، وَتَحَصّنُوا فِى حِصْنِهِمْ. فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ص فَحَاصَرَهُمْ فَكَانُوا أَوّلَ مَنْ سَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ ص وَأَجْلَى يَهُودَ قَيْنُقَاعَ وَكَانُوا أَوّلَ يَهُودَ حَارَبَتْ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {وَإِمّا تَخَافَنّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنّ اللّهَ لا يُحِبّ الْخَائِنِينَ} فَسَارَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ ص بِهَذِهِ الآيَةِ. قَالُوا: فَحَصَرَهُمْ فِى حِصْنِهِمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً أَشَدّ الْحِصَارِ حَتّى قَذَفَ اللّهُ فِى قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ. قَالُوا: أَفَنَنْزِلُ وَنَنْطَلِقُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا، إلاّ عَلَى حُكْمِى”، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ ص فَأَمَرَ بِهِمْ فَرُبِطُوا، قَالَ: فَكَانُوا يُكَتّفُونَ كِتَافًا. قَالُوا: وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ ص عَلَى كِتَافِهِمْ الْمُنْذِرَ بْنَ قُدَامَةَ السّالِمِىّ. قَالَ: فَمَرّ بِهِمْ ابْنُ أُبَىّ، وَقَالَ: حُلّوهُمْ، فَقَالَ الْمُنْذِرُ: أَتَحُلّونَ قَوْمًا رَبَطَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص؟ وَاَللّهِ لا يَحُلّهُمْ رَجُلٌ إلاّ ضَرَبْت عُنُقَهُ. فَوَثَبَ ابْنُ أُبَىّ إلَى النّبِىّ ص، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِى جَنْبِ دِرْعِ النّبِىّ ص مِنْ خَلْفِهِ، فَقَالَ: يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِى مَوَالِىّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ النّبِىّ ص غَضْبَانَ مُتَغَيّرَ الْوَجْهِ، فَقَالَ: “وَيْلَك، أَرْسِلْنِى”، فَقَالَ: لا أُرْسِلُك حَتّى تُحْسِنَ فِى مَوَالِىّ أَرْبَعُ مِائَةِ دَارِعٍ وَثَلَثُمِائَةِ حَاسِرٍ مَنَعُونِى يَوْمَ الْحَدَائِقِ، وَيَوْمَ بُعَاثٍ مِنْ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ تُرِيدُ أَنْ تَحْصِدَهُمْ فِى غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ؟ يَا مُحَمّدُ إنّى امْرُؤٌ أَخْشَى الدّوَائِرَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “خَلّوهُمْ لَعَنَهُمْ اللّهُ، وَلَعَنَهُ مَعَهُمْ”. فَلَمّا تَكَلّمَ ابْنُ أُبَىّ فِيهِمْ تَرَكَهُمْ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ الْقَتْلِ، وَأَمَرَ بِهِمْ أَنْ يُجْلَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ؛ فَجَاءَ ابْنُ أُبَىّ بِحُلَفَائِهِ مَعَهُ وَقَدْ أَخَذُوا بِالْخُرُوجِ يُرِيدُ أَنْ يُكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ ص أَنْ يُقِرّهُمْ فِى دِيَارِهِمْ، فَيَجِدُ عَلَى بَابِ النّبِىّ ص عُوَيْمَ بْنَ سَاعِدَةَ فَذَهَبَ لِيَدْخُلَ فَرَدّهُ عُوَيْمٌ، وَقَالَ: لا تَدْخُلْ حَتّى يُؤْذِنَ رَسُولُ اللّهِ ص لَك. فَدَفَعَهُ ابْنُ أُبَىّ، فَغَلُظَ عَلَيْهِ عُوَيْمٌ حَتّى جَحَشَ وَجْهَ ابْنِ أُبَىّ الْجِدَارُ، فَسَالَ الدّمُ فَتَصَايَحَ حَلْفَاؤُهُ مِنْ يَهُودَ فَقَالُوا: أَبَا الْحُبَابِ لا نُقِيمُ أَبَدًا بِدَارٍ أَصَابَ وَجْهَك فِيهَا هَذَا، لا نَقْدِرُ أَنْ نُغَيّرَهُ. فَجَعَلَ ابْنُ أُبَىّ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَمْسَحُ الدّمَ عَنْ وَجْهِهِ يَقُولُ: وَيْحَكُمْ قِرّوا فَجَعَلُوا يَتَصَايَحُونَ لا نُقِيمُ أَبَدًا بِدَارٍ أَصَابَ وَجْهَك فِيهَا هَذَا، لا نَسْتَطِيعُ لَهُ غَيْرًا وَلَقَدْ كَانُوا أَشْجَعَ يَهُودَ وَقَدْ كَانَ ابْنُ أُبَىّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَصّنُوا، وَزَعَمَ أَنّهُ سَيَدْخُلُ مَعَهُمْ فَخَذَلَهُمْ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ وَلَزِمُوا حِصْنَهُمْ فَمَا رَمَوْا بِسَهْمٍ وَلا قَاتَلُوا حَتّى نَزَلُوا عَلَى صُلْحِ رَسُولِ اللّهِ ص وَحُكْمِهِ وَأَمْوَالُهُمْ لِرَسُولِ اللّهِ ص. فَلَمّا نَزَلُوا وَفَتَحُوا حِصْنَهُمْ كَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ الّذِى أَجْلاهُمْ وَقَبَضَ أَمْوَالَهُمْ. وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ سِلاحِهِمْ ثَلاثَ قِسِىّ قَوْسٌ تُدْعَى الْكَتُومَ كُسِرَتْ بِأُحُدٍ، وَقَوْسٌ تُدْعَى الرّوْحَاءَ، وَقَوْسٌ تُدْعَى الْبَيْضَاءَ؛ وَأَخَذَ دِرْعَيْنِ مِنْ سِلاحِهِمْ دِرْعًا يُقَالُ لَهَا الصّغْدِيّةُ وَأُخْرَى فِضّةُ وَثَلاثَةَ أَسْيَافٍ سَيْفٌ قَلَعِىّ، وَسَيْفٌ يُقَالُ لَهُ: بَتّارٌ وَسَيْفٌ آخَرُ وَثَلاثَةَ أَرْمَاحٍ. قَالَ: وَوَجَدُوا فِى حُصُونِهِمْ سِلاحًا كَثِيرًا وَآلَةً لِلصّيَاغَةِ وَكَانُوا صَاغَةً. قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: فَوَهَبَ لِى رَسُولُ اللّهِ ص دِرْعًا مِنْ دُرُوعِهِمْ وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ دِرْعًا لَهُ مَذْكُورَةً يُقَالُ لَهَا: السّحْلُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَرَضُونَ وَلا قِرَابٌ - يَعْنِى مَزَارِعَ - وَخَمّسَ رَسُولُ اللّهِ ص مَا أَصَابَ مِنْهُمْ وَقَسّمَ مَا بَقِىَ عَلَى أَصْحَابِهِ. وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ أَنْ يُجْلِيَهُمْ فَجَعَلَتْ قَيْنُقَاعُ تَقُولُ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ مِنْ بَيْنِ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ - وَنَحْنُ مَوَالِيك - فَعَلْت هَذَا بِنَا؟ قَالَ لَهُمْ: عُبَادَةُ لَمّا حَارَبْتُمْ جِئْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ص، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّى أَبْرَأُ إلَيْك مِنْهُمْ وَمِنْ حِلْفِهِمْ. وَكَانَ ابْنُ أُبَىّ وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ فِى الْحِلْفِ. فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَىّ: تَبَرّأْت مِنْ حِلْفِ مَوَالِيك؟ مَا هَذِهِ بِيَدِهِمْ عِنْدَك فَذَكّرَهُ مَوَاطِنَ قَدْ أَبْلَوْا فِيهَا، فَقَالَ عُبَادَةُ: أَبَا الْحُبَابِ تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ وَمَحَا الإِسْلامُ الْعُهُودَ أَمَا وَاَللّهِ إنّك لَمُعْصِمٌ بِأَمْرٍ سَتَرَى غِبّهُ غَدًا فَقَالَتْ قَيْنُقَاعُ: يَا مُحَمّدُ إنّ لَنَا دَيْنًا فِى النّاسِ. قَالَ النّبِىّ ص: “تَعَجّلُوا وَضَعُوا”، وَأَخَذَهُمْ عُبَادَةُ بِالرّحِيلِ وَالإِجْلاءِ وَطَلَبُوا التّنَفّسَ، فَقَالَ لَهُمْ: وَلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَكُمْ ثَلاثٌ لا أَزِيدُكُمْ عَلَيْهَا هَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللّهِ ص وَلَوْ كُنْت أَنَا مَا نَفّسْتُكُمْ. فَلَمّا مَضَتْ ثَلاثٌ خَرَجَ فِى آثَارِهِمْ حَتّى سَلَكُوا إلَى الشّامِ، وَهُوَ يَقُولُ: الشّرَفَ الأَبْعَدَ الأَقْصَى، فَأَقْصَى وَبَلَغَ خَلْفَ ذُبَابٍ، ثُمّ رَجَعَ وَلَحِقُوا بِأَذْرِعَاتٍ. وَقَدْ سَمِعْنَا فِى إجْلائِهِمْ حَيْثُ نَقَضُوا الْعَهْدَ غَيْرَ حَدِيثِ ابْنِ كَعْبٍ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدٌ، عَنْ الزّهْرِىّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: إنّ رَسُولَ اللّهِ ص لَمّا رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ حَسَدُوا فَأَظْهَرُوا الْغِشّ فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلامُ بِهَذِهِ الآيَةِ {وَإِمّا تَخَافَنّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنّ اللّهَ لا يُحِبّ الْخَائِنِينَ} قَالَ: فَلَمّا فَرَغَ جِبْرِيلُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ ص: “فَأَنَا أَخَافُهُمْ”، فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ ص بِهَذِهِ الآيَةِ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ وَلِرَسُولِ اللّهِ أَمْوَالُهُمْ وَلَهُمْ الذّرّيّةُ وَالنّسَاءُ. فَحَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: إنّى لَبِال فَلْجَتَيْنِ مُقْبِلٌ مِنْ الشّامِ، إذْ لَقِيت بَنِى قَيْنُقَاعَ يَحْمِلُونَ الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ قَدْ حَمَلُوهُمْ عَلَى الإِبِلِ وَهُمْ يَمْشُونَ فَسَأَلْتهمْ فَقَالُوا: أَجْلانَا مُحَمّدٌ وَأَخَذَ أَمْوَالَنَا. قُلْت: فَأَيْنَ تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: الشّامَ. قَالَ سَبْرَةُ: فَلَمّا نَزَلُوا بِوَادِى الْقُرَى أَقَامُوا شَهْرًا، وَحَمَلْت يَهُودُ وَادِى الْقُرَى مَنْ كَانَ رَاجِلاً مِنْهُمْ وَقَوّوْهُمْ وَسَارُوا إلَى أَذْرِعَاتٍ فَكَانُوا بِهَا، فَمَا كَانَ أَقَلّ بَقَاءَهُمْ. حَدّثَنِى يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ ص أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ عَلَى الْمَدِينَةِ ثَلاثَ مَرّاتٍ بَدْرَ الْقِتَالِ وَبَنِى قَيْنُقَاعَ، وَغَزْوَةَ السّوِيقِ. بوسعنا هنا رؤية أخلاق النبوة والإسلام اللئيمة، فقد نهب أموال اليهود على أساس حجج وكلام مطاطي لا معنى له من نوع (غشوا المسلمين وحسدوهم) وقد خفت منم فاعتديت عليهم، وأكلوا عليهم الديون التي تداينوها من بعضهم أو لم يردوا لبعضهم سوى جزءاً منها بعد إلحاح طبعاً! |
|
|
|
رقم الموضوع : [7] |
|
باحث ومشرف عام
![]() |
غزوة زيد بن حارثة إلى القردة لم يتوقف محمد عن تحرشه بقوافل قريش ونهبها، وهو ما تسبب في جمعهم له وحربه في أحد حيث هزموا المسلمين: يقول الواقدي: سَرِيّةُ الْقَرَدَةِ، أَمِيرُهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فِى جُمَادَى الآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ. وجاء في المغازي للواقدي: شَأْنُ سَرِيّةِ الْقَرَدَةِ فِيهَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَهِىَ أَوّلُ سَرِيّةٍ خَرَجَ فِيهَا زَيْدٌ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ أَمِيرًا، وَخَرَجَ لِهِلالِ جُمَادَى الآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا. حَدّثَنِى مُحَمّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَهْلِهِ، قَالُوا: كَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ حَذِرَتْ طَرِيقَ الشّامِ أَنْ يَسْلُكُوهَا، وَخَافُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ ص وَأَصْحَابِهِ وَكَانُوا قَوْمًا تُجّارًا، فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ: إنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ قَدْ عَوّرُوا عَلَيْنَا مَتْجَرَنَا، فَمَا نَدْرِى كَيْفَ نَصْنَعُ بِأَصْحَابِهِ لا يَبْرَحُونَ السّاحِلَ وَأَهْلُ السّاحِلِ قَدْ وَادَعَهُمْ وَدَخَلَ عَامّتُهُمْ مَعَهُ فَمَا نَدْرِى أَيْنَ نَسْلُك، وَإِنْ أَقَمْنَا نَأْكُلُ رُءُوسَ أَمْوَالِنَا وَنَحْنُ فِى دَارِنَا هَذِهِ مَا لَنَا بِهَا نِفَاقٌ إنّمَا نَزَلْنَاهَا عَلَى التّجَارَةِ إلَى الشّامِ فِى الصّيْفِ وَفِى الشّتَاءِ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ. قَالَ لَهُ الأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ: فَنَكّبْ عَنْ السّاحِلِ وَخُذْ طَرِيقَ الْعِرَاقِ. قَالَ صَفْوَانُ: لَسْت بِهَا عَارِفًا. قَالَ أَبُو زَمْعَةَ: فَأَنَا أَدُلّك عَلَى أَخْبَرِ دَلِيلٍ بِهَا يَسْلُكُهَا وَهُوَ مُغْمَضُ الْعَيْنِ، إنْ شَاءَ اللّهُ. قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ الْعِجْلِىّ، قَدْ دَوّخَهَا وَسَلَكَهَا، قَالَ صَفْوَانُ: فَذَلِكَ وَاَللّهِ فَأَرْسَلَ إلَى فُرَاتٍ فَجَاءَهُ، فَقَالَ: إنّى أُرِيدُ الشّامَ وَقَدْ عَوّرَ عَلَيْنَا مُحَمّدٌ مَتْجَرَنَا لأَنّ طَرِيقَ عِيرَاتِنَا عَلَيْهِ فَأَرَدْت طَرِيقَ الْعِرَاقِ. قَالَ فُرَاتٌ: فَأَنَا أَسْلُكُ بِك فِى طَرِيقِ الْعِرَاقِ، لَيْسَ يَطَؤُهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ - إنّمَا هِىَ أَرْضُ نَجْدٍ وَفَيَافٍ. قَالَ صَفْوَانُ: فَهَذِهِ حَاجَتِى، أَمّا الْفَيَافِى فَنَحْنُ شَاتُونَ وَحَاجَتُنَا إلَى الْمَاءِ الْيَوْمَ قَلِيلٌ. فَتَجَهّزَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ، وَأَرْسَلَ مَعَهُ أَبُو زَمْعَةَ بِثَلاثِمِائَةِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَنُقَرِ فِضّةٍ وَبَعَثَ مَعَهُ رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ بِبَضَائِعَ وَخَرَجَ مَعَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى فِى رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بِمَالٍ كَثِيرٍ - نُقَرِ فِضّةٍ وَآنِيَةِ فِضّةٍ وَزْنِ ثَلاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَرَجُوا عَلَى ذَاتِ عِرْقٍ. وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِىّ، وَهُوَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ فَنَزَلَ عَلَى كِنَانَةَ ابْنِ أَبِى الْحُقَيْقِ فِى بَنِى النّضِيرِ فَشَرِبَ مَعَهُ وَشَرِبَ مَعَهُ سَلِيطُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَسْلَمَ - وَلَمْ تُحَرّمْ الْخَمْرُ يَوْمَئِذٍ - وَهُوَ يَأْتِى بَنِى النّضِيرِ وَيُصِيبُ مِنْ شَرَابِهِمْ. فَذَكَرَ نُعَيْمٌ خُرُوجَ صَفْوَانَ فِى عِيرِهِ وَمَا مَعَهُمْ مِنْ الأَمْوَالِ فَخَرَجَ مِنْ سَاعَتِهِ إلَى النّبِىّ ص فَأَخْبَرَهُ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ ص زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِى مِائَةِ رَاكِبٍ فَاعْتَرَضُوا لَهَا فَأَصَابُوا الْعِيرَ. وَأَفْلَتْ أَعْيَانُ الْقَوْمِ وَأَسَرُوا رَجُلاً أَوْ رَجُلَيْنِ وَقَدِمُوا بِالْعِيرِ عَلَى النّبِىّ ص فَخَمّسَهَا، فَكَانَ الْخُمُسُ يَوْمَئِذٍ قِيمَةَ عِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقَسَمَ مَا بَقِىَ عَلَى أَهْلِ السّرِيّةِ. وَكَانَ فِى الأَسْرَى فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ، فَأُتِىَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ: أَسْلِمْ، إنْ تُسْلِمْ نَتْرُكْكَ مِنْ الْقَتْلِ فَأَسْلَمَ فَتَرَكَهُ مِنْ الْقَتْلِ. ويقول ابن هشام: سرية زيد بن حارثة إلى القَردة زيد بن حارثة يصيب العير : قال ابن اسحاق : وسرية زيد بن حارثة التى بعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيها، حين أصاب عيرَ قريش ، وفيها أبو سفيان بن حرب ، على القَردة، ماء من مياه نجد. وكان من حديثها : أن قريشاً خافوا طريقهم الذي كانوا يسلكون إلى الشام ، حين كان من وقْعة بدر ما كان ، فسلكوا طريقَ العراق ، فخرج منهم تجار، فيهم : أبو سفيان بن حرب ، ومعه فضة كثيرة، وهم عُظْمُ تجارتهم ، واستأجروا رجلاً من بنى بكر بن وائل ، يقال له فُرات بن حَيَّان يدلهم في ذلك على الطريق . قال ابن هشام : فُرات بن حيان ، من بنى عِجْل ، حليف لبني سَهْم . قال ابن إسحاق : وبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زَيد بن حارثة فلقيهم على ذلك الماء فأصاب تلك العير وما فيها، وأعجزه الرجالُ ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قاله حسان في هذه الغزوة : فقال حسان بن ثابت بعد أحد فى غزوة بدْر الآخرة يؤنِّب قريشاً لأخذهم تلكَ الطريق : دعوا فَلَجاتِ الشامِ قد حال دونَها جلاد كأفواهِ المَخاضِ الأواركَ[1] بأيدي رجالٍ هاجروا نحوَ ربهم وأنصارهِ حقا وأيدي الملائك[2] إذا سلكتْ للغَوْرِ من فيِ عالجٍ فقولا لها ليس الطريقُ هنالك[3] قال ابن هشام : وهذه الأبيات في أبيات لحسان بن ثابت ، نقضها عليه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب [1]الفلجات : جمع فلج ، وهي العين الجارية، يقال : ماء فلج ، وعين فلج . والمخاض : حوامل الإبل . والأوارك : التي ترعى شجر الأراك الذي تتخذ من أغصانه المساويك . [2]الملائك : جمع ملك على غير لفظه ، ولو جمعوه على لفظة لقالوا : أملاك ، ولكن الميم من ملك زائدة فيما زعموا، وأصله مألك من الألوك ، وهي الرسالة. [3]الغور : ما انخفض من الأرض . وبطن عالج : مكان . |
|
|
|
رقم الموضوع : [8] |
|
باحث ومشرف عام
![]() |
موقعة أحد بعد هزيمة الوثنيين القرشيين في موقعة بدر، وإصرار محمد وأتباعه على قطع طريق قوافل قريش التجارية ومقاطعتها، كرست قريش معظم مكسبها من العير التي نجت من محاولة المسلمين نهبها، لتمويل الهجوم على مدينة يثرب لأفعالها وهو ما يسمّى بغزوة أحد، التي انتهت بانتصار الوثنيين لكونهم اهتموا جداً بها وظلوا عاماً كاملاً يجهزون لها وجلبوا معهم حلفاء من الأحابيش وثقيف، لايسعني هنا عرض كامل النصوص عن هذه الموقعة، فلمن شاء أن يراجعها في كتب السيرة والحديث، وبدراسة الواقدي باعتباره أكمل وأفضل سياق ورواية كالعادة لتلك المعارك، نلاحظ عدة ملاحظات: 1- رفض محمد دمج اليهود حلفاء أبي بن سلول في جيشه الإسلامي الدينيّ، وهو ما يعكس عدم الرغبة في تكوين دولة قومية يكون فيها كل البشر متساوون، وهو ما يدل كذلك على صحة نظرية القمي من أن وثيقة معاهدة المدينة لم تُكتَب إلا بعد أحد، لأنها تنص_بخلاف ذلك_ على أن المسلمين واليهود في يثرب أمة واحدة يتشاركون في الدفاع عنها ودفع الديات[1]. جاء في الواقدي: حَتّى انْتَهَى إلَى رَأْسِ الثّنِيّةِ، الْتَفَتَ فَنَظَرَ إلَى كَتِيبَةٍ خَشْنَاءَ لَهَا زَجَلٌ خَلْفَهُ فَقَالَ: “مَا هَذِهِ”؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ هَؤُلاءِ حُلَفَاءُ ابْنِ أُبَىّ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لا يُسْتَنْصَرُ بِأَهْلِ الشّرْكِ عَلَى أَهْلِ الشّرْكِ” ورواه الحاكم في مستدركه 2/ 122 وابن سعد في الطبقات الكبير ج2 ويقول ابن هشام: قال ابن هشام: وذكر غير زياد، عن محمد بن إسحاق عن الزهري: أن الأنصار يوم أحد، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من يهود؟ فقال: لاحاجة لنا فيهم 2_أخيرأ ازداد عدد أتباع محمد، فلم يعد يكرر سقطته الأخلاقية الكبرى، وبدأ يرفض مشاركة الأطفال والمراهقين المندفعين في الجيش: وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ ص حَتّى أَتَى الشّيْخَيْنِ فَعَسْكَرَ بِهِ، وَعُرِضَ عَلَيْهِ غِلْمَانٌ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ، وَزَيْدُ ابْنُ ثَابِتٍ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَالنّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ، وَعَرَابَةُ بْنُ أَوْسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىّ، وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، فَرَدّهُمْ. قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ: فَقَالَ ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ رَامٍ وَجَعَلْت أَتَطَاوَلُ وَعَلَىّ خُفّانِ لِى، فَأَجَازَنِى رَسُولُ اللّهِ ص، فَلَمّا أَجَازَنِى، قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ لِرَبِيبِهِ مُرَىّ بْنِ سِنَانٍ الْحَارِثِىّ، وَهُوَ زَوْجُ أُمّهِ: يَا أَبَتِ أَجَازَ رَسُولُ اللّهِ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَرَدّنِى، وَأَنَا أَصْرَعُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ، فَقَالَ مُرَىّ بْنُ سِنَانٍ الْحَارِثِىّ: يَا رَسُولَ اللّهِ رَدَدْت ابْنِى وَأَجَزْت رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَابْنِى يَصْرَعُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “تَصَارَعَا”، فَصَرَعَ سَمُرَةُ رَافِعًا فَأَجَازَهُ رَسُولُ اللّهِ ص - وَكَانَتْ أُمّهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِى أَسَدٍ. وعند ابن هشام: قال ابن هشام: وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ! سَمُرة بن جُنْدب الفَزاري، ورافع بن خَدِيج، أخا بنى حارثة، وهما ابنا خمس عشرة سنة، وكان قد ردهما، فقيل له: يا رسول الله إن رافعا رامٍ، فأجازه؛ فلما أجاز رافعا قيل له: يا رسول الله، فإن سَمُرة يصرع رافعاً، فأجازه. ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وعبد الله ابن عمر بن الخطاب، وزيد بن ثابت، أحد بنى مالك بن النجار، والبَراء بن عازب، أحد بنى حارثة، وعمرو بن حَزْم، أحد بني مالك ابن النجار، وأسَيْد بن ظُهَيْر، أحد بني حارثة، ثم أجازهم يوم الخندق، وهم أبناء خمس عشرة سنة والخبر رواه مؤلف زاد المعاد في ذكره لهذه الغزوة، وأخرجه البخاري 4097 ومسلم 1868 3-نتيجة الإكراه الديني كان ظهور المنافقين المضطرين لحماية حياتهم ومصالحهم للتظاهر باتباع ديانة محمد، منهم رجل عجوز أعمى له بستان، دخله محمد مع بساتين أخرى أثناء موقعة أحد، ليمر من خلالها بطريق متخفٍ، ورفض الرجل دخول محمد في بستانه، فقام رجال محمد بضرب الرجل الأعمى وشج رأسه، ونعم الإنسانية! روى الواقدي: وَنَامَ رَسُولُ اللّهِ ص حَتّى أَدْلَجَ فَلَمّا كَانَ فِى السّحَرِ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَيْنَ الأَدِلاّءُ؟ مَنْ رَجُلٌ يَدُلّنَا عَلَى الطّرِيقِ وَيُخْرِجُنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ”؟ فَقَامَ أَبُو حَثْمَةَ الْحَارِثِىّ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ، وَيُقَالُ: أَوْسُ بْنُ قَيْظِىّ، وَيُقَالُ: مُحَيّصَةُ - وَأَثْبَتُ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَبُو حَثْمَةَ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص فَرَكِبَ فَرَسَهُ فَسَلَكَ بِهِ فِى بَنِى حَارِثَةَ ثُمّ أَخَذَ فِى الأَمْوَالِ حَتّى يَمُرّ بِحَائِطِ مِرْبَعِ بْنِ قَيْظِىّ. وَكَانَ أَعْمَى الْبَصَرِ مُنَافِقًا، فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ ص وَأَصْحَابُهُ حَائِطَهُ قَامَ يَحْثِى التّرَابَ فِى وُجُوهِهِمْ وَجَعَلَ يَقُولُ: إنْ كُنْت رَسُولَ اللّهِ فَلا تَدْخُلْ حَائِطِى، فَيَضْرِبُهُ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الأَشْهَلِىّ بِقَوْسٍ فِى يَدِهِ فَشَجّهُ فِى رَأْسِهِ فَنَزَلَ الدّمُ فَغَضِبَ لَهُ بَعْضُ بَنِى حَارِثَةَ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ فَقَالَ: هِىَ عَدَاوَتُكُمْ يَا بَنِى عَبْدِ الأَشْهَلِ لا تَدْعُونَهَا أَبَدًا لَنَا. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: لا وَاَللّهِ وَلَكِنّهُ نِفَاقُكُمْ، وَاَللّهِ لَوْلا أَنّى لا أَدْرِى مَا يُوَافِقُ النّبِىّ ص مِنْ ذَلِكَ لَضَرَبْت عُنُقَهُ وَعُنُقَ مَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ فَأُسْكِتُوا. يلاحظ القمني في كل كتبه ومنها حروب دولة الرسول أنه لما كان قد حدث قبل الإسلام أن قريشاً ساعدوا الأوس ضد الخزرج، كان معظم من حضروا بيعتي العقبة الأولى والثانية، ومعظم أوائل معتنقي الإسلام من الخزرج، في حين كان معظم مناوئي محمد والإسلام من الأوس، والسياق السابق قصة من قصص كثيرة تؤكد ذلك. وعند ابن هشام: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: مَنْ رجل يخرج بنا على القوم من كَثَب: أي من قرب، من طريق لا يمر بنا عليهم؟ فقال أبو خَيْثمة أخو بنى حارثة بن الحارث: أنا يا رسول الله، فنفذ به في حَرَّة بنى حارثة، وبين أموالهم، حتى سلك في مال لمِرْبَع بن قَيْظِي، وكان رجلا منافقاً ضرير البصر، فلما سمع حسَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين، قام يَحْثِي في وجوههم التراب، ويقول: إن كنتَ رسولَ الله فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي. وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده، ثم قال: والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرَك يا محمد لضربت بها وجهك. فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتلوه، فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر. وقد بدر إليه سعد بن زيد، أخو بنى عبد الأشهل، قبل نَهْى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فضربه بالقوس في رأسه، فشجَّه. 4-محمد_رغم أنه ينطلق من يثرب_ يولي رجلاً من بني عبد الدار الراية كما هي العادة عند الوثنيين المكيين، لما وجد أن قريشاً ولت رايتها لرجل من ذات البطن، وهي رسالة تؤكد كل نظريات سيد القمني من أن محمداً كان يخطط لدين ودولة أو مملكة يحكم فيها العرب ما يسيطرون عليه من العالم، وتحكم قريش العرب وما ملكوه من بلدان. يقول الواقدي: وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ قَدْ صَفّوا صُفُوفَهُمْ وَاسْتَعْمَلُوا عَلَى الْمَيْمَنَةِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِى جَهْلٍ، وَلَهُمْ مُجَنّبَتَانِ مِائَتَا فَرَسٍ وَجَعَلُوا عَلَى الْخَيْلِ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ - وَيُقَالُ: عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ - وَعَلَى الرّمَاةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِى رَبِيعَةَ، وَكَانُوا مِائَةَ رَامٍ، وَدَفَعُوا اللّوَاءَ إلَى طَلْحَةَ بْنِ أَبِى طَلْحَةَ - وَاسْمُ أَبِى طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَىّ. وَصَاحَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ: يَا بَنِى عَبْدِ الدّارِ نَحْنُ نَعْرِفُ أَنّكُمْ أَحَقّ بِاللّوَاءِ مِنّا إنّا إنّمَا أَتَيْنَا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ اللّوَاءِ، وَإِنّمَا يُؤْتَى الْقَوْمُ مِنْ قِبَلِ لِوَائِهِمْ فَالْزَمُوا لِوَاءَكُمْ وَحَافِظُوا عَلَيْهِ وَخَلّوْا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَإِنّا قَوْمٌ مُسْتَمِيتُونَ مَوْتُورُونَ نَطْلُبُ ثَأْرًا حَدِيثَ الْعَهْدِ، وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: إذَا زَالَتْ الأَلْوِيَةُ فَمَا قِوَامُ النّاسِ وَبَقَاؤُهُمْ بَعْدَهَا فَغَضِبَ بَنُو عَبْدِ الدّارِ، وَقَالُوا: نَحْنُ نُسَلّمُ لِوَاءَنَا؟ لا كَانَ هَذَا أَبَدًا، فَأَمّا الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ فَسَتَرَى ثُمّ أَسْنَدُوا الرّمَاحَ إلَيْهِ وَأَحْدَقَتْ بَنُو عَبْدِ الدّارِ بِاللّوَاءِ وَأَغْلَظُوا لأَبِى سُفْيَانَ بَعْضَ الإِغْلاظِ. فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَنَجْعَلُ لِوَاءً آخَرَ؟ قَالُوا: نَعَمْ وَلا يَحْمِلُهُ إلاّ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَبْدِ الدّارِ لا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ أَبَدًا. وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْهِ يُسَوّى تِلْكَ الصّفُوفَ وَيُبَوّئُ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ، يَقُولُ: “تَقَدّمْ يَا فُلانٌ، وَتَأَخّرْ يَا فُلانٌ”، حَتّى إنّهُ لَيَرَى مَنْكِبَ الرّجُلِ خَارِجًا فَيُؤَخّرُهُ، فَهُوَ يُقَوّمُهُمْ كَأَنّمَا يُقَوّمُ بِهِمْ الْقِدَاحَ حَتّى إذَا اسْتَوَتْ الصّفُوفُ سَأَلَ مَنْ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ؟ قِيلَ: بَنُو عَبْدِ الدّارِ. قَالَ: نَحْنُ أَحَقّ بِالْوَفَاءِ مِنْهُمْ، أَيْنَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: خُذْ اللّوَاءَ، فَأَخَذَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَتَقَدّمَ بِهِ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ص. وقال ابن هشام: وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ودفع اللواءَ إلى مِصْعَب بن عُمَير، أخي بني عبد الدار. ويمكننا أن نكتشف مدى الدناوة والشهوانية الهمجية وانعدام السمو والمثاليات عند المسلمين، من طعمهم في استعباد وسبي نساء الوثنيين لما تراجعوا وانكشفوا، يقول الواقدي: وَقَالُوا: مَا ظَفّرَ اللّهُ نَبِيّهُ فِى مَوْطِنٍ قَطّ مَا ظَفّرَهُ وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ، حَتّى عَصَوْا الرّسُولَ وَتَنَازَعُوا فِى الأَمْرِ، لَقَدْ قُتِلَ أَصْحَابُ اللّوَاءِ، وَانْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ مُنْهَزِمِينَ لا يَلْوُونَ وَنِسَاؤُهُمْ يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ بَعْدَ ضَرْبِ الدّفَافِ وَالْفَرَحِ حَيْثُ الْتَقَيْنَا. قَالَ الْوَاقِدِىّ: وَقَدْ رَوَى كَثِيرٌ مِنْ الصّحَابَةِ مِمّنْ شَهِدَ أُحُدًا، قَالَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: وَاَللّهِ إنّى لأَنْظُرُ إلَى هِنْدٍ وَصَوَاحِبِهَا مُنْهَزِمَاتٍ مَا دُونَ أَخْذِهِنّ شَيْءٌ لِمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ وعند ابن هشام: قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير، أنه قال: والله لقد رأيتني أنظر إلى خَدَم هند بنت عُتبة وصواحبها مشمرات هوارب، ما دون أخذهن قليل ولا كثير إذ مالت الرُّماة إلى العسكر، حين كشفنا القومَ عنه وخلَّوْا ظهورَنا للخيل، فأُتينا من خَلفنا وفي البخاري: 3039 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فَلَا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هَذَا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا الْقَوْمَ وَأَوْطَأْنَاهُمْ فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ فَهَزَمُوهُمْ قَالَ فَأَنَا وَاللَّهِ رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قَدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ وَأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ فَقَالَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ الْغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ الْغَنِيمَةَ ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ فَمَا تَنْتَظِرُونَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَسِيتُمْ مَا قَالَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ فَلَنُصِيبَنَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ فَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ فَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلًا .....إلخ وانظر البخاري 4043 مرة أخرى نكتشف دناءة نفوس الكثير من البشر وسبب اتباعهم الحقيقي للإسلام! إشباع الغريزة الوحشية في الصراع والقتال وسفك الدماء، والسبايا والأموال، فبسبب طمع الرماة ونزولهم عن جبل أحد مما كشف ظهر المسلمين، أفسدوا إستيراتيجية محمد في تلك الموقعة، وهي القصة المعروفة من القرآن والبخاري ومسلم وأحمد وابن هشام والواقدي، وفي هذا الأخير ورد: وَكُلّمَا أَتَى خَالِدٌ مِنْ قِبَلِ مَيْسَرَةِ النّبِىّ ص لَيَجُوزُ حَتّى يَأْتِىَ مِنْ قِبَلِ السّفْحِ فَيَرُدّهُ الرّمَاةُ حَتّى فَعَلُوا ذَلِكَ مِرَارًا، وَلَكِنّ الْمُسْلِمِينَ أُتُوا مِنْ قِبَلِ الرّمَاةِ، إنّ رَسُولَ اللّهِ ص أَوْعَزَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ: “قُومُوا عَلَى مَصَافّكُمْ هَذَا، فَاحْمُوا ظُهُورَنَا، فَإِنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا لا تَشْرَكُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا”، فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ يَضَعُونَ السّلاحَ فِيهِمْ حَيْثُ شَاءُوا حَتّى أَجْهَضُوهُمْ عَنْ الْعَسْكَرِ وَوَقَعُوا يَنْتَهِبُونَ الْعَسْكَرَ، قَالَ بَعْضُ الرّمَاةِ لِبَعْضٍ: لِمَ تُقِيمُونَ هَاهُنَا فِى غَيْرِ شَيْءٍ؟ قَدْ هَزَمَ اللّهُ الْعَدُوّ وَهَؤُلاءِ إخْوَانُكُمْ يَنْتَهِبُونَ عَسْكَرَهُمْ فَادْخُلُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ فَاغْنَمُوا مَعَ إخْوَانِكُمْ. فَقَالَ بَعْضُ الرّمَاةِ لِبَعْضٍ: أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص قَالَ لَكُمْ: “احْمُوا ظُهُورَنَا، فَلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا غَنِمْنَا فَلا تَشْرَكُونَا، احْمُوا ظُهُورَنَا”؟ فَقَالَ الآخَرُونَ: لَمْ يُرِدْ رَسُولُ اللّهِ هَذَا، وَقَدْ أَذَلّ اللّهُ الْمُشْرِكِينَ، وَهَزَمَهُمْ، فَادْخُلُوا الْعَسْكَرَ، فَانْتَهِبُوا مَعَ إخْوَانِكُمْ، فَلَمّا اخْتَلَفُوا خَطَبَهُمْ أَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ – وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مُعْلِمًا بِثِيَابٍ بِيضٍ – فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمّ أَمَرَ بِطَاعَةِ اللّهِ، وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ص، وَأَلاّ يُخَالَفَ لِرَسُولِ اللّهِ أَمْرٌ فَعَصَوْا وَانْطَلَقُوا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ الرّمَاةِ مَعَ أَمِيرِهِمْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُبَيْرٍ إلاّ نُفَيْرٌ مَا يَبْلُغُونَ الْعَشَرَةَ فِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ، يَقُولُ: يَا قَوْمِ اُذْكُرُوا عَهْدَ نَبِيّكُمْ إلَيْكُمْ، وَأَطِيعُوا أَمِيرَكُمْ، قَالَ: فَأَبَوْا وَذَهَبُوا إلَى عَسْكَرِ الْمُشْرِكِينَ يَنْتَهِبُونَ، وَخَلّوْا الْجَبَلَ وَجَعَلُوا يَنْتَهِبُونَ وَانْتَقَضَتْ صُفُوفُ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَدَارَتْ رِجَالُهُمْ وَحَالَتْ الرّيحُ وَكَانَتْ أَوّلَ النّهَارِ إلَى أَنْ رَجَعُوا صَبّا، فَصَارَتْ دَبُورًا حَيْثُ كَرّ الْمُشْرِكُونَ بَيْنَا الْمُسْلِمُونَ قَدْ شُغِلُوا بِالنّهْبِ وَالْغَنَائِمِ. وفي القرآن: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)} آل عمران: 152-153 لقد أصيب محمد في تلك المعركة وتكسرت بعض أسنانه فصار أهتم، ولعله كان هنا أشجع بقليل مما كان عليه في موقعة بدر، لكنه سرعان ما استنجد بأعوانه لينقذوه ويموتوا دفاعاً عنه. في البخاري: 4075 - بَاب حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ وَبِمَا دُووِيَ قَالَ كَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْسِلُهُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ وَجُرِحَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ وروى معلقاً قبل رقم 4069: بَاب {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} قَالَ حُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ شُجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ} ويقول ابن هشام: قال ابن إسحاق: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين غَشِيه القومُ: مَنْ رجل يشري لنا نفسَه؟ كما حدثني الحُصَيْن بن عبد الرحمن بن عَمرو بن سعد بن معاذ، عن محمود بن عمرو، قال: فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار - وبعض الناس يقول: إنما هو عُمارة بن يزيد بن السَّكَن فقاتلوا دونَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلا ثم رجلا، يُقْتَلون دونه، حتى كان آخرهم زياد أو عمارة فقاتل حتى أثبتته الجراحة، ثم فاءت فئة من المسلمين، فأجهضوهم عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادْنُوه مني، فأدنوه منه فوسَّدَه قدمَه، فمات وخده على قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما فعلته نسيبة بنت كعب: قال ابن هشام: وقاتلت أم عمارة، نُسَيْبة بنت كعب المازنية يوم أحد. فذكر سعيد بن أبي زيد الأنصاري: أن أم سعد بنت سعد بن الربيع كانت تقول: دخلت على أم عمارة، فقلت لها: يا خالة، أخبريني خبرك، فقالت: خرجت أول النهار، وأنا أنظر ما يصنع الناس، ومعي سِقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين. فلما انهزم المسلمون، انحزتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت أباشر القتال، وأَذُبُّ عنه بالسيف، وأرمى عن القَوْس، حتىِ خَلَصَت الجراحُ إليَّ قالت: فرأيت على عاتقها جُرحاً أجوفَ له غوْر، فقلت: من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قَمِئة أقمأه الله، لما ولى الناسُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول: دلونى على محمد، فلا نجوت إن نجا، فاعترضتُ له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربنى هذه الضربة ولكن فلقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كان عليه دِرْعان. نعم الشجاعة من رجل تدافع عنه امرأة! وفي صحيح مسلم: [ 1789 ] وحدثنا هداب بن خالد الأزدي حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد وثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش فلما رهقوه قال من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل ثم رهقوه أيضا فقال من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه ما أنصفنا أصحابنا [ 1790 ] حدثنا يحيى بن يحيى التميمي حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه أنه سمع سهل بن سعد يسأل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال جرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه فكانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسل الدم وكان علي بن أبي طالب يسكب عليها بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم وفي ابن هشام: قال ابن إسحاق: وترَّس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دُجَّانة بنفسه، يقع النَبلُ في ظهره، وهو منحنٍ عليه، حتى كثر فيه النَّبل، ورمى سعد بن أبي وقاص دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سعد: فلقد رأيته يناولنى النَّبلَ وهو يقول: ارمِ، فداك أبي وأمى، حتى إنه ليناولنى السهم ما له نصل، فيقول: ارم به. وانظر البخاري 2905 ومسلم 1876 قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم ابن عمر بن قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى عن قوسه حتى اندقتْ سِيَتُها، فأخذها قَتادة بن النعمان، فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عينُ قتادة بن النعمان، حتى وقعت على وَجْنَتِه. وفي البخاري: بَاب مَنَاقِبُ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ 3811 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلًا رَامِيًا شَدِيدَ الْقِدِّ يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنْ النَّبْلِ فَيَقُولُ انْشُرْهَا لِأَبِي طَلْحَةَ فَأَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا تُنْقِزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآَنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا ثَلَاثًا وفي مسند أحمد: 14058 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، " أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ يَرْمِي بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ يَتَتَرَّسُ بِهِ، وَكَانَ رَامِيًا، وَكَانَ إِذَا رَمَى رَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَخْصَهُ يَنْظُرُ أَيْنَ يَقَعُ سَهْمُهُ، وَيَرْفَعُ أَبُو طَلْحَةَ صَدْرَهُ، وَيَقُولُ: هَكَذَا بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، لَا يُصِيبُكَ سَهْمٌ ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَشُورُ نَفْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَقُولُ: إِنِّي جَلْدٌ يَا رَسُولَ اللهِ، فَوَجِّهْنِي فِي حَوَائِجِكَ ، وَمُرْنِي بِمَا شِئْتَ " وفي المستدرك للحاكم: 2547 - أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق الفقيه وعلي بن حمشاد العدل قالا : أنبأ علي بن عبد العزيز البغوي ثنا حجاج بن المنهال ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه كان يرمي يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه وكان أبو طلحة راميا وكان إذا رمى يرفع النبي صلى الله عليه وسلم شخصه لينظر أين يقع سهمه وكان أبو طلحة يرفع صدره ويقول : هكذا بأبي أنت يا رسول الله لا يصيبك سهم نحري دون نحرك وكان أبو طلحة يود نفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : يا رسول الله أنا أجلد قومي فمرني بما شئت هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه 5586-......... شهد أحدا وغير ذلك من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين ولى الناس وبايعه على الموت ورمى مالك بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ فاتقى طلحة بيده وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصاب خنصره فشلت فقال : حس حس حين أصابته الرمية فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو قال : بسم الله لدخل الجنة والناس ينظرون إليه وضرب طلحة يومئذ في رأسه الصلبة ضربه رجل من المشركين ضربتين ضربة وهو مقبل وضربة وهو معرض عنه وكان ضرار بن الخطاب الفهري يقول : أنا والله ضربته يومئذ وفي سنن النسائي الكبرى: 4357 - أنبأ عمرو بن سواد قال أنبأ بن وهب قال أخبرني يحيى بن أيوب وذكر آخر قبله عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: لما كان يوم أحد وولى الناس كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في ناحية في اثني عشر رجلا من الأنصار وفيهم طلحة بن عبيد الله فأدركه المشركون فالتفت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال من للقوم فقال طلحة أنا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كما أنت فقال رجل من الأنصار أنا يا رسول الله فقال أنت فقاتل حتى قتل ثم التفت فإذا بالمشركين قال من للقوم قال طلحة أنا قال كما أنت فقال رجل من الأنصار أنا فقال أنت فقاتل حتى قتل ثم لم يزل يقول ذلك ويخرج إليهم رجل من الأنصار فيقاتل قتال من قبله حتى بقي رسول الله صلى الله عليه و سلم وطلحة بن عبيد الله فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم من للقوم فقال طلحة أنا فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه فقال طلحة حس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو قلت باسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون ثم رد المشركين وهو في سننه الصغرى برقم 3149 كذلك. وعند ابن هشام: قال ابن إسحاق: ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة من الجبل ليَعْلُوَها، وقد كان بَدَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظاهر بين درعين، فلما ذهب لينهض صلى الله عليه وسلم لم يستطعْ، فجلس تحتَه طلحةُ بن عبيد الله، فنهض به، حتى استوى عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما حدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يقول: " أوجَبَ طلحةُ " حين صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم ما. صنع. قال ابن هشام: وبلغني عن عِكْرِمة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبلغ الدَّرجة المبنية في الشِّعْب. [1] ونص ابن هشام: وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم. ......... وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يهودَ بني عَوْف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، إلا من ظَلم وأثِم، فإنه لا يُوتِغ إلا نفسَه، وأهلَ بيته، وإن ليهود بنى النجار مثل ما ليهود بنى عَوْف، وإن ليهود بنى الحارث مثل ما ليهود بنى عَوْف، وإن ليهود بنى ساعدة مثل ما ليهود بني عَوْف، وإن ليهود بنى جُشَم مثل ما ليهود بني عَوْف، وإن ليهود بنى الأوْس مثل ما ليهود بنى عَوْف، وإن ليهود بنى ثَعْلبة مثل ما ليهود بنى عَوْف، إلا من ظَلم وأثِم، فإنه لا يُوتغ إلا نفسه وأهل بيته، وإن جَفْنةَ بطن من ثعلبة كأنفسهم، وإن لبنى الشُّطَيْبة مثل ما ليهود بنى عَوْف، وإن البر دون الإثم وإن موالى ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم، وإنه لا ينحجز على نار جُرْح، وإنه من فتك فبنفسه فتك، وأهل بيته، إلا من ظلم، وإن الله على أبر هذا وإن على اليهود نفقتَهم وعلى المسلمين نفقتَهم وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإِثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة وإن الجار كالنفس غير مُضار ولا أثم، وإنه لا تُجار حُرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يُخاف فساده، فإن مردَّه إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه وإنه لا تُجار قريش ولا من نصرها وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دُعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم في جانبهم الذي قِبَلهم وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة. قال ابن هشام: ويقال: مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة. قال ابن إسحاق: وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وإثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظَلم أو أثِم، وان الله جار لمن بَرَّ واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم |
|
|
|
رقم الموضوع : [9] |
|
باحث ومشرف عام
![]() |
أما أكبر دليل ضد من يقولون بشجاعة محمد المزعومة، فهو هذا الحديث من المعجم الكبير للطبراني:
200 - حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا أحمد بن سنان ثنا يعقوب بن محمد الزهري ثنا موسى بن شيبة عن عمرو بن عبد الله بن كعب بن مالك قال حدثتني عميرة بنت عبيد الله بن كعب عن أبيها عن كعب قال : لما كان يوم أحد وصرنا إلى الشعب كنت أول من عرفه فقلت : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأشار إلي بيده أن أسكت ثم ألبسني لأمته ولبس لأمتي فلقد ضربت حتى جرحت عشرين أو قال بضعة عشر جرحا كل من يضربني يحسبني رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو عند الطبراني في المعجم الأوسط كذلك، وأبي نعيم في دلائل النبوة 2/ 482 وهذه الحادثة ذكرها الواقدي في كتاب المغازي كذلك: حَدّثَنِى يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِى صَعْصَعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى بَشِيرٍ الْمَازِنِىّ، قَالَ: لَمّا صَاحَ الشّيْطَانُ أَزَبّ الْعَقَبَةَ: إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ، لِمَا أَرَادَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ ذَلِكَ سَقَطَ فِى أَيْدِى الْمُسْلِمِينَ، وَتَفَرّقُوا فِى كُلّ وَجْهٍ وَأَصْعَدُوا فِى الْجَبَلِ، فَكَانَ أَوّلُ مَنْ بَشّرَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص سَالِمٌ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ كَعْبٌ: فَجَعَلْت أَصِيحُ وَيُشِيرُ إلَىّ رَسُولُ اللّهِ ص بِإِصْبَعِهِ عَلَى فِيهِ أَنْ اُسْكُتْ. حَدّثَنِى مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُمَيْرَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهَا، قَالَ: لَمّا انْكَشَفَ النّاسُ كُنْت أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللّهِ ص وَبَشّرْت بِهِ الْمُؤْمِنِينَ حَيّا سَوِيّا. قَالَ كَعْبٌ: وَأَنَا فِى الشّعْبِ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ ص كَعْبًا بِلأْمَتِهِ - وَكَانَتْ صَفْرَاءَ أَوْ بَعْضَهَا - فَلَبِسَهَا رَسُولُ اللّهِ ص وَنَزَعَ رَسُولُ اللّهِ ص لأْمَتَهُ فَلَبِسَهَا كَعْبٌ، وَقَاتَلَ كَعْبٌ يَوْمَئِذٍ قِتَالاً شَدِيدًا حَتّى جُرِحَ سَبْعَةَ عَشَرَ جُرْحًا. ويبدو أن ابن هشام تعمد حذف جزء من القصة، فاكتفى بسرد تعرف كعب على محمد! قال ابن إسحاق: وكان أولَ من عَرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدَ الهزيمة، وقول الناس: قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم - كما ذكر لي ابن شهاب الزهري كعبُ بنُ مالك قال: عرفت عينيه تزهران من تحت المِغْفَر، فناديت بأعلى صوتى: يا معشرَ المسلمين، أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنْصِتْ. هذا رجل حريص على حياته الشخصية، مستغل لسذاجة أتباعه، غير مبالٍ كثيراً بحيواتهم وآلامهم، فهو أدرى بأن دعوته ومزاعمه مجرد أكاذيب لأغراض قومية وإصلاحية دينية. وهذه الحادثة شبيهة بقصة هجرته لما ترك علي بن أبي طالب لينام مكانه ويتعرض لخطر القتل بسيوف عدة فتيان من كل بطون قريش بدلاً عنه! ونلاحظ من الواقدي وابن هشام والبخاري تخبط المسلمين وارتباكهم حين تراجعوا لدرجة ضربهم وجرحهم لبعضهم البعض، ولم يتوقف هذا إلا عندما صنعوا شعاراً عبارة عن كلمة (أمِتْ أمت)، وقد قتل المسلمون دون قصد رجلاً عجوزاً شيخاً هو أبو حذيفة اليمان. انظر الواقدي وابن هشام والبخاري 4065 و3290 والمستدرك3/ 379 و3/ 202 ويقول الواقدي: حَدّثَنِى ابْنُ أَبِى سَبْرَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِى أَحْمَدَ قَالَ: سَمِعْت مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ يَقُولُ: سَمِعَتْ أُذُنَاىَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَاىَ رَسُولَ اللّهِ ص يَقُولُ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ انْكَشَفَ النّاسُ إلَى الْجَبَلِ وَهُمْ لا يَلْوُونَ عَلَيْهِ، وَإِنّهُ لَيَقُولُ: “إلَىّ يَا فُلانُ إلَىّ يَا فُلانُ، أَنَا رَسُولُ اللّهِ”، فَمَا عَرّجَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ عَلَيْهِ وَمَضَيَا. وهو نص يؤيده نص قرآن محمد نفسه! ويقول ابن هشام مقتل اليمان وابن وقش وابن حاطب: قال ابن إسحاق: وقد كان الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى بعضُهم المنقَّى، دون الأعْوَص. ويقول مفسراً الآيات: ثم أنبهم بالفرار عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهم يُدْعَون لا يعطفون عليه لدعائه إياهم، فقال:{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ} : أي كربا بعد كرب، بقتل من قتل إخوانكم، وعلو عدوكم عليكم، وبما وقع في أنفسكم من قول من: قال: قُتل نبيكم، فكان ذلك مما تتابع عليكم غما بغم: لكيلا تحزنوا، على ما فاتكم من ظهوركم على عدوكم، بعد أن رأيتموه بأعينكم ولا ما أصابكم من قتل إخوانكم، حتى فرجت ذلك الكرب عنكم – {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ولنسرد بعض السياقات التي أوردناها من كتب حديث مختلفة متفرقة، من مغازي الواقدي، لأن سياقه الأكثر اتصالاً وكمالاً: وَنَادَى الْمُشْرِكُونَ بِشِعَارِهِمْ: يَا لَلْعُزّى، يَا آلَ هُبَلَ، فَأَوْجَعُوا وَاَللّهِ فِينَا قَتْلاً ذَرِيعًا، وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ ص مَا نَالُوا، لا وَاَلّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقّ إنْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ص زَالَ شِبْرًا وَاحِدًا، إنّهُ لَفِى وَجْهِ الْعَدُوّ وَتُثَوّبُ إلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مَرّةً وَتَتَفَرّقُ عَنْهُ مَرّةً فَرُبّمَا رَأَيْته قَائِمًا يَرْمِى عَنْ قَوْسِهِ أَوْ يَرْمِى بِالْحَجَرِ حَتّى تَحَاجَزُوا. وَثَبَتَ رَسُولُ اللّهِ ص كَمَا هُوَ فِى عِصَابَةٍ صَبَرُوا مَعَهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، سَبْعَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَسَبْعَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ: أَبُو بَكْر ٍ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَلِىّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ، وَمِنْ الأَنْصَارِ: الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو دُجَانَةَ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِت ٍ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ. وَيُقَالُ: ثَبَتَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، فَيَجْعَلُونَهُمَا مَكَانَ أُسَيْدِ ابْنِ حُضَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ. وَبَايَعَهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ عَلَى الْمَوْتِ - ثَلاثَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَخَمْسَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ: عَلِىّ، وَالزّبَيْرُ، وَطَلْحَةُ عَلَيْهِمْ السّلامُ وَأَبُو دُجَانَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ، وَحُبَابُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِت ٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَرَسُولُ اللّهِ ص يَدْعُوهُمْ فِى أُخْرَاهُمْ حَتّى انْتَهَى مَنْ انْتَهَى مِنْهُمْ إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْمِهْرَاسِ. وَحَدّثَنِى عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: ثَبَتَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَئِذٍ ثَلاثُونَ رَجُلاً كُلّهُمْ يَقُولُ: وَجْهِى دُونَ وَجْهِك، وَنَفْسِى دُونَ نَفْسِك، وَعَلَيْك السّلامُ غَيْرَ مُوَدّعٍ. وَقَالُوا: إنّ رَسُولَ اللّهِ ص لَمّا لَحَمَهُ الْقِتَالُ وَخَلَصَ إلَيْهِ وَذَبّ عَنْهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو دُجَانَةَ حَتّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَقُولُ: “مَنْ رَجُلٌ يَشْرِى نَفْسَهُ”؟ فَوَثَبَ فِئَةٌ مِنْ الأَنْصَارِ خَمْسَةٌ مِنْهُمْ عُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السّكَنِ، فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَ وَفَاءَتْ فِئَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَاتَلُوا حَتّى أَجْهَضُوا أَعْدَاءَ اللّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص لِعُمَارَةَ بْنِ زِيَادٍ: “اُدْنُ مِنّى إلَىّ إلَىّ” حَتّى وَسّدَهُ رَسُولُ اللّهِ ص قَدَمَهُ – وَبِهِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُرْحًا – حَتّى مَاتَ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَئِذٍ يَذْمُرُ النّاسَ وَيَحُضّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَذْلَقُوا الْمُسْلِمِينَ بِالرّمْىِ مِنْهُمْ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ وَأَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِىّ، فَجَعَلَ النّبِىّ ص يَقُولُ لِسَعْدِ ابْنِ أَبِى وَقّاصٍ: ارْمِ فِدَاك أَبِى وَأُمّى ....... وَبَاشَرَ رَسُولُ اللّهِ ص الْقِتَالَ، فَرَمَى بِالنّبْلِ حَتّى فَنِيَتْ نَبْلُهُ، وَتَكَسّرَتْ سِيَةُ قَوْسِهِ، وَقَبْلَ ذَلِكَ انْقَطَعَ وَتَرُهُ، وَبَقِيَتْ فِى يَدِهِ قِطْعَةٌ تَكُونُ شِبْرًا فِى سِيَةِ الْقَوْسِ، وَأَخَذَ الْقَوْسَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَن يُوتِرُهُ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ لا يَبْلُغُ الْوَتَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مُدّهُ يَبْلُغُ”، قَالَ عُكّاشَةُ: فَوَاَلّذِى بَعَثَهُ بِالْحَقّ لَمَدَدْته حَتّى بَلَغَ وَطَوَيْت مِنْهُ لَيّتَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً عَلَى سِيَةِ الْقَوْسِ، ثُمّ أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ ص قَوْسَهُ فَمَا زَالَ يَرْمِى الْقَوْمَ وَأَبُو طَلْحَة َ أَمَامَهُمْ يَسْتُرُهُ مُتَرّسًا عَنْهُ حَتّى نَظَرْت إلَى قَوْسِهِ قَدْ تَحَطّمَتْ فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ. وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَ أُحُدٍ قَدْ نَثَرَ كِنَانَتَهُ بَيْنَ يَدَىْ النّبِىّ ص، وَكَانَ رَامِيًا وَكَانَ صَيّتًا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “صَوْتُ أَبِى طَلْحَةَ فِى الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلاً”، وَكَانَ فِى كِنَانَتِهِ خَمْسُونَ سَهْمًا، فَنَثَرَهَا بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللّهِ ص، ثُمّ جَعَلَ يَصِيحُ يَا رَسُولَ اللّهِ نَفْسِى دُونَ نَفْسِك، فَلَمْ يَزَلْ يَرْمِى بِهَا سَهْمًا سَهْمًا، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ ص يُطْلِعُ رَأْسَهُ خَلْفَ أَبِى طَلْحَة َ بَيْنَ رَأْسِهِ وَمَنْكِبِهِ يَنْظُرُ إلَى مَوَاقِعِ النّبْلِ، حَتّى فَنِيَتْ نَبْلُهُ، وَهُوَ يَقُولُ: نَحْرِى دُونَ نَحْرِك، جَعَلَنِى اللّهُ فِدَاك، فَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ ص لَيَأْخُذُ الْعُودَ مِنْ الأَرْضِ، فَيَقُولُ: “ارْمِ يَا أَبَا طَلْحَةَ”، فَيَرْمِى بِهَا سَهْمًا جَيّدًا. ..... قَالُوا: وَقَاتَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ يَوْمَئِذٍ عَنْ النّبِىّ ص قِتَالاً شَدِيدًا، فَكَانَ طَلْحَةُ يَقُولُ: لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ ص حِينَ انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ وَكَرّ الْمُشْرِكُونَ وَأَحْدَقُوا بِالنّبِىّ ص مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ فَمَا أَدْرِى أَقُومُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، أَوْ مِنْ وَرَائِهِ، أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، فَأَذُبّ بِالسّيْفِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مَرّةً، وَأُخْرَى مِنْ وَرَائِهِ، حَتّى انْكَشَفُوا، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَئِذٍ يَقُولُ لِطَلْحَةَ: “قَدْ أَنْحَبَ”. وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِى وَقّاصٍ وَذَكَرَ طَلْحَةَ، فَقَالَ: يَرْحَمُهُ اللّهُ إنّهُ كَانَ أَعْظَمَنَا غِنَاءً عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص يَوْمَ أُحُدٍ قِيلَ: كَيْفَ يَا أَبَا إسْحَاقَ؟ قَالَ: لَزِمَ النّبِىّ ص وَكُنّا نَتَفَرّقُ عَنْهُ، ثُمّ نَثُوبُ إلَيْهِ لَقَدْ رَأَيْته يَدُورُ حَوْلَ النّبِىّ ص يُتَرّسُ بِنَفْسِهِ. وَسُئِلَ طَلْحَةُ: يَا أَبَا مُحَمّدٍ مَا أَصَابَ إصْبَعَك؟ قَالَ: رَمَى مَالِكُ بْنُ زُهَيْرٍ الْجُشَمِىّ بِسَهْمٍ يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ ص وَكَانَ لا تُخْطِئُ رَمْيَتُهُ فَاتّقَيْت بِيَدِى عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ ص فَأَصَابَ خِنْصَرِى، فَشُكّ فَشُلّ إصْبَعُهُ، وَقَالَ حِينَ رَمَاهُ: حَسّ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “لَوْ قَالَ: بِسْمِ اللّهِ لَدَخَلَ الْجَنّةَ، وَالنّاسُ يَنْظُرُونَ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رَجُلٍ يَمْشِى فِى الدّنْيَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ، فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ، طَلْحَةُ مِمّنْ قَضَى نَحْبَه”. وَقَالَ طَلْحَةُ: لَمّا جَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ ثُمّ تَرَاجَعُوا، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرّب ِ يَجُرّ رُمْحًا لَهُ عَلَى فَرَسٍ كُمَيْتٍ أَغَرّ مُدَجّجًا فِى الْحَدِيدِ يَصِيحُ: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْوَدَعِ، دُلّونِى عَلَى مُحَمّدٍ، فَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَانْكَسَعَتْ، ثُمّ أَتَنَاوَلُ رُمْحَهُ فَوَاَللّهِ مَا أَخْطَأْت بِهِ عَنْ حَدَقَتِهِ فَخَارَ كَمَا يَخُورُ الثّوْرُ فَمَا بَرِحْت بِهِ وَاضِعًا رِجْلِى عَلَى خَدّهِ حَتّى أَزَرْته شَعُوبَ. وَكَانَ طَلْحَةُ قَدْ أَصَابَتْهُ فِى رَأْسِهِ الْمُصَلّبَةِ ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ضَرْبَتَيْنِ ضَرْبَةً، وَهُوَ مُقْبِلٌ، وَالأُخْرَى وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ، وَكَانَ قَدْ نَزَفَ مِنْهَا الدّمُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: جِئْت إلَى النّبِىّ ص يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: “عَلَيْك بِابْنِ عَمّك”، فَأَتَى طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ، وَقَدْ نَزَفَ الدّمُ، فَجَعَلْت أَنْضَحُ فِى وَجْهِهِ الْمَاءَ وَهُوَ مَغْشِىّ عَلَيْهِ ثُمّ أَفَاقَ، فَقَالَ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ؟ فَقُلْت: خَيْرًا، هُوَ أَرْسَلَنِى إلَيْك، قَالَ: الْحَمْدُ لِلّهِ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَهُ جَلَلٌ. ..... قَالُوا: وَكَانَتْ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ أُمّ عُمَارَةَ، وَهِىَ امْرَأَةُ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو، وَشَهِدَتْ أُحُدًاهِىَ وَزَوْجُهَا وَابْنَاهَا؛ وَخَرَجَتْ مَعَهَا شَنّ لَهَا فِى أَوّلِ النّهَارِ تُرِيدُ أَنْ تَسْقِىَ الْجَرْحَى، فَقَاتَلَتْ يَوْمَئِذٍ وَأَبْلَتْ بَلاءً حَسَنًا، فَجُرِحَتْ اثْنَىْ عَشَرَ جُرْحًا بَيْنَ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ أَوْ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ. فَكَانَتْ أُمّ سَعْدٍ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ رَبِيع ٍ تَقُولُ: دَخَلْت عَلَيْهَا، فَقُلْت لَهَا: يَا خَالَةِ حَدّثِينِى خَبَرَك، فَقَالَتْ: خَرَجْت أَوّلَ النّهَارِ إلَى أُحُدٍ، وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ وَمَعِى سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ فَانْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ص وَهُوَ فِى أَصْحَابِهِ وَالدّولَةُ وَالرّبْحُ لِلْمُسْلِمِينَ. فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْت إلَى رَسُولِ اللّهِ ص فَجَعَلْت أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَأَذُبّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص بِالسّيْفِ وَأَرْمِى بِالْقَوْسِ حَتّى خَلَصَتْ إلَىّ الْجِرَاحُ، فَرَأَيْت عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا لَهُ غَوْرٌ أَجْوَفُ فَقُلْت: يَا أُمّ عُمَارَةَ مَنْ أَصَابَك بِهَذَا؟ قَالَتْ: أَقْبَلَ ابْنُ قَمِيئَةَ وَقَدْ وَلّى النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص يَصِيحُ دُلّونِى عَلَى مُحَمّدٍ، فَلا نَجَوْت إنْ نَجَا فَاعْتَرَضَ لَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَأُنَاسٌ مَعَهُ، فَكُنْت فِيهِمْ فَضَرَبَنِى هَذِهِ الضّرْبَةَ، وَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَاتٍ، وَلَكِنّ عَدُوّ اللّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ. ..... وَكَانَ ضَمْرَةُ بْنُ سَعِيدٍ يُحَدّثُ، عَنْ جَدّتِهِ، وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ أُحُدًا تَسْقِى الْمَاءَ، قَالَتْ: سَمِعْت النّبِىّ ص يَقُولُ: “لَمُقَامُ نُسَيْبَةَ بِنْتِ كَعْبٍ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ مُقَامِ فُلانٍ وَفُلانٍ” وَكَانَ يَرَاهَا تُقَاتِلُ يَوْمَئِذٍ أَشَدّ الْقِتَالِ، وَإِنّهَا لَحَاجِزَةٌ ثَوْبَهَا عَلَى وَسَطِهَا، حَتّى جُرِحَتْ ثَلاثَةَ عَشَرَ جُرْحًا. ...... حَدّثَنَا عَبْدُ الْجَبّارِ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، قَالَ: قَالَتْ أُمّ عُمَارَةَ: قَدْ رَأَيْتنِى وَانْكَشَفَ النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص فَمَا بَقِىَ إلاّ نُفَيْرٌ مَا يُتِمّونَ عَشْرَةً وَأَنَا وَابْنَاىَ وَزَوْجِى بَيْنَ يَدَيْهِ نَذُبّ عَنْهُ وَالنّاسُ يَمُرّونَ بِهِ مُنْهَزِمِينَ، وَرَآنِى لا تُرْسَ مَعِى، فَرَأَى رَجُلاً مُوَلّيًا مَعَهُ تُرْسٌ، فَقَالَ: “يَا صَاحِبَ التّرْسِ أَلْقِ تُرْسَك إلَى مَنْ يُقَاتِلُ”، فَأَلْقَى تُرْسَهُ فَأَخَذْته، فَجَعَلْت أُتَرّسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص، وَإِنّمَا فَعَلَ بِنَا الأَفَاعِيلَ أَصْحَابُ الْخَيْلِ لَوْ كَانَ رَجّالَةً مِثْلَنَا أَصَبْنَاهُمْ إنْ شَاءَ اللّهُ فَيُقْبِلُ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ فَضَرَبَنِى، وَتَرّسْت لَهُ فَلَمْ يَصْنَعْ سَيْفُهُ شَيْئًا وَوَلّى، وَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ فَرَسِهِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَجَعَلَ النّبِىّ ص يَصِيحُ: “يَا ابْنَ أُمّ عُمَارَةَ أُمّك، أُمّك” قَالَتْ: فَعَاوَنَنِى عَلَيْهِ حَتّى أَوْرَدْته شَعُوب. وكالعادة استمر محمد في توزيع الأوهام والآمال غير الواقعية، كتعويض وهمي لا مادي لأهالي المقتولين بسبب سوء تخطيطه لمعركة أحد وتسرعه وبسبب ديانته الوهمية التي أراد لها أن تتسيد عل باقي الديانات الوهمية الأخرى، يقول الواقدي: فَخَرَجَ النّسَاءُ يَنْظُرْنَ إلَى سِلامَةِ رَسُولِ اللّهِ ص فَكَانَتْ أُمّ عَامِرٍ الأَشْهَلِيّةُ تَقُولُ: قِيلَ لَنَا: قَدْ أَقْبَلَ النّبِىّ ص وَنَحْنُ فِى النّوْحِ عَلَى قَتَلانَا، فَخَرَجْنَا فَنَظَرْت إلَيْهِ فَإِذَا عَلَيْهِ الدّرْعُ كَمَا هِىَ فَنَظَرْت إلَيْهِ، فَقُلْت: كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ، وَخَرَجَتْ أُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - وَهِىَ كَبْشَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ - تَعْدُو نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ ص وَرَسُولُ اللّهِ ص وَاقِفٌ عَلَى فَرَسِهِ وَسَعْدُ ابْنُ مُعَاذٍ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللّهِ أُمّى، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “مَرْحَبًا بِهَا”، فَدَنَتْ حَتّى تَأَمّلَتْ رَسُولَ اللّهِ ص، فَقَالَتْ: أَمّا إذْ رَأَيْتُك سَالِمًا، فَقَدْ أَشْوَتْ الْمُصِيبَةُ، فَعَزّاهَا رَسُولُ اللّهِ ص بِعَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ ابْنِهَا، ثُمّ قَالَ: “يَا أُمّ سَعْدٍ أَبْشِرِى، وَبَشّرِى أَهْلِيهِمْ أَنّ قَتَلاهُمْ قَدْ تَرَافَقُوا فِى الْجَنّةِ جَمِيعًا - وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً - وَقَدْ شَفَعُوا فِى أَهْلِيهِمْ”. قَالَتْ: رَضِينَا يَا رَسُولَ اللّهِ، وَمَنْ يَبْكِى عَلَيْهِمْ بَعْدَ هَذَا؟ ثُمّ قَالَتْ: اُدْعُ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَنْ خُلّفُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “اللّهُمّ أَذْهِبْ حُزْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتَهُمْ، وَأَحْسِنْ الْخَلَفَ عَلَى مَنْ خُلّفُوا”. ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “خَلّ أَبَا عَمْرٍو الدّابّةَ. فَخَلّى الْفَرَسَ وَتَبِعَهُ النّاسُ”، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “با أَبَا عَمْرٍو، إنّ الْجِرَاحَ فِى أَهْلِ دَارِك فَاشِيَةٌ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَجْرُوحٌ إلاّ يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُرْحُهُ كَأَغْزَرِ مَا كَانَ اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ فَمَنْ كَانَ مَجْرُوحًا فَلْيَقِرّ فِى دَارِهِ وَلْيُدَاوِ جُرْحَهُ وَلا يَبْلُغُ مَعِى بَيْتِى عَزْمَةً مِنّى”. وفي السيرة لابن هشام: قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الواحد بن أبي عَوْن، عن إسماعيل بن محمد، عن سعد بن أبي وقاص، قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجُها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد، فلما نُعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيراً يا أمَّ فلان، هو بحمد الله كما تُحبين، قالت: كل مصيبة بعدَك جَلَلٌ؟ تريد صغيرة. ورغم كل الأوهام التي كان محمد يوزعها على ناس أرادوا شراء الأوهام هرباً من واقع مرهق قاسٍ، ظل هناك أناس من الوثنيين والدهريين_على جهلهم وخرافاتهم_لا ينخدعون بمثل تلك الخرافات والترهات والخدع، والخبر نذكره من الواقدي وهو عند ابن هشام أيضاً: وَكَانَ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ مُنَافِقًا، وَكَانَ ابْنُهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ رَجُلَ صِدْقٍ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ النّبِىّ ص فَارْتُثّ جَرِيحًا، فَرَجَعَ بِهِ قَوْمُهُ إلَى مَنْزِلِهِ، فَقَالَ أَبُوهُ، وَهُوَ يَرَى أَهْلَ الدّارِ يَبْكُونَ عِنْدَهُ: أَنْتُمْ وَاَللّهِ صَنَعْتُمْ هَذَا بِهِ، قَالُوا: كَيْفَ؟ قَالَ: غَرَرْتُمُوهُ مِنْ نَفْسِهِ حَتّى خَرَجَ فَقُتِلَ، ثُمّ صَارَ مِنْكُمْ فِى شَىْءٍ آخَرَ تَعِدُونَهُ جَنّةً يَدْخُلُ فِيهَا، جَنّةً مِنْ حَرْمَلٍ، قَالُوا: قَاتَلَك اللّهُ، قَالَ: هُوَ ذَاكَ وَلَمْ يُقِرّ بِالإِسْلامِ. قَالُوا: وَكَانَ قُزْمَانُ عَدِيدًا فِى بَنِى ظَفَرٍ لا يُدْرَى مِمّنْ هُوَ، وَكَانَ لَهُمْ حَائِطًا مُحِبّا، وَكَانَ مُقِلاّ لا وَلَدَ لَهُ وَلا زَوْجَةَ، وَكَانَ شُجَاعًا يُعْرَفُ بِذَلِكَ فِى حُرُوبِهِمْ تِلْكَ الّتِى كَانَتْ تَكُونُ بَيْنَهُمْ، فَشَهِدَ أُحُدًا فَقَاتَلَ قِتَالاً شَدِيدًا فَقَتَلَ سِتّةً أَوْ سَبْعَةً وَأَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ، فَقِيلَ لِلنّبِىّ ص: قُزْمَانُ قَدْ أَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ فَهُوَ شَهِيدٌ، قَالَ: “مِنْ أَهْلِ النّارِ”. فَأُتِىَ إلَى قُزْمَانُ فَقِيلَ لَهُ: هَنِيئًا لَك يَا أَبَا الْغَيْدَاقِ الشّهَادَةَ، قَالَ: بِمَ تُبَشّرُونِ؟ وَاَللّهِ مَا قَاتَلْنَا إلاّ عَلَى الأَحْسَابِ، قَالُوا: بَشّرْنَاك بِالْجَنّةِ، قَالَ: جَنّةٌ مِنْ حَرْمَلٍ، وَاَللّهِ مَا قَاتَلْنَا عَلَى جَنّةٍ وَلا عَلَى نَارٍ، إنّمَا قَاتَلْنَا عَلَى أَحْسَابِنَا،.....إلخ ويقول الواقدي كذلك: ..... قَالُوا: وَمَرّ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِى زُهَيْرٍ، وَهُوَ قَاعِدٌ فِى حَشْوَتِهِ بِهِ ثَلاثَةَ عَشَرَ جُرْحًا، كُلّهَا قَدْ خَلَصَتْ إلَى مَقْتَلٍ، فَقَالَ: أَمَا عَلِمْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ؟ قَالَ خَارِجَةُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ فَإِنّ اللّهَ حَىّ لا يَمُوتُ فَقَدْ بَلّغَ مُحَمّدٌ، فَقَاتِلْ عَنْ دِينِك. وَمَرّ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ وَبِهِ اثْنَا عَشَرَ جُرْحًا، كُلّهَا قَدْ خَلَصَ إلَى مَقْتَلٍ فَقَالَ: عَلِمْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ: أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ بَلّغَ رِسَالَةَ رَبّهِ فَقَاتِلْ عَنْ دِينِك، فَإِنّ اللّهَ حَىّ لا يَمُوتُ، وَقَالَ: مُنَافِقٌ إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إلَى قَوْمِكُمْ فَإِنّهُمْ دَاخِلُو الْبُيُوتِ. وفي أسد الغابة: مالك بن الدخشم بن مالك بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف وقيل مالك بن الدخشم بن مالك بن الدخشم بن مرضخة بن غنم شهد العقبة في قول ابن إسحاق وموسى بن عقبة والواقدي وقال أبو معشر لم يشهد مالك العقبة وقد روي عن الواقدي أيضا أنه لم يشهدها وشهد بدرا في قول الجميع وهو الذي أسر يوم بدر سهيل بن عمرو وكان يتهم بالنفاق وهو الذي قال فيه عتبان بن مالك لرسول الله إنه منافق فقال رسول الله أليس يشهد أن لا إله إلا الله فقال بلى ولا شهادة له فقال رسول الله أليس يصلي قال بلى ولا صلاة له فقال رسول الله أولئك الذين نهاني الله عنهم ولا يصح عنه النفاق وقد ظهر من حسن إسلامه ما يمنع من اتهامه وهو الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرق مسجد الضرار هو ومعن بن عدي أخرجه الثلاثة وفي صحيح مسلم: [ 33 ] حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان يعني بن المغيرة قال حدثنا ثابت عن أنس بن مالك قال حدثني محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك قال قدمت المدينة فلقيت عتبان فقلت حديث بلغني عنك قال أصابني في بصري بعض الشيء فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أحب أن تأتيني فتصلي في منزلي فأتخذه مصلى قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله من أصحابه فدخل وهو يصلي في منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم قالوا ودوا أنه دعا عليه فهلك وودوا أنه أصابه شر فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة وقال أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قالوا إنه يقول ذلك وما هو في قلبه قال لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو تطعمه قال أنس فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني اكتبه فكتبه وعند أحمد بن حنبل: 16482 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي فَأُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي فَتُصَلِّيَ فِي مَكَانٍ فِي بَيْتِي أَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سَنَفْعَلُ "، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَاسْتَتْبَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَيْنَ تُرِيدُ ؟ "، فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصُفِفْنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْنَاهُ، فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ ـ يَعْنِي أَهْلَ الْقَرْيَةِ ـ فَجَعَلُوا يَثُوبُونَ ، فَامْتَلَأَ الْبَيْتُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُمِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: ذَاكَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُولُهُ، يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ "، قَالَ: أَمَّا نَحْنُ فَنَرَى وَجْهَهُ وَحَدِيثَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَقُولُهُ، يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ "، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَئِنْ وَافَى عَبْدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ، إِلَّا حُرِّمَ اللهُ عَلَى النَّارِ "....إلخ 16481 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، أَوِ الرَّبِيعِ بْنِ مَحْمُودٍ ـ شَكَّ يَزِيدُ ـ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، وَبَيْنِي وَبَيْنَكَ هَذَا الْوَادِي وَالظُّلْمَةُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَأْتِيَ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَ مُصَلَّاهُ مُصَلًّى، فَوَعَدَنِي أَنْ يَفْعَلَ، فَجَاءَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَتَسَامَعَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ فَأَتَوْهُ، وَتَخَلَّفَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ، وَكَانَ يُزَنُّ بِالنِّفَاقِ، فَاحْتَبَسُوا عَلَى طَعَامٍ، فَتَذَاكَرُوه بَيْنَهُمْ فَقَالُوا: مَا تَخَلَّفَ عَنَّا وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَارَنَا إِلَّا لِنِفَاقِهِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: " وَيْحَهُ، أَمَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ بِهَا مُخْلِصًا، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ النَّارَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بِهَا " أما أحوال مسلمي يثرب قبل قيامهم بالنهب والسلب واحتلال البلدان، فكان كالتالي حسب الواقدي: وَكَانَ مِمّنْ يُعْرَفُ أَنّهُ دُفِنَ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرُو ابْنُ الْجَمُوحِ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ، وَالنّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدَةُ بْنُ الْحَسْحَاسِ فِى قَبْرٍ وَاحِدٍ. فَلَمّا وَارَوْا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ ص بِبُرْدَةٍ تُمَدّ عَلَيْهِ وَهُوَ فِى الْقَبْرِ فَجَعَلَتْ الْبُرْدَةُ إذَا خَمّرُوا رَأْسَهُ بَدَتْ قَدَمَاهُ وَإِذَا خَمّرُوا رِجْلَيْهِ تَنْكَشِفُ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “غَطّوا وَجْهَهُ”، وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْحَرْمَلَ، فَبَكَى الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ عَمّ رَسُولِ اللّهِ لا نَجِدُ لَهُ ثَوْبًا، فَقَالَ النّبِىّ ص: “تَفْتَتِحُ - يَعْنِى الأَرْيَافَ وَالأَمْصَارَ. فَيَخْرُجُ إلَيْهَا النّاسُ، ثُمّ يُبْعَثُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ إنّكُمْ بِأَرْضِ حِجَازٍ جَرْدِيّةٍ - الْجَرْدِيّةُ الّتِى لَيْسَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الأَشْجَارِ - وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لا يَصْبِرُ وَاحِدٌ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدّتِهَا، إلاّ كُنْت لَهُ شَفِيعًا - أَوْ شَهِيدًا - يَوْمَ الْقِيَامَةِ”. قَالُوا: وَأَتَى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ، فَقَالَ: حَمْزَةُ - أَوْ رَجُلٌ آخَرُ - لَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ إلاّ بُرْدَةٌ، وَكَانَا خَيْرًا مِنّى. لا نطمئن كثيرًا بالطبع إلى النبوءة المزعومة لمحمد في النص. وبوسعنا التأكد من دخول الكثير من سكان يثرب في الإسلام نفاقاً وظاهرياً حماية لحيواتهم مما يقوله الواقدي هنا: وَأَظْهَرَتْ الْيَهُودُ الْقَوْلَ السّيّئَ، فَقَالُوا: مَا مُحَمّدٌ إلاّ طَالِبُ مُلْكٍ مَا أُصِيبَ هَكَذَا نَبِىّ قَطّ؛ أُصِيبَ فِى بَدَنِهِ، وَأُصِيبَ فِى أَصْحَابِهِ، وَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يُخَذّلُونَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص أَصْحَابَهُ، وَيَأْمُرُونَهُمْ بِالتّفَرّقِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ ص، وَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ص: لَوْ كَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ عِنْدَنَا مَا قُتِلَ، حَتّى سَمِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فِى أَمَاكِنَ، فَمَشَى إلَى رَسُولِ اللّهِ ص لِيَسْتَأْذِنَهُ فِى قَتْلِ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “يَا عُمَرُ، إنّ اللّهَ مُظْهِرٌ دِينَهُ وَمُعِزّ نَبِيّهُ، وَلِلْيَهُودِ ذِمّةٌ فَلا أَقْتُلُهُمْ”. قَالَ: فَهَؤُلاءِ الْمُنَافِقُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ شَهَادَةَ أَنّ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّى رَسُولُ اللّهِ”؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ، وَإِنّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ تَعَوّذًا مِنْ السّيْفِ، فَقَدْ بَانَ لَهُمْ أَمْرُهُمْ، وَأَبْدَى اللّهُ أَضْغَانَهُمْ عِنْدَ هَذِهِ النّكْبَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “نُهِيت عَنْ قَتْلِ مَنْ قَالَ لا إلَهَ إلاّ اللّهُ، وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ، يَا ابْنَ الْخَطّابِ، إنّ قُرَيْشًا لَنْ يَنَالُوا مِنّا مِثْلَ هَذَا الْيَوْمِ حَتّى نَسْتَلِمَ الرّكْنَ”. وفي الختام نقرأ نموذجاً من رسائل محمد المطمئنة بصدد خطته لقومه قبيلة قريش، رغم محاربته معها، فهدفه النهائي توحيد العرب تحت قيادتها: يقول الواقدي: وَجَعَلَ أَبُو قَتَادَةَ يُرِيدُ أَنْ يَنَالَ مِنْ قُرَيْشٍ، لِمَا رَأَى مِنْ غَمّ رَسُولِ اللّهِ ص فِى قَتْلِ حَمْزَةَ وَمَا مُثّلَ بِهِ كُلّ ذَلِكَ يُشِيرُ إلَيْهِ النّبِىّ ص أَنْ اجْلِسْ ثَلاثًا - وَكَانَ قَائِمًا - فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “أَحْتَسِبُك عِنْدَ اللّهِ”، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “يَا أَبَا قَتَادَةَ، إنّ قُرَيْشًا أَهْلُ أَمَانَةٍ مَنْ بَغَاهُمْ الْعَوَاثِرَ كَبّهُ اللّهُ لِفِيهِ وَعَسَى إنْ طَالَتْ بِك مُدّةٌ أَنْ تَحْقِرَ عَمَلَك مَعَ أَعْمَالِهِمْ، وَفَعَالَك مَعَ فَعَالِهِمْ، لَوْلا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لأَخْبَرْتهَا بِمَا لَهَا عِنْدَ اللّهِ”. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا غَضِبْت إلاّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ حِينَ نَالُوا مِنْهُ مَا نَالُوا، قَالَ رَسُولُ اللّهِ ص: “صَدَقْت، بِئْسَ الْقَوْمُ كَانُوا لِنَبِيّهِمْ”. وفي مسند أحمد: 16928 - قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الْأَمْرِ، خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا ، وَاللهِ لَوْلَا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لَأَخْبَرْتُهَا مَا لِخِيَارِهَا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ " إسناده صحيح، وأخرجه الحافظ في "تغليق التعليق" 4/481 من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد. وأخرجه ابنُ أبي شيبة 12/169، ومن طريقه ابن أبي عاصم في "السنة" (1129) و (1527) عن أبي نعيم، بهذا الإسناد. ولفظ ابن أبي عاصم: "الناس تبع لقريش في هذا الأمر لخيارهم، وشرارهم تبع لشرارهم". وفي باب قوله: "الناس تبع لقريش...": عن أبي هريرة، برقم (7306) من مسند أحمد ، وذكرنا هناك بقية أحاديث الباب. ونزيد عليها: عن أبي بريدة عند ابن أبي عاصم في "السنة" (1511) . وعن سهل بن سعد عند الطبراني في "الكبير" (5841) ، وفي "الأوسط" (5592) . وفي باب قوله: "لولا أن تبطر قريش": عن جبير بن مطعم وابن عباس وقتادة عند ابن أبي عاصم بالأرقام (1528) و (1529) و (1530) وروى البخاري: 3495 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّاسُ تَبَعٌلِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ وروى مسلم: باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش [ 1818 ] حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب وقتيبة بن سعيد قالا حدثنا المغيرة يعنيان الحزامي ح وحدثنا زهير بن حرب وعمرو الناقد قالا حدثنا سفيان بن عيينة كلاهما عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حديث زهير يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم وقال عمرو رواية الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم [ 1818 ] وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم [ 1819 ] وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا روح حدثنا بن جريج حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم الناس تبع لقريش في الخير والشر [ 1820 ] وحدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه قال قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان ورواه أحمد بن حنبل 7306 و أخرجه الحميدي (1044)، وأبو يعلى (6264) ، وأبو عوانة 4/392 من طريق سفيان بن عيينة، بهذا الإسناد. وأخرجه الطيالسي (2380) عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، والبخاري (3495) و (3496)، وأبو عوانة 4/392، والبيهقي 8/141، والبغوي (3384) |
|
|
|
رقم الموضوع : [10] |
|
باحث ومشرف عام
![]() |
حركة الاغتيالات للشعراء والمعارضين والمحرِّضين بوادر العنف الإسلامي بعد هزيمة أحد: اقتحام أبي بكر بيت المدراش (بيت ها مدراش) اليهودي الخاص بدراسة التوراة وتفاسيرها (المدراشيم) وتهجمه على عالم داخله يقول الواقدي مفسراً لآيات نزلت بعد معركة أحد: {لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} قَالَ: لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. {مَنْ ذَا الّذِى يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا} قَالَ فِنْحَاصُ الْيَهُودِىّ: اللّهُ فَقِيرٌ، وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ لِيَسْتَقْرِضَ مِنّا؟ {وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ مِنْ كُفْرِكُمْ وَقَتْلِكُمْ الأَنْبِيَاءَ} ........وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} يَعْنِى الْيَهُودَ؛ {وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا} يَعْنِى مِنْ الْعَرَبِ، {أَذًى كَثِيرًا} إلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلَى النّبِىّ ص قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ. واضح أن اليهودي لم يعجبه التعبير القرآني واستنكره، على سبيل التمحك، والمجادلة مع المنطق والأسلوب القرآني المحمدي، ولكن هذا ليس مبرراً لتقويل الرجل ما لم يقله، فهو يستنكر الأسلوب المحمدي وليس أنه يصف الله بالفقر! فهذا غير منطقي وفقاً للمعتقدات الخرافية لكلا الفريقين، ولقد ورد نفس التعبير المحمديّ بالكتاب اليهودي المقدس في سفر الأمثال 19: 17 (17 من يرحم الفقير يقرض الرب وعن معروفه يجازيه) مع أنها كلها خرافات لامنطقية في آخر المطاف! وإلا فالله ليس بغني ولا فقير، لأنه ليس له وجود من الأساس. أما ابن هشام فيروي قصة مزعومة لا يمكننا كعلماء أديان أن نصدقها بتمامها، بل نتشكك في معظم ما نسبته على لسان الرجل اليهودي: ودخل أبو بكر الصديق بيت المدراس على يهود، فوجد منهم ناساً كثيراً قد اجتمعوا إلى رجل منهم، يقال له فِنْحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه في حَبْر من أحبارهم، يقال له: أشْيع، فقال أبو بكر لفنحاص: ويحك! يا فنحاص! اتق الله وأسْلمْ؟ فوالله إنك لتعلم أن محمداً لرسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص لأبى بكر: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء، وما هو عنا بغني، ولو كان عنا غنياً ما استقرضنا أموالَنا، كما يزعم صاحبُكم، ينهاكم عن الربا ويُعْطيناه ولو كان عنا غنياً ما أعطانا الربا قال: فغضِب أبو بكر، فضرب وجْهَ فنحاص ضرباً شديداً، وقال: والذي نفسي بيده، لولا العهد الذي بيننا وبينكم لضربت رأسك، أيْ عدوَّ الله. قال: فذهب فِنْحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، انظر ما صنع بى صاحبك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما حملك على ما صنعتَ؟ فقال أبو بكر يا رسول الله، إن عدو الله قال قولاً عظيماً: إنه زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فلما قال ذلك غضبتُ للّه مما قال، وضربت وجهه. فجحد ذلك فِنحاص، وقال: ما قلت ذلك. فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص رداً عليه وتصديقاً لأبى بكر: {لَقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}. [آل عمران: 181] ونزل في أبي بكر الصديق رضى الله عنه، وما بلغه في ذلك من الغضب {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. [آل عمران: 186]. حقيقةً، فهذه مشكلة المسلمين العرب، وهي بعدهم عن أدب النقاش والحوار والمناظرة وتبادل الأفكار، تمتد أيديهم بالبطش أو السيف دوماً، والمفترض أنه مهما استفزك الطرف الآخر بمشاعرك الدينية الهمجية المتعصبة أن ترد عليه بقوة المنطق والحجة، وليس أن تمد يدك فتضربه تتهجم عليه، كأسلوب هؤلاء البدو، ثم نرى من القصة همجية وفوضى المسلمين المألوفة منذ نشأتهم والتي جعلت يهود يثرب العرب يتحالفون مع وثنيي العرب ضدهم، فهنا مثلاً أبو بكر يقتحم معبداً ويثير إزعاج المتعبدين بدينهم فيه ثم يضرب واحداً من أحباره داخله. في أي دولة متقدمة تكون عقوبة همجي كهذا شديدة بالسجن لفترة لا بأس بها حتى يرتد له عقله ومدنيته، وتسمى جريمة من جرائم العنصرية والكراهية والتهجم! أما الكلام المنسوب لليهودي، فإن الناس في المقام الأول أحرار فيما يعتقدون كيفما يشاؤون، وليس لأحد أن يتحكم في معتقداتهم أو يحاسبهم عليها، وإن قراءتنا ودراستنا للعهد القديم والتلمود تدفعنا لرفض هذه الأقوال المعزوَّة لليهود. أما عن آية التسامح فلكي لا تذهب بنا الظنون ونحسن الظن بقرآن محمد والإسلام، فالمفسرون يؤكدون أنها منسوخة وملغية بحكم آيات العنف كسورة التوبة. أما الكارثة الكبيرة فهي ما يكشفه تفسير السدي، ومنه ينقل تفسير الطبري، حيث نرى رواية تثبت أن أبا بكر حاول أخذ أموال من يهود بني مرثد لتمويل محمد وحروبه! 8302 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء " ، قالها فنحاص اليهوديّ من بني مَرثد ، لقيه أبو بكر فكلمه فقال له : يا فنحاص ، اتق الله وآمن وصدِّق ، وأقرض الله قرضًا حسنًا! فقال فنحاص : يا أبا بكر ، تزعم أن ربنا فقير يستقرِضنا أموالنا! وما يستقرض إلا الفقير من الغني! إن كان ما تقول حقًّا ، فإن الله إذًا لفقير! فأنزل الله عز وجل هذا ، فقال أبو بكر : فلولا هُدنة كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين بني مَرثد لقتلته. ويقول الطبري: وقيل : إن ذلك كله نزل في فنخاص اليهودي ، سيد بني قَيْنُقَاع ، كالذي : - حدثنا به القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عكرمة في قوله : " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرًا " ، قال : نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي أبي بكر رضوان الله عليه ، وفي فنحاص اليهودي سيد بني قينُقاع قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رحمه الله إلى فنحاص يستمدُّه ، وكتب إليه بكتاب ، وقال لأبي بكر : "لا تَفتاتنَّ عليّ بشيء حتى ترجع ". فجاء أبو بكر وهو متوشِّح بالسيف ، فأعطاه الكتاب ، فلما قرأه قال : " قد احتاج ربكم أن نمده " ! فهمّ أبو بكر أن يضربه بالسيف ، ثم ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تفئتنّ علي بشيء حتى ترجع " ، فكف ، ونزلت : {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ }. وما بين الآيتين إلى قوله: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم}، نزلت هذه الآيات في بني قينقاع إلى قوله: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك} قال ابن جريج : يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم المفتئت: كل من أحدث دونك شيئا ، ومضى عليه ولم يستشرك ، واستبد به دونك ، فقد فاتك بالشيء وافتات عليك به أو فيه. هو " افتعال " من " الفوت " ، وهو السبق إلى الشيء دون ائتمار أو مشورة. أما بنو مرثد المذكورون فهم حسب معجم قبائل العرب لعمر رضا كحالة: بطن من بني الحارث بن كعب، من القحطانية، وهم: بنو مرثد، ومريثد ابني سلمة بن المعقل بن كعب بن ربيعة بن كعب بن الحارث بن كعب. (نهاية الأرب للقلقشندي) وبنو الحارث هؤلاء هم بطن من قبيلة مذحج التي كان محمد قد سالمها وعاهدها: بنو الحارث - بطن من مذحج من القحطانية، وهم بنو الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد، ومالك هو مذحج وبعد هزيمة أحد، وقول بعض الوثنيين واليهود شعراً ناقداً لمحمد وحركته الدينية، شرع يأمر أتباعه بقتل أناس أبرياء لمجرد قولهم الشعر وتعبيرهم عن رأيهم بالكلام، ففي أي شريعة غير الإسلام واليهودية يكون جزاء الكلام والتعبير عن الاعتقاد والفكر والقتل، وقد أمر محمد بقتل امرأة عزلاء غير مسلحة أرملة لا رجل لها ولها أولاد صغار لمجرد قولها الشعر، فيا له من تجرد من أخلاق النبل والمروءة والإنسانية، وكذلك قتلوا رجلاً عجوزاً لمجرد قوله الشعر. يقول ابن هشام: سرية سالم بن عمير لقتل أبي عَفَك قال ابن إسحاق: وغزوة سالم بن عُمير لقتل أبي عَفَك، أحد بني عمرو بن عوف ثم من بني عُبيدة، وكان قد نجم (1) نِفاقُه، حين قَتل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: الحارث ابن سُوَيْد بن صامت فقال: لقد عشتُ دهراً وما إِنْ أرى ... من الناسِ داراً ولا مجمعَا أبرَّ عهوداً وأوْفَى لمن ... يُعاقد فيهمْ إذا ما دَعَا من اولادِ قَيْلَة في جمعِهم ... يَهُدُّ الجبالَ ولم يَخْضَعا (2) فصدَّعهم راكبٌ جاءهم ... حَلالٌ حَرامٌ لشَتَّى مَعَا (3) فلو أن بالعزِّ صدَّقتمُ ... أوِ الملكِ تابعتم تُبَّعَا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لي بهذا الخبيث، فخرج سالم بن عُمير، أخو بني عَمرو بن عوف، وهو أحد البكائين فقتله؟ فقالت أمامة المُزَيْرية في ذلك: تُكذِّبُ دينَ الله والمرءَ أحمدَا لعَمرُو ... الذي أمْناك أن بئسْ ما يُمْنِى (4) حباكَ حنيف اخِرَ الليلِ طعنةً ... أبا عَفَكٍ خُذْها على كِبرِ السنِّ __________ (1) نجم: وضح. (2) قيلة: أم الأوس والخزرج. (3) صدعهم: فرقهم. (4) أمناك: أنساك. غزوة عمير بن عدي الخطمي لقتل عصماء بنت مروان وغزوة عُمير بن عدي الخَطْمي عصماء بنت مروان، وهى من بني أمية بن زيد، فلما قُتل أبو عَفك نافقت، فذكر عبد الله بن الحارث بن الفضيل عن أبيه، قال: وكانت تحت رجل من بني خَطْمة، يقال له يزيد بن زيد، فقالت تعيب الإسلام وأهله: باست بني مالك والنبيت ... وعوف وباسْتِ بني الخزرجِ أ طعتم أتاويَّ من غيرِكم ... فلا من مراد ولا مَذْحِجِ (1) ترجُّونه بعدَ قتلِ الرءوسِ ... كما يُرتَجَى مرق المُنْضَج (2) ألا أنِفٌ يبتغي غِرَّةً ... فيقطع من أملِ المرتجِي (3) قال: فأجابها حسان بن ثابت، فقال: بنو وائلٍ وبنو واقفٍ ... وخَطْمَةُ دونَ بني الخزرَجِ متى ما دَعتْ سَفَهاً ويحَها ... بعوْلَتِها والمنايا تَجِى فهَزَّتْ فتى ماجداً عِرْقُه ... كريمُ المداخلِ والمخْرجِ فضرَّجها من نجيعِ الدماءِ ... بعدَ الهُدُوِّ فلم يَحْرَجِ (4) __________ (1) الأتاوي: الغريب. مذحج: اسم أكمه باليمن ولدت غدها امرأة من حمير واسمها مُدِلَة ثم كانت زوجة أدَد فسميت المرأة باسمها ثم صار اسما للقبيلة، ومنهم قبيلة الأنصار، وعلى هذا فلا ينصرف للتأنيث والعلمية (2) المنضج: الذي طاب اكله والاسم النُّضج بضم النون وفتحها لغة والفاعل ناضج ونضيج وأنضجته بالطبخ فهو منضج ونضيج أيضا. (3) الأنف: المترفع. الغرة: الغفلة. (4) ضرّجها: لطّخها، النجيع من الدم: ما كان إلى سواد وهو دم الجوف، الهدو: منتصف الليل، أو بعد ساعة منه. يحرج: يأثم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك: ألا آخذ لى من ابنة مروان؟ فسمع ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمَير بن عدي الخطْمى، وهو عنده؟ فلما أمسى من تلك الليلة سرى عليها في بيتها فقتلها، ثم أصبح معِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني قد قتلتها. فقال: نَصرت الله ورسولَه يا عُمير، فقال: هل عليَّ شىء من شأنها يا رسول الله؟ فقال: لا يَنْتطح فيها عنزان. فرجع عُمير إلى قومه، وبنو خَطْمة يومئذ كثير مَوْجهم (1) في شأن بنت مروان، ولها يومئذ بنون خمسة رجال، فلما جاءهم عُمير بن عدي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا بني خَطْمة، أنا قتلت ابنة مروان، فكيدونى جميعا ثم لا تُنْظِرونِ. فذلك اليوم أول ما عز الإسلامُ في دار بني خَطْمة، وكان يستخفى بإسلامهم فيهم من أسلم، وكان أول من أسلم من بني خَطْمة عُمَير بن عدي، وهو الذي يُدْعَى القارئ، وعبداللّه بن أوْس، وخُزيمة بن ثابت، وأسلم يوم قُتلت ابنة مروان، رجال من بني خطمة، لما رأوا من عز الإسلام. رجل يدخل بيت امرأة وحيدة ليقتلها، فيسميها المسلمون الأوائل "غزوة"، نفس الأخلاق الخسيسة التي تجعل إرهابياً خسيساً قاتلاً للأبرياء المدنيين بدلاً من العسكر المسلحين كـ بن لادن يسمي كل حقارة من أتباعه غزوة، كالحادي عشر من سبتمبر أو أي عملية يقتلون فيها أطفالاً أو نساءً. وكما يقول القمني في نقده بحروب دولة الرسول كانت النتيجة أن هرع الكثيرون ومنهم بنو خطمة لاتباع الإسلام. إلا أن الواقدي في روايته يعكس ترتيب عمليتي الاغتيال، ويجعلهما بعد بدر، وعندي أن ابن إسحاق هو الصحيح، لأنه يربط شعر أبي عفك بما فعله الحارث بن سويد في غزوة أحد من __________ (1) موجهم: اختلاطهم واختلافهم. غدره لينال ثأراً كان قبل قدوم محمد والإسلام، وفي حين أن محمداً هو من حرّض وأمر بقتل عصماء عند ابن هشام، فعند الواقدي أن القاتل فعلها من تصرفه الشخصي وبارك محمد فعله الإجراميّ. يقول الواقدي: ذكر سَرِيّةِ قَتْلِ عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ عَصْمَاءَ بِنْتَ مَرْوَانَ مِنْ بَنِى أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ كَانَتْ تَحْتَ يَزِيدَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حِصْنٍ الْخَطْمِىّ وَكَانَتْ تُؤْذِى النّبِىّ ص وَتَعِيبُ الإِسْلامَ وَتُحَرّضُ عَلَى النّبِىّ ص وَقَالَتْ شِعْرًا: فباسْتِ بني مالكٍ والنَّبيت وعوفٍ وباستِ بني الخزرَج أطعتُم أتاوِيَّ مِن غيرِكم فلا من مُرادٍ ولا مَذْحِج تُرَجّونَه بعدَ قتل الرُءوسِ كما يُرتَجَى مَرَقُ المُنضَج قَالَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِىّ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ أُمَيّةَ الْخَطْمِىّ حِينَ بَلَغَهُ قَوْلُهَا وَتَحْرِيضُهَا: اللّهُمّ إنّ لَك عَلَىّ نَذْرًا لَئِنْ رَدَدْت رَسُولَ اللّهِ ص إلَى الْمَدِينَةِ لأَقْتُلَنّهَا - وَرَسُولُ اللّهِ ص يَوْمَئِذٍ بِبَدْرٍ - فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ ص مِنْ بَدْرٍ جَاءَهَا عُمَيْرُ بْنُ عَدِىّ فِى جَوْفِ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَيْهَا فِى بَيْتِهَا، وَحَوْلَهَا نَفَرٌ مِنْ وَلَدِهَا نِيَامٌ مِنْهُمْ مَنْ تُرْضِعُهُ فِى صَدْرِهَا؛ فَجَسّهَا بِيَدِهِ فَوَجَدَ الصّبِىّ تُرْضِعُهُ فَنَحّاهُ عَنْهَا، ثُمّ وَضَعَ سَيْفَهُ عَلَى صَدْرِهَا حَتّى أَنْفَذَهُ مِنْ ظَهْرِهَا، ثُمّ خَرَجَ حَتّى صَلّى الصّبْحَ مَعَ النّبِىّ ص بِالْمَدِينَةِ. فَلَمّا انْصَرَفَ النّبِىّ ص نَظَرَ إلَى عُمَيْرٍ، فَقَالَ: “أَقَتَلْت بِنْتَ مَرْوَانَ”؟ قَالَ: نَعَمْ بِأَبِى أَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ. وَخَشِىَ عُمَيْرٌ أَنْ يَكُونَ افْتَاتَ عَلَى النّبِىّ ص بِقَتْلِهَا، فَقَالَ: هَلْ عَلَىّ فِى ذَلِكَ شَيْءٌ يَا رَسُولَ اللّهِ؟ قَالَ: “لا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ”، فَإِنّ أَوّلَ مَا سَمِعْت هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنْ النّبِىّ ص. قَالَ عُمَيْرٌ: فَالْتَفَتَ النّبِىّ ص إلَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ: “إذَا أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَنْظُرُوا إلَى رَجُلٍ نَصَرَ اللّهَ وَرَسُولَهُ بِالْغَيْبِ، فَانْظُرُوا إلَى عُمَيْرِ بْنِ عَدِىّ”. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِىَ اللّهُ عَنْهُ: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الأَعْمَى الّذِى تَشَدّدَ فِى طَاعَةِ اللّهِ، فَقَالَ: “لا تَقُلْ الأَعْمَى، وَلَكِنّهُ الْبَصِيرُ”، فَلَمّا رَجَعَ عُمَيْرٌ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ ص وَجَدَ بَنِيهَا فِى جَمَاعَةٍ يَدْفِنُونَهَا، فَأَقْبَلُوا إلَيْهِ حِينَ رَأَوْهُ مُقْبِلاً مِنْ الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: يَا عُمَيْرُ أَنْتَ قَتَلْتهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ فَكِيدُونِى جَمِيعًا، ثُمّ لا تُنْظِرُونِ فَوَاَلّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ قُلْتُمْ بِأَجْمَعِكُمْ مَا قَالَتْ لَضَرَبْتُكُمْ بِسَيْفِى هَذَا حَتّى أَمُوتَ أَوْ أَقْتُلَكُمْ. فَيَوْمَئِذٍ ظَهَرَ الإِسْلامُ فِى بَنِى خَطْمَةَ، وَكَانَ مِنْهُمْ رِجَالٌ يَسْتَخْفُونَ بِالإِسْلامِ خَوْفًا مِنْ قَوْمِهِمْ. فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَمْدَحُ عُمَيْرَ بْنَ عَدِىّ أَنْشَدَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ: بني وائلٍ وبني واقف وخَطْمَةَ دون بني الخزرَج متى ما دَعَتْ أختُكم ويحَها بِعَوْلَتِها والمنايا تَجي فهزَّتْ فتىً ماجداً عرْقُهُ كريمَ المداخِل والمَخرَج فضرَّجها من نجيعِ الدماءِ قُبَيْل الصباحِ ولم يَحْرَجِ فأوردَكَ اللهُ بَرْدَ الجنا نِ جذلانَ في نِعمةِ المَوْلِج حَدّثَنِى عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ قَتْلُ عَصْمَاءَ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ مَرْجِعَ النّبِىّ ص مِنْ بَدْرٍ، عَلَى رَأْسِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا. سَرِيّةُ قَتْلِ أَبِى عَفَكٍ حَدّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمّدٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ، وَحَدّثَنَاهُ أَبُو مُصْعَبٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَشْيَاخِهِ قَالا: إنّ شَيْخًا مِنْ بَنِى عَمْرِو ابْنِ عَوْفٍ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَفَكٍ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، قَدْ بَلَغَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ حِينَ قَدِمَ النّبِىّ ص الْمَدِينَةَ، كَانَ يُحَرّضُ عَلَى عَدَاوَةِ النّبِىّ ص وَلَمْ يَدْخُلْ فِى الإِسْلامِ. فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ ص إلَى بَدْرٍ رَجَعَ وَقَدْ ظَفّرَهُ اللّهُ بِمَا ظَفّرَهُ فَحَسَدَهُ وَبَغَى فَقَالَ قد عشتُ حيناً وما إِنْ أرى ... من الناسِ داراً ولا مَجْمَعَا أجَّمَ عُقولاً وآتى إلى ... مُنيبٍ سراعاً إذا ما دَعا فسلبَهم أمرَهم راكبٌ ... حَراماً حلالاً لشَتَّى مَعَا فلو كان بالمُلْكِ صدَّقتمُ ... وبالنَصْرِ تابعتم تُبَّعَا فَقَالَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْبَكّائِينَ مِنْ بَنِى النّجّارِ: عَلَىّ نَذْرٌ أَنْ أَقْتُلَ أَبَا عَفَكٍ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ، فَأَمْهَلَ فَطَلَبَ لَهُ غِرّةً، حَتّى كَانَتْ لَيْلَةٌ صَائِفَةٌ فَنَامَ أَبُو عَفَكٍ بِالْفِنَاءِ فِى الصّيْفِ فِى بَنِى عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَقْبَلَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَوَضَعَ السّيْفَ عَلَى كَبِدِهِ حَتّى خَشّ فِى الْفِرَاشِ وَصَاحَ عَدُوّ اللّهِ فَثَابَ إلَيْهِ أُنَاسٌ مِمّنْ هُمْ عَلَى قَوْلِهِ فَأَدْخَلُوهُ مَنْزِلَهُ وَقَبَرُوهُ. وَقَالُوا: مَنْ قَتَلَهُ؟ وَاَللّهِ لَوْ نَعْلَمُ مَنْ قَتَلَهُ لَقَتَلْنَاهُ بِهِ، فَقَالَتْ النّهْدِيّةُ فِى ذَلِكَ وَكَانَتْ مُسْلِمَةً هَذِهِ الأَبْيَاتَ: تُكَذّبُ دِينَ اللّهِ وَالْمَرْءَ أَحمَدَا لَعمرُ الذي أَمْناك إذ بئس ما يُمنى حباكَ حنيفٌ آخرَ الليلِ طعنةً أبا عفكٍ خُذْها على كِبَر السِّنِّ فإني وإنْ أعلم بقاتلك الذي أباتك حلْسَ الليل من إنسٍ أو جنّي فَحَدّثَنِى مَعْنُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: أَخْبَرَنِى ابْنُ رُقَيْشٍ، قَالَ: قُتِلَ أَبُو عَفَكٍ فِى شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا. لو أخذنا بقول ابن إسحاق فعلينا أن نأخذ بقول المفكر العلماني سيد القمني أن هذا كان من محمد للحفاظ على هيبة دولته الوليدة بعد هزيمتها بأحد، ولو اتبعنا قول الواقدي وتلميذه ابن سعد أن هذا بعد بدر فيكون محمد فعله منتشياً بنصره متقوياً بازدياد الأتباع والمغانم وفداء الأسرى، وسمة الشعب الجاهل حب القويّ المنتصر، لا قيمه الأخلاقية الرفيعة والإنسانية! لكني أرجح قول القمني واتباعه لابن هشام. اغتيال أبي رافع سلام بن أبي الحقيق زعيم خيبر استطاع القمني كذلك بأدلة كثيرة إثبات أن قتل أبي رافع سلام بن أبي الحقيق، أيضاً كان بعد أحد غالباً لقوله شعراً ضد الإسلام، وهو نفس ما يسجله الواقدي وتؤكده رواية للبخاري سنوردها، لا كما تزعم أغلب كتب المسلمين أنه بعد الخندق لأنه شارك في جمع غطفان وقريش واليهود، انظر حروب دولة الرسول ص175، أما أدلته فمنها عثوره على نص مهم في المحبَّر لمحمد بن حبيب يرد هذا الاغتيال إلى السنة الثالثة بعد معركة أحد: وفي سنة ثلاث بعث محمد بن مَسلمة وسلكان بن سلامة إلى كعب بن الأشرف اليهودي فقتلاه. وفيها بعث صلى الله عليه أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي إلى قطن فاستشهد فيها عروة بن مسعود الفزاري. وبعث فى النصف من رجب عبد الله بن انيس إلى سلام بن أبي الحُقيق اليهودي فقتله. وقد لاحظت أن الواقدي كذلك يضع ذلك الاغتيال ليس بعد معركتي الخندق وقريظة، بل بعد غزوة بدر الموعد، وهذا مطابق لتقدير القمني وتأريخ ابن حبيب وهو بعد أحد، فيقول: ثُمّ سَرِيّةُ ابْنِ عَتِيكٍ إلَى ابْنِ أَبِى الْحَقِيقِ فِى ذِى الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا. أيضاً من أدلته جمع حسان بن ثابت لعمليتي اغتيال كعب بن الأشرف وأبي رافع في شعره: قال ابن إسحاق: وقال حسانُ بنَ ثابت يذكر قَتْل كعبِ بنِ الأشرف وقَتْل سلام بن أبي الحُقَيْق: للّهِ دَرُّ عِصابةً لاقيتَهم يابنَ الحقيق وأنت يابنَ الأشرفِ يَسْرُون بالبيضِ الخِفافِ إليكمُ مرحاً كأسْدٍ في عرين مُغْرِفِ (1) حتى أتوكم فى محلِّ بلادِكم فسقَوْكم حتفاً ببيضٍ ذُففِ (2) ومن أدلته أن الذي حزَّب الأحزاب لحرب المسلمين هو أسير بن زارم، الذي تولى قومه بعد مقتل أبي رافع، يقول الواقدي: فَحَدّثَنِى ابْنُ أَبِى حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ: كَانَ أُسَيْرٌ رَجُلاً شُجَاعًا، فَلَمّا قُتِلَ أَبُو رَافِعٍ أَمّرَتْ الْيَهُودُ أُسَيْرَ بْنَ زَارِمَ فَقَامَ فِى الْيَهُودِ، فَقَالَ: إنّهُ وَاَللّهِ مَا سَارَ مُحَمّدٌ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْيَهُودِ إلاّ بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَصَابَ مِنْهُمْ مَا أَرَادَ وَلَكِنّى أَصْنَعُ مَا لا يَصْنَعُ أَصْحَابِى. فَقَالُوا: وَمَا عَسَيْت أَنْ تَصْنَعَ مَا لَمْ يَصْنَعْ أَصْحَابُك؟ قَالَ: أَسِيرُ فِى غَطَفَانَ فَأَجْمَعُهُمْ، فَسَارَ فِى غَطَفَانَ فَجَمَعَهَا، ثُمّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، نَسِيرُ إلَى مُحَمّدٍ فِى عُقْرِ دَارِهِ فَإِنّهُ لَمْ يُغْزَ أَحَدٌ فِى دَارِهِ إلاّ أَدْرَكَ مِنْهُ عَدُوّهُ بَعْضَ مَا يُرِيدُ. قَالُوا: نِعْمَ مَا رَأَيْت. فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِىّ ص، قَالَ: وَقَدِمَ عَلَيْهِ خَارِجَةُ بْنُ حُسَيْلٍ الأَشْجَعِىّ، فَاسْتَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ ص مَا وَرَاءَهُ، فَقَالَ: تَرَكْت أُسَيْرَ بْنَ زَارِمَ يَسِيرُ إلَيْك فِى كَتَائِبِ الْيَهُودِ. إن من يقرأ الواقدي وغيره قد يفهم من السياق أنه تحزيب آخر، لكني أرى أن ندرس نظرية القمنيّ، فهي وجيهة وصحيحة. __________ (1) العرين: أجمة الأسد وهو الغريف أيضاً، والغريف أيضاً الكثير، فيحتمل إنه أراد بمغرف مكراً من الأسد، ويحتمل أنه أراد توكيد معنى الغريف، كما يقال: خبيث مخبث (2) بيض ذفف: الذف: جمع ذفيف وهو السريع، وهو جمع على غير قياس، وإنما فعل جمع فاعل ولكن الذفيف من السيوف في معنى القاطع والصارم. وجاء في السيرة لابن هشام: قال ابن اسحاق : وحدثني محمد بن مُسلم بن شهاب الزُّهري ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، قال : وكان مما صنع الله به لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيين من الأنصار: الأوْس والخزرج ، كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاول الفحْلَين ، لا تصنع الأوس شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غَناء إلا قالت الخزرج : والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى الإسلام . قال : فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلَها، . وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوْس مثلَ ذلك . ولما أصاب الأوْسُ كعبَ بنَ الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج : والله لا تذهبون بها فضلا علينا أبدا، قال : فتذاكروا: مَنْ رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف ؟ فذكروا ابن أبي الحقَيق ، وهو بخيبر، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله ، فأذن لهم . من خرج لقتل ابن أبي الحقيق : فخرج اليه من الخزرج من بني سَلَمة خمسهُ نفر: عبدالله بن عَتيك ، ومسعود بن سِنان ، وعبدالله ابن أنيس ، وأبو قَتادة، الحارث بن رِبْعي ، وخُزاعي بن أسود، حليف لهم من أسلم . فخرجوا وأمَّر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدَالله بن عَتيك ، ونهاهم عن أن يقتلوا وليدا أو امرأة، فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر، أتوا دار ابن أبي الحُقَيق ليلا، فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله . قال : وكان في عِلِّية له إليها عجلة قال : فأسندوا فيها، حتى قاموا على بابه ، فاستأذنوا عليه ، فخرجت إليهم امرأته ، فقالت : من أنتم ؟ قالوا: ناس من العرب نلتمس المِيرَة قالت : ذاكم صاحبكم ، فادخلوا عليه ، قال : فلما دخلنا عليه ، أغلقنا علينا وعليها الحجرة، تخوُّفا أن تكون دونَه مجاولةٌ تحول بيننا وبينه ، قالت : فصاحت امرأتُه ، فنوَّهَتْ[1] بنا، وابتدرناه ، وهو على فراشه بأسيافنا، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قُبطية[2] مُلقاة . قال : وِلما صاحت بنا امرأته ، جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ، ثم يذكر نهْيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل . قال : فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبدُالله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه ، وهو يقول . قَطْنِي قَطني . أي حسبى حسبى . قال : وخرجنا، وكان عبدالله بن عَتيك رجلا سيىء البصر، قال : فوقع من الدرجة فوثِئت[3] يدُه وثئا شديدا - ويقال : رجلُه ، فيما قال ابن هشام - وحملناه حتى نأتيَ به مَنْهرا من عيونهم ، فندخل فيه. قال : فأوقدوا النيران ، واشتدوا في كل وجه يطلبوننا قال : حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم ، فاكتنفوه وهو يقضى بينهم . قال : فقلنا: كيف لنا بأن نَعلمَ بأن عدوَّ الله قد مات ؟ قال : فقال رجل منا: أنا اذهب فانظر لكم فانطلق حتى دخل في الناس . قال : فوجدت امرأته ورجالَ يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه ، وتحدثهم وتقول : أما والله لقد سمعت صوت ابن عَتيك ، ثم أكذبتُ نفسي وقلت : أنَّى ابن عَتيك بهذه البلاد؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه ثم قالت . فاظ[4] وإلهِ يهود، فما سمعتُ من كلمةٍ كانت ألذَّ إلى نفسى منها. قال : ثم جاءنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدِمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبرناه بقتل عدو الله ، واختلفنا عنده في قتله له ، كلنا يدعيه . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هاتوا أسيافَكم ، قال : فجئناه بها. فنظر إليها فقال لسيف عبد الله بن انيس : هذا قَتله ، أرى فيه أثرَ الطعام . شعر حسان في قتل كعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق : قال ابن اسحاق : فقال حسان بن ثابت وهو يذكر قتل كعب بن الأشرف وقتل سلام بن أبي الحقيق : لله دَرّ عصابة لاقيتهــــم يابنَ الحقيقِ وأنتَ ياابنَ الأشرفِ . يسرون بالبيضِ الخِفافِ إليكمُ مَرَحا كَأسدٍ في عَرينِ مغرَفِ[5] حتى أتوكم في محلِّ بلادِكـم فسَقُوكُمً حَتْفا ببيضٍ ذففِ[6] مستَبصرين لنصرِ دينِ نبيهمْ مستصغِرين لكل أمرمُجْحِفِ[7] قال ابن هشام : قوله : " ذُفَّف " عن غير ابن اسحاق. ويقول الواقدي، الذي يجعلها كذلك في سنة 4 هـ قبل معركة الخندق (الأحزاب): سَرِيّةُ ابْنِ عَتِيكٍ إلَى أَبِى رَافِعٍ خَرَجُوا لَيْلَةَ الاثْنَيْنِ فِى السّحَرِ لأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِى الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا، وَغَابُوا عَشْرَةَ أَيّامٍ. حَدّثَنِى أَبُو أَيّوبَ بْنُ النّعْمَانِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ حَتّى أَتَيْنَا خَيْبَرَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَتْ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ بِخَيْبَرَ يَهُودِيّةً أَرْضَعَتْهُ وَقَدْ بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ ص خَمْسَةَ نَفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَأَبُو قَتَادَةَ، وَالأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِىّ وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ. قَالَ: فَانْتَهَيْنَا إلَى خَيْبَرَ، وَبَعَثَ عَبْدُ اللّهِ إلَى أُمّهِ فَأَعْلَمَهَا بِمَكَانِهِ فَخَرَجَتْ إلَيْنَا بِجِرَابٍ مَمْلُوءٍ تَمْرًا كَبِيسًا وَخُبْزًا، فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمّ قَالَ لَهَا: يَا أُمّاهُ إنّا قَدْ أَمْسَيْنَا، بَيّتِينَا عِنْدَك فَأَدْخِلِينَا خَيْبَرَ. فَقَالَتْ أُمّهُ: كَيْفَ تُطِيقُ خَيْبَرَ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ آلافِ مُقَاتِلٍ؟ وَمَنْ تُرِيدُ فِيهَا؟ قَالَ: أَبَا رَافِعٍ، فَقَالَتْ: لا تَقْدِرْ عَلَيْهِ، قَالَ: وَاَللّهِ لأَقْتُلَنهُ أَوْ لأُقْتَلَن دُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَتْ: فَادْخُلُوا عَلَىّ لَيْلاً، فَدَخَلَ عَلَيْهَا، فَلَمّا نَامَ أَهْلُ خَيْبَرَ، وَقَدْ قَالَتْ لَهُمْ: اُدْخُلُوا فِى خَمَرِ النّاسِ، فَإِذَا هَدَأَتْ الرّجْلُ فَاكْمُنُوا فَفَعَلُوا وَدَخَلُوا عَلَيْهَا، ثُمّ قَالَتْ: إنّ الْيَهُودَ لا تُغْلِقُ عَلَيْهَا أَبْوَابَهَا فَرَقًا أَنْ يَطْرُقَهَا ضَيْفٌ فَيُصْبِحُ أَحَدُهُمْ بِالْفِنَاءِ، وَلَمْ يُضَفْ فَيَجِدُ الْبَابَ مَفْتُوحًا فَيَدْخُلُ فَيَتَعَشّى. فَلَمّا هَدَأَتْ الرّجْلُ، قَالَتْ: انْطَلِقُوا حَتّى تَسْتَفْتِحُوا عَلَى أَبِى رَافِعٍ فَقُولُوا: إنّا جِئْنَا لأَبِى رَافِعٍ بِهَدِيّةٍ، فَإِنّهُمْ سَيَفْتَحُونَ لَكُمْ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ ثُمّ خَرَجُوا لا يَمُرّونَ بِبَابٍ مِنْ بُيُوتِ خَيْبَرَ إلاّ أَغْلَقُوهُ حَتّى أَغْلَقُوا بُيُوتَ الْقَرْيَةِ كُلّهَا، حَتّى انْتَهَوْا إلَى عَجَلَةٍ عِنْدَ قَصْرِ سَلاّمٍ، قَالَ: فَصَعِدْنَا وَقَدِمْنَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَتِيكٍ، لأَنّهُ كَانَ يَرْطُنُ بِالْيَهُودِيّةِ، ثُمّ اسْتَفْتَحُوا عَلَى أَبِى رَافِعٍ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: مَا شَأْنُك؟ فَقَالَ: عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ وَرَطَنَ بِالْيَهُودِيّةِ: جِئْت أَبَا رَافِعٍ بِهَدِيّةٍ، فَفَتَحَتْ لَهُ، فَلَمّا رَأَتْ السّلاحَ أَرَادَتْ تَصِيحُ. قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: وَازْدَحَمْنَا عَلَى الْبَابِ أَيّنَا يَبْدُرُ إلَيْهِ فَأَرَادَتْ أَنْ تَصِيحَ، قَالَ: فَأَشَرْت إلَيْهَا السّيْفَ، قَالَ: وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَسْبِقَنِى أَصْحَابِى إلَيْهِ، قَالَ: فَسَكَنَتْ سَاعَةً، قَالَ: ثُمّ قُلْت لَهَا: أَيْنَ أَبُو رَافِعٍ؟ وَإِلاّ ضَرَبْتُك بِالسّيْفِ، فَقَالَتْ: هُوَ ذَاكَ فِى الْبَيْتِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَمَا عَرَفْنَاهُ إلاّ بِبَيَاضِهِ كَأَنّهُ قُطْنَةٌ مُلْقَاةٌ، فَعَلَوْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَهَمّ بَعْضُنَا أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا، ثُمّ ذَكَرْنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ ص نَهَانَا عَنْ قَتْلِ النّسَاءِ. قَالَ: فَلَمّا انْتَهَيْنَا جَعَلَ سَمْكُ الْبَيْتِ يَقْصُرُ عَلَيْنَا، وَجَعَلَتْ سُيُوفُنَا تَرْجِعُ، قَالَ ابْنُ أُنَيْسٍ: وَكُنْت رَجُلاً أَعْشَى لا أُبْصِرُ بِاللّيْلِ إلاّ بَصَرًا ضَعِيفًا. قَالَ: فَتَأَمّلْته كَأَنّهُ قَمَرٌ. قَالَ: فَأَتّكِئُ بِسَيْفِى عَلَى بَطْنِهِ حَتّى سَمِعْت خَشّهُ فِى الْفِرَاشِ وَعَرَفْت أَنّهُ قَدْ قَضَى. قَالَ: وَجَعَلَ الْقَوْمُ يَضْرِبُونَهُ جَمِيعًا، ثُمّ نَزَلْنَا وَنَسِىَ أَبُو قَتَادَةَ قَوْسَهُ فَذَكَرَهَا بَعْدَ مَا نَزَلَ، فَقَالَ: أَصْحَابُهُ دَعْ الْقَوْسَ، فَأَبَى فَرَجَعَ فَأَخَذَ قَوْسَهُ وَانْفَكّتْ رِجْلُهُ فَاحْتَمَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَتَصَايَحَ أَهْلُ الدّارِ بَعْدَ مَا قُتِلَ. فَلَمْ يَفْتَحْ أَهْلُ الْبُيُوتِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَيْلاً طَوِيلاً، وَاخْتَبَأَ الْقَوْمُ فِى بَعْضِ مَنَاهِرِ خَيْبَرَ. وَأَقْبَلَتْ الْيَهُودُ وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ أَبُو زَيْنَبَ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ الْقَوْمُ الآنَ. فَخَرَجَ الْحَارِثُ فِى ثَلاثَةِ آلافٍ فِى آثَارِنَا، يَطْلُبُونَنَا بِالنّيرَانِ فِى شُعَلِ السّعَفِ وَلَرُبّمَا وَطِئُوا فِى النّهْرِ فَنَحْنُ فِى بَطْنِهِ، وَهُمْ عَلَى ظَهْرِهِ فَلا يَرَوْنَا، فَلَمّا أَوْعَبُوا فِى الطّلَبِ، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا رَجَعَ إلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالُوا لَهَا: هَلْ تَعْرِفِينَ مِنْهُمْ أَحَدًا؟ قَالَتْ: سَمِعْت مِنْهُمْ كَلامَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ، فَإِنْ كَانَ فِى بِلادِنَا هَذِهِ فَهُوَ مَعَهُمْ، فَكُرّوا الطّلَبَ الثّانِيَةَ، وَقَالَ الْقَوْمُ: فِيمَا بَيْنَهُمْ لَوْ أَنّ بَعْضَنَا أَتَاهُمْ فَنَظَرَ هَلْ مَاتَ الرّجُلُ أَمْ لا. فَخَرَجَ الأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِىّ حَتّى دَخَلَ مَعَ الْقَوْمِ وَتَشَبّهَ بِهِمْ فَجَعَلَ فِى يَدِهِ شُعْلَةً كَشُعَلِهِمْ حَتّى كَرّ الْقَوْمُ الثّانِيَةَ إلَى الْقَصْرِ، وَكَرّ مَعَهُمْ وَيَجِدُ الدّارَ قَدْ شُحِنَتْ، قَالَ: فَأَقْبَلُوا جَمِيعًا يَنْظُرُونَ إلَى أَبِى رَافِعٍ مَا فَعَلَ، قَالَ: فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ مَعَهَا شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ، ثُمّ أَحْنَتْ عَلَيْهِ، تَنْظُرُ أَحَىّ أَمْ مَيّتٌ هُوَ، فَقَالَتْ: فَاظَ وَإِلَهِ مُوسَى، قَالَ: ثُمّ كَرِهْت أَنْ أَرْجِعَ إلاّ بِأَمْرٍ بَيّنٍ، قَالَ: فَدَخَلْت الثّانِيَةَ مَعَهُمْ فَإِذَا الرّجُلُ لا يَتَحَرّكُ مِنْهُ عِرْقٌ. قَالَ: فَخَرَجَتْ الْيَهُودُ فِى صَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ، قَالَ: وَأَخَذُوا فِى جَهَازِهِ يَدْفِنُونَهُ، قَالَ: وَخَرَجْت مَعَهُمْ وَقَدْ أَبْطَأْت عَلَى أَصْحَابِى بَعْضَ الإِبْطَاءِ، قَالَ: فَانْحَدَرْت عَلَيْهِمْ فِى النّهْرِ فَخَبّرْتهمْ فَمَكَثْنَا فِى مَكَانِنَا يَوْمَيْنِ حَتّى سَكَنَ عَنّا الطّلَبُ، ثُمّ خَرَجْنَا مُقْبِلِينَ إلَى الْمَدِينَةِ، كُلّنَا يَدّعِى قَتْلَهُ فَقَدِمْنَا عَلَى النّبِىّ ص، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمّا رَآنَا، قَالَ: “أَفْلَحَتْ الْوُجُوهُ”، فَقُلْنَا: أَفْلَحَ وَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: “أَقَتَلْتُمُوهُ”؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَكُلّنَا يَدّعِى قَتْلَهُ، قَالَ: “عَجّلُوا عَلَىّ بِأَسْيَافِكُمْ”، فَأَتَيْنَا بِأَسْيَافِنَا، ثُمّ قَالَ: “هَذَا قَتَلَهُ، هَذَا أَثَرُ الطّعَامِ فِى سَيْفِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ”. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ أَبِى الْحُقَيْقِ قَدْ أَجْلَبَ فِى غَطَفَانَ، وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ مُشْرِكِى الْعَرَبِ، وَجَعَلَ لَهُمْ الْجُعْلَ الْعَظِيمَ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ ص فَبَعَثَ النّبِىّ ص إلَيْهِ هَؤُلاءِ النّفَرَ. فَحَدّثَنِى أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ، قَالَ: حَدّثَنِى خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ، قَالَ: لَمّا انْتَهَوْا إلَى أَبِى رَافِعٍ تَشَاجَرُوا فِى قَتْلِهِ. قَالَ: فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ فَخَرَجَ سَهْمُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، وَكَانَ رَجُلاً أَعْشَى، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَيْنَ مَوْضِعُهُ؟ قَالُوا: تَرَى بَيَاضَهُ كَأَنّهُ قَمَرٌ، قَالَ: قَدْ رَأَيْت، قَالَ: وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَقَامَ النّفَرُ مَعَ الْمَرْأَةِ يَفْرُقُونَ أَنْ تَصِيحَ قَدْ شَهَرُوا سُيُوفَهُمْ عَلَيْهَا؛ وَدَخَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَضَرَبَ بِالسّيْفِ فَرَجَعَ السّيْفُ عَلَيْهِ لِقِصَرِ السّمْكِ فَاتّكَأَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُمْتَلِئٌ خَمْرًا حَتّى سَمِعَ خَشّ السّيْفِ، وَهُوَ فِى الْفِرَاشِ، وَيُقَالُ: كَانَتْ السّرِيّةُ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتّ. والقصة رواها البخاري، ولفظه كان يؤذي رسول الله ويعين عليه، فالمعنى الواضح هو أنه تم قتله لمجرد قوله الشعر والتحريض، ولم يذكر أي شيء مزعوم عن جمعه لجموع غطفان وقريش فهذه رواية أكثر أمانة مما في كتب السير: 4038 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْطًا إِلَى أَبِي رَافِعٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ بَيْتَهُ لَيْلًا وَهُوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ 4039 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَلَمَّا دَنَوْاا مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَصْحَابِهِ اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنْ الْبَابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ ثُمَّ عَلَّقَ الْأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ قَالَ فَقُمْتُ إِلَى الْأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ الْبَابَ وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ وَكَانَ فِي عَلَالِيَّ لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ قُلْتُ إِنْ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ عِيَالِهِ لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنْ الْبَيْتِ فَقُلْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ قَالَ مَنْ هَذَا فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا وَصَاحَ فَخَرَجْتُ مِنْ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ فَقَالَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ إِنَّ رَجُلًا فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ قَالَ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ وَلَمْ أَقْتُلْهُ ثُمَّ وَضَعْتُ ظِبَةَ السَّيْفِ فِي بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الْأَبْوَابَ بَابًا بَابًا حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدْ انْتَهَيْتُ إِلَى الْأَرْضِ فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ ثُمَّ انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ فَقُلْتُ لَا أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ فَقَالَ أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ النَّجَاءَ فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ ابْسُطْ رِجْلَكَ فَبَسَطْتُ رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ 4040 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ هُوَ ابْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي رَافِعٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا مِنْ الْحِصْنِ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ قَالَ فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ قَالَ فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ يَطْلُبُونَهُ قَالَ فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ قَالَ فَغَطَّيْتُ رَأْسِي وَجَلَسْتُ كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً ثُمَّ نَادَى صَاحِبُ الْبَابِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ فَدَخَلْتُ ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ فَلَمَّا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَلَا أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ قَالَ وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كَوَّةٍ فَأَخَذْتُهُ فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ قَالَ قُلْتُ إِنْ نَذِرَ بِي الْقَوْمُ انْطَلَقْتُ عَلَى مَهَلٍ ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ فَقُلْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ قَالَ مَنْ هَذَا قَالَ فَعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ وَصَاحَ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيثُهُ فَقُلْتُ مَا لَكَ يَا أَبَا رَافِعٍ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي فَقَالَ أَلَا أُعْجِبُكَ لِأُمِّكَ الْوَيْلُ دَخَلَ عَلَيَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ قَالَ فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ أُخْرَى فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ قَالَ ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَنْكَفِئُ عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشًا حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ فَأَسْقُطُ مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتُهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ فَقُلْتُ انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقَالَ أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ قَالَ فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرْتُهُ يوجد اختلافات بسيطة في الروايات فالبخاري يذكر أن الصحابي اختبأ في مربط فلعله كره أن يذكر أن مرضعته كانت يهودية وأنها كذلك هي التي خانت قومها. [1] نوهت : شهرت . [2] القبطية والجمع : القباطي : ثياب بيض كانت تصنع في مصر. [3]الوثء :إصابة العظم بلا كسر. [4]فاظ: مات [5]مغرف : ملتف الأغصان . [6]ذفف : سريعة القتل. [7]مجحف : أجحف بفلان : كلفه ما لا يطيق . |
|
![]() |
| مواقع النشر (المفضلة) |
| الكلمات الدليلية (Tags) |
| محمد, نقد, الإجرامية, الإسلام, الشامل, حروب |
| الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
المواضيع المتشابهه
|
||||
| الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
| منطق المسلم في نقد الإسلام | Iam | العقيدة الاسلامية ☪ | 83 | 05-11-2019 03:18 AM |
| الملائكة المقاتلون في حروب الإسلام | FreeMindedMan | الأرشيف | 14 | 11-11-2017 09:43 AM |
| للتحميل: حروب محمد الإجرامية | لؤي عشري | ساحة الكتب | 3 | 07-23-2016 07:04 PM |
| مستويات نقد الإسلام | فينيق | العقيدة الاسلامية ☪ | 97 | 01-30-2016 04:48 AM |
| مستويات نقد الإسلام بين الجدل والسفسطة الدفاعية | أدم علي | العقيدة الاسلامية ☪ | 24 | 01-15-2016 03:06 PM |
Powered by vBulletin® Version 3.8.7
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
diamond