اقتباس:
الإشكال الحادي عشر : وهى الأهم على الإطلاق فى رؤيتى لقصة يوسف القرآنية.
من الذى تسبب فى حزن يعقوب الشديد وفقدانه لبصره؟
ما الذى يمكن أن يتوقعه إنسان عاقل يعرف ماحدث ليوسف على يد إخوته حين يرى يوسف وقد أصبح صاحب شأن كبير فى مصر؟
أعتقد أن المنطق يقول أن يرسل يوسف إلى أبويه يطمئنهما عليه ويخبرهما بما من الله به عليه ثم يسعى لتعويضهما عن كل سوء أو معاناة مرا بها.لكن الغريب أن يوسف ظل فى مصر مدة طويلة دون يرسل إلى أبويه يطمئنهما عليه ويريح قلب كل منهما.
|
يعقوب كان مثل يوسف مؤمنا بتحقق رؤياه. لكن الله اختبر صبر يعقوب بطول مدة الفراق كما اختبر يوسف بالاسترقاق و كيد النسوة والسجن لأنه بعد المحنة تأتى المنحة.
فيعقوب يعلم أن يوسف سيكون له شأن وأنه لن يموت قبل أن يسجد له هو إخوته تعظيما لشأنه. فهو كان على يقين باجتماع الشمل وأنه لا يزال على قيد الحياة. ولذا قال يعقوب: إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ. أي أعلم أن الرؤيا ستتححق و أعلم حتمية التئام الشمل مرة أخرى. ولذلك قال يعقوب: عسى الله أن يأتينى بهم جميعا. وقال: يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله.
في المقابل: فقد أوحى الله ليوسف بتفاصيل المشهد الذي وقع بينه وبين إخوته لما دخلوا عليه فعرفهم دون أن يتعرفوا عليه وهو لا يزال في الجب ( والذي قد يكون من الرؤيا الصالحة أيضا) فقال تعالى: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. " أى : لتخبرنهم فى الوقت الذى يشاؤه الله - تعالى - فى مستقبل الأيام ، بما فعلوه معك فى صغرك من إلقائك فى الجب ، ومن إنجاء الله - لك. وجملة ( وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ) حالية ، أى : والحال أنهم لا يحسون ولا يشعرون فى ذلك الوقت الذى تخبرهم فيه بأمرهم هذا ، بأنك أنت يوسف . لاعتقادهم أنك قد هلكت ولطول المدة التى حصل فيها الفراق بينك وبينهم ، ولتباين حالك وحالهم فى ذلك الوقت (التفسير الوسيط)".
فيوسف يعلم أن أباه يعلم أنه لا يزال على قيد الحياة فهو ليس بحاجة لإخباره. ويعلم أن اللقاء لن يكون مهما حاول حتى يكون ما سبق وأن أوحى الله إليه به أنه يكون من تمكينه في الأرض ومجيء إخوته ودخولهم عليه وهم له منكرون.