اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة binbahis
في لعبة دوم الشهيرة (وأنا منذ صغري وما زلت حتى الآن وأنا في عمر الكدح والوظيفة مغرما بألعاب الحاسوب) لا تكاد تخرج من غرفة البداية وتمشي قليلا حتى يصادفك الباب الأزرق الذي تقع خلفه بوابة نهاية المرحلة، وعلى بعد خطوات قليلة من الباب الأزرق جدار شبكي تنظر من خلال ثقوبه فترى المفتاح الأزرق، ولكن لكي تدخل إلى غرفة المفتاح الأزرق يجب عليك أن تعبر الباب الأصفر أولا، وهذا لا يوصل إليه إلا بعبور الأحمر (ولهذين مفاتيحهما بالطبع)! هذه كانت نكتة دوم الأزلية، فلكي تبلغ هدفا بالغ القرب منك يجب عليك أن تلف الدنيا أولا بإمساك الطريق من بدايته ثم بعبور مراحل الطريق بترتيبها الصحيح.
حدث معي شيء مشابه في رحلة خصامي مع تخلف شعوبنا المسكينة، فقد فتحت عيني ووعيت على هذه الدنيا فرأيت أمامي الباب الأزرق (تخلف شعوبنا) ورأيت بعض الناس يحاولون أن يغيروا فتأثرت بهم ورحت أكتب المقالات وأنشرها رغبة بالمشاركة مع المشاركين في تغيير هذا الواقع الحزين. بعد عدة سنوات –قضيتها في أحضان عائلة تعبد أصنام المقدسات الموروثة- تحررت من أصفاد الدين لما انهارت قناعتي بالإسلام مرة واحدة وفقد قداسته عندي تماما، ومع انهيار قداسة الإسلام أخذت أكتشف بالتدريج أني كنت ضحية نظام شمولي يكرهني على ألا أرى العالم إلا من خلال أعينه وعبر الفلاتر التي يختارها لي بنفسه. لم أكشف للناس عن أوراقي كاملة بالطبع فلم أخبرهم عن تحرري من عبادة أصنامهم ولكني رحت بعدها أحاول أن "أصلح" أصنامهم كي تغدو أكثر ملاءمة لقيم العلمانية وانسجاما مع الحضارة (يمكننا أن نمثل لهذه المرحلة بالباب الثاني الأصفر). في البداية أردت أن أنبه الناس إلى إمكانية ملاحظة الأمور وفهمها من زوايا أخرى لم يعتادوها دون أن أخاطر بكشف أوراقي كاملة--أقول كاملة لأني اضطررت إلى كشفها جزئيا فصرت أدعى "هاد اللي بينخاف عليه من عقله" بعدما كانت سمعتي أني من أكثر من عرفوه تدينا وورعا، بيد أني ما لبثت بعدها أن اصطدمت بالعقبة الكبرى التي تقف في وجه أي مصلح حقيقي في جزئنا البائس من العالم: الإسلام وحرية الفكر والتعبير في دين الإسلام الشمولي.
مشكلة الأنظمة الشمولية أنك مهما بذلت جهدك في إصلاحها، مشكلتها أنها ترى امتلاكها للعالم بأسره أمرا بديهيا، بما في ذلك امتلاك "إعادة صياغة وتعريف المفاهيم" على هواها دون أن يسائلها أحد (والويل والثبور لمن يجرؤ على مجرد التفكير في ذلك). فالإسلام يملك مثلا أن يقول لي إن التفكير فضيلة شريطة أن يكون عند "مشروع مؤمن" (أي "كافر" يفكر في اعتناق الإسلام) أو مؤمن سيزيده "تفكيره" إيمانا! ولكنه رذيلة وأي رذيلة في حالة المسلم إذا ذهب يقارن دينه بغير دين الإسلام أو باللادينية وهو متجرد متحرر من "صمامات الأمان" التي يفرضها عليه الإسلام، ولا تستطيع أن تفتح فاك بحرف واحد في نقد هذه الازدواجية الصارخة، فدين الإسلام فوق الجميع وفوق كل شيء، هو فوق الناس وفوق ممتلكاتهم، بل وحتى فوق مفاهيمهم ومنطقهم، فإن قال الزعيم الكبير (الله) إن اثنين زائد اثنين تساوي خمسة لأضحى قول خلاف ذلك جريمة يُعاقب قائلها في المجتمع المسلم، فالأنظمة الشمولية لا تتقبل الإصلاح ولا تتحمل أن تسمع كلمة نقد واحدة. هذه هي الأنظمة الشمولية: احتكار ومزاودة وإقصاء. من أجل ذلك فالخصومة بين الإسلام وقيم العلمانية (بما فيها من حرية الفكر والتعبير) هي خصومة صراع وجودي تماما، فهما كالليل والنهار والنور والظلمة واحدهما نقيض الآخر فلا يصطلحان ولا يجتمعان. وكبرى قيم العلمانية هي حرية الرأي والتعبير، فهي صمام الأمان الحقيقي ضد الأفكار الفاسدة وبدونها يمكن لأكثر الأفكار سخفا أن تعمر إلى الأبد إن وجدت طريقها إلى عرش المقدسات.
بغض النظر عن المعارك الجانبية في نقد دقائق الإسلام وتفاصيله، تبقى المعركة الكبرى الحقيقية التي تحسم الحرب هي إنزال الإسلام عن عرش الشمولية، وأن تنزع عنه هذه "الواسطة" (من قال إن الواسطة مصيبة حين تكون في الدوائر الحكومة فقط!) التي تجعله فوق "القانون"، فوق المنطق والأصول الأخلاقية واللغة، فيخبص في العلوم المعروفة (وصف خرافي غائي للكون والأرض والسماء إلخ) والحساب والرياضيات (العول في الإرث) والأخلاق (ازدواجية المعايير الصارخة بلا ذرة حياء، بالإضافة إلى بربرية العديد من أحكامه) ثم لا يحاسب ولا يسأل عما يفعل مهما فعل بل تنقلب الآية فيُجرّم ويعاقب من لفت النظر إلى هذه التجاوزات!
بالنسبة لي اليوم، هذا هو الباب الأحمر: باب كسر الاحتكار الشمولي لأي فكر أو عقيدة مهما كانت وتقديم قيمة حرية الفكر والتعبير (وأن الفكرة لا يمكن أن تجرّم ما لم ترافقها أفعال تؤذي الآخرين) على أي قيمة أخرى، الباب الأساسي الذي تبدأ من بعده رحلة فتح الأبواب الأخرى التي تليه، وهو أصعب الأبواب وأكثرها استعصاء، فإن فتح بعد جهد هان ما بعده. والأنظمة الشمولية تعي ذلك جيدا، ولذلك فهي تحرص على سد هذا الباب دوما على مبدأ "الباب اللي يجي لك منه ريح سدّه واستريح" ولا تجدها أحرص على شيء من حرصها على ألا تمس أركان عرش قدسيتها، كي تضمن استمراريتها إلى الأبد بقوة الجماهير المستغفَلة رغم كل ما تحفل به من عيب ونقص يراه كل متجرد حر.
|
تحياتي العطرة


الخبر الحزين :الاسلام كنظام شمولي حاكم بخير و سيبقى بخير لمدة اطول.
رغم الدعاية السلبية التي يقدمها الارهاب عن الاسلام، و رغم مشاريع الاسلام السياسي الفاشلة، و الخطاب الديني المتخلف، و ادوات العلمنة المتقدمة ، و رغم الخلل الاصيل في ماكنة هذا النظام ، فالنظام بخير و مازال يعمل بمرونة عالية.
صناديق الاقتراع و الانتخابات الحرة النزيهة ستأتي بالاسلاميين كل مرة ما لم يتم حظر انشطتهم السياسية بقانون مثير للجدل و ينتهك حرية الفكر و التعبير.
اذ ما زالت الشعوب المسلمة عامة تظن خيراً في الاسلام و تراه المعيار القياسي لكل شئ. نعم، كل شئ بلا استثناء.
هل تكمن المشكلة في جبروت الآلة الدينية الملتحفة بتراث تراكمي عمره 14 قرن ؟
ام تكمن في ضعف التيار التنويري بكل اتجاهاته وسطياً كان ام متطرفاً ؟
ام الاثنين معاً ؟
كيف لنا ان ننزل الحاكمية الدينية من عرشها ، و شعوبنا مازالت تنظر للطبيب بريبة و شك و تطرح كل ثقتها بالشامان المحلي و الراقي و الحجام ، مع ما للطب من مساس جوهري بحياة المجتمع و صحته ؟
هل يتعيين على المثقف العربي ان يتنازل هو الآخر عن عرشه و منفاه الاجتماعي الإختياري البائس ، قبل ان يطالب الله بالتنازل عن العرش ؟
لدى المسلم المتوسط اليوم عشرات الشكوك في دينه، تبددها صلواته الخمس و جلساته العلاجية الاسبوعية في المسجد.. فهل ستغني صالوناتنا الثقافية عن هذا البرنامج العلاجي الموغل في القدم ؟
هل سنرفع شعار " الالحاد هو الحل " مقابل " الاسلام هو الحل " ، و نحن نعلم ان المشكلة هي اكبر بكثير من هذا و تتجاوز في عمقها و رسوخها المنظومة العقائدية للمجتمع الى فساد و تفسخ حقيقي في الاسس الاخلاقية و المنظومة الثقافية لهكذا مجتمع من البيت و في المهد ؟
اتمنى من الجميع ان يساهم معنا في اثراء هذا الموضوع المهم كي لا نسقط في فخ احادية التوجه الفكري و نحن الد اعداء هذه الاحادية.


