عرض مشاركة واحدة
قديم 08-11-2016, 05:56 PM فينيق غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [8]
فينيق
عضو ذهبي
الصورة الرمزية فينيق
 

فينيق is on a distinguished road
افتراضي البُستان التطوريّ {8}: تطور دوّار الشمس

البُستان التطوريّ {8}: تطور دوّار الشمس


يكون اسمه العلميّ الشهير هو Helianthus annuus L ويشكّل اسم مُعتمَدْ بشكل حرفيّ، حيث ان الاسم Helianthus مُشتقّ من مصطلحات يونانيّة helios, sol و anth(us) flor وهي اشارة مباشرة لسلوك هذا النبات وفق التوجُّه الشمسيّ heliotropismo أي توجّه الازهار والاوراق نحو الشمس. أما annuus فيعني باللاتينيّة anual وسنويّ بالعربيّة ويُشير لدورة النموّ والتكاثر لهذا النبات حيث انه بتلك الحقبة الزمنية يحصل الالقاح، النمو، الازهرار، انتاج البذور والموت.

فهذا النبات " الزهور الشمسيّة " ينضوي الى جانب نبات الخسّ، الأرضي شوكي، البابونج، اضراس الاسد وغيرها بمجموعة ضخمة من النباتات المعروفة باسم الفصيلة النجميّة Asteráceas ، تكون هذه الفصيلة، دون شكّ، الأكثر نجاحاً في مملكة النباتات، حيث تسجّل رقم قياسيّ بالتنوع البيولوجيّ كونها تضمّ أكثر من 20000 نوع موصوف بيومنا هذا ضمن أكثر من 1000 جنس. مع ذلكوبخلاف ما يقوله احساسنا العام، فلا تكون هذه " الورود " الجميلة لهذه المجموعة من النباتات كما تظهر.

إلى اليسار: زهرة الخسّ Lactuca sativa ، إلى اليمين: زهرة الأرضي شوكيCynara scolymus


يُشتقّ مُصطلح الفصيلة النجميّة Asterácea من الكلمة اللاتينيّة aster, estrella ويكون هذا الاسم شاعريّ { بالعربيّة: نجمة }، وفي الواقع نحن لسنا امام زهور رومانسيّة تصادفنا بلحظات شاعريّة ما، انها ليست ازهار وأقوله بشكل جدّي؟؟؟!!!! في الواقع، هي تشكّل ازهرار: مجموعة من الازهار التي تشكّل باقة، ولكن في حالتنا هذه لدينا باقة مُندمجة بشكل هائل فيما بينها. وفق هذه الصيغة، فيما لو يُطلَقْ اسم سنبلة او سنابل على ازهرار القمح أو الشعير، فإنّ ازهرار النوع margaritas المنتمي للفصيلة النجمية يسمى: فصول أو فصوص capítulos.

حيث حين تكون الازهار منفردة، فستكون عبارة عن كائنات صغيرة جداً جداً. كذلك يمتلك هذا الكائن الدقيق بتلات، أسدية والمياسم كأيّ زهرة أخرى، لكن بدرجة متقزمة فقط. فيما لو نقتطع زهرة ونعبر مركزها سنرى ما افترضنا أنّه كان " مركز الزهرة " الذي يشكّل قاعدة واسعة تسمى التخت receptáculo وعلى هذا التخت تجلس الازهار الدقيقة وتُعتبر كل زهرة منها عبارة عن حامل لبذرة وحيدة.

هي عبارة عن ازهار تمتلك 5 بتلات ملتحمة مشكِّلة انبوب. كذلك تمتلك 5 أسدية خارجة من الانبوب هذا، كذلك تلتحم تلك الأسدية فيما بينها لتشكّل إنبوب. هكذا نجد أنّ البتلات تشكّل انبوب وضمنه تشكّل الاسدية انبوب آخر. يظهر اعتباراً من الانبوب المتشكل من الاسدية الميسم وهو العضو المُستقبِل لحبوب الطلع في الزهرة. بالاضافة لاننا نعثر بتلك النباتات على نوعين اساسيين من الازهار، تسمى احدهما lígula وتقلّد بتلة، يسمى النوع الآخر من الازهار flósculo ويقلّد السداة، لكن هل ما تزال تُعتبر ازهار كاملة ومشهدها عبارة عن تقليد محض؟!


نهج ازهرار inflorescencia مركبات الفصيلة النجميّة Asteraceae


باعتبارها نباتات تؤسس استراتيجيتها على استعمال الحشرات بنقل حبوب الطلع والتلقيح،ومع درجة الاندماج بينها هذه،يتم السماح لكثير من ازهارها ان تكون محطّ زيارة بذات الوقت من ذات الحشرة. كذلك يمكن القول بناء على قاعدة نوعي الازهار المذكورين اعلاه lígulas و flósculos بأنّه يوجد ثلاث انواع رئيسيّة من الازهرار في عالم الفصيلة النجميّة، asteráceas ، ويمكن رؤية تلك الانواع الرئيسيّة في الصورة التالية، حيث يكون لدينا ثلاث أنواع تعيش بشبه الجزيرة الايبيريّة من النباتات، هكذا نجد:

يمين الصورة،نوع Chrysanthemum coronarium ويمتلك lígulas باطرافه و flósculos في مركزه،انها مجموعة ازهار، ازهرار وتقليد زهرة.
في حالة نبات الخسّ الذي نزرعه بحقلنا، كذلك بحالة نبات ضرس الاسد وانواع أخرى، مثل نوع Sonchus tenerrimus في يسار الصورة، نجد فصوص متكونة فقط من lígulas
بالنهاية يوجد غيرها، تستقبل اسماء متعددة من قبل بعض اجدادنا، حيث تحتوي فقط على flósculos، هذا هو حال الأرضي شوكي المزروع أو نوع Senecio vulgaris وسط الصورة أدناه.

بعض ممثلي الفصيلة النجميّة في شبه الجزيرة الايبيريّة، من اليسار الى اليمين
Sonchus tenerrimus, Senecio vulgaris, Chrysanthemum coronarium


يبرز ملمح آخر مميّز للفصيلة النجميّة هو ثمرتها. حيث يسمى الفقيرة aquenio ويتكوّن من " جدار مقاوم " يحيط بالبذرة. لقد تشكّل هذا الجدار في الواقعاعتباراً من التحام كل طبقات الثمرة بصورة غطاء واقٍ. لتكوين فكرةK تشكّل القشرة الرقيقة والقاسية لدوّار الشمس ما يعادل قشرة ومحتوى التفّاحة. ميزة اخرى لثمار الفقيرة، هوانها لا تنفتح { بعكس غمد البقوليات } إلّا لحظة الإنتاش. وكذلك تتضمّن الفقيرات بذرة وحيدة واحدة فقط.

عندما نتحدث عن الفقيرات، فنحن نُشير حصرياً لبذور دوّار الشمس. فبمجرد انخلاع القشرة تتحرّر البذرة العارية بشكل كامل تقريباً { حيث تغطى بصفيحة رقيقة جداً نصف شفّافة }. وهي البذرة التي نأكلها نحن وحيواناتنا، وكذلك هي المادة الأساسيّة لاستخراج زيت دوّار الشمس. وكما تعلم فكل مرّة تأكل بها بذرة دوّار شمس، فأنت تأكل جنين ثمرة نباتيّة مع كامل مخزوناتها الطاقيّة.

تنوعات لثمرة الفقيرة: 1دوّار شمس Helianthus annuus
2 ضرس الاسد Taraxacum sp ، 3 الدردار Ulmus campestris
4 ثمرة جنس Xanthium

برّي مقابل المزروع. معاً ومطواعان

يحتفظا دوّار الشمس المزروع والبرّي فيما بينهما بكثير من الفروقات:
فلا يتمكّن النوع البرّي من تحقيق الإلقاح الذاتيّ، وساقه الرئيسيّ غنيّ بالفروع وكل فرع منها يقوم بانتاج الازهرار وهي بدورها مُختصرة ووافرة،وبذات الوقت ثمارها قزميّة بشكل مثير. من جانبه النوع المزروع، قادر على تحقيق الإلقاح الذاتيّ، يمتلك ساق رئيسيّ يفتقر للتفرعات وينتهي بمكان ازهرار رئيسيّ وتكون ثماره ذات قياسات كبرى.
يمكن إجمال تلك الفروقات الواضحة في الجدول التالي:

جدول مقارنة بين دوّار الشمس البرّي والمزروع


بالرغم من كل هذا الفارق بينهما، فإنّ كلاهما يشكلان ذات النوع Helianthus annuus وينموان سوياً في الولايات المتحدة والمكسيك، واحد في حقول الزراعة وآخر في حدودها. كذلك يُزهران بذات الفترة { بنهايات شهر مايو أيّار وصولاً لأكتوبر تشرين أوّل } ويتلقحان كلاهما بواسطة النحلوحشرات شبيهة.
هذا يفترض حصول مشكلة، خصوصاً بالنسبة للزراعات المعدلة وراثياً لدوّار الشمس، باعتبار انهما يشكلان ذات النوع، فيتهاجن النوع البرّي والمزروع بسهولة هائلة.

اضافة لأنّ تهجينات كتلك تكون خصبة بشكل كامل. وهنا تكمن إحدى مشاكل الدوّار المعدّل وراثياً، حيث لا يمتلك شيئاً يُفيد الصحة البشريّة، بل مع الزراعة البيئيّة: يمكن للدوّار " المعدّل وراثيا " العبور للجماعة البريّة من نوع مزروع، ما يؤدي لتغيير تلك الجماعة وبتبعات لا يمكن توقعها للنوع المتأثِّر ولاجل باقي النظام البيئي.


مقارنة بين دوّار الشمس المزروع، إلى اليسار،ودوّار الشمس البرّي إلى اليمين


يُعتبر دوّار الشمس بالوقت الراهن أحد المصادر الهامّة لازهار الزينة والبذور في المعجنات المختلفة، لكن تبلغ أهميته ذروتها على المستوى العالمي: باستخدامه لانتاج الزيت النباتيّ الأكثر انتشار.

تعود أهمية هذه البذور { سيما التنوعات الحديثة منها } على الصعيد الصناعيّلغناها الهائل بأنواع الدهون A.K.A. grasas وهي احماض دهنية غير مُشبعةونستهلكها نحن على شكل " زيت للمطبخ ". تتشكّل الثلاث احماض دهنية الرئيسية في دوّار الشمس، من: حمض زيت الكتان { 66.9% من كامل المحتوى الدهنيّ،حمض الزيتيك { 18.1% وحمض النخليك { 6.5% } ولو أنّ تلك النسب يمكن أن تتغيّر بحسب النوع، اضافة لانه لا يحتوي كوليسترول أبداً. كذلك يكون دوّار الشمس غنياً بالاملاح المعدنية مثل المغنيزيوم،الفوسفور والبوتاسيوم، كذلك يحتوي على فيتامينات مثل ب1 { التيامين }، ب3{النياسين }، ب6 وفيتامين إي، كذلك يُعتبر دوّار الشمس مصدراً لحمض الفوليك البالغ الاهميّة للحوامل.
يبلغ انتاج زيت دوّار الشمس ما يكافيء 8% من الانتاج العالميّ من الزيوت النباتيّة، ويأتي قبله زيت الصويا { 55% }، زيت السلجم { 14% } وزيت القطن{ 10% } تشكّل روسيا البلد المنتج الاول له بحيث بلغ انتاج البذور بين العامين 2008 / 2009 حوالي 7 مليون طنّ، وبعد روسيا يأتي الاتحاد الاوروبي، أوكرانيا والأرجنتين.

أهم مُنتجي بذور دوّار الشمس في الفترة 2008/2009


وراثة معقّدة

لماذا ندرس عملية التدجين؟ لا يشكّل التدجين بالنسبة لعلماء الأحياء مجرّد معرفة تطبيقيّة لتحصيل تنوعات جديدة، أنواع جديدة أو حتى أنواع نباتيّةجديدة مفيدة للاستهلاك البشريّ، بل يذهب الاهتمام بالدراسة لأبعد من هذا،حيث تسمح دراسة التدجين بامتلاك معلومة مُباشرة لتطور الانواع الحيّة. منذ أن أبدى داروين رأيه بهذا، بخلاف الكثير من معاصريه، من حيث أنّ كثير من النباتات المزروعة والحيوانات المدجّنة ما هي إلا نتاج انتقاء منذ أصلها البرّي الاقدم وليست نتيجة خلق إلهي، يرى اليوم علماء الاحياء في عملية التدجينحدث مثاليّ لملاحظة التشابك بين التغيرات الجينية { الوراثيّة}والتغيّر الموروفولوجي { التشكُّلي } للكائنات الحيّة، كذلك المجرى الزمنيّ الذي يمكن لتلك التغيرات ان تحصل خلاله.

بُغية تحقيق عمل هامّ، يتحدث علماء الوراثة عن اعجوبة كبرى تسمى QTL .. لا حاجة للاصابة بالخوف!! فهذه الاحرف تشكّل اختصار لكلمات Quantitative Trait Locus حيث يشبه QTL مجموعة كتب تحتفظ كلها بالتصاق الكتاب بالآخر،وكلها بذات المكان، وكلها تتحدث عن ذات الموضوع وكلها تُشترى معاً { وليس فرادى أبداً}،بترجمة ما سبق إلى لغة بيولوجيّة: يشكّل QTL مجموعة من الجينات، كلها تُقيم جنبا لجنب، كلها تشغل منطقة محددة من الكروموزوم،كلها تساهم باعطاء ذات الملمح أو الميزة وكلها يتم توريثها كحزمة{ونادراً جداً على شكل منفصل }.

باستخدام QTL لدراسة الصلات بين الجينات والميزات،a نباتات مُشعِرة جداً وقليلة الشعر. b هجينة عن النباتات السابقة، c هجينة حتى الجيل الثامن منها،الخطوة التالية: تحديد المنطقة الجينية المُشتركة السهملكل النباتات { قليلة الشعر }. لقد عثرنا على المنطقة المتواجد فيها على الاغلب QTL المسؤول عن توليد " الكميات الكبيرة او القليلة من الشعر "


تسمح دراسة مجموعات الجينات تلك بتحديد ارتباطها بميزة محددة { حجم الثمرة،اللون وشكل الازهار، فترة الإزهرار أو الإلقاح ... الخ }، أو القول بشكل معاكس، تسمح برؤية انّ عناصر جينيّة تقف وراء ملامح محدّدة أو ميزات في الفرد. تساعدنا هكذا دراسات على فهم كيف يمكن لبنية جينية للنباتات المزروعة باجتماعها مع البيئة، أن تساهم بتوليد تنوّع الخضار التي نراها اليوم. سندرس التدجين باعتباره تطوّر ينفذه الانسان، وجرى العمل بمستوى جينيّ لتوليد التنوع النباتي، والتي تُخبرنا حول أيّة مجموعات جينيّة قد كانت منتقاة خلال تلك العملية.

يكونا نوعي النبات البرّي والمزروع مختلفين، حيث تكون الثمرة أكبر في النوع المزروع كقاعدة عامّة، التحكُّم بفترة النموّ والازهرار بما يناسب مصلحة المزارع،تفقد البذور قدرتها على الانتشار وتزداد قيمتها الغذائيّة،بذات الوقت تكسب النباتات القدرة على تحقيق الإلقاح الذاتيّ. يُعرف كل هذا باسم " متلازمة التدجين " ويكون مدروساً بسهولة من خلال QTL حيث من المعتاد أن تقف عناصر جينية وراء تغيرات هامّة في النباتات.لكن في حالة دوّار الشمس، هذه الآلية التي نجحت بدراسة الذرة، قد فشلت معه بصورة مثيرة.

في العام 2002، نشر فريق بحث بقيادة عالم الوراثة والمختص بدراسة الفصيلة النجميّة Dr. John M. Burke مقالاً في المجلة العلمية Genetics والذي انتهى بإيراد خبر سيء للغاية. فقد امتلكت استراتيجيّة QTL لأجل كشف العلاقة بين علم الوراثة والنمط الظاهريّ fenotipo نتائج لا طائل منها وقدرة ضئيلة لتفسير الفروقات القائمة بين دوّار الشمس المزروع ودوّار الشمس البرّي.بشكل غير متوقّع، وُجِدَ QTL لنباتات بريّة قد ولّدت ميزات خاصة بالنباتات المزروعة، وكذلك QTL لنباتات مزروعة قد ولّدت ميزات خاصة بالنباتات البريّة. وبالنهاية أشارت QTL للكرموزوم LG06 بأنّه قد جرى انتقاء ميزات غير مرغوبة لاجل النوع المزروع، الأمر الذي كان بلا معنى.لماذا يتم اختيار شيء لا رغبة فيه؟

ما الذي حصل بالضبط؟ يبدو أنّ هناك أشياء عديدة بذات الوقت تحصل. وبخلاف أنواع حيّة أخرى، فإنّ QTL لوحده قد أمكنه تفسير قسم جيّد من الفروقات بين النوعين البرّي والمزروع، نجد أنّه في دوّار الشمس، لكل QTL قد امتلك قدرة ضئيلة جداً لتفسير فروقات كتلك. وبحسب الباحثين فإنّ هذه الظاهرة تعود لحصول تغيُّر تدريجي من النوع البرّي الى المزروع. وفق هذه الصيغة تعمل كثير من QTL كمجموعة لتعطي كنتيجة دوّار الشمس المزروع، حيث يكون إسهام كل واحد منها صغير جداً. لدينا بالجانب المقابل الكروموزوم LG06 المتميّز بامتلاك QTL متصلة بملامح غيرمرغوبة بدوّار الشمس المزروع،لكنه امتلك كذلك علاقة قويّة بإنتاج الزيت! بناء على نتائج تلك الدراسات، عاد الانتقاء لذاك الكروموزوم لفترة قريبةولهذا لا يكون مرتبطاً بعملية التدجين البدائيّة ونعم مع الاصدار الحديث من هذه النبتة كمصنع للزيت. سيكون هذا الضغط الانتقائيّ الحديث قويّاً بما فيه الكفاية لاجل دفع انتقاء QTL للآثار المرغوبة بشكل قليل .

وجها الكروموزوم LG06 تُشير الاشرطة لمكان QTL في الكروموزوم. اللون الاسود: أثر مرغوب، اللون الابيض: أثر غير مرغوب. إلى اليسار: احماض دهنية مختلفة.إلى اليمين:DFlr إزهرار Lvs ، عدد وريقات الساق الرئيسيّ SDia قطر الساق، H/B عدد الزهيرات / الساق، AcWd عرض ثمرة الفقيرة، AcWt وزن الثمرة، Ray عدد جذور الوريقات، Brn عدد الافرع الجانبيّة، RySz حجم جذور الوريقات، Hght الوزن خلال الازهرار


لكن العلم يشكّل نشاط عقول قلقة من النادر أن تستسلم. ففي العام 2008نشر عالم الوراثة ودارس النباتات Dr. Mark A. Chapman والعامل حاليا في مكتب علوم النبات بجامعة اكسفورد / بريطانيا في واحدة من أهم المجلات العلمية المختصة بعالم النبات وهي The Plant Cell وثيقة قد أضاءتبالنهايةبشكل أكبر على هذا الموضوع.

من التنبؤات الاساسيّة للدراسة البيولوجيّة للتدجين: هو امتلاك " الجماعات " المدجّنة لتنوّع جينيّ أقلّ مما تمتلكه الجماعات البريّة التي تشكّل أصلها. ويعود هذا لسبب اقتضاء التدجين لانتقاء الجماعات المقيّدة كل مرّة أكثر بأفراد { الذين لا يكونوا سوى حاملي الملامح المُوجبة ليكونوا مدجنين } يمثلون نسبة مئوية قليلة من التنوّع الاجماليّ للجينات الموجودة بكامل النوع الحيّ.

أثبت بحث الدكتور Chapman وجود هذه الظاهرة في دوّار شمسنا، حيث أنّ جماعاته المزروعة قد كانت أكثر فقراً بالجينات من الجماعات البريّة. وذهب أبعد من هذا، حين أثبت بأنّ التنوعات " الأوليّة " لدوّار الشمس المزروع قد كانت أغنى جينياً من " الأحدث أو الحديثة ". بوقت لاحق تعرّض دوّار الشمس لضغط انتقائيّ سواء خلال فترة تحولها من النوع البرّي للنوع المزروع، كما في استمرار تطورها من اصداراتها المزروعة الأُوَلْ وصولاً للتنوعات الأكثر حداثة. وهذا ما تمّ تأكيده عبر دراسات أحدث تُشير لأنّ دوّار الشمس الحالي يحتفظ بما نسبته 67% من التنوّع الجينيّ لمقابله البرّي.

تنوّع جينيّ لدوّار الشمس البرّي نوع WILD والمدجَّنة البدائيّة primitivos والمدجَّنة المتقدمة avanzados ، تُشير الاشرطة للتنوّع القائم في كل مجموعة جينات قد تعرضت للانتقاء بفعل التدجين{الشريط الاسود }، والانتقاء بفعل انتقاء لاحق افضل { الشريط الرمادي}، ومن لم يتعرّض للانتقاء { الشريط الابيض } بكل نوع نباتيّ


بخلاف الدكتور Burke فقد اعتبر فريق بحث الدكتور Chapman بأنّ التصوير الجينيّ:" لم يزوّد بأيّ معلومة مُباشرة عن الأنماط الظاهريّة المتأثِّرة بالجينات المعثور عليها تحت تأثير الانتقاء، وبهذا تمّ إحراز التقدّم نحو خطوة هامّة، هي اكتشاف أنّ جينات تعرضت للانتقاء بالرغم من أنّ وظيفتها لم تكن معروفة. تمّ التوصُّل لتلك النتائج عند تركيز البحث المُباشر بجينات مختلفة لدوّار الشمس البرّي، لدوّار الشمس " الأوّلي " وللتنوعات " الأحدث " منه. كان كل هذا بهدف مقارنة تنوّع الجينات في كل مجموعة ومحاولة استنتاج الضغط الانتقائيّ الذي أمكن لكل مجموعة التعرّض له، وفق هذه الصيغة تواجد ما يقرب من 36 جين مختلف.
على الرغم من أنّ وظيفتها كانت مجهولة، فإنّ فريق الدكتور Chapman قد امتلك صيغتي نظر للدور الذي يمكن أن تلعبه تلك الجينات:

الصيغة الأولى:البحث عن جينات معروفة متطابقة أو شديدة الشبه بتلك الجينات المجهولة.

الصيغة الثانية: اكتشاف أين كان موضع الجينات المجهولة في الكروموزوم، الأمر الذي سيسمح بمعرفة أيّ QTL قد ساد عليها.

لذلك وعندما تحرّوا عن طبيعة تلك الجينات، اكتشفوا أنها كانت تمتلك وظائف أكثر تنوّع، عوامل نسخ kinasas, transferasas ، بروتينات بنيوية. لا تظهر هذه بوصفها أسماء مُنتظَرة، فلا شيء عن " جين للبزر " أو " جين للفصوص الكبيرة ". لكن وعلى الرغم من الحاجة لوضعها قيد الدراسة العميقة للآن، فإنها وبشكل أوليّ جينات من المعتاد امتلاكها لوظيفة مُنظِّمة، ومن الممكن أن تتراوح من النموّ حتى التركيب لأيّ مركَّب. رغم هذا هناك قسم من " الجينات المنتقاة عبر التدجين " قد نتجت بوصفها ذات أهميّة خاصة، كانا جينان منهما متطابقان مع جينات معروفة مسؤولة عن تنظيم الإزهرار عند أنواع أخرى، اضافة لانها قد ظهرت في منطقة كروموزوميّة كان يُعرف بحضور تلك الجينات فيها مع ذات الوظيفة. من جانب آخر، امتلكت 4 جينات أخرى وظيفة لصيقة جداً بنموّ ثمار الفقيرة aquenios وبالبروتينات الحاضرة في البذور، نعم فنحن نتحدث عن البزر.

مقارنة بين اقراص دوّار الشمس البرّي والمزروع، في المركز نجد النوع البرّيوحوله نجد النوع المزروع


لكن مع التجديدات الجينيّة { وراثيّة } والتغيرات التدجينيّة

لكن لم تتمتع كل دراسات علم وراثة دوّار الشمس بكل هذا النجاح. لنذهب أبعد من عملية التدجين. ما هي الطريقة الأشهر لإدخال التجديدات الوراثيّة في الكائنات الحيّة؟ من المؤكّد انكم تعرفوها، وهي: إحداث الطفرات.وهذا ما يتعرّض لهجوم الحركة الخلقية الشديد. فهم يؤكدون التالي: تكون الطفرات سيئة، وتقوم بتسبيب التشوهات، المرض والموت فقط. وفي جزء من هذا الموقف، جزء فقط: لديهم الحقّ. فلا تمتلك غالبيّة الطفرات أيّ أثر، ومن القسم المتبقّي يكون معظمها ضارّ. وفقط نسبة مئوية منخفضة نسبياً تكون مفيدة. بالتالي الخلاصة المنطقية هي، من السهولة بمكان تحميل شيء بدل تغييره أو تحسينه بشكل جوهريّ.

لكن يوجد طرق تجعل الاشياء أسهل، ويبدو أنّ الخلقيين إمّا أنهم لا يعرفونها أو يفضّلون عدم الاشارة لها. إحدى تلك الطرق هيالتضاعف الجينيّ. ويتأسّس التضاعف الجيني على تضاعف جين أو مجموعة من الجينات، أو يمكن أن تكون ثلاثيّة أو رباعيّة. وهذه الظاهرة تكون عامةوموثّقة في الطبيعة. فيما لو يتضاعف الجين، ما العمل مع النُسخ " الزائدة " ؟ فبينما يكون لدينا على الأقلّ نسخة من هذا الجين بكل تلك الاهميّة وظيفيا،يمكننا التحكّم بباقي الجينات كيفما نريد. في الواقع، تشكّل الجينات المكرّرة مادة ممتازة لاجل الابتكار التطوريّ، حيث يمكن للجينات الزائدة أن تصنع أشياء أخرى، من فقدان وظيفيّة ما { باعتبارها نسخة فلن يحدث شيءوصولاً لاكتساب وظائف اضافيّة، وظائف جديدة كليّاً أو جزئيّاً,أو تحقيق ذات الوظيفة ولكن بصورة فعّالة ودقيقة أكثر { بالتالي تنظيم هذا الجين سيكسب مستوى أكبر من العمق}.

تضاعف جينيّ. إثر حصول تضاعف كهذا، سيتكوّن الكروموزوم من نسختين لهذا الجين، ومن QTL أو من تلك المنطقة بالكروموزوم


تمّ تسجيل حضور هذه الظاهرة في نبات دوّار الشمس. إنها مجموعة جينات CYCLOIDEA-like التي تمتلك دوراً في تشكيل الأزهار. تكون تضاعفاتها أقدم بكثير من تضاعفات عند الإنسان، حيث توجّب حصولها بدوّار الشمس منذ الفترة التي تعود إلى ما قبل 41 – 44 مليون عام.وقد تشكلت تسلسلاتها وفق الآتي:

يمتلك CYC1 نسختين، يقوم HaCYC1 بتحقيق وظيفته في كل الانسجة ما عدا الجذور، و يعمل HaCYC1b في الجذور فقط، يمتلك CYC2 كثير من النُسخ،يعبّر HaCYC2b في كل الانسجة، فيما يعملان HaCYC2a و HaCYC2e في جميع مكونات الازهرار العنقودي، بينما يعمل HaCYC2d فقط في الازهار ويعمل HaCYC2c فقط في الازهار من نوع اللسينيات lígula ، كذلك تظهر 3 نسخ من CYC3 بالرغم من امتلاكها كلها دور متشابه جدا.بالنتيجة لقد تقدمت الجينات المضاعفة خطوة بالتخصّص، بحيث تعمل في أماكن محددة وليس بغيرها.

أو تلعب جينات المجموعة FLOWERING LOCUS T-like (FT-like) دوراً هاماً في تنظيم عمليّة الإزهرار بحسب مدّة اليومبصورة تسمح للنبات بمعرفة فيما لو نكن بفصل الخريف – الشتاء { أيام بفترة نهار تقصر باستمرار } أو في فصل الربيع – الصيف { أيام بفترة نهار تطول باستمرار } حيث يهمّ النبات معرفة الحقبة للإزهرار باللحظة الأفضل. حسنا،تعرضت جينات دوّار الشمس للتضاعف في العصر الحديث، ولهذا تمتلك 4 نسخ لذات الجينHaFT1 العامل في البارض{النقطة التي سينمو منها الافرع والاوراق المستقبليّة }، يُعبّراHaFT2 و HaFT4 في الأوراق النامية لا في البارض، وتكون النسخة الاخيرة للجين HaFT3 غير عاملة.

مؤثرات الطفرة في الجين CYCLOIDEA ،الى اليمين: زهرة نوع برّي Linaria sp ، الى اليسار: ذات الزهرة لكن مع طفرة بالجين CYCLOIDEA و لمزيد من الظرافة: لقد كانت تلك الطفرة متماثلة جينياً epigenética وهذا بفضل الآلية الرئيسيّة له metilación للجين


من الواضح أن مجموعة الجينات FLOWERING LOCUS T-like (FT-like) قد لعبت دورها هذا خلال عملية التدجين لدوّار الشمس. وعبر تقنيات مؤسّسة على قيممُبالَغ فيها للمُعامل QTL وجدوا بأنّ الجينات المتنكِّبة عملية تنظيم الإزهرار والمنتمية لعائلتيّ TF وFTL قد امتلكت كل الأوراق الدالّة على تعرضها للانتقاء خلال عملية تدجين هذا النبات. حيث تتنكّب تلك الجينات،بين وظائف أخرى، تنظيم الإزهرار وتعطي الانطباع بأنّ الضغط الانتقائيّ قد كان مُستثمراً خلال تاريخه.

على سبيل المثال، يتركّز دور الجين HaFT1 بتأخير الإزهرار. ويظهر أنّه تمّ انتقاء هذا الجين خلال أوائل لحظات التدجين لدوّار الشمس، سواء بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة كعاقبة لانتقاء ملامح أخرى مرغوبة يسببها هذا الجين. تؤكد دراسات أخرى محقّقة على جينات FT في نبات ينتمي للفصيلة الصليبيّة هو Arabidopsis أو في البندورة بأنّ هذه الجينات تقوم بإتمام دور متصل ببنية النبات ونموّ الأوراق، وفيما لو تقوم بذات الدور في دوّار الشمس، فهذا يشكّل سبب جيّد لانتقائها. من جانب آخر، يبدو أن الجين HaFT1 قد تعرّض لضغط انتقائيّ سلبيّ بأزمنة حديثة، ما يعني انتقاء هدفه الغاء الجين HaFT1 أو الغاء آثارهبحسب الرغبة بالحصول على نبات إزهرار باكر من قبل بعض المزارعين.


حقل دوّار شمس


يأتينا جانب هام آخر من أعمال الدكتور Burke والذي كان حتى الآن بحالة انتظار: كنتيجة لدراسة محققة في العام 2002 ومؤسّسة على QTL ، لكن لم تكن كل نتائج تلك الدراسة من النوع المثير، فلقد عثروا على 14 QTL مرتبط بصورة أو بأخرى بنموّ البذور.

لقد ارتبطوا بنموّ الطول، العرض والوزن للثمار{البذور }، وكما هو مُنتظَر في التحوّل من النبات البرّي إلى النوع المزروع.نشر ذات الباحث بعد مرور 3 سنوات معلومات عن تنوعات QTL مرتبطة بمحتوى الثمرة من الزيت.

حديثاً وعندما تمكّن الكائن البشريّ من تحويل دوّار الشمس لآلة مُنتجة للزيت، ويبدو أنها ظاهرة تعاكس ما رأيناه حتى الآن، فقد شكّلت حادثة أثّرت بقليل من QTL ولكن بتبعات كبرى لكل واحد منها.

مقارنة بين ثمرات دوّار الشمس المزروعة { الى اليسار } والبريّة { الى اليمين }


ملاحظة QTL الواردة هنا قد وردت أعلاه، وهي اختصار لتعبير مكوّن من 3 كلمات فحواها حيث يشبه QTL مجموعة كتب: تحتفظ كلها بالتصاق الكتاب بالآخر،وكلها بذات المكان، وكلها تتحدث عن ذات الموضوع وكلها تُشترى معاً { وليس فرادى أبداً }. بترجمة ما سبق إلى لغة بيولوجيّة: يشكّل QTL مجموعة من الجينات، كلها تُقيم جنبا لجنب، كلها تشغل منطقة محددة من الكروموزوم، كلها تساهم باعطاء ذات الملمح أو الميزة وكلها يتم توريثها كحزمة { ونادراً جداً على شكل منفصل}. كلام مذكور سابقاً في هذه السلسلة.


يكون تحوّل دوّار الشمس لمصدر للزيت موضوع هامّ. ففي هذا العام 2012، تمّ نشر بحث علميّ مُحقّق بشكل مُشترك بين اختصاصيّي علم الوراثة، التطور والتدجين لدوّار الشمس للدكتورين Burke و Chapman. يتحقق المسار البيوكيميائيّ المسؤول عن تركيب الاحماض الدهنيّة المتراكمة في بذور دوّار الشمس من خلال سلسلة من الجينات FA ، حيث تُثبت هذه الدراسة ومن جديد فقدان التنوّع الجينيّ بهذه المجموعة من الجينات، وهذا متوقّع كعاقبة للتدجين. أحد تلك الجينات لم يكن منتقى من قبل الانسان، لكنه منتقى بصيغة طبيعية وهو FAD7 والذي يظهر أنّ انتقاؤه قد حدث في اللحظة التي جرى بها انقسام Helianthus annuus و Helianthus petiolaris لنوعين مختلفين. من جانبهما، أبرزا الجينان FAD2-3 و FAD3 عملية انتقاء خلال اوائل لحظات التدجين لدوّار شمسنا الراهن، بيّنت باقي الجينات المدروسة FAB1, FAD2-1, FAD6 و FATB حصول انتقاء فقط خلال حقبة تالية لتدجينهاعندما شاعت زراعة دوّار الشمس.

أوائل الجينات FA المنتقاة بفضل التدجين، هي FAD2-3 و FAD3 المُرتبطان بتحويل حمض الزيتيك ácido oleico إلى حمض زيت الكتّان ácido linoleico هكذا كتحوّل هذا الأخير إلى linolénicoبشكل متتابع. من المعروف أن تلك الاحماض الدهنيّة تؤثّر سواء على استساغة الاطعمة كما على الإنتاش وكلاهما سببان منطقيان لانتقاء هذه الجينات. هل فرضت الاستساغة معدّل إنتاش محدّد؟ أو سبّب الإنتاش تغيُّر بعملية الاستساغة؟ أو كلاهما معاً؟ من الصعب الإجابة. من جانبها تمّ انتقاء باقي الجينات مباشرة لاجل انتاج الزيت من البذور.


انتاج زيت دوّار الشمس وفق الآلية هذه

أصول النوع المزروع

في الفترة التي تعود لما قبل 11000 – 5000 عام، بدأت جماعات بشرية بمختلف أنحاء العالم بتدجين أنواع نباتيّة وحيوانية مختلفة، وبهذا تمّ تسجيل بداية انتاج الغذاء وتكوين اقتصاد جديد وتغيير جذريّ بحياة الكائن البشريّ وبشكل دائم. ولحسن الحظّ أن نوعنا لم يكن قد ابتكر البنوك بوقتها، ما أفسح المجال للبقاء على قيد الحياة بهذا العالم القاسي. يسمى الانتقال من حياة الرعي والصيد والتقاط الثمار إلى حياة استقرار وزراعة بالثورة النيوليتيّة Neolithic Revolution ، وحولها نتكلم وفق تفاصيل مؤكّدة في موضوعنا هذا من سلسلة البستان التطوريّ، حيث انّ تلك الحقبة قد كانت محطّ بحث عميق في علم الأحياء وعلم الآثار خلال القرن المُنصرم.

تُعتبر شمال أميركا من أهم النقاط التي أصّلت للزراعة بشكل مستقلّ في الكوكب الارضيّ. فلقد زُرِعتْ أنواع نباتيّة لم تكن معروفة بأوروبا، مثل marshelder { Iva annua } و huauzontle { Chenopodium berlandieri } وعائلات أخرى مثل اليقطين Curcubita pepo ودوّار الشمس Helianthus annus وهو بطل موضوعنا هذا.


نوعين مدجنين في اميركا الشماليّة القديمة, الى اليسار: نوع marshelder - Iva annua ، إلى اليمين: نوع huauzontle - Chenopodium berlandieri


يتوزّع دوّار الشمس البرّي على نقاط شاسعة من القارة الأميركيّة، تمتد من وسط وغرب الولايات المتحدة الاميركية وصولاً لجنوب شرق كندا وشمال المكسيك.ممكن أن تكون أسباب الاهتمام به بوصفه مصدر غذائيّ، ومواد ملونّة وطبيّة.عُثِرَ على الدليل الأكبر لحضور دوّار الشمس في الولايات المتحدة عبر مجموعة متفحمة مكونة من 6 بذور في منطقة Hayes (Tennesse) وبفضل الكاربون 14 تمّ تأريخها بحدود ما قبل 4260 ± 60 عام، يسجّل علماء الآثار أنها مزروعة { وليست بريّة } لانّ طول الواحدة منها يتجاوز 7 ميليمتر وهو الحجم الأقلّ المُقترح بحالة دوّار الشمس المزروع. بالرغم من وضع تلك الطبيعة التدجينيّة بحالة شكوك، فإنّ دراسات جرت بوقت لاحق وأثبتت بأنّ حجم وطبيعة تلك البذور المعثور عليها بمنطقة Hayes تتجاوز النوع البرّي بوضوح شديد.

بذات الحقبة ما قبل 4500 و 4600 عام، كذلك عُثِرَ على بقايا دوّار شمس مدجّنة بمنطقة San Andrés في ساحل خليج Tabasco في المكسيك، وتتراوح أبعاد ثمارها من 7.8 . 4.4 ميليمتر إلى 8.2 . 4.5 ميليمتروهو حجم أكبر بكثير من حجم ثمار النوع البرّي والذي يُعثر عليه بذات المنطقة. مع هذا تعرّضت تلك العيّنات للنقد، والذي تركّز على التشكيك بطبيعة صور البذور ذات النوعيّة السيِّئةوضرورة الحاجة لصور ميكروسكوبيّة الكترونية للبتّ بالأمر وتحديدها بوصفها ثمار دوّار شمس. بالنتيجة بقي حضور دوّار الشمس المرزوع في المكسيك بتلك الحقبة بحالة " خطر ".

تكون تلك الاعتراضات مألوفة علمياً. فالبراهين، الأدلة المضادّة أو كشف ضعف الأدلّة المُقدّمة، تكون أمر معتاد. والردود، ما لم تكن هدّامة، من المألوف أن تتناقض مع ردود مدعومة بالأدلة الأقوى والمعطيات. هكذا ورد ردّ على التأكيدات المُشار لها أعلاه أثبت حضور دوّار الشمس المرزوع في المكسيك منذ ما يزيد على 4500 عام، حيث اكتُشِفَتْ ثمار جديدة في كهفCueva del Gallo بالمكسيك بحال حفظ ممتاز اضافة لتضمّن المقال المنشور حول هذه اللقى " لصور ميكروسكوبية الكترونية اثبتت بما لا يدع مجال للشكّ انها ثمار دوّار الشمس".

الى اليسار، ثمرة دوّار شمس معثور عليها بمنطقة Cloudsplitter Rockshelter ولاية كنتاكي، الى اليمين، ثمرة دوّار شمس معثور عليها في Cueva del Gallo بالمكسيك


تمّ تحقيق هذا العمل من قبل فريق بحث علمي برئاسة عالم أحياء وآثار ونباتات David L. Lentz بمعهدMcMicken College ، دعم الفريق بحثه من خلال دراسة لغويّة قد أثبتت بأنّ هنود المكسيك، شعوب los Mayo, los Tzotzil Maya و los Zapotec قد استخدموا أسماء محدّدة وحيدة لتحديد دوّار الشمس،وجماعات هندية أخرى { كشعوب Huastec, Mixe, Nahua, Otomi, Popoluca, Raramuri / Tarahumara, Seri, Tepehuan, Totonac, Tzeltal و Zoque قد استخدموا اسم مختلف صوتياً بشكل كبير عمّا يستخدم الاسبان. بكل الاحوال هذا يقدّم لنا الدليل على معرفة دوّار الشمس عند تلك الشعوب قبل مجيء الغزاة الاسبان.

هكذا نجد أنّ دوّار الشمس يمتلك مؤشرات جزيئية، أثرية ولغوية تتسجّل على منطقة شرق اميركا الشمالية كمركز تدجين من جهة، ومن الجهة الأخرى توجد ذات المادة صالحة في المكسيك مُظهرة امكانيّة التدجين لدوّار الشمس في هذا الجزء من العالم. يتساءل العلماء: هل تمّ تدجين دوّار الشمس مرتين في مكانين مختلفين؟ أو في الواقع قد تمّ تدجينه مرّة واحدة؟ وفي حال كان الأمر هكذا، أين تمّ الأمر وكيف يصل من مكان لآخر ؟؟

مزيد من الأسئلة الصعبة. دراسة مؤسّسة على نماذج بريّة ومزروعة سواء في أميركا الشمالية أو في المكسيك، حاولت الاجابة على تلك الاسئلة من خلال علم الوراثة. وبحسب نتائجها، فإنّ الانواع المزروعة راهناً من دوّار الشمس في المكسيك تكون متحدّرة من جماعات بريّة من دوّار شمس أميركا الشماليّة. وربما حصل هذا الإدخال لهذه الجماعات منذ آلاف الأعوام، مع هذا لا يكون ممكناً استبعاد حصول تدجين مستقلّ في المكسيك لدوّار الشمس ويكون ممثليه منقرضين بوقتنا الراهن. وربما يعود سبب هذا بجزء منه للغزو الاسبانيّ للمكسيك وحصول تدمير لدوّار الشمس كرمز لشعوب مقيمة مثل Aztecas وثقافات أخرى بأميركا الوسطى.


حجم مُقارَن لبذور دوّار شمس معثور عليها بحقول تنقيب مختلفة، A بمنطقة Hayes بالولايات المتحدة الاميركية، B بذرة بريّة، C بذرة معثور عليها بمنطقة San Andrés بالمكسيك، D بذرة حديثة مزروعة.


أبناء دوّار شمسنا: تطور على جناح السرعة

لا يمكن ترك موضوع دوّار الشمس، دون الاشارة لقضيّة ظهور " نوع جديد " وتكيُّف مع بيئة مختلفة تماماً وقاتلة. وهذا يشكّل قضيّة أخرى من نشوء الأنواع، من تكوين نوع حيّ جديد، والذي يشترك بداية بعملية التهجين. لكن بخلاف ما رأيناه بحالة القمح Raphanobrassica sp والقطن، فلا نتحدث هذه المرّة عن هجائن عقيمة و " الطفرة الكبرى " المسماة poliploidía والتي تحوله لنوع نباتيّ جديد خصيب وقابل للحياة، بل نتحدث عن نباتات مُعتبرة أنواع حيّة مختلفة من قبل علماء النبات، والتي بتهجينها تقوم بتوليد نبات قابل للحياة لكنه مختلف جداً عن الأنواع التي شكّلت أصله. يا له من شأن صعب اعتبارها جميعها تنتمي لذات النوع الحيّ !!!!!

بوقت ما انتشرت انواع دوّار الشمس السنويّة والبريّة بالقارة الأميركية.النوع El Helianthus annuus البرّي الذي أعطى الاصل للنوع المزروع، وهو نوع يعيش بتربة ذات تركيب طينيّ جزئياً، وهي تربة جيدة لاحتجاز الرطوبة وتركيز ملحيّ {24±10 جزء بالمليون }. ونحن البشر نعتبر هذا النوع من التربة مثاليّ لأجل زراعاتنا. من جانب آخر، يكون النوع Helianthus petiolaris كنوع برّي آخر هامّ، ويستوطن مناطق أكثر جفاف وذات طبيعة رمليّة وذات ملوحة { 120±27 { جزء بالمليون.


الى اليسار، نوع Helianthus annuus برّي، الى اليمين، نوع Helianthus petiolaris


بوقت لاحق عُرِفَ نوع Helianthus paradoxus كنوع برّي يعيش فقط في مناطق ذات تربة مالحة، بحرية وتربات أخرى مالحة حيث يكون مؤشّر الملوحة 2.000 إلى 20.000جزء بالمليون!! حيث لا يمكن لنوعيه البرّي السابقان العيش في هكذا تربة ببساطة حيث يواجهان الموت المحتّم. حيث يمتلك كل نوع منها معدلات قبول للملح مختلفة، لهذا يمكنهم العيش ببيئات مختلفة دون الحاجة للتنافس فيما بينهم. حتى الآن أفترض أنّ كل ما مرّ منطقيّ، لكن هل تصدقون لو أخبركم بأنّ نوع H. paradoxus هو في الواقع الإبن الغير شرعيّ للتهجين بين النوعين H. annus H. petiolaris و ؟؟

لا يُشكّل نوع H. paradoxus حالة تساهل مع البيئات المالحة أكثر من قدرة أبويه،بل كذلك يقوم بتطوير أوراق عُصاريّة { غنيّة بالماء } بنسبة كبيرة ويمتلك قدرة كبرى على تخزين منسوب مركّز هائل من الملح في أوراقه، ويملك كلا التكيفين للبقاء على قيد الحياة في بيئات مالحة مقارنة بأبواه.والآن لدينا التساؤل، لماذا يحصل هذا طالما أقربائه من الأنواع الأخرى أقلّ تساهلاً مع الملح ؟ هنا تحضر النتائج غير المتوقّعة من تآلف جينات محدّدة والقدرة على الانتقاء.

لاجل ذلك حقّق علماء أبحاث ذات طبيعة مختفة تجارب مخبريّة على بيئات مختلفة الملوحة، اختبارات في البيئة الطبيعية ودراسات جينيّة.لقد استخدموا أشطاء { ساق نباتيّة ثانوية } لأنواع H. annuus, H. petiolaris, H. paradoxus وهجائن* بين H. annuus و H. petiolaris ولاحقاً استزرعوا أشطاء لكل نوع سواء في دفيئة مختبرية كما في سكن طبيعيّ لنوع H. paradoxus بهدف دراسة كيفة ترتيبها خلال 46 يوم لاحقة.

*
ملاحظة: تمّ توليد تلك الهجائن من خلال أول تهجين بين H. annus و H. petiolaris. ويشكلان نوعان مختلفان، ولهذا تمّ تحصيل عدد قليل من الهجائن القابلة للحياة، ولهذا السبب بالذات تمّ تهجين متحدرها من جديد مع H. petiolaris لاجل إحراز عدد أكبر من الثمار الصالحة.

عيّنة ظريفة من نوع Helianthus paradoxus


كانت النتائج هامّة. الاختبار ضمن حقل مفتوح، تمكّن فقط النوع H. paradoxus من عبور الاختبار { كان النوع الوحيد الذي بقي على قيد الحياة}وتمتعت الانواع الهجينة بقدرة متوسطة مقارنة بالأنواع الأبوية لتحمّل الملوحة وماتت كذلك.

مع هذا أوضحت الدراسات الجينية بأنّه في النوع H. paradoxus يتم انتقاء QTL المرتبطة بالتحكُّم بالأملاح في النبات والبقاء على قيد الحياة في بيئات مالحة. كذلك كانت مجموعات الجينات تلك حاضرة في الانواع الهجينة، ولكن لم تتآلف بذات القدر في كل الحالات، فقد اظهرت اغلبية الهجائن حالة متوسطة بين النوع H. annuus والنوع H. petiolaris. لكن بعضٌ من تلك الهجائن قد بيَّنت ميزات غير حاضرة بأيّ من الأنواع الأبويّة وكانت حصريّة بالنوع H. paradoxus. من بين تلك الميزات المتفوقة عمّا لدى الأبوانالنموّ باحتفاظ الاوراق بالمياه، تحسُّن القدرة على تمثيل الكالسيوم من الوسط المحيط وتآلف هذه القدرة مع امكانية رفض أملاح أخرى أخطر على حياة النبات. ستشكل تلك الهجائن الجاهزة للعيش ببيئة مالحة متوسطة الأسلاف الممتازين للنوع H. paradoxus واعتباراً من تلك اللحظة ستدخل بإطار الانتقاء الطبيعيّ لإتمام القدرات الجديدة.

لا يكون مفاجئاً هذا التمايز بالهجائن، فبمجرّد تحقيق التهجين، يُعاد تنظيم الجينوم، " تنوعات " مختلفة للجينات ذاتها،تسمى أليلات، تتآلف بطرق مختلفة وتعطي المجال لامكانات عديدة. فلا يكون غريباً أن يشكّلا النوعان Helianthus annuus و Helianthus petiolaris الأبوان للنوع Helianthus paradoxus فقد ساهما بظهور هجائن غير شرعيّة أخرى، مثل النوع المُثير Helianthus anomalus الذي يقطن في كثبان رمليّة،كذلك النوع المقدام Helianthus desertícola القاطن في الصحاري. كلاهما نوعان قد استوطنا بيئات قاسية مقارنة ببيئة الأبوين.

الى اليسار، نوع Helianthus desertícola ، الى اليمين، عيِّنة من نوع Helianthus anomalus


نختتم موضوعنا هنا. يُعتبر دوّار الشمس من أكثر الانواع المزروعة عالميا، حيث يشكّل النوع الرابع من حيث الأهميّة لانتاج الزيوت النباتيّة ومصدر هامّ للغذاء لحيواناتنا المنزلية. تكون الفروقات بين النوع المزروع والبرّي منه واضحة، مع ذلك، ابرزت دراسات أن عملية تدجينه قد كانت مختلفة عمّا كان مُنتظراً، فلم يحصل انتقاء بضع جينات قليلة لاحداث تغييرات كبرى،بل تمّ انتقاء مجموعات كثيرة من الجينات لتحقيق تغييرات طفيفة معتدلةوهذا ساهم " بتأخير " واضح لدراسة دوّار الشمس مقارنة بأنواع مزروعة أخرى،ورغم هذا فقد تمّ الكشف عن انتقاء جينيّ بفضل تعديل الإزهرار، حجم الثمار وانتاج الزيت. ويُعتبر مفارقة أننا ختمنا المقال مع حالات تطوّر سريع في بيئات قاسية ومميتة أحياناً. أخيراً، دوماً هناك نقص بالبحث والدراسات،يُنتظر إكمالها دون أن تنتهي !!!!

يتبع



:: توقيعي ::: الحلّ الوحيد الممكن في سورية: القضاء على مافيا الأسد الداعشيّة الحالشيّة الإيرانية الروسيّة الإرهابيّة فئط!
http://www.ateismoespanarab.blogspot.com.es
يلعن روحك يا حافظ!
https://www.youtube.com/watch?v=Q5EhIY1ST8M
تحيّة لصبايا وشباب القُدْسْ المُحتلّه
https://www.youtube.com/watch?v=U5CLftIc2CY
البديهيّات لا تُناقشْ!
  رد مع اقتباس