اقتباس:
|
و أفهم ما تقصده بخطاب الكره اللذي صاغه اليسار العربي ضد كل ما هو غربي،
|
الزميل السكّير، أعتقد بأنّك تدرّس في جامعة مغربيّة كما ذكرت سابقا، و نظرا لتحليلك العميق للأمور، أستطيع الجزم بأنّك مطّلع جيّدا على تجربة منظّمات يساريّة مغربيّة من قبيل المنظّمة اليساريّة إلى '' الأمام '' و '' لنخدم الشعب '' و '' 23 من آذار ''، و بحكم كوني مناضلا سابقا في إحدى امتدادات منظّمة إلى الإمام و التي قدّمت أوّل شهيدة عربيّة تستشهد في إضراب عن الطعام من داخل السجن، فإنّني أستطيع القول بأنّ خطاب الكره للغرب لم و لن يوجد في أيّ خطاب يساريّ حول العالم. إذا كنت تقصد الحكومات الإمبرياليّة الغربيّة، فطبعا نحن كارهون لها، و إذا قرّر بعض دراويش الملحدين أن يخلعوا سروايلهم للحكومات التي اغتصبت رغيف أجدادهم الفلّاحين الكدّاح، فلهم ذلك، لكن بحكم تجربتي الطويلة مع أقدم المنظّمات اليساريّة العربيّة و أعرقها، أستطيع أن أقول إنّ كره الغرب ليس موقفا رسميّا لليسار العربيّ و لا الأمميّ، لا موقفا شخصيّا لأيّ مناضل ماركسيّ احتككت به. الرفيقة الشهيدة سعيدة المنبهي كانت أستاذة للغة الفرنسيّة، و طالبة مع عزيز العرايشي للأدب الأنجليزيّ، و كانت عاشقة للأدب الفرنسيّ، و أخوها عزيز المنبهي، المناضل اليساريّ العتيق، و الذي القتيت به مؤخّرا، يحكي لي دائما عن حلاوة العيش في فرنسا المنفى. كلّ رفاقي كانوا معجبين بالثقافة الفرنسيّة و الحضارة الفرنسيّة، و أنا من بينهم، و كنّا نتلهم الأدب الفرنسيّ التهاما، و التاريخ التهاما، و العلم التهاما، و النحو التهاما، أضف إلى ذلك أنّ الشيوعيّة قد نشأت في فرنسا في نسختها الطوباويّة مع إيتيان كابيت و برودون و سان سيمون و غيرهم، كما أنّ المادّيّة الجدليّة قد نشأت كخليط من فلسفة البارون دي هولباخ و فيورباخ و هيغل و كلّهم من الألمان، بينما نشأ الاقتصاد السياسيّ الماركسيّ ردّا على فلسفة آدم سميت الاقتصاديّة، و هو أنجليزيّ طبعا. فإذا كانت الشيوعيّة نفسُها فكرًا غربيّا، فكيف يكون الشيوعيّ كارها للغرب و هو يضحّي بحياته في سبيل فكر غربيّ؟
أنا أكره الحكومات الإمبرياليّة الغربيّة التي قتلت الملايين من الأروبّيين في حروب توسّعيّة استعماريّة، و لمّا شبعت من قتلها شعوبها، انتقلت إلى قتل شعوب العالم الثالث عن طريق الشركات الاحتكاريّة و بيع الأسلحة و الأوهام، أنا أكره الحكومات الغربيّة لأنّني أصطفّ إلى جانب شعوب العالم، و إن كان هناك أيّ درويش من دراويش الإلحاد يريد أن يخبرني عن مدى ليبيريالته، فليعطني تعريفا، لا أكثر، لكيف يفهم الليبرياليّة، و سأبصم له بالعشرة، لأنّني متأكّد مائة في المائة، أنّ أكثريّة من يصطفّون إلى جانب الحكومات التي تضاجعهم اقتصاديّا و عسكريّا و سياسيّا، لا يفهمون أيّ شيء لا في السياسة و لا في الاقتصاد، و أنا أفهم الليبيرياليّة أكثر منهم هم باعتبارهم متلبرلين لا يمتّون إلى هذه الليبرياليّة بشيء كما لا يمتّون إلى التفكير الحرّ بشيء. إنّ التفكير التلفزيونيّ الصندوقيّ هو بالضبط ما نحاربه في هذه الشبكة، و كلّ المصطلحات التي قلتها آنفا قلتُها و عنيتُها و لست خجولا منها، ردّا على عاهرات تشارلي، أي من يتأفّف من منظر قتيل فرنسيّ، و يقهقه كالحمار على قتلى حادثة منى. إنّ اصطناع الإنسانيّة عند كثير من الملحدين العرب ظاهرة متفشّية، إذا كنت لا أصف شخصا يتباكى على قتلى تشارلي و يقهقه على قتلى منى بال... فبماذا أصفه؟
إنّ الإنسانيّة توجّع قلبيّ ينبعث من عمق الذات الشخصيّة في مواجهة أيّ حالة مؤلمة لإنسان بريء، و من يقهقه على ميّت عربيّ و يبكي على فرنسيّ، هو منافق و متصنّع شاء من شاء و أبى من أبى، و لن أصدّق خطابه عن الإنسانيّة و لو سكب أمعاءه. أقول هذا مع الإشارة إلى أنّني لست أشير إلى أيّ أحد هنا، و لست أقصد أيّ شخص هنا، بل أنتقد فئة عامّة منتشرة خصوصا عندنا من في فئة الملحدين العرب، هذا مع اعتذاري لأولائك الملحدين الأعزّاء الذين ساءتهم منّي تلك الألفاظ، و إن لم تكن موجّهة إليهم، و أقول لهم '' إنّ السيل قد بلغ الزبى ''.