محاربة طواحين الهواء
هذا الموضوع هو باكورة مشاركاتى فى المنتدى و اتمنى أن يمثل إضافة جيدة
محاربة طواحين الهواء
هناك رواية شهيرة للروائى الأسبانى ميغيل دى ثيربانتس تسمى (( دون كيشوت )) ، و يروي المؤلف في كتابه هذا ما حدث لنبيل كان يعيش في إقليم لا مانتشا الإسباني، ولا يملك سوى درع ورمح وفرس إلا أن هذا لم يمنعه من أن ينصب نفسه فارسًا متجولًا برفقة فلاح بسيط من جيرانه يدعى سانشو بانثا، معتقدًا أن من واجبه محاربة الظلم والظلام في كافة بقاع الأرض.
قاتل دون كيشوت ضد العديد من العملاقة من وجهة نظره مثل طواحين الهواء والذي توهم أنها شياطين ذات أذرع هائلة حيث اعتقد أنها مصدر الشر في الدنيا، فهاجمها غير مبالٍ إلى صراخ تابعه وتحذيره له، حيث رشق رمحه تجاهها فرفعته أذرعها في الفضاء ودارت به وطرحته أرضًا فرضت عظامه.
و يضرب المثل بدون كيشوت لمن يفتعلون معارك وهمية لا منطقية تشبه معارك دون كيشوت ضد طواحين الهواء.
ودائما ما استحضر هذا المثل عندما أتابع معارك اللادينيين مع الأديان بشكل عام و الإسلام بصفة خاصة باعتباره الخلفية الدينية لشعوبنا العربية.
فاللادينيون العرب باعتبارهم يمثلون فصيل من "النخبة المثقفة" يفترض أنه يؤرقهم الحال الذى وصلت إليه الشعوب العربية من تراجع و تقهقر على كافة الأصعدة بحيث أصبحنا و بجدارة فى ذيل الأمم و يتضح هذا جليا إذ علمت أن بلدا كبيرا و محوريا كمصر وأكبر بلد عربى من حيث عدد السكان يحتل المركز 139 فى جودة التعليم على مستوى العالم ويحتل المركز 88 فى مؤشر الشفافية و مكافحة الفساد و يعيش 11 مليون شخص فى العالم العربى على أقل من دولار فى اليوم وهو ما تصنفه الأمم المتحدة باعتباره "فقرا مدقعا" ، و تزيد نسبة الفقر بمصر عن 25% .
لكنهم بديلا عن أن يضعوا أيديهم على موطن الداء وأس البلاء وهو تغييب الديموقراطية و التعددية السياسية و حرية تكوين الأحزاب و حرية الرأى و التعبير و التداول السلمى للسلطة من خلال آلية الانتخاب من قبل الأنظمة الديكتاتورية و ما يتفرع عن ذلك من غياب الرقابة الشعبية و المحاسبة و ما يستتبعه من تفشى الفساد و عطب الجهاز الادارى و خلل فى منظومة العدالة و تردى الاقتصاد و تضعضع التعليم و غياب البحث العلمى و التخلف التقنى ، ذهبوا يفتعلون معارك وهمية مع الدين كتلك التى خاضها كيشوت ضد طواحين الهواء لن يجنوا منها سوى اهدار الوقت و الجهد و التشتيت و الانصراف عن المعارك الحقيقة.
و الذى توصل له البحث العلمى أن البشر مبرمجون على الإيمان بوجود إله وأن الأديان تستند إلى قوة سيكولوجية هائلة وأن هناك أجزاء من المخ مرتبطة بالمشاعر و التجارب الدينية وأن النشاط الكهربى بتلك الأجزاء يمنح الإنسان الشعور بالروحانية. لذا يذهب عالم النفس البريطانى بروس هوود إلى أنه من غير المجدى محاولة صرف الناس عن المعتقدات الدينية لأنها متأصلة فى تكوينهم.
فالدين, و الإسلام كحالة خاصة مرتبطة بأمتنا، طاقة هائلة و مصدر قوة رهيبة و محاولة إفنائها نوع من العبث لكن الأجدر بالمحاولة هو تطويعها وتكييفها و محاولة الاستفادة منها كقوة دافعة فى الاتجاه الصحيح و ذلك من خلال تشجيع القراءات العقلانية المستنيرة و الموضوعية للنصوص وليس محاربتها و إهدار الجهد فى محاولة تفنديها باعتبارها "ترقيع" أو تلميع أو تصورات دخيلة ، عوضا عن أن يستغل تلك القوة الحكام الفاشيون أو التنظيمات المتطرفة كقوة هدامة أو يوظفوها كأداه تخدم أغراضهم التى تتعارض بطبيعة الحال مع مصالح الشعوب.
|