عرض مشاركة واحدة
قديم 04-12-2016, 11:31 PM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [8]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي

ملاحظة على مراحل الانتقال الفكري

لا ينبغي أن يشعر المرءُ بالإحباط إن وجد أنه يتأخر ويمكث في أي الأوضاع والمراحل الانتقالية المفصَّلة أعلاه. في الواقع، فإن عددًا كبيرًا من الناس يمكث في مرحلة الروحانية الشخصية لكمٍّ ضخمٍ من الوقت، على الأرجح لأنها تمثل موقعًا مريحًا، ينطوي على كلٍّ من الاستقلال الشخصي عن الدين والدعم العاطفي المستمر من مفاهيمه. للأسف، فإن الناس [المتحررين من خرفات الأديان_م] كثيرًا ما لا يرون أنماط حيواتهم يتكرر حدوثها في الآخرين، وإن مراحل إزالة السم المدروسة هنا قد تحملها ومر بها الكثير للغاية جدًّا من الناس، بما فيهم نفسي، الذين قد شعر كلٌّ منهم أن لا أحد آخر [غير نفسه] سيفهم تجربته وخبرته.

حتى مع المعرفة المستبقة المفيدة ذات الأفضلية لهؤلاء المراحل، فهنالك عملية نضج عاطفي ينبغي العمل عليها تتم وتُدار في تناسق وتعاون مع هؤلاء المراحل الفكرية1. في الواقع، فإن الفصلين 9 و10 يشكلان زوجًا لا ينبغي أن يُقرآ في معزل عن أحدهما الآخر؛ إنهما يتتمان ويضيفان إلى بعضهما الآخر. وإن فهم النصائح المُعطَاة الخاصة بكلٍّ منهما هو خطوة ممتازة لبدء عملية إعادة بناء هوية الشخص وهي البداية التي سيُبنى عليها مفاهيم عليا وبحوث ونقاشات قريبًا.

__________________________
1 إن ما يطرحه المؤلف هو أشبه بمراحل للعلاج والتعافي النفسي والفكري مع تخبطات فكرية سيمر بها الأشخاص اللذين يعيشون في مجتمعات ودول شمولية تمنع الكثير من المواد العلمية والفكرية والفلسفية الأساسية كحال الدول العربية والإسلامية وبعض قطاعات المجتمع الأمِرِكيّ، لكن لا أعتقد أن أشخاصًا في مجتمعات متقدمة تتيح وتدرّس العلوم الحديثة كالنشوء والتطور والنظريات الكونية والفيزيائية وتاريخ الفلسفة الغربية ومدارسها وتتيح علمي الأديان والآثار الحقيقيين، سيحتاجون للمرور بمعظم هذه المراحل من الأساس، فهي احتياجات أشخاص ممن تعرضوا لعملية تسميم وحشو مخ شديدة شمولية مع حجب المعلومات والحقائق الغير مرغوبة من خلال النظم الحاكمة والاجتماعية، وأنا كمترجم وحتمًا كثير من القراء العرب مروا بهذه المراحل أو بعضها، وقد شهدت حتى مرور بعضهم بها في منتدى الملحدين العرب (طيب الذكر المغلق المنتهي) متحولين من مسلمين مستقلي الفكر أشبه بالمعتزلة والقرآنيين إلى ربوبيين ثم ملحدين أو لادينيين لا أدريين (متبني عدم الدراية)، وربما من كان ملاصقًا أكثر لهم يمكن أن يحدثنا عن أزماتهم الوجودية والنفسية العنيفة بسبب رواسب السموم الدينية الفكرية وعنف وشمولية المجتمعات الإسلامية تكون عامل ضغط عنيف ورهيب عليهم، لقد ظللت لسنة كاملة ربوبيًّا في حيرة ببساطة بسبب المنع الشديد في تلك السنين السالفة للمواد العلمية كالتطور البيولوجي، إلحادي النهائي ساعد فيه سماح العصبة العلمانية المباركة المتنفذة في الحكم والتعليم (في عصر مبارك وسوزان تميم رغم كل التحفظات الصحيحة على فساد حكمه) بوجود نظرية النشوء والتطور في منهج العلوم لإحدى سنوات التعليم الثانوي، وكنت احتجت شراء الكتاب لمراجعة معلومات بسيطة درستها قديمًا فوجدت تعديل المنهج الدراسي المذكور به، ولقلة المواد عن التطور البيولوجي آنذاك ولاحتياجي الشخصي ترجمت مقالًا عن Wikipedia ثم كتابين مهمين عن الموضوع، وبفضل جهود رجالنا المجتهدين العرب ممن هم معنا على نفس الجبهة والكفاح صار يوجد اليوم مئات المقالات عن التطور وعلوم الكون والفيزياء المتاحة على النت وكذلك عشرات الكتب المترجمة عن تلك المواضيع المنشورة نتيًّا أو ورقيًّا، توجد شمولية شديدة وتشويه ومصادرة للحق عن التعبير عن الرأي موجهة ضد نظرية التطور وغيرها، كذلك توجد ندرة نسبية في الكتب عن علمي الأديان والتاريخ والآثار الصحيحين، مقارنة بكم الكتب الملفقة والخرافية الشمولية، كان لقراءتي كتب علم الأديان السليمة الصادقة سليمة المعلومات والمحايدة دور كبير كذلك في تكوين فكري النقدي، وأدين بالشكر لكل من قرأت لهم_م.

تطبيقات للتفكير القائم على العقلانية

قبل أن نستأنف مع الخطوات الأعلى لإعادة بناء هوية المرء، فإن التركيز سيتحول أولًا إلى تمرين عضلات المرء الفكرية الموجَدة حديثًا فيما يتعلق ببعض الأفكار وأصحاب المهن التي يجدها كثير من الناس عجيبة أو عصيّة على الفهم. إن نبذ الاعتقاد الديني قد أزال عقبة كؤود كانت أمام فهم هذه الألغاز. الآن، فإن الأمر ببساطة هو مسألة تمكين التفكير القائم على العقلانية من العمل والإدارة بدون تحويل مساره على نحوٍ تحكميٍّ اعتباطيٍّ.

إن المواضيع التالية هي بمثابة عملية تنظيف منزلي هامة لتفكير المرء القائم على العقلانية. لقد اخترتها لأنها الأمور التي يشير إليها عادةً معظم الناس على أنها "حمقاء" أو "مخطئة بوضوحٍ"، لكن قلة من يعرفون كيفية تفسير السبب بالضبط. كملحد ومفكر على أساس العقلانية، فإنه لهامٌّ أن يقدر المرء منهجيًّا نظاميًّا على فهم سبب عدم اعتقاده في شيءٍ ما. في الواقع، الكثير من الناس يعتبرون الموقف والنظرية الإلحادية "غبية" أو "خاطئة على نحو واضح"، لكن ذلك لأنهم يجيبون وفق الاعتقاد الديني، والذي لا يفهمون افتراضاته على الأرجح. يستطيع الملحدون الناشئون [المبتدئون] القيام بما هو أفضل من ذلك، وبالفعل يجب عليهم إن يريدوا تجنب تكرار الأخطاء التي شجعتها وحفّزتها أديانهم السابقة والصدمة الناتجة للنظام [الفكري] التي مروا بها وتحملوها عندما كُشِفَتْ. كما سنرى، فإن استعمال التفكير القائم على العقلانية على نحوٍ كامل شامل ومتسق وثابت على المبدإ سيجعل متطرفي المجتمع المنهَكين يتراجعون إلى الخلف وينغلقون على أنفسهم بإحكام.

الخرافات والدجل

ما فائدة [وضع يد أو عين أو خرزة زرقاء أو حدوة حصان على بيت المرء أو طبعة كف بالدم على مخرج البيت أو شبشب أو حذاء قديم على السيارة أو في رقبة الحيوان_م] أو حمل رجل أرنب في مفاتيح سيارة المرء؟! ما خطورة وجود قطة سوداء [أو غراب_م] في طريق المرء؟! الكثير من الناس والثقافات أنشأت خرافاتٍ كهذه، ورغم أنها كلها تبدو سخيفة منافية للعقل على نحو جَلِيٍّ، فإنه لمضمونٌ القول بأن معظم الناس سيفضلون عدم رؤية قطة سوداء تمر أمامهم أبدًّا [أو سماعهم غرابًا ينعق_م]. بعبارة أخرى، هناك جزء صغير من [شخصية وعقلية] الشخص يعطي الخرافة مقدارًا ضئيلًا وكسرة من التصديق، ولو أنه رأى قطة سوداء تمر من أمامه أو به فربما سيفكر: "حسنٌ، كان يمكنني تجنب ذلك". لكن ما الذي في الخرافات ويجعلها لا تُصدَّق ومع ذلك مثيرة للاهتمام في نفس الوقت؟ ما هي السمات العامة للخرافة؟ إن كل الخرفات هي بروتوكولات طمأنة تهدف إلى جمع الحظ السعيد أو درأ وإبعاد الحظ السيئ في المستقبل، أو أنها علامات فأل تتنبأ بإما الحظ الجيد أو السيئ الآتي. ويكون بها عادةً كذلك طلسم [أو طوطم أو رمز] يصنع البيئة الخرافية، وفي قلب كل خرافة يكمن مفهوم الحظ. ما هو الحظ؟ كيف يعرفه المرءُ عندما يراه؟ هل يمكن أن يكون لدى المرء أي معيار موثوق يُعتمَد عليه ليُقرِّر به متى يؤدي الطلسم الذي يحمله إلى الحظ في الحقيقة؟

تفكَّرْ في السيناريو التالي: شخصان، علي ونبيل، كلاهما لديه رجل أرنب في جيبه [أو بخرته أمه أو زوجته في الصباح أو دعا له والداه أو صلى الفجر_م] وكلاهما واقف في الطابور بجوار بعضهما في بنك عندما اقتحمه لصوص ساطون. فسرقوا المال وفي أثناء خروجهم أطلق أحدهم النار على ثُرَيَّا [نجفة]، والتي سقطت على عليٍّ، جاعلةً إياه يحيا مشلولًا من عند الرقبة فما أسفل، بينما لم يتأّذَ نبيلٌ. هل عملت قدم الأرنب الخاصة بنبيلٍ؟ هل فشلت الخاصة بعليٍّ؟ لقد كانا على نحو أساسيٍّ في نفس الموقف عند نفس المكان ولحظة الزمان مع نفس وسيلة الحماية، إلا أن أحدهما عانى من أذى رهيب بينما لم يحدث ذلك للآخر. بعبارة أخرى، فمع كون كل التباينات والمتغيرات الأخرى متساوية بقدر ما يمكن، فإن كل ما يتبقى لتقرير لماذا تعرض علي أو نبيل لأمر إيجابي أو سلبي هو المفهوم الغامض للحظ.

والآن، عد واقرأ الفقرتين السابقتين باستبدال كلمة "الحظ" بكلمة "الله، أفعال الله وأمر الله ومشيئته"، و"قدم الأرنب" بأي أداة أو رمز مقدس. إنها ليست صدفة أن القوة المنطقية للنقاش لم تتغير. إن سر السبب يكمن في التفكير فيما تعنيه كلمتا "الإله" و"الحظ" حقًّا، واستعمال تفكير منطقي مطابق لما ورد في الجدلية الفوقية [الماورائية]، أي حقيقة أن لا أحد يمكنه تقديم معنى دقيق على نحو معقول لكليهما يعني أن كلا المفهومين مشبوه و"رائحته مشمومة مفضوحة".

بهذه الطريقة، فإن الخرافات تتجنب تدميرها وتفنيدها على نحو حاسم بالتفكير المنطقي المعتاد لأنها تستعمل مصطلحات ومفاهيم غامضة وغير علمية على نحو متأصِّل ولذلك تقاوم فحص سلامتها وصحتها. الكثير من الناس يعرفون بالحدس أن الخرافات غير منطقية أو غير عملية، لكن يصعُب [على الدينيين وذوي الرواسب الدينية] رزع الباب في وجها باستمرار لأن أخطاءها مخبأة في مصطلحاتها، والتي نادرًا ما تؤخَذ بعين الاعتبار ضمن التفكر العادي.

بالتأكيد، للمؤمن الديني الحرية بأن يسهب الكلام ويخوض فيه عن إلهه وأخباره السارة المُحْسِنة، لكنه لن يقدر على البرهنة على كيفية معرفته أن يوجد في المقام الأول. لن يقدر على أن يحدد على نحو معقول أين يوجد إلهه الآن 1. بختصار إنه لا يعرف أي شيء عن إلهه؛ إنه ببساطة يشعر بمشاعر غريبة ويملأ الفراغات [جهله بحقيقتها] بتشخيص وتجسيد غامض. نفس الأمر ينطبق على الحظ، عدا الجانب التشخيصي. [حتى في الأديان
____________________
1 قارن مع قول أبي العلاء المعريّ:

زعمتموه بلا مكانٍ ولا زمانٍ ألا فقولوا
هذا كلام له خبيءٌ معناه ليست لنا عقول
القديمة كانت توجد آلهة للحظ عديدة منها نايكي اليونانية والإله بس المصري_م] هاتان الكلمتان تعبران عن مفاهيم متماثلة، إنها كلمات مالئة لفراغات [المنطق والدليل] والتي يستعملها الناس عندما يشعرون بمعنى شخصي في حدثٍ لكنهم حائرون في شرح السبب. الفارق الوحيد في اختيار أحدها أو الآخر [أو عدم فعل ذلك] هو ما إذا يريد شخصٌ تحميل شخصنة دينية لموقفٍ ما.

ماذا عن الرسالة التسلسلية التي يقولون بوجوب نقل عدة نسخ منها إلى آخرين وهكذا دواليك [عادة تكون رسالة دينية ولا توجد في حدود علمي عادة كهذه في ثقافة المسلمين العرب، لكني أذكر إرسال شيعي رسالة أثناء درس ما بعد صلاة الجمعة في المسجد للشيخ السني المصري حسن عيسى عبد الظاهر في قطر _وكان يقدمه كإضافة تطوعية مجانية للراغبين في الاستزادة ومن لديهم أسئلة_بمسجد بمنطقة أم غولينا يوصيه بنسخها عددًا من المرات وفيها تسليمات على آل البيت مع مبالغة شيعية معتادة، فأمر الشيخ السني بتمزيقها بعدد المرات التي يوصي الشيعي بكتابتها مازحًا، ثم عاد فاستغفر وانتقد الشيعي، فربما العادة موجودة عند بعض الشيعة، ويوجد أمور شبيهة عند المسلمين كوجوب الصلاة والسلام كلما ذكر اسم محمد أو الأذكار كلما عطس أو دخل الحمام أو بعد تبرزه أو نام أو مارس الجنس أو أكل أو أنهى طعامه أو ارتدى ثوبًا جديدًا وغيرها، يا للهول!_م]. الرسالة المتسلسلة هي وثيقة خرافية يوصَى أن يوصلها المرء إلى عدد من الأصدقاء أو أفراد الأسرة وتعد زعمًا بمكافآت كبيرة سيحصل عليها الناس على نحو غير صدفوي لفعلهم ذلك، وبعض المعاناة المرعبة التي سيعانيها الآخرون لكسرهم التسلسل. هل يبدو ذلك مألوفًا؟ ينبغي أن يكون كذلك، فهذا الوصف المزعوم هو بالضبط ما يكُونُه الكتاب المقدس لدينٍ. رسالة متداوَلة ليس لديها دليل أو منطق على الإطلاق لكل وعودها بالسعادة أو الضرر الذي سيقع زعمًا على من إما سيواصلون أو يكسرون ويوقفون تداولها وتنقلها، وكذلك بالمثل يفعل الكتاب المقدس لدينٍ بحيث يأمر الناس بالعيش وفقًا لتعاليمه ونشر كلمته ودعوته.

كلا الوثيقتين تعملان بنفس المبدإ لأجل تكاثرهما وانتشارهما: إنهما يعتمدان على خوف الشخص من المجهول وعدم قدرته على إدراك أن تقنيات التفكير القائم على العقلانية الخاصة بالتفكير القائم على العقلانية تنطبق [على الأمر]. ما الذي سيسبب سقوط كل شعر امرئٍ لو لم ينسخ 27 نسخة من رسالة ويرسلها إلى أصدقائه؟ ما الذي سيرسل شخصًا إلى مكان يُدعى الجحيم أو جهنم إن لم يلقن أطفاله وأسرته شرائع وتقاليد الكتاب المقدس [كالقرآن والبيبل وغيرهما]؟ لا يمكن لأحد الإجابة. كل ما يشعرون بأنهم أحرار في التعليق به وقوله هو وضع تلك التهديدات، ومن ثم فإنهم يكونون قانعين بالمجازفة باحتمالية أن المرء لن يمتلك انضباطًا كافيًا ليكبح خياله من الإصابة بالذعر.



نظريات المؤامرة

ما هي سمات نظرية المؤامرة؟ إن نظرية المؤامرة هي أي فكرة لتفسير أحداث والتي تزعم أدلة على مؤامرة مفترَضة، معتمدة بشدة على الإيماآت والتلميحات والأمور متعددة التفسيرات، وتتضمن دومًا تقريبًا مؤامرة وراء الستار من جانب أناس ذوي نفوس. العلامة المميزة لنظرية المؤامرة هي الاعتماد الشديد على التلميحات والمعاني المتضمنة، رغم ذلك، فإن الأدلة المفضلة [لها] تأتي في شكل زعم وجود إثم وخطيئة من خلال تداعي الأفكار أو الأدلة الظرفية الضعيفة والاقتراحية للغاية. بالتأكيد، ليست كل نظريات المؤامرة تُصنَع متماثلةً. فبعضها أكثر قابلية للتصديق بكثير من أخرى لأن لديها كمًّا أكبر من الأدلة الظرفية أو جودة أفضل منها، فيما تبدو أخرى كأنها تختبر عن قصد حدود التصديق والسذاجة البشرية. بعبارة أخرى، يجب على المرء أن يحلل الأدلة بناءً على مصادرها والموثوقية الإجمالية قبل أن يمكنه الانشغال بالاهتمام ووضع أي اعتبار لما تزعم أنها تبرهن عليه.

على نحو محزن، فهناك ناس استحوذت على عقولهم البارانويا [جنون العظمة والارتياب] والذين يختارون نوعيات القصص حول الأحداث التي تؤكد مخاوفهم، وهو عمل عقول تسمح لعواطفها بالطغيان على قدرتها الفكرية. كل امرئٍ يعرف شخصًا واحدًا على الأقل منشغل ذهنيًّا وعاطفيًّا بنظريات المؤامرة، وكثيرًا ما يفتتحون الموضوع بعبارة على غرار: "أنت لا تعرف بهذا حقًّا؟!" أو "هذا سيذهلك ويبرجل عقلك". بعبارة أخرى، إنهم يميلون إلى إظهار شخصية تدعي معرفة كل شي، وهو أمر مفهوم باعتبار عمق المعرفة والمعلومات التي قد أقنعوا أنفسهم بأنهم قد حازوها.

أما في حالة وجود التفكير القائم على العقلانية بالوضع الطبيعي، فإنه يمكن استعمال طريقة للفهم واضحة ومطَّرِدة منتظمة لأي نظرية مؤامرة محددة، وهي أن درجة تصديق المرء ينبغي أن تزداد في تناسب طرديّ مع جودة وموثوقية الأدلة التي يقدمها أحدٌ ما لتأييدها، أما الجاذبيات العاطفية فلن تصلح. في الحقيقة، فإن العواطف لا تصلح ولا تفيد بأي حالٍ عند القيام بتقارير عن مسائل الحقائق فيما يتعلق بالواقع الموضوعي، وانجذاب الآخر إليها مثير للشك والاشتباه.

وكما مع حالة الخرافات والشعوذة، فإن الاعتقاد الديني يتّبع نمطًا مماثلًا هنا. في الواقع، فإن الاعتقاد الديني يمثّل نظرية المؤامرة القصوى. فبدون أساس مقنع على نحو معقول من الأدلة أو المنطق، فإن الناس الذين يحوزون كلًّا من الاعتقاد الديني ونظريات المؤامرة عمومًا يفعلون ذلك من منظور عاطفي غير مفيد، والاستنتاجات التي يستنتجونها يعتنقونها بيقينٍ. بالفعل، كيف يمكن ألا يكونوا متيقنين؟ إن امرئًا قد اتخذ قرارًا بقبول ما هو أقل من التأييد الاستدلالي والمنطقي المعقول لما يعتقد به، وفي أثناء ذلك نبذ عين الأدوات التي كانت ستمكنه من إضافة مادة إلى مستوى معرفته، بدونها [الأدلة] فإنه يتصرف على نحو أساسي على أساس الإيمان.

وكما مع حالة الاعتقاد الديني، فإن عملية [الاعتقاد بـ] نظريات المؤامرة تحمل كل العلامات المميزة لعقول عاجزة عن تأسيس أنفسها وأفكارها على أساس معلومات يُعتمَد عليها وموثوقة، وهي تسبب انزعاجًا وضغطًا لا يُصدَّقان في حياة الشخص. أما بجعل عقائد المرء متوقفة على الأدلة والمنطق المعقول، فإنه يكون لديه مرساة أو وتد لتثبيت وترسيخ فكره من تلاعب وتقاذف رياح أهواء عواطفه لها، ولا يوجد عاطفة أكثر قدرة على إحداث ذلك الاضطراب من الخوف. ولكونهم متشاركين في البارانويا المميزة لأتباع نظرية المؤامرة، فإن المؤمنين الدينيين مصابين بالبارانويا [التظنن، جنون الارتياب] على نحو لا نهائي ومتصل بصدد حتى الهمس بأنهم لا يؤمنون بإله [أو فعل أو قول أي شي مخالف للتعاليم الدينية الخرافية أو مجرد التفكير فيه] لأنهم قد لُقِّنوا أنه في كل مكان ويسمع كل شيء. إنهم يمكن أن يكونوا بارانويين بصدد تفويت الكنيسة [أو المسجد] أو صلاة لنفس السبب. إنهم كلهم يلعبون لعبة لا يمكنهم الفوز فيها لأن عواطفهم قد تلاعبت ضدهم بأسلوب الغش والثلاث ورقات وترتيب الأوراق لصالحها من البداية.

قراءة الطالع أو الحظ والقراآت الروحية وعلوم زائفة دجلية أخرى

إن جوهر قراءة الطالع والقراآت الروحية والعلوم الزائفة الأخرى هو زعمها بامتلاك مقدرة استثنائية على التنبؤ بأحداث المستقبل. يستخدم محترفو هذه المجالات تقنيات وأدوات عديدة لجمع المعلومات [زعمًا] مثل أوراق التاروت والكرات البلورية وقراءة خطوط كف اليد [أو بقايا كوب القهوة_م] أو دخول في غشية [ترانس]. وبينما يجمعون المعلومات من هذه المصادر [بزعمهم]، يبدؤون في سرد بعض تفاصيل جوانب من حياة الزبون على نحو صحيح والتي قد حدثت له من قبلُ ثم يستأنفون بتقديم أخبار مزعومة عما سيحدث له في المستقبل. إن محترفًا ممتهنًا ماهرًا يمكنه جعل هذه التجربة تبدو صحيحة وجِدِيّة وقورة على نحوٍ مقلق.

إذن، ما الذي يحدث حينذاك؟ كيف يمكن أن يكون لدى أولئك الناس تلك القدرات؟ بالتأكيد، الإجابة أنهم لا يمتلكونها، لكن فهم كيفية صنعهم لتأثيراتهم أدق من فضح السحر الفيزيائي المادي. تظهر الحيل السحرية على أنها تنتهك قوانين الطبيعة، ويمكن للمرء دائمًا أن يتحرى فيزيائيًا ماديًّا ويستنتج أن لها تفسيرًا منطقيًّا. الروحانيون ومن يشبههم يمارسون خدعًا شبيهة، لكنهم يفعلون ذلك مع المعلومات الشفهية بدلًا من الاستحالة الفيزيائية [المزعومة]. وحيث أنها هكذا، فإن سحرهم مخبأ بأمان في عقولهم، لذا فكل ما يمكن اختباره وفحصه هو ما يقولونه.

فيما يتعلق بممتهني العلوم الزائفة، فإن الخدعة هي مرة أخرى مجددًا أن لا شيء مما قيل محدَّد على نحوٍ كافٍ بحيث يكون قابلًا للاختبار أو قابلًا لمحاولة التكذيب. ما الذي يبدو أشبه بنبوءة روحاني متنبئ: هذا الشخص سيكون لديه مشاكل مالية في المستقبل القريب، أم أن: ذلك الشخص سيخسر 683 دولارًا في سوق البورصة هذا الثلاثاءَ القادم عند الساعة 3, 42 عصرًا ؟ بعمل تعليقات غامضة تميل إلى عالمية القابلية للانطباق، فإن المحترف [للدجل] يترك زبونه يملأ الفراغات بما يراه ملائمًا. المال واهتمامات الحب وأفراد الأسرة الميتين كلها نطاقات ملائمة للمحترفين الروحانيين لأن كل أحدٍ [دينيٍّ] تقريبًا له اهتمام بسماع تنبؤات عن كلٍّ منها.

إنهم يدرسون كذلك ردود فعل واستجابات الشخص لأسئلة سَبْرِية اختبارية لترشد اتجاه ما سيتنبؤون به. تُعرف هذه التقنية الشائعة بالقراءة الباردة وسنناقشها في الفصل 14 عندما ندرس كذلك أسلوب نصب القراءة الساخنة. إن القراءة الباردة هي تقنية دقيقة ماكرة قد تبدو قوية تمامًا لو أن الشخص يراها فقط تُعمَل معه وليس لديه فرصة أخرى لرؤية أساليب المحترف. بغض النظر عن ذلك، فإنها وسيلة لجعل الزبون بدون وعي يقدم معلومات شخصية، والتي بدورها تقدم نبوآت لاحقة أكثر إثارةً للإعجاب. لو أن الشخص سيجلس خاليًا من تعابير المشاعر أمام روحاني بدون الإجابة على الأسئلة، فستبدو نبوآته أقل إثارة للإعجاب.

مثل السحرة، فإن الكهنة [ورجال الدين وأشباههم ممن يتخصصون في الدجل_م] ومحترفو علوم زائفة أخرى يهدفون إلى الظهور على أنهم قادرون على انتهاك وكسر قوانين الطبيعة بدون فعل ذلك في الحقيقة أبدًا. يمارس السحرة براعة وخفة اليدين، أما محترفو العلوم الزائفة فيمارسون براعة العقل. كلا الفريقين يحاول تحقيق المعادلة السليمة للغموض الذي يبدو مثل التحديد والدقة. فباعتبار كل شيء، فإن أي أحدٍ يذهب إلى روحانيٍّ (أو إلى بيت صلاة وتعبد) يريد أن يصدق أن المحترف يمكنه فعل ما تقول لافتة أعماله أنه يقدر على فعله. في العموم، فإن كل ما على المحترف فعله هو أن يكون حادَّ الملاحظة ويترك رغبة الزبون الأولية المستعدة لتصديق أنه يعرف مستقبله تقوم بالباقي. هل يرتدي الزبون خاتم زواج أو خطوبة؟ في أي فئة سنية عامة هو؟ ما نمط الثياب التي يلبسها؟ كل امرئٍ يريد أن يعتقد أنه فريدٌ على نحوٍ كاملٍ، لكن الناس يتبعون أنماطًا. والمحترفون الناجحون للدجل سيكونون قادرين على تبين هذه الأنماط واستعمالها للتنبؤ وحزر تخمينات جيدة عن حياة الشخص.

تفكر في التشابهات المذهلة بين الأديان وأسلوب عمل هذه العلوم الزائفة. تقدم الكتب المقدسة تنبؤات غامضة عما يحمله المستقبل لأتباعها، كثيرًا ما تكون في سياق أعظم آمال الشخص وأسوأ مخاوفه، وبعض الكهنة ورجال الدين يحاولون حتى القيام بنسخٍ من القراءة الباردة أو الساخنة في تجمعاتهم ولقاآتهم الدينية [انظر النبوءة الإسلامية المضحكة مثلا: لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة!، التي تنطبق على مليون حدث، وغيرها_م]. هنالك قاسم ووريد مشترك في كل هذا، تحديدًا: ادعاء المعرفة الكبيرة العظيمة وعدم قول أي شيء محدد على الإطلاق. بالتأكيد، فإن ذلك النمط قد كررناه تكرارًا مضجِرًا، لكنه ينبغي أن يبدو أيضًا مريحًا في برهنته على أن الخدع اللغوية للدجّالين قد جُعِلَتْ الآن واضحة وذات طبيعة ونغمة واحدة. فرغم خلفيتهم المسرحية الجميلة المشوّشة وخداعهم، فإنهم ليسوا إلا تجار غير أخلاقيين يبيعون نكهات مختلفة من نفس الحلوى العقلية [الرديئة المغشوشة والمسمومة].

الكائنات الميتافيزيقية [فوق الطبيعية] غير الدينية

الأرواح والأشباح والأرواح الهائمة القلقة قد استحوذت على مخيال البشر لقرون. سواء أكان مستشفى عقلي مهجور، أو منزل مُقْفر، أو خط أنفاق سكة حديدية قديم، فإنه الأرواح والأطياف تهيم وتسكن كما يُزعَم أي مكانٍ له التاريخ المناسب لها. الأبنية المزعوم أنها مسكونة تبدو دائمًا قديمة وذات تاريخ أسود مظلم في ناحيةٍ ما. الناس الذين يزعمون أنهم قد تفاعلوا مع أشباح كثيرًا ما يقولون أنهم سمعوا أصواتًا ضعيفة أو شعروا بتغيرات مناخية أو كان لديهم قلق مروع عام بصدد المكان الذي كانوا فيه. تحدث هذه الأحداث دائمًا تقريبًا في ظلام الليل وعادةً يكون لدى الشخص الذي يشعر بوجود الأرواح معرفةٌ بالتاريخ الفريد للبناء الذي يشعر فيه بها.

يشترك أحيانًا الروحانيون كذلك في هذه المواقف لكي يقرروا وجود الأرواح، وإن جلسات استحضار الأرواح مسرح أحداث أندر يُستحضَر فيه [زعمًا] ما فوق الطبيعي بمساعدة الروحاني أو الوسيط الذي يدَّعي امتلاكه وثيقة وخصوصية بهذه المملكة الغريبة. بعبارة شائعة، فهذه هي مملكة ما فوق الطبيعة، موطن عدد لا يُحصى [زعمًا] من المخلوقات الرهيبة التي لا تُقهَر ذوات الاهتمام العجيب بالبشر.

وبينما تنزع كثير من هذه المخلوقات إلى وجود روابط لها مع الأساطير الدينية، فإن الكثير منها تشغل مملكة الخوف العامّ حيث أن الأديان كثيرًا ما لا تنشغل بالإشارة إليها مباشرةً.

بالتأكيد، لقد استهلكنا فعليًّا كمًّا كبيرًا من الوقت في الجزء الأول للبرهنة على أنه لا سبب للظن بأن المملكة فوق الطبيعية توجد حقًّا في الواقع الموضوعي، ولذا يجب أن يكون هناك تفسير آخر لهذه الظواهر. بالنسبة لي، فإنه لذو دلالة بليغة أن كل لقاآت الأشباح تقريبًا تحدث في الليل. فمثلما تشغل الظاهرة السابقة في هذا القسم (نبوآت المنجمين والدجالين) الأماكن المظلمة المستترة في عقل الشخص، فإن الأشباح والأرواح تشغل الأماكن المظلمة في رؤيته. فعندما يدخل شخصٌ بيتًا قديمًا متداعيًا أو بناية يبدو عليها القِدَم، فإنه يكون مُهيَّأً مستعدًا لمقابلات مع الأشباح، أي أنه يتوقع رؤية مثل هذه الأشياء بناءً على الفلكلور عن الأشباح.

إن كانت الأرواح توجد حقًّا، فإنها ممنوعة على نحو غريب من الظهور في البنايات الجديدة أو في ضوء النهار. ترينا حقيقة أن الروحانيين والوسطاء الروحيين قد اشتركوا في هذا المجال كيف أن محترفين آخرين للعلوم الزائفة الدجلية قد قاموا بالاستغلال التطفلي لاستعداد مفهوميّ تطفليّ قد زرعته الأديان فعليًّا من قَبْلُ. [يُزعَم] أن الأشباح إما أرواح هائمة لا يمكنها دخول السماء أو شياطين عالقة في المملكة الفيزيائية [الطبيعية]. كلا هذين المفهومين مُقتبَس مباشرةً من الأساطير الدينية، وتلك المجالات والأنشطة الزائفة الدجلية تستعمل المفاهيم الدينية لتصنع على نحو فعال شراكة غير مرغوبة مع الأديان. مع التفكير القائم على العقلانية، فإن المرء يمكنه أن يستنتج فقط أن ما يُشعَرُ به في الأركان المظلمة للأماكن القديمة والأقبية الرطبة هو خوف المرء الشخصي، وقد جُسِّد من خلال الأفكار الخرافية التي قد غُرِسَتْ ثقافيًّا في عقله وقد تُصُوِّرَت وأُسْقِطَتْ على الظلام غير واضح المعالم رديء التعريف.

خلاصة

إن الدرس االمشترك في كل هذه المجالات هو أن امتلاك دقة في التفكير واللغة وسيلةٌ للانتصار على خوف المرء من الأشياء التي يُزعَم وجودها في الواقع الموضوعي. لو أن خوفًا ما غير عقلاني ولا أساس له من الصحة ولا إثبات، فإن أفضل فرصة لدى المرء لاكتشاف ذلك هي ترتيب أفكاره بدقة صارمة بدون السماح بعامل الذعر بالتأثير على التقييم. ورغم ذلك، فلو كان خوفٌ ما صحيحًا وراجحًا فإن مراعاة الدقة في الأفكار للعمل على معالجة المشكلة هو على نحو مماثل أفضل فرص المرء لمواجهة وإيقاف المشكلة.

بعبارة أخرى، فإن دقة المرء ستمكنه من إحداث أكثر التصرفات حسنَ تخطيطٍ واتساقٍ لتخليص نفسه من الموقف. إن فهم أن أكثر مخاوف المرء جموحًا وشدة يكمن في خياله وأن باقي هذه الأخطار الوهمية الخارجية الظاهرية هو في الحقيقة إسقاطات من داخل نفسه، هو مصدر كبير للشعور باتحاد وتوحد النفس. هذه الحفنة من الدروس وحدها ينبغي اعتبارها قَيِّمة ومفيدة على نحو كافٍ للتسبب في شعور كبير بالراحة والطمأنينة بأن بعض أكثر الجوانب إثارة للقلق والخوف من الفلكلور والأساطير تنتمي إلى نفس الفئة والتصنيف كالآلهة، يعني على وجه التحديد: القصص الخرافية التي قد خرجت عن السيطرة. إن يرغبْ المرءُ في التحكم بخوفه، فإنه يحتاج فقط إلى التفكير بدقة، وبذلك سيتخذ أفضل إستراتيجياته المتاحة للتغلب عليه.

11 مكان الشخص فيما يتعلق بالكون

عندما أصبحتُ مقتنعًا بأن الكونَ طبيعيٌّ، وأن كل الأشباح والآلهة أساطير، حينذاك تغلغل عقلي وذاتي وكل قطرة من دمي وشعوري، بهجة الحرية. إن أسوار سجني انهارت وسقطت.
روبرت جرين أنجرسول Robert Green Ingersoll [شخصية أمِرِكية تاريخية، سياسي وخطيب ومفكر]


بعد التخلص من الاعتقاد الديني، قدّم الفصلان 9 و10 وسائل ومناظير رؤية للمرء لتحقيق تصفية وتطهير نفسي وعاطفي يُحتاج إليه كثيرًا. وحيث أن الجزء الثاني قد قُرِّر أن يُشبه عملية إعادة بناء منهجية، فإننا قد ناقشنا ودرسنا مسائل ذات أهمية عاطفية أساسية في مستهله لأن الاشتراك في والاتباع طويل الأمد للاعتقاد الديني هو إدمان عاطفي في المقام الأول وعلى نحوٍ رئيسيّ، وكنتيجة لذلك فإن العمل على استقرار النفس لا يمكن أن يكون سوى أولى أولويات العمل. عواطف المرء لديها القدرة على أن تهزم وتطغى على التفكير بسهولة، وما لم تُقدَّم أدواتٌ أولًا للعمل على استقرار النفس، فإن أي إنشاآت فكرية تُنشَأ بتعجل كانت ستنهار في الهزات العاطفية الثانوية.

أما الآن، فيمكن بدء إعادة البناء الفكري المتكامل، وإن أول قالب حجر يوضع في مستوى الأساس الجديد للهوية سيكون تحديد مكان الشخص في الكون. أما مجال الحجر الذي سيوضع على قمته [البناء] فسيكون غرضه أضيق وسيركز في مكان الشخص فيما يتعلق بالمجتمع. ومجال وغرض الحجر الأخير سيكون أكثر ضيقًا وسيركز في مكان الشخص فيما يتعلق بالنفس.

مبتدئين بمكان الشخص في الكون، فإن الدراسة ستتعمق وتخوض في أحدث ما توصل إليه العلم في مجالات علمية عديدة، وستبزغ قصة جديدة عن وجود الكون والإنسان وكل شيء تختلف على نحو مذهل عن قصص النشأة والأصول التي قالت بها الأديان. وحيث أن الدراسات العلمية الشاملة المتوسعة تخرج عن الغرض من هذا الكتاب وخبرة مؤلفه، فإن هذا الفصل سيفحص فقط الفهم المقبول حاليًّا للعديد من الأحداث الهامة في تاريخ الكون ذات العلاقة بهوية الشخص. إن التفسيرات التالية تصل ما بين مجالات متنوعة، تتضمن الكيمياء والأحياء والفيزياء وعلم الفضاء والفلك، ولو كان اهتمام القارئ بهذه المجالات يفوق الدراسة الموجزة المقدَّمة، فإن الاطلاع على النصوص والكتب العلمية أو الدوريات والجرائد العلمية لأجل توضيح فني إضافي سيكون ملائمًا.

أصل الكون ونشأته _ الانفجار العظيم

في العصر الحاليّ، يتفق علماء الفضاء والفيزيائيون أن الكون بدأ كمفردة ضئيلة شديدة الكثافة والتي انفجرت وأرسلت كل المادة التي بداخلها على شكل جزئيات تتسارع في حركتها. هذا الانفجار هو ما يشار إليه باسم الانفجار العظيم، وإن استعمال مصطلح "مفردة" هو مجرد طريقة أكثر لباقة لقول جملة "شيء لم يسبق له نظير في المعرفة الحالية للإنسان". وفقًا لتلاقي النتائج الخاصة بالعديد من الوسائل العلمية التي تقوم على التقدير الاستقرائي لجوانب معينة من الكون الحالي بالعودة في الزمن، لقد حدث الانفجار العظيم منذ حوالي 14, 5 مليار سنة ماضية، رغم أن لا أحد يعرف بعدُ كيف تُسُبِّبَ به أو كيف ولَّد ذلك الكم الهائل من الطاقة والمادة. في الواقع، يدعي العلم فقط أن لديه معرفة معقولة عما حدث في لحيظة ما بعد الانفجار العظيم، وبالتالي تظل المفردة نفسها لغزًا. رغم ذلك، فبعد الانفجار العظيم عملت قوانين الكون على الطاقة-المادة المُطلَقة حديثًا، وبدأت المادة تتجمع مع بعضها في تكتلات على نحو غير متساوٍ بسبب تأثيرات الجاذبية [فيما بينها]، مما أدى في النهاية إلى تشكل النجوم والكواكب، بما في ذلك منظومة البشر الشمسية والشمس والأرض.

يزعم ويؤكد [كهنة وأتباع] الأديان [حاليًّا] _[عدا البودية والجاينية وربما التاوية] أن إلهًا قد أوجد وتسبب في الكون من خلال التسبب في المفردة التي أدت إلى الانفجار العظيم. على نحو واضح، فهذا تعبير وتجلي للجدلية الكونية، محزومة ومعبأة في شكل مصطلحات علمية، والتي [الجدلية] قد تم القضاء عليها فعليًّا. [لاحظ أن الدجالين كزغلول النجار ومصطفى محمود استغلوا جهل الناس العوام في مجتمعات الفقر والجهل بماهية نظرية الانفجار العظيم من الأساس، وروجوا أكاذيبهم وتربحوا منها، في حين تتناقض نصوص القرآن والكتاب المقدس مع العلم الحقيقي لأنها لا تتكلم عن مفردة شديدة كثافة المادة، بل تفترض أنه في البدء تمامًا وجدت مادة وأرض هذا الكوكب وسماء وفق مفهوم بدائي جدًّا هي سماء الأرض المتصورة كمسطحة وليس كوكبًا وفي نفس الوقت سماوات خرافية لباقي الكون معها والنجوم والكواكب منثورة بداخلها كأشياء ضئيلة ومصابيح لمجرد إسعاد بشر وتعريفهم بالاتجاهات والمواسم في حين يتم إلقاء بعضها على الأرض لرجم شياطين! نجوم بأضعاف حجم الكوكب تلقى عليه بدلا من فهم أنها شهب ونيازك تحترق كليًّا أو جزئيًّا باحتكاكها بالغلاف الجوي، من أين جاءت مادة وأرض وسماء قبل الانفجار العظيم حسب القرآن والكتاب المقدس؟! بعد الانفجار العظيم بدأت المادة كجسيمات تحت ذرية تألفت منها بقوة الانجذاب ذرات الهيدروجين الأولوية ومن اندماجاتها النووية بفعل الجاذبية الضاغطة نشأت النجوم كمفاعلات نووية حرارية أنتجت كل باقي العناصر الفيزيائية بدمج ذرات الهيدروجين، مفاهيم النصوص الدينية البدائية لا تمت بصلة لما يقول به العلم الحديث، الفارق بين عمر الكون ككل وكوكبنا أكثر من عشرة مليارات سنة، نصوص الدين لا محل لها من الإعراب علميًّا_م]. لو عرف [كهنة ومحترفو] الأديان كلمة "إله" على أنها تعني ببساطة قوة ما غير معروفة، لكان سيكون اختلاف في الدلالة اللفظية [السيمانطيقية] بينهم وبين العلم، بحيث يكون كلا الفريقين يدعو نفس الشيء باسم مختلف، أي: "إله" في مقابل "المفردة". لكن بالتأكيد، لا تعرف [نصوص] الأديان المصطلح بمثل هذا الحد الأدنى. إنها تستأنف بتشخيص القوة، وإعطائها شخصية، والادعاء بأنها لا تزال توجد اليوم، والزعم بأن لها اهتمام خاص بالبشرية، والاقتراح والادعاء بأنها تتكلم [أو تكلمت] مع ناس معينين، والإعلان بأنها تهتم بقرارات البشر الأخلاقية. بقدر ما يتعلق بالعلم، فلا دليل أمبريقي [قائم على التجربة والملاحظة] أو ضرورة منطقية لأيٍّ من هؤلاء الاستنتاجات، ومن منظور التفكير القائم على العقلانية فإن المفردة هي فقط نقطة ومرحلة غير معروفة من تسلسل السببية.

إن الأسئلة بخصوص الانفجار العظيم وحدود الكون محيرة مثيرة للدوار لأن مقياسها يعتبر العقل البشري مقارنة به قزمًا تمامًا. [الكون كفراغ ومساحة ليس له حدود، لكن لعل للمادة كم محدود رغم ضخامته_م]. في تاريخهم القصير، فإن البشرية قد حازوا مؤخرًا فقط القدرة على مد حواسهم على نحو مقصود إلى ما هو خارج كوكب الأرض، والكثير جدًّا من التقدم في المعرفة البشرية فيما يتعلق بالانفجار العظيم قد حدث في آخر خمسين سنة. على نحو غير مفاجئ، فإن التقدم حاد الارتفاع في المعرفة فيما يتعلق بنشأة الكون تتوافق مع تطور وتحسن الأدوات ذوات القوة والحساسية، وخاصة تكنولوجي [تقنية] الكمبيوتر. إن سرعة معالجة الكمبيوترات للبيانات قد أتاحت ملاحظات وحسابات كانت سابقًا مستحيلة، سواءً بسبب السرعة المتطلبة للملاحظة التي ستحدث ستكون أسرع للغاية من قدرة العين البشرية لتقيسها وتلاحظها بدقة أو بسبب أن كم البيانات التي سيحتاج المرء إلى تحليها في التجربة ستكون أضخم بكثير من أن تُجمَع في كم معقول واقعي من الوقت يدويًّا.

بعبارة أخرى، ستستمر نظرية الانفجار العظيم في تحسينها وصياغتها خلال السنوات القادمة. أما حاليًّا فإنها أحدث ما وصلت إليه المعرفة العلمية مع وجود علامة استفهام كبيرة في مركزها، والتي يعجز التصور عن تفسيرها بسبب كلٍّ من مسافتها الزمنية واستعصائها على الملاحظة. لقد اقتُرِحَتْ الكثير من الأفكار لمحاولة صياغة البيانات المتاحة في إطار يفسر ليس فقط المُفرَدة بل وكذلك ما وُجِد قبلها وخارجها. يُحتمَل أن هناك حدًّا لما يمكن للعلم فهمه في هذا الخصوص إن لا يستطع اختراع وسيلة لمد حواس الإنسان على نحوٍ ما خارج الكون نفسه، وهي فكرة تبدو هي نفسها غير مفهومة. رغم ذلك، فإن اتجاه البشرية الحاليّ الخاص بزيادة سرعة معالجة الكمبيوترات للبيانات على نحوٍ هائل وحساسية الآلات والأدوات العلمية يمكنه تقوية احتمالات الحصول على تفسيرات مقبولة بالفعل في المستقبل على تلك الأسئلة التي تبدو مستحيلة [الإجابة] الآن. فرغم كل شيء، فلا أحد كان يمكنه تصور أن العلماء سيتمكنون من تحديد ومعرفة كل ما لديهم حاليًّا عن المسألة بقدر ما وصل إليه العلم فيها الآن.

أصل ونشأة الحياة_النشوء الذاتي التلقائي

باعتبارنا تشكل كوكب الأرض والوجود كمسلَّمة، فإن فارقًا أساسيًّا ينشأ بين الماضي والحاضر، تحديدًا: كيف يمكن أن تنشأ كل [أشكال] الحياة المزدهرة حاليًّا التي توجد على الأرض من ماضٍ شكَّل كوكب الأرض ككرة مركَّبة من العناصر؟ بالتالي، كيف بدأت الحياة على الأرض؟ الإجابة على هذا السؤال والمصطلح العلمي لظاهرة كيفية إمكان نشوء الحياة العضوية من مواد غير عضوية هو (النشوء العفوي الذاتي abiogenesis). لاحظ أن النشوء الذاتي ليس له علاقة بنظرية الانفجار العظيم. فالنموذجان متمايزان ومستقلان ويعتمد كلٌّ منهما على مجال علمي مختلف. يتناول النشوء الذاتي وجود الأرض والكون كمقدمة ومسلَّمة لكي يفسر كيف يمكن أن تكون الحياة قد بدأت من ثَمَّ.

عن هذه المسألة لا توجد نظرية علمية واحدة مفضلة حصريًّا لتفسير كيفية بداية الحياة على الأرض، على نحو رئيسي لأن هناك طرق عديدة معروفة كوسائل عملية يمكن بها نشوء المواد العضوية من مواد غير عضوية. إحدى هذه السيناريوهات هو ما يُعرَف بالحساء البدائي، والذي يصف أرضًا عتيقة بدائية، غير معروفة للإنسان، أمكن فيها لمكونات الغلاف الجوي والماء مع الشحنات الكهربية للبرق إنتاج أحماضٍ أَمَيْنِيَّة، وحدةُ بناءٍ للحياة. العثور مؤخرًا على جزيئات عضوية معقدة في النيازك والغبار الكوني قد كشف بأن مثل تلك المواد ليست بهذه الندرة في الكون كما كان قد اعتُقِدَ قديمًا. ما بين احتمالية تكونها من تفاعلات كيميائية أرضية عديدة أو احتمالية قدومها في أشياء فضائية، فإن تفسير كيفية إمكان نشوء الجزيئات العضوية في ومن مواد غير عضوية ليس صعبًا على نحو مدهش.

رغم ذلك، فإن الجزيئات العضوية هي نصف القصة فقط، والطريقة التي أمكن بها أن تنتظم لتشكيل خلية قادرة على التكاثر أقل مبتوتية فيها، رغم عدم انعدام وجود العديد من التفسيرات المقنعة. تحتوي الخلايا في حياة العصر الحاليّ على بنيوات معقدة مثل أغشية خارجية قوية ومواد جينية وبروتينات وعُضَيَّات. بالتأكيد، فإن الخلايا الأولى لم تكن مثلها بأي حال، ويصعب البرهنة على أرجح ترتيب للعمليات للاتحادات الكيميائية البدائية لتُصاغ إلى خلية، بالدرجة الأولى لأنه لم تظهر نظرية يتضح أنها مسار إلزامي كان يجب أن يحدث هو [وليس غيره]. على نحو واضح، فإن حياة العصر الحاليّ تقدم خريطة طريق لما كانت ستحتاجه خلية أساسية أولية، لكن الفاصل الزمني والظروف الغريبة للتفاعلات الكيماوية للأرض العتيقة البدئية والإمكانيات المحضة للاختيارات المتعددة لكيفية إمكان حدوث الأمر تجعل إنشاء تفسير واحد للعملية التي قد حدثت حقًّا في الحقيقة مهمة صعبة.

مجددًا، فهذه أهمية تقنيات اكتساب المعرفة الخاصة بالتفكير القائم على العقلانية. فبالنسبة للعين العادية، يمكن للمرء أن يلاحظ الكائنات الحية تولد حصريًّا من كائنات حية أخرى [من نفس نوعها]، ومفهوم أنها أمكن أن تنشأ على الإطلاق بطريقة أخرى [في البدء بالتطور] يبدو مستحيلًا. على نحو مماثل، يبدو الزمان مُطَّرِدًا متماثلًا، ويستحيل على المرء تصور وسيلة يُغيَّر فيها الزمان حقًّا. رغم ذلك، فإن زيادة الجاذبية لها التأثير على إبطاء الزمن، وما كان المرء ليخمن شيئًا مثل هذا من الملاحظة الاعتيادية لأن سطح الأرض ينتج تأثيرًا جاذبيًّا موحَّدًا على الزمن لمن يقفون عليه. في الواقع، فإن الأقمار الصناعية في مدارتها حول الأرض يجب أن يكون [في تصميمها] لديها ساعاتها الداخلية معدَّلة قليلًا لتعويض التأثير القليل الذي لجاذبية الأرض عليها.

بعبارة أخرى، فالأشياء ليست دائمًا كما تبدو، والحس البديهي المشترك عندما يتعلق بفهم الواقع الموضوعي لا يفيد. ما يصل إليه الحس البديهي فقط في هذا الحقل هو مجموعة من المفاهيم الجامدة المتحيزة المتصورة مسبقًا التي قد قُرِّرَت بالملاحظات الاعتيادية، والتي لم تُحسَّن بالوسائل والمناهج الصارمة، وقد وُجِدت خصيصًا للدفاع عن أوهام وأهواء الإدراك. عندما يتم إدخال مثل هذا الحس البديهي في وسط شروط استعمال تقنيات اكتساب المعرفة الخاصة بالتفكير القائم على العقلانية لفهم الواقع الموضوعي، فإن استعماله يعادل القفز مسبقًا إلى النتائج التي سيقاوم [صاحبها] بعناد وإصرار مناقضتها وتكذيبها بالأدلة. لعل للحس البديهي استعمالاته في مكان آخر في التفاعلات بين الناس، لكن في البرهنة على مسائل الحقائق المتعلقة بالواقع الموضوعي فإن يؤدي إلى مقدرة إبداعية فقيرة جدًّا فيما يتعلق بفهم وتفسير الأدلة التي تناقض استنتاجاته.
بالنسبة لهذه المسألة، فإن كلمة "حياة" بها عائق كبير لفهم النشوء الذاتي لأنها كلمة ومفهوم محمَّل بحس بديهي خاص بالحضارات القديمة. فكما عرفها الناس تاريخيًّا، اعتُبِرَتْ الحياةُ على أنها متمايزة جوهريًّا عن الطبيعة الغير حية، ومن وجهة نظر اعتيادية فإن هناك جاذبية حس بديهية مريحة للتقسيم الثنائيّ المتضمَّن في الكلمة. لكنْ مع تركيز تقنيات اكتساب المعرفة الخاصة بالتفكير القائم على العقلانية في أصغر مكونات الطبيعة، فإن الناس قد علموا أن لا شيء فريدَ بصدد الكائنات الحية فيما يتعلق بما يكوِّن أجسادها، أي أن الاختلاف بين "الحياة" والمواد الغير حية هي مسألة شكل وليس جوهر عند المستوى الكيميائي. إن الناس والكائنات الحية استثنائيون بالفعل، لكن ليس في كل شيء، وإن أوهام الإدراك الخاصة بالملاحظة الغير محسنة الماضية قد دخلت القاموس باستتار، رابطةً الخيال بغير قصد مع افتراضاتها. ما نعنيه بكل هذا أنه لو كان لدى المرء صعوبة فهمٍ للنشوء الذاتي أو كيف أمكنه خلق الحياة، فإن التريث وأخذ خطوة إلى الخلف لتقييم ذخيرتك وحصيلتك اللغوية والمفاهيم التي تتضمنها وسيلةٌ حكيمة للتخلص من الحس البديهي القديم لصالح لمواكبة والتلاؤم مع ما تقوله الأدلة المعاصرة الحالية الأكثر تفوقًا والأعلى منزلةً.

على نحو مؤسف، فإن معظم الناس لم تسمع قط عن النشوء الذاتي في سياق تعليمهم المدرسيّ العاديّ، على الأرج لافتقاد نظرية علمية قاطعة لتعليمها عنه. بالإضافة إلى ذلك، فإن النشوء الذاتي قالب بناء أكثر دقة وبراعة لقصة وجود الإنسانية [وكل الكائنات الحية]. فمن منظور الاعتقاد الديني، فإن بؤرة قصة نشأة الحياة تقفز مباشرةً إلى البشر، ولا يوجد مفهوم ديني مناظر يحاول منافسة مفهوم النشوء الذاتي [ربما عدا البودية في نصوصها ولعل أكثرها أصالة التريبيتاكا الباليّة Pali Tripitaka، فهي تقول بصياغات بدائية من الفكرة مخلوطة مع أساطير دينية ميتافيزيقية، انظر مثلًا The Agganna Sutta وسوترا شبكة البراهماوات Brahma Net Sutra، حتى أن الأولى منهما تذكر بداية الحياة بدون جنس لكنها تحوي تفسيرات خرافية طبعًا_م]. في الواقع، فإن قصة وأسطورة الخلق المتمايز اللحظي الخاصة بالأديان قد استُبدِلَت بخطوتين وجزئين هما كل من الخطوة الأولى الخاصة بالنشوء الذاتي والخطوة الثانية هي التطور، ويمثلان سويًّا رواية متصلة متكاملة.

نشأة وأصل الإنسان [وسائر الكائنات الحية]_ التطور البيولوجيّ

عند تلك المرحلة آنذاك، جاء الكون ثم الحياة الأولية البدائية كلاهما إلى الوجود. إذن، كيف جاء البشر إلى هنا؟ الإجابة هي نظرية التطور العلمية، والتي هي تفسير مؤيد تمامًا وللغاية بالأدلة لتفسير تنوع أشكال الحياة، بما في ذلك نشأة وأصل الإنسان. فبناءً على مقارنة سجلات المتحجرات وتسلسلات الحمض النووي منزوع الأُكْسُجِن DNA والتركيبات التشريحية، يؤكد علماء الأحياء في العصر الحديث أن أشكال الحياة المعقدة المتنوعة الموجودة على الكوكب اليوم قد تطورت في الحقيقة من خلايا بدائية بسيطة، والتي وُجدت منذ حوالَيْ 3, 5 إلى 4 مليارات سنة ماضية. على نحوٍ واضحٍ، فإن هذه الكائنات الأولى كانت أبسط أشكال الحياة، لكن كونها طورت القدرة على التكاثر والانقسام الخلويّ أدت آخر الأمر إلى التنوع الجدير بالملاحظة لأشكال الحياة الموجودة على الكوكب اليوم. وكما مع استقلال كلٍّ من نظرية الانفجار العظيم ونظرية النشوء الذاتي، فما إذا كانت هذه الخلايا الأولى قد تشكلت بالنشوء الذاتي غير ذي صلة بفهم التطور، لم تُصمَّم وتُصَغ نظرية التطور لتفسير وجود الحياة، بل هي تفسير لكيف أمكن للحياة الموجودة فعليًّا أن تتطور إلى مثل هذا التنوع الكثير للغاية.

لتصور كيفية عمل التطور، تفكَّرْ في نوع معين من البَكتيريا التي تسبب الأمراض للبشر. إن يكتشف البشر مضادات حيوية تنجح في قتلها، فإن عاملًا بيئيًّا جديدًا يكون قد قُدِّم والذي سيؤثر على مجموعات أفراد البكتيريا. فبسبب الطفرات الجينية العشوائية فإن بعض هذه البكتيريا قد يكون لديها بالصدفة مقاومة للمضاد الحيوي، أم التي لا تحوزها فستموت أسرع في المتوسط وسيكون لها فرصة أقل لتكوين نسل يرث مادتها الوراثية، وخصوصًا عدم قدرتها على مقاومة المضاد الحيوي. وفيما يتعلق بالجيل التالي من البكتيريا فإن السمات الجينية [الوراثية] لأفرداه ستكون على الأرجح مماثلة لتلك البكتيريا التي كان لديها في الأصل الطفرة للنجاة من المضاد الحيوي لأن تلك النماذج سيكون لها أفضلية في تكوين نسل بنجاحٍ.

ومع مرور الأجيال واستمرار المضاد الحيوي في إنقاص أعمار تلك البكتيريا التي لا يمكنها البقاء والنجاة في وجوده، فإن ما ربما بدأ كصفة نادرة في أفراد المجموعة سيصير صفة شائعة. هذا المثال على التطور هو حالة اكتساب البكتيريا مقاومةَ مضادٍ حيويٍّ. لقد عمل المضاد الحيوي كآلية انتخاب لسمة معينة في البكتيريا، وقد تطور أفراد المجموعة استجابةً لذلك التغير في البيئة.

المثال السابق أعلاه يُعرَف أحيانًا على نحو غير مساعد بالتطور على مقياس ضئيل microevolution، أيْ التغير في تكرار صفاتٍ موروثة ضمْنَ نوعٍ بسبب تغيرات بيئية، وما يُعرَف بالتطور الكبير macroevolution هو تطور المجموعات السكانية [مجموعات أفراد النوع] على المدى الطويل والذي يؤدي إلى تكوين أنواع جديدة تمامًا. لا يوجد اختلاف أساسي جوهري بين هاتين العملتين ما خلا الزمن، والتقسيم الثنائي المصطنَع الذي يقومان به يمثل مثالًا آخر على المفاهيم المتحيزة مسبقة التصور التي تتسبب في الأخطاء تمامًا مثل النقاش السابق بخصوص كلمة "الحياة". بعبارة أخرى، فإن التطور الكبير هو المصطلح الذي يستعمله من لا يمكنهم دحض عملية اكتساب مجموعات أفراد البكتيريا مقاومةَ المضادات الحيوية أو إنشاء البشر لسلالات مختلفة من الكلاب والمواشي وغيرها، لكنهم لا يمكنهم فهم التغيرات طويلة المدى الزمني في النوع. كمثال: تطور نوع محدود بحياة الماء إلى حيوان بريٍّ. إن عدم الاتساق المتصدع لمثل هذا التفكير هو أنتيكة وأثر تاريخي، وإن جاذبيته تنشأ من تشويه وإفساد أوهام الإدراك الاعتيادية الخاصة بالماضي للأدلة المختبَرة جيدًا تحت الظروف التحكمية الخاصة بالعصر الحديث. بعبارة أخرى، التطور هو التطور، ولو أن تضمينات معينة لها تبدو عجيبة، فذلك بسبب الكم الهائل من الزمن وافتقاد الأنواع [الأقدم، عدا كمتحجرات لبعضها أو آثار جينية] مما قد عمل على إبهام العملية على الحس البديهي [ليس خبرة يومية نعرفها على المدى القصير لحيواتنا في المعتاد].
من خلال هذا المنظور، فإن وجود البشرية وعلاقتها مع باقي أشكال الحياة على الأرض له قصة بديعة. فمتطورين من أكثر أشكال الحياة بدائيةً خلال كم هائل من الزمن، ليس البشر إلا مجرد حلقة أخرى في السلسلة. الإنسان جزءٌ من مملكة الحيوان، وليس فوقها. ليس هناك شيء استثنائي بأصالة بصدد البشر مقارنة بالحيوانات الأخرى فيما يتعلق بما يكوِّن خلاياها وأجسادها. في الحقيقة، فإن الشيء الوحيد الذي يجعل الإنسان فريدًا بحقٍّ ينبع من قوة العقل الكبيرة التي يحوزها، مقارنةً بباقي الأنواع. إننا نكتشف أن عزلة الإنسان على الكوكب ظرفٌ فرضه على نفسه كالحبس الانفرادي، وقد أضافت الطبيعة نفسها سياقًا إضافيًّا لذلك [كتطور المخ المتميز وافتقاد الفرو_م]. وبدون مفاهيم الروح ومنفذ الهروب الخاص بما فوق الطبيعي، فإن الناس ليس لديهم سوى أجسادهم وموطنهم ومصلحة شخصية في الحفاظ على سلامة كليهما. السيادة والسيطرة على الطبيعة أصبحت عملية إدارية إشرافية، وإن قدرة الإنسان على التلاعب بـ وتغيير بيئته عليها تحفظ وتنبيه على المسؤولية الشخصية.

لقد قوبلت نظرية التطور العلمية بمقاومة شديدة متطرفة من قَبَلِ الأديانِ، وإن كراهيتها لها بسبب التدمير الغير مقصود العرضي الذي تقوم به لمفاهيم الاعتقاد الديني. كمثال، في أي مرحلة بالضبط من عملية التطور تطورت الروح [الخرافية]؟ هل ظهرت فقط حالما أصبح الإنسان نوعًا [من خلال تطوره من أنواع أقدم]؟ متى بالضبط أصبح الإنسان الحديث نوعه الخاص به لأجل ذلك الغرض؟ إن المفاهيم الأساسية المركزية للأديان [عدا البودية والجاينية والتاوية_م] ورؤيتها للإنسانية في العالم مرتبطة بالتفكير والتصور المتعصب البديهي الخاص بناس الماضي ما قبل عصر العلم، بحيث أن الاعتقاد الديني لا يمكنه قبول التفسيرات التي أنتجها وقدمها البحث العلمي، لكي لا يتغلل في أيديولوجيته ويهيمن عليه التفكير القائم على العقلانية. إنه هذا الإحراج الأيديولوجي هو ما جعل [كهنة ومحترفي] الأديان يهاجمون ويهجون نظرية التطور العلمية لأجل غرض البقاء.

حقًّا لا يستطيع [كهنة ومنتفعو وأتباع] الأديان أبدًا أن يعترفوا بأن تقنيات اكتساب المعرفة الخاصة بالتفكير القائم على العقلانية قد فسرت وتعرفت على نحو صحيح على سلسلة من السببية بمثل هذه الأهمية والاتساع في الطبيعة على أن سببها التطور. فبفعلهم ذلك سيعترفون بأن صلتها بالعصر الحديث متضائلة نظرًا لكون الألغاز غير المحلولة الخاصة بهوية ونشأة الإنسان في الكون قد فسرها بوضوح صافٍ منافسهم [العلم]. عوضًا عن ذلك، فإن الأديان يجب أن ترفض اللعب المنصف بأن تؤكد بأن نظرية التطور لم تُثبَت كيقينٍ وفي النفس الوقت تدعي أن وجود إلهٍ لم يُدحَض بيقينٍ. يفضح هذا الإجراء المتعذر الدفاع عنه المتسم بازدواجية المعايير بعدم اتساقٍ ووقاحةٍ الحالة الميؤوس منها للاعتقاد الديني في العصر الحديث.

إن كانت نشأة وأصل الإنسان غير استثنائية ولا إلهية مقارنةً بأشكال الحياة الأخرى، فمن ثَمَّ لماذا يتعب الناس أنفسهم بالذهاب إلى بيوت الصلاة والتعبد؟ لقد أجابت الأديان على سؤال لماذا لا تتعبد الحيوانات الأخرى لإلهٍ بالتعليق بأنها بدون أرواح وغير استثنائية [في الحقيقة ربما هذا رأي المسيحية وفلاسفة وكتبة لاهوتها وليس الإسلام لأن فيه بالأحاديث (مسند أحمد طبعة الرسالة (5587) (1863) و (2474) و (2480) و (2705) و (3216) والبخاري (5515) ، ومسلم (1958)) ذكر النهي عن اتخاذ ذي الروح غرضًا بالسهام للتسلية ففي الإسلام كل الكائنات لها روح لكن ليس كلها له عقول، ويزعم القرآن في عدة نصوص أن الحيوانات بل والجمادات تتعبد لله! لكن الإسلام كالمسيحية واليهودية يضيف مفهوم الاستثنائية والتميز للبشر باعتبارهم مخيَّرين لهم حرية الإرادة في حين أن الحيوانات والجمادات والملائكة الخرافية مسيَّرة للتعبد بدون إمكانية معصية، ويبدو أن كثيرًا من هذه المفاهيم مستمد ومقتبس من الهاجادة الربينية اليهودية، راجع بحثي عن ذلك، وتتناقض خرافة الخلق في ستة أيام مع حقيقة التطور وتفاصيله الدقيقة العلمية بشدة_المترجم]، وأنها إلى حد كبير ديكور في مسرح حيوات الناس. من ناحية أخرى، فإن التضمينات الأكثر توسعًا للتطور هو أن الحيوانات الأخرى ليس لديها آلهة أو أديان لأنها تفتقد القدرة على تخيل وتصور المفهوم، وليس لأنها أشياء مهمَلة في الوجود في عيني إلهٍ. كما ينبغي أن يكون قد صار واضحًا من تكرارنا [له]، فإن الملاحظات الاعتيادية للواقع الموضوعي المشرعنة والمنظمة في الاعتقاد الديني تسقط فريسة لنفس الخطأين على نحوٍ متكرر: إنشاء جدليات على أساس الجهل [بتفسير الأشياء] وإعطاء الأولوية للشكل على الجوهر. ولا سيما خطورة خطإ الملاحظة الاعتيادية للأنماط في الواقع الموضوعي وافتراض أن العين المجردة لن تفشل أبدًا في تقديم تفسيرات صحيحة.

نهاية الجنس البشري _ لا تنبؤات حاليّة

إذن، فالكون والحياة والجنس البشري كلهم قد جاؤوا إلى الوجود. فما هي نهاية القصة؟ في العصر الحاليّ، لا يقوم التفكير القائم على العقلانية بأي تنبؤ عن نهاية قصة الجنس البشري. لقد قام العلم بالتنبؤات عن أحداث أكبر تتضمن هلاك البشرية، مثل نفاد وقود شمس منظومتنا الشمسية وتحولها إلى سوبرنوﭬا، مما سيدمر الكوكب. لقد افتُرِضَ كذلك أن الشمس ستصير أسخن قبل أن تبدأ في التحول إلى سوبرنوﭬا، محولة المياه إلى سلعة منقرضة منعدمة على كوكب الأرض ومنهية فعليًّا الحياة البشرية هنا. أما بالنسبة لنهاية الكون نفسه، فإن الكثير من النماذج قد افتُرِضَتْ، لكن ليس هناك إجماع موثوق بعدُ عن المسألة. أما بالنسبة لكل هؤلاء الكوارث التي ستقضي على الجنس البشري، فإن الخلاصة والنتيجة النهائية ليست أقل من مليار سنة تفصلنا عن ذلك، ومعظم السيناريوهات تتجاوز هذا الإطار الزمني بكثير.

لوضع ذلك الكم من الزمن في تصورنا ومنظورنا، فإن البشرية قد وجدت على الأرض لحوالي 200 ألف سنة فقط، أي أن تهديد الهلاك المُزمَع قدومه للبشرية من خلال هذه الأحداث هو لا شيء. إن احتمالية أرجح لنهاية البشرية هي التصادم المحتمل لنيزك ضخم مع كوكب الأرض، ماحقًا الأماكن التي يضربها ومدمرًا النظام البيئي لباقي الكوكب، وهو ما ليس غير مرجح جدًّا لكنه كذلك ليس وشيكًا. بعبارة أخرى، فإن البشرية ليس عليها تقييدات زمنية مقصودة مفروضة عليها من مصادر خارجية.

لو أن الحياة البشرية ستنتهي، فإنه لمرجَّحٌ للغاية أن أفعال البشر الخاصة بهم ستسبب ذلك قبل أن يفعله حدث خارجيٌّ ما. إن الجاني المحتمَل لإفناء البشر الذاتي لأنفسهم سيكون تغيير الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل المحظورة للنظام البيئي، مؤديةً إلى دمار مكتسح متلاطم للسلسلة الغذائية وتغيرات خطيرة شديدة لمناخ الأرض. لو ساهم الإنسانُ في بداية هذه السلاسل السببية [الأسباب، والنتائج والعواقب] فإن استمرار وجوده سيكون عرضة للخطر الشديد ومحل شك للغاية.

على النقيض، تقوم الأديان بتنبؤات عن نهاية البشرية. بالتأكيد، فإن [نصوصها] تقول أكثر بكثير من أن إلهًا سيظهر يومًا ما لإنهاء العالم، وقد تنبأ [بعض] الباحثين الدينيين بموعد ذلك اليوم عدة مرات في تاريخ البشرية، كلٌّ منها نتج متنبَّأً بها في سياق الزمن البشري المحدود التافه. [في ثقافة المسلمين حاول بعضهم ذلك باستنتاج ذلك من أحاديث محمدية، أحد السخفاء المتربحين كتب كتابًا بعنوان (عمر أمة الإسلام وقرب ظهور المهدي عليه السلام) مستنتجًا بسماجة وسخف لا نهائي_ على أساس حديث البخاري 2269 وباقي كتب الحديث بمثله وهو مقتبس من مثل العمال في الكرم من الأناجيل كمتَّى 20_ أن عمر البشر انتهى تقريبًا ولم يعد باقيًا سوى كسور من الزمن أقل من مئة عام! وأكيد في الثقافات المسيحية واليهودية والهندوسية مئات المحاولات الهوسية_م]. على نحوٍ مزعجٍ، فإن الأديان تميل إلى التركيز على نهاية العالم، وباعتبار التضمينات المنطقية للآليات والعوامل الداخلية للاعتقاد الديني، فليس صعبًا إدراك السبب. فكامتداد للاعتقاد الديني، فإن الحياة الأخرى [المزعومة] هي حيث يُفترَض أن كل أحلام المرء ستصبح حقيقةً لمن آمنوا، ويفترض أن كل الأمور الخاطئة ستُصحَّح، وستُزال وتنتهي كل المتاعب والانزعاجات.

بعبارة أخرى، تساوي الأديان عادةً بين إفناء البشرية والحصول على العدل التام الحقيقيّ. أما من منظور التفكير القائم على العقلانية واستنتاجه المرافق الخاص بالإلحاد [الواقعية، العقلانية]، فإن منظورًا يربط إفناء البشرية مع بركاتٍ مطمئنة يبرهن على فِيتشِية [فِتشية، ولع مرضيّ هوسيّ] مزعجة ومقابرية مشؤومة [ولع وهوس بالموت]، وإنه لَسببٌ رئيسيٌّ لكون الملحدين لا يرتاحون للاعتقاد الديني. إن شخصًا يتوقع إيجاد فردوسٍ عند الموت يمكن أن يقترب على نحو خطير من تمني لو أن هذه الحياة قد انتهت، وبدون حمل الأمتعة البالية المرافقة للاعتقاد الديني، فإن المنخرطين في التفكير القائم على العقلانية لا يفهمون مثل هذه التوليفة من الحوافز.

***************

إنه لهامٌّ أن نفهم أن نظريات الانفجار العظيم والنشوء الذاتي والتطور هي نماذج مستقلة. كلٌّ من هذه الأفكار جزءٌ مختلف من صورة مركَّبة أكبر، وبينما تتعاون معًا في قصةٍ عن الكون والبشر والكائنات الحية، فإن كلًّا منها تقوم على نحو مستقل على محتوياتها وسماتها وفرضياتها. وكما وُضِّحَ، فإن نظرية التطور لا تفسِّر نشأة الحياة، بل هي تفترض [تسلِّم كمسلَّمة بـ] وجود الحياة، وتصف كيف تصير الحياة متنوعة [في أشكالها وأنواعها]. والنشوء الذاتيّ لا يفسر نشأة الكون، بل هو يفسر كيف أمكن أن تبدأ الحياة في كونٍ وُجِد من قبلُ فعليًّا. تقدم الفيزياء معظم طريقة الفهم للانفجار العظيم، بينما الكيمياء هل الأساس الرئيسي لنظرية النشوء الذاتي، وقد فسر البيولوجي [علمُ الأحياءِ] التطورَ. بجمعها سويًّا، فإنها تمثل تفسيرَ العلمِ الحاليَّ لحقيقة الإنسان والكائنات وعالمهم وكيف جاؤوا إلى الوجود. إن القصة ليست مثالية ولا مكتملة، لكن الذكاء الذي تعلم به البشر تمكين حواسه على نحو فعّال عبر هوة سحيقة مذهلة من الزمن بتتبع أنماط السببية في الطبيعة رجوعًا إلى الخلف لا يمثل ما هو أقل من معجزة للتفكير والذكاء.

حتى لو كانت [جدلًا] المجالات العلمية في مهد طفولتها المطلقة وتفتقد تفسير أيٍّ من هذه الأحداث [وهي ليست كذلك]، فإن التفكير القائم على العقلانية كان سيظل يصف ويحكم على الحلول التي يقترحها الاعتقاد الديني بأنها غير كافية ولا كفؤة وعديمة المعنى على نحوٍ مذهل. كيف يمكن بالضبط أن تكون الإجابة المزرية المرفوضة "الله" مساعدةً على فهم تكون الكون أو نشأة الحياة؟! فباعتبار كل شيء، فإن الكلمة نفسها تعني القليل، ولا تفسر شيئًا، وتدل على تخلي عن الرغبة في البحث والتقصّي أكثر. بعبارة أخرى، فإن التفسيرات التي يقدمها الاعتقاد الدينيّ تسقط لأنها ليس لديها تأييدات خاصة بها، وليس لأن تقنيات اكتساب المعرفة الخاصة بالتفكير القائم على العقلانية قد دمرتها.



  رد مع اقتباس