شبكة الإلحاد العربيُ  

العودة   شبكة الإلحاد العربيُ > ملتقيات في نقد الإيمان و الأديان > مقالات من مُختلف الُغات ☈

إضافة رد
 
أدوات الموضوع اسلوب عرض الموضوع
قديم 06-09-2014, 02:23 PM ترنيمه غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [1]
ترنيمه
عضو برونزي
الصورة الرمزية ترنيمه
 

ترنيمه is on a distinguished road
Icon15 مصادر القرآن: بحث في مصادر الإسلام، وليم غولدساك، الجزأين [1] و[2]


إبراهيم جركس




مصادر القرآن
((بحث في مصادر الإسلام))

وليم غولدساك 1907
ترجمة إبراهيم جركس

THE ORIGINS OF THE QUR AN
((AN ENQUIRY INTO THE SOURCES OF ISLAM))
BY THE Rev. W. GOLDSACK
THE CHRISTIAN LITERATURE SOCIETY LONDON, MADRAS AND COLOMBO 1907
{بل هو قرآنٌ مَجِيدٌ في لوحٍ محفوظ}

# مقدمة
~~~~~
إنّ كلمة "قرآن" مشتقّة من الفعل العربي "قَرَأ". ويعني ذلك فعل القراءة، أو بالأحرى "ذلك الذي يجب أن يُقْرَأ". وهو مأخوذ من سورة [الحق: 1] {إقرأ باسم ربك} والتي يقال أنها أول سورة نزلت على محمد. وهذه الكلمة التي تستخدم عادةً للإشارة إلى القرآن فقط، كانت ومازالت تستخدم حتى الآن، وباستمرار، لوصف مجموع الوحي والآيات المنزلة على محمد. وتروي لنا الأحاديث والتراث الكثير من القصص الجميلة فيما يتعلق بنزول الوحي على محمد، والتي احتفظت بها عائشة، زوجة محمد المفضلة، حيث تقصّها لنا على النحو التالي: ((عَنْ ‏ ‏عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ‏ ‏أَنَّهَا قَالَتْ ‏ ‏أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ ‏ ‏فَلَقِ ‏ ‏الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ وَكَانَ يَخْلُو ‏ ‏بِغَارِ حِرَاءٍ ‏ ‏فَيَتَحَنَّثُ ‏ ‏فِيهِ ‏ ‏وَهُوَ التَّعَبُّدُ ‏ ‏اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ ‏ ‏قَبْلَ أَنْ ‏ ‏يَنْزِعَ ‏ ‏إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى ‏ ‏خَدِيجَةَ ‏ ‏فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي ‏ ‏غَارِ حِرَاءٍ ‏ ‏فَجَاءَهُ ‏ ‏الْمَلَكُ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏اقْرَأْ قَالَ مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي ‏ ‏فَغَطَّنِي ‏ ‏حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ ‏ ‏أَرْسَلَنِي ‏ ‏فَقَالَ اقْرَأْ قُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي ‏ ‏فَغَطَّنِي ‏ ‏الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ ‏ ‏أَرْسَلَنِي ‏ ‏فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي ‏ ‏فَغَطَّنِي ‏ ‏الثَّالِثَةَ ثُمَّ ‏ ‏أَرْسَلَنِي ‏ ‏فَقَالَ ‏

‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ ‏ ‏عَلَقٍ ‏ ‏اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ‏
‏فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى ‏ ‏خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ ‏ ‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏زَمِّلُونِي ‏ ‏زَمِّلُونِي ‏ ‏فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ ‏ ‏الرَّوْعُ ‏ ‏فَقَالَ ‏ ‏لِخَدِيجَةَ ‏ ‏وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَقَالَتْ ‏ ‏خَدِيجَةُ ‏ ‏كَلَّا وَاللَّهِ ‏ ‏مَا يُخْزِيكَ ‏ ‏اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ ‏ ‏الْكَلَّ ‏ ‏وَتَكْسِبُ ‏ ‏الْمَعْدُومَ ‏ ‏وَتَقْرِي ‏ ‏الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى ‏ ‏نَوَائِبِ ‏ ‏الْحَقِّ فَانْطَلَقَتْ بِهِ ‏ ‏خَدِيجَةُ ‏ ‏حَتَّى أَتَتْ بِهِ ‏ ‏وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ‏ ‏ابْنَ عَمِّ ‏ ‏خَدِيجَةَ ‏ ‏وَكَانَ امْرَأً قَدْ ‏ ‏تَنَصَّرَ ‏ ‏فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ لَهُ ‏ ‏خَدِيجَةُ ‏ ‏يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ لَهُ ‏ ‏وَرَقَةُ ‏ ‏يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏خَبَرَ مَا رَأَى فَقَالَ لَهُ ‏ ‏وَرَقَةُ ‏ ‏هَذَا ‏ ‏النَّامُوسُ ‏ ‏الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى ‏ ‏مُوسَى ‏ ‏يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ قَالَ نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا ‏ ‏مُؤَزَّرًا ‏ ‏ثُمَّ لَمْ ‏ ‏يَنْشَبْ ‏ ‏وَرَقَةُ ‏ ‏أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏ابْنُ شِهَابٍ ‏ ‏وَأَخْبَرَنِي ‏ ‏أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ ‏ ‏قَالَ ‏ ‏وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ بَصَرِي فَإِذَا ‏ ‏الْمَلَكُ ‏ ‏الَّذِي جَاءَنِي ‏ ‏بِحِرَاءٍ ‏ ‏جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَرُعِبْتُ مِنْهُ فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ ‏ ‏زَمِّلُونِي ‏ ‏زَمِّلُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ‏‏يَا أَيُّهَا ‏ ‏الْمُدَّثِّرُ ‏ ‏قُمْ فَأَنْذِرْ ‏ ‏إِلَى قَوْلِهِ ‏ ‏وَالرُّجْزَ ‏ ‏فَاهْجُرْ ‏ ،‏فَحَمِيَ ‏ ‏الْوَحْيُ وَتَتَابَعَ ‏ ‏تَابَعَهُ ‏ ‏عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ‏ ‏وَأَبُو صَالِحٍ ‏ ‏وَتَابَعَهُ ‏ ‏هِلَالُ بْنُ رَدَّادٍ ‏ ‏عَنْ ‏ ‏الزُّهْرِيِّ ‏ ‏وَقَالَ ‏ ‏يُونُسُ ‏ ‏وَمَعْمَرٌ ‏ ‏بَوَادِرُهُ )) [مشكاة المصابيح، وشرح الباري في تفسير صحيح البخاري]
هذه الأخبار والأحاديث كالتي وردت في الأعلى، بالإضافة إلى التصريحات المتكرّرة والعديدة الواردة في القرآن نفسه، تشكّل أساس المعتقد المحمدي بأنّ القرآن هو كلام الله المنزّل والمعصوم الذي أوحي إلى محمد بطريقة عجائبية، عن طريق الملاك جبريل. لقد قيل أنّ القرآن كان موجوداً في السماء العليا ومنذ الأزل، مكتوب على "اللوح المحفوظ"، وموضوع بالقرب من عرش الله، ثمّ أُنًْزِلَ إلى السماء الدنيا في شهر رمضان، حيث أوحي إلى محمد بشكل تدريجي وعلى فترة زمنية تتخطى 23 عاماً. القرآن مليء بآيات تؤكّد على مصدره الإلهي هذا، كما أنّ هناك الكثير من الآيات التي تصبّ اللعنات على رؤوس أولئك الذين ينكرون هذا الزعم. لقد نقل لنا البخاري وكثيرون غيره العديد من الأخبار والأحاديث، التي لا يتسع لها الوقت ولا المكان هنا، المتعلّقة بالطريقة والمناسبة التي نزلت فيها هذه الآيات "الموحاة"، في حين أنّ كتّاباً أكثر حداثةً، كجلال الدين السيوطي، قد رتّبوا ونظّموا الأنماط المختلفة لهذا الوحي الإلهي حسب فئات مثل: الوحي المنزّل عن طريق الملاك جبريل، أو عن طريق صبّه في قلب النبي، الأحلام، أو التواصل المباشر مع الله وهلمّ جرا. ونحن هنا لسنا معنيون بكل هذه التفاصيل [من أجل الاطلاع أكثر على أخبار وتراث جمع الأحاديث وقيمة هذه المجاميع، انظر"Faith of Islam" (3rd ed Madras, 1907) pp. 93-101.] ومن أجل أهمية هذا البحث علينا الاكتفاء بإعلان حقيقة واضحة وصارخة وهي أنّ القرآن مقدّس للغاية عند المسلمين، وهناك حوالي 200،000،000 إنسان يؤمنون بقدسيته وأنه كلام الله نفسه [طبعاً هذا التخمين في زمن الكاتب، أمّا الآن فقد تجاوز عدد المسلمين المليار]، موجودٌ في السماء العليا منذ الأزل، وأنزل في النهاية إلى عالمنا الأرضي هذا عن طريق نبيه المصطفى محمد.
الهدف من هذا الكتيّب هو أن نمعن النظر في هذه المزاعم الخرقاء، ونتأكّد ما إذا كان من الممكن النظر إلى مضمون القرآن ومحتواه بعيداً عن نظرية الوحي الإلهي هذه. بالنسبة للقارئ المسلم، الذي ينفر عقله من مجرّد اقتراح إخضاع القرآن للدراسة النقدية، فإننا نحيله إلى كلمة السير سعيد أحمد في معرض تعليقه على الكتاب المقدس [التفسير الإسلامي للكتاب المقدس، الجزء الثاني، ص335]، إذ يقول هذا الباحث الإسلامي ((لا يمكنني بأي شكل من الأشكال الاقتناع بالفكرة الخرافية بأنّ الكتاب المقدّس، وجميع الكتب المقدسة بشكلٍ عام، وحتى كتاب القرآن الكريم، لا يجب أن تخضع للفحص الدقيق والصارم، أيمكن لأي إنسانٍ عاقل أن يتصوّر أنّ الله قد منحنا هذه الهبة الإلهية، هبة العقل، لكي نقف مكتوفي الأيدي ونمتنع عن استخدامه؟ هل يمكننا أن نعلن بضمير وإخلاص أننا مسيحيون أو محمديون دون أن نعطي أي سبب لإيماننا، أو دون ممارسة ملكة الفكر لدينا إلى أقصى حد ممكن من قدرتنا في دراستنا وتدقيقنا في ذلك الكم من الكتابات والآيات الثمينة التي قدّمت لنا كأساس ومرشد لإيماننا؟... على العكس من ذلك فأنا أريد توطيد الرغبة في دراسة تلك الكتابات المقدسة بإنصاف، وبحرية كاملة ومحترمة بعيدة عن الوقاحة))
علّ القارئ المسلم لهذا الكتاب، يتذكّر الطبيعة الأزلية والجليلة لهذا الموضوع، ويسعى _في ظلّ تصريح السير سعيد أحمد_ للبحث بحرية موضوعية ومطلقة في الكتاب الذي يقوم عليه إيمانه. بالنسبة لنا نحن نعتقد _وسنعمل على إثبات_ بأنّ القرآن ليس أكثر من مجرّد مجموعة متفاوتة وغير متجانسة من المذاهب والمعتقدات والقصص والأساطير التي كانت موجودة مسبقاً في شبه الجزيرة العربية في زمن محمد، والتي استعارها وعدّل بها وكيّفها، وتمّ تقديمها بعد ذلك بوصفها وحياً مباشراً من الله. وقد أضيف إلى هذه القصص والأساطير عدداً من الشرائع والوصايا العملية، السلبية منها والإيجابية، والتي سُمّيَت لاحقاً حسب ضرورات ومقتضيات تلك الفترة. وبموجب هذه الخطّة سأقترح أن نناقش الأمور التالية وبالترتيب المقترح هنا: 1) تلك الأقسام من القرآن التي استعارها محمد وتبنّاها من الديانات الوثنية التي كانت منتشرة في زمنه، 2) تلك الأجزاء ذات الأصل والمنشأ اليهودي، بقسميه التوراتي والتلمودي، 3) والأجزاء التي تعلّمها محمد من معاصريه من المسيحيين، 4) وأخيراً، الأجزاء من القرآن التي "نزلت" حسب ظروف معينة وخاصة في لحظتها، والتي تمّت صياغتها لدعم وتعزيز أفعال معينة للنبي.





:: توقيعي ::: ( ذهبت إلى الغار .. غار حراء .. غار محمد وإلهه وملاكه .. إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس ، ذهبت إليه استجابة للأوامر .
دخلت الغار ، دخلته .. صدمت .. ذهلت .. فجعت .. خجلت ، خجلت من نفسي وقومي وديني وتاريخي وإلهي ونبيي ومن قراءاتي ومحفوظاتي ..!
أهذ هو الغار.. غار حراء .. هو الذي لجأ واختبأ فيه الإله كل التاريخ !
  رد مع اقتباس
قديم 06-09-2014, 02:24 PM ترنيمه غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
ترنيمه
عضو برونزي
الصورة الرمزية ترنيمه
 

ترنيمه is on a distinguished road
افتراضي


@ الفصل الأول : {معتقدات الوثنيين وطقوسهم المُدْمَجْة في القرآن}
~~~~~~~~~
قد يقال أنّ الإسلام هو أكثر دين انتقائي موجود بالعالم. ومن المؤكّد أنّ مؤسسه، محمد، قد استفاد كثيراً من المواد المختلفة التي كانت في متناوله في ذلك الوقت.
يفترض عادةً أنّ محمد كان هو أول من جلب التوحيد لشعبه وعرّفهم على الإله الواحد. ويبدو وهو يزعم بلسانه أنّ هذه الحقيقة قد أو حيت إليه مباشرةً من الله. لذلك نقرأ في سورة الأنعام آية 106: {اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو}.
لكن بعيداً عن حقيقة أنه كان هناك العديد من المجتمعات اليهودية والمسيحية في شبه الجزيرة العربية التي كان يمكن لمحمد أن يتعلّم منها التوحيد في زمنه، فنظرة قريبة ومدققة في التاريخ العربي كافية بأن تبيّن حقيقة أنّ الله الواحد كان معروفاً جيداً ومعبوداً من قبل العرب قبل ولادة محمد بزمنٍ طويل جداً. في الأدب الجاهلي/ماقبل الإسلامي كان اسم "إله" يستخدم لأي إله، لكنّ اسم "الإله" الذي ارتبط بالله أو إله المسلمين، فكان يطلق على كبير الآلهة ورئيسهم. وقد أورد كلٌ من الشاعرين الوثنيين النابغة ولَبيد اسم "الله" بشكلٍ متكرر في سياق حديثه ما عن كبير الآلهة أو الإله العظيم، وقد استخدمت الكلمة أيضاً في ذلك السياق في معلّقتيهما، في حين أنّ ابن هشام يخبرنا بأنّ قريشاً، وأثناء تأديتها مراسم الإهلال، كانوا يرفعون الصوت:((لبّيك اللهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والمُلْك)) [وتسمّى عادةً بالتلبية]، بل علينا أن نتذكّر أيضاً أنّ الكعبة كانت تسمى، وقبل ولادة محمد بقرون عديدة، ببيت الله، كما أنّ اسم والد محمد نفسه "عبد الله" يثبت إلى أي مدى كانت كلمة "الله" مستخدمة في تلك الأيام [انظر: "Zwemer s "Moslem Doctrine of God]. ويقرّ السير سعيد أحمد في عمله حول العرب ما قبل الإسلام بوجود فِرَق ومذاهب توحيدية بين العرب قبل زمن محمد. فهو يقول: ((كانت هناك فئتين من العرب الموحّدين في زمن الجاهلية. أمّا أفراد الفئة الثانية فكانوا يعبدون الإله الحقيقي الواحد، ويؤمنون بالحساب ويوم القيامة وخلود الروح وثوابها وعقابها حسب أعمالها خلال تواجدها في الجسد. لكنهم لم يؤمنوا لا بالأنبياء ولا بالوحي)). ثم يقول في موضعٍ آخر ((كانت هناك أربع مذاهب أو فِرَق توحيدية بين العرب قبل الإسلام آمنت بالوحي وكانت منتشرة على نطاق واسع في تلك الفترة، وبالأخص الصابئة، الأحناف، اليهود والمسيحيين [Syed Ahmad, "Maroam al-Arab qabl al-Islam," pp.222, 223]، وبإمكان القارئ الآن ملاحظة أنّ مفهوم الإله الأكبر أو الزعيم كان معروفاّ "بالله"، وكان مألوفاً جداً بالنسبة لمعاصري محمد، وبالنسبة لمحمد نفسه من دون أدنى شك، فتبنّى هذا المفهوم كأساس لنظامه العقائدي، وقدّمه على أنه وحي منزّل عليه من السماء. لذلك لا نستغرب كثيراً عندما نقرأ أنّ العرب فآلت عنه أنه يعيد عليهم رواية "قصص الأولين" [سورة الفرقان، 6]، أو عندما حاول محمد إقناعهم بالإيمان بوحيه كان عليهم أن يقولوا: {أم يقولون تقوَّلَه بل لا يؤمنون} [سورة الطور، 33]
الفترة الزمنية التي تسبق ظهور محمد مباشرةً شهدت ظهور فرقة لاهوتية موحّدة كانت تسمى بالأحناف، وهي عبارة عن مجموعة من المصلحين الأتقياء الذين رفضوا وثنية أقوامهم وعبادتهم للأصنام، دافعوا عن عبادة الإله الواحد الحقيقي. من أهم الرواد والشخصيات المحورية في هذه الفرقة كان ورقة بن نوفل، عبيد الله، ابن جحش، عثمان ابن الحويرث، وزيد ابن عَمْرو [ابن نفيل]. وهناك أخبار تاريخية تخبرنا كيف أنّ زيداً قد تبنّى هذا المصطلح "حنيف" كإشارة إلى المسيحيين واليهود الذين حاولوا إقناعه للتحنّف واعتناق الحنيفية. كان زيد غارقاً في ديانته الوثنية إلى حد الإشباع، ولم يقدر على تقبّل لا المسيحية ولا اليهودية فقال: ((ما معنى الحنيفية؟))، فأخبروه اليهود والمسيحيون بأنها كانت مِلّة إبراهيم الذي لم يعبد سوى إلهٍ واحد. فأجابهم بأن أقسم وأشهد على نفسه بألا يتبع إلا ملّة إبراهيم.
يورد ابن هشام أحد كبار المؤرخين لسيرة محمد وأكثرهم موثوقية في كتابه "سيرة رسول الله" [ج1، ص76-77] رواية مثيرة عن الأحناف، حيث أنه يخبرنا مايلي: ((فأمّا ورقة بن نوفل فاستحكم في النصرانية واتبع الكتب من أهلها حتى عَلِمَ علماً من أهل الكتاب)). وقد يخبرنا المسلمون المطّلعون أكثر من ذلك، بأنّ ورقة هذا كان ابن عم خديجة زوجة محمد، وأنه قد ترجم الإنجيل إلى اللغة العربية. ومن خلال هذه الحقائق المثيرة بإمكاننا استنتاج نتيجة أو نتيجتين في غاية الأهمية. النتيجة الأولى هي أنّ محمداً كان قد التقى ورقة عدة مرات أو أنه كان يلتقي به ويتعامل معه بشكل متكرّر، أما النتيجة الثانية فهي أنّه كان من السهل جداً الاطلاع على موضوع وحدة الإله من خلال التفاعل مع هؤلاء الحنفاء [لدراسة نقدية أكثر تفصيلا حول علاقة محمد بالحنفاء راجع: Sell s "Essays in Islam," pp. 241-50 وأيضاً Kuenen s "Hibbert Lectures," for 1882, p. 21]. لكن يمكننا أن نكون متأكّدين من أمر واحد على الأقل: أنّ محمداً كان مديناً لهم جداً لما أخذه من أفكارهم ومعتقداتهم اللاهوتية، لدرجة أنه عندما بدأ بدعوته، كان قد تبنّى الكلمة ذاتها بوصفها وصفاً أساسياً في نقاشاته، ومرةً بعد أخرى، أكّد أنّ قد أرسِل لتبليغ ديانة إبراهيم، الذي قدّمه بصفته حنيفاً. ونكتفي هنا بإيراد آيتين [انظر أيضاً سورة الحج: 77، سورة النحل: 124، سورة البقرة: 129، وسورة النساء: 124] من سورة الأنعام 162، حيث يقول النبي:{قل إني هداني ربي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينا قيماً مِلّة إبراهيم حنيفاً}
وفي سورة آلِ عمران 89 نقرأ مرةً ثانية {فاتبعوا ملّة إبراهيم حنيفاً}
لا يقتصر الأمر بأنّ فكرة الإله الواحد كانت معروفة ومنتشرة على نطاق واسع بين معاصري محمد، بل إنّها حقيقة غير قابلة لدحض والتفنيد بأنّ أغلب الطقوس والشعائر المرتبطة بحجّ محمد _والتي زعم بأنها قد أنزلت إليه عن طريق الوحي_ أيضاً كانت موجودة قبل عهده بزمنٍ بعيد، وكانت تؤدّى بشكل متكرر من قبل العرب الوثنيين. ويقرّ المؤرّخ الإسلامي الشهير أبو الفداء بهذه الحقائق. حيث أننا نقرأ في تاريخه الكبير [Hist. Ante-Islamica (ed. Fleischer), p.180.] ((كانوا [عرب ما قبل الإسلام] يؤدّون فريضة الحج إلى الكعبة، حيث كانوا يؤدون مناسك العمرة والإحرام، كما أنهم كانوا يؤدون الطواف [حول الكعبة]، والجري بين جبليّ الصفا والمروة، ورمي الحجارة، وفي نهاية كل ثلاث سنوات يقضون شهراً في عزلة متزهّدة... كما أنهم أجروا عمليات الختان، وقاموا بقطع اليد اليمنى للسارقين)). هذه الشهادة من أبو الفضل لا تترك أي مجال للشك بأنّ جميع هذه الشعائر والممارسات، بالإضافة إلى العديد من الطقوس الشعائرية التي ذكرها، كانت موجودة قبل عهد محمد، وقد استعارها بكل بساطة ودمجها في منظومته العقائدية الجديدة على أنها وحي مباشر من عند الله. وحتى أتباعه المقرّبون وجدوا صعوبة في التوفيق بين الإبقاء على هذه الشعائر والممارسات الوثنية وبين النظام اللاهوتي التوحيدي، وهناك حديث نقله لنا المؤرخون المسلمون ورد فيه أنّ ((عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد قبّل الحجر الأسود، ثم قال: أم والله لقد علمت أنك حجر ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّلك ما قبّلتك)).
لكنّ محمداً لم يقصر حجّه على العرب. فرحلاته إلى سوريا وأماكن مختلفة ساعدته على الاحتكاك مع العديد من الفرس وآخرون من شعوب أخرى، حيث تبنّى العديد من أفكارهم ومفاهيمهم الدينية المتعلقة بالجنة والنار، الثواب والعقاب، التي ظهرت طلائعها، ثمّ تعدّلت وتكيّفت باللهجة العربية الصافية لقبيلة قريش كجزء من الوحي المنزّل إليه عن طريق الملاك جبريل. يورد ابن هشام، واضع السيرة النبوية لمحمد، واحداً من هؤلاء وبالاسم: سلمان [الفارسي]، الذي أصبح فيما بعد مشهوراً بوصفه أحد صحابة النبي المقرّبين. في شبه الجزيرة العربية، كان محمد لديه الكثير من الفرص لتعلّم حكايات وأساطير الفرس ويتعرّف عليها، إذ أنّ الفرس قد مارسوا تأثيرهم في تلك الأرض منذ زمنٍ بعيد. في زمن ما سابق على عهد محمد حكمت سلالة من الحكام الفرس منطقة الحيرة، "العراق واليمن". ويذكر المؤرخ العربي أو الفداء ثمانية أمراء فرس قاموا بحكم اليمن. والأثر الذي تركه الغزاة المثقفون على العرب لم يكن ضئيلاً، بل على العكس، هناك دليل دامغ في التاريخ العربي يثبت أنّ الأساطير والأشعار التي قالها الفردس معروفةٌ جيداً بين العرب. وهناك مثال مثير يمكن العثور عليه في كتاب ابن هشام. يخبرنا الكاتب أنه خلال الأيام الأولى للإسلام لم تكن القصص والروايات الفارسية هي الوحيدة الموجودة في المدينة، لكنّ قريشاً كانت تتميّز عبادتها في مقارنة رواياتها وقصصها مع تلك الموجودة في القرآن. ويخبرنا ابن هشام عن أحد هؤلاء القرشيين، وهو النضر بن الحارث، عندما وقف أمام قريش وقصّ عليهم قصصاً وروايات عن ملوك الفرس، ثم تابع قائلاً: ((والله ما محمد بأحسن حديثاً مني وما حديثه إلا أساطير الأولين كتبه كما أكتبه))، مؤلف كتاب "روضة الأحباب" كان أكثر نزاهةً وصراحةً حتى، إذ أنه يخبرنا أنّه كان من عادة النبي التحدث مع أفراد كل أمة من زواره بألسنتهم، ومن هنا جاء إدخال بعض الكلمات الفارسية إلى اللغة العربية)).
هذا الاعتراف الخطير والفاضح يقدّم لنا مفتاحاً لفهم المزيد عن القرآن الذي في حالة أخرى سيكون مبهماً ومستعصياً على الفهم، إذ من الواضح أنه يقدّم لنا إشارة على مصدر العديد من الكلمات والمفاهيم الفارسية التي يمكن إيجادها فيه. أي مقارنة بسيطة ما بين الكوزموليا الزرادشتية وبين القصص والأساطير عن الجنة والنار، الموت والحساب، التي تزخرف الآن صفحات القرآن، لن تترك أي مجال للشك أنّ محمداً قد تعلمها من الفرس الذين تعامل معهم واحتكّ بهم، ثم قدّمها للعرب الجهلة بلغته الخاصة بوصفها وحيٌ من عند الله.
المفاهيم التي تمّت استعارتها من الزرادشتية يمكن إرجاعها بشكلٍ عام إلى وجود الكلمات الفارسية في الروايات والقصص التي تحتويها، إذ من المنطقي جداً أن نتوصّل إلى النتيجة التالية بأنه إذا كانت الكلمة المستخدمة لوصف أي مفهوم ديني مجهول وغير معروف حتى اللحظة على أنه فارسي المصدر، عنئذٍ يكون المفهوم نفسه مشتقاً من ذلك المصدر. والآن، إنها لحقيقة مثيرة أن نجد أنّ الكتاب الذي لطالما وصفه محمد بأنه "قرآن عربي مبين" [أو نزل بلسان عربي مبين]، هو في الحقيقة كتاب مليء بالكلمات الأجنبية والغريبة التي تجسّد المفاهيم التي الموجودة في ذات المنظومات العقائدية التي أُخِذَت منها تلك الكلمات. والاستنتاج واضح هنا جداً بأنّ المفاهيم ذاتها كانت مستعارة أيضاً.
ونتابع الآن لنقدّم لكم مثالين أو ثلاثة أمثلة على سبيل البرهان.
كل مسلم يعرف قصّة ليلة المعراج التي عرج فيها محمد إلى السماء. إلا أنّ القرآن يشير بطريقة مختصرة جداً ومقتضبة لهذه الليلة العجيبة، حيث أننا نقرأ في سورة بني إسرائيل [الإسراء]: {سبحان الذي أسرى من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا}
وهناك إشارة أخرى في الآية رقم 60 من نفس السورة تصف نفس الحدث، حيث نقرأ {وما جعلنا الرؤية التي أريناك إلا فتنةً للناس}. هذا التصريح الأخير...، فالمفسّرون المحمديون وكتبة الأحاديث مسرورين ليرسموا بوضوح وتفصيل رحلة ليلية-جسدية إلى السماء على ظهر بغل طائر، ليس إلى المسجد الأقصى فحسب، بل إلى السماء، حيث عرج النبي من قصة إلى أخرى، حتى وصل إلى حضرة الله وتعلّم منه العديد من أسرار السماء.
لابد أنّ محمداً قد استقى هذه القصة من الفارسيين، إذ أننا نجد في أسطورة "أرتا فيراف نامك" التي كتبت قبل محمد بأربعمائة عام قصة مماثلة، متشابهة في العديد من التفاصيل والأفكار، نقرأ عن كاهن مجوسي شاب يعيش حياةً تقية وزاهدة، يصعد إلى السماء بإرشادٍ من ملاك مرافق له، وبعد أن يعبر جميع طبقات السماء يصل إلى حضرة الإله ويشاهد جميع متع ومباهج السماء، يعود إلى الأرض ليخبر الزرادشتيين عمّا رآها هناك في الأعلى [Chapter vii. §§ 1-4, quoted in Tisdall s "Sources of the Qur an," p. 227 et seq].
قصص القرآن ورواياته عن الحور العين/ حوريات الفردوس مأخوذة أيضاً من الفارسيين. كل قارئ للقرآن على اطلاعٍ بالصور الحسية للفردوس القرآني، وبالحور العين ذوات العيون السود الممدّدات على الأرائك، ينتظرن عناق المؤمنين الأتقياء. ونختار صورة من بن العديد من الصور الحسية من سورة الرحمن 46_76: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ @ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ @ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ @ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ @ فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ @ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ @ فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ @ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ @ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ-;- فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ۚ-;- وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ @ فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبانِ @ فيهنّ قاصراتُ الطّرفِ لم يطمِثهُنّ إنسٌ من قبلهم ولا جان @ فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبان @ كأنّهنّ الياقوت والمرجان @ فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبان @ هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان @ فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبان @ ومن دونهما جنّتان @ فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبان @ مُدهامّتانِ @ فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبان @ فيهما عينان نضّاختان @ فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبان @ فيهما فاكهةّ ونخلٌ ورمّان @ فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبان @ فيهنّ خيراتٌ حِسانٌ @فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبان @ حورٌ مقصراتٌ في الخيام @ فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبان @ لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جان @ فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبان @ متّكئين على رَفرَفٍ خُضرٍ وعبقريٌّ حسان}
لقد بيّن العديد من الكتّاب والباحثين أنّ هذه القصص عن الحوريات مشتقّةً من الأساطير الفارسية القديمة عن الأرواح الأنثوية النقية والجميلة التي تسكن الفردوس والتي تأسر قلوب الرجال. هذه الأرواح الجميلة التي كانت تسمّى "بيراكات"، لابد أنّ محمد قد سمع بها عن طريق الأغاني الفارسية أو القصص والروايات، حتى أنّ كلمة "حُور" بالذات، التي وردت في القرآن، هي ذات أصل فارسي، وهي مشتقّة من اللفظة الفهلوية "حُور" والتي تعني "الضوء"، وذلك كافٍ لأن يدلّنا مصدر القصّة بكاملها [لمناقشة مفصّلة ومتعمقة أكثر حول اشتقاق هذه الكلمة، انظر Tisdall s "Religion of the Crescent," p. 171].
ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الخرافات القرآنية المتعلقة "بالجن" أو "الأرواح الشريرة"، إذ أنّ أصلها الفارسي _وأنها مشتقة من اللفظة الأفستية "جاينا"_ يوضّح لنا أنّ هذا المفهوم مشتقٌ أيضاً من الفرس الذين تحتوي كتبهم على قصص وأساطير مماثلة.
هناك العديد من التماثلات المشابهة يمكن الإشارات إليها بين الميثولوجيا الزرادشتية وقصص القرآن، لكن قد سبق وكُتِبَ الكثير لإثبات أنّ المصادر التي استمدّ منها القرآن مفاهيمه وتعلّم محمد رواياته كانت الفرس الذين التقاهم واحتكّ بهم. فكلمة "فِرْدَوْس" نفسها المستخدمة في مواضع عديدة في القرآن، هي ذات أصل فارسي، على غرار بعض الكلمات الأخرى التي استخدمها محمد ليصف مفاهيم استعارها من الفرس. ويقدّم لنا المؤرّخ الإسلامي أو الفداء بعض النقاط والمفاهيم المحدّدة عن طائفة معينة، مذكورة أكثر من مرة في القرآن، معروفة باسم "الصابئة" ["Hist. Ante-Islamica" (ed. Fleisher), p. 148, quoted in Tisdall s "Religion of the Crescent," p. 143.]. فهو يخبرنا أنهم _من بين أشياء أخرى_ كانت لديهم سبع صلوات في اليوم. خمسة من هذه الصلوات تتطابق تماماً مع صلوات المسلمين الخمس، وكما يتّضح من إشارات محمد العديدة إلى الصابئة بأنه كان على اتصال قريب معهم، وعلى الأرجح أنّ النبي قد أخذ عنهم هذه الطقوس التي باتت سائدة الآن في العالم الإسلامي.
الحقائق المذكورة في الأعلى معروفة بشكلٍ جيد وعلى نطاقٍ واسع، حيث أنّ الفقهاء المحمديون لا يواجهون أيّة مشكلة في الاعتراف بتأثير الفكر المعاصر لمحمد على أساس القرآن وتكوينه. ويقرّ السير سعيد أحمد قائلاً: (( لا شكّ أنّه في سور الفترة المتوسّطة، وقبل أن يكون عقل المعلّم قد وصل إلى مرحلة تطور وعيه الديني الكامل، وعندما كان من الضروري تشكيل لغة واضحة وجليّة للعوام من سكان الصحراء، جذبت الأوصاف الواقعية للجنة والنار، المستعارة من الفنتازيا الميثولوجية للزرادشتيين والصابئة اليهود التلموديين، اهتمام هؤلاء البدو، وأصبحت لاحقاً الأساس والجوهر الفعلي لدينهم _عبادة الله في الإنسانية والمحبة. فالحوريات هي مخلوقات ذات أصل زرادشتي، وكذلك الجنة "الفِرْدَوس" بالفارسية، أمّا الجحيم، حيث العذاب الأبدي، فهو تلمودي المصدر)) ["Spirit of Islam" (ed. Calcutta, 1902), pp. 235-6.]
لكن إذا كانت الحقيقة كما مرّ معنا في الأعلى، فلنا أن نتساءل: كيف يمكن قبول القرآن بأنّه كلام الله، الموجود منذ الأزل والمنزّل على محمد عن طريق الملاك جبريل؟ وقد تمّ إثبات عكس ذلك بأنّ النبي محمد قد استعار الكثير من الأفكار والمفاهيم والمعتقدات عن الحنفاء، الصابئين، الزرادشتيين، وغيرهم أيضاً. ونحن نفترض أيضاً أنّ باقي محتويات القرآن مستعارة أيضاً. وهذا ما سنتابع إثباته في الفصول التالية.
##########



:: توقيعي ::: ( ذهبت إلى الغار .. غار حراء .. غار محمد وإلهه وملاكه .. إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس ، ذهبت إليه استجابة للأوامر .
دخلت الغار ، دخلته .. صدمت .. ذهلت .. فجعت .. خجلت ، خجلت من نفسي وقومي وديني وتاريخي وإلهي ونبيي ومن قراءاتي ومحفوظاتي ..!
أهذ هو الغار.. غار حراء .. هو الذي لجأ واختبأ فيه الإله كل التاريخ !
  رد مع اقتباس
قديم 06-09-2014, 02:26 PM ترنيمه غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [3]
ترنيمه
عضو برونزي
الصورة الرمزية ترنيمه
 

ترنيمه is on a distinguished road
افتراضي



@ الفصل الثاني: {المعتقدات والطقوس اليهودية المُدمَجَة في القرآن}
~~~~~~~~~~
في حين أنّ دراسة متعمّقة للقرآن تبيّن بما لا يدع أي مجال للشك أنّ محمداً قد استعار الكثير من الأفكار والمفاهيم من معاصريه من الوثنيين العرب، كما أنه أدخل في منظومته العقائدية الكثير من المفاهيم والمعتقدات المسيحية، إلا أنّ بحث مستفيض في مصادر القرآن يكشف حقيقة أنّ الإسلام _بشكل رئيسي_ يعتبر أكثر من مجرّد يهودية تلمودية، إضافةً إلى التأكيد بنبوّة محمد ورسالته. ونتقدّم هنا في هذا الفصل لإثبات حقيقة هذا التأكيد.
يمكن القول أنّ محمداً كانت أمامه فرصة سانحة للالتقاء باليهود والتفاعل معهم، هؤلاء الذين كان من الممكن أن يتعلّم منهم القصص والأساطير الموجودة عندهم والمتعلّقة بالآباء والبطاركة الأوائل وكثيرون غيرهم [راجع كتاب غايغر: اليهودية والإسلام 1833، ص27((Was hat Muhammad aus dem Judenthume aufgenommen))]. وأي مقارنة لهذه القصص والروايات كما وردت في القرآن مع التحويرات التلمودية التواريخ الكتابية سيبيّن أنّ يهود مكة والمدينة قد لقّنوا أساطيرهم وقصصهم لمحمد، الذي بدوره أعاد قصّها وروايتها للعرب الجهلة على أنها "وحي" من عند الله. وعلينا أن نذكّر بأنّ التلمود كان قد اكتمل جمعه قبل قرنٍ من عهد محمد، ولابد أنه قد ترك تأثيره على المذهب الديني لجميع اليهود في شبه الجزيرة العربيّة. حيث يتحدّث محمد في آية من القرآن عن شخص يهودي شهد على مهمته، وإذا كان نقرأ في أغلب هذه الآيات عن جدالاته ومناظراته معهم،يبدو من الواضح أنه، في موضع واحد على الأقل، تربطه معهم علاقة صداقة حميمية. لذا بات من السهل فهم من أين أخذ محمد رواياته وأساطيره اليهودية، حيث استمع لها، ثم تبناها وصاغها لتناسب الأذن العربية. لاشكّ أنّ محمداً كان معروفاً عنه مساءلته اليهود في كل ما يتعلق بدينهم، وقد نقل لنا رواة الحديث وناقلو الأخبار من المسلمين حديثاً عن ذلك الأثر:
((قال ابن عباس فلما سألها النبي صلعم عن شيء من أهل الكتاب فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا........ ))
والأهم من ذلك ما زالت حقيقة أنّ محمد قد استثنى نفسه من هذه الاستعارة لهذه المواد من أجل قصصه ورواياته، من خلال التظاهر بأنه قد تلقى وحياً من الله يأمره بفعل ذلك. حيث أننا نقرأ في سورة يونس ما يلي: {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ} [سورة يونس 10: 94]
ويخبرنا المؤرخ الطبري بأنّ خديجة (أول زوجة من زوجات النبي) كانت قد قرأت الكتب المقدسة السابقة واطلعت عليها (كتب الأولين)، وكانت تعرف قصص الأنبياء الأوائل. والآن بتنا نعرف أنّ محمداً عاش مع خديجة حوالي خمسة عشر عاماً قبل أن يعلن عن نبوته. وعلينا أن نتذكّر جيداً أنه وخلال تلك الفترة كلها كانت على صلة قريبة واحتكاك مباشر من القس ورقة بن نوفل، الذي كان بدوره متحنّفاً ومسيحياً في آنٍ معا، كما أنه قد عمل على ترجمة الكتاب المقدس المسيحي إلى اللغة العربية، لذا لم تعد هناك صعوبة كبيرة في استنتاج من أين حصّل محمد معرفته بالقصص والروايات الرابانية اليهودية.
والآن سأورد أمثلة عن الكيفية التي استقى محمد بها القصص من التاريخ اليهودي التي كانت شائعة ومنتشرة جداً بين معاصريه، لكن قبل أن أقوم بذلك، سيكون من الضروري جداً توضيح الصورة من خلال التنويه إلى وضع الفكر والثقافة اليهودية في شبه الجزيرة العربية في زمن محمد. كان اليهود، وخصوصاً في الأماكن والمناطق المجاورة للمدينة، كثيرون جداً، كما أنهم كانوا يمتلكون الكثير من السلطة، لكنّ دراسة العهد القديم وكانت قد ترافقت معها بدراسة التلمود اليهودي. والكتاب الأخير كان عبارة عن تجميع غير منظّم وعشوائي للتأملات الرابانية، تفسيرات، تعليقات، وأحاديث تراثية متعلقة بالكتاب المقدس اليهودي. كانت هذه الموسوعة الكبيرة من الشرائع والأحاديث اليهودية بمثابة سجلّ لأفكار ومعتقدات الشعب اليهودي على مدى آلاف السنوات، وكانت تحتوي المعتقدات العامة والتراث الشفهي لشعب عريق وقديم موجود منذ آلاف السنين. لكنها كانت بمثابة "فوضى أدبية" من دون أي تنظيم، وغير مؤرّخة، ومليئة بالخيالات الصبيانية والقصص الطفولية. وكان ذلك هو أساس الفكر اليهودي في زمن محمد، كما أنّ قصص التلمود ورواياته المنحولة تطرب عقول وآذان الجمهور اليهودي، وتمهّد الأرض لتدريسها وتعليمها في المدارس الدينية اليهودية [المدراس]. من هنا لم يكن التوراة هو الكتاب الذي أخذ منه محمد معلوماته وقصصه، وإنّما كان التلمود، وقد استطاع محمد الوصول إلى تلك المعلومات عن طريق تفاعله مع اليهود، وسنتابع مناقشة قصص وروايات البطاركة والآباء والتفاصيل الأخرى الواردة في القرآن والمتوافقة مع أساطير الهاغادا أكثر من الكتاب المقدس.
في سورة المائدة هناك قصة مثيرة حول قايين وهابيل. وفي الآية رقم 34 ترد حادثة قتل قايين لهابيل، وبعد أن قتل الأخ أخاه تقول الآية {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} [سورة المائدة 31] وكل دارس للتوراة يعرف أنّ هذه القصة غير موجودة في الرواية التي وردت في كتاب موسى، لكن ليس هناك أدنى شكّ أننا نعرف من أين استقى محمد هذه الأسطورة، فهناك كتاب رابّاني يسمى "ترجوم يوناثان" لفرقي رابّي أليعازر، الفصل 21، ورد فيه ما يلي ((جلس آدم وزوجته يبكيان وينوحان عليه [هابيل]، ولم يعرفا ما الذي سيفعلان به، فالدين لم يكن معروفاً لهما. ثم جاء غراب، مات صاحبه، فأخذ جسده، وحفر في الأرض، ووضعه في الحفرة أمام أعينهما. ثم قال آدم، عليّ أن أفعل مثلما فعل الغراب، فأخذ على الفور جثة هابيل، حفر الأرض، ووضع جثته في الحفرة)) [Tisdall, "The Sources of the Qur an," p. 63] ومن خلال مقارنة بين هذين المقطعين يتضح لنا أنّ محمداً قد سمع قصة دفن هابيل من اليهود كما هي واردة في الكتب الرابّانية، واعتقد أنها مستقاة من الكتاب المقدس، فأخذها كذلك وأضاف إليها بعض التعديلات، ثم زعم أنها أوحيت له من عند الله.
القرآن مليء بقصص عن البطريرك الكبير إبراهيم. هذه الأمثلة المتعددة تتناقض وبشكل صارخ مع القصة التوراتية، لكن بمقارنتها مع الأساطير الرابانية لليهود، نجد من دون أدنى شك أنّ محمداً قد تعلّمها من هؤلاء خلال تفاعله القريب معهم. حيث أنه وفي مواضع كثيرة في القرآن نقرأ قصة إبراهيم ورميه في النار من قبل أحد الملوك (وقد أطلق عليه الشرّاح والمفسرون اسم "نمرود") لأنّ إبراهيم رفض عبادة الأصنام. وقد جاء في سورة الأنبياء:، آية رقم 69-70 {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ-;- إِبْرَاهِيمَ... وَنَجَّيْنَاهُ}
والآن إنها لحقيقة مثيرة للفضول والاهتمام عندما نعرف أنّ هذه الأسطورة، والتي لا أساس لها في الكتاب المقدس، موجودة بكلّيتها في كتاب لليهود عنوانه "مدراش رابّا" [Geiger s "Judaism and Islam," p. 96.]. ونقرأ في التوراة أنّ البطريرك إبراهيم قبل دخوله إلى أرض كنعان يسكن في مدينة اسمها "أور الكلدانيين"، لكنّ الله أخرجه منها وأرشده إلى أرض الميعاد. لذلك نقرأ في سفر التكوين، الإصحاح الخامس عشر، مقطع رقم 7 ((أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ)). من الواضح أنّ هذه المدينة لم تكن معروفة للكاتب اليهودي الجاهل الذي كتب المدراش المذكور أعلاه، إذ أنه في معرض تفسيره لهذا المقطع أخذ كلمة "أور"، والتي تعني"نار" أيضاً، بمعناها الحرفي، واعتقد أنّ الله قد أخرج البطريرك إبراهيم من النار. لذلك، ولتفسير هذه الآية، ((أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ))، تمّ تأليف رواية بكاملها عن إبراهيم الذي رماه الملك نمرود في النار، وأخرجه الله منها بطريقة عجائبية. الرواية موجودة بكاملها في مدراش رابّا الذي أشرنا إليه سابقاً، وكانت هذه الأسطورة معروفة على نطاق واسع بين اليهود العرب زمن محمد. وقد ورد فيها: ((والآن وقد حدث ذلك عندما رمى نمرود إبراهيم في أتون من النار، لأنه رفض عبادة الأصنام، وهذا حال بينه وبين النار من أذيته)).
بات القارئ الآن يفهم المصدر الذي جاءت منه هذه القصة كما تبدو في القرآن، فالكاتب الذي من الواضح أنه كان يجهل المعنى الحقيقي لكلمات المفسّر اليهودي التي أشرنا لها سابقاً. وإذا كان هناك ضرورة لأي دليل ذو طبيعة غير تاريخية على الإطلاق لهذه الرواية، فيمكن العثور عليه في حقيقة أنّ النمرود لم يكن معاصراً لإبراهيم بتاتاً، بل سبقه بسنوات عديدة.
هناك رواية قرآنية أخرى ذات أصول يهودية بلا أدنى شك موجودة في سورة طه آية رقم 88 تتحدث عن العجل الذي عبده الإسرائيليون خلال فترة غياب موسى على جبل سيناء. إذ تخبرنا القصة أنّ الناس جلبوا ممتلكاتهم وحليّهم من الذهب والفضة وألقوا بها في النار، {فَكَذَ‌ٰ-;-لِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ}. من المعروف جيداً أنّ التوراة لا تتضمّن أي ذكرٍ للعجل الذهبي ذو الخوار، لكنّ الأساطير الرابّانية غير مرغوبة بالطريقة التي وردت فيها والتي اقتبسها محمد فيها. إذاً نقرأ في كتاب فرقي رابّي أليعازر أنّ ((العجل خار بصخب، وخرج من النار، فرآه بنو إسرائيل)). الرابي يهوذا ينقل لنا رواية أخرى عن رجل اسمه سامائيل خبّأ نفسه داخل العجل وأصدر أصواتاً تشبه صوت خوار العجل من ليضلّل أبناء إسرائيل. مثل هذه القصة كانت شائعة ومنتشرة على نطاق واسع بين يهود شبه الجزيرة العربية في زمن محمد. ليجري القارئ مقارنة بينها وبين الرواية الواردة في القرآن وسيرى بسهولة أنّ محمداً، معتقدا أنّ الرواية التي سمعها على لسان معاصريه من اليهود هي جزء من الكتاب المقدس، فتبنّاها وقدّمها لاحقاً للعرب الجهلاء مدّعياً أنها أوحيت إليه من الله-إلهه.
لسوء الحظ أساء محمد فهم الإشارة للرجل سامائيل، وخلط اسمه بكلمة "السامريين"، الذين اعتقد أنهم كانوا أعداءً لليهود حسب علمه، وهذا ما دفعه للظنّ بأنّ (السامري) [Geiger, "Judaism and Islam", pp. 130-2.] جزء من المشكلة، وبما أنّ السامريين لم يكونوا موجودين كشعب إلا بعد قرون من الحادثة المسجّلة هنا، فلابد أنها تتطلب درجة عالية من الجهل والسذاجة لتصديقها والإيمان بأنّ الرواية القرآنية منزّلة من إله عليم يعرف كل شيء.

في سورة النمل، الآية رقم 44 نقرأ قصة طويلة عن سليمان وملكة سبأ حيث ورد فيها أنّ الملك سليمان قد أرسل رسالة إلى الملكة عن طريق طائر دعاه لهذه المهمة بالذات. وتخبرنا القصة أنّ الملكة بعد أن قرأت الرسالة قرّرت زيارة الملك سليمان. وعندما وصلت للمملكة ووقفت على أعتاب قصر الملك {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ-;- فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ-;- قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ}، ولمّا سمعت ذلك أجابت الملكة كأي إنسان مسلم {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
كل قارئ ومطّلع على الكتاب المقدس يعرف بأنّ كل هذا مجرد خرافة، ولا يمكن أن يكون كلام الله، لكنّ السؤال الوارد هنا فهو يدور حول أصل هذه القصة ومصدرها. نقرأ في ترجوم "كتاب إستير"، وهو كتاب رابّاني مليء بالخرافات والقصص الأسطورية، وبنفس الكلمات غالباً، كامل القصة كما رواها محمد. حيث أننا نقرأ في هذا الترجوم ((كان سليمان يعرف أنها [الملكة] ستأتي، فنهض واستقرّ في قصرٍ من الزجاج، وعندما رأته ملكة سبأ، ظنت أنّ الأرض كانت ماءً، لذا وأثناء عبورها فوقها، قامت برفع فستانها)). والكثير يمكن إيراده من هذا الكتاب، من بينها حادثة الطائر المرسال، لكنني أعتقد أنّ ذلك يكفي لتبيان أنّ القصة الواردة في القرآن ليست سوى قصة رابّانية تعلّمها محمد من اليهود. لندع القارئ يطلع على الرواية الواردة في الكتاب المقدس (سفر الملوك الأول: الإصحاح العاشر) وسيلاحظ مدى الفرق الشاسع بين هذه الرواية وتلك.

رواية خرافية أخرى تعلمها محمد من اليهود وأدخلها في القرآن، وهي قصة رفع الرب للجبل فوق الإسرائيليين ليدخل الرعب في قلوبهم. إذ أننا نقرأ في سورة الأعراف، آية رقم 170 ما يلي: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ}. هذه القصة ليس لها أساس على الإطلاق في الواقع، لكن يمكن العثور عليها في كراسة دينية يهودية تسمى "عابوداه ساره". التوراة لا تذكر شيئاً حول هذا الموضوع، إنما تصرح وبكل بساطة أنّ جميع الناس _عندما كان موسى على الجبل يتلقى الشريعة من الرب_ وقفوا تحت، أو أسفل، عند قاعدة، الجبل. المفسرون اليهود سرعان ما حوّلوا هذه القصة إلى خرافة عم إله يرفع الجبل فوق رؤوس البشر، وفي الرواية الواردة في عابوداه ساره نقرأ عن الله وهو يقول للإسرائيليين ((لقد غطّيتكم بالجبل كجفن العين)). وفي رواية رابّانية آخرى نقرأ أنّ الله قد ((قَلَبَ الجبل المقدس فوقهم كالقدر، وقال لهم: "إذا قبلتم الشريعة، فذلك أمر جيد، أمّا إذا لم تقبلوها، فسيكون هذا المكان قبركم)). هذه الأسطورة، التي كانت شائعة ومنتشرة بين اليهود العرب في شبه الجزيرة العربية، لابد أنها بلغت أذني محمد الذي اعتقد أنها جزء من الرواية التوراتية، سرعان ما أدخلها في قرآنه وسعى لإقناع المسلمين للإيمان بها كجزء من كلام الله، المحفوظ منذ الأزل في اللوح المحفوظ بالقرب من عرشه في السماء، والذي أنزل أخيراً على محمد بواسطة الملاك جبريل.
القصة الواردة في الأعلى لا تساويها في سخافتها وتفاهتها سوى قصة الملائكة الساقطين الموجودة في سورة الحجر، آيتان رقم 16-18، التي تنصّ على أنّ الشياطين تحاول دوماً التنصت والاستماع على كل ما يجري ويقال في السماء، لكنها تُرْجَمُ دوماً بالشهب من قبل الملائكة لطردها، لذلك نقرأ في هذه الآية {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ}
ومرةً أخرى، نقرأ في سورة الملك، آية رقم 5 التالي {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ}. وهذا هو التفسير الذي اعتمده محمد لتفسير ظاهرة الشهب! ففكرته عن الشياطين والعفاريت التي تحاول استراق السمع لكل ما يجري في السماء، ليست فكرة أصيلة، إنما هي صدى لخرافة يهودية وردت في كتاب "الحاجيجا"، حيث جاء فيها أنّ الشياطين ((تسترق السمع من وراء ستار)) لتسرق بعض المعرفة والاطلاع على المستقبل. لسان بحاجة إلى التعليق أكثر حول هذه القصص والروايات الأسطورية. لدي قناعة راسخة أنه لا يوجد إنسان مسلم عاقل يمتلك حد متوسط من الذكاء يقبل بفكرة أنّ هذه القصص والخرافات ذات مصدر إلهي، مجرد وجودها بحد ذاته في القرآن شهادة لا شك فيها على المصدر والأصل الإنساني لهذا الكتاب.
لكن هناك الكثير ليقال عن كم كان محمد مدينٌ لليهود على الأفكار والأساطير التي دمجها لاحقاً في القرآن، لكنّ محدودية هذا الكتاب وحجمه الصغير لا يسمحان لنا سوى بإيراد مثالي آخرين فقط.
بما أنّ كلا من اليهود والصابئة كانوا يشهدون شهر الصيام، لذا من الصعب التقرير من أيٍ من هاتين الفرقتين أخذ محمد هذا المفهوم الذي نصادفه كثيراً في القرآن، لكن فيما يتعلّق بهذا الصيام، هناك قاعدة أو تشريع في القرآن لا شك أنه من أصول يهودية. نقرأ في سورة البقرة، الآية رقم 187 مايلي: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ-;- يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ-;- ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} هذه الطريقة القديمة في تقرير متى ينتهي الليل ويبدأ الصبح لم تكن أصيلة، إنما أخذها محمد عن اليهود الذين تبنوا هذه الممارسات قبل فترة طويلة جداً، حيث أننا مقرأ في مشناه بيراخوث أنّ الإفطار يبدأ ((عن نستطيع تمييز الخيط الأزرق والأبيض)). ومع ذلك يطلب من المسلمين الإيمان بأنّ محمداً لم يكن له أي دور في تأليف القرآن، وأنه نزل بكامله موحى من السماء حيث ظل محفوظاً منذ الأزل في "اللوح المحفوظ". في المقابل، سنتابع الآن إثبات أنّ فكرة النص المنقوش على اللوح المحفوظ نفسها ما هي سوى فكرة منتحلة من اليهود.
نقرأ في سورة البروج، الآية رقم 21 {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ}، هذا اللوح العجيب كثيراً ما جرى الحديث عنه في التراث المحمدي. وهناك عينة من هذه القصص الخيالية والأساطير الخرافية في قصص الأنبياء. إذ قد ذكر أنه ومنذ البداية ((خلق الله جوهرة تحت عرشه، ومن تلك الجوهرة خلق اللوح المحفوظ. كان نوره يمتدّ مسير سبعمائة عام، ولهيبه يمتد مسير ثلاثمائة عام [خلق الله اللوح المحفوظ لمسيرة مائة عامٍ فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق: اكتب علمي في خلقي، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة])) ثم وبعد وصف عملية خلق القلم يتابع الكاتب: ((والله خلق اللوح المحفوظ وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق: اكتب علمي في خلقي، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة)).
هذه الفكرة عن اللوح الذي سجّل الله عليه معرفته من الواضح أنها مماثلة للرواية الواردة في التوراة حيث نقرأ أنّ الرب قال لموسى ((انحت لك لوحين من حجر مثل الاولين واصعد إلى إلى الجبل واصنع لك تابوتا من خشب... فاكتب على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الاولين اللذين كسرتهما و تضعهما في التابوت)) [سفر التثنية، الإصحاح العاشر: 1-2] ومن المهم جداً التنويه بأنّ الكلمة العبرية "لَوخ" استخدمت أثناء الحديث عن هذه الألواح في التوراة وهي الكلمة التي تبناها محمد حين وصفه للوحه الخيالي. لابد أنه قد سمع اليهود يروون قصة اللوحان الحجريان المحفوظان في التابوت، فتبنّى فكرة الكتاب المحفوظ في السماء، وعدّل فيها، متمنيا لكتابه القرآن أن يكون له أصل ومصدر خاص به ومتميز. والحال أنّ النبي قد نسي نفسه، وفي لحظة خاطفة جعل الله يقول {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] مما جعل إيمان المسلمين متزعزعاً بمشهد القرآن، الذي يزعم بأنه قد كُتِبَ منذ بدء الخليقة، وهو يقتبس من كتاب آخر مكتوب قبله بحوالي ألفي عام. أعتقد أنّ أغلب الناس العقلاء سيعتبرون ذلك مجرّد دليلٍ على أنّ القرآن قد وُجِدَ بعد الزبور.
إذا كان لابد لنا من إيراد أدلة أخرى لنبيّن أنّ القرآن يعتمد بشكل كبير على المفاهيم اليهودية التلمودية، فبإمكاننا استنباطها من الكلمات العديد ذات الأصل العبري الموجودة في القرآن، ومن ضمنها الكلمات التالية: تابوت، توراة، عدن، جهنم، سبت، سكينة، طاغوت، فرقان، ماعون، مثاني، وملكوت [Geiger, "Judaism and Islam," pp. 30-45]. أمّا القارئ الفضولي فسيجد في كتاب الدكتور عماد الدين "هداية المسلمين"، ص 276-283 قائمة بحوالي 114 كلمة أجنبية غير عربية واردة في القرآن، مرفقة بمصدرها ومعناها الأصلي.



:: توقيعي ::: ( ذهبت إلى الغار .. غار حراء .. غار محمد وإلهه وملاكه .. إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس ، ذهبت إليه استجابة للأوامر .
دخلت الغار ، دخلته .. صدمت .. ذهلت .. فجعت .. خجلت ، خجلت من نفسي وقومي وديني وتاريخي وإلهي ونبيي ومن قراءاتي ومحفوظاتي ..!
أهذ هو الغار.. غار حراء .. هو الذي لجأ واختبأ فيه الإله كل التاريخ !
  رد مع اقتباس
قديم 06-09-2014, 03:03 PM ترنيمه غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [4]
ترنيمه
عضو برونزي
الصورة الرمزية ترنيمه
 

ترنيمه is on a distinguished road
افتراضي


مصادر القرآن: بحث في مصادر الإسلام، وليم غولدساك، الجزء [3]



@ الفصل الثالث: {المعتقدات والطقوس المسيحية المُدْمَجَة في القرآن}
~~~~~~~~~~
سبق وأشرنا إلى أنّ محمداً كان مديناً للمسيحية بأفكاره لكن بصورة أقل من اليهودية والوثنية العربية ما قبل الإسلامية. ومع ذلك يكشف القرآن عن عدد غير قليل من العلامات حول تأثير الديانة المسيحية وأفكارها وطقوسها وممارساتها. لذلك ورد ذكر يسوع المسيح في القرآن بوصفه نبياً مرسلاً من عند الله، وقد أوحي إليه الإنجيل، والذي بشّر بقدوم محمد. ونستدلّ من الإشارات الكثيرة إلى المسيحيين في القرآن بأنهم كانوا متواجدين بأعداد كبيرة بشبه الجزيرة العربية زمن محمد، ويبدو أنّ محمداً قد خالطهم واتخذ إصدقاء له من بينهم، كما نستدل من النصيحة التالية الوارة في الآية: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى?} [سورة المائدة: 82]

طبعاً محمد كانت لديه جميع الأسباب التي تدفعه لتكريم المسيحيين والإشادة بهم، ففي النهاية لم يجد أتباعه المضطهدين ملجأً آمناً لهم أكثر من مملكة الحبشة المسيحية عندما اشتدّت عليهم يد المعارضة المكية.
كانت هناك الكثير من الفرص السانحة لمحمد لكي يتعرف إلى المسيحية، خلال رحلاته إلى سوريا وضمن الجزيرة العربية ذاتها. وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ ورقة [بن نوفل]، ابن عم خديجة زوجة محمد الأولى، كان مسيحياً وكان مطلعاً بشكلٍ جيد على الكتاب المقدس المسيحي، ولاحقاً، ليسوا قليلين أولئك المسيحيين الذين اتبعوا محمداً وأصبحوا من أتباعه، ومن بينهم ماريا القبطية التي كان من الممكن أن يتعلم منها كل ما يتعلق بالإنجيل وخصوصا الكتابات والقصص الأبوكريفية/المنحولة التي كانت منتشرة وشائعة بين المسيحيين الشرقيين. لذا سيكون من السهل بالنسبة لمحمد أن يأخذ خذه القصص ويحوّرها حسب عربيته الخاصة زاعماً أنها وحي منزّل عليه من السماء. لم يكن لدى معاصري محمد إي شكّ بأنه فعل ذلك، وكثيراً ما كانوا يتهمونه بأنه كان يستعين بأشخاص معروفين جيداً. لذا، وعلى سبيل المثال، نقرأ في سورة النحل، الآيات من 101-103 {قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ... وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ? لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـ?ذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}

يقول البيضاوي في معرض تفسيره لهذه الآية ما يلي: ((جبرا الرومي غلام عامر ابن الخضرمي وقيل جبرا ويسارا، كانا يصنعان السيوف بمكة، ويقرآن التوراة والإنجيل، وكان الرسول صلعم يمرّ عليهما ويسمع ما يقرآنه))
من المهم التنويه هنا إنه رداً على التهمة بأنه كان يستعين بهؤلاء الأشخاص لتأليف القرآن، لم ينكر محمد هذه التهمة. كل ما أمكنه قوله هو أنّ الشخص أو الأشخاص المشار إليهم هنا كانوا غرباء وأجانب، ولذا لم يكن بمقدورهم صياغته بهذه الأناقة والإبداع باللغة العربية. لكننا هنا لسنا معنيين بإثبات أنهم فعلوا ذلك. ما نودّ التأكيد عليه هو أنّ محمداّ تعرف على المفاهيم

الرئيسية والأفكار الرئيسية للروايات الإنجيلية والقصص الأبوكريفية المنحولة من اليهود والمسيحيين الذين احتكّ بهم وتفاعل معهم، ثم ومن خلال عبقريته الشعرية الخاصة، صاغها بالصيغة التي وردت ضمن القرآن. وقد بيّنا سابقاً أنه كانت لديه الكثير من الفرص السانحة لفعل ذلك.
لقد سبق وأشرنا في الفصل السابق أنّ الكتابات والتفسيرات التلمودية للكتاب المقدس _وليست الكتابات المقدسة ذاتها_ هي التي كانت شائعة بين يهود شبه الجزيرة العربية في زمن محمد. ولن يوفّق القارئ بفهم واستيعاب الطبيعة الحقيقية للتأثير الذي تركته المسيحية على محمد، ما لم تُفهَمَ الطبيعة الحقيقية لتلك المسيحية بشكل مناسب. كانت شبه الجزيرة العربية تسمى سابقاً "بأرض الهرطقات" أو "أم الهرطقات". من المؤكّد أنّه منذ أقدم الأزمنة وكانت تلك الأرض بمثابة ملجأ للعديد من الفرق والمذاهب الهرطوقية التي تمّ طردها من الإمبراطورية الرومانية بسبب أفكارها الهرطقية الخطيرة. إنّ المسيحية في شبه الجزيرة العربية في زمن محمد كانت مدفونة تحت كمّ هائل من الخرافات والانحدار. كانت الخرافات وعبادة القديسين والمذاهب المريمية تحتل موقع الدين الحقيقي، بالإضافة إلى كم هائل من الأدب الخرافي الأبوكريفي المنحول كان يحلّ محل الكتاب المقدس. وقد قيل أنّه لو احتكّ محمد مع شكل أكثر نقاء من المسيحية، على الأرجح لما كان هناك دين مزيّف آخر على شبه الجزيرة العربية، ولكان هناك مصلح مسيحي بدلاً من نبي مزيّف. أمّا الذي حدث هو أنّ التعاليم المغالية للمريميين و والفرق الهرطوقية الأخرى قد نبذت ذلك المصلح العربي، وأدّت به إلى رفض تعاليمهم على أنها ليست أكثر من مجرّد وثنيات. كان من سوء حظ محمد أنه خلط بين هذا الكم الهائل من الخرافات وبين المسيحية الحقيقية، وبذلك أسّس دينا أعاد البشرية إلى أغلال اليهودية وزنزانة الفكر التلمودي. وأي مقارنة بين هذه القصص المنحرفة عن التعاليم الحقيقية للإنجيل وبين القصص الواردة في القرآن ستبيّن في نفس الوقت أنّ محمداً كان قد قبل العديد من تلك القصص وتبناها على أساس أنها جزء من الكتاب المقدس، معتقداً بأنها حقيقية، فدمجها في القرآن. وسنورد هنا مثالاً أو مثالين يمكن أن نوضّح المسألة من خلالهما.
في سورة الكهف، الآيات 9-12، 25، نقرأ قصة مثيرة للاهتمام عن سبع شبّان دخلوا كهفاً ليناموا فيه ثم يستيقظوا من جديد ليدركوا أنهم قضوا فترة 309 سنوات وهم نيام. نقرأ في الآية {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا @ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا @ فَضَرَبْنَا عَلَى? آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا @ ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى? لِمَا لَبِثُوا أَمَدًار@... وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا}

هذه القصة الأسطورية، والتي لا أساس لها بتاتاً، كانت منتشرة في شبه الجزيرة العربية قبل محمد بزمنٍ طويل. وهي موجودة في كتابات رجل دين سوري كان اسمه يعقوب السروجي [وردت هذه القصة في عظة دينية لهذا الكاهن السرياني بعنوان "أعمال القديسين" Acta Sanctcorum] الذي مات عام 521 للميلاد والذي يخبرنا قصة عن سبعة شبّان من مدينة أفسس هربوا من قبضة الحاكم الروماني ديسيوس. وقد قيل أنهم التجأوا إلى كهف حيث غطّوا في نومٍ عميق، ولم يستيقظوا إلا بعد مرور 196 سنة ليجدوا الديانة المسيحية منتشرة في كل مكان. لابد أنّ محمداً قد سمع القصة من أفواه مسيحيو شبه الجزيرة العربية وسوريا، واعتقد أنها حقيقية، فزعم أنها موحاة له من الله.

قصة أخرى في القرآن ذات أصول مسيحية ومتعلّقة بطفولة مريم والدة يسوع. لا شيء يدعو للدهشة والاستغراب أكثر من سكوت الأناجيل الأصلية فيما يتعلق بشخصية مريم والدة يسوع المسيح، لكن في مجتمع حيث تعاليم المسيحية مدفونة تحت ركام هائل من الخرافات والأساطير، وحيث أخذت العقيدة المريمية مكان الديانة الحقيقية، فلا عجب أن نجد عدداً من القصص والروايات الأسطورية التي تروي تفاصيل خرافية عن حياة مريم وبصيغة مغالبة جداً وأسطورية. هذه القصص الأبوكريفية المنحولة كانت موجودة ومنتشرة بكثرة بين مسيحيي شبه الجزيرة العربية، وكانت بالتأكيد معروفة جيداً بالنسبة لمحمد. إذ أنّ الأخير كان يجهل مضامين وتفاصيل الكتاب المقدس الأصلي، وكان أجهل من أن يستطيع التفريق بين القصص الحقيقية والقصص المزيفة والمنحولة، وفي النهاية تبناها وأدخلها في قرآنه زاعماً أنها وحيٌ من عند الله، وأنّ رسالته أنزلت لإكمال وتأكيد الكتب المقدسة السابقة.
نقرأ في سورة آل عمران، الآية رقم 44 أنّ مريم في صباها قد تم جلبها إلى معبد أورشليم الذي أصبح منذ ذلك الوقت موطنها وبيئتها حتى ميلاد المسيح. ويخبرنا القرآن أنها خلال إقامتها هناك ذهبت بها أمها إلى من لهم الأمر على بيت المقدس، فتشاحنوا وتخاصموا أيهم يكفل مريم، واقترعوا عليها بأن ألقوا أقلامهم في النهر، فأيهم لم يجر قلمه مع الماء فله كفالتها، فوقع ذلك لزكريا { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ }. هذه القصة، كما يعرف كل قارئ للإنجيل، غير موجودة في الكتاب المقدس [لا في العهد القديم ولا في الجديد]. بل هي موجودة بكلّيتها في الكتب الأبوكريفية المنحولة للمسيحيين الهرطقة الذين عاشوا ونشطوا في شبه الجزيرة العربية زمن محمد.لذلك فمصدرها واضح جداً ومعروف. فقد ورد في كلٍ من "إنجيل جيمس المنحول [أو الإنجيل الطفولي] Protevangelium of James the Less" [Tisdall, "The Sources of the Qur an", pp. 156-8]، والكتاب القبطي "تاريخ مريم العذراء" حادثة رمي الأقلام من أجل الكفالة، أو كما تمّ وصف العادة فيها، الحق بالزواج من مريم. في الإنجيل الأول نقرأ أنه عندما وصلت مريم إلى عمر الثانية عشرة عُقِدَ مجمع للكهنة تمّ فيه تقرير مستقبل الفتاة حيث ((وقف ملاك الرب بالقرب منه [زكريا] قائلاً: يا زكريا، يا زكريا، اخرج وأدعو جميع الرجال الأرامل من بين الناس، وليّ حضر كل واحدٍ منهم معه قضيباً، وأي رجلٍ منهم يريه الإله الرب إشارة، ستكون زوجته مريم)).
هناك رواية قرآنية أخرى مرتبطة بمريم العذراء استعارها محمد [أو لطشها] من الأناجيل والكتب المنحولة، أو بالأحرى من ألسنة معاصريه وصحابته من المسيحيين، وهي عن شجرة النخيل، إذ قد ورد في سورة مريم الآيات من 22-25 {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا @ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى? جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـ?ذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا @ فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا @ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا}

أمّا الأناجيل فهي على العكس تخبرنا أنّ يسوع قد ولد في بيت لحم داخل حظيرة أو بالقرب منها. في هذه الحالة فمصدر القصة التي ردّدها محمد يمكن تعقّبه تماماً، حيث أنّ الكتب المسيحية الأبوكريفية تحتوي أساطير مماثلة وتتضمّن العديد من القصص الخيالية المرتبطة بميلاد يسوع. كانت هذه الأساطير المنحولة والقصص الخيالية موجودة ومنتشرة على نطاق واسع بين مسيحيي شبه الجزيرة العربية، ولابد أنها وصلت أذني محمد الذي تصوّر بدوره أنها جزء من الكتاب المقدس الأصلي. في العمل المنحول المعنون "طفولة مريم العذراء وميلاد المخلّص" نقرأ قصة شجرة النخيل كاملةً بخصائصها وسماتها الكاملة. ويمكن إيجاد بعض التغييرات والاختلافات في القصة وذلك مردّه إلى أنّ هذه القصص كانت متناقلة شفهياً، لكنّ أي مقارنة حذرة ودقيقة بين القصة كما وردت في هذه الأناجيل المشبوهة مع القصة التي استعارها محمد ودمجها في قرآنه ستوضّح أنّ الأخير [محمد] قد لطشها أو أخذها من الإول [الكتب المنحولة]، ثم قدّمها على أنها وحي مباشر من عند الله. ولكي يرى القارئ مدى التقاربات والتماثلات فقد أوردت اقتباسات من العمل المنحول المذكور سابقاً. فبعد تسجيل رحلة يوسف ومريم بصحبة الطفل يسوع يتابع الراوي قائلاً : (( وأسرع يوسف فأحضرها [مريم] إلى شجرة النخيل، فأنزلها عن ظهر دابتها. وعندما جلست مريم عند جذع الشجرة نظرت إلى أعلى الشجرة، فرأتها مليئة بالثمار الطيبة والطازجة، وقالت ليوسف:"أرغب ببعض ثمار هذه الشجرة إذا أمكن ذلك"... ثم قال الطفل يسوع بهيّ الطلعة والمجالس في حضن أمه مريم العذراء، لشجرة النخيل: "أيتهما الشجرة، أخفضي أغصانك وانعشي أمي بثمارك". وبعد أن سمعت شجرة النخيل كلمات يسوع هذه أحنت رأسها إلى قدمي مريم، وأكلوا جميعهم من ثمارها التي كانت تحملها، وأنتعشوا ثم انتصبت شجرة النخيل على الفور، وخرج نبع من الماء النقي والصافي والبارد والعذب من بين جذورها)).

كل قارئ للقرآن يعرف أنه يحتوي عدّة إشارات إلى يسوع المسيح، كما أنه يتضمّن قصص محددة مرتبطة بمولده، بعضها غير موجود في الأناجيل الأصلية. هذه القصص، مثلها كمثل قصة شجرة النخيل، يمكن القول عنها أنها من مصادر منحولة، وتبين المصادر التي استقاها منها محمد وأدخلها في قرآنه. إحدى تلك الأساطير تشير إلى معجزات معينة يقال أنّ يسوع قد أدّاها خلال طفولته. وترد إحدى الإشارات إليها في سورة المائدة، الآية 110، حيث أننا نقرأ فيها {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى? وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ? وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ? وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي}. والآن نلاحظ أنّ الأناجيل الإصلية لا تتضمّن أي شيء كهذا، إنّما على العكس، تشير دوماً على أنّ أول معجزة قام بها يسوع كانت أنه ملأ الأجران الحجرية الستة بالخمر، وذلك قبل أن يبلغ عامه الثلاثين. وقد جاء في كتاب يوحنا، الإصحاح الثاني، المقطع رقم 11 ((هذه المعجزة هي الآية الأولى التي أجراها يسوع في قانا بالجليل، وأظهر مجده، فآمن تلاميذه)). وعندما نقرأ في إنجيل طفولة المخلّص المشبوه، أو "إنجيل توما الإسرائيلي"، وغيره من الأعمال الأبوكريفية المنحولة، نجد بوضوح أنّ هذه القصة كانت شائعة جداً وعلى نطاق واسع في شبه الجزيرة العربية زمن محمد. وقد سمعها الأخير من معاصريه وأتباعه من المسيحيين السابقين، متصوراً بأنها جزء من الأناجيل الأصلية، فأدخلها في قرآنه. ليس هناك تفسير آخر أكثر منطقية ومعقولية من هذا التفسير حول التشابه بين الروايتين: الإنجيلية المنحولة والقرآنية. ليتذكّر القارئ، على سبيل المثال، أنّ النسخة القرآنية التي اقتبسنا منها فيها الأعلى، تأخذ من "إنجيل توما الإسرائيلي"، وهو كتاب خيالي أسطوري مشبوه المصدر كتب في زمن متأخر، ولم يعتبر قط على أنه موحى من يسوع المسيح أو أي فرقة مسيحية أصلية. وقد ورد في هذا الكتاب أنّ ((يسوع الطفل عندما كان في الخامسة من عمره بلعب في الطريق بنبع جارٍ من الماء الملوث فجمعه في خنادق وجعلها على الفور نقية وعذبة، وكل ذلة بكلمة واحدة منه. ثمّ رطّب بها بعضاً من التراب وصنع منها اثنا عشر طيراً،... صفّق يسوع بيديه للطيور وصرخ بها: "ارحلي"، فرفرفت مبتعدةً عنه)) [من أجل الاطلاع على رواية أخرى راجع كتاب Tisdall, "The Sources of the Qur an," p. 175]

إنّ خيال مؤلف هذا الإنجيل وشطحاته الخرافية والرومانسية، تخبرنا أيضاً بأنّ يسوع قد تكلّم مع أمه عندما كان ما يزال في المهد، وأطلعهم على مهمته الإلهية المقدسة.
وهناك الكثير والكثير يمكن ذكره والكتابة عنه لنبيّن أنّ محمداً كان مديناً ليس فقط لمجموعة صغيرة ومحدودة من الهراطقة المسيحيين المؤمنين بالأساطير والخرافات الذي كثروا في عهده للروايات والمفاهيم الدينية التي نجدها الآن في القرآن، إلا أنّ حجم هذا الكتيّب ومحدوديته لا يسمحان لنا بإيراد سوى مثال واحد إضافي. فالقارئ الذي يرغب بدراسة الموضوع أكثر والتعمق فيه عليه أن يطّلع على أعمال كلٍ من تسدال وسِل وغايغر الشهيرة، حيث استقينا أغلب مواد فصول هذا الكتيب منها.
لا يمكننا اختتام هذا الفصل دون الإشارة إلى "الميزان"، الذي أشير إليه في القرآن عدّ مرات. إذ يخبرنا الإسلام أنه في يوم الحساب سيكون هناك ميزان حيث سيتمّ وزن أعمال الإنسان. فهؤلاء الذين تغلب أعمالهم الحسنة والصالحة سيفوزون بالنعيم الأبدي جنة الخلد، أمّا أولئك الذين تكثر أعمالهم السيئة والشريرة فسيخلّدون في جهنم وبئس المصير. لذا نقرأ في سورة الأعراف الآيتان 8-9 {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ ? فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـ?ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ @ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَـ?ئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ}

هذا المفهوم القرآني مأخوذٌ عن عمل أبوكريفي منحول عنوانه "عهد إبراهيم" [منشور في "Texts and Studies," vol. ii, No. 2 وقد اقتبس عنه تسدال "The Sources of the Qur an," p. 200] وقد كتب هذا العمل في القرن الثاني أو الثالث للميلاد. وهي عبارة عن قصة أسطورية مرتبطة بالبطريرك إبراهيم ومعراجه إلى السماء، حيث قد رأى، من بين الكثير من الأمور الأخرى، عرش الدينونة العظيم. وتستمر القصة: ((وعلى العرش جلس رجل مهيب... وأمامه طاولة كالزجاج، وكل شيء من الذهب والكتان. وعلى الطاولة هناك كتاب، كان سمكه ستة أذرع وارتفاعه عشرة أذرع. وعلى يمينه ويساره يقف ملاكان يحملان ورقة وقلماً ومداداً. وأمام الطاولة كان يجلس ملاكاً يشعّ نوراً يحمل ميزاناً في يده... والرجل المهيب الجالس على العرش كان يحاكم الأرواح بنفسه، أمّا الملاكين اللذين كانا يقفان على يساره ويمينه كانا يسجّلان. الملاك الذي على اليمين يسجّل الأعمال الصالحة، أمّا الملاك الذي على اليسار فيسجّل الذنوب والأعمال السيئة. أمّا الملاك الذي يقف أمام الطاولة، الذي يحمل بيده الميزان، كان يزن أعمال كل روح)).
ويمكننا الاستمرار أكثر من ذلك ونقدّم مفاهيم وأفكار أخرى وردت في القرآن كمذهب إنكار موت المسيح، وتفكيك الثالوث وحلّه إلى ثلاثة أقانيم هي الأب والابن ومريم للعذراء، التي اكتسبها محمد من الفرق الغنوصية وغيرها من المذاهب الهرطقية الأخرى التي انتشرت وازدهرت في شبه الجزيرة العربية زمن محمد. بأية حال يكفي كل ما قلناه هنا لإثبات أنّ كل ما ورد في القرآن من مفاهيم وعقائد تعود في الحقيقة إلى مصادر مسيحية منحولة ومشبوهة؛ في حين أنّ القارئ المسيحي سيدرك أيضاً مدى خطأ وضلال الزعم القائل بأنّ الكتاب الأخير "يؤكّد ويثبت" الكتابات السابقة: التوراة والإنجيل.



:: توقيعي ::: ( ذهبت إلى الغار .. غار حراء .. غار محمد وإلهه وملاكه .. إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس ، ذهبت إليه استجابة للأوامر .
دخلت الغار ، دخلته .. صدمت .. ذهلت .. فجعت .. خجلت ، خجلت من نفسي وقومي وديني وتاريخي وإلهي ونبيي ومن قراءاتي ومحفوظاتي ..!
أهذ هو الغار.. غار حراء .. هو الذي لجأ واختبأ فيه الإله كل التاريخ !
  رد مع اقتباس
قديم 06-09-2014, 03:05 PM ترنيمه غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [5]
ترنيمه
عضو برونزي
الصورة الرمزية ترنيمه
 

ترنيمه is on a distinguished road
افتراضي






@ الفصل الرابع: {الأجزاء من القرآن التي أُدخِلت حسب ظروف ومتطلّبات كل مرحلة}
~~~~~~~~~~
لم يعد هناك أي شك في أنّ أي دراسة دقيقة وموضوعية وغير منحازة للقرآن ستثبت وبشكل قاطع أنّ جزءاً كبيراً من القرآن قد تمّ تلفيقه وفبركته من قبل محمد ليتناسب مع أغراضه ومصالحه الخاصة. وهذا منعطف كبير بالتأكيد، وسنتابع الآن في إثباتنا لذلك. وينبغي علينا أن نتذكّر دائماً بأنّ ((من الضروري جداً عمل مقارنة للحقائق التاريخية في حياة محمد مع الأجزاء المختلفة من القرآن والمرتبطة به إذا أردنا فهم تلك الحياة بشكل واضح وذكي. وهناك نتيجة أخرىمهمة جداً لهذه المقارنة هي أنها تظهر الطريقة التدريجية التي ظهر فيها القرآن إلى الوجود، وكيف تناسب الوحي مع الظروف الظروف المحلية، ثم قدّم ما كان يزعم على أنه سلطة إلهية وتأييداً لأعمال النبي المختلفة. بهذه الطريقة وحدها، يمكن تبرير تغييره لسياسته وحمايته هو نفسه من تهمة الزمنية و التناقض)) [راجع كتاب سِل،رالتطور التاريخي للقرآن، ص1 Sell, "Historical Development of the Qur an]. ومثل هذه الدراسة لوحدها كفيلة بأن تجعل القارئ قادراً على فهم هذه المسائل كمسألة تغيير القبلة من بيت المقدس إلى مكة، ونسخ الأمر الإلهي من {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة 257] إلى {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة 188]
بالإضافة إلى الكثير من الإقحامات المتناقضة والمتعلقة بالشؤون المنزلية والخاصة للنبي. فحقيقة أنّ النبي وفي العديد من المناسبات قد وقع تحت إغراء تلفيق العديد من آيات الوحي على قريش مشهود عليها من قبل عدد كبير من كُتّاب محمديين، ومن بينهم مرجعيات إسلامية كبرى كابن هشام، الطبري، يحيى وجلال الدين. أما ظروف سقوط النبي فهي على الشكل الآتي. في أحد الأيام، دخل محمد البيت الحرام في مكّة، وبدأ بترديد سورة النجم. وكانت الممانعة الشديدة القرشيين تؤلم النبي وتثقل قلبه، وكان يتوق لرؤية بعض التأييد له وبعض القبول لرسالته منهم. فإغراء التسوية كان شديداً للغاية، والإغواء بالتصالح مع أولئك الذين طالما اضطهدوه وحاربوه أقوى من أن يتمكّن من مقاومته. ثم سقط النبي سهواً، إذ أنه عندما وصل إلى الكلمات {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّىٰ-;- @ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَىٰ-;-} [النجم 19-20] أضاف من عنده، لإسعاد سامعيه وترغيباً لهم برسالته، {تلك الغرانيق العُلا @ إنّ شفاعَتَهُنّ لِتُرتَجى}. أسعد القرشيون وطربوا من سماع ذلك وانضمّوا مع النبي في صلاته، وقالوا ((ما ذكر آلهتنا بخيرٍ قبل اليوم، فسجد وسجدوا)). لكنّ محمداً تراجع من فوره عن تسويته المتسرّعة، وسحب كلماته عن الأوثان العربية، مستبدلاً إياها بالكلمات التي نجدها حالياً في القرآن {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَىٰ-;- @ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ-;- @ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} [النجم 21-23]. ثم ولإخفاء خطئه وتغطيته، عمد لصياغة آية أخرى حيث جعل الله يطمئنه فيها بأنه كان في أيدٍ أمينة، حيث أنّ ما حدث معه قد حدث مع غيره من الأنبياء من قبله، فقد ألقى الشيطان على ألسنتهم. لذا نقرأ في سورة الحج، آية رقم 52 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ-;- أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ}.
الحادثة المذكورة هنا هي على درجة عظيمة من الأهمية استفضنا في الحديث عنها لتبيين أنّ مصداقيتها مكفولة ومشهودٌ لها من قبل أعلى وأشهر المرجعيات، فإذا كان النبي في باكورة سيرته النبوية قد وضع تحت إغراء تلفيق آيات قرآنية من أجل أن ينال رضى وقبول أعداءه، فإنه في المراحل اللاحقة عندما اتسع طموحه العالمي وتعلّق في الأفق، لابد أنّ هذا الإغراء قد كبر وعظم معه. ونورد في الأسفل حادثة الغرانيق المشهورة:
((قال ابن عباس ومحمد ابن كعب القرظي وغيرهما من المفسرين لمّا رأى رسول الله تولّي قومه عنه وشقّ عليه ما رأى من مباعدتهم، عمّا جاءهم به من الله تمنّى في نفسه أن يأتيه عن الله ما يقارب بينه وبين قومه يحرّضه على إيمانهم فكان يوم في مجلس قريش فأنزل الله تعالى سورة النجم فقرأها رسول الله وحتى بلغ قوله "أفرأيتم اللات والغزّى ومناة الثالثة الأخرى" ألقى الشيطان على لسانه بما كان يحدّث به نفسه ويتمنّاه "تلك الغرانيق العُلا @ إنّ شفاعَتَهُنّ لِتُرتَجى" فلمّا سمعت قريش ذلك فرحت به))
هناك صيغة أخرى للقصة وردت في كتاب المواهب اللدنية، وهي على الشكل الآتي: ((قرأ رسول الله صلعم بمكّة والنجم فلمّا بلغ "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" ألقى الشيطان على لسانه "تلك الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى"!فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخيرٍ قبل اليوم، فسجد وسجدوا فأنزلت هذه الآية "وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" [الحج 52]))
وينسب إلى النبي أنه قد تاب عن هذه السقطة التي وقع فيها، وقام لاحقاً بعد ذلك باستنكار ورفض جميع أشكال الوثنية، لكنّ هذه التجربة التي مرّ بها لم تكن لصالحه أبداً، ولم يتعلّم الدرس منها، إذ أنه سرعان ما وجد نفسه يغيّر كلامه وأقواله ليتناسب مع غاياته وأغراضه الخاصة. لذا وعندما هرب النبي إلى المدينة، وكان ضعيفاً ومضطهداً آنذاك، سرعان ما أدرك ضرورة التوفيق والمصالحة _وكسبهم إلى صفه إذا أمكن ذلك_ مع المجتمعات اليهودية المتعددة والقوية التي كانت تعيش هناك. ولهذا السبب بالضبط كان قد جعل بيت المقدس قبلته، وكان لفترة ليست قصيرة من الوقت يصلي باتجاه تلك المدينة اليهودية، ولكن في النهاية، وعندما باءت جميع جهوده ومحاولاته لكسب اليهود إلى جانبه بالفشل، وعندما قويَ موقفه بعد دخول العديد من العرب في دينه، شعر بضرورة كسب قريش إلى جانبه مرةً أخرى، ولذلك الغرض بالضبط أنزل "وحياً" مرة أخرى جاعلاً من الكعبة القبلة الجديدة للمسلمين. لذا نقرأ في سورة البقرة: { وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ-;- عَقِبَيْهِ ۚ-;- وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ-;- وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ-;- إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ@ قَدْ نَرَىٰ-;- تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ-;- فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ-;- فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ-;- وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة 142-143]
ويعترف المفسّرون المحمديون بهذه الحقائق، لذا نقرأ في تفسير الجلالين ما يلي ((فلمّا هاجر أمر باستقبال بيت المقدس تأليفاً لليهود ستة أو سبعة أشهرٍ ثم حول)) [مقتبس في عمل غايغر اليهودية والإسلام، ص14، وموجود في تفسير الجلالين]
هناك أمر اعتباطي آخر أصدره محمد خلال سنواته الأولى من إقامته في المدينة له علاقة بالصيام اليهودي، وقد تمّ تغييره وتبديله على غرار ما حدث في مسألة القبلة. والرواية التالية ستثبت هذا الأمر وترينا كيف أنّ الظروف المحلية المحيطة دفعت محمد لإصدار تعاليم وأوامر اعتباطية مختلفة، فيما بعد قام بتغييرها بنفس الطريقة ما أن استجدّت أمور جديدة وظهرت ضرورات مغايرة على الساحة. لذا يخبرنا كاظم أنه ((رُوِيَ أنّ رسول الله لمّا قدم المدينة وجد يهوداً يصومون عاشوراء فسألهم عن ذلك فقالوا إنه الذي غرق فيه فرعون وقومه ونجى موسى ومن معه فقال أنا أحق بموسى منهم فأمر بصوم عاشوراء)) [ Geiger "Judaism and Islam," p. 26 ونفس الخبر ينقله لنا ابن عبّاس ورد في كتاب "مشكاة المصابيح" باب الصوم]
هذا الصوم، الذي ما زال يمارس في اليوم العاشر من شهر رمضان كطقس تطوعي ومبجّل، يقدّم دليلا واضحا عن الطريقة التي استعار بها محمد من المنظومات العقائدية الأخرى عندما أراد ذلك، ويكذّب الادّعاء القائل بأنه تلقّى معلومات الدينية عن طريق وحي إلهي.
رواية أخرى تبيّن المصدر والأصل البشري للقرآن وقد نقلها لنا عدّة مفسّرون وعلماء محمديون تتعلق بمسإلة زواج محمد من زينب زوجة ابنه بالتبني زيد.كان زيد معروفاً "بابن محمد"، وكان قد اتّخذ له زوجةً امرأة جميلة كانت تسمى زينب. يخبرنا التراث أنه وفي أحد الأيام حدث وأن جاء النبي لزيارة منزل زيد ووجد زينب في رداء يكشف جميع مفاتنها. فأعجب النبي بما رآه منها، وعبّر عن إعجابه بقوله ((سبحان الله مقلّب القلوب)). سمعت زينب كلمات النبي، ومن فورها أخبرت زوجها بما حدث. في النهاية طلّق هذا الأخير زوجته، وعرضها على محمد، لكنّ النبي تردّد في قبوله إياها كونها طليقة ابنه بالتبني، ولكي يتجنّب الفضيحة والمهزلة التي عرف أنها ستتبع زواجه منها، قام بتلفيق وحي من الله يبرّر فيه عملية زواجه من زينب، حيث يأمره الله أن يتّخذها له زوجة. ويمكننا قراءة هذه التحفة من الوحي في سورة الأحزاب، الآية رقم 37 {فَلَمَّا قَضَىٰ-;- زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ}. ونحن نسأل هنا، أيمكن لأي مسلم نزيه وذكي أن يؤمن بأنّ هذه الكلمات المقتبسة هنا هي كلام الله؟ أليس من الواضح أنّ كلّ هذه الآية بدلاً من كونها وحي مباشر من عند الله، قد تمّت صياغتها بتعمّد وعن سابق قصد وإصرار من قبل محمد لتبرير أفعاله وغاياته الخاصة.
وحي آخر مزعوم لفّقه محمد لتبرير مسألة من مساءله العائلية موجود في سورة التحريم الآيتان رقم 1 و2 حيث منحه الله إذنه _منح نفسه إذناً_ بكسر وعوده التي كان قد قطعها. هذه الرواية التي رواها العديد من المفسّرين ورجال الدين جرت على النحو التالي: كان النبي قد أظهر الكثير من الإعجاب والمحاباة تجاه مارية، ممّا أثار الغيرة في قلب العديد من زوجاته، واللواتي ذكّرنه بشدة ومراراً وتكراراً بعهده الذي قطعه عن نفسه وعليهنّ بألا يلمس أي فتاة أو خادمة مهما كانت. لكنّ النبي قد رأى أنّ قطع الوعود والعهود أسهل بكثير من المحافظة عليها، ووجد أنّ تفوقه الشديد وشهيّته الكبيرة لهذه الفتاة القبطية العبدة أقوى من أن يستطيع مقاومتهما، لكنه وجد حلاً للمشكلة، وبرّر ارتباطه بهذه الفتاة عن طريق تلفيق الآية التالية مانحاً نفسه الإذن بكسر عهده {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ-;- تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ-;- وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ @ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ۚ-;- وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ ۖ-;- وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}
لن نعلّق أكثر حول هذه الآية، وسن طرح سؤالاً على المسلم ليتفكّر فيما إذا كان من الممكن أنّ هذه الكلمات هي من عند الله... ما إذا كانت كلمات القرآن، مكتوبة في اللوح المحفوظ وقبل بدء الخليقة. وحول هذه العلاقة هناك حديث ينقله لنا المسلمون [صحيح البخاري 4788] يقدم تفسيراً موحياًحول تشريعات محمد العائلية والمتعلقة بأمور وشؤون عائلته ونسائه: ((قالت عائشة كنت أغار على اللواتي وهبن أنفسهنّ لرسول الله صلعم فقلت أتهب المرأة نفسها؟ فلمّا أنزل الله تعالى {ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممّن عزلت فلا جناح عليك} [سورة الأحزاب 51] قلت: ما أرى ربك إلا يسارع في هواك)).
الإشارات القرآنية الكثيرة والمتناقضة فيما يتعلق بقضية الجهاد، أو الحرب المقدسة، هي بمثابة مثال آخر حول سياسة النبي الزئبقية والمؤقتة. أي دراسة تاريخية لذلك الكتاب ستبيّن لنا أنه خلال ألمراحل المبكرة الأولى من الإسلام عندما كان محمد ما يزال ضعيفاً ولاجئاً مضطهداً، محروماً من القوة اللازمة لفرض أفكاره بحدّ السيف، كان مائلاً لاتباع سياسة الاعتدال والتسامح في تعامله مع غير المسلمين. حيث أننا نقرأ في سورة البقرة، الآية 257 {لا إكراه في الدين}، لكن عندما ابتسم له الحظ ووجد نفسه محاطاً بمجموعته من ملوك الحرب المتعطّشون للسلب والغنائم، اتخذ وحيه منعطفاً خطيراً، حيث عمل على تلفيق آيات تحث أتباعه على مقاتلة الكفار وغير المؤمنين {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ-;- لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِله} [سورة الأنفال 39]
وكتأكيدٍ على هذه الأوامر أخذت الآيات تهطل عليه وهي تتضمن هذه الكلمات المتوعّدة:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ-;- وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ-;- وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة 73]
{فاقتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة 5]
كثيراً ما نرى محمد وهو يشير إلى جمال القرآن العربي وأناقته، وأسلوبه الرائع وتراكيبه التي لا تضاهي في إعجازها، كدليل على مصدره السماوي والإلهي. ولطالما قام محمد بسرقة وانتحال الكثير من التعابير والجمل العربية ليحسّن من مستوى كتابه. والأدب العربي مليء بهذه الأمثلة عن السرقات الأدبية، كالتي سترد بعد قليل، ويمكن تقديمها كدليل هنا. يخبرنا البيضاوي في تفسيره ((عبد الله بن أبي سرح كان قد كتب لرسول الله فلمّا نزلت الآية {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طين} فلمّا بلغ قوله {ثم أنشأناه خلقاً آخر} قال عبد الله {فتبارك الله أحسن الخالقين} تعجّباً من تفضيل خلق الإنسان، فقال عليه السلام: اكتبها فكذلك نزلت. فشكّ عبد الله وقال: لئِن كان محمدٌ صادقاً لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال)) [تفسير البيضاوي، ص 184]
يتّضح من هذه القصة كما يقول البيضاوي أنّ محمد كان فخوراً جداً وسعيداً بالتعبير الذي استخدمه كاتبه لدرجة أنه سرعان ما قرّر إدخاله في القرآن، وما زال حتى الآن، ولكي يتمكّن من ذلك، قال له أنّ هذه الجملة كذلك "نزلت" بحذافيرها. من الطبيعي أنّ عبد الله ابن سرح قد سُرّ لهذا المدح ولأنّ كلماته لقيت أذناً صاغية من النبي، لذا قرّر أنّ الوحي نزل عليه هو الآخر أيضاً. وهذا ما أثار سخط النبي وغضبه الذي أنزله على ابن سرح، وعبّر عن ذلك في الآية التالية التي لا يمكن لأي مسلم عاقل أن يؤمن بأنها قد نزلت من إله {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ-;- عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام 93]. من هذه الرواية، والتي رواها الإمام حسين، يتضح لنا أنّ أسلوب القرآن لا يمكننا اعتباره كمعجزة، إذ أننا هنا أمام آية قام عبد الله ابن سرح بتغييرها، ويمكن أن يندرج ذلك على باقي القرآن، ولا يمكن التفريق بينها بأي حال من الأحوال. علاوة على ذلك، من الواضح أنه إذا كان محمد يستطيع الادعاء بأنها وحي، وأن يدخل في القرآن كلمات وعبارات سمعها من أحد أتباعه أو كتبته، فسيكون من السهل أيضاً بالنسبة له أن يزعم نفس المرجعية للقصص والروايات التي كان قد سمعها خلال فترات زمنية مختلفة من اليهود والمسيحيين.
وقد ترك لنا العلامة الإسلامي الشهير جلال الدين السيوطي دليلاً دامغاً بأنّ محمداً كانت لديه عادة لطش العبارات والكلمات التي يسمعها من أتباعه ودمجها في قرآنه كلّما أعجبته عبارة أو كلمة. لذا نقرأ في كتابه الشهير "الإتقان في علوم القرآن": ((النوع العاشر فيما نزل من القرآن على لسان بعض الصحابة)).
وفي حديث آخر ينقله لنا للترمذي عن ابن عمر أنّ ((رسول الله صلعم قال أنّ الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه)). إذن كان من الواضح جداً ترديد محمد لكلمات عمر لدرجة جعلت جلال الدين السيوطي يخبرنا بأنّ أصحاب النبي كانوا يقولون: ((ألا نزل القرآن على نحو ما قاله عمر)).
وينقل لنا مجاهد حديثاً آخر على نفس النمط. إذ يقول فيه: ((كان عمر يرى الرأي فنزل به القرآن)).
يتضح تماماً من هذه الأحاديث أنّ عمر كان الكاتب الحقيقي والفعلي لأجزاء محددة من القرآن. في الواقع، إنّ الأدب الإسلامي مليء بالكثير من هذه الآيات المنتحلة [للاطلاع أكثر على الموضوع، راجع كتاب "هداية المسلمين"، ص224-226]. على سبيل المثال، جاء في القرآن: {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [سورة البقرة 98]
هذه الكلمات قالها عمر في الأصل لبعض اليهود، وقد أعجبت محمد لدرجة أنه أخذ يردّدها كجزء من القرآن. وكامل القصة يرويها لنا البيضاوي في تفسيره: ((قيل دخل عمر بن الخطّاب رضي الله عنه مدراس اليهود يوماً فسألهم عن جبريل فقالوا ذلك عدوّنا يطلع محمد على أسرارنا وأنه صاحب كل خسفٍ وعذاب وميكاييل صاحب الخصب والسلام قال وما منزلتهما عند الله تعالى قالوا جبريل على يمينه وميكاييل على يساره وبينهما عداوة قال لئن كان كما تقولون فليسا بعدوّين ولأنتم أكفر من الحمير ومن كان عدوّ أحدهما وهو عدوّ الله تعالى ثم رجع عمر فوجد بريا قد سبقه بالوحي فقال عليه السلام قد وافقك ربك يا عمر)) [تفسير البيضاوي، القاهرة، ص20]
حديث صحيح آخر ينقله لنا البخاري يكشف لنا عن أصل ومصدر ثلاث آيات أخرى من القرآن، ويثبت بشكلٍ قاطعٍ أنّ محمداً قد أضاف إلى قرآنه من أقوال من حوله من صحابته. هذه الأحاديث إذا فسّرناها وحلّلناها بطريقة منطقية وعقلانية ستكذّب تماماً الزعم القائل بأنّ القرآن موحى من عند الله، بل على العكس، إنها تدعم القول بأنّ هذا الكتاب هو نتاج اليد البشرية، ومن تأليف من هم حول محمد. أما الأحاديث فهي على الشكل الآتي:
((أخرج البخاري وغيره عن النحس قال عمر ابن الخطّاب وافقت ربي في ثلاث قلت يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، وقلت يا رسول الله إنّ نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فإن مُرْتَهُن يحتجبن فنزلت آية الحجاب واجتمع على رسول الله نساؤه في الغيرة فقلت لهنّ عسى ربه إن طلّقكُنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكن فنزلت كذلك))
ويمكننا إيراد العديد من الآيات والمقاطع القرآنية التي استعارها محمد من ألسنة أتباعه وصحابته، لكنّ حدود هذا الكتاب وصغر حجمه يحاولان دون التوسّع أكثر من ذلك حول هذه النقطة[يمكن للقارئ الفضولي أن يجدها جميعها في كتاب جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، الجزء الأول، ص43]. أمّا القارئ الراغب في متابعة الموضوع والتعمّق أكثر فيه، فعليه الرجوع إلى كتاب عماد الدين الشهير "هداية المسلمين" حيث أنه يعالج هذه المسألة بشكلٍ مطوّل. ونكتفي بهذا لإثبات مدى كذب ولاصوابية الإيمان بأنّ القرآن منزّل من الله عن طريق الملاك جبريل. حتى أنّ القرآن نفسه يشهد على تلفيق وصياغة العديد من الآيات القرآنية لتلبية أغراض محمد الشخصية وغاياته الخاصة.
الكم الأكبر من الآيات القرآنية، كما سبق ورأينا، تتضمّن عناصر عديدة مختلفة مأخوذة من مصادر موجودة أصلاً، والتي تبنّاها محمد وأخذها وصاغها بطريقته ثم أدخلها في قرآنه الذي نقرأه اليوم.

نهاية الكتاب
دمتم بخير



:: توقيعي ::: ( ذهبت إلى الغار .. غار حراء .. غار محمد وإلهه وملاكه .. إلى الغار العابس اليابس البائس اليائس ، ذهبت إليه استجابة للأوامر .
دخلت الغار ، دخلته .. صدمت .. ذهلت .. فجعت .. خجلت ، خجلت من نفسي وقومي وديني وتاريخي وإلهي ونبيي ومن قراءاتي ومحفوظاتي ..!
أهذ هو الغار.. غار حراء .. هو الذي لجأ واختبأ فيه الإله كل التاريخ !
  رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدليلية (Tags)
مصادر, الإسلام،, الجزأين, القرآن, بيت, غولدساك،, وآدم


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مصادر القرآن : سورة الفيل النبي عقلي العقيدة الاسلامية ☪ 36 06-10-2021 11:51 PM
مصادر الإسلام Lilith1988 العقيدة الاسلامية ☪ 17 03-03-2019 07:54 AM
تابعونا بعد قليل عن مصادر القرآن مع النبي سامي الذيب سامي عوض الذيب العقيدة الاسلامية ☪ 5 06-18-2017 10:39 PM
دعوة لمشاهدة اشرطتي عن مصادر واخطاء القرآن وتحميل كتبي مجانا سامي عوض الذيب العقيدة الاسلامية ☪ 2 06-18-2017 11:10 AM
مساعدة في البحث عن مصادر القرد المترقي حول الإيمان والفكر الحُر ☮ 2 09-30-2014 04:07 PM