اقتباس:
الإشكال العاشر: حينما رأى النسوة يوسف قلن (وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيم) وحينما استدعى الملك النسوة اللاتى قطعن أيديهن وسألهن عن يوسف فقلن (حاش لله ما علمنا عليه من سوء)
فما هذه اللغة الإيمانية الإسلامية على لسان من يعبدون الأصنام والملوك؟
|
الفترة المفترضة لوجود يوسف في مصر هي فترة حكم الهكسوس الذين حكموا في مصر السفلى بالتزامن مع حكام مصر العليا (الأسرتان ١٦ و ١٧ وكان مقرهم طيبة). وكانت عاصمتهم أفاريس أو "تل الضبعة" حاليا. وكونوا ما يعرف بالأسرة الخامسة عشر ما بين عامي ١٦٥٠ و١٥٥٠ قبل الميلاد. والهكسوس هم جماعات من غرب آسيا يعرفون بالكنعانيين.
فديانة الهكسوس هي ديانة الكنعانيين. وكانوا يعبدون "بعل" إله الطقس والخصب كما يتضح من النقوش على التمائم أو الأختام التي تعود إلى حقبتهم وعثر عليها في تل الضبعة.
كانت ديانة الكنعانيين من النوع الذي يعرف بالهينوثية أو الوحدانية المشوبة حيث كانت الآلهة لديهم تتفاوت في رتبتها. ففي الرتبة الأولى الرب الأعلى أو الخالق وربما صاحبته أيضا ( عبد الكنعانيون عشيرة كما كان يفعل العرب في الجاهلية أيضا ونسبوا لله الصاحبة ويسمونها اللات. وقد عبدت اللات أيضا من قبل الأنباط كما عبدت في تدمر والحضر وورد أسمها في الكتابات العربية الجنوبية و الصفائية). وكانوا يسمونه El إيل وهي كلمة سامية تعني الإله. وقد ورد هذا اللفظ في التوراة في الإشارة إلى الله.
ويقابله في العربية "الإل" والذي يعنى الإله.
قال ابن جرير: وَذَلِكَ أَنَّ الإِلُّ بِلِسَانِ الْعَرَبِ اللَّهُ كَمَا قَالَ : {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلاَ ذِمَّةً} فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : الإِلُّ : هُوَ اللَّهُ . وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِوَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ حِينَ سَأَلَهُمْ عَمَّا كَانَ مُسَيْلِمَةُ يَقُولُ ، فَأَخْبَرُوهُ ، فَقَالَ لَهُمْ : وَيْحَكُمْ أَيْنَ ذُهِبَ بِكُمْ وَاللَّهِ ، إِنَّ هَذَا الْكَلاَمَ مَا خَرَجَ مِنْ إِلٍّ وَلاَ بِرٍّ . يَعْنِي مِنْ إِلٍّ : مِنَ اللَّهِ.
ثم يأتي في الرتبة الثانية الآلهة التي تتحكم في ظواهر الطبيعة مثل بعل.
ثم في الرتبة الثالثة الآلهة التي تتحكم في تفاصيل الحياة اليومية للبشر. ثم في الرتبة الرابعة الرسل وهم الملائكة أو الواسطة بين الإله والعالم وفي العبرانية يطلق عليهم لفظ ملْأخ/يم والتي تعني حرفيا رسول.
لكن في ديانة العبرانيين لم يكن هناك وجود للرتبتين الثانية والثالثة. فقط الرب الأعلى والملائكة مع اعتبار الملائكة مجرد مخلوقات ماورائية خاضعة للرب الأعلى.
وبالتالي قول النسوة أن يوسف ملاك أو كالملاك لا غرابة فيه.
وكذلك قولهن حاش لله، ومعناه تنزه الله، هو تنزيه للرب الأعلى أو الصانع الذي كانوا يثبتونه وإن جعلوا له شركاء كما كان حال العرب في الجاهلية، وكما قال يوسف عليه السلام:
أأرباب متفرقون خير أم اللّه الواحد القهار. ما تعبدون من دونه إلا أسماءا سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان.
وكلام امرأة العزيز لدى اعترافها إنما كان بعد أن تابت من الشرك واستقر في قلبها عقيدة يوسف عليه السلام والتي لا شك أنه كان يدعو إليها قبل وبعد سجنه كما في قوله تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا زِلْتُمْ فِى شَكٍّۢ مِّمَّا جَآءَكُم بِهِۦ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعْدِهِۦ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ.
بخصوص طبيعة ديانة الكنعانيين والعبرانيين راجع:
Noll, K.. (2006). Canaanite Religion. Religion Compass. 1. 61 - 92. 10.1111/j.1749-8171.2006.00010.x.