الموضوع
:
ذو القرنين من هو
عرض مشاركة واحدة
06-19-2016, 07:44 PM
رقم الموضوع : [
1
]
Clinician
زائر
ذو القرنين من هو
زعم البعض أن ذا القرنين وهو الملك الصالح الذى ورد ذكره فى القرآن هو عينه الإسكندر المقدونى الذى يلقب بالإسكندر الأكبر ويعتنق هذه الرؤية غالبية المستشرقين فضلا عن بعض قدامى المفسرين والإخباريين المسلمين ولعل السبب فى ذلك بعض الكتابات الأسطورية والتى تنسب لمؤرخ يدعى كاليستينيس وقد كان أحد المقربين للإسكندر المقدونى و أرخ لبعض حملاته العسكرية وإن كان المتفق عليه هو أن هذه النسبة باطلة وأن هذه الكتابات هى فى حقيقة الأمر مؤلفة من مصارة هيلينية ومسيحية مبكرة سابقة عليها وقد يسمى كاتبها او كتابها بمنتحل كاليستينيس وتعرف هذه الكتابات بإسم رومنسيات الإسكندر وقد تعرضت على مر السنين للكثير من المراجعات والأعمال التحريرية ويوجد منها نسخ بلغات متعددة منها اليونانية والأرمينية واللاتينية.
والمقصود أن وجود ما زعموا أنه تشابه بين بعض ما ورد فى القرآن عن ذى القرنين وبين ما ورد فى تلك الكتابات عن الإسكندر هو ما حدا بالمستشرقين وربما قدامى المفسرين والإخباريين الذين ربما انتهى إليهم محتوى تلك الكتابات بصورة أو بأخرى لإعتناق هذه الرؤية وهى باطلة لاشك وإن كان الدافع وراء موقف كل من الفريقين متباين أما فريق المستشرقين فلا شك الدافع وراء تبنيهم هذه الرؤية هو هوسهم بإيجاد مصدرية لاسيما المصدرية الكتابية ( التوراتية الإنجيلية ) أو الأسطورية لما ورد فى القرآن من قصص ونحو ذلك.
وأما الإخباريون وعنهم ينقل كثير من المفسرين فلأنهم ربما وجدوا فيها ما عدُّوه سندا تاريخيا لما ورد فى القرآن الكريم عن ملك صالح مكن الله له فى الأرض وآتاه أسباب القوة والسلطان فى الأزمان الغابرة لاسيما أن كثير منهم إن لم يكن جميعهم حاطب ليل لا يفرق بين الغث والثمين.
وقد تنبه لفساد هذه الرؤية كثير من العلماء منهم ابن كثير رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية الذى نبه على ذلك فى غير موضع من كتبه.
يقول ابن كثير رحمه الله :
عن قتادة قال : اسكندر هو ذو القرنين وأبوه أول القياصرة وكان من ولد سام بن نوح عليه السلام فأما ذو القرنين الثاني فهو اسكندر بن فيلبس ... بن رومي بن الأصفر بن يقز بن العيص بن إسحق بن إبراهيم الخليل كذا نسبه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ، المقدوني اليوناني المصري باني إسكندرية الذي يؤرخ بأيامه الروم وكان متأخرا عن الأول بدهر طويل ، كان هذا قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة وكان أرطاطاليس الفيلسوف وزيره وهو الذي قتل دارا بن دارا وأذل ملوك الفرس وأوطأ أرضهم وإنما نبهنا عليه لأن كثيرا من الناس يعتقد أنهما واحد وأن المذكور في القرآن هو الذي كان أرطاطاليس وزيره فيقع بسبب ذلك خطأ كبير وفساد عريض طويل كثير، فإن الأول كان عبدا مؤمنا صالحا وملكا عادلا ... ، وأما الثاني فكان مشركا وكان وزيره فيلسوفا وقد كان بين زمانهما أزيد من ألفي سنة فأين هذا من هذا لا يستويان ولا يشتبهان إلا على غبي لا يعرف حقائق. اهـ
وبالإضافة لما ذكره ابن كثير من الإسباب المانعة من كون الإسكندر المقدونى هو ذو القرنين من جهة كونه مشركا بل و شاذا جنسيا كما يقال أن الأول لم يتوسع بحملاته غربا إنما امتدت حملاته جنوبا نحو مصر وشرقا نحو الأناضول و الهلال الخصيب وما يلى ذلك من بلاد الشرق كفارس وبلاد ما وراء النهر.
والراجح عندى أن ذا القرنين هو كورش الثانى الذى ورد ذكره فى العهد القديم وقد تبنى هذه الرؤية بعض العلماء المتأخرين كالعلامة الشيخ الجليل أبو الأعلى المودوى فى تفسيره " تفهيم القرآن "
وكورش استطاع مواصلة فتوحاته فى جهة الغرب حتى بلغ سواحل أسيا الصغرى على البحر الأسود و بحر إيجة
خريطة توضح امتداد مملكة كورش الثانى (كورش الكبير)
ورأى الشمس فى منظره تغرب فى عين حامية ، و يوجد منطقة أعين حارة فى الجنوب الغربى لأسيا الصغرى فى موقع يسمى باموكالى .
كما أن حملاته امتدت شرقا تجاه أواسط آسيا فوجد أناسا تطلع عليهم الشمس ولا ستر لهم دونها والمقصود أنهم من توحشهم وهمجيتهم لم يتخذوا مساكن تقيهم من حر الشمس يأوون إليها كما قال المفسرون.
يقول ول ديورانت فى كتاب قصة الحضارة ، المجلد الأول ، الجزء الثانى ، ص 405 :
ذلك أنه ( أى كورش ) لما فرغ من فتح الشرق الأدنى بأجمعه وضمه إلى ملكه أراد أن يحرر ميديا وفارس من غزو البدو الهمج الضاربين في أواسط آسية. ويلوح أنه أوغل في حملاته حتى وصل إلى ضفاف نهر جيحون شمالاً وإلى الهند شرقا . اهـ
وقد امتدت فتوحاته شرقا حتى باختريا وهى المنطقة بين جبال هندو كوش ونهر جيحون، و مرجيانا جنوب تركمانستان.
وقد عبر نهر جيحون فلما بلغ نهر سيحون قام ببناء قرى محصنة فيما يلى أطراف مملكته لحمايتها من هؤلاء البدو الهمج وقد استعان بذي القرنين شعب يقطن منطقة ما بين سدين أى جبلين لبناء ردم حديدي مفروغ عليه القطر (النحاس) ساوى به مابين الصدفين أى قمة الجبلين وسدّ على تلك الشعوب الأعرابية الآسيوية التي تأتي من مناطق ما وراء السدين (ياجوج وماجوج) منفذها ومعبرها وقد تمكّن ذو القرنين من إنشاء ذلك الردم الحديدي.
و مما يؤيد ذلك أن هذا هو عينه التسلسل التاريخى لفتوحات كورش حيث أنهى فتوحاته فى الغرب أولا منتهيا بأسيا الصغرى ثم اتجه للناحية الشرقية.
ومما يدل على كونه كان مؤمنا ما في كتب العهد العتيق ككتاب عزرا، الإصحاح 1 و كتاب دانيال، (الإصحاح 6) وكتاب أشعيا، (الإصحاح 44 و 45) من تجليله وتقديسه حتى سماه في كتاب أشعياء راعي الرب وقال في الإصحاح الخامس والأربعين : هكذا قالَ الرَّبّ لِمَسيحِه: لقُورُشَ الَّذي أَخَذتُ بِيَمينِه لِأُخضِعَ الأُمَمَ بَينَ يَدَيه وأَحُلَّ أَحْقاءَ المُلوك لِأَفتَحَ أَمامَه المَصاريع ولا تُغلَقَ الأَبْواب. ِإنِّي أَسيرُ قُدَّامَك فأَقَوِّمُ المُعوَجّ وأُحَطِّمُ مَصاريعَ النُّحاس وأُكَسِّر مَغاليقَ الحَديد وأُعْطيكَ كُنوزَ الظُّلمَةِ ودَفائِنَ المَخابِئ لِتَعلَمَ أَنِّي أَنا الرَّبُّ الََّذي دَعاكَ بِاسمِكَ، إِلهُ إِسْرائيل..
ولو قطع النظر عن كونه وحيا فاليهود على ما بهم من العصبية المذهبية لا يعدون رجلا مشركا مجوسيا أو وثنيا لو كان كورش كذلك مسيحا إلهيا مهديا مؤيدا وراعيا للرب.
ويقول بيير بريانت أستاذ التاريخ و عالم الإيرانيات بناءا على المعلومات المتاحة غير الكافية : يبدو أنه من غير الحصيف أن نحاول استنباط الديانة التى ربما دان بها كورش.*
وأما فضائله النفسانية فيكفي في ذلك الرجوع إلى المحفوظ من أخباره وسيرته واليهود تحترمه أعظم الاحترام لما نجاهم من إسارة بابل وأرجعهم إلى بلادهم وبذل لهم الأموال لتجديد بناء الهيكل ورد إليهم نفائس الهيكل المنهوبة المخزونة في خزائن ملوك بابل، وهذا في نفسه مؤيد لكون ذي القرنين هو كورش فإن السؤال عن ذي القرنين إنما كان بتلقين من اليهود على ما في الروايات.
ومما يؤيد ذلك أيضا أن كورش كان يرتدى تاجا له قرنان
نقش بارز يصور كورش الثانى
علاوة على ذلك فإن اليهود عندما أوعزوا لمشركى مكة أن يسألوا النبى صلى الله عليه وسلم عن ذى القرنين كى يختبروا صدقه فالراجح أنهم إنما يأمرونهم أن يسألوا عن شخصية يجدونها عندهم فى كتبهم وهذا ما ينطبق على كورش بخلاف الإسكندر لاسيما وأن ملوك ميديا وفارس فى العهد القديم ( سفر دانيال الإصحاح 8 ) يرمز لهم بكبش أقرن وكورش قد جمع فى يده مُلْك ميديا وفارس ولعله لهذا السبب سمُى بذى القرنين.
Clinician