عرض مشاركة واحدة
قديم 03-02-2017, 10:51 PM   رقم الموضوع : [9]
ساحر القرن الأخير
زائر
 
افتراضي

الجزء الخامس :



"لا حاجة لأن يحتج أحد المحكوم عليهم يوم الحساب , بكل بساطة لأن الله لا يظلم أحدا مثقال ذرة , فاحتجاجه ذاك سيكون مضيعة للوقت لا غير" . أقسم أن هذا ما كان يقوله أنصار هتلر وموسوليني وستالين عن زعمائهم كلما احتج الناس عليهم . على الأقل في هذه الأنظمة الشمولية الدنيوية , و رغم القمع الشديد , كان المعارضون يستطيعون الانفلات من قبضة الصمت المحكمة بين الفينة والأخرى وقول ما يريدون الى حين . أما في النظام الشمولي الالهي , فان الصمت المطلق هو السائد , لا أحد يستطيع النطق بكلمة , لسنا ندري كيف سيتحقق ذلك ... ربما بمجرد ما يريد الانسان الكلام يجد لسانه مشلولا لا يطاوعه , أو تعقد الألسنة في الأفواه , وبحركة سحرية من الله , تتحرر ألسنة من يؤذن لهم بالكلام ... لسنا ندري كيف, ففي النهاية , لا يحتاج الاله الجديد الى طرق أو وسائل لتحقيق غاياته , يكفيه ن يقول قول :"كن" فيكون .هذا الأمر شبيه الى حد ما بقدرة الزعماء الشموليين, فكلمة من فمهم تكفي لهدم مدن بكاملها وقطع رقاب شعب بأطفاله ونسائه , كلمة واحدة فقط . لكن تلك الكلمة أمر بشري قد يواجه بالعصيان , أو بحيلة أو مكيدة تمنع تحققه , وان كان هذا مستبعدا وضعيف الاحتمال لكنه حصل مرات عديدة , الأمر الذي –نظريا- لا يمكن ان يقع بالنسبة لكلمة الاله و أمره الذي يتحقق لا محالة : انها قمة الشمولية , وأمامها يقف المرء عاجزا , لا يملك من أمره شيئا , الأمر كله لله , يقص الحق , وهو خير الحاكمين . هذه الشمولية الالهية تقول لك مرددة : " اننا نتحكم في الماضي والحاضر والمستقبل ببساطة , في البر والبحر والفضاء, في الشجر والحيوان والحجر " . انها شمولية زمانية و مكانية , شمولية بالمعنى الحرفي للكلمة , شمولية تشمل كل شيء ... أجل كل شيء . ومن هنا سنكتشف أنه لم يوجد يوما نظام شمولي- بالمعنى الحقيقي للكلمة- على سطح الأرض , وكل الأنظمة التي ادعت الشمولية لنفسها , كان هنالك شيء من ذلك "الكل شيء" ليس تحت يدها , ناهيك عن أنها لم تنل الشمولية المكانية ولا الزمانية , فامتدادها الجغرافي كان محصورا, كما هو الشأن بالنسبة لامتدادها الزماني في التاريخ .
ليس هنالك سوى نظام شمولي حقيقي واحد : نظام الاله الجديد في هذا الكون : كان و ما يزال وسيبقى . ماذا بقي لنا نحن ؟ الانسحاق أو التفجير الذاتي أمام هذه القوة المطلقة . ذلك أنه لا أمل , لا مجال لتغيير هذا القدر المقدر. انه قدر فوق الجميع , ولا يملك أحد تغييره . ينبغي التعايش معه, مع الحقيقة , أو الانصراف فورا. المشكلة أنه لا مفر من هذا الفوهرر حتى عند اختيار الموت , لأن الموت بدوره سيقذفك في أحضانه من جديد . لا مفر ! بالمعنى المطلق للكلمة . أنت اذن محاصر من كل جهة ... لا وجود حتى لثقب صغير في جدران هذه الزنزانة...تقول لخزنة الاله الجديد : "بالله عليكم أعدموني " وتقول لله : " بك عليك أعدمني " فيجيب وعلى وجهه ابتسامة ساخرة : " أمامك خيار واحد ووحيد , واحد ووحيد , أن تركع " . كيف تستغربون اذن من هؤلاء الملايير الذين قرروا الركوع ؟؟؟ أمام كل نظام شمولي , كثيرون منهم سيستعصمون , لكن ليس أمام هذا النظام الشمولي , بكل بساطة لأنه ينفي امكانية وجود أي مخرج !
هكذا قرر الجميع الركوع , في مشهد مهيب , أمام الاله الجديد , الذي انتفخ أكثر فأكثر وهو يشاهد الكل ينحنون له في ايقاع موحد , و تحققت ذاته تحققا وجوديا مذهلا , وشعر بها فعليا عبر طرحه السؤال التالي : "لمن يركع هذا الحشد الغفير ؟ لمن ؟ من الذي يستحق كل هذا التبجيل و الخضوع ؟ التفت يمينا ويسارا فلم يجد أي اله يزاحمه – لقد قضى على جميع الآلهة منذ زمن ليس بالهين– فاستنتج أنهم يركعون له وتيقن من ذلك تيقنا مطلقا . انها " الأنا " الالهية وهي تعيش أجمل لحظاتها , قمة اللذة والانتشاء بالنسبة لها , ماذا بقي ؟ أن تزأر قائلة : "لمن الملك اليوم ؟ لمن الملك اليوم ؟" فيرد الجميع في تناغم :" لك ,لك أيها الاله " .
تلك هي اللحظة التي خلق لها الجميع , لهذا المشهد خلق البشر و أعدت العدة ...لأجل هذه اللحظة ....

يتبع



  رد مع اقتباس