الأسلام اليوم مؤسسة متكاملة الاركان. و يكمن هم هذه المؤسسة في التلون و البقاء بأي ثمن. وهي برغماتية الدين التي تقضي بأن وجود اصدار مطور منه خير من انقراضه.
و كأي مؤسسة مادتها الأصلية في الجماهير - الرعية، فأن هذا الهم-الهاجس سيبقى دوماً في جانب اجتذاب الجمهور بدلاً من تنفيره و النأي بالحرفية العقائدية والانفتاح على الهرمنطيقيا الضامنة لتدفق اكبر كم من الرعية في احسن الاحوال ، او الحفاظ على الكم الموجود من الخروج من دائرة الايمان في اسوأها.
و من هنا ، فأن حركة التاريخ و حتمية التغيير ربما ستؤدي الى ذوبان الحرس القديم للشريعة الحرفية في الدماء الجديدة الطموحة الى العصرنة و اللحاق بركب هذه الحركة في نهاية المطاف.
لقد شهد التاريخ مصالحات الدين مع الشيطان شخصياً تحت قبة تزاحم المصالح و دفع الافسد بالفاسد. و رغم الانقسامات المنبثقة بين الخط الرجعي المحافظ و الخط الإصلاحي المتشيطن ، كانت الغلبة للأخير في كل مرة.
سيحاول هذا الدين ، تماماً كأخواته البكر ، ان يلبس ثياباً عصرية بالهرمنطيقيا ، و تجاوز ظاهر النصوص الشرعية الى ' روح ' النص و عمقه الصوفي على حساب الكونكريتية السلفية ، عملاً بسنة التطور القاسية و بجدليتها بين الأخذ بالتطور او الانقراض.
و رغم ان كل الظروف تشير الى امكانية حدوث قفزة نوعية في الاصدار الجديد ، فإن هذه الوصفة ينقصها مكون يكاد يكون مختفياً. هذا المكون يتمثل في التيار العلماني الناطق بلغة القرآن و العرب و الاقرب الى الشيطان بمفهوم السلفية.
انه تيار خجول ، مطارد، و محكوم عليه بالردة و الزندقة و الهرطقة ، سئ السمعة ،فردي النزعة ، متهتك ، و متطرف اخلاقياً ، ينحو الى الصدام العنتري الراديكالي رغم قلة جمهوره و افتقاره الى شجاعة المواجهة.
انه تيار يمارس العلمانية في المقهى و الاسلام السلفي في البيت. تيار ما زال يعزف شبابه و شيوخه عن التزويج بشابة تحمل ثقافة التمرد على الدين او تنحدر من اسرة ليبرالية. هو تيار علماني نظري بلا مرجعية و لم يستوعب بعد اصالة احتضان الخطأ في التطبيق و الاستفادة منه لأنه لا يقوى على التجربة.
( اقف بكل خشوع لقافلة شهداء العلمانية العرب و لن ابخس دماءهم فهم استثناء تاريخي خالد يستثنى من كل نقد سلبي او تعميم)
وعلى هذه الرؤية المتشائمة التي لا تخلو من ظلم للأقلية الناضجة في هذا التيار ، يمكن إحتساب جزء كبير من انتصارات الاسلام السياسي لتفرده في الساحة و اغتنام الجماهير تحت جبته لا لقوة اصيلة فاعلة فيه بل لغياب البديل العلماني العربي الرصين عن ساحة المواجهة و اعتكافه في مقاهي المهجر او منفى الداخل.
هذه السطور دعوة متكررة الى بلورة نفس علماني عربي متعقل ، يستند الى مرجعية الواقع المذكورة في هذا المقال.
|