الموضوع: تاريخ الإلحاد
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-30-2014, 11:07 AM   رقم الموضوع : [1]
البرنس
زائر
 
افتراضي تاريخ الإلحاد

حركات الإلحاد قديمة قدم البشرية نفسها، فعلى الرغم من أن الكثير يعتقدون أن الإيمان بوجود عالم الروح وما فوق الطبيعي هو صفة إنسانية تغوص في القدم إلى المجتمعات البشرية البدائية ويعتقدون أن الإلحاد من علامات العصر الحديث، إلا أن في نفس الوقت الذي كانت فيه البشرية تحاول أن تستعيد العلاقة المفقودة مع الله، وضل البعض في فهم قوي الطبيعة بإحيائها واسقاط الصفات البشرية الطبيعية والفوق طبيعية عليها ونصبوها آلهه، وحاول آخرون اشباع المطلق والمثالي بالبحث عن الإله في صفات مجردة، كانت هناك حركات شبه متمردة، تعلن العصيان على قوي الآلهة وتتحدها.

لعل أول هذه الحركات المسجلة تاريخيا للإلحاد كانت في الهند بالتقريب 1000 قبل الميلاد (ق.م.)، حيث كانت أول علامات الشك في النص المكتوب “Rig-Veda” : “من يعلم عن يقين؟ من يعلنها هنا؟ متى ولد ومتى تكون هذا الخلق؟ الآلهة خلقت بعد ميلاد هذا الكون. إذن من يستطيع أن يعلم من أين نشأ الكون؟ لا أحد يعلم كيف تكون الخلق ولا هل هو(الإله الأعظم) من صنع العالم أم لا . هو من يفحص الكون من السموات العليا، هو من يعلم، أو ربما هو لا يعلم.” ومن هذه الخطوات الأولى في الشك بدأ الإلحاد في الظهور.

وبعد ما يقرب من 500 عام أخري ( 500 ق.م.) ظهرت البوذية، والتي استوحت أفكارها من ال” Rig-Veda” حيث حاول بوذا (563-483 ق.م.) أن ينقل الفكر من التركيز على الآلهه، والتي كان عددها قد جاوز الآلاف في الهندوسية، إلى التركيز على المعاناه الإنسانية والخلاص منها، فأرجع السبب إلى المعاناه إلى تعلق البشر ورغباتهم، وهي التي تخلق الألم عند عدم تحقق الرغبات، وللتخلص من المعاناه والألم، ينبغي التخلص من الرغبة، والهروب من عجلة القدر الثمانية، وبالتالي الوصول إلى النرفانا، أو اللاتعلق، أو اللارغبة. وفيها يتوحد الإنسان بالكون ويذوب فيه. ولا يخفى أن ذكر الآلهة لم يدخل ضمن البوذية على الإطلاق، وإنما هي فلسفة بشرية بحته، وعندما سئل بوذا عن وجود الله لم يجب، فالبوذية لا تختص بالآلهة بل بالمعانة البشرية وبالتالي لا تحمل أي اجابة عن الله، وهذا ما يصنف في العصر الحديث باللامعرفة أو اللاأدرية “agnosticism“، والموت في البوذية ما هو إلا عنصر في العجلة الثمانية، وكلما يترقي الإنسان في طريق النرفانا عندما يموت يولد من جديد في جسد مختلف أرقى، إلى أن يصل إلى النرفانا فيتخلص من العجلة وإعادة التجسد كلية ويبقى روحا علوية.

وفي نفس العصر تقريبا كانت الفلسفة اليونانية تصول في القارة الأوروبية، ففي حوالي عام 420 ق.م. ظهرت النزعة المادية في اليونان، وبدأ مبدأ الذرات كعنصر أوحد وأساسي للكون في الظهور على يد ديموقريطس “Democritus“، والذي دفع بنظريته بعيدا، إلى حد أنه ألغى وجود الآلهة في عالم مادي بحت، ويقال أيضا أنه من المؤسسين لعلوم الفلسفة والرياضيات ونظرية المعرفة.

و بحلول القرن الرابع قبل الميلاد (341-270 ق.م.) ظهر في اليونان أبيقور “Epicurus“ والذي يعتبر وبحق أول فيلسوف ملحد ظاهر، وهو الذي أنشأ ولأول مرة “مجادلة الشر” :
“هل الله يريد أن يمنع الشر ولكنه لا يستطيع؟ إذن فهو ليس كلي القدرة.
هل هو قادر على منع الشر ولكنه لا يريد ؟ إذن فهو خبيث وشرير النزعة.
هل هو قادر ويريد منع الشر؟ إذن من أين أتى الشر؟
هل هو غير قادر ولا يريد منع الشر؟ إذن لماذا نطلق عليه إله؟”

و هذا مما قاده بعد ذلك إلى تبني إلهين، أحدهما للخير والآخر للشر، ويقال أنه لم يؤمن في حياة بعد الموت. وربما كان هذا بداية الحركة الفكرية التي قادت ذرادشت في فارس إلى الخروج بديانة الصراع بين إلهين إله الخير “أهور-مزدا” وإله الشر “أهرمن”.

و نستطيع أن نقول أنه في أوائل ظهور المسيحية، بدأت النزعات الإلحادية والتعددية (تعدد الآلهة) إلى الاختباء لفترة من الزمن، ولعل الصراعات الدينية بين الطوائف المسيحية، ثم ظهور الإسلام كلاعب على المسرح العالمي وغزوه لمناطق الحضارات القديمة واحتلاله الكامل لفارس وشمال أفريقيا والعراق والشام وتهديده المستمر للأمبراطورية الرومانية الشرقية في القسطنطينية لم يدع أي مساحة من التطور الفكري أو الجدل .

فالإلحاد بلا شك هو فكر من أفكار الأقليات، والأقليات لا تزدهر في عصور الحروب والقلاقل بل تختبئ.

ثم ظهرت الحروب الصليبية من أوائل القرن الـ11، واستمرت حوالي القرنين من الزمان في محاولة المسيحية الغربية أسترداد الأراضى المسيحية المقدسة التي أخذها الإسلام قبل ثلاثة قرون من الزمان. وهو نفس العصر الذي بدأ فيه الإلحاد أن يظهر في داخل الحضارة الإسلامية في بغداد بعيدا عن منطقة الصراع الإسلامي الصليبي على حدود الشام، وبدأت الثقافات التي غزاها الإسلام تؤثر في تطوره الفكري .







  رد مع اقتباس