عزيزي المسعودي أهلا
أدرج لك هذا الرد الذي رددت به عليك سابقا للتذكير وهو يصب في نفس سياق موضوعك (الخالق مصدره زعم بشري ولا وجود موضوعي له).
إن كنا سنحتفظ بأي فرضية في سجل الإمكانيات، فقط لوجود من يدعيها، فسنجد أنفسنا أمام فرضيات بعدد ذرات الكون في أي مجال.
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شنكوح
تحياتي،
قبل أن أنقطع عن المنتدى قبل سنة، كنت أكتب في هذا الصدد بالتحديد. وهذا هو موضوع توقيعي.
في مثالك عن المنقب عن الذهب، الإنسان على أقل تقدير يعرف عمّا يبحث لأنه سبق وأن رآه ويعرف معناه وخصائصه بالتحديد. فيعرف متى يتوقف عن الحفر لأنه لم يجده، ويعرف كذلك متى وجده.
مشكلة الخالق أنه غير معرف. هو فكرة وراثية هلامية لا تعريف لها ولا عنوان. لا يستطيع أي إنسان أن يعرف أنه توصل إلى الخالق أو لا. شيئ كهذا لا يمكن أن يوجد "بالتعريف"، ولهذا ألخصه في التوقيع.
أقصى علاقة يستطيع أن يتوصل الإنسان إلى إقامتها مع الخالق هي : الإيمان به غيابيا. انتهى.
المؤمن يظن وسيظل يظن أنه يمتلك الدلائل على وجود هذا الخالق وهذا للأسباب التي ذكرتها أنت، بالإضافة إلى أنه يصارع عقله ليمنعه من المطالبة بالدليل الحقيقي.
فكلما ألح عقل المؤمن عليه بالشك، قمعه بأجوبة من قبيل "ظهور الإله يفسد الحكمة من وجوده". أجوبة لم تترك لمتلازمة ستوكهولم شيئا يذكر.
المؤمن لا يعي أنه يساند النصب بمثل هذا المنطق الأعوج، رغم أنه قادر على تشغيل المنطق السليم في أمور أخرى. لكن في هذه الحالة، الوراثة والجبن الفكري يمنعانه من تحمل مسؤولية الشك.
لاحظ أن البعض هنا (ولن يتغيروا على مدار السنين) لا زالوا لا يخجلون من الاعتراف بأن إيمانهم برسولهم وبالله "مسلمات". وكأن المسلمات تصلح في الأخبار. إيمانهم بصدق الرسول وبوجود الإله وبحسن أفعالهما "مسبقا" يجعلهم ينقحون الدين باعتبار هذه المسلمات. فكيف تخوض معهم في أي حديث؟!
تعريف الإله هو ذاتي، نابع من الإنسان، ولنزيد الطين بلة، متعدد بعتدد الأشخاص.
لا يوجد تعريف موضوعي للخالق يفرض نفسه بنفسه. منذ الأزل، الخالق هو مجرد زعم بشري، فرضية من بين ملايين الفرضيات.
لكن العقول الضعيفة لا تريد أن تفطن إلى أن الفرضية قد تكون مجرد عملية نصب يساعدون فيها النصاب الذي ركب عليها بقمع ملكة الشك والتحري.
ما هي مشكلة التعريف الهلامي لفرضية الخالق؟
مشكلتها أنها غير قابلة للتمحيص. ففي الغيب لا نستطيع أن تعرف تأثير الغائب على الواقع. فمثلا كيف نفرق بين ظاهرة طبيعية يقف خلفها "إله" أو "إلهان" أو 3، أو... 0؟!
كيف يفرق المؤمن بين تأثير ملاك على جنين، وبين تأثير الجن أو الشيطان؟! خذ عندك حديث الشيطان والدورة الشهرية للمرأة كمثال. كيف نعرف أن التدخل يحصل من شيطان واحد أو إثنين أو 0 أو ملاك وشيطان في نفس الوقت...؟
كل هذه الخزعبلات غير القابلة للتكميم والقياس، ستبقى للابد مجرد ظنون يحاول تأكيدها المؤمن بـ "العلامات" و "الإشارات"... وسيبقى يجري وراء الوهم كما سبق وقلت عن السحب.
المؤمن لا يريد أن يكون صارما في تحري الأدلة لأنه يفتقد إلى الشجاعة الفكرية داخليا حتى يتحمل مسؤولية التساؤل. ورغم أن الأمر يبدو بسيطا فهو عظيم على ضعاف النفوس.
الصرامة هي ما يجنب الإنسان عمليات النصب والكذب والتحايل. لكن المؤمن يقوم بتعطيلها ويسلم نفسه فريسة سهلة للإدعاءات.
لذلك يختلق جميع الأعذار لفكرة الإله ولرسوله. فيسفّه من قيمة الدليل الحقيقي حتى يجعل عقله يظن أنه لا يحتاج هذا الدليل، وكأنه يحاول عدم إحراج الإله بطلب دليل حقيقي.
لذلك تراه يختلق أسباب عدم تحقق الدعاء، حتي لا يحرج الإله.
وتراه يختلق الأعذار ليقنع نفسه أن الإله غير قابل للرصد. حتى لا يفتح أمام عقله إمكانية الشك والبحث عنه.
وتراه يدافع عن وجود تفسير غيبي للظواهر بالتوازي مع التفسير المادي رغم أن التفسير المادي كافي وفعّال. كسوط ملاك المطر...
والكثير الكثير...
كما أن المؤمن يرفض جميع الإمكانيات الغيبية الأخرى الممكنة (وجود آلهة متعددة، وجود سلسلة عمودية من الخالقين، وجود خالق خلق الكون واندثر، وجود خالق غير عاقل، وجود خالق غير قادر على غير الخلق، وجود خالق لا يتواصل مع البشر، عدم وجود خالق...) وعندما تجادل مؤمنا عن هذه الإمكانيات يبسّط الأمور إلى أبعد حد، ويستنتج الصفات الموجودة في دينه بانحياز تأكيدي لا مثيل له وبدون أدنى منطق وصرامة في نفي الفرضيات الأخرى... لأنه وجد هذا مكتوبا عنده عندما فتح عينيه.
لماذا يجب أن يكون الخالق عاقلا أو عادلا؟ هكذا، بالبديهة!
لكن ماذا عن الإمكانيات الأخرى؟! : لا تصح!
لماذا؟ بالبديهة!...
المؤمن لا يعي أن من حقه أن لا يصدق إلا ما يستطيع قياسه والتحقق منه. وللخوف بعد التلقين، دور كبير في عدم كسر هذا الحاجز الفكري.
مثل هذا الكلام للأسف، لا يفهمه إلا من لا يحتاج إليه من الأساس. أما المؤمن فلن يصله المعنى لأنه يريد دليلا حسيا على عدم وجود الإله. كيف؟ أن تخبره أنك طفت أركان الوجود ولم تجده (وحتى هذا ربما لن يكفي، لأنه يدفع دائما بإلهه إلى الوراء، إلى حيث يستطيع الاختفاء دون الوصول إليه comfort zone ).
|
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شنكوح
الزميل أحمد غيث،
عندما تكون لديك معادلة (أسباب + محفزات => نتيجة) كاملة، وقابلة للتكرار بنفس العوامل أعلاه. فلماذا تريد أن تضيف إليها "الفراغ" لتكميلها؟! حشر أنف والسلام؟!
إذا أردت أن تضيف شيئا لهذه المعادلة، فيجب أن يكون عنصرا قابلا لتغيير النتيجة بصفة منتظمة.
هذا من جهة.
ومن الجهة الأخرى، عندما تريد إضافة عامل جديد. فعلى الأقل، ينبغي تعريف العامل جيدا بطريقة لا يختلف عليها إثنان قبل محاولة البحث في صحة تأثيره.
القول بأن الشيطان مسؤول عن العادة الشهرية، أو أن "الخالق" مسؤول عن المطر. يتطلب تعريفا للمتدخلين وللميكانيزم. وإلا فلن نعرف هل الشيطان هو المسؤول عن المطر أم الله وكذلك العادة الشهرية.
ما الفرق بين المعلومتين؟ وكيف نعرف عدد الخالقين أوعدد الشياطين الذين تحتاجهم العملية؟ وما الذي يجعل العامل يتدخل أو لا؟
لو وصلتك الفكرة، فستعلم أن هذه إيمانيات ظنية لا مجال لها في الواقع الذي نعيشه. وهي أفكار مطرودة تماما من أي نقاش واقعي.
يمكنك اعتبارها ترفا فكريا في لحظات الفراغ، وكل يظن ما يشاء.
أما أن تجد سبيلها إلى "الصحة" وتتسلل إلى العلوم والتجارب والواقع، فهذا ضرب من الخيال (إلا عند المؤمنين).
تخيل نفسك مسؤولا تقنيا، ويطلب منك مديرك تقريرا عن سبب الأعطاب الإلكترونية للمنتوجات التي أصدرتها الشركة مؤخرا. فتأتيه حضرتك بتعليل من النوع الجميل : "مشكل في الشريحة، لكن السبب الأصلي هو الطاقة السلبية لعمال التركيب التي جلبت الفشل للمنتوج".
ما هو محلك من الإعراب وأنت تحزم حقائبك مطرودا من عملك؟
للتلخيص :
- إضافة الأصفار للمعادلات المكتملة ليس إلا حشرا للأنف بالقوة
- تعليل الظواهر بأجوبة غير قابلة للفحص (تعريفا) هو جهل
- إضافة أي معلومة إلى تفسير ظاهرة ما، يتطلب وصفا محددا للمعلومة وطريقة تدخلها
- الكلام الهلامي، لا يضيف أي شيئ للمعرفة الإنسانية
العرف البشري لا يحتمل أن يشمل جميع الفرضيات. الفرضيات التي لديها مؤشرات وتأثير ملموس وقابل للفحص (ولو بطريقة عشوائية) هي التي يفلترها الإنسان لمحاولة دراستها.
أما الكلام العام الهلامي، كـ "خالق" و "شيطان" و "ملائكة" و "جن"... فهذه مجرد هلوسات، ولن تصبح حقيقة أبدا.
إذا، فتفسير الظواهر لا يلغي وجود الخالق. فالخالق منفي أصلا "تعريفا" استنادا إلى قدرة العقل البشري والوسائل البشرية في الوصول إليه أو رصد تأثيره أو التحقق من أفعاله أو...
أي نعم، هناك "الخالق الفكرة"، لكن هذه لا تتعدى مرحلة الترف الفكري كما قلت سابقا، حالها كحال "الكارما" و "سوء الحظ". فكرة لا تنفع ولا تضر ولا تشرح شيئا، مجرد تعبير لاحق عن حالة سابقة.
|