الموضوع: ما الشواش؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 08-30-2013, 05:01 AM السيد مطرقة11 غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
السيد مطرقة11
█▌ الإدارة▌ ®█
الصورة الرمزية السيد مطرقة11
 

السيد مطرقة11 is on a distinguished road
افتراضي

)- الشّروط الأوليّة: Initial conditions

إنّ إحدى أهمّ الأفكار الثّوريّة الّتي وضعت في القرن الخامس عشر والّتي قام على أساسها العلم الحديث، هي فكرة أنّ قوانين العالم المادّيّ يمكن فهمها بشكل جيّد فقط عندما تعبّر عن الخاصّيات الفيزيائيّة باعتبارها مجرّد قياسات تخمينيّة، وذلك من خلال رموز عدديّة وليس من خلال الكلمات فقط. فاستخدام مقادير كمّيّة عدديّة لوصف العالم المادّي هو السّبب الرّئيسي في أنّ قوانين الفيزياء يجب كتابتها على شكل معادلات رياضيّة بشكلها النّهائي. وليس باعتبارها جمل لغويّة وكتابيّة بسيطة. ومثال ذلك أنّه من الضّروري جدّاً صياغة قوانين نيوتن كمعادلات رياضيّة بالرّغم من أنّها وضعت كجمل بسيطة.
قد تكون قوانين نيوتن من أهمّ الأمثلة عن القوانين الدّيناميكيّة، حيث أنّها تربط القيم الكمّيّة والعدديّة للقياسات المرصودة في أوانها بقيمها التّي رصدت في الزّمن الماضي للمنظومة أو في المستقبل. فالقياسات التّي تظهر في قوانين نيوتن تعتمد بشكل أساسيّ على نظام دقيق كان قد رُصد من قبل، ولكنّها تتضمّن الموضع، والسّرعة، واتّجاه حركة كافّة الجسيمات في النّظام بشكل نموذجيّ أكثر بغضّ النّظر عن سرعة واتّجاه أيّ من هذه الجسيمات، وفي أيّ وقت من أوقات رصد النّظام. وأثناء تسجيل القياسات المرصودة لأيّ نظام (وليكن النّظام الشّمسي، أو الأجسام القادمة السّاقطة من السّماء إلى الأرض، أو تيّارات المحيطات والبحار،…) فإنّ قيم القياسات الأوّليّة التّي تأتي في المرحلة الأولى من عمليّة الرّصد تدعى (الشّروط الأوّليّة) لذاك النّظام.
نلاحظ أنّ قوانين نيوتن الفيزيائيّة هي قوانين تمتاز بالطّابع الحتميّ، كما هو الأمر في القوانين الميكانيكيّة، لأنّها تتمتّع بنزعة حتميّة لأيّ نظام مدروس، وشروطها الأوّليّة ينتج عنها نفس النّتائج المنطقيّة المطابقة لها. فالنّموذج النّيوتوني للعالم غالباً ما يصف الكون على أنّه شبيه بطاولة البليارد، لذلك فإنّ أيّ نتائج تنتج عن الشّروط الأوّليّة لمنظومة ما هي ذات طابع حتميّ، مثل الفيلم الّذي يمكن التّحكّم بسيره في الزّمن إلى الأمام أو إلى الخلف.
أظنّ أنّ لعبة البليارد هي لعبة مفيدة جدّاً في طريقة لعبها، لأنّه ضمن النّطاق الميكروسكوبي (المصغّر) فإنّ حركة الجزيئات يمكن تشبيهها في تصادمها مع بعضها البعض، بكرات البليارد، والقوانين الميكانيكيّة الّتي تحكم كرات البليارد هي ذاتها الّتي تحكم الذّرّات والجزيئات.

4)- الّلايقين في القياس: Uncertainty of measurements

إنّ أهمّ المبادئ الأساسيّة في الفيزياء التّجريبيّة المعاصرة هو عدم وجود أيّ نتائج أو تنبّؤات أو توقّعات دقيقة ومطلقة بشكل كامل. ولكن عوضاً عن ذلك يجب أن تكون هذه التّوقّعات والنّتائج متضمّنة أفضل درجة من الدّقّة واليقين، وذلك لأنّ اّللايقين سيبقى متخلّلاً هذه النّتائج بنسب متفاوتة. وهذا الّلايقين في القياس يعني أنّ أيّ آلة للرّصد مهما بلغت دقّتها وتعقيد صناعتها، فبإمكانها أن تسجّل القياس بدقّة محدودة للغاية، وبشكل قد يكون فيه من الخلل ما تعجز العين المجرّدة عن تمييزه. والطّريقة الوحيدة لإدراك هذه الحقائق هي أن نفهم بأنّه لكي نحصل على أكبر درجة ممكنة من الدّقّة في القياس من خلال الآلة الّتي نستعملها هي أن نقوم بالرّصد على مسافات ضئيلة جّداً، والحصول على أرقام متناهية في الصّغر. وكلما زادت دقّة آلات القياس المستخدمة نقصت درجة الّلايقين في الرّصد باطّراد. ولكنّ المشكلة أنّنا لا يمكننا إلغاء حالة الّلايقين مطلقاً.
وفي الفيزياء، فإنّ بروز حالة الّلايقين في أيّة آلة قياسيّة أثناء القيام بعمليّة الرّصد لأيّ نظام فيزيائي، تكون الشّروط الأوّليّة عادةً غير دقيقة، ولا يمكنها أن تسجّل أيّة نتائج بدقّة تامّة. وأثناء دراسة أيّ نظام من خلال قوانين نيوتن فإنّ الّلايقين المتغلغل في الشّروط الأوّليّة لهذا النّظام المدروس يسبّب شكّاً متناظراً ومتشابهاً – ولو كان ضئيلاً جدّاً- في مدى صحّة التنبّؤ والتّوقّع لأيّ زمن كان في الماضي أو في المستقبل.
وقد بقي العلماء حتّى الآن يعتقدون أنّه يمكن تقليص حالة الّلايقين في قيم القياسات والشّروط الأوّليّة، وذلك للحصول على أفضل درجة ممكنة من الصّحّة والدّقّة واليقين في التّوقّعات والنّتائج النّهائيّة لعمليّة الرّصد. وبذلك، كما في حالة قذيفة على سبيل المثال، يمكننا أن نعرف المسقط النّهائيّ للقذيفة بأعلى درجة تقريبيّة إذا عرفنا الشّروط الأوّليّة أثناء عمليّة الإطلاق بشكل أكبر. ومن المهمّ جدّاً أن نتذكّر أنّ الّلايقين في التّوقّعات الميكانيكيّة لا يظهر في المعادلات والقوانين، على اعتبار أنّها حتميّة الطّابع، ولكنّها تنتج من الافتقار إلى الدّقّة والتّعيين في الشّروط الأوّليّة.
إنّ الهدف الأساسي في العلوم التّجريبيّة كان ومازال هو الطّموح العميق في الوصول إلى آلات للقياس أكثر دقّة وأقلّ تشكّكاً وذلك باستخدام التّكنولوجيا المتقدّمة وعلى اختلاف أشكالها. فوضوح القياسات ودقّة التّوقّعات والنّتائج المعتمدة على استخدام أدوات القياس المتطوّرة وتطبيق القوانين الميكانيكيّة سوف تصبح أكثر دقّة ووضوحاً، وستكون الأقوى في السّعي للوصول إلى النّتائج الصّحيحة واليقينيّة. ولكنّها لن تكون دقيقة بشكل مطلق أبداً… للأسف.

يتبع



  رد مع اقتباس