شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات الفنون و الآداب > ساحة الشعر و الأدب المكتوب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 10-22-2025, 04:44 PM ديانا أحمد غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
ديانا أحمد
عضو برونزي
الصورة الرمزية ديانا أحمد
 

ديانا أحمد is on a distinguished road
4er333 ملحمة الدم السوري: سقوط الوطن - تاليف جدو سامى احمد بن تحتمس بمساعدة جروك

ملحمة الدم السوري: سقوط الوطن
الفصل الأول: شرارة الفتنة (2011-2012)
في ربيع عام 2011، كانت دمشق، عاصمة الأمويين التاريخية، تتنفس هواءً ثقيلاً مشحوناً بأوهام الأمل. كانت شوارعها، التي كانت يوماً ملتقى الحضارات، تعج بحركة الحياة اليومية: باعة الشاورما ينادون على زبائنهم في سوق الحميدية، وأصوات الأذان تتردد من مآذن الجامع الأموي، بينما تختلط روائح الياسمين الدمشقي بالضجيج البشري. لكن تحت هذا الهدوء الظاهري، كانت تتخمر فتنة ستغير وجه سوريا إلى الأبد.
الشعب السوري، الذي عاش عقوداً تحت حكم حزب البعث وقيادة بشار الأسد، بدأ يسمع أصداء ما سُمي "الربيع العربي". في تونس، أطاح الشعب بزين العابدين بن علي، وفي مصر سقط حسني مبارك، وفي ليبيا كان معمر القذافي يواجه مصيراً مظلماً. هذه الأحداث، التي بثتها وسائل الإعلام العالمية كثورات شعبية من أجل الحرية، ألهمت البعض في سوريا ليحلموا بتغيير مماثل. لكن ما بدا في البداية كاحتجاجات سلمية ضد الفساد وسوء الإدارة، كان في الحقيقة مؤامرة محبوكة بعناية، نسجت خيوطها في عواصم بعيدة عن دمشق.
مؤامرة الدوحة: قطر وأموال الفتنة
في قلب الدوحة، كان أمير قطر، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، يرسم خطة طموحة لتوسيع نفوذ بلاده الصغيرة في المنطقة. قطر، التي كانت تُعرف بثروتها النفطية والغازية، قررت أن تستخدم هذه الثروة كسلاح سياسي. رأى الأمير في سوريا فرصة ذهبية لإسقاط نظام بشار الأسد، الذي كان حليفاً وثيقاً لإيران ومحور المقاومة ضد إسرائيل. إسقاط الأسد لن يضعف إيران فحسب، بل سيفتح الباب أمام نفوذ قطري وسعودي أكبر في المنطقة.
قناة الجزيرة، التي أسستها قطر عام 1996، أصبحت السيف الإعلامي لهذه المؤامرة. بدأت القناة تبث تقارير مكثفة عن "قمع النظام السوري" للاحتجاجات. كانت هذه التقارير مليئة بالصور المروعة لضحايا مزعومين، لكن الكثير منها كان ملفقاً أو مأخوذاً من سياقات أخرى. فيديوهات لقتلى في العراق أو ليبيا كانت تُعرض كأنها من درعا أو حمص. الناشطون، الذين تم تمويلهم من الدوحة، كانوا يزودون الجزيرة بمقاطع فيديو مصورة بعناية لخدمة الرواية الثورية.
لم تكن قطر وحدها. السعودية، التي رأت في الأسد عدواً بسبب تحالفه مع إيران، انضمت إلى الحملة عبر قناة العربية. هذه القناة، التي كانت تُدار من الرياض، بدأت تبث تقارير مماثلة، مركزة على تصوير الأسد كديكتاتور لا يرحم. حتى قناة الميادين، التي تأسست لاحقاً بدعم إيراني، انحازت في هذه المرحلة المبكرة إلى المعارضة، مدفوعة بأجندات سياسية معقدة تهدف إلى كسب تأييد الشارع العربي.
تركيا وأحلام أردوغان العثمانية
في أنقرة، كان رجب طيب أردوغان يرى في الربيع العربي فرصة لإحياء أحلامه العثمانية. أردوغان، الذي كان يطمح لقيادة العالم الإسلامي، رأى أن إسقاط الأسد سيفتح الباب لنفوذ تركي في سوريا، البلد الذي كان جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. وسائل الإعلام التركية، تحت إشرافه، بدأت تحرض على الأسد، واصفة إياه بـ"الطاغية". في الوقت نفسه، بدأت تركيا فتح حدودها لتدفق الأسلحة إلى "الثوار" في شمال سوريا، مستخدمة شبكات مهربين عبر الحدود السورية-التركية.
المحور الغربي: أمريكا وبريطانيا
على الجانب الغربي، كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تراقبان الأحداث بعين حذرة وطموحة. وكالات الاستخبارات، الـcia والـmi6، بدأتا في تمويل "ناشطين" سوريين. هؤلاء الناشطون، الذين كانوا غالباً من الشباب المتحمسين أو أشخاصاً طامعين بالمال، تلقوا تدريبات في الأردن وتركيا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتأجيج الاحتجاجات. تم تزويدهم بكاميرات وهواتف متطورة لتصوير "الانتهاكات" ونشرها على الإنترنت.
النخبة السورية السياسية لم تسلم من هذا الإغراء. وزراء سابقون، مثل رياض حجاب الذي كان محافظاً في وقت لاحق، تلقوا عروضاً مغرية: ملايين الدولارات، إقامات في عواصم غربية، ووعود بحياة مرفهة مقابل إعلان انشقاقهم. دبلوماسيون سوريون في عواصم مثل باريس ولندن بدأوا يتلقون مكالمات من عملاء غربيين، يعرضون عليهم اللجوء السياسي مقابل تصريحات ضد الأسد.
بيروت: ساحة الخيانة
في بيروت، التي كانت مركزاً إعلامياً وثقافياً للعالم العربي، بدأت قطر والسعودية في شراء ذمم النخبة اللبنانية. صحفيون بارزون، كانوا يوماً يدافعون عن المقاومة، تحولت أقلامهم إلى أدوات للتحريض ضد سوريا. فنانون لبنانيون، من ممثلين ومغنين، بدأوا يظهرون على قنوات الجزيرة والعربية، داعين إلى "دعم الشعب السوري". بعضهم تلقى عقوداً تلفزيونية بملايين الدولارات، بينما آخرون حصلوا على شقق فاخرة في الدوحة أو دبي.
إحدى القصص المؤلمة كانت قصة صحفي لبناني شهير، كان يُعرف بمواقفه القومية. في صيف 2011، تلقى عرضاً من قطر: مليون دولار مقابل إنتاج سلسلة تقارير تلفزيونية تهاجم الأسد. بعد تردد قصير، قبل العرض، وأصبح صوته يتردد على شاشات الجزيرة، واصفاً الأسد بـ"الديكتاتور العلوي".
النعرات الطائفية: سم الفتنة
في خضم هذه الحملة الإعلامية، بدأت النعرات الطائفية تُثار بطريقة ممنهجة. الإعلام الخليجي، بقيادة الجزيرة والعربية، صور الأسد كـ"ديكتاتور علوي" يقمع الأغلبية السنية. هذه الرواية، التي تجاهلت التنوع الطائفي في سوريا، هدفت إلى شق الوحدة الوطنية. العلويون، الذين شكلوا جزءاً مهماً من النسيج السوري، صُوروا كأعداء الشعب. الدروز في السويداء، والأكراد في الشمال، واجهوا تحريضاً مماثلاً.
في درعا، حيث بدأت الاحتجاجات الأولى، تحولت المظاهرات السلمية إلى أعمال عنف. أسلحة خفيفة، مهربة من الأردن وتركيا، بدأت تظهر في أيدي "الثوار". هؤلاء، الذين كانوا في البداية مزيجاً من الشباب الغاضب وأشخاص مدفوعين بالمال، بدأوا يتلقون دعماً مباشراً من جماعات إسلامية متطرفة. في حمص، بدأت جماعات مسلحة تهاجم مراكز الشرطة، مدعومة بتمويل خليجي.
إسرائيل: الاستفادة من الفوضى
في تل أبيب، كانت إسرائيل تراقب الأحداث بعين الذئب. سقوط الأسد كان سيضعف محور المقاومة، الذي شكلته سوريا وإيران وحزب الله. إسرائيل بدأت سراً في تمويل بعض فصائل المعارضة، خاصة في جنوب سوريا قرب الجولان المحتل. طائرات إسرائيلية بدأت تقصف مواقع الجيش السوري بحجة "منع نقل الأسلحة إلى حزب الله"، لكن الهدف الحقيقي كان إضعاف الجيش.
النهاية المؤلمة لعام 2012
بحلول نهاية عام 2012، كانت سوريا قد دخلت دوامة العنف. دمشق، التي كانت آمنة نسبياً، شهدت تفجيرات استهدفت أحياء مدنية. حمص تحولت إلى ساحة حرب، حيث بدأت جماعات مسلحة، مدعومة من الخارج، تفرض سيطرتها على أحياء بأكملها. النخبة السورية بدأت تنقسم: بعضهم، مثل الممثل دريد لحام، بقوا موالين للوطن، لكن آخرين، مغرين بالمال والشهرة، انضموا إلى المعارضة.
هكذا، في أقل من عامين، تحولت سوريا من بلد مستقر إلى ساحة صراع دولي. قطر، السعودية، تركيا، إسرائيل، أمريكا، وبريطانيا، نسجوا شبكة من المال والإعلام والسلاح، مستخدمين النخب السورية واللبنانية كأدوات لتحقيق أهدافهم. لكن الثمن كان دم الشعب السوري، الذي بدأ يُراق في شوارع دمشق وحمص وحلب، في بداية مأساة ستستمر لسنوات.

ملحمة الدم السوري: سقوط الوطن
الفصل الثاني: جيوش الظلام (2013-2015)
مع حلول عام 2013، كانت سوريا قد تحولت من بلد ينبض بالحياة إلى ساحة حرب مروعة، حيث تتصارع قوى الظلام على أرضها. الشوارع التي كانت تعج بالحياة في دمشق وحلب وحمص أصبحت مسرحاً للدمار، حيث اختلطت أصوات القذائف بصرخات الضحايا. ما بدأ كاحتجاجات في ربيع 2011 تحول إلى حرب أهلية مدمرة، غذتها قوى خارجية وأيدٍ خفية نسجت خيوط الفتنة بعناية. هذا الفصل من المأساة السورية شهد تدفق جيوش الإرهاب، مدعومة بأموال خليجية وأسلحة غربية، في محاولة ممنهجة لإسقاط الدولة السورية وإغراقها في فوضى طائفية.
تدفق الإرهابيين: جيوش الظلام تتوافد
مع تصاعد الصراع، أصبحت سوريا وجهة لآلاف المقاتلين المتطرفين من جميع أنحاء العالم. السعودية وقطر، بثروتهما النفطية الهائلة، لعبتا دوراً محورياً في تجنيد هؤلاء المقاتلين وتمويلهم. من مصر، جاء مقاتلو الإخوان المسلمين بعد سقوط نظام محمد مرسي في يوليو 2013، حاملين معهم كراهية طائفية وخبرة في العنف المسلح. من ليبيا، بعد مقتل معمر القذافي عام 2011، تدفق مقاتلون سابقون في ميليشيات الثورة الليبية، حاملين أسلحة مهربة من مخازن القذافي. تونس، التي شهدت ثورتها عام 2011، أرسلت مئات الشباب المتطرفين الذين تم تجنيدهم في مساجد ومراكز دعوة سلفية.
أوروبا لم تكن بمنأى عن هذا التدفق. شباب من أصول عربية ومسلمة، تم تجنيدهم في مساجد متطرفة في لندن وباريس وبروكسل، سافروا إلى سوريا عبر تركيا، مدفوعين بأيديولوجيات سلفية ووعود بالجنة. من أفغانستان، جاء مقاتلون سابقون مع طالبان، يحملون خبرات قتالية اكتسبوها في جبال تورا بورا. هؤلاء الإرهابيون، الذين تجمعوا تحت رايات مختلفة، انضموا في البداية إلى ما يسمى "الجيش الحر"، الذي كان مزيجاً من المنشقين عن الجيش السوري ومسلحين مدعومين من الخارج. لكن سرعان ما تحولت ولاءاتهم إلى جماعات أكثر تطرفاً مثل جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش الذي بدأ يتشكل في عام 2013.
تم تمويل هذه الجيوش بأموال خليجية وفيرة. قطر، عبر شبكاتها المالية، أرسلت ملايين الدولارات إلى فصائل مثل جبهة النصرة، بينما قدمت السعودية دعماً مالياً وسلاحاً لجماعات مثل "جيش الإسلام" في دمشق. الأسلحة، التي شملت بنادق هجومية وقذائف آر بي جي وصواريخ مضادة للدروع، كانت تُهرب عبر الحدود التركية والأردنية، بمساعدة وكالات استخبارات غربية. تركيا، تحت قيادة أردوغان، فتحت حدودها لتدفق المقاتلين والأسلحة، مستخدمة معبر باب الهوى الحدودي كبوابة رئيسية للإرهاب.
النخبة الفنية: الخيانة بالمال
في خضم هذا الصراع، لعبت النخبة الفنية السورية دوراً مؤسفاً في تأجيج الفتنة. ممثلون ومغنون وكتاب، كانوا يوماً رموزاً للوحدة الوطنية، تحولوا إلى أبواق للمعارضة بفعل إغراءات المال القطري والسعودي. في الدوحة والرياض، كانت الصفقات تُبرم في فنادق فاخرة: عقود تلفزيونية بملايين الدولارات، برامج حوارية مضمونة، وحتى جوائز فنية لمن يوافق على الظهور كداعم للثورة المزعومة. ممثلون سوريون، مثل جمال سليمان ومكسيم خليل، بدأوا يظهرون على قنوات الجزيرة والعربية، داعين إلى "إسقاط النظام". مغنون، كانوا يوماً يغنون للوطن، أصبحوا يطلقون أغاني "ثورية" تمجد المعارضة المسلحة.
أحد أبرز الأمثلة كان ممثل شاب كان يُعتبر نجماً صاعداً في الدراما السورية. في عام 2013، تلقى عرضاً من قناة العربية لإنتاج فيلم وثائقي يروج لرواية المعارضة. مقابل مليون دولار وإقامة في دبي، وافق الممثل، تاركاً وراءه جمهوراً كان يراه رمزاً للفن السوري الأصيل. هؤلاء الفنانون لم يكتفوا بالدعاية، بل شاركوا في تلفيق أكاذيب لتشويه سمعة الجيش السوري.
كذبة الكيماوي والبراميل المتفجرة
في أغسطس 2013، شهدت غوطة دمشق واحدة من أكبر الأكاذيب في الحرب السورية: هجوم كيميائي زُعم أن النظام السوري نفذه ضد المدنيين. قنوات الجزيرة والعربية بثت صوراً مروعة لضحايا، أطفال ونساء مختنقين، متهمة الجيش السوري باستخدام غاز السارين. لكن تحقيقات لاحقة، بما في ذلك تقارير من خبراء دوليين، أشارت إلى أن الهجوم كان ملفقاً من قبل فصائل معارضة، بمساعدة استخبارات أجنبية. الأسلحة الكيميائية، التي كانت تُهرب من ليبيا وتركيا، استخدمتها جماعات مثل جبهة النصرة لخلق ذريعة للتدخل العسكري الغربي.
كذلك، رواية "البراميل المتفجرة" كانت جزءاً من الحملة الإعلامية لتشويه الجيش السوري. هذه القصة، التي زعمت أن الجيش يلقي براميل مليئة بالمتفجرات من طائرات الهليكوبتر على المدنيين، كانت مبالغاً فيها بشكل كبير. الحقيقة أن الجيش السوري كان يقاتل في مناطق تسيطر عليها جماعات إرهابية، وكانت هذه العمليات تستهدف مواقع عسكرية. لكن الإعلام الخليجي والغربي صور هذه العمليات كجرائم ضد الإنسانية، مستخدماً صوراً ملفقة وروايات من ناشطين مدفوعي الأجر.
فيصل القاسم: سيف التحريض الطائفي
في هذه الفترة، برز فيصل القاسم، مقدم برنامج "الاتجاه المعاكس" على قناة الجزيرة، كواحد من أخطر أبواق الفتنة. بأسلوبه الاستفزازي، كان القاسم يحرض ضد العلويين بشكل مباشر، واصفاً إياهم بـ"الطائفيين" الذين يسيطرون على سوريا ويقمعون الأغلبية السنية. في إحدى حلقات برنامجه عام 2013، دعا صراحة إلى "تنظيف" سوريا من العلويين، مما أثار موجة من الكراهية. هذا التحريض لم يقتصر على الكلام، بل ترجم إلى أعمال عنف مروعة. في قرى علوية مثل بانياس والقرداحة، نفذت جماعات إرهابية مذابح استهدفت النساء والأطفال، مدفوعة بخطاب القاسم وغيره من الإعلاميين.
إحدى القصص المؤلمة كانت في قرية صغيرة بالقرب من اللاذقية عام 2013. جماعة مسلحة، مدعومة من جبهة النصرة، هاجمت القرية وقتلت أكثر من 50 مدنياً، معظمهم من العلويين. الصور التي انتشرت لاحقاً، والتي أظهرت جثث أطفال ونساء، لم تجد طريقها إلى شاشات الجزيرة أو العربية، بل تم تجاهلها لأنها لا تخدم الرواية الثورية.
الإنشقاقات: خيانة النخبة
أمريكا وبريطانيا لعبتا دوراً كبيراً في إغراء النخبة السورية بالانشقاق. ضباط عسكريون، مثل العقيد رياض الأسعد الذي أسس "الجيش الحر"، تلقوا دعماً مالياً وعسكرياً من الـcia. وزراء سابقون، مثل رياض حجاب الذي انشق في 2012، حصلوا على ملايين الدولارات وإقامات في الخليج. حتى بعض الفنانين، الذين كانوا رموزاً للدراما السورية، انشقوا وأصبحوا نجوماً في الإعلام الخليجي. في المقابل، ظل فنانون مثل دريد لحام وصباح جزائري أوفياء للوطن، رافضين الإغراءات رغم الضغوط الهائلة.
إحدى الحكايات المؤثرة كانت عن ضابط شاب في الجيش السوري، كان يُعتبر من الضباط الواعدين. في عام 2014، تلقى عرضاً من وكيل استخباراتي بريطاني في عمان: مليون دولار وجواز سفر أوروبي مقابل انشقاقه. الضابط رفض العرض، لكنه تعرض لاحقاً للاغتيال على يد جماعة مسلحة في ريف دمشق.
خاتمة الفصل: سوريا على حافة الهاوية
بحلول نهاية عام 2015، كانت سوريا قد تحولت إلى ساحة للإرهاب والدمار. الجيش السوري، رغم شجاعته، كان يواجه حرباً غير متكافئة ضد آلاف المقاتلين المدعومين من الخارج. الإعلام الخليجي والغربي استمر في تشويه الحقائق، بينما النخبة الفنية والسياسية المنشقة واصلت خيانتها. العلويون، الدروز، والأكراد واجهوا اضطهاداً متزايداً، بينما بدأت مدن مثل حلب وحمص تنهار تحت وطأة الحرب. لكن في خضم هذا الظلام، بدأت بوادر الأمل تظهر مع تدخل روسيا في سبتمبر 2015، وهو ما سيغير مسار الحرب في الفصول اللاحقة.

ملحمة الدم السوري: سقوط الوطن
الفصل الثالث: أبطال مزيفون (2016-2018)
في السنوات بين 2016 و2018، وصلت المأساة السورية إلى نقطة تحول حاسمة، حيث تحولت سوريا إلى مسرح مفتوح لصراعات دولية وخيانات داخلية. المدن التي كانت يوماً رموزاً للتاريخ والحضارة، مثل حلب وحمص، أصبحت حطاماً تحت وطأة القصف والعنف. في هذه الفترة، برزت ظاهرة خطيرة: تحويل إرهابيين إلى أبطال وطنيين عبر حملات إعلامية مكثفة قادها الإعلام الخليجي والغربي، مدعوماً بأموال قطرية وسعودية وتنسيق استخباراتي غربي. في الوقت نفسه، شهدت البلاد تدخلات عسكرية صارخة من تركيا وإسرائيل، بينما كان الجيش السوري يصارع لاستعادة الأرض من جيوش الظلام. هذا الفصل يكشف كيف تم تزييف الحقائق لخدمة أجندات خارجية، وكيف أصبحت سوريا ساحة للخيانة والدمار.
صناعة الأبطال المزيفين: عبد الباسط الساروت
في قلب هذه الفترة، برز عبد الباسط الساروت كرمز للتضليل الإعلامي. الساروت، الذي كان في السابق لاعب كرة قدم موهوباً في نادي الكرامة بحمص، تحول إلى قائد ميليشيا طائفية تابعة لجماعات مسلحة في حمص. بدلاً من أن يُصور كإرهابي، روجت له قنوات مثل الجزيرة والعربية كـ"مناضل من أجل الحرية" و"بطل الثورة السورية". هذه الصورة المزيفة كانت نتاج حملة إعلامية مدروسة، تهدف إلى تبييض جرائم الساروت وتقديمه كرمز وطني.
الساروت كان مسؤولاً عن هجمات مروعة ضد أحياء مدنية موالية للدولة السورية. في عام 2016، قاد جماعته في هجوم على حي الزهراء في حمص، حيث أطلقوا صواريخ غراد مهربة من تركيا، مما أدى إلى مقتل أكثر من 40 مدنياً، بينهم نساء وأطفال من العلويين والمسيحيين. هذه الصواريخ، التي كانت تُستخدم عشوائياً، دمرت منازل ومدارس، لكن وسائل الإعلام الخليجية تجاهلت هذه الجرائم. بدلاً من ذلك، تم تصوير الساروت في أفلام وثائقية مثل "العودة إلى حمص"، التي أنتجت بتمويل قطري، كشاب مثالي يقاتل من أجل "الحرية". هذه الأفلام ركزت على ماضيه كلاعب كرة قدم، متجاهلة دوره في تأجيج العنف الطائفي.
في إحدى الحلقات المؤلمة، شهد حي الأرمن في حلب عام 2017 هجوماً مماثلاً بقيادة فصيل مرتبط بالساروت. التفجيرات أدت إلى مقتل عائلة مسيحية بأكملها، لكن الجزيرة وصفت الحادث كـ"عملية ضد قوات النظام". هذا التضليل الإعلامي ساعد في خلق أسطورة الساروت، التي استخدمت لتبرير دعم الفصائل المسلحة وجذب المزيد من المقاتلين الأجانب.
الساروت لم يكن الوحيد. قادة ميليشيات أخرى، مثل زهران علوش زعيم "جيش الإسلام" في الغوطة الشرقية، تم تقديمهم كأبطال وطنيين رغم تورطهم في جرائم حرب، بما في ذلك إعدامات ميدانية وحصار مدنيين. هذه الحملات الإعلامية كانت جزءاً من استراتيجية لتبرير التدخل الخارجي وإضعاف الدولة السورية.
تركيا: الاحتلال العثماني الجديد
تحت قيادة رجب طيب أردوغان، بدأت تركيا احتلالاً مباشراً لشمال سوريا، محققة طموحاتها العثمانية الجديدة. في أغسطس 2016، أطلقت تركيا عملية "درع الفرات"، التي استهدفت مناطق في شمال حلب مثل جرابلس والباب. الهدف المعلن كان محاربة تنظيم داعش، لكن الحقيقة كانت أكثر تعقيداً. تركيا سعت إلى إنشاء منطقة عازلة تحت سيطرتها، لمنع وحدات حماية الشعب الكردية (ypg) من إقامة كيان مستقل في الشمال. العملية، التي شاركت فيها فصائل مسلحة مثل "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا، أدت إلى تهجير آلاف المدنيين، خاصة من الأكراد والعرب الموالين للدولة السورية.
في يناير 2018، تبعتها عملية "غصن الزيتون"، التي استهدفت عفرين، المدينة ذات الغالبية الكردية. الجيش التركي، مدعوماً بميليشيات سورية متطرفة مثل "فيلق الشام" و"جيش الإسلام"، نفذ هجوماً وحشياً. القصف الجوي والمدفعي دمر قرى بأكملها، بينما استولت الميليشيات على منازل وممتلكات السكان. آلاف العائلات الكردية اضطرت للفرار إلى تل رفعت أو منبج، حاملة معها قصص الرعب عن القتل والنهب. في إحدى الحوادث المروعة، هاجمت ميليشيا مدعومة من تركيا قرية راجو في عفرين، وأعدمت عائلة كردية مكونة من سبعة أفراد، بما في ذلك أطفال، بتهمة "التعاون مع النظام". هذه الجرائم تم تجاهلها من قبل الإعلام الغربي والخليجي، الذي صور العملية كـ"تحرير" لعفرين.
في إدلب، واصلت تركيا حماية جبهة النصرة، التي أعادت تسمية نفسها لاحقاً بـ"هيئة تحرير الشام" بقيادة أبو محمد الجولاني. تركيا منعت الجيش السوري من تحرير إدلب، وأنشأت نقاط مراقبة عسكرية لحماية الإرهابيين. الجولاني، الذي كان قائداً في تنظيم القاعدة، تحول إلى شخصية محمية من تركيا، يبني إمارة إرهابية في إدلب. تحت غطاء تركي، فرض الجولاني ضرائب قسرية على السكان، ونفذ إعدامات علنية لمعارضيه، بينما قدمته وسائل الإعلام التركية كـ"ثائر معتدل". في إحدى الحوادث عام 2017، أعدمت هيئة تحرير الشام شاباً في إدلب بتهمة "التجسس" للنظام، أمام حشد من المدنيين، لترهيب السكان وتثبيت سلطة الجولاني.
إسرائيل: التدخل الخفي
في الجنوب، واصلت إسرائيل دعمها السري لفصائل المعارضة، خاصة في مناطق درعا والقنيطرة القريبة من الجولان المحتل. طائرات سلاح الجو الإسرائيلي نفذت مئات الغارات على مواقع الجيش السوري، بحجة منع نقل أسلحة إلى حزب الله. لكن الهدف الحقيقي كان إضعاف الجيش السوري، مما يسمح لفصائل المعارضة بالتقدم. في إحدى الغارات عام 2017، قصفت إسرائيل مستودعاً عسكرياً في ريف دمشق، مما أدى إلى مقتل 15 جندياً سورياً وتدمير معدات عسكرية حيوية. هذه الغارات كانت تتم بتنسيق غير معلن مع فصائل مثل "جيش خالد بن الوليد"، وهو فصيل متطرف مرتبط بداعش في جنوب سوريا.
إسرائيل قدمت أيضاً مساعدات طبية لمقاتلي المعارضة المصابين. في مستشفيات الجولان المحتل، عولج مئات المقاتلين من جبهة النصرة وفصائل أخرى، قبل إعادتهم إلى ساحات القتال. هذه المساعدات، التي تم الكشف عنها لاحقاً عبر تقارير صحفية إسرائيلية، كانت جزءاً من استراتيجية لإبقاء سوريا ضعيفة ومشغولة بحرب داخلية. في الوقت نفسه، دعمت إسرائيل فصائل معارضة في درعا من خلال تزويدهم بالأسلحة الخفيفة والمعلومات الاستخباراتية، مما ساعد هذه الفصائل على السيطرة على مناطق استراتيجية مؤقتاً.
النخبة السورية: استمرار الخيانة
في هذه الفترة، واصلت النخبة السورية المنشقة دورها في دعم المعارضة. ممثلون ومغنون، مثل عبد الحكيم قطيفان وفرح بسيسو، ظهروا في برامج تلفزيونية خليجية، داعين إلى "إسقاط النظام" ومروجين لروايات ملفقة عن جرائم الجيش السوري. هؤلاء الفنانون، الذين كانوا يوماً رموزاً للوحدة الوطنية، أصبحوا أدوات في يد الإعلام الخليجي، مستفيدين من عقود مالية ضخمة وإقامات في الدوحة ودبي.
في المقابل، ظل فنانون مثل دريد لحام وصباح جزائري أوفياء للوطن، رافضين الإغراءات رغم الضغوط الهائلة. دريد لحام، على سبيل المثال، واجه حملة تشويه من الإعلام الخليجي، اتهمته بـ"الموالاة للنظام"، لكنه استمر في الدفاع عن الوحدة السورية من خلال أعماله الفنية.
المقاومة السورية: بصيص أمل
رغم الظلام الذي خيم على سوريا، بدأت بوادر الأمل تظهر مع تدخل روسيا في سبتمبر 2015. الدعم الجوي الروسي ساعد الجيش السوري على استعادة مناطق رئيسية، مثل شرق حلب في ديسمبر 2016. هذه الانتصارات، التي جاءت بثمن باهظ من الدماء، أعطت الشعب السوري أملاً في استعادة الاستقرار. لكن التحديات ظلت هائلة، حيث واصلت تركيا وإسرائيل والفصائل الإرهابية محاولاتها لإسقاط الدولة.
خاتمة الفصل: سوريا في قلب العاصفة
بحلول نهاية عام 2018، كانت سوريا قد دفعت ثمناً باهظاً لمؤامرة دولية هدفت إلى تدميرها. عبد الباسط الساروت وغيره من الأبطال المزيفين أصبحوا رموزاً للخداع الإعلامي، بينما أدت التدخلات التركية والإسرائيلية إلى تمديد الحرب وتفاقم المعاناة. الجيش السوري، رغم خسائره، بدأ يستعيد زمام المبادرة، لكن الطريق إلى النصر كان لا يزال طويلاً. في هذه السنوات، أظهرت سوريا صموداً استثنائياً، لكنها كانت أيضاً مسرحاً لخيانات النخب وجرائم الإرهاب، في فصل آخر من مأساتها المستمرة.

ملحمة الدم السوري: سقوط الوطن
الفصل الرابع: السقوط والخيانة (2019-2024)
بين عامي 2019 و2024، شهدت سوريا مرحلة حاسمة من مأساتها، حيث بدأت بوادر الأمل التي أشعلها التدخل الروسي عام 2015 تتلاشى تحت وطأة خيانات داخلية وتدخلات خارجية متصاعدة. الجيش السوري، الذي صمد في وجه جيوش الإرهاب لسنوات، بدأ يستعيد الأرض شيئاً فشيئاً، لكن المؤامرة الدولية لإسقاط الدولة السورية لم تتوقف. النخبة السورية المنشقة، مدعومة بأموال وتخطيط أمريكي وخليجي، واصلت دعايتها المسمومة، بينما استغلت قوى خارجية ضعف الحلفاء التقليديين لسوريا، روسيا وإيران، لتشن هجوماً نهائياً أدى إلى سقوط دمشق. هذا الفصل يكشف كيف تآمرت النخب، وكيف انهار الوطن تحت ضغط الخيانة والإرهاب، وكيف تحول إرهابي مثل أبو محمد الجولاني إلى "رئيس" بتأييد من خونة الأمس.
استعادة الأرض: صمود الجيش السوري
مع تدخل روسيا في سبتمبر 2015، بدأ الجيش السوري، بدعم من القوات الجوية الروسية وحزب الله، في تحقيق انتصارات كبيرة. بحلول عام 2019، كان الجيش قد استعاد مناطق حيوية مثل شرق حلب، وأجزاء كبيرة من ريف دمشق، وحمص، وحماة. هذه الانتصارات جاءت بثمن باهظ: آلاف الجنود السوريين قدموا أرواحهم، والمدن التي كانت يوماً مراكز حضارية تحولت إلى أنقاض. في حلب، على سبيل المثال، تم تحرير الجزء الشرقي من المدينة في ديسمبر 2016، لكن الدمار الهائل الذي خلفه الإرهابيون ترك المدينة شبحاً لما كانت عليه.
في الجنوب، استعاد الجيش السوري درعا، مهد الاحتجاجات الأولى عام 2011، في صيف 2018. هذه العملية، التي تضمنت مفاوضات مع فصائل المعارضة، سمحت للدولة بإعادة فرض سيطرتها على الحدود مع الأردن والجولان المحتل. لكن إدلب، التي أصبحت ملاذاً للإرهابيين تحت حماية تركيا، ظلت شوكة في خاصرة الدولة. اتفاقيات "خفض التصعيد" التي فرضتها تركيا وروسيا عام 2018 حالت دون تحرير المدينة، مما أعطى أبو محمد الجولاني وزمرته فرصة لإعادة تنظيم صفوفهم.
رغم هذه الانتصارات، واجه الجيش السوري تحديات هائلة. الاقتصاد السوري كان يعاني من العقوبات الغربية القاسية، مثل قانون قيصر الأمريكي الذي فُرض عام 2020، والذي استهدف خنق الاقتصاد ومنع إعادة الإعمار. الحصار الاقتصادي، إلى جانب استمرار الدعم الخارجي للإرهابيين، جعل مهمة الجيش شبه مستحيلة في بعض الأحيان. ومع ذلك، ظل الجيش صامداً، مدعوماً بشعب سوري أرهقته الحرب لكنه رفض الاستسلام.
المؤامرة مستمرة: دعاية النخبة المنشقة
رغم تقدم الجيش السوري، واصلت النخبة الماجورة بتمويل أمريكي وخليجي حملاتها الدعائية ضد الدولة. في عواصم المنفى مثل إسطنبول والدوحة وباريس، شكل المنشقون السوريون، بما في ذلك سياسيون وفنانون وصحفيون، شبكات دعاية لتشويه سمعة النظام. منظمات مثل "الائتلاف الوطني السوري"، المدعوم من قطر وتركيا، أصدرت بيانات تدعو إلى إسقاط الأسد، متجاهلةً دورها في تأجيج العنف.
الفنانون المنشقون، مثل الممثلين جمال سليمان ومكسيم خليل، واصلوا ظهورهم على قنوات الجزيرة والعربية، حيث روجوا لروايات ملفقة عن "جرائم النظام". في إحدى الحملات عام 2019، شارك عدد من الفنانين السوريين في المنفى في إنتاج فيديوهات دعائية تتهم الجيش السوري بقصف المستشفيات في إدلب. هذه الفيديوهات، التي تم تمويلها من قبل منظمات غربية، تجاهلت حقيقة أن العديد من هذه "المستشفيات" كانت تستخدم كمراكز قيادة لجبهة النصرة.
الصحفيون السوريون المنشقون، الذين استقروا في أوروبا، لعبوا دوراً مماثلاً. مواقع مثل "المدن" و"عنب بلدي"، المدعومة بأموال غربية، نشرت تقارير ملفقة عن انتهاكات الجيش السوري، بينما تجاهلت جرائم الفصائل الإرهابية. إحدى القصص المؤلمة كانت عن صحفي شاب في لندن، كان يوماً يعمل في دمشق، لكنه تلقى منحة من منظمة أمريكية لتأسيس موقع إخباري يروج للمعارضة. بحلول 2020، كان موقعه ينشر أخباراً كاذبة عن "مذابح" يرتكبها النظام، مما ساهم في تأجيج الكراهية الطائفية.
ضعف الحلفاء: الفرصة الذهبية للجولاني
بحلول عام 2024، بدأت الظروف الدولية تتغير بشكل دراماتيكي. روسيا، التي كانت الداعم الرئيسي لسوريا، أصبحت منشغلة بحربها في أوكرانيا، مما قلل من دعمها العسكري للجيش السوري. إيران، التي واجهت عقوبات اقتصادية متزايدة واضطرابات داخلية، لم تعد قادرة على تقديم الدعم المادي والعسكري الكافي. هذا الضعف خلق فراغاً استغله أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، لشن هجوم خاطف على دمشق.
في أوائل ديسمبر 2024، استغل الجولاني الوضع الهش للجيش السوري، الذي كان منهكاً بعد سنوات من الحرب. بدعم لوجستي من تركيا، وتمويل من قطر، شنت قواته هجوماً مباغتاً من إدلب باتجاه العاصمة. الفصائل المسلحة، التي كانت قد أعادت تنظيم صفوفها تحت قيادة الجولاني، استخدمت أسلحة متطورة، بما في ذلك طائرات بدون طيار وصواريخ مضادة للدروع، لاختراق الدفاعات السورية. في 8 ديسمبر 2024، سقطت دمشق بعد معارك دامية استمرت أياماً. الجيش السوري، الذي كان يعاني من نقص في الإمدادات، لم يتمكن من الصمود. بشار الأسد، تحت وطأة الهزيمة، فر إلى موسكو، حيث حصل على لجوء سياسي.
الخيانة العلنية: تأييد النخبة للجولاني
بعد سقوط دمشق، كشفت النخبة السورية المنشقة عن وجهها الحقيقي. ممثلون ومغنون وكتاب، كانوا قد فروا إلى المنفى في إسطنبول والدوحة وباريس، اجتمعوا على تأييد الجولاني. في بيانات منسقة على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفوا سقوط دمشق بأنه "انتصار الثورة الشعبية"، متجاهلين تاريخ الجولاني الإرهابي كقائد لفرع القاعدة في سوريا. ممثلون مثل عبد الحكيم قطيفان وفرح بسيسو نشروا فيديوهات تهنئة، واصفين الجولاني بـ"القائد الثوري" الذي "حرر سوريا". مغنون، كانوا يوماً يغنون للوطن، أصدروا أغاني تمجد "النصر"، بينما تجاهلوا الدماء التي أريقت على يد هيئة تحرير الشام.
في إحدى الحوادث الصادمة، أصدرت مجموعة من الفنانين السوريين في المنفى بياناً مشتركاً في 10 ديسمبر 2024، أيدوا فيه تنصيب الجولاني نفسه رئيساً للجمهورية دون انتخابات. البيان، الذي نُشر على منصات مثل إكس، زعم أن هذا التنصيب كان "إرادة الشعب السوري"، رغم أن الجولاني فرض حكمه بالقوة العسكرية. قنوات الجزيرة والعربية احتفلت بهذا "الانتصار"، بثت تقارير تمجد الجولاني وتصفه بـ"الزعيم الشرعي"، متجاهلةً تماماً جرائمه ضد المدنيين على مدى سنوات.
في الدوحة، استضافت قناة الجزيرة سلسلة من البرامج الحوارية التي استضافت هؤلاء الفنانين المنشقين، حيث أشادوا بالجولاني كـ"رمز للوحدة الوطنية". في الرياض، نظمت قناة العربية مهرجاناً فنياً في يناير 2024 للاحتفال بـ"تحرير سوريا"، شارك فيه مغنون سوريون من المنفى، قدموا عروضاً تمجد "الثورة". هذه الحملات الإعلامية كانت تهدف إلى تبييض سجل الجولاني الإرهابي وإضفاء شرعية على حكمه.
الشعب السوري: ضحية الخيانة
بينما كانت النخبة تحتفل، كان الشعب السوري يعاني من ويلات الحرب والاحتلال. في دمشق، فرضت قوات الجولاني حصاراً على الأحياء الموالية للنظام السابق، مثل المزة وحي القصور، مما أدى إلى نقص حاد في الغذاء والدواء. آلاف العائلات، التي كانت موالية للدولة، واجهت التهجير القسري أو الاعتقال. في إدلب، واصل الجولاني فرض ضرائب قسرية على السكان، بينما استخدمت ميليشياته العنف لقمع أي معارضة.
في إحدى القصص المؤلمة، شهدت قرية علوية في ريف اللاذقية عام 2024 هجوماً من قوات هيئة تحرير الشام، حيث أُعدم 20 مدنياً بتهمة "الموالاة للنظام". هذه المذبحة، التي تم توثيقها من قبل ناشطين محليين، لم تجد طريقها إلى الإعلام الخليجي أو الغربي، الذي كان منشغلاً بالاحتفال بـ"النصر".
خاتمة الفصل: سقوط دمشق وأمل مكسور
بحلول نهاية عام 2024، كانت سوريا قد خسرت عاصمتها، رمز سيادتها وتاريخها. سقوط دمشق في 8 ديسمبر 2024 كان نتيجة خيانة النخب وتدخلات خارجية استمرت لأكثر من عقد. الجولاني، الذي تحول من إرهابي مطارد إلى "رئيس" مفروض، بدأ في بناء نظام قمعي تحت غطاء تركي وقطري. النخبة الفنية والسياسية المنشقة، التي باعت ضميرها للمال والشهرة، لعبت دوراً محورياً في تبرير هذا السقوط. لكن في قلوب الشعب السوري، ظل هناك أمل خافت بأن يستعيد الوطن عافيته يوماً ما، رغم الدماء والدموع التي أغرقت أرض الشام.

ملحمة الدم السوري: سقوط الوطن

الفصل الخامس: عهد الظلام (2025)

مع حلول عام 2025، غرقت سوريا في أعماق عهد الظلام الأسود، حيث تحول الجولاني وعصابته من إرهابيين مطاردين إلى حكام مستبدين يفرضون إرادتهم بالحديد والنار. دمشق، التي سقطت في 8 ديسمبر 2024، لم تعد عاصمة الأمويين التاريخية، بل أصبحت مركزاً للقمع والإرهاب المنظم. الشعب السوري، الذي عانى من 14 عاماً من الحرب، وجد نفسه أمام نظام جديد أكثر وحشية، يعتمد على الطائفية والانتقام كأساس للسلطة. هذا العام، الذي كان يُفترض أن يكون عام الإعمار، تحول إلى فصل مظلم في تاريخ الشام، مليء بالمذابح والتهجير والخيانات الدولية. الجولاني، سعياً للشرعية الدولية، بدأ يطبّع مع أعداء الشعب السوري، بينما استمر في تدمير نسيج الوطن. وفي خلفية هذا الظلام، كشفت وثائق سرية عن اتفاقيات خائنة بين النظام السابق والقوى الدولية، ساهمت في تسهيل سقوطه دون مقاومة حقيقية، مما أثار غضب السوريين وأشعل شرارة المقاومة السرية.

اضطهاد الأقليات: مذابح الساحل والجنوب

في مارس 2025، أطلق الجولاني وعصابته حملة إرهابية ممنهجة ضد الأقليات، مستغلاً الفراغ الأمني بعد سقوط دمشق لفرض سيطرة طائفية سلفية. كان الهدف واضحاً: تصفية أي رمز لـ"النظام السابق"، خاصة العلويين والدروز، الذين صُوروا في الدعاية الإرهابية كأعداء الـ"ثورة". هذه الحملة لم تكن عفوية، بل مخططة بعناية، مدعومة بقوائم أمنية مهربة من أرشيف النظام السابق، وموجّهة بفتاوى من علماء سلفيين في الدوحة والرياض.

في الساحل السوري، المنطقة التاريخية للعلويين، بدأت المذابح بقوة في 15 مارس 2025. قرية بانياس، الواقعة على الساحل المتوسطي، شهدت أولى عمليات الإبادة الجماعية. قوات هيئة تحرير الشام، مدعومة بميليشيات سلفية من إدلب، اقتحمت القرية تحت غطاء الليل، مدّعية أنها "عملية أمنية" ضد "عناصر النظام السابق". لكن الحقيقة كانت أكثر رعباً: الإرهابيون ذبحوا أكثر من 200 مدني علوي، بما في ذلك نساء وأطفال، باستخدام السكاكين والرصاص المباشر. الشوارع امتلأت بدماء الضحايا، وأُحرقت المنازل، بينما أُجبر الناجون على الفرار إلى لبنان أو تركيا. شهود عيان وصفوا كيف كان الإرهابيون يرددون هتافات طائفية، متهمين العلويين بـ"الكفر والطائفية"، مستلهمين خطابات فيصل القاسم القديمة على الجزيرة.

تلتها مذبحة اللاذقية في 20 مارس، حيث حاصر الجولاني المدينة وأرسل ثلاث سرايا إرهابية لـ"تنظيف" الأحياء العلوية. في حي الرمل، أُعدم 150 شخصاً في ساحة عامة، أمام حشود من السكان المرعوبين، كتحذير لأي مقاومة. الإرهابيون السلفيون، الذين جُلبوا من تونس وليبيا، لم يكتفوا بالقتل؛ بل نهبوا الكنوز التاريخية في المدينة، محرقين المساجد العلوية ومصادرين الأراضي الزراعية لإعادة توزيعها على "المجاهدين". بحلول نهاية الشهر، كان أكثر من 10 آلاف علوي قد هُجّروا قسراً، وأصبح الساحل منطقة محظورة على غير السلفيين، تحت سيطرة "لجان أمنية" تابعة للجولاني.

في الجنوب، لم يسلم الدروز من هذا الإرهاب. في جرمانا، ضاحية دمشق ذات الغالبية الدرزية، شنت ميليشيات الجولاني هجوماً في 25 مارس، محرقة أكثر من 300 منزل ومصادرة آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية. الدروز، الذين كانوا يتمتعون باستقلال نسبي في السويداء، واجهوا قمعاً عنيفاً لمنعهم من تشكيل ميليشيات دفاعية. في السويداء، أُحرقت قرى بأكملها، وأُعدم زعماء دروز بتهمة "التعاون مع النظام". هذه الحملة أدت إلى تهجير 5 آلاف درزي، وأشعلت شرارة تمرد مسلح صغير في الجبال، حيث بدأ الدروز يشكلون وحدات مقاومة سرية، مدعومة سراً من بعض الفصائل الكردية في الشمال.

هذه المذابح لم تكن مجرد انتقام؛ بل كانت جزءاً من استراتيجية لإعادة رسم الخريطة الديموغرافية لسوريا، محولةً البلاد إلى إمارة سلفية طائفية. الإعلام الخليجي، بقيادة الجزيرة، تجاهل هذه الجرائم، مفضلاً تصوير الجولاني كـ"إصلاحي"، بينما روجت وسائل التواصل السورية السرية لصور الضحايا، محاولةً إيقاظ الضمير الدولي.

التطبّيع مع إسرائيل: صفقة الخيانة

سعياً لكسب الشرعية الدولية، بدأ الجولاني في مارس 2025 سلسلة من الخطوات الدبلوماسية المثيرة للجدل، أبرزها التطبّيع مع إسرائيل، العدو التاريخي للشعب السوري. في اجتماعات سرية عقدت في أواخر مارس في تل أبيب، تحت رعاية الاستخبارات الأمريكية، وافق الجولاني على اتفاق غير معلن: عدم مهاجمة الجولان المحتل، مقابل دعم اقتصادي إسرائيلي يشمل استثمارات في البنية التحتية السورية وفتح ممرات تجارية. هذه الصفقة، التي تم التفاوض عليها بواسطة رون ديرمر، وزير الاستخبارات الإسرائيلي، كانت خطوة مذلة لـ"ثورة" زُعم أنها ضد الاحتلال.

في إحدى الاجتماعات، التي وثّقتها تقارير استخباراتية مسربة، تعهد الجولاني بـ"حماية الحدود الشمالية لإسرائيل"، مقابل 500 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية، بالإضافة إلى تدريب قواته على تكنولوجيا إسرائيلية لمكافحة "الإرهاب الشيعي". هذا الطبّع أثار غضباً شعبياً في سوريا، حيث اعتبره السوريون خيانة لدماء الشهداء في حرب أكتوبر 1973، لكنه أعطى الجولاني غطاءً دولياً لاستمرار حكمه.

لقاء موسكو: التناقض الجيوسياسي

في خطوة مذهلة أكثر، في أبريل 2025، توجه الجولاني إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين. هذا اللقاء، الذي استمر ثلاث ساعات، كان تناقضاً صارخاً مع تاريخ الجولاني: طوال 14 عاماً، كان يشتم روسيا في خطاباته، متهماً إياها بـ"قتل الشعب السوري" عبر دعمها للجيش السوري. لكن الجيوسياسية غيّرت كل شيء؛ بوتين، الذي كان يركز على أوكرانيا، قبل اللقاء لأغراض استراتيجية: ضمان مصالح روسيا في قاعدة طرطوس وحميميم، ومنع عودة إيران إلى سوريا.

عاد الجولاني بوعود روسية: استثمارات في الطاقة مقابل عدم مهاجمة المنشآت الروسية، وتعهدات بـ"حكم معتدل". لكن في الواقع، استمر الجولاني في تخريب سوريا؛ زاد من الاعتقالات الطائفية، وأغلق المدارس غير السلفية، محولاً البلاد إلى سجن مفتوح. هذا اللقاء أثار احتجاجات في دمشق، حيث خرج آلاف يهتفون "خائن الشام"، لكن القمع الإرهابي أسكت الأصوات.

نص الاتفاق السري: خيانة النظام السابق

في خضم هذا الظلام، كشف كتاب "عشرة أيام هزت بلاد الشام: نظام الأسد... قياماً وركاماً - 1964-2024" للباحث نزار نيوف، المنشور في أواخر 2024، عن وثائق سرية تكشف خيانة النظام السابق. الكتاب، الذي اعتمد على مصادر استخباراتية، ينشر نص محضر اجتماع بين بشار الأسد وبوتين في 30 نوفمبر 2024، يتضمن بنوداً لتسليم السلطة سلمياً إلى الجولاني دون مقاومة، تحت ضمان روسي-تركي. هذا الاتفاق، الذي وُضع برعاية بريطانية-إسرائيلية، كان السبب الرئيسي في سرعة سقوط دمشق، حيث أمر الأسد الجيش بعدم القتال.

**نص الاتفاق المستخرج من الكتاب (مقتطفات رئيسية):**

"محضر اجتماع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد
تاريخ: 30 نوفمبر 2024
مكان: الكرملين، موسكو

بنود الاتفاق:
1. يتعهد الرئيس الأسد بتسليم السلطة في دمشق إلى ممثل هيئة تحرير الشام (أبو محمد الجولاني) بحلول 8 ديسمبر 2024، دون مقاومة عسكرية من الجيش السوري.
2. تضمن روسيا حماية مصالحها في قواعد طرطوس وحميميم، مقابل عدم مهاجمتها من قبل القوى الجديدة.
3. تركيا تضمن عدم توسع القتال إلى إدلب، وتقدم دعماً لوجستياً للانتقال السلمي.
4. يُسمح للأسد باللجوء السياسي في روسيا، مع ضمانات أمنية لعائلته وأتباعه.
5. يُلزم الجولاني باحترام اتفاقيات جنيف بشأن الأقليات، مقابل رفع العقوبات الدولية جزئياً (ضمان بريطاني-إسرائيلي).
6. عدم الكشف عن هذا المحضر إلا بعد استقرار السلطة الجديدة.

وقّع: بشار الأسد، فلاديمير بوتين
شهود: ممثل تركي (سري)، جوناثان باول (مستشار بريطاني)."

هذا النص، الذي سرّب في الكتاب، أثار صدمة في سوريا، حيث اعتبره السوريون دليلاً على خيانة النظام السابق، الذي سمح بسقوطه دون قتال للحفاظ على مصالح شخصية. الكتاب يصف كيف أُعدّت "خريطة الطريق" في نوفمبر 2024، برعاية جوناثان باول ورون ديرمر، لضمان انتقال سلس يخدم المصالح الدولية على حساب الشعب السوري.

خاتمة الفصل: أمل في الظلام

في عهد الظلام هذا، استمر الجولاني في تدمير سوريا، لكن مقاومة سرية بدأت تنمو بين العلويين والدروز والأكراد، مدعومة بذكريات الشهداء. الطبّع مع إسرائيل ولقاء موسكو كشفا وجه الجولاني الحقيقي: خائن يبيع الوطن لأجل السلطة. والكتاب "عشرة أيام هزت بلاد الشام" أصبح رمزاً للكشف عن الخيانات، محفّزاً السوريين على الصمود. ربما يأتي يوم ينبلج فيه الفجر، لكن في 2025، كانت سوريا لا تزال تغرق في دمائها.

ملحمة الدم السوري: سقوط الوطن
الخاتمة: دموع الوطن
هكذا، في خريف عام 2025، غرقت سوريا في هاوية الفتنة، تلك الهاوية التي حفرتها أيادٍ خارجية وداخلية، مزقت نسيج الوطن الذي كان يوماً رمزاً للوحدة والتعددية. الشام، التي كانت ملتقى الحضارات، موطن الياسمين والبازار، تحولت إلى أرض خراب، حيث اختلطت دماء الأبرياء بركام المدن. دمشق، قلب الشام النابض، لم تعد عاصمة الأمويين التي تغنّى بها الشعراء، بل أصبحت سجناً مفتوحاً تحت حكم إرهابي يُدعى أبو محمد الجولاني، رجل تحوّل من زعيم تنظيم إرهابي إلى "رئيس" مفروض بالقوة والخداع. لكن هذه المأساة، التي امتدت من ربيع 2011 إلى خريف 2025، لم تكن مجرد حرب أهلية، بل كانت مؤامرة دولية محبوكة بعناية، اشترت فيها أموال النفط ذمم النخب، وأُثيرت فيها النعرات الطائفية لتمزيق الشعب السوري، الذي كان موحداً في تنوعه العريق.
المؤامرة الدولية: نسيج الخيانة
منذ الشرارة الأولى في درعا عام 2011، كانت سوريا هدفاً لمؤامرة نسجت خيوطها في عواصم بعيدة: الدوحة، الرياض، أنقرة، واشنطن، لندن، وتل أبيب. قطر، بثروتها الغازية، اشترت ذمم النخب السورية واللبنانية، مستخدمة قناة الجزيرة كسيف إعلامي لتلفيق أكاذيب عن "قمع النظام". السعودية، بدوافع طائفية وجيوسياسية، دعمت الإرهابيين بالمال والسلاح، بينما فتحت تركيا حدودها لتدفق المقاتلين الأجانب. أمريكا وبريطانيا، عبر وكالات الاستخبارات، موّلتا "ناشطين" لنشر الفوضى، بينما دعمت إسرائيل سراً الفصائل المسلحة لإضعاف محور المقاومة. هذه القوى، التي عملت بتناغم مخيف، لم تكتفِ بتمزيق الأرض، بل زرعت بذور الكراهية الطائفية، محرضة ضد العلويين والدروز والأكراد، لتحويل سوريا إلى ساحة صراع دائم.
النخبة السورية، التي كان يُفترض أن تكون صوت الشعب، خانت أمانتها. ممثلون، مغنون، صحفيون، وسياسيون، تحولوا إلى أبواق للمعارضة بإغراء المال القطري والسعودي. في المنفى، أصبحوا نجوماً على شاشات الجزيرة والعربية، يروجون لأكاذيب مثل "الكيماوي" و"البراميل المتفجرة"، بينما تجاهلوا مذابح الإرهابيين ضد المدنيين. حتى عندما سقطت دمشق في ديسمبر 2024، أيد هؤلاء تنصيب الجولاني رئيساً دون انتخابات، مدعين أنها "إرادة الشعب". هذه الخيانة، التي امتدت من استوديوهات الدوحة إلى فنادق إسطنبول، كانت خنجراً في قلب الوطن.
الشعب المشتت: بين القتلى والمهجرين
الشعب السوري، الذي كان موحداً في تنوعه الثقافي والديني، أصبح مشتتاً بين قتلى ومهجرين. ملايين السوريين، الذين كانوا يحلمون بحياة كريمة، وجدوا أنفسهم إما في قبور جماعية أو في مخيمات اللجوء في لبنان وتركيا والأردن. العلويون في الساحل، الدروز في السويداء، والأكراد في عفرين، واجهوا اضطهاداً طائفياً مروعاً على يد الإرهابيين السلفيين. في مارس 2025، شهدت بانياس واللاذقية مذابح أودت بحياة المئات، بينما أُحرقت منازل الدروز في جرمانا وصودرت أراضيهم. هذه الجرائم، التي تجاهلها الإعلام الخليجي، كانت دليلاً على أن "الثورة" لم تكن سوى غطاء للإرهاب والطائفية.
في دمشق، التي كانت يوماً مركزاً للثقافة والحضارة، أصبحت الشوارع مهجورة إلا من نقاط التفتيش التي يديرها مقاتلو الجولاني. سوق الحميدية، الذي كان يعج بالحياة، تحول إلى ممر موحش، حيث يخشى التجار من الضرائب القسرية والاعتقالات العشوائية. في حلب، التي دُمرت مساجدها وأسواقها القديمة، بدأ السكان يخفون هوياتهم الطائفية خوفاً من القتل. الأكراد في الشمال، الذين قاوموا الاحتلال التركي، وجدوا أنفسهم محاصرين بين ميليشيات الجولاني وقوات أردوغان. هذا التشتت، الذي كان نتيجة سنوات من الحرب والخيانة، ترك السوريين بلا وطن، يتوقون إلى أيام السلام الذي كانوا يعيشونه قبل 2011.
أمل المخلصين: شرارة المقاومة
رغم هذا الظلام، بقي في قلوب المخلصين أملٌ خافت بالعودة إلى وطن حر. في جبال السويداء، بدأ الدروز يشكلون وحدات مقاومة سرية، مدعومة بأسلحة مهربة من لبنان. في الساحل، نظم العلويون، الذين نجوا من المذابح، خلايا مقاومة تحت الأرض، يهاجمون قوات الجولاني في عمليات كوماندوس ليلية. الأكراد في الشمال، رغم الاحتلال التركي، واصلوا صمودهم عبر وحدات حماية الشعب، رافضين الخضوع لهيئة تحرير الشام. هذه المقاومة، التي كانت في بدايتها، أعطت السوريين أملاً بأن الوطن لم يمت بعد.
في المنفى، بدأت أصوات جديدة تظهر، خاصة على منصات مثل إكس، حيث وثّق ناشطون سوريون جرائم الجولاني، من مذابح إلى تهجير. كتاب مثل "عشرة أيام هزت بلاد الشام"، الذي كشف عن اتفاق خيانة الأسد مع روسيا وتركيا، ألهم جيلاً جديداً من الشباب السوري لرفض حكم الجولاني. هذه الأصوات، رغم ضعفها، كانت بمثابة شعلة صغيرة في ظلام دامس، تذكّر السوريين بأن الأمل لا يموت.
سوريا الأبدية: حلم التحرر
سوريا، التي كانت مهد الحضارات، لم تكن مجرد أرض، بل كانت فكرة: فكرة التعايش، التعددية، والصمود. رغم الدماء التي أُريقَت، والمدن التي تحولت إلى ركام، ظل الشعب السوري يحمل في قلبه حلم العودة إلى وطن حر، بعيد عن الإرهاب والخيانة. الياسمين الدمشقي، رغم ذبوله، لا يزال يحمل عبيراً يعد بالربيع. في كل قرية مدمرة، وفي كل عائلة مهجرة، تبقى ذكرى سوريا القديمة: سوريا التي كانت تضم الجميع تحت سمائها.
هكذا، وسط دموع الوطن، يبقى الأمل معلقاً في قلوب المخلصين. قد تكون الحرب قد سرقت اليوم، لكن الغد لا يزال ملكاً لأولئك الذين يؤمنون بسوريا. ربما، في يوم ما، سيعود الياسمين ليزهر في شوارع دمشق، وسيغني السوريون معاً، كما كانوا دائماً، نشيد الوحدة والحرية. لكن حتى ذلك اليوم، تبقى سوريا تنزف، ودموعها شاهدة على مأساة لن ينساها التاريخ.



  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع