المعادن الموجودة في دماغنا

[فينيق]

فيما لو نقارن الدماغ مع باقي جسمنا: سنلاحظ بأنه يحتاج لمعدّل استقلاب مرتفع جداً لكي يتمكن من العمل. وهذا يعني بأنّ الحفاظ على وضع عصبونات مُنتِجْ، وأن تعمل كل الاتصالات العصبيّة بصورة جيّدة: يحتاج لكمّ هائل من الطاقة، ولهذا نحتاج الغلوكوز والاوكسجين. وما هو مُفاجيء بهذا الأمر، هو أن حجم الدماغ بالكاد يُشكّل 2% من حجم الجسم، ويستهلك بحدود 25% من الطاقة الداخلة إليه!!

حسناً، يُمثّل هذا النشاط الاستقلابي الدماغي الكثيف ضرورة لا غنى عنها للحفاظ على مصانع الطاقة في خلايانا، أي الميتاكوندريا، وكذلك في تنظيم النسخ الجينيّ، التقويض، إلغاء الجذور الحرّة، ...الخ. تعمل كل تلك الوظائف بفضل وجود سلسلة من البروتينات التي تتطلّب حضور معادن محددة لكي تعمل، وتسمى البروتينات المُتمعدنة metaloproteínas، وتكون ضروريّه للحفاظ على هذا النشاط الاستقلابيّ.

عن أيّة معادن نتحدث؟

نحن هنا نتحدث بالتحديد عن: الحديد Fe، الزنك أو التوتياء Zn، النحاس Cu، الكوبالت Co والمنغنيز Mn. تلعب هذه المعادن دوراً مهماً في بيولوجيّة الجسم. فمثلاً يكون الهيموغلوبين عبارة عن بروتين يحتوي الحديد، وبفضله { بفضل الحديد يعني } يمكن للأوكسجين الاتحاد بالهيموغلوبين ونقله بالتالي إلى كامل الجسم.

تُساهم المعادن المذكورة أعلاه في تكوين الإشارة الخليوية الحاصلة بين العصبونات، في التشابك العصبيّ sinapsis. ولا يقتصر هذا على الدماغ فقط، بل يُقدّر بأنّ القسم الأكبر من البروتينات في جسمنا تقوم بتشكيل مُعقدّات مع تلك المعادن.

الشكل {1}: تقدير عدد البروتينات المُصاحبة لمعادن محددة عند الكائن البشريّ

وماذا يحدث في دماغنا؟

ببساطة يمكن لأيّة تغيُّرات، ومهما بدت صغيرة، في نسب تركيز تلك المعادن: التأثير بصورة جديّة في وظائف العصبونات، بل وفي استمرارها على قيد الحياة!

سنرى كيف يمكن لواحد من تلك المعادن التأثير في وظيفة دماغيّة محددة. وهنا نتحدث عن النحاس وعلاقته مع مرض الزهايمر { لمعرفة أكبر عن هذا المرض، اضغط هنا }. لكن قبل ذلك سنرى ما هو تأثيره على العصبونات.

يمكن أن نرى النحاس في الصورة أعلاه { كرة خضراء } وهو يدخل إلى العصبون وتنقله بروتينات { بروتين أصفر أو برتقالي اللون } لمناطق مختلفة من الخليّة. يلعب النحاس دوما هاماً في الإشارات الخليويّة:

- يدخل إلى النواة ليُساهم بصياغة التعبير الجينيّ

- يحضر في التشابك العصبيّ

- يُشكّل جزء من بروتينات أخرى

عندما تزيد نسبة النحاس عن الحاجة، ستخرج من الخلية ضمن حويصلات، كما نرى في القسم العلويّ من الصورة أعلاه.

تكون نسبة تركيز معادن مثل النحاس في الدماغ، أكبر منها في باقي الجسم. عندما تحدث تغيُّرات سلبيّة في تركيز النحاس: تظهر أمراض ويرتفع مُعدّل الإجهاد التأكسديّ estrés oxidativo. ولهذا عندما نتقدّم بالعمر: تزداد نسبة تركيزها في الدماغ وهو الأمر الذي يؤدي إلى تلف وأذى عصبونيّ، وكذلك لتقليل عُمر العصبون وبالتالي ضعف بإدخال البروتينات والتقهقر الذهني العام.

فيما لو نتابع مع النحاس، تؤكّد بعض الدراسات البيوكيميائية على أدمغة مصابين بالزهايمر: وجود خسارة بنسبة تركيز النحاس في مناطق الحُصين واللوزة { وهي مناطق منوط بها عمل الذاكرة والعواطف / المشاعر }. يحدث هذا جرّاء تراكمه في طبقات أميلويد بيتا placas beta-amiloides فيُمنَعْ من لعب دوره في مناطق التشابك العصبيّ.

يُرى بأنّه في مرض باركينسون، يمكن للحديد والنحاس أن يُرافقا تكوين مجموعة البروتينات خارج الخليّة.

على الرغم من القيام بدراسات كتلك، فمن غير الممكن ربط خسارة النحاس بوصفها مُسبّب رئيسيّ أو أثر ثانوي بظهور الزهايمر، لأنّه نعرف بوجود مشاكل بكشف المراحل المُبكِّرة لهذا المرض.

سيكون خط بحثيّ ممتاز: القيام بدراسة توازن هذه المعادن وإسهامها المُحتمل بظهور تلك الأمراض العصبيّة. وستُضيف تعقيد آخر على هذه الدراسات المُعقدة التي تهدف لكشف مسبّبات الزهايمر وباركينسون وغيرهما.


تعليق فينيق

أهمية المعادن بعمل الدماغ، تُعيدنا لأنّ الحياة كيمياء بالمقام الأوّل، فالموت لأي كائن حيّ سيتحقق بموت الدماغ لا بتوقُّف عضلات القلب! وتعطُّل الدماغ وبقاء القلب شغّال: يعني أن الكائن الحيّ قد تحوّل لقطعة ماديّة محضة لا يحضر عندها أيّ تفاعل مع الآخرين ومع المحيط البيئيّ! بكل الأحوال يوضح لنا الموضوع أهمية المعادن بعمل سليم للدماغ شاكراً أيّ تصويب أو إضافة