عرض مشاركة واحدة
قديم 08-18-2016, 06:02 PM مُنْشقّ غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [8]
مُنْشقّ
عضو عامل
الصورة الرمزية مُنْشقّ
 

مُنْشقّ is on a distinguished road
افتراضي

قد لا أختلف معك كثيرا حول ما تقوله، فهو كلام تاريخيّ في كثير من جوانبه. أنا كإنسان مادّيّ، أعتقد بأنّ الإسلام كدعوة سياسيّة ما كان لها لتنجح لولا تعاملها تعاملا براغماتيّا مع ظاهرة العبيد، الإماء، الأسرى... لو لا ظهور قوانين و تشريعات إسلاميّة تقنّن مسألة العبيد و الأسرى، لما استمرّ الإسلام في الوجود. لذلك فهذه نقطة تحسب للإسلام باعتباره دعوة سياسيّة تميّزت بالواقعيّة و المواكبة.

لكن، يكون هذا الكلام صحيحا فقط بالنظر إلى الإسلام باعتباره دعوة سياسيّة أرضيّة، لا دينا إلهيّا. لأنّ افتراض أنّ الإسلام دين من عند الله، يتضمّن افتراضا خطيرا و إجباريّا مفاده أنّ دينا إلهيّا لا يستطيع أبدا التعامل مع ظاهرة الاستعباد بأيّ شكل من الأشكال؛ و هنا يقع الزملاء المسلمون في التناقض. لأنّ الأخلاق عند الله مطلقة، إمّا أن تكون العبودية مرفوضة ماضيا و حاضرا، أو تكون مقبولة ماضيا و حاضرا، هذا في إطار المنظومة الأخلاقيّة المثاليّة للأديان عموما. أمّا في إطار منظومتنا الأخلاقيّة الماديّة، و التي تتميّز بالتطوّر و التغيّر و النسبيّة، و المبنيّة على مفهوم تطوّريّ هو الانتخاب الجماعيّ Group Selection ، تكون العبوديّة ظاهرة جيّدة أخلاقيّا، خيِّرة و مطلوبة في زمن من الأزمان، غير أنّها تصبح رجعيّة، مرفوضة أخلاقيّا، و غير مقبولة في زمن آخر. إنّها أخلاقنا الماديّة النسبيّة غير المطلقة.

يقوم الزملاء اللادينيون و المسلمون على حدّ سواء بأخطاء منهجيّة في مقاربة ظاهرة العبوديّة. فالكثير من اللادينيّين يتعاملون مع هذه الظاهرة تعاملا مثاليّا، كأنّهم هم المتديّنون لا غيرهم، و يفترضون أنّ العبوديّة يجب أن تكون مرفوضة في كلّ الأزمان، و بناءًا عليه يخوضون تجربة من النقد غير المنهجيّ للإسلام. متناسين أنّ هذه الدعوة السياسيّة المسمّاة إسلاما، ما كان لها لتنجح و تنمو لولا سنّها لقوانين تشرّع العبوديّة، و أنّ مقتضيات الانتخاب الجماعيّ فرضت على المسلمين الانخراط في هذه المنظومة الاستعباديّة كمستعبِدِين و إلّا دخلوها كمستعبَدين. شخصيّا، لو كنت حيّا في القرن السابع، لدخلت كمستعبِد لا كمستعبَد. هذا يسمّى واقعيّة.

أمّا الخطأ المنهجيّ الذي يقع فيها الزملاء الدينيوّن، و على رأسهم إخوتنا المسلمون، فو محاولتهم تبرير العبوديّة من وجهة نظر تطوّريّة تاريخيّة، و هذا خطأ منهجيّ آخر. لأنّ من يؤمن بإله ثابت مصدرٍ للتشريعات الأخلاقيّة، يؤمن حتما أنّ الخير خيرٌ منذ بدء الخليقة و إلى فنائها، و أنّ الشرّ شرٌّ منذ بدئها و إلى فنائها. لذلك تكون محاولة تبرير العبوديّة التي انخرط فيها الإسلام من باستعمال مقاربة ماديّة خطأ منهجيّا، لأنّه يتناقض مع أبسط قواعد الدين الإسلاميّ '' الناس سواسية كأسنان المشط '' و حديث '' لا فرق بين عربيّ و عجميّ إلّا بالتقوى ... '' و هو مقولات أخلاقيّة مطلقة لا تقبل الاستثناء و لا التطوّر و لا العرضيّة؛ لأنّها أوامر الله الصالحة لكلّ زمان و مكان.

خلاصة: يجب على الدينيّين، و على رأسهم الزميل صاحب الموضوع، أن يكفّوا عن مقاربة موضوع العبوديّة مقاربة ماديّة. لأنّ الأخلاق الإسلاميّة المثاليّة مطلقة و لا يفترض فيها القابليّة للتغيّر و التطوّر. كما يجب أن يكفّ اللادينيّون عن معاملة ظاهرة العبوديّة معاملةً مثاليّة، لأنّهم لو كانوا عاشوا في القرن السابع بنفس أفكارهم هذه، لكانوا طرفا في هذه الظاهرة غالبا، إمّا عبيدا أو مالكي عبيد، و خير مثال لدينا هم '' الآباء المؤسّسون '' لأميركا، و الذي يعرف عنهم معاداتهم للعبوديّة و ريادته للحركة المناهضة لاستعباد الأفارقة في أميركا، في الوقت الذي كانوا فيه أنفُسُهم ملّاكا للعبيد و على رأسهم جورج واشنطن، توماس جيفرسون، بينجامين فرانكلين و حتّى لينكولن! و باقي '' الآباء '' الذي أسّسوا أميركا و كتبوا دستورها. هذا لم يحدث منذ أربعة عشر قرنا، هذا كان يحدث من ثلاثة قرون فقط في أميركا! و بس :)



التعديل الأخير تم بواسطة مُنْشقّ ; 08-18-2016 الساعة 06:20 PM.
:: توقيعي ::: الدينُ أفيون الشعوب.

“What can be said at all can be said clearly; and whereof one cannot speak thereof one must be silent”
  رد مع اقتباس