منذ 10 سنوات، بدأ في العام 2003 مشروع بحث أثريّ في كهفين بمنطقة مويا ببرشلونة، هما Coves del Toll و Coves Teixoneres de Moià. ظهر هذا المشروع كنتيجة لتساؤل بسيط جداً، هل كان هناك تنافس على الموارد بين انسان نياندرتال واللواحم الكِبار؟ رويداً رويداً، سمحت المعلومة المتوفرة بكلا الكهفين للباحثين لأكثر من مواجهة في هذه القضيّة، وباتجاه إدخال نقاشات علمية أخرى هامّة بهذا الإطار.
وإثر مرور 10 أعوام لأعمال الحفريات، والمستمرة بأيامنا هذه، في منطقة مويا، سمحت النتائج بالإجابة على بعض المجاهيل حول سلوك تجمعات نياندرتال. ويقود البحث المعهد الكاتالاني لعلم الإحاثة البشريّة والتطوُّر الإجتماعيّ IPHES.
يُشير Jordi Rosell الباحث في هذا المعهد:" لأنّه إثر مرور هذا العقد من الزمن، يكون تقييم الأعمال المُنجزة إيجابيّ جداً، وقد سمحت نتائجها بتقديم إجابات على خمس قضايا هامّة متصلة بالنياندرتال ". وتكون القضايا الخمس هي على التوالي: أولاً: في الصراع على احتلال الكهوف، هل كسبت الدببة أم البشر؟
من القضايا الواجب النظر فيها: هي الصراعات بين البشر والحيوانات اللاحمة بتلك الحقبة، والتي بالغالب قد انتهت لصالح البشر.
يُضيف الباحث قائلاً:" انطلاقاً من السجِّل الأثريّ، وجدنا بأنّه عادة ما تنشغل الكهوف في فصل الشتاء بدببة الكهوف وفي فصل الربيع بالضباع وحيوانات لاحمة أخرى ". وفي بعض الأحيان، زارت جماعات من نياندرتال تلك الكهوف، الأمر الذي تسبّب بالتأثير على الديناميّة الطبيعيّة للمُقيمين المعتادين فيها.
يتابع الباحث قائلاً:" وفق ما شُوهِدَ حتى الآن، مجرّد ظهور نياندرتال قد أخاف تلك الحيوانات، وهي ذاتها بيومنا هذا التي تختفي عن أنظار البشر حيث تتواجد. وفي حال معاكس، فقد جرى اصطيادها، وجرى اثبات هذا من خلال جروح موجودة ببعض دببة الكهوف المعثور على بقاياها في Coves del Toll وتعود لما قبل 60000 عام، وتعكس تعامل جماعات نياندرتال مع هذا النوع من الحيوانات ".
ثانياً: هل بنوا مراكز تخييم؟
طرح الكثيرون، بصورة تقليدية، غياب مسألة التنظيم والهيكلة البنائيّة عند نياندرتال. بالمقابل يسجِّل الباحث :
" كون كهف Cova de les Teixoneres يوحي باستخدام مساحات محددة لغايات مؤكدة ".
بالعموم، كل ما كانوا يقومون به: كان حول مساكنهم، والتي شكّلت مناطق خارجيّة. وفي حالة واحدة، فقط، جرى استخدام منطقة داخليّة بُغية تخصيصها لمكان استهلاك لحوم الغزلان. ويلاحظ الباحث بأنّ " غياب الهيكلة الملحوظة في مواقع أخرى، تعود بالغالب لعمل لاحق لحيوانات لاحمة استفادت من المخزونات المتوفرة المتروكة من جماعات بشرية، والتي قضت بإزالة تلك البقايا ".
ثالثاً: هل وُجِدَتْ " أرض " نياندرتاليّة؟
من جانب آخر، لا تبدو المجموعات البشرية التي تزور كهفي Coves del Toll و Coves Teixoneres بوصفها الوحيدة في منطقة Moianès الكاتالانيّة. ومن الظاهر أنّ الصخور المستخدمة قد أتت بغالبيتها من مناطق بعيدة، سيما من منطقة أوسونا Osona. مع هذا، يوحي تكرار زياراتهم للكهوف بوجود بضع مسارات ثابتة في تلك الأراضي بظلّ وجود أماكن هامّة أو تحظى بزيارات إجباريّة مثل كهف Cova de las Teixoneres.
رابعاً: هل أكل نياندرتال كل شيء؟
من أهم الفوائد التي توفرها دراسة المجموعات البشرية المتنقلة، كحال النياندرتال الذين زاروا كهفي Coves del Toll و Coves Teixoneres: هو تنوُّع الموارد التي يمكنهم استغلالها خلال مسارات سفرهم. يسمح هذا بتحديد الحيوانات التي شكّلت فرائس عندهم.
يؤكّد Rosell:" نعرف الآن بأنّ نياندرتال منطقة Moianès قد استفاد من لحوم حيوانات صغيرة، كالسلاحف أو الأرانب، ولحوم حيوانات ضخمة كوحيدات القرن والثيران مروراً بالأحصنة، الحمار الوحشيّ، الغزلان، الوعول وحتى الخنازير الجبلية ".
خامساً: هل عاش نياندرتال بظلّ تغيرات مناخية لافتة؟
منذ ما قبل 40000 إلى 70000 عام، لدينا الحقبة الأكثر تعرضاً للدراسة حتى الآن بتلك الكهوف، ومن الواضح أنّ تنوُّعاً بيئياً هاماً قد حصل. وكان المشهد المسيطر بالمنطقة هو سيطرة الغابات. مع ذلك، سُجِّلَ حضور فترات برد قارس، تظهر خلالها في الكهوف حيوانات مثل وحيد القرن نوع rinoceronte lanudo والماموث، وسُجِّلَ حضور فترات معتدلة يحضر فيها الوعول أو الحمار الوحشيّ. وبحسب الباحث، فإنّ هذا يُشير لأنّ التغيرات المناخية الحاصلة بآخر 100000 عام، قد كانت شديدة التطرُّف.
رغم بُعد نهاية البحث الجاري، فإنّ حلّ بعض المجاهيل يساهم بطرح أسئلة جديدة وأهداف أكثر تنتظر الحلول بحملات بحث مستقبلية. ومن تلك الأهداف معرفة العلاقة التي كانت بين نماذج الإقامة النياندرتاليّة المختلفة والتغيرات المناخية. ما يعني، معرفة فيما لو كيَّف المناخ صيغ حياة نياندرتال وحركته في الأراضي التي عاش بها.
يكون التحدي الثاني متمحوراً حول تأكيد فيما لو وُجِدَت عملية صيد مُنتظمة لدببة الكهوف من قبل قسم من جماعة نياندرتال. ففي الوقت الراهن، تكون البقايا المستعادة لتلك الحيوانات الحاملة لمؤشرات تعامل بشريّ معها قليلة. يختتم الباحث Jordi Rosell، قائلاً:" مع هذا، حفريات مستقبلية قد تساهم بزيادة تلك المؤشرات وتسمح بتأكيد تلك الفرضية وبضمانات أكبر ".
تعليق فينيق
اعتباراً من هذا الموضوع، نكون مع مصادر أخرى تتحدث عن انسان نياندرتال، فالأبحاث حول إحفوريات هذا الإنسان مستمرة، سيما في مناطق إسبانية تعتبر بالغة الأهمية على هذا الصعيد .. أشكر أيّ تصويب أو إضافة 