نفحات من تاريخ الصحابة
الصحابة موضوع خلاف بين الفرق الإسلاميّة، بين أكبر مذهبين إسلاميّين: الشيعيّ الاثناعشريّ و المذهب السنّيّ. فبينما يرى السنّة أنّ الصحابة هم الفئة التي تلي الأنبياء في علوّ قدرها و منزلتها، و يزعمون أنّ كلّ الصحابة بدون استثناء عدولٌ، بحيث أنّ رواياتهم تُقبلُ و لا يتطرّقها شكّ، و بأنّ الطعن في الصحابة طعنٌ في دين الله لأنّ الصحابة هم الذين نقلوا إلينا هذا الدين، يتّخذ الشيعة موقفًا مختلفا من الصحابة، إذ يرون أنّهم كسائر البشر فيهم المنافق ( مثل أبي بكر و عمر و عثمان) و فيهم الفاجر و الكافر الآثم و فيهم الصالح مثل عمّار بن ياسر و مالك الأشتر و سلمان الفارسيّ و بلال بن رباح. ، فهم كغيرهم من البشر، فيهم من ارتقى سلالم الإيمان و لم ينافق محمّدا و فيهم من كان مجرما و فاسقا.
و الذي لا شكّ فيه أنّ نظرة الشيعة أقرب إلى المنطق من نظرة السنّة، فبأيّ حقّ يكون مجموعة من الصعاليك فوق كافّة البشر منزّهين عن الكذب و نقل الخطإ و قول الشطط؟ لمجرّد أنّهم رؤوا أو التقوا بمحمّد؟ و حتّى لو افترضنا أنّ محمّدا نبيّ من عند الله، فإنّ هذا لا يمنع أن يلتقي بهذا النبيّ منافقٌ يبطن الكفر و يظهر الإسلام، فيكون من طباع هذا المنافق الكذب والدجل و التدليس و الإجرام و الظلم، ليأتي التابعون و تابعهوم فيقولوا عن هذا المنافق الصعلوك '' قال سيّدنا حبّاب عن سيّدنا دبّاب '' أو أن يقولوا '' الصحابيّ الجليل حلثمة بن طلهمة '' و هو لا يعدو أنْ يكون صعلوكا من صعاليك يثرب أو مكّة. فرؤية نبيّ الله ( لو افترضنا أنّه نبيّ ) لا تكفي لجعل الشخص منزّها عن الكذب و نقل الحقيقة وحدها و غيرها من الصفات الفاضلة التي نسبوها إلى معاشر الصحابة، فلو كانت تكفي رؤيّة و ملاقاة محمّد لكفت لرأس المنافقين عبد الله بن أبيّ بن سلول و لجعلت منه صحابيّا، ستقولون إنّه لم يؤمن و الشرط في أن يكون الصحابيّ صحابيّا أن يلقى محمّدا و أن يؤمن به و بكتبه و برسله و اليوم الآخر، و أنا سأقول: و كيف تعرفون أنّه آمن؟ أفليس يمكنه أن يظهر الإيمان و يبطن الكفر؟ أو أن يبطن الشكّ فيرتدّ عن الإسلام بعد وفاة محمّد مثلما فعل عبد الله بن أبي السرح في زيادته في القرءان و كتابته ما ليس من الوحي، و هو لمّا يزل يتلى إلى يومنا هذا في الجوامع و المساجد في حين أنّ القائل هو عبد الله بن أبي السرح الصحابيّ المرتدّ و ليس من الوحي في شيء؟
و الخلاصة، إنّ في الصحابة أشخاصًا نجباء و قادةً عسكريّين ذوي خبرة جبّارة في العمليّات العسكريّة مثل خالد بن الوليد و عمروٍ العاص و القعقاع بن عمرو التميميّ و فيهم ذوو الذكاء الوقّاد و فيهم البلهاء و الأغبياء و الصعاليك و المتسوّلون و المجرمون و الرعاع و المثقّفون و الرحماء و القساةُ. كأيّ شريحة أخرى في المجتمعات القروسطيّة، لا يختلفون عنها و لا يحيدون عن السنن التي تحكم الإنسان و تسيّره.
في هذه السلسة البسيطة، سأحاول أن أضع هنا بعض النقاط السوداء في تاريخ الصحابة، و التي يُحتاج في التوصّل إليها إلى خبرة و مرانٍ و معرفة بدهاليز السير و المغازي و اطّلاع واسع على خبايا الدين الإسلاميّ، إذ هناك الكثير من الفضائح و الأفعال التي ارتكبها الصحابة و التي تخرج عن نطاق الإنسانيّة و تدخل بهم في نطاق التوحّش و البربريّة، و هناك بعض الأفعال التي تدخل بهم في دائرة الهُمّج و في دائرة اللؤماء و في دائرة الأفّاكين المدلّسين، و مع كلّ دائرة من هذه الدوائر، ستكون لنا وقفات للتدارس و التمحيص.
يتبع...
|