الشاهد الثامن:
تكيف الانسان مع المرتفعات
اكتسب سكان التبت قدرة على التكيّف مع الارتفاعات العالية، وذلك بفضل نسخة جين ورثوها نتيجة لتزاوج أسلافهم مع أنواع بشرية منقرضة، هذا الجين و يدعى EPAS1 يلعب دورا في تنظيم إنتاج الهيموجلوبين ( الجزيء الذي يحمل الأكسجين في الدم ).
الجين أصبح واسع الانتشار في التبتيين نتيجة لإنتقالهم ليعيشوا في الهضاب ذات الارتفاعات العالية منذ عدة آلاف من السنين.
هذه النسخة من الجين تسمح لهم بالبقاء على قيد الحياة على الرغم من انخفاض مستويات الاوكسجين على ارتفاعات 15000 قدم أو أكثر. اذ يحتوى الهواء فى بعض الاحيان على حوالى 60% فقط من جزيئات الاوكسجين مقارنة بمستوى سطح البحر في حين أن معظم الناس تزداد لزوجة دمائهم في هذه الإرتفاعات العالية اذ ان طريقة تكيف الانسان العادى فى تلك الارتفاعات هى بزيادة ارتفاع كرات الدم الحمراء وبالتالى ارتفاع مستوى الهيموجلوبين فى الدم وذلك للمساعدة على سحب كمية اكبر من الاوكسجين، لكن هذا العدد الزائد من الخلايا ليس بالحل الامثل اذ يؤدى زيادة تجلط الدم ، مما يؤدي إلى مشاكل القلب والأوعية الدموية وربما الوفاة، إضافة إلى مشاكل في الأطفال الرضّع مثل انخفاض الوزن عند الولادة وزيادة في معدل وفيات الرضّع ، وrد تكيف التبتيون على هذا النقص فى مستوى الهيموجلوبين عندما تطور نظام الدورة الدموية لديهم بحيث اصبحت الاوعية والشعيرات الدموية اكثف واكثر تشعبا وتعرجا
وقد وجد العلماء فى معهد بيجنج للجينوم (BGI) في الصين أدلة على أن هذه النسخة من الجين EPAS1 جاءت من فصيلة الدينيسوفان Denisovans – قريب غامض للبشر انقرض منذ 40000 - 50000 عام. هذا يدل على أنّ البشر تطوروا وتكيفوا مع البيئات الجديدة عن طريق الحصول على جينات من أنواع أخرى قريبة لهم. تعد هذه المرة الأولى التي يظهر فيها بشكل لا لبس فيه أنّ جين من نوع آخر من الإنسان قد ساعد الإنسان الحديث على التكيّف مع بيئته. تم نشر نتائج هذا البحث في دورية Nature. ذكر الباحثون أن أول تقييم لانتشار هذه النسخة من جين EPAS1 في التبتيين كانت في عام 2010، و التي تمت بعد إكتمال معرفة تسلسل جينوم العديد من الصينيين من عرق الهان – الأكثر انتشارا - والتبتيين. النسخة المرتبطة بالإرتفاعات العالية كانت موجودة في حوالي 87% من سكان التبت، مقارنة بـ 9٪ فقط من الصينيين الهان، الذين لديهم نفس السلف المشترك لعرق التبتيين. وتم تفسير هذه النتائج بالانتقاء الطبيعي للتكيّف مع انخفاض مستويات الأوكسجين على هضبة التبت. هذا يعني أن التيبتيين الذين لم يمتلكوا هذه النسخة من الجين، ماتوا قبل تناسلهم بمعدل أعلى بكثير من أولئك الذين إمتلكوا تلك النسخة. (1)
للتأكد من فرضيتهم، قام العلماء بتحليل تسلسل الحمض النووي لجين EPAS1 في عدد إضافي من التبتيين والصينيين الهان (40 شخص في كل مجموعة). كشفت البيانات أن نسخة الارتفاعات العالية من EPAS1 غير إعتيادية، بحيث أنها لا يمكن أن تأتي إلا من فصيلة الدينيسوفان Denisovans. بصرف النظر عن وجود النسخة المنخفض في الصينيين من عرق الهان، إلا أنها غير موجودة في الأعراق البشرية الأخرى بما فيها الميلانيزيين، الذين يحتوي 5 % من الجينوم الخاص بهم على تسلسل حمض نووي من فصيلة الدينيسوفان Denisovan. (الجدير بالذكر أن نسخة عالية الجودة من تسلسل الحمض النووي لجينوم الDenisovan قد تم نشرها في عام 2012، بعد إستخراج الحمض النووي من عينة عظام وجدت في كهف في سيبيريا. )
(1)
http://www.nature.com/nature/journal...ture13408.html