ونكمل
ماذا_إذن_علينا أن نفعل باقتراح أرسطو[تلس] أن التأمل أفضل أنواع الأنشطة في جوهره؟ في نقاشه لحالة [أسطورة] سيزيفُ[س] درس تايلُر Taylor سيناريو يكون فيه أن كدح [مشاقّ] الرجل البائس تنتج حقًّا شيئًا. تخيّل تايلُر أن جهود سيزيفُ[س] موجَّهة لإنتاج معبد جميل وراسخ. كتب تايلُر:
"ولنفترض أنه نجح في هذا، أنه بعد عصور من الكدح الرهيب، كل ذلك موجَّه إلى هذا الهدف النهائيّ، وقد أكمل بالفعل معبده، وحيث ذلك فيمكنه حينئذٍ أن يقول أن عمله قد انتهى، ويمكنه الاستراحة والتمتع بالنتيجة إلى الأبد. الآن ماذا؟ ما الصورة التي تطرق بالنا؟ إنها بالتحديد صورة ملل أبديّ! لسيزيفُ[س] لا يفعل شيئًا أبدًا من بعد، عدا التأمل فيما قد صنعه بالفعل ولا يمكنه من بعد إضافة أي شيء له، وتأمله إلى الأبد!"
يقترح تايلُر أن تأمل المعبد المكتمل لن يكون أكثر استحقاقًا بأي درجة من جهد سيزيفُ[س] غير ذي الجدوى لارتقاء التل في النسخة الأصلية من القصّة، وأنا ميّال لموافقته. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو لي التأمّل الذي امتدحه أرسطو[تلس] يتشاطر الكثير مع تأمل سيزيفُ[س] لمعبده المُنجَز. لا أرى الكثير من الأهمية الجوهرية في أيٍّ من النشاطين. لو أن الآلهة [اليونانية الافتراضية هنا_م] الذين حكموا على سيزيفُ[س] كانوا من النوع الذي تصوّره أرسطو[تلس] فمن ثَمَّ فإن المصير الذي حكموا به عليه ليس أسوأ من مصيرهم.
رغم ذلك، فحتى لو رفضنا تفاصيل اقتراح أرسطو[تلس]، يظل بوسعنا قبول بصيرة أرسطو[تلس]. لو هناك أنشطة متاحة لنا خلال أعمارنا والتي هي ذوات قيمة جوهرية، فمن ثمّ يمكن لحيواتنا أن يكون لها معنى داخليّ حتى لو أن الله لا يوجد. حتى لو ليس هناك موصي فوق طبيعيّ ليحدِّد أغراض حيواتنا أو ألوهية ذات معنى على نحو ملائم تهتم بحيواتنا، فإن وجود أنشطة جيّدة في جوهرها سيمكننا من تحقيق المعنى الداخلي في حيواتنا. أنا أقترح أن هناك مثل تلك الأنشطة.
ما هي بعض الأنشطة الجيّدة جوهريًّا؟ وكيف يمكنني إثبات أن قائمتي المفضَّلة هي الصحيحة؟ بالنسبة إلى السؤال الأول: فليس لدي شيء متسم بالبصيرة أو جديد بقولي: قائمتي للأنشطة الجيّدة في جوهرها ستتضمّن الوقوع في الحبّ والنشاط المحفِّز للفكر، والإبداع في عدة مجالات، الشعور بالمتع على أنواعها العديدة، والتعليم. قد يُعترَض على قائمتي بالقول: ألستَ ببساطة تضع في قائمةٍ الأشياء التي يصادِف أنك تستمتع بالقيام بها؟ الإجابة هي لا. هناك الكثير من الأشياء التي أستمتع بالقيام بها لكنها لا تعتبر ذات أهمية في جوهرها، وأعتقد أن قليلًا من التفكُّر سيكشف أن نفس الأمر صحيح بالنسبة لك. في حالتي، فإن حبي لألعاب الـﭬيديو جيم ملائم للغرض كمثال. للعديد من السنوات حتى الآن كان لدي ولع بألعاب الـﭬيديو، ويمكنني قضاء ساعة وراء ساعة لاعبًا إياها. لكني لا أعتبر هذا النشاط مهمًّا في جوهره، وأعتقد أن حياة مكرَّسة بالكامل له ستكون حياة ضائعة. في الحقيقة، بالتحديد لأني أستمتع بها كثيرًا جدًّا إلا أني أعتبرها غير ذات أهمية في جوهرها، فإني أمتنع قصدًا عن شراء وحدة [جهاز] ألعاب ﭬيديو وعن تنصيب ألعاب على كمبيوتري. لأني أعلم أنه لو كانت ألعاب الـﭭيديو متاحة لي بسهولة فسأضيّع ساعات لا تُحصى على هذه التسلية التافهة. إذن فإن قائمة الأنشطة التي أعتبرها لها استحقاق جوهريّ ليست نفس قائمة الأنشطة التي أستمتع بها.
أما عن كيف أعلّل قائمتي للأنشطة المهمة في جوهرها؟ فأخشى أني ليس لدي برهان فلسفيّ لأجل_مثلًا_اقتراح أن الوقوع في الحبّ جيّد في جوهره. رغم ذلك فكما قد أُشيرَ كثيرًا فإن هناك الكثير من الأشياء التي نعرف أنها على ما هي عليه والتي لا يمكننا تقديم برهان فلسفي وافٍ على صحتها. إن الوسيلة التي أوصي بها لتقرير أي الأنشطة جيّدة في جوهرها هي نسخة من تجربة العزل الخاصة بـ G. E. Mooreالموصوفة سابقًا. لتبحث ما إذا يكون نشاط جيّدًا في جوهره فادرس ما إذا كنت ستجده ذا استحقاق حتى لو يكن له أي نتائج على الإطلاق. إذا يبدو لك أنه سيكون ذا استحقاق فإذن فإن بين يديك مرشحًا جيّدًا كنشاط جيّد في جوهره. إن الادعاآت بشأن ما يكون جيّدًا في جوهره هي مسلّمات [بديهيات] النظرية الأخلاقية، إنها منطلَقات البدء، المبادئ الأساسية. وحيث أنها كذلك، فإنه غير مرجَّح أن تكون من نوع الأشياء التي يمكن البرهنة عليها. ورغم ذلك، فإنه متسقٌ تمامًا أن تقول أن بعض الأنشطة ذوات قيمة في جوهرها، وأننا نعرف ما تكُوُنه بعضٌ منها.
إن تمييز أرسطو[تلس] بين الأنشطة الجيدة لأجل ما تنتجه والأنشطة الجيدة في جوهرها يساعدنا على فهم سبب كون جدلية النتيجة النهائية يمكن أن تبدو مقنعة، رغم أنها_كما أجادل_جدلية رديئة. يمكن أن تُجعَل جدلية النتيجة النهائية تبدو مقنعة بالتركيز في الأنشطة الغير جيدة في جوهرها. إن يصِرْ المرءُ مقتنعًا بأن كل الأنشطة المتاحة لنا في حيواتنا الأرضية هي من هذا النوع، فحينئذٍ إذن يمكن أن تبدو النتيجة النهائية لكل هذه الأنشطة الأقصى أهميةً. السبب هو أننا_مقتنعين بأن الأنشطة التي تصنع حيواتنا غير ذوات استحقاق [أهمية] في جوهرها_فقد نعتقد أن السبيل الوحيد الذي يمكن به أن تصبح ذوات أهمية على الإطلاق هو لو أنها تقود إلى نتيجة نهائية ذات أهمية. في بدايات هذا الفصل اقتبستُ من حديث [الفيلسوف المسيحيّ المعاصر] William Lane Craig المعنون (سخافة الحياة بدون الله)، وفي نفس ذلك الحديث ناقش كريج مسرحية Beckett (في انتظار جودو) Waiting for Godot. استخدم كريج المسرحية ليشرح ما يعتقد أن الحياة البشرية ستكون عليه بدون الله:
"خلال كامل هذه المسرحية يتبادل رجلان الحوارات التافهة المخدِّرة للعقل المبتذلة بينما ينتظران وصول رجل ثالث والذي لا يفعل [يصل] أبدًا. أوَحيواتنا كمثل ذلك؟ نمضي الوقت منتظرين؟! لأجل ماذا؟ لا نعرف!"
لاحظْ أن النشاط في هذا المثال هو تافه ومخدِّر للعقل ومبتذَل. إن النشاط الذي اختاره مؤلف المسرحية Beckett غير ذي استحقاق في جوهره على نحو واضح. أي استحقاق قد يكون له سيُستمَد فقط من وصول جودو. ولأن شخصية جودو لا تأتي أبدًا فإن النشاط غير ذي استحقاق كليًّا. بتشبيهه كل الحياة البشرية بالمسرحية، يشير كريج ضمنيًّا إلى أن كل الأنشطة المتاحة لنا خلال حيواتنا الأرضية غير ذوات استحقاق في جوهرها. في الحقيقة هذا هو الافتراض غير المصرَّح به المؤسِّس لكل جدليات المعنى الداخليّ التي نناقشها. الثلاث جدليات جميعًا تفترض أن لا نشاطَ متاحَ لنا على الأرض له أي قيمة جوهرية. مثل هذه الأنشطة يمكن أن يكون لها قيمة فقط لو مُنِحَتْ لها من الخارج، بكونها جزء من خطة إلهية أو موضع اهتمام من جانب ألوهية ذات معنى، أو بمؤدّاها إلى شيء آخر له قيمة. لكنه هذا الافتراض بالتحديد ما ينبغي أن يُرفَض. لو أن الشخصيات المنتظرة لجودو كانوا في أثناء ذلك يقعون في حب أحدهم الآخر، هل كانت حقيقة أن جودو لن يظهر أبدًا ستجعل نشاطهم غير ذي استحقاق؟ هل كانت كل الأُمسية ستكون قاحلة [مهدَرة] بالكامل؟ هذا مستحيل.
بإعادة تذكّر مثال الأديب تولستوي عن المسافر الذي يقع في بئر. فإن مأزق المسافر يعتمد على كنه الأنشطة المتاحة له بينما هو عالق. بتذكَرِ جزءٍ آخر من القصة: يرى المسافر بعض قطرات العسل متعلقة على أوراق الشجيرة ويصل إليها ويلعقها. في تشبيه موقفه الخاص به بهذا المسافر العالق، أضاف تولستوي الفقرة الشرطيّة القائلة "لم يعُدْ العسل حلوًا لي من بعدُ". أي أن الأنشطة المتاحة له ليس لها أي استحقاق جوهريّ.
اسأل نفسك هذا السؤال: إن وجدتَ نفسك في مأزق المسافر، فهل سيكون لديك تفضيل فيما يتعلق بوجود أو غياب العسل؟ لو كانت جدلية النتيجة النهائية صحيحة فينبغي ألا تفرق معك. لكني أعتقد أنك مثلي وأنك تفضِّل وجود العسل حقًّا. في الواقع كحقيقة عَرَضيّة فإن بعض البشر قد لا يكونون قادرين على الانخراط في الأنشطة الجيدة في جوهرها. قد يكونون مثل المسافرين العالقين في البئر بدون عسل في مرآهم. لكن هذا حتمًا ليس سمة أساسية للشرط [الظرف] الإنسانيّ. وبما أنك تقرأ هذا الكتاب فمن المرجَّح أنك لا تواجه وضعًا كهذا. يوجد عسل حولك في كل مكان، عليك فقط أن تصل إليه وتلعقه. لا تحتاج إلهًا ليعطيك المعنى الداخلي لحياتك.
الشخصية الرئيسية في فِلم (التكيف) Adaptation لــ Spike Jonze(2002)، هي تشارلي كُفْمِن Charlie Kaufman، مؤلف سينمائيّ يحاول كتابة نص فلم يقوم على على رواية (سارق زهرة الأوركيد) لـ Susan Orlean، في جزء من الفلم حيث يكافح Kaufman كُفْمِن لإكمال نصه، ويحضر مؤتمرًا عن الكتابة السينمائية. خلال المؤتمر يرفع كُفْمِن يده ويسأل السؤال التالي:
"ماذا لو أن كاتبًا يحاول عمل قصة حيث لا يحدث الشيء الكثير، حيث الناس لا يتغيّرون، ليس لديهم أي لحظات تجلّي للفهم. إنهم يكافحون ويُحبَطون ولا شيء يُحَلّ. تفكُّر أكثر في العالم الواقعيّ....."
لم يستطع كُفْمِن إكمال سؤال لأنه قوطع من جانب رئيس المؤتمر. إن ردّ المتحدّث يمكن أن يعتبَر كردٍّ على كريج وتولستوي باستلهام سنجر وأرسطو[تلس]. إنه يصلح كذلك كخاتمة ملائمة لهذا الفصل:
"لا شيء يحدث في العالم الواقعي؟ أأنت فاقدٌ لعقلك المـ***؟! ناسٌ يُقتَلون كل يوم! هناك إبادة عِرقية وحرب وفساد! كلَّ يومٍ ابنِ مـ*** في مكان ما يضحّي شخصٌ بحياته لإنقاذ شخص آخر! كل يوم ابن مـ*** يتخذ شخصٌ ما قرارًا واعيًا بتدمير شخص آخر! أناس يجدون حبًّا وآخرون يفقدونه! بالله عليك! طفلٌ يشاهد أمَّه تُضرَب حتى الموت على عتبات كنيسة! أحدهم يعاني الجوع! شخص آخر يخون أفضل أصدقائه لأجل امرأة! إن كنت لا تستطيع أن تجد تلك الأشياء في الحياة فأنت_إذن_يا صديقي لا تعرف الكثير عن الحياة!"
الفصل الثاني: الله والأخلاق
ما هو محبوب من قِبَل الآلهة هو التقيّ، وما ليس محبوبًا من قِبلِهم هو غير التقيّ.
يوثيرو في حواره مع أرسطو[تلس] كما كتبه أفلاطون
الله باعتباره الخالق كليّ القدرة للأخلاق
يعتقد المؤمنون عادةً بأن الأخلاق_على نحوٍ ما_تعتمد على وجود أو نشاط الله. هناك سبل لا تُحصى لفهمهم الطبيعية الدقيقة لهذا الاعتماد؛ هذا الفصل مخصّص لاستكشاف بعضها. إحدى النسخ القوية على وجه الخصوص لهذه الفكرة يعتقد بأن الله هو الخالق الكلي القدرة للأخلاق. فلندرس هذه الفكرة ببعض التفصيل.
كل الكينونات الموجودة يمكن أن تُقسَّم إلى فئتين. الأولى تحتوي كل وفقط الأشياء الممكن بالنسبة إليها ألا توجد. هذه الأشياء لها وجود محتمَل. تأمل_كمثال_الكتاب ذاته الذي تقرؤه الآن. في آخر الأمر سيتوقّف عن الوجود. بالإضافة إلى ذلك، فإن كاتبه كان يمكن أن يُقتَل قبل إكماله، وفي هذه الحالة لما كان وُجِدَ على الإطلاق. أما الفئة الثانية فتحتوي كل وفقط الأشياء التي يستحيل بالنسبة إليها ألا توجد. الأشياء التي في هذه الفئة ببساطة يجب أن توجد وبالتالي يقال عنها أن لها وجودًا حتميًّا. أمثلة غير مختلف عليها لأشياء في هذه الفئة أصعب في الحصول عليها، قد تلائم الأعداد الغرض، أو الأشكال الأفلاطونية المثالية [الافتراضية] (لو كان هناك شيء كهذه). وفقًا لأحد الطرق التقليدية للاعتقاد بخصوص الله، فالله يدخل في هذه الفئة. الحقائق على نحو مماثل يمكن أن تُقسَّم إلى الصحيحة احتماليًّا (صحيحة لكنها يمكن أن تخفق في أن تكون صحيحة) والصحيحة حتميًّا (يجب أن تكون صحيحة). الحقائق الاحتمالية تتضمن حقائق مثل أن نظامنا الشمسيّ يحتوي على تسع كواكب بالضبط، وأن الأرض تدور حول الشمس، وأن سرعة الضوء 299792458 مترًا في الثانية. أما الحقائق الحتمية [الضرورية] فهي التي يُعتقَد أنها تحتوي نموذجيًّا_من ضمن أشياء أخرى_حقائق المنطق (كمثال، ب يتضمّن ب) وحقائق الرياضيات (مثل 2+2+4).
يؤكّد المؤمنون نمطيًّا أن الله هو الخالق الكليّ القدرة للكون. تُفهَم هذه الفرضية عادةً على أنها تتضمَّن على الأقل أن الله هو المصدر النهائيّ لكل الأشياء الموجودة احتماليًّا وكل الحقائق الاحتمالية. يعتقد بعض المؤمنين أن قوى الله الخالقة لا تشمل فقط النحو الذي عليه الكون والأشياء التي يحتويها، بل وكذلك النحو الذي ينبغي أن يكون عليه الكون والقِيَم التي يحتويها. يشرح Philip Quinn (1998) هذه الأطروحة على نحوٍ لطيف [جيّد]:
"يريد المؤمنون على نحو معتاد الإصرار على تمييز تامّ بين الله والعالم، بين الخالق والمملكة المخلوقة. وفقًا للروايات التقليدية عن الخلق والحفظ، إن كل شيء محتمَل [طارئ الوجود] يعتمد على قوة الله لوجوده أيّانَ يوجد. الله_على النقيض_لا يعتمد على أي شيء خارج عن نفسه لأجل وجوده. لذا فالله له سيادة تامّة على الوجود الطارئ....آراء الوحدة النظرية ذات النوع المألوف لذا تجعل الأمر جذّابًا أن تمدَّ منظور السلطة الإلهية...من مجال الحقائق إلى مجال القيم."
يؤكِّد المؤمنون الذين يعتقدون بنوع الرأي الموصوف من قِبَلِ Quinn أنه تمامًا كما أن نشاطَ اللهِ الخلّاقَ هو ما سبَّب وجود الذرات وكون الضوء له السرعة التي لديه، فإنه نشاطُ اللهِ الخلاقُ أيضًا ما يحدِّد أي الأشياء خيِّرة وأيها شريرة، وأي الأفعال صائبة أخلاقيًّا أو خاطئة أو إلزامية، وأي سمات الشخصية فضائل وأيها رذائل، وأي حيوات البشر تستحق العيش، وهلم جرًّا. وفقًا لنسخة قوية على نحو خاص من هذا الرأي، فالله له السلطان لتنظيم الأخلاق على النحو الذي يراه ملائمًا؛ فهو منشئ قوانين الأخلاق بنفس معنى أنه منشئ قوانين الطبيعة. علاوة على ذلك، فلأنه كليّ القدرة فإن التقييد الوحيد على قوانين الأخلاق التي خلقها الله هي حدود الإمكانية. لو نفهم الادعاآت الأخلاقية باعتبارها ادعاآت بخصوص أي الأشياء يكون خيِّرًا أم شريرًا، صائبًا أخلاقيًّا أم خاطئًا، ملزمًا أم غير ذلك، فاضلًا أم أثيمًا، فمن ثَمَّ يمكننا أن نستوعب جوهر هذا الرأي بالفرضيتين التاليتين:
فرضية التحكم: كل ادّعاء أخلاقيّ متماسك منطقيًّا هو كذلك لأن الله يمكنه جعله صحيحًا .
فرضية الاعتماد: كل ادّعاءٍ أخلاقيٍّ صحيحٍ هو كذلك بسبب فعل المشيئة من جانب الله.
قد يُعتقَد بفرضية الاعتماد كحقيقة طارئة [محتملة] أو كحقيقة حتمية. لو أنها حقيقة حتمية، فإذن فإن وجود الحقائق الأخلاقية في الكون يستلزم أن الله يوجد. لو أن هذه الفرضية صحيحة على نحو حتميّ فإذن بدون الله فلا شيء يمكن أن يكون جيّدًا أو سيئًا، صوابًا أو خطأً، فاضلًا أو أثيمًا. كما عبَّر عن ذلك كريج: "في كون بلا إله، فإن الخير والشر لا يوجدان. هناك فقط حقيقة الوجود المجرّدة عديمة القيمة." هذا النوع من الجدليات_بدءً من المقدِّمة المنطقية بأن فرضية الاعتماد صحيحة على نحو حتميّ حتى الاستنتاج بأن ليس هناك حقائق أخلاقية إذا لا يوجد الله_هي جدلية الله كمصدر للأخلاق.
بعض المؤمنين الذي يقبلون استنتاج جدلية الله كمصدر للأخلاق يخفقون في تقدير نتائجها على نحوٍ كامل. كريج هو مثال. إحدى مواضيعه المركزية هي كم كريه هو الأمر لو الله لم يوجد. انظر_كمثال_تعليل كريج عن إدراكه لأخلاقياته:
"يمكنني التذكر بصورة حيوية أول مرة أخبرني أبي_كطفل_أني يومًا ما سأموت. على نحو ما كطفل لم تخطر الفكرة على بالي قط، وعندما أخبرني كنت مهيمنًا عليَّ تمامًا بخوفٍ وحزن لا يُحتملان، وبكيت وبكيت وبكيت، ورغم أن أبي حاول إعادة طمأنتي على نحو متكرر أن هذا الحدث بعيد زمنيًّا، فبالنسبة لي لم يفرق هذا البتة. كانت الحقيقة أني سأموت ولن أكون من بعدُ. وقد هيمنت عليَّ هذه الفكرة."
لاحقًا يشير كريج إلى "رعب الإنسان المعاصر" مواجهًا الحياة في كون بلا إله (أيًّا ما كان ما يعنيه بالإنسان المعاصر). لكن إن لا يمكن أن يكون هناك خير أو شر لو أن الله لا يوجد، فمن ثمَّ لا يمكن أن يكون هناك شر لو أن الله لا يوجد. وبالتالي لو أن الله لا يوجد فلا يمكن أن يحدث أي شيء سيء قد لأي أحد. إن استنتاج جدلية الله كمصدر للأخلاق يتضمن أنه ليس هناك شيء جيد بشأن كون من منظور أنه بلا إله. لكنها تنطوي على نحو مساوٍ أن ليس هناك شيء سي بصدده كذلك. لو أن هذه الجدلية سليمة فلا يمكن أن يكون هناك شيء كريه أو رهيب بصدد كون بلا إله. إن النسخة المختصرة من رسالة كريج المتناقضة ذاتيًّا هي: "بدون الله لن يكون هناك قيم في الكون، وفكِّر كم سيكون هذا رهيبًا!"
رغم ذلك، فيظل هذا التشوّش في حدا ذاته لا ينشئ اعتراضًا على جدلية الله كمصدر للأخلاق. لنقد تلك الجدلية سأدرس نظريتين. النظرية الأقوى تتكون من كلٍّ من فرضية التحكم وفرضية الاعتماد. الفرضية الأضعف تنكر فرضية التحكّم لكنها تقبل فرضية الاعتماد. في آخر الأمر سأستنتج أن كلا الفرضيتين باطلتان. لو أن هذا صحيح فحينئذٍ إذن تسقط جدلية الله كمصدر للأخلاق.
يتبع
لأجل العقلانية والتنوير
|