عرض مشاركة واحدة
قديم 12-31-2015, 08:09 PM لؤي عشري غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [8]
لؤي عشري
باحث ومشرف عام
الصورة الرمزية لؤي عشري
 

لؤي عشري is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر Yahoo إلى لؤي عشري
افتراضي

يُمتدَح الاهتمام بالآدمية لأسباب مشابهة من قِبَل جون ستيورات ملْ، في كتابه (مذهب النفعية) Utilitarianism الفصل 13:

"للذين ليس لهم سواءً عواطف عامّة ولا خاصّة، فإن الأشياء المثيرة للحياة تُقلَّص كثيرًا، وفي أيِّ حلٍ تتضاءل في القيمة كلما يقترب الوقت الذي يقضي الموت فيه على كل الرغبات الأنانية؛ بينما الذين سيتركون وراءهم مواضع للعاطفة الشخصية، وخاصّةً الذين يُنمُّون تعاطفًا مع المصالح الجمعية للبشرية، يحتفظون باهتمام بالحياة في ليلة الموت بنفس النشاط الذي كان لهم في حيوية الشباب والصحة."

الاهتمام والقلق لأجل نجاح فريقٍ رياضيٍّ محترف يمكنه أن يسبِّب إثارة وسعادة حتى بعدما تتضاءل القدرات الرياضية للشخص أو تتلاشى كليًّا[57]. على نحوٍ مشابه، فأن تكون متكرِّسًا للإنسانية يمكنه التسبُّب في سعادة حتى بعدما تتضاءل قدرة المرء على فعل الكثير من أي شيء على الإطلاق. لأجل هذا السبب ينصح جون ستيورات مل بأن تصير متكرِّسًا للإنسانية.

إذن، فإن رأي هيوم هو أن تكون فاضلًا هو أفضل سبيل للحصول على الثروة والسلطة والسعادة، ذلك سبب أننا ينبغي علينا أن نكون أخلاقيين. رغم ذلك، فهناك تحدٍّ جدِّيّ لهذه النظرية والذي يتعلَّق بنوع الشخص الذي يسمّيه هيوم بـ "المخادع المُدرِك" [أو الوغد العاقل، الواعي_م].

"إن مخادعًا واعيًا قد يفكِّر_في أحداث معينة_أن فعل ظلمٍ أو خيانةٍ سيقوم بإضافة كبيرة إلى ثروته، بدون التسبُّب في أيِّ خرق كبير في الوحدة والاتحاد الاجتماعي. وأن [عبارة] الأمانة هي أفضل سياسة قد تكون قاعدة عامة جيدة، لكنها خاضعة للعديد من الاستثناآت، وربما يعتقد أن الذي يسلك بأكثرِ حكمةٍ هو من يتَّبع القانون العام، ويستفيد من كل الاستثناآت."

يتبع المخادع الواعي إستِراتيجية أن يكون أمينًا وعادلًا عندما يكون فعل ذلك في صالحه، لكنه يكون خائنًا وظالمًا عندما يعلم أنه يستطيع الإفلات بهذا وعندما يكون فعل ذلك في مصلحته. لذلك فهو يحصل على الأفضل من كلا الجانبين: لأنه يخون عندما يعلم_وعندئذٍ فقط_أنه لن يُقبَض عليه، إن لديه سمعة بالفضيلة، ولذلك يكتسب كل الفوائد التي تنشأ من سمعة كهذه. بالإضافة إلى هذه الفوائد، فهو يحصل على الفوائد الإضافية من الخيانة عندما يمكنه الإفلات بها، فوائد لن يتلقَّاها شخص فاضل على نحوٍ حقيقيٍّ. لذلك، في حالة كان كل شيء آخر متساويًا [بينهما]، فإن الوغد الواعي يتقدَّم أفضل من الشخص الفاضل على نحو حقيقي. من ثمَّ أفليس الوغد الواعي_عوضًا عن الفاضل الحقيقيّ_هو نوع الشخصية التي يرجَّح أكثر أن تمكِّن من يملكونها أن يعيشوا حيوات جيدات لهم؟ إن كان لدينا القدرة على صياغة شخصيتنا حسبما نرتئيه ملائمًا، وأردنا أن نختار لأنفسنا نوع الشخصية التي ستعزِّز سعادتنا على نحوٍ أفضل، ألن يكون الخداع [الوغدنة] الواعية اختيارًا أفضل من الفضيلة الحقيقية؟

على هذا النوع من التحدّي، كان أرسطوتلس سيجيب بأن المخادع الواعي هو في الحقيقة أحمق ينخرط في النشاط الفاسد لكي ينال المال أو السلطة أو الثروة أو المجد، عن طريق جعل نفسه أسوأ عمومًا. تمامًا كما أن النشاط الفاضل هو ذو الخيرات الأكبر، فكذلك النشاط الآثم هو ذو الشرور الأكبر، وبالانخراط فيه فإن المخادع المدرك يجعل نفسه بائسًا[58]. لكن هيوم لا يمكنه الاستفادة من هذا الردّ لأنه_على عكس أرسطوتلس_يقبل بديهية الحسّ المشترَك.

إن ردَّ هيوم الخاصّ به على هذا التحدّي مختصر. العنصر الأساسيّ لرده يوجد في هذه الفقرة:

"بينما يعتزمون [المخادعون الواعون] أن يخونوا باعتدال وسرية، تحدث أحداث مغرية، الطبيعة سهلة الانقياد[59]، ومن ثَمَّ لا يمكنهم أبدًا تخليص أنفسهم، بدون خسارة كلية للسمعة، وفقدان كل الثقة والائتمان المستقبليِّ مع الجنس البشريّ."

إن ادّعاء هيوم هنا هو أن الخداع الواعي إستِراتيجية يصعب بالنسبة لها للغاية أن تكون سبيلًا معقولًا لتحقيق السعادة. إن إغراء الخيانة_حتى عندما لا يكون حكمةً فعلُ ذلك_قويٌّ للغاية، والساعون للخيانة الواعية ميّالون للسقوط سريعًا وأن ينتهي الأمر بهم كمخادعين غير واعين للغاية. إنه صعبٌ تمامًا أن تخونَ فقط عندما تعلم أنك لن تُمسَك، وتبعات القبض عليك وخيمة تمامًا. على هذا النحو يدّعي هيوم أن الفضيلة الحقيقية هي رغم ذلك أفضل رهان عندما يتعلَّق الأمر بتأمين سعادتك. لماذا تكون أخلاقيًّا؟ لأن فعلَ ذلك يمنحكَ أفضل الاحتمالات لتأمين حياة جيدة لك (رغم أنها لا تضمَن حياةً كهذه).

لكن هل هيوم مُصيبٌ؟ هل هو حقًّا صعب للغاية أن تكونَ مخادعًا واعيًا؟ قد يتساءل المرء عما إذا كانت هذه مجرد فقرة من التفكير المتمنّي [لصحة الأمر]. لا يقدّم هيوم أي دعم للادّعاء. رغم ذلك، فهناك كتابٌ معاصر يقدم دليلًا من علم النفس ليدعم ادعاءَ هيوم، وبذلك يسُدُّ ثغرةً كبيرة في جدلية هيوم. الكتاب محل الكلام هو (الرغبات داخل العقل) Passions Within Reason لروبرت فرانك Robert Frank (1988). يلجأ فرانك إلى ما يدعوه علماء النفس بـ "قانون التطابق" لدعم رفض هيوم لـ [مبدأ] المخادع الواعي (والذي يدعوه فرانك بالانتهازيّ). ينصّ قانون التطابق على أن: "جاذبية المكافأة متناسبة عكسيًّا مع تأخرها". يميل البشر إلى تخصيص اهتمام أكبر بالمكافآت والعقوبات الأقرب زمنيًّا عما يفعلون بالنسبة للأبعد زمنيًّا[60]. هذه السمة للنفس البشرية تطرح مشكلة خطيرة لمن سيكون مخادعًا متعقِّلًا [أو واعيًا] [وبكلمات فرانك]:

"المشكلة هي أن المكاسب المادية من الخيانة تأتي سريعًا، والعقوبات تأتي فقط متأخرة أكثر...لو أن آلية المكافأة النفسية تخصِّص حقًّا تقديرًا غير متناسب للمكافآت قريبة الزمن، فالشخص الذي يبالي فقط بالمكافآت المادية سيخون حتى عندما يكون فعل ذلك غيرَ فطِنٍ."

بسبب قانون التطابق [أو المضاهاة]، يقترح فرانك أن من يفترَض أنهم سيكونون المخادعين المتعقِّلين سيخونون آخر الأمر عندما لا يكون حكيمًا فعلُ ذلك وسيُقبَض عليهم. بسبب الطريقة التي يعمل بها العقل البشريّ، فنحن ببساطة لسنا مُصمَّمين للخداع المتعقِّل. فقط الذين هم أمناء على نحو حقيقي سيكونون قادرين على مقاومة إغراء الخيانة في المواقف التي حينها سيكون غيرَ حكيمٍ فعلُ ذلك. يشرح فرانك الآلية النفسية العاملة هنا كالتالي:
"إن يكن فلانٌ ميّالًا عاطفيًّا لاعتبار الخيانة فعلًا غيرَ سارٍّ في حد ذاته ولذاته، أي: لو لديه ضميرٌ، فسيكون قادرًا على نحوٍ أفضلَ على مقاومة إغراء الخيانة. إن كانت آلية المكافأة النفسية مجبَرة على التشديد على المكافآت في اللحظة الحالية، فإن أبسط مضادٍّ لمكافأة معقولة ظاهريًّا من الخيانة هي أن يكون لديك شعور حاليّ يشدُّ في الاتجاه المعاكس بالضبط. الشعور بالذنب هو هذا الشعور بالضبط."

أفضل وسيلة لمنع النفس من الخيانة عندما سيكون من غير الحكيم فعل ذلك هو جعل النفس من نوع الشخص الذي يقدِّر الأمانة لأجل ذاتها. وكما عبَّر فرانك عن الأمر في كتابه في فقرة قبل ما أوردنا: "لكي تبدو أمينًا، ربما يكون ضروريًّا، أو على الأقل مساعدًا جدًّا، أن تكون أمينًا[61]." السبيل الأفضل لتأمين السعادة هو أن يكون لك سمعة بالفضيلة، وأفضل سبيل للحصول على سمعة كهذه هو أن تكون شخصأ فاضلًا على نحو حقيقيّ. يظل أن تكون شخصًا أخلاقيًّا على نحو حقيقيٍّ أفضلَ رهانٍ لتأمين السعادة؛ لأجل ذلك ينبغي أن نكون أخلاقيين. إلى هذا يذهب ردُّ هيوم/ وفرانك.

هاكم_إذن_اعتراضان على المقدِّمة المنطقية الثانية للتحدّي الأخلاقيّ، إجابتان غير إيمانيتين [إلحاديتين] على السؤال لماذا تكون أخلاقيًّا. لقد شرحتُ هذين الردَّين لأني أعتقد أن كلّيهما يستحق اعتبارًا جديًّا. علاوة على هذا، فإن وجود مثل هذه الردود يبرهن على أن من سيجادل_ كما يفعل كريج Craig_بأن الإيمان فقط يقدِّم ردًّا وافيًا على التحدّي يحتاج إلى جهد فلسفيّ أكثر ليؤدِّيه. في النهاية_رغم ذلك_لن أرفع قبعتي لأيٍّ من الردَّيْنِ. أود أن أوافق بدلًا من ذلك على ردٍّ مختلف تمامًا على التحدِّي الأخلاقيّ.

الإجابة الثانية: لأنه ينبغي عليكّ

لقد درسنا ثلاثة طرق للاعتراض على المقدمة المنطقية الثانية للتحدي الأخلاقي، وهي: الإجابة الإيمانية، والإجابة الأرسطوطاليسية، وإجابة ديـﭬيد هيوم وروبرت فرانك. لكنْ ماذا عن المقدمة المنطقية الأولى للتحدّي؟ تلك المقدمة المنطقية تقوم على مفهوم أن السبب الوحيد الموجود الممكن للقيام بفعل معيَّن هو أن يكون ذلك الفعل في مصلحة المرء. لكن يبدو لي أن مثل هذا الادّعاءِ باطل مباشرةً. هناك الكثير من الأنواع المختلفة الممكنة من الأسباب للقيام بفعل معيَّن؛ وكونه في صالح المرء هو واحد منها فقط. سببٌ آخرُ للقيام بفعلٍ هو ببساطة أن فعل ذلك إلزاميٌّ أخلاقيًّا على المرء.

وفقًا لعمانوئيل كانط [إيمانويل كانْتْ): "الكمال الأعظم لإنسانٍ هو أن يفعل واجبه لأجل الواجب (لأجل أن يكون القانون ليس فقط حاكمَه بل أيضًا الحافزَ لأفعاله)[62]. وفقًا لرأي كانط، فإن الشخص الفاضل هو الذي ليس فقط ينجز التزاماته الأخلاقية، بل ويفعل ذلك تحديدًا لأنها التزاماته. في أكثر كتبه قراءة على نحو واسع عن الأخلاق، كتاب أساس أو (تأسيس ميتافيزيقيا الأخلاق)، يبيِّن كانط أوجه الاختلاف بين القواعد القائمة على الافتراضات من ناحية والقواعد المطلقة من ناحية أخرى. القواعد القائمة على الافتراضات تشير إلى الوسائل للوصول إلى نهاية محدَّدة، وتنطبق فقط على الكائنات التي ترغب في النهاية [الغاية] محلّ الكلام. "إن أردت الحصول على درجة علامة الامتياز في الاختبار التالي، فابدأ المذاكرة الآن" هي قاعدة قائمة على الافتراض، قاعدة ليست ذات صلة بمن يفتقد الرغبة في الحصول على درجة امتياز في الاختبار التالي. أما القواعد المطلقة_على النقيض_تنطبق على كل الكائنات العقلانية بغض النظر عما تكونه رغباتهم. أي القانون الأخلاقيّ، قانون يجب أن تطيعه بصرف النظر عما يحدث أن تكونه الرغبات التي لديك.

يتطابق مع هذا التمييزِ بين أنواع القواعد التمييزُ بين أنواع الأسباب للفعل. أنَّ سلوكَ فعلٍ معيَّنًا سيُشبِع أحدى رغباتك هو نوع من الأسباب للقيام بفعلٍ؛ وأنَّ سلوكَ فعلٍ معيَّنًا ملزِمٌ أخلاقيًّا هو سبب آخر للقيام به. بالإضافة إلى ذلك، وفقًا لرأي كانط، فإن النوع الثاني من الأسباب هو أقوى أنواع الأسباب الموجودة. كونُ فعلٍ معيَّنٍ ملزِمًا أخلاقيًّا يفوق كل الاعتبارات الأخرى. حالما يكتشف شخصٌ ذو فضيلة كانطية خيارًا ملزمًا أخلاقيًّا، فإن التساؤل بصدد كيفية السلوك ينتهي، لأن ما عليه فعله واضح، مع اعتبار كل الأشياء. حسب رأي كانط، اعتبار الواجب اعتبارًا مهيمنًا هو صفة مميِّزة للشخص الجيِّد أخلاقيًّا، بينما اعتبار مصلحة ذات المرء أهمَ اعتبارٍ هو صفة مميِّزة للشخص السيء أخلاقيًّا، يقول في كتابه (الدين ضمن حدود العقل):

"التمييز بين الرجل الخيِّر والذي يكون شريرًا.....يجب أن يعتمد على....أي الحافزين يجعله الشرطَ للآخر. بالتالي فالرجل...يكون شريرًا فقط بعكسه للترتيب الأخلاقيّ للحافزين عندما يتبنّاهما كقاعدته السلوكية....فهو يجعل حافز حب الذات ورغباتها شرطَ إطاعة القانون الأخلاقي...."

الشخص الشرير هو من يقوم بواجبه طالما يتوافق مع ما هو أفضل لمصلحته. لكن عندما تتعارض المصلحة الذاتية والالتزام فإن الشخص الشرير يتّبع المصلحة الذاتية. هذا ما عناه كانط بقوله أن الشخص الشرير "يجعل حافز حب ذات ورغباتها الشرطَ لإطاعة القانون الأخلاقيّ". على الجانب الآخر، فإن الشخص الصالح يفعل ما هو أفضل لمصلحته، لكن فقط طالما يتوافق مع ما هو مطلوب أخلاقيًّا منه. عندما تتعارض المصلحة الشخصية والالتزام، فإن الشخص الصالح يقوم بواجبه.

هذا كله يقترح إجابة من نوع مختلف على تحدّينا المُستَهَلُّ به. الإجابة هي ببساطة ان حقيقة أن سلوكًا معيَّنًا ملزِمٌ أخلاقيًّا هي نفسها سببٌ_بالواقع أقوى أنواع الأسباب_للقيام بالفعل محل الكلام بغير اعتبار لما إذا كان الفعل في مصلحة المرء. على نحوٍ أعمَّ، حقيقة أن سلوكًا معينًا هو سبيل لأن تكون أخلاقيًّا هي سبب للقيام بذلك الفعل. ردًّا على السؤال "لماذا أكون أخلاقيًّا؟" فإن إجابة مقبولة على نحو على نحوٍ تامٍّ هي: "لأنه أخلاقيٌّ". قد يبدو هذا غريبًا حتى يلاحظ المرءُ أن السؤال "لماذافعل ما هو في مصلحة المرء؟" الإجابة المقبولة على نحو تامّ عليه هي: "لأنه في مصلحة المرء". لا تفسيرَ إضافيَّ مطلوبٌ في كلا الحالتين.

اعتقد كانط أن من يسعَوْنَ لتعليل السلوك على نحوٍ أخلاقيٍّ على أساس أن الأخلاق والمصلحة الشخصية متطابقان يقومون في الحقيقة بإساءة بالغة للأخلاق:

"لا يجب أن تقلِّل الأخلاق من نفسها. إن طبيعتها الخاصة بها يجب أن تكون تزيكتها. كل شيء آخر_حتى المكافأة الإلهية_هي لا شيءٌ مقارنةً بها...الأسباب الأخلاقية للحافز ينبغي أن تقدَّم على أنها [الأخلاق] نفسها ولأجل ذاتها...تغنُّج [العاهرة_م] يغوي بدلًا من امتداح ذاته، وعندما تقوم الأخلاق بالمغازلة فإنها تنال نفس المصير. الجمال والبساطة والتواضع أكثر جاذبية على نحو مطلق من كل فنون وإغراآت التغنُّج. نفس الأمر بالنسبة إلى الصلاح الأخلاقيّ. إنه أكثر فاعليةً وجاذبية في طهره البسيط مما هو عليه عندما يُزيَّن بالإغراآت، سواءً مكافأة أو عقاب.[63]"

يرى كانط محاولة البرهنة على أن لدينا سببًا لإنجاز التزاماتنا الأخلاقية لأن فعل ذلك في مصلحتنا كخيانةٍ للأخلاق. قد نربط ذهنيًّا هذه المسألة الكانتية [الكانطية] مع التحدّي الأخلاقيَ كالتالي: من يسعَوْنَ للردِّ على التحدّي بمهاجمة المقدمة المنطقية الثانية يصادقون ضمنيًّا على صحّة المقدمة المنطقية الأولى. لكن قبول المقدمة الأولى ليس فقط قبولَ ما هو باطل_وفقًا لرأي كانط_بل قبول مثل هذه المقدمة هو أكثر من خطإٍ معرفيّ، إنه خللٌ أخلاقيٌّ. الاعتقاد بأن الاعتبار الوحيد ذا الصلة بتحديد ما على المرء فعله هو ما سيزيد إلى الحد الأقصى مصلحة المرء هو إظهار للأنانية الأثيمة. إن الشخص الفاضل يدرك نوعًا من الأسباب مختلفًا عن الخاصة بالمصلحة الذاتية: أسباب الأخلاق. علاوة على ذلك، يدرك ذلك الشخص أن الأسباب من النوع الثاني تفوق التي من النوع الأول.

تأكيدًا لكوننا لدينا سببٌ لمراعاة أين توجد التزاماتنا فقط لو الله يوجد، يفترض كريج أن النوع الوحيد من الأسباب الموجود الممكن مطلقًا للقيام بفعل معيَّن هو أن يكون في مصلحة المرء فعله. تبدو الفكرة أنه ما لم تُعاقَب لفعل ما ينبغي ألا تفعل وتكافَأ لفعل ما ينبغي أن تفعل، فليس هناك سبب لتولية أدنى اهتمام لعين بشأن الفرق بين الاثنين. لكن هذا باطلٌ، وفي الواقع يدلّ على رأيٍ طفوليٍّ عن الأخلاق. يدرك الأشخاص الراشدون أن حقيقةَ كونِ فعلٍ ملزِمًا أخلاقيًّا هي ذاها سبب مهيمن للقيام بذلك الفعل. الفعل الملزِم أخلاقيًّا هو الفعل الذي يجب على المرء فعله سواءً يريد المرء فعله أو لا. قد تقدِّم المكافآت والعقوبات أسبابًا إضافية لفعل ما ينبغي علينا أخلاقيًّا فعله، لكنها لا تشكِّل الأسباب الوحيدة لفعل ذلك. بالتالي تفشل جدلية كريج.





الضمان الإلهيّ للعدالة الكاملة وجدلية كانط الأخلاقية

إن عنصرًا رئيسيًّا لجدلية كريج هو أن وجود الله يضمن كونًا عادلًا على نحو كامل. أود استكشاف بعض المعاني الضمنية لهذا المفهوم، بادئًا بفحص استعمال كانط لهذا المفهوم في جدلية مهمة توجد قرب نهاية كتابه (نقد العقل العمليّ).

تظهر الجدلية التي في بالي في الجزء من كتابه المذكور المعنون بـ(وجود الله كشرط ضروري للعقل العملي النقيّ). إن مفهومًا أساسيًّا في هذه الجدلية هو الخير الأعلى، والذي يعتبره كانط يتكون من مكونين رئيسيين: 1-الأخلاق، والتي تتلف بدورها من الكائنات العقلانية الكاملة أخلاقيًّا، و2-السعادة متناسبة مع تلك الأخلاق. إن المكون الثاني للخير الأعلى هو ما يؤدّي العمل في الجدلية المتناوَلة، وهذا المكون ذو صلة بالضمان الإلهيّ للعدل الكامل.

تبدأ جدلية كانط من المقدمة المنطقية بأن كلًّا منا ملزَم أخلاقيًّا "بالكفاح لترقية الخير الأعلى". هذا يعادل الادعاء بأن كلًّا منا ملزَم بمحاولة جعل الوضع أن كل امرئٍ كامل أخلاقيًّا، وأن ينال كل امرئ كم السعادة التي نستحقها, من هذه المقدمة المنطقية يجادل كانط كالتالي:

"بالتالي يوجد فينا ليس فقط مجرد المبرر، بل كذلك الضرورة، كحاجة متصلة بالواجب، لأن نفترض مقدمًا إمكانية هذا الخير الأعلى، والذي_حيث أنه ممكن فقط تحت شرط وجود الله_ يربط افتراض وجود الله مقدمًا بشكل ملازِم مع الواجب، أي أنه ضروريّ أخلاقيًّا افتراض وجود الله."

كلٌّ منا ملزَم بالسعي للخير الأعلى. إلا أننا لا يمكننا على نحو معقول السعي له ما لم نعتقد أنه ممكن تحقيقه. لا يمكننا الاعتقاد على نحو معقول بأن الخير الأعلى ممكن الحصول عليه ما لم نعتقد أن هناك كائنًا سيجعل الخير الأعلى ممكنَ الإتيان إلى الوجود. وتفكر قليل يكشف أن الكائن الوحيد الذي يمكنه إنجاز هذا هو الله. بالتالي، لا يمكننا على نحو معقول السعي للخير الأعلى ما لم نعتقد أن الله يوجد. لكن حيث أننا ملزَمون بالسعي للخير الأعلى، فيجب أن نعتقد أن الله يوجد، كما عبر كانط عن الأمر، فإن مثل هذا الاعتقاد "ضروري أخلاقيًّا". كان كانط حريصأ على جعل الأمر واضحًا أن استنتاج الجدلية ليس أننا ملزَمون أخلاقيًّا بالاعتقاد بوجود الله، حيث "لا يمكن أن يكون هناك أي واجب لافتراض وجود أي شيء" [على حد قوله]. بالأحرى، فإن استنتاج كانط المراد يبدو شيئًا كهذه الفقرة: بينما ليس الادعاء بوجود الله شيئًا نحن ملزَمون بالاعتقاد به على نحو مباشر، فهو ادعاء يجب أن نقبله لكي نصل على نحو معقول إلى المستوى المتوقع بالنسبة لالتزاماتنا بالسعي للخير الأعلى.

إذن، فإن جدلية كانط هي أن الإلحاد يتعارض مع قدرة الشخص على تحقيق كل التزامات المرء الأخلاقية. لا يستطيع ملحد أن يسعى على نحو عقلاني للخير الأعلى، رغم أن كل البشر ملزَمون أخلاقيا بالسعي له. لذا يجب على الملحد إما أن يتصرف على نحو غير عقلاني (يسعى إلى الخير الأعلى بينما يعتقد أنه غير ممكن التحقيق)، أو يفعل شيئا خاطئا بتجاهل السعي للخير الأعلى. ربما اعتقد كانط أن الخيار الأول مستحيل نفسيا في الحقيقة، ففي هذه الحالة يمكن للمرء تحقيق كل التزاماته الأخلاقية فقط لو أنه مؤمن.

تعتمد جدلية كانط على الادعاء بأن الخير الأعلى غير ممكن التحقيق على الأرض. فلو كان كذلك، لأمكننا من ثم إنجاز التزامنا بالسعي للخير الأعلى بدو الاعتقاد بحياة أخرى بعد الموت فيها يوزَّع فيها العدلُ من قبل قاضٍ إلهيّ. عند هذه النقطة أود أن أفحص بعض جوانب الفكر المسيحي الكامنة وراء فكرة أن الخير الأعلى الكانطي لا يمكن تحقيقه في هذه الحياة[64]. سيساعد هذا النقاش على تسليط الضوء على بعض العناصر الهامة للرؤية المسيحية للكون وسيساعدنا على رؤية كيف ينبغي على الطبيعيّ أن يرد على جدلية كانط.

إن عنصرا مركزيا للرؤية المسيحية للكون هي أن البشر فاسدون أخلاقيا كنتيجة لسقوط الإنسان [آدم]. في التوراة يلاحظ الله [المزعوم] أن "....تصور قلب الانسان شرير منذ حداثته" [التكوين8: 21][65]. وفقًا لـ C. S. Lewis، فإن إحدى تبعات سقوط الإنسان هي أن "الإنسان صار الآن رعبًا لله ولنفسه.[66]" وفقا لرأي كانط، فالبشر غير قادرين على تحقيق الكمال الأخلاقي في هذه الحياة بسبب هذا الفساد: "التطابق التام للإرادة مع القانون الأخلاقي هي...قداسة، كمال لا كائن عاقل في العالم المحسوس قادر عليه في أي لحظة من وجوده". [نقد العقل المحض]. تتضمن القداسة تحررا تاما من الرغبات التي تدفعنا بعيدا عن طريق الواجب، لكن مثل هذه الرغبات المناقضة لا يمكن إزالتها تماما في هذه الحياة: "أن تكون رجلا فاضلا للغاية على الإطلاق، يوجد فيه دوافع الشر، ويجب عليه باستمرار مكافحة هؤلاء." [محاضرات عن الأخلاق لكانط]. بالتالي، فإن المكون الأول للخير الأعلى الكانطي، الكمال الأخلاقي لكل الكائنات العاقلة لا يمكن تحقيقه على الأرض.

عائق آخر لتحقيق الخير الأعلى الكانطي على الأرض يشكل أساس وصية يسوع أن "لا تُدينوا، لئلا تُدانوا". يقترح Lewis أننا قد أُمِرنا بألا نحكم على السمة الأخلاقية للآخرين لأننا غير مؤهلين لفعل ذلك. إن تقديرا مناسبا للسمة الأخلاقية لفردٍ سيتطلب معرفة كاملة بنفسيته الداخلية وصفاته الوراثية وتربيته، ما يسميه Lewis بالمادة الخام. لكننا "نرى فقط النتائج التي تصنعها اختيارات إنسان بسبب مادته الخام...الله لا يحاكمه على المادة الخام على الإطلاق، بل عما قد فعله بها.[67]" يقول كانط نفس الأمر تقريبا، مقترحا أن: "الله فقط من يمكنه رؤية أن أمزجتنا أخلاقية ونقية."[محاضرات].

يمضي كانط بهذه الفكرة إلى حد أبعد: أننا غير مؤهلين للحكم حتى على شخصيتنا. يؤكد كانط أن: 1- امتلاك النوع السليم من الحافز هو أحد مكونات الفضيلة الأخلاقية؛ و2-لا يمكننا معرفة طبيعة حوافزنا.

"إن إعماق القلب البشري لا يمكن سبر أغوارها. من الذي يعرف نفسَه على نحو جيد كفاية ليقول أنه عندما يشعر بالحافز لإنجاز واجبه، ما إذا كان ينشأ على نحو كامل من الاستجابة للقانون أم أن هناك حوافز معقولة كثيرة أخرى مساهمة فيه والتي تبدو في صالح المرء...وذلك_ في ظروف أخرى_قد يؤيد الرذيلة كذلك؟" [من: ميتافيزيقيا الأخلاق]

قبل ذلك يسأل كانط على نحو بلاغي في (ميتافيزيقيا الأخلاق): "كم من الناس قد عاشوا حيوات طويلة وخالية من الذنب قد لا يكونون محظوظين فقط في الهرب من الكثير للغاية من الإغراآت؟؟

هذا الجانب من رأي كانط توضحه بقوة رواية Joseph Conrad (قلب الظلام) 1976. تدور تلك الرواية حول شخصية كورتز، الرجل الأورُبيّ الذي يدخل الكونجو تحت حكم بلجيكا بحثًا عن العاج. كورتز جدير بالملاحظة في أنه قبل دخوله الغابة كان معتبرًا على نحو واسع كرجل أخلاقيّ ذي أفكار قوية. كان غرضه من الذهاب إلى الكونجو ليس كسب المال فحسب، بل أيضًا لجلب الحضارة إلى البدائيين، لجلب الضوء إلى قلب الظلام.

يحكي المؤلف Conrad القصة من وجهة نظر شخصية مارلو، الذي خلال رحلته إلى الكونجو يصير مهووسًا بكورتز وينطلق للبحث عنه. في إحدى اللحظات تقدم شخصية أخرى لمارلو الوصف التالي لكورتز:

"قال آخر الأمر: ‘إنه أعجوبة، إنه مبعوث الشفقة والعلم والتقدم، ويعلم الشيطان ماذا أيضًا.’ ثم بدأ يتكلم بطريقة خطابية فجأة: ‘لأجل إرشاد القضية التي ائتمنتنا عليها أورُبا، على سبيل المثال: المعرفة الأعلى، التعاطفات الأكبر، والإخلاص للغرض’."

لاحقًا، يجد مارلو بعض كتابات كورتز الخاصة به:

"لقد كانت قطعة كتابة جميلة.....لقد بدأ بالجدل بأننا_البيض_لأجل نقطة التطور التي قد وصلنا إليها: "يجب أننا نظر لهم [البدائيين] بالضرورة في طبيعة كائنات فئقة للطبيعة، لقد اقتربنا منهم بقوة كما للتي لإله". وإلخ وإلخ. "بالتمرّس البسيط يمكننا ممارسة قوة للخير غير محدودة عمليًّا." من هذه النقطة حلَّقَ وأخذني معه. كانت خاتمة كلامه رائعة، رغم أنها يصعب تذكرها، أنت تفهم. لقد أعطتني المفهوم لاتساع غريب يحكمه حاكم محسن على شاكلة القيصر أغسطس. لقد جعلتني أشتعل حماسة."

يُصوَّر كورتز كرجل جدير بالملاحظة لرؤيته الأخلاقية وطموحاته العالية، واثقًا في كلٍّ من جودة شخصيته وقدرته على تغيير شخصيات الآخرين إلى الأفضل. من قرؤوا الرواية يعرفون_بالتأكيد _أن كورتز فشل تمامًا في أن يكون على مستوى مثالياته الخاصة به. بدلا من ذلك، في الوقت الذي وجد مارلو فيه كورتز، كان قد جن بوضوح، متحولا إلى قائد حربي مجنون بالقوة متعطش للدماء. بدا أن المحليين قد اعتبروه بالفعل كإله من نوع رديء بالكاد، لكن لم يكن هناك أي شيء يشابه ولو من بعيد "قيصر أغسطس الإحسان" في الطريقة التي كان يحكمهم بها. كان كورتز يعيش في بيت في وسط الغابة محاطا برؤوس مقطوعة على عصي، رؤوس موجهة إلى اتجاه الداخل، باتجاه كورتز. تفكَّر مارلو في الرؤوس وفي كورتز في هذه الفقرة القوية:

"لم يكن هناك أي شيء مفيد تماما في وجود هذه الرؤوس هناك. إنها فقط تظهر أن السيد كورتز افتقد كبح إرضاء شهواته العديدة، وأن هناك شيئا كان معوزا فيه، أمر صغير ما، والذي عندما برزت الحاجة الملحة لم يمكن أن يوجد تحت غلاف بلاغته البديعة. لا يمكنني القول ما إذا كان هو نفسه قد عرف هذا النقص. أعتقد أن المعرفة جاءت له في النهاية، فقط عند النهاية تماما. لكن الوحشية اجتاحته مبكرا، وانتقمت منه انتقاما مريعا لأجل اجتياحها الهائل. أعتقد أنها همست له بأشياء عن نفسه والتي لم يكن يعرفها، أشياء لم تكن في تصوره حتى أشار عليه هذا القُفْر العظيم، واتضح أن الهمس فاتن على نحو لا يقاوَم. لقد تردد صداها بصوت عالٍ داخله لأنه كان أجوف في لُبِّه...."

كورتز الذي كان في المجتمع الأوربي قد بدا كأخلاقي لكل أحد بما فيهم نفسه، اكتشف اكتشافا كريها بصدد شخصيته عندما وجد نفسه خارج المجتمع، وحيدا في الغابة، وعُبِد كإلهٍ. لو لم يكن ترك المجتمع الأوربي لربما كان قد عاش حياة طويلة وبلا ذنب تماما، لكنه كان سيكون_بكلمات كانط_"محظوظ قط في الهرب من الكثير من الإغراآت". في الغابة اكتشف افتقاد الكبح داخل نفسه، مع الرغبات المظلمة التي لم يعرف قط أنها لديه. وفقًا لمارلو: "كانت روحه مجنونة...لقد كانت تنظر إلى ضمن نفسها، وبحق السماوات! أقول لك: لقد جُنَّتْ." باختصار، لقد اكتشف كورتز داخل نفسه قلبَ ظلامٍ. هذا هو معنى كلمات كورتز الشهيرة الأخيرة: "الرعب! الرعب!". والتي وصفها مارلو كـ "حكم على مغامرات روحٍ فوق الأرض[68]".

توضح حالة كورتز ادعاء كانط بصدد صعوبة الحكم على شخصيتنا الخاصة بنا. عندما ذهب كورتز إلى الغابة، قام باكتشاف بصدد نفسه. لقد اكتشف نقصا في شخصيته كان موجودا طوال الوقت، لكنه لم يكن سيُكشَف أبدًا لو لم يكن قد غادر المجتمع المتحضر. هذا يتناغم على نحو جيد مع شرح Lewis المقترَح لوصية يسوع للبشر بألا يحكموا على الآخرين: أننا ببساطة لسنا مؤهلين لفعل ذلك.

لو أننا لسنا مؤهلين للحكم على شخصيات الآخرين، وربما حتى الخاصة بنا، فمن ثم لن نكون قادرين على توزيع السعادة وفقًا لاستحقاقها. ما يستحقه الناس يعتمد جزئيا على طبيعة سماتهم الأخلاقية. إن نكن لا نستطيع الحكم بدقة على سمات [شخصيات] الآخرين، فلن نكون قادرين على إعطاء الناس ما يستحقونه. وبالتاي، فإن الخير الأعلى الكانطي غير ممكن التحقيق من جانب البشر. الله فقط يمكنه القيام بالأحكام المتطَلَبة لتحقيق الخير الأعلى.

نوع ثالث من العقبات لتحقيق الخير الأعلى الكانطي على الأرض ينشأ من مشكلة الشر. في محاولة للإجابة على مشكلة الشر، قدم بعض الكتاب المسيحيين على الأقل آراء تستلزم أن المعاناة غير المستحَقة على جزء من البشر سمة حتمية للظرف الإنساني. أحد الأمثلة البارزة لهذا تظهر في كتاب Lewis المُبرَز (مشكلة الألم)، والذي كتبه بوضوح كرد على النقاش عن الألم قرب نهاية كتاب هيوم (حوارات بخصوص الدين الطبيعي). يحاول لِوِس Lewis تفسير وجود الألم في العالم بافتراض أن بعض الألم على الأقل يستعمله الله كوسيلة لتحقيق أهداف معيَّنة. يصف ببلاغة أحد الاستعمالات التي يستعمل الله لأجلها الألم:

"الله_الذي قد خلقنا_يعلم من نكون وأن سعادتنا تكمن فيه. إلا أننا لن نسعى لها فيه طالما يترك لنا أي ملجأ آخر حيث يبدو حتى معقولا ظاهريا السعي لها فيه. طالما ما ندعوه "حياتنا الخاصة بنا" تظل سارّة فلن نسلِّمها له. ما الذي يمكن لله إذن لله أن يفعله لصالحنا عدا جعل "حياتنا الخاصة بنا" أقل سرورا لنا، ونزع المصدر المعقول ظاهريا للسعادة الزائفة؟[69]"

افترضْ أن لديك طفلًا يحب لعب ألعاب الـﭬيديو. طفلك يحبها للغاية لدرجة أنه لا يفكر في أي شيء آخر؛ إنه سعيد تماما بلعب ألعاب الـﭬيديو، ما لم_كما يُقال_تقتحم الأبقار المنزل. افترض أنك تعلم أن طفلك سيكون أسعد ويعيش حياة أكثر امتلاءً لو وضع جانبا ألعاب الـﭬيديو خاصته وكرس طاقته لاتجاه آخر. إحدى وسائل جعله يفعل ذلك ستكون تخريب لعبه لها. إن استطعتَ جعلها مملة أو غير مرضية له، هذا سيحفزه على البحث في اتجاه آخر عن الإنجاز.

فكرة لِوِس هي أن البشر مشابهون إلى حد ما للأطفال لاعبي ألعاب الـﭬيديو جيمز. أننا نميل إلى البحث عن السعادة والإنجاز في الأشياء الأرضية بدلا من في الله. يعلم الله أن سعادتنا الحقيقية تكمن فيه لكنه يدرك أننا لن نلتفت له أبدا إن ظللنا قانعين بالأشياء الأرضية. يستخدم الله الألمَ لإفساد الأشياء الأرضية بالنسبة لنا. هذا يحررنا من هم أن الأشياء الأرضية تحتوي على سعادة حقيقية لنا ويقنعنا بالنظر إلى جهة أخرى. إذن [فحسب هذا الرأي] أحد استعمالات الله للألم هو لتعليمنا الدرس الذي عبَّر عنه باسكال بهذه الطريقة: "لا تبحث عن الرضا على الأرض، لا تأمل في أي شيء من البشرية. خيرك في الله فقط، والسعادة تكمن في معرفة الله، والصيرورة متحدا معه إلى الأبد في أبد الآبدين[70]". يلاحظ لِوِس أن ذلك الرأي يتضمن أن بعض الألم على الأقل الذي يوقعه الله على البشر هو ألم غير مستحَق. في الحقيقة هذه إحدى عناصر قوة افتراض لِوِس كحلٍّ لمشكلة الشر: إنها تقدِّم تفسيرا لإحدى أكثر أنواع الشر إزعاجا: المعاناة غير المستحَقّة. كتب لِوِس Lewis:

"إننا متحيِّرون لرؤية المحن تقع على الناس المحترمين المسالمين الفاضلين، وعلى أمهات الأُسَر المجتهدات في العمل البارعات، أو صغار التجار المجتهدين المزدهرين، أو على الذين قد عملوا باجتهاد وأمانة للغاية، لأجل تأمين سعادتهم المتواضعة وكانوا قد بدؤوا في الاستمتاع بها مع استحقاق كامل. كيف يمكنني أن أقول برقة كافية ما يجب قوله هنا؟....الحياة بالنسبة لهم ولأسرهم تقف بينهم وبين إدراك احتياجاتهم؛ إنه يجعل [الله] الحياة أقل حلاوة لهم[71]."

طالما يميل البشر إلى الرضا بالسعادة الأرضية و_كنتيجة لسقوط آدم_فسيكونون كذلك دومًا، فسيوقع الله المعاناة غير المستحَقة عليهم لكي يصرفهم عن السعادة الزائفة ويعيدهم إلى اتجاهه، [هو] مصدر السعادة البشرية الحقيقية. بالتالي فالمعاناة الغير مستحَقة لا يمكن إزالتها بالكامل أبدا من العالم، ما كان الله ليسمحَ لهذا بالحدوث، [وبكلمات لِوِس]:

"لا يمكن لمسيحي_لذلك_تصديق أي من هؤلاء الذين يعدون بأنه لو قيم ببعض الإصلاح في نظامنا الاقتصادي أو السياسي أو الصحي فستنتج جنة على الأرض...السعادة والأمن الثابتين اللذان يستحقهما كلنا، يحجبها الله عنا عن طريق طبيعة العلم نفسها..سيعلمنا افتقاد الأمان أن نريح قلوبنا في هذا العالم ونعارض عقبة لعودتنا إلى الله...أبونا ينعشنا خلال رحلتنا ببعض النُزُل [الخانات] السارّة، لكنه لن يشجعنا على أن نظنها على نحو خاطئ البيت."
وفقًا لرأي لِوِس، فإن الخير الأعلى الكانطي غير ممكن التحقيق على الأرض لأن الله لن يسمح به على الأرض[72].

إذن، فماذا ينبغي على الطبيعيّ القول بشأن جدلية كانط الاستهلالية؟ هل هناك أي سبيل لمقاومة استنتاج كانط بأن ما لم يكن المرء مؤمنا فلا يمكنه تحقيق كل التزاماته الأخلاقية؟ إحدى سبل الرد على جدلية كانط ستكون رفض المقدمة المنطقية بأن الخير الأعلى الكانطي غير ممكن التحقيق على الأرض. لكن لا تبدو هذه الإستِراتيجية واعدة على نحو خاص. فحتى وفقًا للرؤية الطبيعية للأشياء يبدو أن هناك عدد من العوامل التي تجعل إمكانيات نجاح تحقيق الخير الأعلى الكانطي ضعيفة باهتة تمامًا.

أولًا، حتى لو نمضي إلى الحد الذي وصل إليه كانط في الشك في قدرتنا على تقدير نوعية شخصيتنا الأخلاقية الخاصة بنا، فهناك بالتأكيد صحة إلى حد ما في افتراض كانط و لِوِس أننا غير قادرين على القيام بأحكام دقيقة ومُحكَمة على نحوٍ كافٍ بصدد سمات الآخرين لنقرر بالضبط ما يستحقه كل شخص[73]. يبدو صحيحًا أن العدالة الكاملة على الأرض معاقة بعدم قدرتنا على الوصول إلى تقديرات كاملة عن كيف ينبغي أن يُعامَل الآخرون.

ثانيًا، الكثير من الأشياء خارج تحكمنا. بالتأكيد هذا صحيح أيضا وفقا للرؤية الإيمانية للعالم. لكنْ وفقا للرؤية الطبيعية [اللادينية] فالكثير من الأشياء خارج تحكم أي أحد. وفقا لهذا الرأي، فلا أحد مسؤول على نحو مطلَق عن الكون. فرغم التقدم الهائل في الطب والتكنولوجي، ورغم الثروة والسلطة التي لا تصدَّق لأغنى وأكثر البشر سلطة الأحياء حاليًّا، فإن الأشياء السيئة تحدث أحيانا للناس الصالحين ولا شيء يمكن لأي أحد فعله بصددها. يبدو غيرَ مرجَّحٍ للغاية أننا يمكن أن نحصل على تحكم كافٍ أبدًا بالكون لجعل الوضع أن كل أحد ينال ما يستحقه أو تستحقه (حتى لو عرفنا ما يستحقه كل واحد). هذا الخضوع وافتقاد التحكم الكامل يبدو ظرفا غير ممكن تجبنه للظرف الإنساني. وكما عبَّر John Cottingham عن الأمر:

"مهما بعد المسار الذي قد توصلنا له العقلانية العلمية..فلا يمكنها إزالة أكثر الجوانب جذرية للظرف الإنساني: خضوعنا، محدوديتنا، وأخلاقنا. الكثير من الفلاسفة يُظهِرون ميلا غريبا لإخفاء هذه الحقيقة المجرَّدة [الكئيبة] عن أنفسهم باتخاذ....نوع من التفاؤل المتبختر بصدد قوى العقل البشري. العلم في أفضل الأحوال يمكنه تخفيف الألم ولكن ليس استئصاله. إن قابليتنا المورثة للانجراح هي حقيقة نجحت بطريقة ما في تجنب التحدي." [من كتابه: عن معني الحياة]

]John Cottingham, On the Meaning of Life (New York: Routledge, 2003),76–77[

ثالثا، وفقا للمذهب الطبيعي، فهناك حد أعلى محدود (وربما يقول بعضهم متواضع نسبيا) لكم الخير الذي يمكن لشخص تلقِّيه. على الأقل كما هي عليه الأمور حاليًّا، فلا بشر يمكنه الحصول على أكثر من_لنقل_130 عاما من الحياة الصحية نسبيا مليئة بكل الخيرات في هذا العالم موفَّرةً له. لكن إنه معقولٌ ظاهريا على الأقل أن نفترض أن بعض من قد عاشوا استحقوا أكثر من هذا. ألا يمكن أن أن جاندي أو الأم تريزا استحقوا أكثر من أفضل حياة بشرية أرضية؟ ربما البعض حتى يستحقون الخلاص الأبدي الذي تعد به المسيحية. لكن لو أن المذهب الطبيعي صحيح، فمن ثم فإن البشر من هذه الفئة لا يمكنهم ببساطة تلقّي ما يستحقونه. أفضل ما يمكن أن يقدِّمه لهم الكون ليس جيدًا على نحوٍ كافٍ تمامًا.

إن ردًّا أفضلَ على جدلية كانط_أعتقد_هو السؤال عما إذا كان علينا التزام بإحداث الخير الأعلى الكانطيّ. لاحظْ أن كانط نفسه في الحقيقة قال أننا ملزَمون فقط بـ"الكفاح لترقية الخير الأعلى". وفقا للمذهب الطبيعي، فالخير الأعلى الكانطي غير قابل للتحقيق. وبالتالي، باستعمال مبدأ كانط الشهير: "[كلمة] ينبغي تتضمّن الاستطاعة"، لسنا ملزَمين بتحقيق الخير الأعلى. لكن رغم ذلك ربما نكون علينا الالتزام بالوصول لأقرب ما يمكننا له. ما تكونه التزاماتنا يعتمد جزئيا على ما هو ممكن، وما هو ممكن يعتمد جزئيا على ما إذا الله يوجد. إن يكن الله يوجد، فمن ثم فإن الخير الأعلى الكانطي ممكن تحقيقه[74]، ومن ثم ربما علينا الالتزام بتحقيقه. لكن لو أن الله لا يوجد، فمن ثم لا يمكن أن يكون علينا التزام كهذا، لكن يمكن أن يكون علينا الالتزام بالوصول لأقرب ما نستطيع لتحقيقه. في الحقيقة، لو أن الله يوجد، فمن ثم فإن المكون الثاني على الأقل للخير الأعلى الكانطي (العدل التام) ليس فقط ممكنا بل حقيقيٌ. هذا ينتج عن سمة الإيمان التي يلعبها كدور في جدلية كريج المناقشة سابقًا في هذا الفصل: الضمان الإلهي للعدل الكامل[75]. هذه الضمانة تزيل على الأقل بعض الحاجة الملحة للفعل البشري: فلو أننا نعلم أن الله سيجعل الكون عادلا بالكامل في النهاية، فإننا نفقد أحد الأسباب لمحاولة ترقية العدل، تحديدا أننا لو لا نفعل، فلا أحد سوف يفعل، رغم أننا يظل لدينا سبب متعلق بالمصلحة الذاتية لترقية العدل بما أن الله افتراضًا سيكافئ العادلَ. فبدون الله في الصورة، فإن الكون يكون عادلا فقط بقدر ما نجعله كذلك، وبالتالي فهناك حاجة ملحة أكبر بكثير للسعي للعدل هنا على الأرض. في الحقيقة، يمكن لمفهوم وجود ضمان إلهي للعدل الكامل أن يؤدّي ليس فقط إلى الرضا الذاتي، بل وإلى الوحشية التامة. ضمانٌ مثلُ هذا كذلك قد يجعل أكثر أنواع أفعال البشر إثارة للإعجاب مستحيلة، كما سنرى في المقطع التالي.

العدالة الإلهية والتضحية بالنفس والسخافة الأخلاقية

يروي كريج Craig التقرير التالي من قِبَل Richard Wurmbrand (1967):

"إن وحشية الإلحاد يصعب تصديقها عندما لا يوجد لدى الإنسان إيمان بمكافأة الخير أو معاقبة الشر. ليس هناك سبب ليكون إنسانًا, ليس هناك كبح عن أعماق الشر الذي في الإنسان. كثيرًا ما قال المعذِّبون الشيوعيون: "ليس هناك إله، لا آخرة، لا عقاب على الشر. يمكننا فعل ما نشاء." سمعت أحد المعذِّبين حتى يقول: "أشكر الله، الذي لا أؤمن به! أني قد عشت حتى هذه الساعة حيثما أقدر على التعبير عن كل الشر في قلبي." لقد عبّر عنه في وحشية وتعذيب لا يصدَّقان أوقعهما على المسجونين.[76]"

رواية مقنعة بنفس الدرجة على الأقل كهذه هي رواية إبادة كل قاطن لمدينة Beziers بيزيرز الفرنسية عام 1209م. اجتاح الصليبيون الكاثوليكيون المدينة خلال الحملة الصليبية على الألبيجيين [أو الكاثاريين: مذهب ديني اعتُبِر كهرطقة تقول بثنائية قوى التحكم في الكون، الشر والخير كالمانوية والزردشية واتسم بالغنوسية والزهد والمسالمة_م]، التي أطلقها البابا إنوسنت الثالث في عام 1208م. أديرت هذه الحملة الصليبية ضد الكاثاريين في جنوبيّ فرنسا. كان الكاثاريون هراطقة اعتقدوا بأن كل المادة شر وأن هناك كائنان كليا القدرة، إله خيِّرٌ قد خلق العالم الروحي غير المرئي، وقوة شر قد خلقت العالم المادي المرئي." سرعان ما وقعت مدينة بيزيرز وأحرقها الصليبيون تماما حتى صارت رمادا مسوى بالأرض. قتلوا كل القاطنين، رجالا ونساء وأطفالا وعجائز، كاثوليكًا وهراطقةً على السواء. كتب المؤرخ Jonathan Sumption (1978):

"ردَّدَ راهب جرمانيَ قصة تقول أن Arnald-Amaury عندما سٌئِلَ في وسط المذبحة عن كيف يمكن تمييز الكاثوليك عن الهراطقة، أجاب: ‘اقتلهم جميعًا، الله سوف يعرف الخاصّين به’ وهذا الشعار قد دخل التريخ كخلاصة للروح التي جلبت الصليبيين إلى جنوب فرنسا. ما إذا كان Arnald-Amaury قد استُشير، أو قد تلفظ على الإطلاق بهذا الرأي يظل غير مؤكَّد. لكن هذا غير مهم. أبلَغ الموفدُ الرسمي بالمذبحة بدون تعليق للبابا إنوسنت الثالث، ملاحظًا بأن "لا سن، ولا جنس، ولا حالة قد استُثنِيَتْ.[77]"

يشير كريج إلى حالة حيث ألهم الإلحادُ بارتكاب السلوك المريع؛ هنا يبدو الإيمان_خاصةً الضمان الإلهي للعدل_يظهر أنه قد ارتكب نفس الشي[78]. بدلا من المجازفة بترك بعض الهراطقة يهربون، آثر المحتلون تسليم كل أحد إلى الله ليحكم، معتقدين (على نحو صحيح وفقا للرؤية المسيحية للأشياء) معتقدين أن الله سيعاقب ويكافئ كلًّا كما يلائم[79].

يشير ستيـﭬن بِنكَر Steven Pinker (2002) إلى مثال أكثر معاصَرةً:
عندما ألقت سوزان سِمِثْ بطفليها الصغيرين إلى قاع بحيرة، فقد هدَّأَتْ ضميرها بالتبرير بتعقلن [مزيف] أن: "طفلاي يستحقان الحصول على الأفضل، والآن سيفعلان." الأوهام بسعادة في حياة أخرى بعد الموت نمطية في الكلمات الأخيرة للآباء الذين يسلبون حيوات أطفالهم قبل انتحارهم...[80]"

كمذبحة بريزيرز، فإن مفهوم الضمان الإلهي للعدل الكامل يبدو أنه أساس المآسي التي يصفها بِنكَر. إن يكن العدل لا يمكن تحقيقه على الأرض، فمن ثم فإن إحدى وسائل الاستعانة للمؤمن هي وضع الأمور بيدي الله مباشرة.

ليس للملحد مثل هذه الاستعانة. وفقًا للرؤية الطبيعية للأشياء، فإن الكون هو عادل بدرجة ما نجعله عليه فقط؛ ليس هناك كائن إلهي ليضمن كونًا عادلًا، لا قاضيَ عادلَ يمكننا إعطاؤه الحالات العويصة. إن الشعور بعدم وجود مثل هذا الضمان الإلهي يمكن أن يحثَّ شعورًا بالحاجة الملحة للسعي إلى تحقيق العدل في هذا العالم. علاوة على هذا، فإنه يمكنه أن يجعلنا أكثر احتراسا بصدد سلب حياة إنسان. أما مفهوم وجود ضمان إلهي للعدل_من جهة أخرى_فيمكنه جعلنا أكثر لا مبالاةً بالحياة البشرية. يمكن أن يجعلنا أكثر رغبة في إيقاع العقوبة الكبرى [الإعدام]، وإرسال جنودنا إلى الحرب، و_كما في حالتي سوزان سِمِثْ والصليبيين في بريزيرز و[العالم العربي والقسطنطينية]_ذبح الأبرياء. ربما يمكن للإلحاد أن يجعل البعض أكثر رغبة في الانخراط في الأفعال المريعة، لكن المقصد هنا أن الإيمان يمكنه فعل نفس الشيء.

في كون به ضمان إلهي للعدالة التامة، مستحيلٌ أن يوقع شخصٌ على آخر مصيرا نهائيا لا يستحقه الشخص الثاني. ففي كون كهذا مهما فعل أ لـ ب الآن، فسوف يحكم الله في الأمر، بحيث أن ب في النهاية سينال بالضبط ما يستحقه. حتى بقتل شخص آخر، فالمرء لا يوقع مصيرا نهائيا غير مستحَق على الضحية. ففي كون به ضمان إلهي للعدل التام يتسبب القاتل في جعل الضحية تعبر إلى يديّ قاضٍ عادل، والذي يعطي بدقة المصير الذي تستحقه الضحية.

رؤية كهذه للكون يمكن أن تكون_بالتأكيد_مصدرا للمواساة الهائلة. يمكنها أيضا_كما في حالة المذبحة في بيزيرز_أن تلهِم ببشاعات مريعة. هذه الرؤية لها تضمين آخر مهم. هذا التضمين هو أنه يستحيل على شخص أن يقِرَّ [بوجود] مصير نهائي غير مستحَق، وبالتالي بفعل ذلك منع تحمل شخص آخر لمصير نهائي غير مستحَق. على وجه الخصوص، فهذا الرأي يتضمن أنه يستحيل على شخص أن يقر بمصير نهائي أسوأ مما يستحق، وبالتالي بفعل ذلك منع تحمل شخص آخر لمصير نهائي أسوأ مما يستحَق.

إننا نعجب حقا بمن يضحون بحيواتهم لكي يعيش الآخرون. تصور_كمثال_أمًّا تضحي بحياتها الخاصة لكي يستطيع طفلها أن يعيش. لو أن هناك ضمان إلهي للعدل الكامل، فمن ثم فالطفل الذي يعيش لم يُنقَذ من مصير غير مستحَق، ولا الأم التي ماتت قد قبلت بمصير أسوأ مما تستحِق. لكن لو أنه لا إله، وبالتالي لا ضمان إلهي للعدل الكامل، فإن الموقف مختلف. في كون من منظور طبيعي [لا ديني]، فالموت يعيِّن حدود النهاية الدائمة للخبرة الواعية، ويحرم الفرد من أي خيرات مستقبلية كان سينالها في الحياة[81]. بدون الله، فالمرأة التي ضحت بحياتها لإنقاذ طفلها قد قبلت مصيرا أسوأ من الذي تستحقه، وبفعل ذلك قد أنقذت طفلها من مصير أسوأ من الذي يستحقه. ينتج عن هذا_بالتالي_أنه فقط في كون بلا إله يكون هذا النوع من أفعال التضحية بالنفس معقولا. فقط في كون بلا إله يمكن لشخص أن يمتنع عن مصيره النهائي الذي يستحقه لكي يساعد الآخرين.

لا ينتج عن هذا أنه في كون يوجد به الله ليس هناك ما يثير الإعجاب في أفعال الذين يضحون بحيواتهم الخاصة لكي يعيش الآخرون. هذا صحيح ومنطبق على السواء على الذين هم متيقنون أنهم متوجهون إلى الخلاص الأبدي. مثلما هناك ما يثير الإعجاب في أفعال المصابين بفوبيا الأماكن المغلقة الذين يتغلبون على المخاوف غير العقلانية ليدخلوا مصعدا مزدحما. الخوف في مواجهة الموت هو رد فعل بشري طبيعي، وهناك ما يثير الإعجاب في اأفعال من يتغلب على هذا الخوف، حتى لو كان مؤكدًا أن ذلك الخوف بلا أساس. لكن هناك ما يثير الإعجاب أكثر في أفعال من يعلمون أن الموت هو النهاية ويقبلون به على أي حال لأجل الصالح العام. فقط بدون إله يكون هذا الشكل الأسمى من التضحية بالنفس_أحد أكثر أنواع أفعال البشر إثارة للإعجاب_خيارا متاحا. فقط بدون إله يمكن لإنسان_عالما بأن الموت هو النهاية، وأن لا أمل في خلاص أو حياة أبدية أو عدل إلهي، ولا فرصة لنيل الخيرات المستقبلية التي يستحقها_أن يقبل رغم ذلك بالموت لنفسه لكي يعيش الآخرون.

بقيامي بهذه الجدلية فأنا احاول_إلى حد ما_قلب الطاولة على كريج. فكما قد رأينا، يعتقد كريج أنه بدون الله ليس هناك صواب وخطأ؛ وبالتالي بدون الله، لا يمكن أن يكون هناك أي أفعال أخلاقية على الإطلاق. لقد اقترحت من قبل أن كريج مخطئ في هذه المسألة، وافتراضي هنا هو أنه فقط لو أن الله لا يوجد يكون أحد أكثر أنواع الأفعال الأخلاقية إثارة للإعجاب ممكنا. يتضح أن غياب الله من الكون يجعل من الممكن أحد أكثر أنواع الأفعال قيمة التي يمكن لإنسان أن يتخذها.

هذه الحقيقة لها علاقة بنوع معين من الجدليات لصالح وجود الله. هذه الجدلية_كجدلية كانط من كتابه نقد العقل العملي_تتضمّن مفهوما عن الضامن الإلهي للعدل الكامل. تبدأ هذه الجدلية بالادعاء أنه يوجد هنا على الأرض كم هائل من الظلم. الكثير من الفاضلين يعانون والكثير من الأثيمين يزدهرون ويُترَفون. من ينجزون التزاماتهم الأخلاقية ينتهي بهم الأمر أسوأ حالا كنتيجة، بينما من يتجاهلون التزاماتهم يستفيدون من لا أخلاقياتهم. في كون من منظور طبيعي [لا ديني] فليس هناك حياة أخرى يمكن فيها معالجة كل هذا اللم. بالتالي، فبدون الله والحياة الأخرى فالكون ظالم على نحو أساسي؛ في كشف الحساب النهائي يتساوى الأثيمون مع الفاضلين. لكن هذا لا يمكن ببساطة. وبعبارة George Mavrodes (1993) وهو مدافع بارز عن إحدى نسخ هذه الجدلية، فإن كونًا ظلم على نحو أساسي على هذا النمط هو "عالم سخيف...ومجنون[82]". وبما أن كوننا ليس سخيفا على هذا النحو، فيجب أن يحتوي على الله وحياة أخرى؛ وضمان إلهي للعدل الكامل. بالتالي، يمكننا أن نستدل أن الله يوجد بالفعل في الحقيقة. وجوده والعدل الإلهي يمنعان الكون من أن يكون ظالما على نحو جذري.

هذا النوع من الجدال سخر منه Bertrand Russell برتراند رَسِل (1957) في معالجته الشهيرة (لماذا لست مسيحيًّا). كتب رَسِل:

"ولنفترض أنك حصلت على قفص من البرتقالات والذي فتحتَه، ووجدت أن كل الطبقة العليا منه فاسدة، فإنك ما كنت ستجادل قائلا: "الموجودات تحت يجب أن تكون جيدات، لإصلاح التوازن". بل كنت ستقول: "على الأرجح كل الكمية هي شحنة فاسدة"؛ وذلك بالفعل ما سيقوله شخص علميّ عن الكون. سيقول: "إننا نجد هنا في هذا العالم كما كبيرا من الظلم، وطالما يصح ذلك فذلك سببٌ للافتراض بأن الظلم يحكم بالفعل العالم، وبالتالي طالما يصح ذلك فهو يقدم جدلا أخلاقيا ضد الألوهية [الله] ولا يؤيد وجود واحد.

شكَّكَ رَسِل على نحو صائب في المقدمة المنطقية للجدلية التي تقول بأن الكون يجب أن يكون عادلا جذريا رغم كل شيء. ربما لو كان لدينا تأكيد مستقل ما يدل على أن الله يوجد لأمكننا أن نكون متأكدين أن الكون عادل جذريا، لكن بالتأكيد لو كان لدينا ذلك النوع التأكيد فإن الجدلية [الخاصة بنا] كانت ستكون غير ذات صلة. وبدون مثل هذا التأكيد، فأي سببٍ هناك للقبول بالمقدمة المنطقية محل كلامنا؟ هذه الجدلية زائدة وغير مقنعة كذلك.

في ضوء النقد السابق يمكننا القيام بنقد إضافي للجدلية. النقد الإضافي هو أن وجود الله في الكون يجعل نوع التضحية المثيرة للإعجاب المناقّشة سابقًا مستحيلا. ألا يمكن أن يوصَف كونٌ به هذا النوع من الأفعال مستحيل بالسخافة أيضًا[83]؟ لو أن هذا صحيح، فإذن فالموقف كالتالي: لو أن الله لا يوجد، فمن ثم فالكون سخيف بسبب كونه ظالم جذريا. من ناحية أخرى، لو أن الله يوجد بالفعل، فمن ثم فالكون سخيف بسبب حقيقة أن التضحيات المثيرة للإعجاب مستحيلة. يتضح أن الكون يجب أن يكون سخيفا في جانب ما، وبالتالي فكرة أن الكون لا يمكن أن يكون سخيفا تفقد كل المعقولية الظاهرية.

الشر المطلق والإيمان الأخلاقيّ

يظل هناك تنويعة أخرى على جدلية كانط تظهر في الكتاب الصعب (الشر والأخلاق المسيحية) Evil and Christian Ethics لـ Gordon Graham (2001). إن جدلية جْرام Graham_باختصار_هي أننا يمكننا أن نقبل على نحو عقلاني وجود ما يدعوه بـ"الشر المطلق" فقط لو افترضنا مقدَّمًا أن الله يوجد. وبما أن الشر المطلق حقيقة، فينبغي أن نقبل وجوده؛ وبالتالي لو لم نفترض مسبقا أن الله موجود فسنكون غير عقلانيين.

ادعاء جْرام أن الشر المطلق يوجد له مكونان. أحد المكونين هو الادعاء بأن حقيقة أن فعلا معينا ملزِم أخلاقيا لشخص معين يستلزم أن ذلك الشخص لديه سبب مهيمن للقيام بالفعل الذي عليه الكلام. سبب يفوق كل الاعتبارات الأخرى. الفعل يجب أن يُقام به، مع اعتبار كل الأشياء. المكون الثاني للادعاء هو أن هناك على الأقل نوع واحد من الأفعال حيث يكون خاطئا أخلاقيا لأي أحد القيام بفعل من ذلك النوع (أو_بعبارة أخرى_كل أحد عليه التزام أخلاقي دومًا بالامتناع عن القيام بالأفعال من ذلك النوع). وكما عبّر جْرام عن الأمر، فهناك "بعض الأساليب لمعاملة البشر محرَّمة في الواقع على نحو مطلق". قدَّم جْرام الاستعباد كمثال.

إذن، فالجدلية_أو مهما تكن الأمور إحدى جوانبها_تبدو أنها تمضي كالتالي: إن وجود الشر المطلق يستلزم الإمكانية الحقيقية لكون شخصٍ قد يجد نفسه في موقف حيث يكون فعل ما هو ملزِم أخلاقيا يؤدّي إلى_بقدر ما يمكن لأي أحد أن يدرك_إلى كل من الهلاك الشخصي والكارثة المنتشرة. لكن لا أحد يمكنه أن يقبل على نحو عقلاني إمكانية موقف حيث فيه اتباع فعل إلزامي سيؤدي إلى كل من الهلاك الشخصي والكارثة المنتشرة. بالتالي، يمكن لشخص أن يقبل على نحو عقلاني وجود الشر المطلق فقط لو أن لديه إيمانًا أخلاقيا، والذي يصفه جْرام كالتالي:

"إنه الإيمان بصحة افتراضين: 1-السلوك على نحوٍ أخلاقيّ في صالحي حتى عندما لا أعرف ولا يمكنني معرفة هذا. 2-الأخلاق لن تتعارض على نحو مطلق مع الحالة الحسنة للشخص أو المجتمع، على الرغم من المظاهر المناقضة.

فلندرس المكون الأول للإيمان الأخلاقي. الإيمان بأن الأخلاق والمصلحة الشخصية للمرء متطابقان على نحو مطلق. إن ادعاء جْرام هو أننا لا يمكننا قبول وجود الشر المطلق ما لم يكن لدينا هذا النوع من الإيمان. ويمكننا أن يكون لدينا هذا النوع من الإيمان فقط لو أن لدينا إيمانا بأن الله يوجد. يُفترَض أن يكون هذا صحيحا لأجل السبب المألوف لنا الآن أنه فقط لو أن الله يوجد فهناك ضامن إلهيّ للعدل الكامل، وبدون ضمان كهذا فيُحتمَل أن الأخلاق والمصلحة الشخصية لن يتطابقا.

ما إذا كانت جدلية جْرام تنجح أم لا يبدو أن هذا يعتمد على الإجابة الصحيحة على هذا السؤال: هل صحيح أنه غير عقلاني أن نعتقد أن المرء قد يجد نفسه في موقف حيث فيه إنجاز الالتزامات الأخلاقية للمرء يؤدّي إلى الهلاك الشخصي (نهاية الجملة هنا)؟ هل صحيحٌ أنه غير عقلاني أن نعتقد بأن المصلحة الشخصية والواجب قد يتعارضان بنمطٍ قويٍّ كهذا؟ حسنا، ما يكون انعدام عقلانية لإنسان هو الحقيقية البديهية لآخر؛ كل ما أقدر أن أفعله هو التعبير عن رأيي بأن الاعتقاد بهذا ليس غير عقلاني ولو إلى أدنى حد. في الواقع، إنه يذهلني أنها إحدى أكثر سمات الخبرة الأخلاقية وضوحًا. بالتأكيد يمكن أن تتعارض الأخلاق والمصلحة الشخصية بهذه الطريقة القوية، بالتأكيد يمكن مواجهة موقف حيث فيه القيام بواجب المرء سيؤدّي إلى الهلاك الشخصي. بالتالي، لو اتضح أن السبيل الوحيد ليمكن أن يتوقف كائنات فضائية عن استعباد كل إنسان على وجه الأرض هي أن تبيع كل شيء تملكه، وتتخلى عن المال، وتعيش في الشوارع حينذاك حظا قاسيا بحق؛ فلتجعل المزاد يبدأ! الاستجابة لهذه الأنواع من المواقف على نحو ملائم، والقيام بالتضحيات المطلوبة، والتضحية بالذات لأجل المجموعة، هذا هو جوهر الفعل الأخلاقي. ليس هناك بالتأكيد أي شيء غير عقلاني في إدراك إمكانية هذه الأنواع من الحالات. ربما جزء من الإمكانية المبدئية_لو كان هناك أيٌّ منها_لادعاء جْرام مستمَدٌّ من الافتراض بأن كل ما نعرفه بشأن الفعل الذي يؤدي إلى الهلاك الشخصي هو أنه ملزِم أخلاقيا. لكن هذا نادرا ما يكون الوضع، لو أمكن أن يكونه على الإطلاق؛ نموذجيا، عندما نعلم أن فعلا ملزِم أخلاقيا فإننا يكون لدينا معرفة طفيفة على الأقل بسبب كونه ملزما أخلاقيا. وينبغي أن يُلاحَظ أننا يمكننا معرفة هذا النوع من الأشياء بدون أن يكون لدينا نظرية كاملة عن الصواب والخطأ. حالما أدرك أنه فقط من خلال الهلاك الشخصي يمكنني إنقاذ الجنس البشري، يمكنني أن أدرك بسهولة لماذا يجب أن أسبب هلاكي الشخصي.

ماذا عن إمكانية أن تنفيذ التزامات المرء قد يؤدي إلى كارثة ليس فقط للمرء بل على مقياس أكبر بكثير؟ ردي هنا أنه لو أن الكارثة محل الكلام كارثية على نحوٍ كافٍ، فيمكن أن يكون في الواقع غير عقلاني أن نعتقد بأن المرء ملزَم أخلاقيا بالسلوك على مثل هذا النحو بحيث يسبِّب الكارثة. لكني أعتقد أن في الحالات من هذا النوع فإن الالتزامات محل الكلام لا توجد في الحقيقة. هذه المسألة تحتاج تفصيلا.

في شرحي لمفهوم جْرام عن "الشر المطلق" ميَّزْتُ بين مكونين له. سبب هذا سيصير الآن واضحا؛ أعتقد أننا ينبغي أن نقبل المكون الأول لكن نرفض الثاني. يتضح أن الشر المطلق بالمعنى الذي يستعمله جْرام لا يوجد. سابقا ناقشت رأي كانط بأن الأسباب الأخلاقية تفوق كل أنواع الأسباب الأخرى، وأن حقيقة أن فعلا معينا إلزامي أخلاقيا تحتوي على سبب مهيمن للقيام بذلك الفعل. أعتقد أن ذلك صحيح، وهذا المكون لما يدعوه جْرام بـ"الشر المطلق" حقيقي. ما ينبغي أن نرفضه هو الادعاء بأن هناك بعض أنواع الأفعال تكون دائما_تحت أي ظروف_من الخطإ القيام بها. فلو اتضح أن السبيل الوحيد الذي يمكنك به منع كائنات فضائية من تعذيب كل البشر ببطء حتى الموت على وجه الكوكب هو باستعباد شخص واحد، فمن ثم ينبغي أن تستعبد ذلك الواحد. الاستعباد خطأٌ في معظم الحالات وينبغي أن يُتخذَّ فقط كحل أخير، لكن هناك ظروف محتملة [افتراضية] يكون فيها مسموحا به. إن كانت نتائج عدم استعباد شخص سيئة على نحوٍ كافٍ، فيمكن أن يكون المرء ملزًما بالانخراط في استعباده. لا يحتاج المرء أن يكون معتقِدًا بالسببية غير المباشرة ليدرك أن النتائج تكون دائما نسبية إلى حدا ما، وأن النتائج الجيدة أو السيئة على نحو كافٍ يمكن_مبدئيا_أن تجعل أي نوع من الفعل صوابًا أو خطأ.

يدمج مفهوم جْرام عن الشر المطلق جانبين متمايزين من فلسفة كانط الأخلاقية. أحدهما هو مفهوم المتطلبات الأخلاقية كمهيمنة، والآخر هو وجود ما دعاه كانط بـ "الواجبات المطلقة". ادعى كانط في (ميتافيزيقيا الأخلاق)_على نحو مشهور إلى حد ما_كمثال_أن علينا واجب مطلق بالامتناع عن الكذب، أي أنه دائما_تحت أي ظروف_خطأ أخلاقيا أن تكذب. أعتقد أن كانط محقٌّ بصدد الطبيعة المهيمنة للمتطلَبات الأخلاقية، لكنه مخطئ بصدد وجود الواجبات المطلقة. ينبغي أن نقبل ادعاء كانط بصدد أهمية الأخلاق، لكن ينبغي أن نرفض بعض ادعاآته على الأقل بصدد محتواها.

إلى ماذا وصلنا حتى الآن

إنه لمفيدٌ أن أتوقف برهة هنا وأجري جردًا [أقوم بتلخيص] جدليتي حتى الآن. لقد نقدت عديدا من الجدليات الهادفة للصق معانٍ ضمنية قبيحة عديدة بالمذهب الطبيعي. لقد اقترحت أنه حتى لو أن الله لا يوجود، فإن بعض حيوات البشر لها معنى داخلي وأننا لدينا التزامات أخلاقية عديدة. لقد نقدت مفاهيم معيَّنة عن العلاقة بين الأخلاق والله وأوجزت العناصر الأساسية لما أعتقد أنه رأي واعد أكثر. لقد جادلت مبرهنا بأنه حتى لو الله لا يوجد، فليس فقط أننا علينا التزامات أخلاقية معينة حقا، بل علاوة على هذا لدينا سبب وجيه لأن نهتم بماهية هذه الالتزامات الأخلاقية. إن سبب كوننا ينبغي أن نهتم بالتزاماتنا هو قط أنها التزاماتنا. هذا المكون لفلسفة كانط الأخلاقية صحيح على نحو جذري، رغم أن مفهوم أننا علينا "واجبات مطلقة"_كما قد جادلت للتو_بالمعنى الكانطي يجب أن يُرفَض.

في التالي سوف ألتفت إلى السؤال عن السمات الأخلاقية. على وجه الخصوص، سوف أدرس ما إذا كان هناك مكان في كون من منظور طبيعيّ لفضائل مثل التواضع والإحسان والأمل، وأجادل بأنه هناك. سأصف النسخ الطبيعية لهذه الفضائل، وفي سياق ذلك سأوجز عناصر أساسية معيَّنة في الفكر المسيحيّ. سأشير إلى بعض التشابهات والاختلافات بين الرؤية الطبيعية للكون والرؤية المسيحية وأختتم بنقاش عما إذا يكون المذهب الطبيعيّ عقيدة يمكن لنا العيش بها.



  رد مع اقتباس