عرض مشاركة واحدة
قديم 08-30-2013, 01:33 PM السيد مطرقة11 غير متواجد حالياً   رقم الموضوع : [2]
السيد مطرقة11
█▌ الإدارة▌ ®█
الصورة الرمزية السيد مطرقة11
 

السيد مطرقة11 is on a distinguished road
افتراضي

قلنا إنَّ الأشياء تتميَّز بأضدادها، أي من خلال أضدادها، فما هو ضديد (أو نقيض) المادة، بالمعنى الفلسفي؟

إنَّه "الفكر"، أو "الصور الذهنية" للأشياء الموجودة في العالَم المادي.

إذا كانت الوردة هي مادة فإنَّ نقيضها هو "صورتها الذهنية"، فلا نقيض للوردة، بصفة كونها مادة، إلاَّ صورتها في داخل الذهن (البشري).

وفي الذهن (البشري الحي) يُوْجَد الشيء، صورةً ومفهوماً..؛ فـ "الشجرة (الواقعية الحقيقية)" موجودة في ذهنكَ، على هيئة "صورة"، وعلى هيئة "مفهوم".

و"المفهوم" إنَّما هو "صورة ذهنية عامة"، فيها يَظْهَر "المشترَك" من الخواص والسمات والصفات.. بين أشياء (واقعية) عدَّة، فـ "الشجرة العامَّة" لا وجود لها في العالَم الواقعي الحقيقي، الذي فيه تُوْجَد فحسب "شجرة التُّفاح هذه"، و"شجرة البرتقال هذه"، و"شجرة الرُّمان هذه".

"الشجرة العامَّة"، أو "الشجرة على وجه العموم"، لا وجود لها إلاَّ في الذهن، وعلى هيئة "صورة ذهنية"، نسمِّيها "المفهوم".

لولا وجود (أو الوجود القَبْلي لـ) شجرة التُّفاح "هذه"، وشجرة البرتقال "هذه"، وشجرة الرُّمان "هذه"، لَمَا وُجِد (في رأس الإنسان أو ذهنه) مفهوم "الشجرة".

وأنتَ لا يمكنكَ "تعريف" الشيء، أيُّ شيء، إذا لم تَرُدَّه وتَنْسِبَه إلى ما هو أوسع منه وأعمَّ وأشمل، فأنتَ لا تُعرِّف "الأوكسجين" إذا لم تستهل تعريفكَ له قائلاً "إنَّه غاز.."، فكلُّ أوكسجين، غاز؛ ولكن ليس كل غاز، أوكسجين.

والآن، هل وصلت إلى أسماعكم صرخة التحذير المدوِّية التي أطلقها نيوتن؟

لقد حذَّر الفيزياء (أسئلةً وأجوبةً وطريقةً في التفكير..) من الاستخذاء للميتافيزيقيا وفسادها، فإنَّ بعضاً من "أزمة الفيزياء" لا يمكن فهمه وتفسيره إلاَّ على أنَّه الثمرة المُرَّة لاستخذائها للطريقة الميتافيزيقية في السؤال والجواب.

ومن ذلك، وعلى سبيل المثال، سؤال الفيزياء، أو الكوزمولوجيا، الشهير "من أين جاءت المادة؟".

إنَّه سؤالٌ فاسِد فساد طريقة التفكير الميتافيزيقية الكامنة فيه، أو التي قادت إليه.

في العالَم الواقعي الحقيقي، أي في العالم المادي، لا وجود إلاَّ لـ "الأشياء".. لا وجود، مثلاً، لـ "الشجرة العامَّة"؛ لأنْ لا وجود إلاَّ لـ "شجرة التُّفاح هذه"، أو لـ "شجرة البرتقال هذه".

إنَّ "الشيء الفَرْد" هو، وحده، الموجود وجوداً مباشِراً، محسوساً، ملموساً، في العالم المادي.

وهذا الشيء الذي يشبه "بصمة الإبهام" هو وحده الذي يجيز لكَ أن تسأل "من أين (وكيف، ومتى) جاء (إلى الوجود)؟".

الشيء، أي "الشيء الفَرْد"، "ينشأ"؛ ثمَّ "يزول (حتماً)"؛ وما بين "اللحظتين"، أي "لحظة نشوئه" و"لحظة زواله"، يُوْجَد هذا الشيء، ويعيش، وينمو، ويتطوَّر، ويتغيَّر.

ثمَّة "عُمْرٌ" لهذا الشيء، أي ثمَّة زمن يَسْتَغْرِقه وجود الشيء (أي بقاؤه على قيد الحياة). وفي "زمن وجوده" يتغيَّر الشيء؛ ولا بدَّ له من أن يتغيَّر. ولكنَّ "لحظة نشوئه" و"لحظة زواله" ليستا جزءاً من "التغيُّر" الذي يعتريه، فلا تغيُّر لهذا الشيء إلاَّ بعد نشوئه، وقبل زواله.

"اللحظتان"، أي "لحظة النشوء" و"لحظة الزوال"، هما ما يُساء فهمهما لدى كثير من الناس، ولدى كثير من الفيزيائيين.

ولسوف نوضِّح ذلك في المثال البسيط الآتي:

هذا مكعب من الجليد، سَخَن، فتحوَّل إلى ماء (سائل).

تأمَّل جيِّداً هذا المثال.

الجليد "يزول"، بعد (وبسبب) سخونته، فـ "ينشأ" الماء (السائل). إنَّ لحظة زوال الجليد هي نفسها لحظة نشوء الماء، فلا انفصال بين اللحظتين. لقد زال الجليد، فنشأ (من زواله) الماء.

اسْألْ الآن: "من أين جاء هذا الماء (السائل)؟".

ليس من جواب سليم عن هذا السؤال السليم إلاَّ الجواب الآتي: "لقد جاء من الجليد (إذ سخن وزال). لقد جاء، أو نشأ، من زوال هذا الجليد".

إنَّكَ يكفي أن تتأمَّل، وأن تُحْسِن تأمُّل، هذا المثال البسيط، حتى لا تَجِد من موجب إلى أن تجيب عن ذاك السؤال، قائلاً: "لقد جاء هذا الماء، أو نشأ، من لاشيء، أو من العدم".

إنَّ كلَّ شيء ينشأ، ويجب أن ينشأ، من شيء آخر، أو من أشياء أخرى؛ من زوال شيء آخر، أو من زوال أشياء أخرى؛ وإنَّ كلَّ شيء يجب أن يزول، فنشوء الشيء إنَّما يعني، ويجب أن يعني، أنَّ الزوال هو نهايته الطبيعية والحتمية. ولكن، هل من شيء زال، فتمخَّض "العدم" عن زواله؟ هل من شيء يذهب بلا أثر؟

زوال الشيء، أيُّ شيء، إنَّما يعني نشوء شيء آخر، أو أشياء أخرى.

وفي العودة إلى المثال نفسه، يمكننا أن نقول أيضاً إنَّ الجليد "تحوَّل" إلى ماء (سائل).

وهذا إنَّما يعني أنَّ "لحظة النشوء"، أو "لحظة الزوال"، هي نفسها "لحظة التحوُّل"، أي لحظة تحوُّل شيء إلى شيء آخر، أو إلى أشياء أخرى.

وهذا التحوُّل إنَّما هو "تحوُّل مادة إلى مادة"، فالجليد مادة، والماء (السائل) مادة؛ فلا وجودة لمادةٍ لم تأتِ من مادة؛ ولا وجود لمادة لا ينشأ من زوالها مادة.

في الحياة نرى أشياء تنشأ، وأخرى تزول.. لقد رأيْتُ الماء (السائل) ينشأ، والجليد يزول، فإذا لم أفهم "النشوء" و"الزوال" كما يدعوني الواقع إلى فهمهما فربَّما، عندئذٍ، أُمكِّن الميتافيزيقيا (بأسئلتها وطريقتها في النظر إلى الأمور) من عقلي، فأسأل، بالتالي، السؤال الفاسِد الآتي: "من أين جاءت المادة؟".

لو سألت "من أين جاءت الأرض؟"، أو "من أين جاءت الشمس؟"، أو "من أين جاء النظام الشمسي؟"، أو "من أين جاءت مجرَّتنا، مجرَّة درب التبانة؟"، أو "من أين جاء الكون الذي نعرف؟"، لكان سؤالك سليماً.

إنَّ "الشيء الفَرْد"، كالأرض، أو الشمس، أو النظام الشمسي، أو مجرَّتنا، أو الكون الذي نَعْرِف، هو "مادة" جاءت من "مادة" أخرى.. هو مادة نشأت من زوال مادة أخرى.

أمَّا إذا أصْرَرتَ على سؤالكَ الفاسِد "من أين جاءت المادة؟"، فالجواب هو "لقد جاءت المادة من مادة، جاءت هي أيضاً من مادة.."!

ثمَّ أين هو هذا الشيء الذي تستطيع الفيزياء أن تقيم الدليل على أنَّه قد جاء من لاشيء، أو من العدم، أو ذهب بلا أثر؟!

ويكفي أن ننظر إلى الأمور على هذا النحو حتى تنتفي الحاجة نهائياً إلى "العدم"، تفسيراً افتراضياً خرافياً.

والآن، دعونا نتأمَّل، ونُحْسِن تأمُّل، مثالاً آخر.

لقد أردتُ بناء منزلٍ لي. المنزل الذي ابتنيته لم يكن له من وجود من قبل. لقد كان "فكرةً" في رأسي قبل أن يصبح واقعاً، أو حقيقة واقعة.

أنا أوَّلاً "أردتُ" بناءه و"تخيَّلته" و"تصوَّرْتُه".. ثمَّ بنيته، فـ "تجسدت الفكرة".

ويكفي أن أسيء فهم هذا المثال حتى أقول مُسْتَنْتِجاً إنَّ الكون كالمنزل، كان فكرةً وإرادةً وتخيُّلاً وتصوُّراً.. قبل أن يغدو حقيقةً واقعة؛ وإنَّ العقل الذي خلق الكون لا بدَّ له من أن يكون أعظم، وأعظم كثيراً، من عقلي الذي خلق المنزل.

أوَّلاً، "فكرة" المنزل الذي بَنَيْت لم تنبثق في رأسكَ أو ذهنكَ من الفراغ، فأنتَ يكفي أن تمعن فيها النظر حتى تَجِد أصولاً لها، وعناصر ومكوِّنات، في العالَم الواقعي الحقيقي، أي في العالَم المادي.

وأنتَ، عن عمد أو عن غير عمد، عن سوء نية أو عن حُسْن نية، ضَرَبْتَ صفحاً عن حقيقة تفقأ العيون، فالمنزل، الذي هو مادة، لم يُخْلَق (أي يُبنى) من العدم، أو من لاشيء؛ فلقد خُلِق من مواد أوَّلية.. من أشياء أخرى كالحجر والطين والحديد والخشب..

"فكرة" المنزل إنَّما جاءت إلى ذهنكَ من العالم المادي الخارجي؛ أمَّا المنزل نفسه فهو المادة التي جاءت من مادة؛ فهل خُلِق الكون على هذا النحو؟!

"المادة"، فهماً وتعريفاً، ما زالت، وستبقى، مدار بحثٍ وجدلٍ وخلاف بين علماء الفيزياء والكوزمولوجيا.



:: توقيعي :::


أهم شيء هو ألا تتوقف عن السؤال. أينشتاين

  رد مع اقتباس